وضع داكن
24-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 036 - العيد والثبات بعد رمضان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام على الهواء مباشرةً عبر أثير إذاعتكم حياة FM، متواصلين في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 سيكون حديثنا لهذا الحلقة بحول الله عز وجل حول شقين؛ الأول: الثبات على الطاعة مع نهاية شهر رمضان وبعده، والشق الثاني عن العيد، وعن بعض النقاط المتعلقة به.
 كثير من عباد الله فتح الله عليهم بأن يسيروا على درب القرآن الكريم، والتزموا بالقيام بين ختمة وتفسير وحفظ لكتاب الله عز وجل، كيف لنا أن نثبت على هذا مع انتهاء هذا الشهر الفضيل؟

العبادات معللة بمصالح الخلق :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.
 الحقيقة الدقيقة أن العبادات في الدين العظيم معللة بمصالح الخلق، أي القوي يعطي أمراً وليس مضطراً أن يعلله لك، فالتعليل إكرام بالغ للإنسان، مثلاً قال تعالى:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

فلما ذكر العلة والحكمة والمراد رفع الإنسان إلى مستوى راق جداً، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 183]

 فحينما يأتي الأمر معللاً بحكمته، أو معللاً بمصالح الخلق، هذا أمر راق جداً، مع أن الأقوياء ليسوا ملزمين أن يعللوا أوامرهم، هذا من إكرام الله للإنسان، إن الله خلق آدم على صورته، الإله فرد، و الإنسان الله جعله فرداً، ما جعل للإنسان شبيهاً أبداً، مادام دخلنا بهذا الموضوع لدقائق سريعة، الإنسان عنده أكثر من عشرة أشياء ينفرد بها وحده، منها قزحية العين، الآن بالمطارات يضعونك على جهاز يصور قزحية العين، مهما كان الجواز مزوراً تزويراً متقناً جداً، قزحية العين محفوظة عندهم، فإذا جاءت بخلاف ما في الجواز انكشف الإنسان، هذه هوية قزحية العين، رائحة الجلد هوية، نبرة الصوت هوية، بصمة اليد هوية، بلازما الدم هوية، الحوين المنوي هوية، لا يمكن، يوجد عشرة أشياء تقريباً الإنسان ينفرد بها، وكأن الله عز وجل هو فرد، وتكريماً لهذا الإنسان جعله فرداً لا شبيه له، إن الله خلق آدم على صورته، يستنبط من هذا النص هذه المعاني الذي ذكرتها قبل قليل، الإنسان مكرم، الله عز وجل مريد وجعل لهذا الإنسان إرادة، الله مريد يختار وجعل لهذا الإنسان إرادة، الله فرد وجعله غير متكرر، نسيج وحده، إذاً الخصائص الدقيقة للإنسان ينبغي أن نشكر الله عليها، وأن نبالغ في الإقبال على الله، والامتثال لأمره، والفوز بجنته.
المذيع:
 ضمن هذا الكلام اللطيف كيف يمكن لنا أن نثبت على الطاعة بعد انتهاء هذا الشهر الفضيل؟

بطولة الإنسان تكون باستمرار طاعته بعد رمضان :

الدكتور راتب :
 الإنسان العاقل قد يسأل سائلاً: لو أننا صمنا رمضان، وقمنا رمضان، وأنفقنا أموالنا في رمضان، وانتهى رمضان، وعدنا إلى ما كنا عليه، معنى ذلك لم نستفد من هذا الشهر.
أريد أن أبين للأخوة المستمعين نقطة، برمضان صار نقلة نوعية، قفزة نوعية، ينبغي أن تستمر بعد رمضان، يأتي رمضان آخر قفزة نوعية أخرى، صار عندنا درج، معنى هذا أننا كل سنة نرقى، على أن كل إنجازاتنا برمضان ثبتت، ثبت الصلاة في المسجد، ثبت صلاة الفجر في وقتها، ثبت صلاة العشاء في وقتها، ثبت غض البصر، ثبت تحرير الدخل، فكل الطاعات التي قام بها الإنسان في رمضان إن هي شعائرية أو تعاملية هذه العبادات التي قام بها في رمضان بطولته وذكاؤه وعقله يقتضي أن تستمر بعد رمضان ولا يفطر إلا الفم، أما هذا إذا صعد وهبط فصار كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم واحداً إنه كالناقة حبسها أهلها فلا تدري لا لم حبست؟ ولا لم أطلقت؟

رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي  مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ
***

 فنحن عندما يصير رمضان عادة من عوائد المسلمين لم يعد عبادة، أي رمضان عند معظم الناس الغير ملتزمين شهر الولائم، كل يوم وليمة، شهر السهر، شهر المسلسلات، شهر الأفلام، يكون فيلم ساقط يطرح قيماً تناقض الدين، ومناظر فاسدة جداً، يقول لك: إكراماً لشهر رمضان، كلام مضحك، فعندما تعود هذه العبادة الأولى في الإسلام إلى عبادة فولكلورية، عبادة اجتماعية، عبادة ولائم، عبادة سهر على الأفلام، كأن الهدف الذي أراده الله من هذه الشهر لم يتحقق.

عظمة هذا الدين أنه دين جماعي ودين فردي :

 لكن أنا أقول كلمة دقيقة وأتمنى من الأخوة المستمعين أن يدققوا فيها: عظمة هذا الدين أنه دين جماعي، ودين فردي، لو طبقه الفرد وحده لقطف كل ثماره الفردية، لو طبقته الأمة قطفت ثماره الجماعية، لو طبقه فرد قال تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء : 147]

 هذا الكون مسخر تسخير تعريف وتسخير تكريم، موقفنا من تسخير التعريف أن نؤمن، ومن تسخير التكريم أن نؤمن، فالفرد إذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده، وعندئذ تتوقف كل المعالجات الإلهية، أما الأمة فقد قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 الأمة إذا طبقت منهج النبي عليه الصلاة والسلام لا تعذب، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن يعذبوا، قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

 ملمح لغوي؛ عندنا شيء اسمه النفي، نفي الحدث، وعندنا شيء اسمه: نفي الشأن، نفي الشأن صيغته وما كان، قلت لصديقك: هل أنت جائع؟ يقول: لا، لكن إنساناً محترماً تسأله سؤالاً: هل أنت سارق؟ لا يقول: لا، يقول: ما كان لي أن أسرق، هذه الصيغة في اللغة تنفي الشأن، لا أسمح، ولا أبارك، ولا أسكت، ولا أغطيها، ولا أتسامح مع من يفعلها، اثنا عشر فعلاً ينفى بهذه الصيغة، وما كان هذه الصيغة صيغة نفي الشأن لا نفي الحدث..

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال : 33 ]

الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر :

 قال تعالى:

﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 46 ]

عندنا في الشام جبل قاسيون، والله هذه تلة وليس جبلاً، لو اجتمعت قوى الأرض أن تنقله إلى درعا أو إلى الأردن، تستطيع؟ مستحيل، الله عز وجل وصف مكر الطرف الآخر بأنه يزيل الجبال:

﴿ َقَدْ مَكَرُوا مَكْرُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 46 ]

 الآن يوجد آية ثانية مذهلة، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

[ سورة آل عمران : 120 ٍ]

 مهما تكن المؤامرة كبيرة، والعالم كله وراء هذه المؤامرة، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

[ سورة آل عمران : 120 ٍ]

 فإذا كان هناك كيد للطرف الآخر فهذا الكيد تزول منه الجبال، وأنت معك الله عز وجل الذي قال لك: اصبر واتق:

﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾

[ سورة آل عمران : 120 ٍ]

 أنا ماذا أقول؟ الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر، وأما المعصية مع الصبر فطريق إلى القبر، الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر، معصية وصبر بعدها القبر.
المذيع:
 حديثنا عن الثبات على الطاعة بعد رمضان وهي أيام معدودة تفصل بيننا وبين نهايته، كنصائح على أرض الواقع ماذا ينصح فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي؟

نصائح للثبات على الطاعة بعد رمضان :

الدكتور راتب :
 أتمنى على أخوتي المستمعين أنهم في رمضان صلوا الفجر في وقته، وفي المسجد في الأعم الأغلب، حبذا لو تتابع هذه العبادة بهذا الشكل، من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح، ما قولك أن الإنسان مغطى من قبل الله عز وجل عناية، ودعماً، ونصراً، وتوفيقاً، من الصباح حتى المساء، ومن المساء حتى الصباح، من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله أي في حفظ الله، وفي توفيقه، وفي دعمه، وفي إكرامه، حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة، في رمضان أعتقد أن معظم الناس يصلون الفجر في المسجد، تابعوا هذه العبادة بهذه الطريقة، من صلى الفجر في جماعة..
المذيع:
 هنا هل يشمل النص جماعة في المسجد أم أي جماعة في البيت؛ أب وأولاده وزوجته؟
الدكتور راتب :
 هنا يوجد جواب دقيق جداً، بارك الله بك على هذا السؤال، إذا إنسان ذهب إلى المسجد وغلب على ظنه أن أهله لن يصلوا الفجر في وقته، لأن الكل نائمون، أنا أقول لهذا الرجل: أيقظ زوجتك وبناتك وأولادك إيقاظاً لطيفاً، وتوضؤوا جميعاً، وصلّ أنت بهم إماماً، فأنت في جماعة، أنت ضمنت أن زوجتك وبناتك وأولادك استيقظوا على صلاة الفجر في وقتها، وصلوا، وإذا أنت طالب علم بعد الصلاة يوجد شرح آية، الآية التي قرئت في الصلاة، أو حديث شريف فأنت صرت في علاقة دينية مع أولادك، أنا أقول: الذي يغلب على ظنه أنه لو صلى الفجر في المسجد أهله لا يستيقظون، ولا يصلون في وقتها، يغلب على ظنه أنه إذا بقي معهم، وأيقظهم واحداً واحداً، وصلى بهم إماماً، أو كلف ابنه أن يصلي إماماً، يرى هذا العمل كبيراً، وبعد الصلاة ربع ساعة موعظة لطيفة قرآنية يبدأ بها يومه، قال تعالى:

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً ﴾

[ سورة المزمل: 6-7 ]

 فهذا الفجر:

(( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 هذا وقت مبارك، أحد العلماء حدثني ألّف كتاباً في الفقه، من أضخم كتب الفقه، حوالي عشرة أجزاء، كل جزء ثمانمئة صفحة، قال لي: هذا الكتاب ألفته بأكمله بين الساعة الرابعة فجراً والثامنة صباحاً، الناس كلهم نائمون بهذا الوقت، فالإنجازات بالوقت الباكر شيء مذهل، ذهن صاف، لا يوجد اتصالات، و لا هواتف، ولا طرق باب، ولا زيارات، ولا هموم، هذا وقت الإقبال على الله.

(( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[سنن ابن ماجة عَنْ سَمُرَةَ ابْنِ جُنْدَبٍ]

(( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

المذيع:

(( بورك لأمتي في بكورها ))

[أبو يعلى والطبراني في الكبير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]

 هي من بعد الفجر حتى الشمس، معنا اتصال أختي أنيسة تفضلي..
 القرآن الكريم نزل في ليلة القدر هناك الكثير من الآيات لها مناسبات خاصة، أنا لا أفهم هذا؟

الابتعاد عن معصية الله لأن علمه يطولنا و قدرته تطولنا :

الدكتور راتب :
 لعل نزوله بدأ ليلة القدر، لكن الحقيقة الأعمق من ذلك قال تعالى:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾

[ سورة الزمر: 67 ]

لمجرد أن يعصي الإنسان ربه ما قدره حق قدره، لو أنت مواطن عادي في بلد، وراكب سيارتك، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، وهناك شرطي على دراجة نارية، وضابط في السيارة، وأنت ضابط عادي ليس لك أي ميزة، هل تتجاوزها؟ طبعاً لا، لأن واضع قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك، فأنت في قبضة النظام والقانون، ما قولك بأن الله عز وجل حينما يقول:

﴿ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا ﴾

[ سورة الطلاق: ١٢]

 أي الله عز وجل علمه يطولك، وقدرته تطولك، فكيف تعصيه؟ لو إنسان فكر أنت مع شرطي سير معه دفتر ضبط، أو يوجد كاميرا في الليل، مستحيل تعصيه، لأنك موقن أن واضع هذا القانون علمه يطولك.
المذيع:
 أخي داود تفضل...
 اللهم أبعد عن أمة الإسلام السحر والمس والحسد، قال المشركون: إن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر، ونحن ننظر إلى الحضارة الغربية أنها هي ساحرتنا.

أمر السحر مع الله فقط :

الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾

[ سورة إبراهيم: 22 ]

من سحر فقد كفر، قال تعالى:

﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾

[ سورة البقرة: 102 ]

 الأمر مع الله فقط، لعل هناك فكرة أبلغ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

((.....وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))

[متفق عليه عن أم سلمة]

 إذا معك فتوى ليست من شخص عادي، من سيد الخلق وحبيب الحق، ولم تكن مع الله محقاً لان تنجو من عذاب الله، فالأمر معلق بالله، السحر موجود، ومن سحر فقد كفر، والساحر لا يستطيع إلا أن يؤثر على قلب غافل لا على قلب موصول.
المذيع:
 أما أن يعلق الإنسان كل مشاكله أنا مسحور..
الدكتور راتب :
 خطأ كبير جداً.
المذيع:
 معنا أخي محمد...
 ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان، أي في رمضان هذا قد تكون ليلة القدر في الليلة السابعة والعشرين، رمضان الآخر ممكن أن تكون في الليلة الحادية والعشرين.

التماس ليلة القدر في العشر الأخير و الليلة المفردة :

الدكتور راتب :
 النبي صلى الله عليه وسلم قال: التمسوها في العشر الأواخر، والليلة المفردة.
المذيع:
 أنا أقصد أنها تنتقل بين عام وعام من ليلة إلى ليلة، إذا عرفت في السابعة والعشرين..
الدكتور راتب :
 من إحدى وعشرين إلى تسع وعشرين، كيف عرفوا أنها في السابعة والعشرين؟
المذيع:
 مثلاً يوجد دلالات، حديث الإمام مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه: " شمسها بيضاء لا شعاع فيها ".
الدكتور راتب :
 أنا سوف أقول لك قناعتي: أنت حينما تطيع الله عز وجل قدرته حق قدره، قال تعالى:

﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾

[ سورة التحريم: 4 ]

 أنت عندما تطيع الله عز وجل فيما أمر وفيما نهى فأنت قدرته حق قدره، تقدير الله حق قدره بطاعته، أما هذه المظاهر التي يذكرها بعض الناس في أن الشجر يسجد، والسماء لها وجه معين، هذه الأشياء لا أعلق عليها أهمية إطلاقاً، هناك إله عظيم معه منهج، أنت عندما تطيعه معنى هذا أنك قدرته، إن لم تطعه معنى هذا أنك لا تقدره.
المذيع:
 لكن دكتور ليلة القدر فيها موعد معين؟
الدكتور راتب :
 التمسوها في العشر الأواخر، هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يضاف عليه شيء، إذا أضيف عليه شيء من التاريخ فهذا موضوع ثان.
المذيع:
 أنت ترجح أنها في ليلة ثابتة فقط في الليلة السابعة والعشرين؟
الدكتور راتب :
 لا، تتنقل من إحدى وعشرين إلى تسع وعشرين.
المذيع:
 من يريد أن يدركها فليجتهد في العشر الأواخر.
الدكتور راتب :
 هذا القصد أنه ما حددها من أجل أن تجتهد في عشرة أيام.
المذيع:
 أخي خالد تفضل..
 سؤال بالنسبة للرزق النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الأجل والرزق واحد، إن الرزق يطلبكم كما يطلبكم أجلكم، كيف نوفق بين العمل وبين الرزق المحدود؟ كيف يولد أناس في فمهم ملعقة ذهب؟

ارتباط الرزق بالسعي و الحركة :

الدكتور راتب :

(( لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا ))

[ الترمذي وابن ماجه من حديث عمر قال الترمذي : حسن صحيح ]

 تغدو تمشي، تخرج من البيت، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا، ليس ممكن أن أقول لك اجلس في بيتك يأتيك رزقك، هذه غير واردة إطلاقاً، هذا كلام مضحك، إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا، الله يضمن لك الرزق لكن بشرط أن تتحرك.
المذيع:
 أخي خالد تفضل..
 هل هذا حديث صحيح إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا؟

السعي يكون في الرزق و في العبادة أيضاً :

الدكتور راتب :
 نعم، إن الله كتب عليكم السعي، أنا عليّ أن أسعى، على الإنسان أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح، أخرج من البيت، أتحرك، أنظر هل يوجد فرص عمل في الصحف، وظائف شاغرة، صفقة أشتريها.
المذيع:
 أخي خالد تفضل..
 السعة في الرزق أم في العبادة؟
الدكتور راتب :
الرزق مطلق العطاء، وهناك شيء يؤكده، قال تعالى:

﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة: 82 ]

 الإيمان رزق، والتوكل رزق، والثقة بالله رزق، ومحبة الله رزق، واستقامتك رزق، أولادك الأبرار رزق، فالصلة بالله رزق، قال تعالى:

﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾

[ سورة الواقعة: 82 ]

المذيع:
 لكن المطلوب من الإنسان هنا أن يسعى بالعبادة أم يسعى لطلب الرزق؟
الدكتور راتب :
 بالكل عليه أن يسعى، في العبادة وفي طلب الرزق.
المذيع:
 ولو كان غير مؤمن بالله إن سعى نحو رزقه يرزق؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولكن الآخرة لمن يحب.
المذيع:
 الأرزاق مقسمة ومكتوبة لكن شرط تحصيلها أن تسعى.
الدكتور راتب :
 مثلاً مادام الموضوع ذكر، يوجد بستان في الأردن الشجرة السابعة، الفرع الثالث، الغصن الرابع، التفاحة الخامسة، هذه لك، هذه معنى مقسوم، أنت مخير يمكن أن تشتريها بمالك، ممكن أن تقدم لك هدية، ممكن أن تقدم لك ضيافة، ممكن أن تسرقها لا سمح الله، انتقال الشيء لك باختيارك، أما هي فلك، الرزق مقسوم، أما وصوله لك فباختيارك، فقد تختار الطريق الشرعي الحلال، شراءً أو ضيافة أو هدية، أما السرقة فالإنسان أحياناً يسرق رزقه، يكون قد ارتكب إثماً كبيراً وهو له بالأساس.
المذيع:
 حديثنا عن عيد الفطر السعيد، ونحن على عتباته، لماذا شرع العيد هل ليفرح الإنسان بعد إنجازه لمهمة رمضان وما فيها من متطلبات شرعية؟

العيد عودة إلى الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 بارك الله بك، أعياد المسلمين عقب عبادات كبرى، أوقات طاعة مكثفة، أوقات صلة رحم، أوقات إنفاق، أوقات حب، أوقات نهاية النزاعات، أوقات المصالحة مع بني البشر، الأعياد عندنا طاعات، لا سمح الله بغير بلدان الأعياد وقت معصية، شرب خمر وزنا إلى آخره، نحن هذا الدين العظيم جعل الله عز وجل العيد عودة إلى الله، العيد عودة إلى الله، والدليل:

﴿ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾

[سورة الحج: 37]

 تقول: الله اكبر هذا إعجاب، أنت صمت ثلاثين يوماً، وصار لك اتصال بالله، واستنار قلبك بنور الله، وكنت بأعلى درجة من المودة مع أسرتك، مع زوجتك، مع أولادك، مع جيرانك، مع أقاربك، تقول:

﴿ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾

[سورة الحج: 37]

 الله أكبر، أنت دخلت بحالة من السعادة لا توصف، هذا العيد أساسه عودة إلى الله عز وجل، العيد عقب عبادة كبيرة، وخطيرة، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

[ سورة البقرة : 183]

 صار هناك تقوى برمضان، العيد عودة، والفرح بالعيد فرح بالهداية، فرح بالصلح مع الله، إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، هذا أكبر عطاء إلهي.
المذيع:
 كيف يمكن أن نعبر عن مظاهر الفرح في العيد؟

السكينة مظهر من مظاهر الفرح في العيد :

الدكتور راتب :
 يوجد شيء اسمه السكينة، بتعبير آخر عند الناس التجلي، الإنسان عندما يكون قد اصطلح مع الله يلقي على قلبه السكينة، يسعد بها ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء، والله يا أخي الكريم في قلب المؤمن من السعادة ما لو وزع على أهل بلد لكفتهم، أنت موصول مع العظيم، مع الرحيم، مع القوي، مع الغني، مع العدل، مع العليم، موصول مع الذات الكاملة، موصول مع خالق السماوات والأرض، موصول مع الرحمن الرحيم وتخاف؟ 

وتقلق؟

إن لم تقل: والله ما على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ففي الإيمان خلل، نحن نريد أن نتحرك وفق شهواتنا، وفق مصالحنا، ولا نعبأ كثيراً بحكم الله، ولا بشرع الله، ونريد أن نأخذ نتائج طيبة من مقدمات سيئة، هذا نوع من الغباء سيدي، تنتظر نتيجة عالية من مقدمة سيئة، شخص لم يدرس هل سيكون الأولي على صفه؟ أي أولي ما قرأ إطلاقاً.
 أنا أريد أن أقول لأخواني المستمعين: الإنجازات التي تحققت في رمضان أتمنى والله عليكم من أعماق قلبي أن تحافظوا عليها بعد رمضان، من صلاة الفجر في المسجد، من صلاة العشاء في المسجد، من غض البصر، من ضبط اللسان، من ترك الغيبة والنميمة، من ترك الاختلاط في البيوت، هذا الذي فعلته في رمضان خوفاً من الله بطولتك وذكاؤك أن تتابعه بعد رمضان حتى يصير رمضان مع رمضان درج صعود متتابع، لكن انتهى رمضان عدنا إلى ما كنا عليه بعد قبل رمضان ما استفدنا شيئاً.
المذيع:
 بعد النصائح للعيد ماذا تنصح؟

نصائح هامة للعيد :

الدكتور راتب :
 ألفنا أن العيد زيارات، وكل واحد في جيبه عشرون بطاقة باسمه، وكان يتمنى ألا يجد أحداً حتى يضع البطاقة ويمشي، سجل زيارة، ليس هذا القصد، أنا أقترح أنت عندك الأقارب نوعان، النوع الأول تلتقي بهم كل أسبوع، وعندك مجموعة ثانية وهي الأخطر، لا تلتقي معهم إلا في الأعياد، أنا أتمنى بدل تراشق الزيارات، ووضع البطاقات، اسهروا سهرة اجمعوا أنفسكم على أساس جوار، زمالة في العمل، قرابة، اختار واحدة منهم، نعمل سهرة نلتقي مع بعضنا، نتفقد أحوال بعضنا، نسأل عن أولاد بعضنا ما هي أخبارهم؟ دخلوا جامعة؟ قد يكون عندك إمكانية أن تعاونهم في الجامعة، أنا أذكر أني في الشام تكلمت بهذا الكلام في العيد، رجل أخذ أسماء أقربائه أول مرة يزورهم، يصل الرحم، أخذ اسم واحد نزل لعنده، البيت قبو ثان، وليس فيه شمس، مع أولاده روماتيزم، وهو ميسور جداً، أخذ له بيتاً في الطابق الثالث أسكنه به، ما معنى صلة الرحم؟ أن تتفقد أقرباءك، أنت غني أعط من مالك للفقير، أنت قوي أعط من قوتك للضعيف، أنت عالم انصح أخاك المؤمن لطلب العلم، هذه الزيارات من أجل تبادل الخبرات، من أجل تفقد الأقارب، هذا نوع من الضمان الاجتماعي الذاتي، ضمان اجتماعي عبادي، ضمان اجتماعي إسلامي.
المذيع:
 شيخنا نختم الحلقة بدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، وكل عام وأنتم بخير، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، نصل معكم إلى الختام مستمعينا الكرام، تقبل الله منكم، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور