وضع داكن
18-04-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 047 - هوية المسلم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم.
المذيع:
 حياكم الله، يقول ربنا سبحانه وتعالى:

﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾

[سورة الفتح: 29]

 هل لهذه السمات هل للأشكال هل للهوية ارتباط بحياة المسلم في ظلّ حديثنا اليوم عن الهوية الإسلامية؟

الإسلام خضوع و الإيمان اتصال :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
سؤال دقيق؛ الإنسان المسلم له هوية، هذه الهوية مستنبطة من أركان الدين، ومن أركان الإسلام، فأركان الإسلام الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، هذه أركان الإسلام، والإنسان عندما يصلي هذه هويته، عندما يغض بصره هذه هويته، عندما يؤدي ما عليه هذه هويته، عندنا حقوق وواجبات، وعندنا أركان الإسلام، وأركان الإيمان، فما لم يتمثل أركان الإيمان، آمن بالله خالقاً، مربياً، مسيراً، آمن بالملائكة، بالكتاب، بالنبيين، وآتى المال على حبه، أركان الإيمان هذه بالقلب، أما الشيء الظاهر فهو أركان الإسلام، الإسلام خضوع لمنهج الله، الإسلام أداء الصلوات، والصيام، والحج، والزكاة.
 الإنسان إن أدى زكاة ماله هذا مؤشر، غض بصره عن محارم الله هذا مؤشر، كانت معاملته في البيت جيدة جداً هذا مؤشر، فالإسلام له أركان الإيمان، وله أركان الإسلام، الإسلام بالأساس خضوع لمنهج الله، قال تعالى:

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾

[ سورة الحجرات: 14 ]

 فالإسلام خضوع، الإيمان اتصال، يوجد خضوع و اتصال.
المذيع:
 والهوية الإسلامية أين تكون؟

الإخلاص عبادة القلب :

الدكتور راتب :
 ورد:

(( برئ من الكبر من حمل حاجته بيده ))

[ورد في الأثر]

(( من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق ))

[ الطبراني في الصغير عن أبي هريرة ]

(( برئ من الشح من أدى زكاة ماله ))

[ الطبراني عن جابر بن عبد الله ]

 هذه مؤشرات، مادية، قال تعالى:

﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا ﴾

[سورة الزمر: 2]

 العبادة ظاهرية أما الإخلاص فباطني، الإخلاص عبادة القلب.
المذيع:
 هل يهتم الإسلام بالشكل عندما نتحدث عن الهوية الإسلامية أم هو قضية قلوب؟

تعدد المظاهر في الدين :

الدكتور راتب :

(( أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة بين الناس ))

[ أحمد عن سهل بن الحنظلية]

المذيع:
 ما المقصود بذلك دكتور؟
الدكتور راتب :
أي هيأ رحاله، والناقة، وما حولها، حسنوا لباسكم، هذا مظهر النظافة مظهر إسلامي، غض البصر مظهر إسلامي، إنفاق المال مظهر إسلامي، رحمة الخلق مظهر إسلامي، هذه كلها مظاهر، المنهج الإسلامي واسع جداً، نحن نفهم الإسلام فهماً شعائرياً، الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، أما الإسلام فيكاد يصل لخمسين ألف بند، كسب مالك، إنفاق مالك، معاملتك لزوجتك، لجيرانك، لأقربائك، لبناتك، لأصهارك، لمن حولك، للأقوياء، للضعفاء، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، هذا المنهج التفصيلي فيه التزام، لذلك:

(( من أكثر ذكر الله فقد برئ من النفاق ))

[الطبراني في الصغير عن أبي هريرة ]

 هذه واحدة أدى زكاة ماله، حمل حاجته بيده، التواضع مظهر، وخدمة الخلق مظهر، والرحمة بالخلق مظهر، والإنصاف مظهر، والصدق مظهر، والأمانة مظهر، هذه كلها مظاهر.
المذيع:
 إذاً المظاهر لها وجود في الدين، المرأة لباسها هل يعد من هذه القضايا أم هو عبادة؟

حجاب المرأة أحد أكبر أساسيات إسلامها :

الدكتور راتب :
هو من أهم هذه القضايا، المرأة محببة للرجل، فإذا تفلتت أغرت الشباب، وكان هناك فساد كبير، فالمرأة حجابها أحد أكبر أساسيات إسلامها، هي لزوجها ومحارمها، مفاتنها ليست لكل الناس، لذلك المرأة المسلمة لا تثير الشباب، لها عبادة كبيرة كبيرة أنا أسميها اجتهاد مني عبادة إعفاف الشباب، كما أن للرجل عبادة كبيرة كبيرة هي الجهاد، للرجل عبادة كبيرة وهي الجهاد، وهي ذروة سنام الإسلام، والمرأة لها عبادة كبيرة هي إعفاف الشباب بالاحتشام، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 32 ]

 المرأة حينما تخضع بالقول، تلين القول، صار عندنا مشكلة.
المذيع:
 هوية الحجاب هي هوية بصرية يراها الناس فيعرف الناس أنها امرأة مسلمة هل القضية بهذا اللباس أم القضية بما تحمله من إيمان؟

دليل إيمان الإنسان صدقه و استقامته وليس شكله أو لباسه :

الدكتور راتب :
 أريد أن أذكر آية مهمة جداً جداً، قال تعالى:

﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 59 ]

 بعد أن تحدث الله عن آيات الحجاب، قال تعالى:

﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 59 ]

 ما معنى أدنى أن يعرفن؟ أحتاج إلى مثل.
 نحن في بلادنا الطلاب لهم لباس موحد، لو أن طالباً يرتدي ثياب المدرسة، وهي ذات لون معين، وكل مرحلة لها لون، عندنا في الشام الإعدادي له لون، والثانوي له لون، لمحت شابا يرتدي ثياب التعليم الثانوي، لو أن هذا الشاب أخذ أصفاراً بجميع المواد، وفصل من المدرسة، ومشى في الطريق بثياب الطلاب، نقول: هذا الثوب الأخضر الذي يرتديه هذا الطالب أدنى إشارة تشير إلى أنه طالب، لكن ليست أعلى إشارة، قال تعالى:

﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 59 ]

 يوجد أشياء ظاهرة هي في الحقيقة أدنى وليست أكبر، الإيمان، الاستقامة، الصدق، الأمانة، رحمة الخلق، أداء العبادات، الإنصاف، ألا يكون هناك عدوان، ألا يكون هناك استغلال، لا يوجد غش في البيع والشراء، لا يوجد تطاول.
المذيع:
 هذه نقطة بالغة الأهمية دكتور..
الدكتور راتب :

﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 59 ]

 امرأة محجبة ممتازة، لكن لو أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار:

(( إن المرأة تذكر أنها تكثر من صلاتها، وصيامها، وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار ))

[ أحمد عن أبي هريرة ]

المذيع:
 صار هناك فكرة لدى بعض الناس في المجتمع ما هو الأهم حجاب مع التقصير أم سلوكيات وأخلاقيات دون حجاب؟

المنهج الإسلامي منهج متكامل :

الدكتور راتب :
 لا، الحقيقة هذا منهج متكامل، لا نستطيع أن نحذف منه شيء، أعظم ما في المنهج أنه منهج من عند الخالق، متكامل، لا يحذف منه، ولا يزاد عليه، دقق إذا حذفنا منه أحد بنوده كالجهاد ضعفنا، وإذا أضفنا عليه ما ليس منه تقاتلنا، شيء مخيف، تحذف نضعف، تضيف نتقاتل، صرنا شيعاً وأحزاباً، الأعداء يتعاونون، وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة، ومع الأسف الشديد الشديد المسلمون يتقاتلون وبينهم خمسة وتسعين بالمئة قواسم مشتركة، هذه المنهج لا يضاف عليه، بالإضافة معنى هذا أن فيه نقصاً، ولا يحذف منه.
المذيع:
 ما هو الشرع في قضية الأخلاق واللباس؟

الكتاب و السنة هما مرجع كل إنسان في أية قضية :

الدكتور راتب :
 الكتاب والسنة، قال تعالى:

﴿ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ﴾

[سورة النساء : 59]

دقق لو وقفنا عند أولي الأمر، من هم؟ العلماء والأمراء معاً، العلماء يعلمون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر، هناك تكامل بينهم، العالم معه المنطلق النظري، الأيديولوجيا، الفكر الإسلامي، العقيدة، المنطلقات النظرية، والحاكم ينفذ، عندنا سلطة تشريعية وتنفيذية، قال تعالى:

﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾

[سورة النساء : 59]

 مع من؟ مع علمائكم أو مع أمرائكم، قال تعالى:

﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾

[سورة النساء : 59]

 ما معنى ردوه؟ إذا تنازعتم مع علمائكم أو مع أمرائكم ارجعوا إلى الكتاب والسنة، حينما يحيلك الله عز وجل إلى الكتاب والسنة، هل يعقل ألا تجد حلاً لمشكلتك في الكتاب والسنة؟ مستحيل، لا يمكن أن ترجع إلى الكتاب والسنة دون أن ترى الحل.
المذيع:
 لا بد لنا من التوسع أكثر في هذه القضية، وحديثنا عن الهوية الإسلامية، وارتباط الشكل بالعبادات، وبات بعض الناس يغلب الهوية على تفاصيل الإسلام، والبعض الآخر يرفضها ويمقتها، سوف أطرح على حضرتك بعض التطبيقات الموجودة في حياتنا.
الدكتور راتب :
 الأولى أن نجمع بينهما، بين الظاهر والباطن.
المذيع:
 بين الهوية والتطبيق، هل هنالك خلل أعبر عن نفسي كمسلم مثلاً تكون هويتي عندي مصحف في سيارتي أو آية الكرسي في صدر البيت؟

ضرورة تطابق المظهر مع السلوك :

الدكتور راتب :
 لا يوجد مشكلة أبداً، ولكن ألا نكتفي بذلك، هذا البيت عبرت عن إسلاميته بآية الكرسي، وعبرت عن إسلامك بمصحف في سيارتك، لا يوجد مانع لكن يجب ألا يكون بالقيادة إيذاء لمن حولك، لا يكون في القيادة شيء لا يرضي الله عز وجل.
المذيع:
 دكتور أنت تعتبره يعبر عن هوية السائق إذا وضع في السيارة، أنا مسلم والقرآن دستوري.
الدكتور راتب :
 إذاً ينبغي أن يكون مسلماً بالتطبيق، لا يوجد مشكلة.
المذيع:
 ليس فرضاً؟
الدكتور راتب :
 لا، ليس فرضاً.
المذيع:
 وإذا أنا مسلم وأصلي ولا أريد أن أضع مصحفاً في سيارتي.
الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ﴾

[سورة غافر: 28]

 أحياناً يقتضي الأمر أن تكتم إيمانك.
المذيع:
 أنا غير مضيق عليّ، ولا أخاف على حياتي، لكني لا أرغب فقط أن أضع مصحفاً في السيارة هل أنا آثم؟
الدكتور راتب :
 لا، ليست فرضاً.
المذيع:
 ليست عبادة، الآن لو وضعت المصحف وكنت في قيادتي أضر الآخرين، هنا تعارض المظهر مع السلوك.
الدكتور راتب :
 الخطأ في السلوك.
المذيع:
 هذه لبعض السلوكيات التي اعتبرناها مظهراً.

ثمن الجنة تناقض الطبع مع المنهج :

الدكتور راتب :

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها...))

[ أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]

 يوجد مؤمن متحدث لبق، مؤمن لا يحب الحديث، مؤمن يحب العزلة، مؤمن منفتح على المجتمع يحب السفر، هذه أشياء تسمى طباعاً، مؤمن أنيق جداً، مؤمن أقل أناقة، مؤمن كريم زيادة، مؤمن أقل كرماً، هذا طبع:

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))

[ أحمد عن أبي أمامة الباهلي ]

 صار عندنا فطرة وصبغة وطبع، الطبع طابعه مادي، الطبع أخذ المال، التكليف إنفاقه، الطبع أن تملأ عينك من محاسن النساء، التكليف غض البصر، الطبع أن تمضي في فضائح الناس، والتكليف أن تصمت، من تناقض الطبع مع المنهج يكون ثمن الجنة، قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

[ سورة النازعات :40-41]

 صار عندنا فطرة وصبغة وطبع، الفطرة أن تحب الخير، لا أن تكون خيراً، أن تحب العدل، لا أن تكون عادلاً، الصبغة أن تكون عادلاً.
المذيع:
 في بعض الحالات، في بعض البيوت الإسلامية أصبحت الهوية الظاهرية أحياناً هي الإسلام الوحيد في البيت، مثال شهر رمضان المبارك زينة رمضان أصبحت مقدسة عند بعض الناس، يجب كمسلم أن أزين وأضع الفوانيس لدرجة أنه قد يكون في البيت البعض لا يصوم، لكن زينة رمضان أصبحت هوية، ما تعليق حضرتكم؟

الاهتمام بالمظاهر الإسلامية :

الدكتور راتب :
 والله يوجد مجتمع فيه صراعات، فالهوية تستخدم بهذه الطريقة، إذا كان غير أديان تعتز بدياناتها يأتي الإنسان يزين الشرفة الخاصة به في رمضان، واردة، الآن صارت هذه إعلاناً، انتماء، لا يوجد مشكلة، أما هذا الإعلان أو الانتماء إذا لم يرافقه استقامة فهناك مشكلة.
المذيع:
لكن كمبدأ إظهار هذه المظاهر أنت تراها مقبولة؟
الدكتور راتب :
 لا يوجد مشكلة أبداً، إذا شخص يوم الجمعة لبس رداء أبيض سابغ وتعطر، هو ثيابه العادية غربية، أما يوم الجمعة فلبس ثوباً أبيض لا يوجد مشكلة، هذا يرمز للمسلم.
المذيع:
 هل تشجع الناس على هذا؟
الدكتور راتب :
 لا أشجع ولا أمنع، قضايا ثانوية.
المذيع:
 قول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 لماذا الاهتمام بالمظاهر إذا كان الله لا ينظر إلا لما في القلوب؟
الدكتور راتب :
 مثل هذا الكلام إذا تكرر من اكتفى بالمظاهر فقط، أما الإيمان فله مظاهر، إنفاق المال له مظاهر، إعطاء صدقة لسائل مظاهر، غض البصر عن امرأة لا تحل لك مظاهر.
المذيع:
 لكن هذه عبادات، الصدقة، غض البصر، نتحدث عن بعض السلوكيات ليست عبادات مثلاً من يضع صورة إسلامية في بيته، من يضع صورة المسجد الحرام في مؤسسته وعمله.
الدكتور راتب :
 لا يوجد مشكلة إطلاقاً، وهذه لها هدف، أنا مؤسسة إسلامية، يجب أن يكون هناك إعلان لطيف، إشارة لطيفة، لا تطلب مني شيئاً خلاف الشرع.
المذيع:
 ومثل هذه الصورة توحي للطرف الآخر هذا المعنى.
 هل لدينا في فكرة الهوية الإسلامية أن رجل الدين لا بد له من أن يكون ملتحياً، يرتدي لباساً يكون بطول معين حتى الناس تقول: هذا مظهره داعية، هل ارتباط اللباس عند الرجل جزء من الهوية المطلوبة؟

لباس الرجل قضية كمالية :

الدكتور راتب :
 اللباس الشرعي السابغ.
المذيع:
 أنا أتحدث عن الرجل.
الدكتور راتب :
 ما من داع لذلك.
المذيع:
 هل يمكن أن يكون عالماً دون هذا اللباس؟
لدكتور راتب :
 نحن يوجد عندنا مؤمنون، طبقة رجال الدين هذه تعني المؤمن، والدليل قال تعالى:

﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾

[ سورة يونس : 62-63]

 فقط، لا يوجد مظاهر، الأولياء من هم؟ قال: الذين آمنوا، وكانوا يتقون، انطلق من إيمانه، وطبق منهج الله عز وجل.
المذيع:
 اعتادوا أن يروا العلماء بالسروال الطويل هل هذا جزء من الهوية الإسلامية؟
الدكتور راتب :
 يوجد دعاة إلى الله بالبذلات الرسمية، ولهم تأثير كبير جداً، مقبول، وقد يكون هكذا أنا.
المذيع:
 وأنتم في أناقتكم في البذلة الغربية ألا ترى فيها بأساً؟
الدكتور راتب :
 قد يكون في بعض الظروف لها إيجابية، الإنسان أحياناً عنده خطوط دفاع في عقله الباطن، هو ضد رجال الدين، عنده أفكار سيئة جداً عنهم، أو معه معلومات سيئة جداً، و التعميم من العمى، فالإنسان عندما يكون مرتدياً بذلة وهو أنيق جداً، هذا الخط الذي هو راسمه لنفسه نحن اخترقناه بهذه الطريقة، فأنت البطولة أن تخرق خطوط الدفاع عند الآخر، تخرق هذه الخطوط بمظهر مقبول:

(( أصلحوا رحالكم، وحسنوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة بين الناس ))

[ أحمد عن سهل بن الحنظلية ]

 أنت حينما تخترق هذه الخطوط عند الإنسان تصل إليه.
المذيع:
 في فقه الأولويات أن الدعوة فريضة، وفي لحظة قد تكون فريضة الدعوة أهم من بعض السنن كاللحية.

على الإنسان أن يصل لمبتغاه دون أن يشعر أحد بذلك :

الدكتور راتب :
 إذا تعارضت سنة مع فرض أنا مع الفرض، كلام عام أو مطلق، قال تعالى:

﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ﴾

[سورة غافر: 28]

 أحياناً أنت إذا كتمت إيمانك في مجتمعات معينة، أو مجتمعات تحارب الدين، أنت تصل إلى مبتغاك دون أن يشعر أحد.
المذيع:
 مبتغاك الدعوي، نفترض أن مجتمعاً غربياً يحمل صورة نمطية سيئة عن المسلمين، إذا كنت أنا سأذهب باللباس الشرعي واللحية الطويلة لن يتقبلوا التعامل معي حتى لو كنت تاجراً.
الدكتور راتب :
 أنا أرى في هذه الحالة أن تكون عادياً، ليس لك أي مظهر إسلامي.
المذيع:
 حتى اللحية؟
الدكتور راتب :
 نعم، ممكن أن تؤثر، كلمة دقيقة إذا تعارض الفرض مع السنة أنا مع الفرض فالدعوة فرض.
المذيع:
 الأصل التقيد بالسنة، إذا أدى التقيد بالسنة كفكرة اللحية وهي سنة مؤكدة في تلك اللحظة منعك من أن توصل دعوتك، ممكن للإنسان أن يتنازل عنها مقابل الفريضة وهي الدعوة.

قبول التساهل في السنة من أجل تحقيق هدف دعوي كبير :

الدكتور راتب :
 مغطى بقوله تعالى:

﴿ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ﴾

[سورة غافر: 28]

المذيع:
 هذا لمن منع من أداء السنة؟
الدكتور راتب :
 لا، ليس منع، أنت سافرت إلى بلد أجنبي، المظهر المقبول المعروف إذا أنت تساهلت في سنة من أجل تحقيق هدف دعوي كبير، لا يوجد مانع، لذلك سيدنا عمر يقول: " ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشريَّن، وفرق بينهما، واختار أهونهما ". هذا منهج.
المذيع:
 إذا كان تقيدي بالسنة يحجبني عن الآخرين، ماذا لو لم يكن يحجبني؟
الدكتور راتب :
 الأولى أن تطبق السنة.
المذيع:
 الأصل تطبيق السنة.
الدكتور راتب :
 إذا تعارضت السنة مع الفرض.
المذيع:
 لباس الرجل كما تفضلت وقلت هو قضية كمالية لمن أراد لباساً إسلامياً أو غربياً، عند المرأة لا نقول هذا؟
الدكتور راتب :
 لا، مثلاً أنت ممكن أن تنظر إلى وردة جميلة، وتستمتع بجمالها، لكن هذه الوردة الجميلة ليس لها أثر آخر، المرأة موضوع ثان.
المذيع:
 الهوية الإسلامية هي موضوع نقاشنا مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، هل الهوية ترتبط بالمظهر فقط أم هي عدة عناصر مع بعض؟ وإلى أي درجة يهتم الإسلام بالمظاهر؟ الهوية قضية مباحة لمن أراد أن يزين أو أن يضع مصحفاً في السيارة لا نتشنج، لكن إذا اقتصر عليها فهذا فهم قاصر للإسلام.

المظهر الإسلامي و المعاملة الحسنة يشدان الناس إلى الدين :

الدكتور راتب :
 وإذا فعل عكسها فهو يؤذي المسلمين، لأن الناس ربطوا بين كذبه وغشه ولباسه الإسلامي.
المذيع:
تاجر مثلاً يتضح أنه إسلامي لكنه يغش في البضاعة، هنا الأولى أن يبتعد عن هذا المظهر، لو أردت أن أقوم بالعكس سأضع قرآناً في المحل ومظهراً إسلامياً لكني أتقن فن معاملة الناس، لا أكذب، لا أغش، أبيع البضاعة بسعر معتدل، هل لي أجر الدعوة؟
الدكتور راتب :
 يغطي هذا العمل قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

vقال: هذه الاستقامة بسبب إسلامي، عدم الغش بسبب إسلامي، عدم الكذب بسبب إسلامي، عدم تحديد سعر عال جداً بسبب إسلامي، عمل درساً للآخرين:

﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

المذيع:
 دعوة علنية لإبراز المظهر.
الدكتور راتب :
 كان بحفل رسمي وهناك شيء لا يرضي الله، لم يشرب قال: لأن هذا حرام في ديني، أنا أذكر مرة في بلد إسلامي جاءت من بريطانيا وزيرة النفط، فاصطف كبار موظفي وزارة النفط لاستقبال هذه الوزيرة، وصلت لعند شخص من كبار موظفي الوزارة، فاعتذر عن مصافحتها، الوزير انزعج منه كثيراً، قال له: هل كانت ستأكلك إذا صافحتها، قال له: هذا الحاضر. ما سمح له أن يحضر الوليمة ظهراً، هذه الضيفة البريطانية قالت له: يوجد أحد كبار موظفيك لم يصافحني أين هو؟ قال لها: اعتذر، فالنتيجة قالت: أحضروه، قالت له: لماذا لم تصافحني؟ قال لها: أنت امرأة أجنبية وديني الإسلامي يأمرني ألا أصافح امرأة أجنبية، اسمع ماذا قالت له، قالت له: لو أن المسلمين أمثال هذا الرجل لكنا تحت حكمكم. هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت: 33 ]

 أنا لا أتعامل مع الربا لأنني مسلم.
المذيع:
 دكتور أخبرتني بالفاصل عن قصة تلك الطالبة التي كانت تدرس الدكتوراه بالرياضيات بمظهرها بهويتها دون كلامها.
الدكتور راتب :
 هي الحقيقة طالبة تحضر دكتوراه في أمريكا، في سان فرانسيسكو، أستاذها الكبير المشرف على أطروحتها، كلف تلميذيه أن يتابع الأمور، لأن تلميذه معه دكتوراه باختصاصها، فأحالها إلى تلميذه، وتلميذه اسمه جيفري لانك، نظر إليها وكان الوقت صيفاً، والبنات في أمريكا شبه عرايا، هذه المرأة مسلمة تحضر دكتوراه بالرياضيات، هو ظن أن الشرق الأوسط فيه جهل كبير، فاحترمها لأنها امرأة تحضر دكتوراه بالرياضيات، إلا أنها محجبة بحجاب كامل، معطف كبير فضفاض، وغطاء على رأسها، عكف من وقتها على قراءة القرآن، من مظهرها فقط، لم تتكلم معه أية كلمة، اسمه جيفري لانك، عكف على قراءة القرآن إلى أن وصل إلى قوله تعالى:

﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾

[ سورة يونس: 92 ]

 اتصل بصديقه موريس بوكاي بفرنسا، قال له: أنت ألفت كتاباً تقول: إن القرآن كتاب مقدس، ما معنى هذه الآية؟ تفضل هذا خطأ، كيف فرعون نجاه الله ببدنه؟ فأجابه موريس بوكاي: هذا الرجل رممت جسده بنفسي، هذا أرسل من القاهرة إلى باريس لترميم جثته، هذا فرعون موسى الذي مات غرقاً، عندئذ أسلم هذا العالم الرياضي الكبير جيفري لانك، وله ثلاثة كتب في الإسلام، وهو من كبار الدعاة الإسلاميين.
المذيع:
 بدايته مع الإسلام من مظهر فتاة محجبة.
الدكتور راتب :
 الدنيا صيف، والبنات شبه عرايا، وهذه محجبة، وليست محجبة جاهلة، محجبة تحضر دكتوراه في الرياضيات، تأثر تأثراً كبيراً، لذلك نحن بحاجة إلى مظهر إسلامي حتى تبدو هويتنا، أنا كنت في لوس أنجلس وكنت سوف أقابله لكنه كان مسافراً، له ثلاثة مؤلفات بالإيمان.
المذيع:
 معنا اتصال الأخت فائزة...
السائل:
 يقال إن الإسلام في المخ وليس في المظاهر، لا يصلون على الوقت، ولا يطبقون شعائر الإسلام.
شيء آخر هل السبحة التي يعد بها هل تعد بدعة؟

الإسلام خضوع للمنهج وإقبال والكفر تفلت من المنهج وإعراض :

الدكتور راتب :
 الإسلام قلبي، ما من داع للصلاة هذه آية أم حديث؟ كلام العوام، الإسلام مظهر، أيضاً خضوع لمنهج الله، وللخضوع مظاهر، المؤمن يصلي، يصوم، يحج بيت الله الحرام، يغض بصره، يبتعد عن المظاهر المنحرفة، الإيمان مظاهر أيضاً.
المذيع:
 إيمان في القلب.
الدكتور راتب :
 الإيمان ما وقر في القلب، وصدَّقه العمل، الإسلام خضوع للمنهج وإقبال، والكفر تفلت من المنهج وإعراض، يوجد جانب سلوكي ثابت، حدي، وجانب نفسي إقبال، الكفر تكذيب وإعراض.
المذيع:
 هل ترغب في التعليق على مسألة السبحة؟
الدكتور راتب :
 لا يوجد مشكلة.
المذيع:
 لا ترى فيها بدعة؟
الدكتور راتب :
 نحن إذا البدع فرضاً ألف بدعة هذه رقمها ألف، إذا شخص لم يطبق شيئاً من الألف نقول له: لا يوجد مشكلة، إذا طبقهم كلهم نقول له: استغن عن هذه.
المذيع:
 في ظل حديثنا عن الهوية الإسلامية عند بعض الناس فهمت الهوية الإسلامية شيء فولكلوري ثقافي فقط، في بعض المناسبات نذهب إلى الجناح الإسلامي، نتصور عند مسجد، لكننا لا نطبق شرع الله، هل يغني هذا؟

الدنيا بكل ما فيها أمام الآخرة لا تعدل جناح بعوضة :

الدكتور راتب :
 هل تصدق أن القرآن الكريم قرئ في باريس على أنه فولكلور إسلامي، القرآن الكريم كتاب الله، وحي السماء، كتاب ينقذ البشرية من الظلمات إلى النور، قرئ في باريس على أنه فولكلور إسلامي.
المذيع:
 كيف ذلك دكتور؟
الدكتور راتب :
كان هناك مهرجان، وقراء جاؤوا من بلاد الشام وقرؤوا القرآن، المهرجان كله فولكلوري، فكان هذا فولكلوراً إسلامياً، فلذلك سيدي الموضوع خطير جداً، الموضوع حياة أو موت، الموضوع سعادة أو شقاء، الموضوع نجاة أو هلاك، والموضوع معلق بالأبد، ما الأبد؟ واحد بالأرض والأصفار للشمس، تصور واحداً وأمامه مئة و ستة و خمسون مليون كيلومتر، وكل ميلي صفر، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية قيمته صفر، الدنيا بكل ما فيها، بأموالها، بمباهجها، بمناصبها، بأسباب القوة فيها، كلها أمام الآخرة صفر:

(( لو كانت الدنيا تَعْدِلُ عند الله جَناح بعوضة ما سَقَى كافراً منها شَربة ماءٍ ))

[مسلم عن جابر بن عبد الله ]

 قال تعالى:

﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 91]

 إذا كان الأخ الكريم المستمع اتصل بالله، وأطاع الله، فهو في سعادة لا توصف، وإن لم تقل يا سيدي الكريم: ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني فعندك مشكلة.
المذيع:
 هل لنا أن نختم هذا اللقاء بدعاء..

الدعاء :

الدكتور راتب:
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم صن وجوهنا باليسار، و لا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، و نبتلى بحمد من أعطى، و ذم من منع، و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، إذاً الهوية الإسلامية مظهر جميل يوضح للناس أنني من المسلمين، لكن الأصل أن يطبقه الإنسان كمنهج كامل، ولا يتوقف فقط عند هذه المظاهر.
 بارك الله بك شيخنا والشكر لمستمعينا، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور