وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 241 - العدل بين الأولاد.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

العدل بين الأولاد :

 أخواننا الكرام؛ من الآيات الدقيقة قول الله تعالى:

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ً ﴾

[ سورة الأنعام: 115]

كأن الله سبحانه وتعالى يقول: يا عبادي بيني وبينكم كلمتان، منكم الصدق، ومني العدل، أي تتفاوتون عندي بصدقكم، وأنا أعدل بينكم، فمن لوازم هذه الآية أن نعدل بين أولادنا، لذلك ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والنسائي قول النبي عليه الصلاة والسلام:

((اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم))

 ثلاث مرات.

[ رواه الإمام أحمد والنسائي]

 وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي وراه الإمام الطبراني:

(( اعدلوا بين أولادكم في النحل- في العطاء- كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف))

 ألا تتمنى أن يكون جميع أولادك بارين بك؟ مقابل ذلك أن تعدل بينهم في العطايا.
 قالوا: النحل؛ ما ينحل الوالد لولده من العطايا والهدايا، وقد أخرج أبو داود في مسنده تحت باب: الرجل يفضل بعض ولده في النحل، عن النعمان بن البشير قال:

(( أنحلني أبي نحلاً، أو نحلةً، فقالت له أمي، عمرة بنت رواحة: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشهده، فأتى النبي عليه الصلاة والسلام فذكر ذلك له، فقال: إني نحلت ابني النعمان نحلاً، وإن زوجتي سألتني أن أشهدك على ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: ألك ولد سواه؟ قلت: نعم، قال: فكلهم أعطيتهم مثل ما أعطيت النعمان؟ قال: لا، فلما قلت: لا، قال عليه الصلاة والسلام: فأرجعه، وفي رواية: فرده، وفي رواية: فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم))

 فرجع أبي في تلك الصدقة.
 لذلك يوجد قاعدة عامة: العائد من هبته كالعائد في قيئه، إلا الأب يستطيع أن يسترجع شيئاً أعطاه لأحد أولاده ظلماً، ظلم بقية أخوته.

(( فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم))

 فرجع أبي في تلك الصدقة.
 وفي رواية:

(( فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور))

 كلام النبي الكريم:

(( فإني لا أشهد على جور))

 أي على ظلم، وفي رواية:

(( فأشهد على ذلك غيري))

 وفي رواية:

(( أيسرك أن يكون بنوك في البر سواء؟ قلت: بلى، قال: فلا إذاً، وفي لفظ: أفكلهم أعطيتهم مثل ما أعطيته؟ قلت: لا، قال: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على الحق))

 وكل هذه الروايات والألفاظ في الكتب الصحيحة.
وقال بعض أهل العلم: إلا التفضيل، أي تفضيل ولد على ولد مكروه، ولكن المتأمل في الحديث ورواياته وألفاظه يعلم علم اليقين بأن التفضيل محرم، أقوى من مكروه، إن التفضيل محرم، وأن المساواة بين الأولاد في الأعطيات واجبة، وقد ترقى إلى مستوى الفرض، وأن الذي يخالف في ذلك فإنه آثم.
واستدل من قال بالكراهية: أشهد على هذا غيري، أنا لا أشهد، وهذا اللفظ فيه تهديد وليس إذناً أبداً، لتسميته عليه الصلاة والسلام أنه جور، أي ظلم.
 وهذه الألفاظ التي سيقت كما ذكر ابن القيم رحمه الله صحيحة صريحة في التحريم والبطلان من عشرة أوجه تؤخذ من هذا الحديث، وقد ألّف ابن القيم في ذلك مصنفاً مستقلاً أي كتاباً خاصاً، وقوله: أشهد على هذا غيري أي إن النبي عليه الصلاة والسلام لا يأذن بالجور، ولا فيما لا يصلح، ولا في الباطل، فإذا قال: إني لا أشهد إلا على حق فدل ذلك على أن الذي فعله النعمان لم يكن حقاً بل باطلاً، فقوله إذاً أشهد على هذا غيري حجة على التحريم، كيف الخمر حرام، والزنا حرام، وأن تميز بين أولادك في العطية أيضاً هذا حرام.
 وعندما قال النبي الكريم:

((إذا لم تستح فاصنع ما شئت))

[الطبراني عن أبي الطفيل رضي الله عنه]

 هل يعني هذا الحديث أن الذي لا يستحي يجوز أن يفعل ما يريد؟ إطلاقاً، بل هو توبيخ، وتقريع، وتهديد.

 

التسوية بين الأولاد في العطية :

 وقال رحمه الله تعالى في إغاثة اللهفان تحت مبحث سد الذريعة: وأمر صلى الله عليه وسلم بالتسوية بين الأولاد في العطية، وأخبر أن تخصيص بعضهم بها جور، وأي جور، وهذا لا يصلح، ولا تنبغي الشهادة عليه، ولا يجوز أيها المسلم أن تشهد لو قال لك أبٌ: اشهد يا جاري على هذا الذي أعطيه لابني، قل: لا أشهد، كما أن النبي لا يشهد وأنت إياك أن تشهد على جور.
وقال تعالى:

﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾

[ سورة الطلاق: 2]

 أما أن تشهد على جور فهذه شهادة جور وظلم فلا تشهد عليها، الآية تقول:

﴿ فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ﴾

[ سورة الأنعام: 1502]

وأمر فاعله برده، ووعظه، وأمره بتقوى الله تعالى، وأمره بالعدل، لكون ذلك ذريعة أي وسيلة إلى العداوة والبغضاء بين الأولاد، وقطيعة رحم، كما هو مشاهد عياناً، فلو لم تأتِ السنة الصحيحة الصريحة التي لا معاوض لها بالمنع لكانت أصول الشريعة والقياس يقتضيان العدل والوجوب في العدل بين الأولاد.
 دقق في كلمة النبي الكريم:

(( أتحب أن يكونوا في البر سواء؟))

 كيف تجد كلامه عليه الصلاة والسلام؟ أجده مبنياً على الوصف، أي الذي يفعل هذا قد ضلّ وظلم، والعدل قامت به السماوات والأرض.
 فكما تحب أن يكونوا سواء في برك، وألا ينفرد أحدهم ببرك دون الآخرين، فكيف ينبغي أن يتفرد أحدهم بالعطية ويحرم منها الآخرون؟
 قال ابن القيم، في أعلام الموقعين في علة النهي في الفتوى: ينبغي للمفتي أن يذكر الحكم بدليله، وبذلك قول النبي الكريم:

(( أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قلت: نعم، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم))

 وفي لفظ آخر:

(( إن هذا لا يصلح، إني لا أشهد على جور))

 وقال رحمه الله تعالى في الإعلام: من تخبط البعض في الأخذ ببعض السنة، وترك بعضها الآخر، احتجوا على ذلك جواز تفضيل بعض الأولاد على بعض، الذي يأخذ من السنة ما يروق له، ويدع ما لا يروق له وقع في إثم كبير.

(( أشهد على ذلك غيري أنا لا أشهد))

وكأن النبي يقول: ولا تشهد أيها المؤمن على جور.
 أخواننا الكرام؛ لكن في بعض الحالات، ابن في الجامعة، وابن في الابتدائي، لا يعقل أن تعطي ابنك الذي في الجامعة مصروفاً يومياً كالابتدائي، عنده تنقلات طويلة، وعنده أقساط للجامعة، هنا يوجد حالات استثنائية، ابن صغير، وابن كبير، كل واحد يحتاج إلى مبلغ من المال.
 أخواننا الكرام؛ من قال من وجوب التسوية من أهل العلم الإمام البخاري رحمه الله، وطاوس، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وبعض المالكيين، قال الشوفاني: فالحق أن التسوية واجبة.
 وقال الإمام أحمد: في دخول الأم مع الأب، ليس الأب فقط بل والأم في وجوب التسوية، وقال: إن حج بها ولدها دون أخويه تعطيه أجرته، وتوزع مالها بالتساوي.
 شخص أخذها على الحج، وأكرمها، تعطيه أجرته، أما أموال الأم فتوزع بالتساوي، ولا يجوز أن تخصص أحد أولادها دون أحد، فإن فعلت فهي آثمة، كما يفعل الأب، ووجب عليها رد الزائد أي أخذه، الأب وحده مسموح له أن يسترد أعطية ظالمة، أي إما أن تعطي الآخرين مثله أو أن تسحبها من الولد الذي أعطيته.
 وحديث النعمان دليل على جواز رجوع الأب في عطيته، وهبته للولد، إذا كان ظالماً، والعطية والهبة لا يجوز الرجوع فيها على القول المختار، لكن الأب والأم يجوز لهما أن يعودا في العطية والهبة.
 أخواننا الكرام؛ يعني أنا الذي أراه أحياناً الإنسان يكون عادلاً بين أولاده، يتوفاه الله فتجد الود بين الأولاد إذا عدلت بينهم.

الود من نتائج العدل بين الأولاد :

 الآن من نتائج العدل بين الأولاد الود، ما ميزت أحداً على أحد، طبعاً عندنا عدل مطلق، وعدل تام، لا فرق بينهما، العدل المطلق أي العدل بلغ درجة نهائية، يمكن عندك ابن بار بك كثيراً، تميل معه، لا يوجد مشكلة، الميل لا تحاسب عليه، والنبي عندما قال: 

((اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أَملك )) 

[الترمذي، والنسائي عن عائشة رضي الله عنها]

 لا يوجد مشكلة، يوجد ابن أكثر خدمة لك، تميل معه، الميل لا تحاسب عليه، نحن قلنا كلمة قبل قليل: عندنا عدل مطلق، و عدل تام، أنت مكلف بالعدل التام، لأن النص الدقيق للنبي الكريم:

((هذا قَسْمي فيما أملك فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أَملك ))

 القلب ليس بيدك، أما العدل التام فهو بيدك، بيت ببيت.
 أعرف شخصاً في الشام ترك ألف مليون، كان تاجر أراض، وأحد أولاده يعمل على السيارة، سيارة النقل من شدة فقره، الأول يملك ألف مليون، و الثاني سائق، هذا شيء خطير جداً.
 رجل يعبد الله ستين عاماً- والله هذا الحديث يقصم الظهر- فيظلم في الوصية فتجب له النار، كلام النبي.

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾

[ سورة النجم: 3]

 يعبد الله ستين عاماً فيضر في الوصية فتجب له النار.

 

الفرق بين الهدية و توزيع الإرث :

 طبعاً العدل بين الأولاد واجب، لكن يوجد موضوع دقيق، هناك فرق بين الهدية وبين توزيع الإرث في حياة الأب، ممكن الأب بحياته يوزع أمواله وفق أحكام المواريث.

﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾

[ سورة النساء: 11]

 مقبول منه، وأحب، عنده أملاك كثيرة، أراض، ومحلات تجارية، وزع هذه التركة في حياته ليطمئن.

﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾

 إذا نوى توزيع ماله كإرث فيكون هذا وفق أحكام الفقه، أما إذا نوى الهدية، فالهدية بالتساوي، لكل ابن بيت، والبنت لها بيت، إذا نوى الهدية في حياته الهدية بالتساوي، إذا نوى أن يوزع ماله كإرث في حياته قبل موته فيكون هذا وفق أحكام المواريث.
 أخواننا الكرام؛ هذا الموضوع دقيق لأن عليه تحريماً شديداً، يعبد الله ستين عاماً فيضر في الوصية فتجب له النار.

 

حالات يسامح الشرع بها :

 أخواننا الكرام؛ يوجد أشياء بسيطة جداً هي بعيدة عن هذا الدرس، عندك قطعة حلو واحدة، جاء أولادك أعطيتها لأصغرهم، لا يوجد مشكلة، هناك حالات الشرع يتسامح بها، عندك قطعة واحدة، وعند أولاد كثر، أعطيت هذه القطعة من الحلوى لأصغرهم لا يوجد مشسكلة.
 يوجد حالات مثلاً عندك أربع بنات، ثلاث بنات متزوجات من رجال أغنياء، و الرابعة زوجها موظف، ودخله محدود، أمنت لها بيتاً بحياتك، معك جواب لله، هذه البنت الأخيرة زوجها فقير، ودخله محدود جداً، فأنت اشتريت لها بيتاً من بين بقية الأخوات البنات، لكن يوجد معك لله جواب، هذه كلمة دقيقة، إذا معك جواب لله لا يوجد مشكلة، كلام منطقي.
 أخواننا الكرام؛

((إن الظلم ظلمات يوم القيامة))

[مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما]

 اتقوا الله في الظلم، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا اللقاء في هذا الموضوع بالذات باعثاً لنا على دقة العطاء في الحياة، وبعد الممات.

 

على الإنسان أن ينفذ خطته بعد موته في حياته :

طبعاً:

((لا وصيةَ لوارث))

[البخاري عن عبد الله بن عباس]

لكن أنا أتمنى ألا تكون تحت رحمة أحد، أذكر أخاً في الشام يملك أربعة أبنية، وكل بناء أربعة طوابق، وكل طابق أربع شقق، كلفني أن أوزع بعد موته مبلغ خمسة وعشرين ألف ليرة فقط، لا تساوي شيئاً، الورثة لم يدفعوها، أربعة أبنية، وأربعة طوابق كل بناء، وأربع شقق، أي ملايين مملينة، على خمسة وعشرين ألفاً؟!
 أنا عندي بالبيت عشرات الوصايا بعد الموت، ولا شخص دفع قرشاً، لا تكن تحت رحمة أحد، إن كنت مقتنعاً فادفع في حياتك، لا تكن تحت رحمة أحد، لم تنفذ ولا وصية، أربعة أبنية، كل بناء أربعة طوابق، كل طابق أربع شقق، بخلوا على أبيهم بخمسة وعشرين ألفاً، لا تساوي شيئاً، لا تكن تحت رحمة الورثة، إن كنت مقتنعاً نفذ خطتك بعد موتك في حياتك، ولا تكن تحت رحمة أحد.
 أخواننا الكرام؛ هذا الشرع دقيق جداً، وبطولة الإنسان عندما يموت، المؤمن يرى مقامه في الجنة، يقول: لم أرَ شراً قط، وغير المؤمن يرى مكانه في النار، فيقول: لم أرَ خيراً قط.
 أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا اللقاء في هذا الموضوع باعثاً لنا جميعاً على العدل في العطية، يقول: هذا ابني عاق لا سمح الله، إذا كان عاقاً وأنت حرمته زدته عقوقاً، لكن إذا أعطيته لينت قلبه، قربته منك، فالعدل أساس الملك.
 أرجو الله أن نعدل في العطية.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور