وضع داكن
28-03-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 15 - إعمار الأوطان
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مرحباً بكم مستمعينا الكرام في حلقة جديدة مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، نرتحل نحن وإياكم في طلب العلم مع فضيلة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم شيخنا.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 حفظكم الله دكتور، أهلاً وسهلاً بفضيلتكم معنا، ومرحباً بكم مستمعينا الكرام "إعمار الأوطان" هو عنواننا لهذا اليوم، ونطرح فيه أسئلة كبيرة، هل لابد لكل مسلم أن يساهم في إعمار الدول الإسلامية وتحديداً الدول التي تشهد في هذه الأيام إخفاقاً في قواتها العلمية والاقتصادية؟ وننطلق ببداية حلقتنا بقول الله سبحانه وتعالى:

﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾

[ سورة هود:61]

 شيخنا الحبيب مرحباً بفضيلتكم معنا.
 كثير من الناس في هذا الوقت دكتور يرون ميزات في الدول الغربية وهي موجودة، يمتلكون تقدماً علمياً، تكنولوجياً، وحقوق مدنية أوسع مما هو الواقع عليه في الدول العربية، التي يعاني سكانها ما يعانونه من التمزيق، والفاقات الاقتصادية، هل لنا دور في بناء هذه الدول الإسلامية والعربية؟

 

الإنسان هو المخلوق الأول المكرم و المكلف بالعبادة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أستاذ نديم جزاك الله خيراً، أنا مضطر أن أقدم قبل الإجابة عن سؤالك مقدمة لابد منها:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 في عالم الأزل:

﴿ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 نحن أمام عالمين؛ عالم الذر، هو عالم الأزل، وعالم الصور هو عالمنا اليوم، ففي عالم الأزل الخلائق كلها من طبيعة واحدة.

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾

 والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، فهذه المادة الصلبة نفس، هذا اللاقط نفس، هذه الساعة نفس، هذا الزجاج نفس، ما الدليل:

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾

[ سورة الإسراء: 44 ]

 هذه الأمانة قبلها الإنسان.

﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

 فلما حمل الإنسان الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبةً، جيء به إلى الدنيا ليدفع ثمن الجنة، ثمن الجنة هو العمل الصالح، تسبقه أن تعرف الله، وأن تستقيم على أمره، وأن تعمل صالحاً، ثم تتصل به، هي كليات الدين، فلذلك الإنسان حينما أوتي به إلى الدنيا هو عند الله المخلوق الأول، والمخلوق المكرم، والمخلوق المكلف بالعبادة.

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56 ]

 والعبادة في أدق تعريفاتها: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.

 

العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :

 الآن دخلنا في الموضوع، علة وجودنا الوحيدة، والفريدة في الدنيا العمل الصالح، وسمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
 ليست القضية ثانوية، قضية تفعلها أو لا تفعلها، لابد من أن تفعلها، للتقريب: أخ كريم ميسور الحال، أرسل ابنه إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون، أحاول أن أصغر المثل الكبير، علة وجود هذا الشاب في باريس – باريس مدينة عملاقة كبيرة، فيها مطاعم، فيها آثار، فيها دوائر حكومية، فيها حدائق، فيها جامعات- علة وجوده الوحيدة والفريدة الدراسة، هذه العلة لا تمنع أن يدخل مطعماً فيأكل، أن يقتني كتاب فيقرأه، أن يجلس في حديقة يتنزه فيها، لا يوجد مانع، لكن سبب وجوده الوحيد الدراسة.
 أول نقطة باللقاء الطيب: علة وجودنا الوحيدة في الدنيا العمل الصالح، الدليل:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[ سورة المؤمنين:99-100]

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾

[ سورة الأنعام: 132]

 سمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً.
المذيع:
 ومفهوم العمل الصالح دكتور مفهوم واسع لا يقتصر فقط على الصلوات، والأذكار.
الدكتور راتب :
 الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
المذيع:
 وهل منها إعمار الأوطان؟
الدكتور راتب :
 بل منها سيدي رعاية الزوج والأولاد، رقم واحد، تربية الأولاد، اثنان، رعاية جسمية، وصحية، وتعليمية، ورعاية إيمان الابن، الآن رعاية الجار، الوالدين، الأحفاد، الأقارب، أنت ببلد له قوانين، تساهم مساهمة إيجابية في تنفيذ هذه القوانين، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
المذيع:
 ونعمة بالله رب العالمين، دكتور كثير من الأشخاص الذين يعانون ظروفاً صعبة -وكان الله بالعون- سواءً من ناحية التضييق السياسي، والحريات، أو من ناحية الظروف الاقتصادية الصعبة، يرون في الغرب اليوم مخرجاً وحلماً لكل هذه الأزمات والمشاكل، ما رأي فضيلتكم؟

 

الدنيا تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم :

الدكتور راتب :
 الدنيا عند ابن تيمية تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، بلد عمل تأميناً صحياً، هذا قوي، عمل تكافؤ فرص، قوي، ألغى التمايز الطبقي، قوي، هيأ فرص عمل قوي، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة، هذا قول لابن تيمية، فأنا أقول: الدنيا لها نظام، تصلح الدنيا بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، كلام خطير، الدنيا مزرعة الآخرة، أما المؤمن فمن فضل الله عليه يعطيه الدنيا والآخرة معاً، والدليل:

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 46]

 جنة في الدنيا، وجنة في الآخرة.
المذيع:
 ونعمة بالله، إذاً الإيمان وحده لا يرتقي لإعمار الوطن دكتور، لابد من العدل ومقومات الأوطان، وهذه قاعدة شرعية.

 

ضرورة تطبيق منهج الله لقطف ثماره :

الدكتور راتب :
 بالمناسبة، إبليس مؤمن؟ أنا أقول لك: مؤمن، الدليل:

﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 لكن:

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾

[ سورة الحاقة: 30-33 ]

 خذ أهل الأرض، تسع و تسعون بالمئة يقولون: يوجد إله، الملحدون قلة لا تذكر إطلاقاً، لكن ما طبقوا منهج الله عز وجل، البطولة أن تطبق منهج الله من أجل أن تقطف ثمار هذا الدين، في كسب مالك، في إنفاق مالك، في اختيار زوجتك، في تربية أولادك، في اختيار حرفتك، في التعامل مع الناس في حرفتك، طرق الانحراف كبيرة جداً، ويقابلها طرق العمل الصالح، فأنت مخير، لولا أنك مخير لما كان هناك أي معنى للدين كله، الدليل:

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 3 ]

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف: 29 ]

 لولا أنك مخير لا معنى لكل بحوث الدين، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، لو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، لو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
المذيع:
 دكتور في ظل أوضاعنا الصعبة في دولنا الإسلامية والعربية، ولا تحتاج مجاملة، وفي ظل الأوضاع المنتشية اقتصادياً، وعلمياً، وديمقراطياً في الغرب بالعموم، ماذا يفترض بالمسلم أن يفعل؟ يحاول أن يهاجر دكتور بحثاً عن هذه الحريات ولا يبقى هنا، ويحاول بناء الأوطان وتحسين الأوضاع، ماذا يفترض بالمسلم أن يفعل؟

 

الغرب يعيش لحظته وهمه الرفاه أما نعم الشرق فلا يعلمها إلا الله :

الدكتور راتب :
 أنت دفعتني مضطراً، كنت مرة في بلد من حيث الرقي يفوق حدّ الخيال، عندما غادرت هذا البلد ودعني رئيس الجالية، وقال لي: إن مزابل بلادكم في الشرق الأوسط خير من هذه البلاد، قلت: والله ما فهمت عليك، اشرح لي؟ قال: بهذه البلاد المتفلتة يوجد تقدم حضاري كبير، وتكافؤ فرص كبير، ورفاه يفوق حدّ الخيال.
 كنت مرة في أمريكا، فلما عدت إلى الشام، سألني أخ كريم: ماذا رأيت هناك؟ أريد أن أضغط له شهراً ونصف بأمريكا بعشر ولايات بكلمة واحدة، قلت له: هذا الشعب يعيش لحظته، همه الرفاه، يعيش لحظته، آخرة، موت، جنة، أنا أتكلم عن الأغلبية طبعاً، لا يوجد تعميم، التعميم من العمى، جنة، نار، أبد، عمل صالح، عمل سيئ، معرفة الله، صلاة، صوم، لا يوجد شي من هذا إطلاقاً، يعيشون لحظتهم، وهمهم الرفاه.
 القارة الثانية التي كنت فيها قال لي: بلغ أخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، قلت له: أنا والله ما فهمت عليه، اشرح لي؟ قال لي: ابنك هنا خمسون بالمئة قد يكون ملحداً، والخمسون الثانية ليته يكون منحرفاً أخلاقياً، لا، إنه شاذ خلقياً، وإن لم تصدقني اسأل، أنا أقول كلاماً دقيقاً جداً.
فنحن ببلادنا فيها إيجابيات كبيرة جداً، لي عشر سنوات همي الوحيد أعرف إيجابيات بلادنا، يوجد أب، أم، أخ، بقية حياء، بقية أدب، بقية وفاء، بقية عمل صالح، دائماً عندنا مرض أنا أسميه: جلد الذات، نحن متخلفون، نحن كذا، أنت عندما ترى غير شعوب كيف تعيش، شيء لا يصدق، أنا زرت أمريكا حوالي خمس مرات، ست مرات، زرت أستراليا، وأوروبا، وأمريكا الجنوبية، والشمالية، زرت معظم بلاد العالم، نحن نعيش بنعم لا يعلمها إلا الله.
 أذكر مرة شاباً واقفاً على نهر السين بباريس، شاهده شاب عربي ذهب إلى باريس حديثاً، أحب أن يحادثه لتقوى لغته، قال له: بِمَ تفكر؟ قال له: بقتل أبي، قال له: أعوذ بالله، قال له: أحب فتاة فأخذها مني.
 أنا فكرت ببلادنا والله يوجد مئة ألف إنسان في دمشق باع بيته بأرقى أحياء دمشق وسكن بالريف حتى يزوج أولاده، لماذا لا نتكلم نحن عن إيجابيتنا، يجب أن نتكلم عن الإيجابيات كي نحب بلدنا، نحب وطننا، يوجد بقية إيمان، بقية حياء، بقية خجل، بقية وفاء، بقية مؤاثرة.
المذيع:
 يقيناً هذا كله موجود دكتور، ولكن نتحدث عن الشباب الذين لا يجدون فرص للعمل ولا يجدون عدالة، كيف يتعاملون؟

البطالة و العنوسة أخطر شيئين تعاني منهما الأمة :

الدكتور راتب :
 سأقول لك أخطر شيء، أخطر شيئين نعاني منهما البطالة والعنوسة، والعنوسة من نتائج البطالة، أحد الأخوة الكرام عنده معمل بالشام، استأذنني أن يوقفه، هو أخ غال جداً عليّ، قلت له: لِمَ؟ قال: لا يوجد أرباح أبداً، الأرباح صفر من سنتين، قلت له: كم عامل عندك؟ قال لي: ستة و ثمانون عاملاً، قلت له: إذا كل بيت من عمالك فيه ثلاثة أولاد وأب وأم، المجموع خمسة، قل مئة عامل، أنت تطعم خمسمئة إنسان كل يوم، هذا ربح كبير.
 فكلما فهمنا الآخرة نفهم الدين فهماً آخر، ليس حجمك عنك الله بحجم مالك، بحجم عملك الصالح، أنت تفتح خمسمئة بيت، تطعم أباً وأماً وثلاثة أولاد، ولو لم تربح شيئاً، هذا ربح كبير، أقسم لك بالله إذا فهمنا الدين بعمق تنعكس مقاييسنا مئة و ثمانين درجة، و إلا يكون الدين باطلاً، أنت عليك أن تعطي لا أن تأخذ.
 يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله- مؤلف صغير عن رسول الله، المؤلف يخاطب النبي الكريم- يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك التفوق لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلة الناس عبادتك.

 

الناس صنفان؛ أقوياء و أنبياء :

 لذلك:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

[ سورة الليل: 1-3 ]

 الآن يوجد ثمانية مليارات إنسان في الأرض في القارات الخمس، وكل واحد يتحرك إلى هدف، هذا ليدرس في الجامعة، هذا ليدخل إلى ملهى، هذا ليرتكب معصية، هذا ليكون مجرماً.

﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

 هل بإمكاننا أن ننزل هذه المساعي لثمانية مليار إنسان في حقلين اثنين؟ ممكن.

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

[ سورة الليل: 5-6]

 صدق بالجنة، صدق بالآخرة، عندما صدق بالجنة والآخرة اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء.

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

 أعطى واتقى أن يعصي الله، ولأنه:

﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

 الرد الإلهي الرائع:

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

[ سورة الليل: 7 ]

 حياته ميسرة، زواجه ميسر، عمله ميسر، دخله ميسر، أولاده ميسرون، محبوب، محترم.

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

[ سورة الليل: 8-9 ]

 عندما كذب بالحسنى – بالجنة- استغنى عن طاعة الله، بنى حياته على الأخذ، لذلك صار عندنا على رأس الهرم البشري زمرتان؛ الأقوياء والأنبياء، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، فالبطولة أن تكون من أتباع الأنبياء، تؤثر العطاء على الأخذ، لأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور، نستأذن فضيلتكم إلى فاصل قصير.
 شيخنا الكريم كنا نتحدث عن إعمار الأوطان، فضيلتكم ترى أن للدول الإسلامية وللدول العربية، وإن كانت في طور النمو، وهي أقل تفوقاً وتكنولوجية وتقدماً من الدول الغربية، إلا أنه يكفي للإنسان أن يرى الحسنات الموجودة، القيم المتبقية، كينونة العائلة التي لا يزال المحافظة عليها، الوفاء بين الأشخاص، فترى أنها ميزات عن الغرب.

 

من ضمّ الآخرة إلى الدنيا ربحهما معاً :

الدكتور راتب :
 لكن قبل، إذا ضممت الدنيا إلى الآخرة، أو إذا ضممت الآخرة إلى الدنيا معاً إذا لم تنعكس مقاييسك مئة و ثمانين درجة أنا مسؤول عن كلامي.
المذيع:
 نوضحها شيخنا؟
الدكتور راتب :
 أنت مؤمن بالآخرة أن هناك جنة، أما أنت بالدنيا فتحرص على طاعة الله، وعلى خدمة بلدك الذي ربيت فيه، وعلى خدمة من حولك، أقرباؤك، أبناء بلدك، أبناء وطنك ربوك، أخذت دكتوراه في بلدك، لحم أكتافك من خير وطنك، تريد أن يعود خيرك للغريب؟ للآخر؟
المذيع:
 أريد أن أقول لك شيخنا: بلدي ما قدرنِي، أنا أخذت دكتوراه، في الخارج آخذ عشرة أضعاف.
الدكتور راتب :
 عامل الله أولاً، آمن بالآخرة، تجد نفسك إذا خدمت بلدك على الأقل لك الجنة، إذا الشخص لم يؤمن بالجنة فهذه مشكلة كبيرة جداً، لا يوجد إنسان إلا ويدخل الآخرة بحساباته اليومية، طبعاً بقاؤه ببلده في متاعب كثيرة، لكن أنت أولاً تضمن ابنتك.
 لي صديق، صار صديقي بعد ذلك، مقيم ببرلين، جاء إلى الشام يشكو من قضية، عمر ابنته اثنتا عشرة سنة، تقول له: أنتم، بابا، من نحن؟ أنتم، سمعت من معلمتها أنكم أنتم متخلفون، ذهب إلى المدرسة، قالت: أنتم متخلفون، بلادكم كلها حروب، النتيجة لست هنا، قال لي: والله عدت إلى بلدي، وهبط دخلي للعشر، حتى تقول ابنتي بعد خمس سنوات إن شاء الله نحن بابا و ليس أنتم.
 الابن عندما يترك وطنه ينتمي للغرب، ويصبح بعد ذلك غير مقتنع بالأديان كلها.
 أقول لإخواننا: لو بلغت أعلى منصبٍ في الحياة، وجمعت أكبر ثروة فيها، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
 أنا أتحمل كل متاعب بلدي، فيها متاعب، لكن لا أخسر أولادي، أتحمل كل متاعب بلدي.
المذيع:
 اليوم يوجد كثير من الدول الإسلامية والعربية هي أيضاً تسابق - وهي في الهاوية -نحو الانحراف كما هو الحال في الغرب.

العمل على تنشئة الأولاد تنشئة إيمانية صحيحة :

الدكتور راتب :
 بالبلاد الإسلامية يوجد عمه، خاله، ابن أخته، أهل الحارة، يوجد شيخ، جامع، بيئة صالحة، المقياس هو أنك تستطيع أن تضبط ابنك، تستطيع أن تنشئه نشأة إيمانية، أما إذا نشأ ملحداً فهذا ليس في صالحك.
المذيع:
 لا، ليست مقبولة عند الله، إذا ابنه أراد أن يخرج عن دينه عليه أن يعود.
الدكتور راتب :

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الطور: 21 ]

المذيع:
 والأب مسؤول عن دين أولاده أمام الله، إذا شعر أن دينهم سينهار لا قدر الله.
الدكتور راتب :
 طبيب قال لي: والله دخلي في البلاد الغرب عشرة أضعاف دخلي هنا في بلدي و لكني رجعت حتى تقول لي ابنتي: بابا نحن، وليس أنتم.
المذيع:
 وهي بسنّ صغيرة، إذاً ماذا يفعل دكتور من هو مسلم غربي؟ مثلاً ببريطانيا بريطاني أسلم، لن يأتي إلى دولنا، هي ليست دولته.
الدكتور راتب :
 هم عندهم بيئة خاصة بهم.
المذيع:
 الجاليات والمجتمعات الإسلامية.
الدكتور راتب :
 الحقيقة حتى أكون معك موضوعياً، كلما تقدم الزمن صار هناك جاليات إسلامية متماسكة، وهذه من الإيجابيات.
 أنا ذهبت من عشرين سنة إلى هناك عدة مرات، الآن أسمع أن هناك جاليات منتبهة لأولادها، وهناك تعليم.
المذيع:
 فهذا يخفف عيش الإنسان هناك، أي المعيار الأساسي عند فضيلتك دكتور أن يستطيع الإنسان إقامة دينه، وأن يحرص على دين أولاده أينما كانوا.
الدكتور راتب :
 أي بلد حال بينك وبين أن تعبد الله، وأن تربي أولادك يجب أن تغادره، وقد يكون بلدك، منعت من الصلاة، منعت من تحجيب ابنتك، ينبغي أن تغادره.
المذيع:
 إذاً المعيار أن أستطيع أن أقيم ديني أنا وأولادي.

 

على الإنسان مغادرة البلد الذي يحول بينه و بين عبادته :

الدكتور راتب :
 لِمَ هاجر النبي الكريم؟ الهجرة منهج، إذا حال بلد بينك وبين أن تعبد الله- والعبادة علة وجودك - فينبغي أن تغادره.

﴿ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النساء: 97]

 ماذا قال الله له؟

﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ﴾

[ سورة النساء: 97]

المذيع:
 وإذا وجد جالية إسلامية يأمن على دينه وعلى دين أولاده في دول الغرب لا بأس بالإقامة هناك بهذا المعيار.
الدكتور راتب :
 لكن كتعليق علمي إذا أعطينا التربية معياراً، مثلاً: صوت الطائرة، هبوط الطائرة مئة و خمسة و عشرون ديسيبل، الإنسان يتحمل خمسة و سبعين، فكل بيت جانب المطار له مشكلة كبيرة، إذا أعطينا التربية ديسيبل، إذا أنت ببلدك تحتاج إلى مئة وحدة لتربية لأولادك، هناك تحتاج إلى ألف.
المذيع:
 لما يتعرضون له من البيئة الخارجية.
الدكتور راتب :
 عمه يصلي، خاله يصلي، يوجد خطيب جامع، الجو العام ديني، لم أقل: إننا كاملون، لكن أفضل مليون مرة من الإباحية، هناك يجب أن يضاعف تربيته لأولاده عشرة أضعاف حتى يصبحوا علماء كبار.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور.
 نستأذن فضيلتكم لنشرك معنا مستمعينا الكرام بهذا الحوار.
 منذر مرحباً بك.
المستمع:
 السلام عليكم ورحمة الله، أريد أن أتكلم مع فضيلة الشيخ، السلام عليكم، كيف حال فضيلتكم؟
الدكتور راتب :
 الحمد لله.
المستمع:
 رفع الله قدركم، وبارك الله بكم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بك، ونفع بك.
المستمع:
 دكتوري الفاضل، أنا أعمل على تاكسي، الدخل قليل لكن الحمد لله يوجد بركة، وبيتي إسلامي من فضل الله عز وجل، لكن لفت انتباهي أن هناك الكثير من الشباب قد تخرجوا من الجامعة وهم مازالوا في منازلهم لا يعملون، ما يقارب عشر سنين، أو خمس سنين، وهم جالسون في المنزل بلا عمل، نحتاج إلى كلمة توجيهية للشباب المسلمين في بلادنا.
المذيع:
 تمام، بارك الله فيك أخ منذر، شكراً لسؤالك.
 شيخنا الكريم ماذا تقول فضيلتك لمجموعة من الشباب الذين لم يجدوا فرص عمل جيدة، وبالتالي هم لا يعملون لغاية الآن، ماذا تنصح هؤلاء؟

 

على كل شاب القبول بالمتاح ليصل إلى ما يتمنى :

الدكتور راتب :
 والله الشاب عندما يكون واضعاً لنفسه مكانة معينة بالعمل، ولم يحصل هذه المكانة عنده مشكلة، إذا قبل بالبدايات أن يعمل عملاً معقولاً ليس كما يتمنى، يكون قد مشى خطوة، الحياة فيها نمو، هذا النمو مهم جداً، مهم جداً في حياة الشاب، أنا أقول: لابد من القبول بالمتاح حتى تصل إلى ما أنت تتمنى.
المذيع:
 إذاً دكتور دولنا العربية والإسلامية على كثرة التحديات الموجودة فيها إلا أن فضيلتكم تجد أن وجود الإنسان فيها هو أفضل لدينه ولعائلاته، أما إن أمن على دينه بوجود جاليات خارجية إسلامية، وضاعف جهده في التربية ليكافح البيئة الخارجية المتفلتة، فهذا مقبول، هذه القضية الواضحة.

المحافظة على أولادنا ودينهم :

الدكتور راتب :
 الغرب عنده سلاح نووي، ألقى قنبلة على هيروشيما، وناجازاكي، مات ثلاثمئة ألف بثانية، لي أنا تعليق اقبله مني: أنا أستطيع أن أواجه القنبلة الذَّرية التي يملكها أعداؤنا بقنبلة الذُّرية، أولادك ربّهم، علمهم، ارفع شأنهم العملي، هؤلاء في صحيفتك، وهذا الذي ينقذنا من خطر أعدائنا، نواجه القنبلة الذَّرية بقنبلة الذُّرية.
المذيع:
 شيخنا، سمعت أن في أحد البرامج القديمة لفضيلتكم عبارة وأقسمتم أنتم بها، قلتم: إن من أعظم العبادات للإنسان المسلم في هذا الزمان أن يساهم في إعمار بلادنا الإسلامية والعربية، لماذا يعتبر هذا؟

المساهمة في إعمار الأوطان أعظم عبادة للإنسان :

الدكتور راتب :
 والله الذي لا إله إلا هو هذا إيماني في كل قطرة في دمي، وكل خلية في جسمي.

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

 والله زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55]

 آخر مشكلة:

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

 أنت إذا عبدت الله، الله وكيلك زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده لك، أنت تخاف من الله.
المذيع:
 كيف يكون إعمار دولنا عبادة لله؟
الدكتور راتب :
 الآن إذا أتقن عمله كان وطنياً، إذا الطبيب أتقن عمله.
المذيع:
 الشاب إن ذدر بالخارج وأخذ شهادة على مستوى عال جداً، وهو في الخارج يأخذ عشرة أضعاف ما يأخذه في وطنه لو عاد يأخذ عشر هذا الراتب.
الدكتور راتب :
 يجب أن تؤمن بشيء اسمه البركة، بارك لك الله بهذا المال، أحياناً بمال محدود يفعل الشيء الكثير، وأحياناً يتلف هذا المال، أي غلطة واحدة بالجسم تدفع كل شيء تملكه.
 أعرف شخصاً غلطة مع ابنه وضع خمسة و ستين ألف دولار، هذا ليس شيء سهل.
المذيع:
 إذاً إذا خرجت من دولنا كل العقول النيرة، وكل أصحاب الكفاءات العالية.
الدكتور راتب :
 فقدنا كل شيء.
المذيع:
 سنبقى بهذا المستوى المتدني.
الدكتور راتب :
 أخي الكريم عندنا عالم روسي اسمه كوس، عنده منعكس اسمه: منعكس كوس، بكل شيء بالحياة يوجد خمسة بالمئة تفوق، ذكاؤه مئة و أربعون، وخمسة بالمئة تخلف، ذكاؤه ثمانون، وتسعون بالمئة من الناس وسط، والذي يطور الحياة، تنمو بهم الأمة، تقوى بهم الأمة، جاء الغرب أخذهم منا.
المذيع:
 سنبقى في مستوانا المتدني.
الدكتور راتب :
 مشكلة، الله موزع الغباء والذكاء بنسب متساوية بين كل الشعوب، خذ آخر شعب في الأرض، نسب الأذكياء كنسب أقوى دولة بالعالم، إلا أن الشيء المؤلم أن أغبياءهم في المصحات بالغرب، وأغبياء المسلمين في أماكن حساسة.
المذيع:
 معنا اتصال هاتفي من سعد، تفضل أخي سعد، حياك الله.
المستمع:
 السلام عليكم، أنا سعد البخاري، نريد أن نشكر الشيخ الفاضل الجليل على الكلام الطيب.
 سيدي أجدادنا قدموا إلى الأردن باعتبارها أرض رباط، حوالي عام 1920 هاجرنا من مدينة بخارى وسمرقند، مدينة أجدادنا، زرعوا فينا فكراً، نحن جئنا مرابطين لهذه البلاد، بأكناف بيت المقدس، ونحن الآن نواجه مشكلة أن سبل الحياة بدأت تصعب، وقوت العيش لسنا قادرين أن نقدم لأولادنا وسائل التعليم، أو أن نصرف عليهم، صرنا نفكر بالهجرة، نريد كلاماً طيباً من الشيخ لنستطيع الصبر؟
المذيع:
 شكر لك أخي سعد، دكتورنا.

 

تربية الأولاد و ضمان دينهم أكبر مكسب للإنسان :

الدكتور راتب :
 أولاً: يقول عليه الصلاة والسلام في الصحاح، ويوجد ثلاثون حديثاً يشبهه:

(( إني رأيت كأن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فاتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام))

[أخرجه الحاكم في مستدركه ]

 والشام تعني سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين.

(( فعليكم بالشام في آخر الزمان))

 هذا توجيه نبوي، طبعاً إذا كان الدخل أقل مما ينبغي هذه مشكلة، وأنا معك فيها، لكن أنا عندما أعيش ببلد أضمن فيه إيماني، وإسلامي، وتربية أولادي، طبعاً هذا مكسب كبير، لأنك إن لم تستطع أن تربي أولادك في بلد آخر فالمكسب ليس معك، تحتاج إلى توازن كما قلت قبل قليل، عندنا شران، " ليس بخيركم من عرف الخير، ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما"، أي أنت اعمل استطلاعاً، سافر لبلد تطمع أنت أن تبقى فيه، إذا استطعت أن تضمن دين أولادك، إيمان أولادك، صلاة أولادك، عقيدة أولادك، لا يوجد مانع، وإلا هناك مشكلة كبيرة.
المذيع:
 هل يكون سفره دكتور لفترة مؤقتة هو وعائلته لتقصي للأمور هجرة بمعنى نبيع كل شيء ونغادر.
الدكتور راتب :
 لا، قبل أن يبيع، يذهب شهراً لتقصي الوضع، يضمن دينه ودين أولاده؟ يضمن مستقبلهم؟
 قال لي شخص ذهب لبلد في شمال أوروبا، أول يوم بالمدرسة قال: من أجل أن يصير اندماج خلع الطلاب جميعهم كل ملابسهم كاملة، المتكلم صادق عندي، فأنت عندما تخاف على دينك، يجوز أنك تدفع الثمن لأنه يوجد آخرة، يوجد جنة للأبد، الذين أوذوا في سبيل الله، عفواً، إذا أنت تضمن دين أولادك لا يوجد مانع، هذا الجواب الدقيق، إذا لم تضمنه عندنا مشكلة كبيرة، اختر أهون الشرين.
المذيع:
 شكراً لكم دكتور.
 أحمد تفضل باتصال جديد.
المستمع:
 السلام عليكم، جزاكم الله خيراً على البرنامج، دكتور بالنسبة للعيش والرزق.

﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾

[ سورة الذاريات: 22]

 سؤالي أريد أن أعرف أن الرزق إن نحن سافرنا، لو أنا رزقي ببلدي ليس نفس الرزق هناك أريد توجيهاً منك أو تفسيراً بالنسبة للرزق.

﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾

ارتباط الرزق بالاستقامة :

الدكتور راتب :
 اسمع القرآن:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾

[ سورة الجن: 16]

 هذه الآية واضحة صريحة جامعة مانعة، الله عز وجل وعد برزق طيب مع الاستقامة، أنا لا أجرب الله، لكن أستقيم.
المذيع:
 سؤال أحمد هو: هل رزقه مكتوب له قبل أن يخلق إن بقي بالأردن أو هاجر إلى بلد متقدم علمياً.
الدكتور راتب :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾

[ سورة الجن: 16- 17]

 الرزق يزيد وينقص، هو مربوط بالاستقامة حسب الآية، والسعي طبعاً، يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء.
المذيع:
 أي لو الإنسان سنحت له فرصة عمل ليطور فيها عمله هل يأخذ بها دكتور أم أنا رزقي سيأتيني إن طورته أم لم أطوره؟
الدكتور راتب :
 لا، يجب أن يطوره، لكن أنا أتمنى أن يكون كلامي واضحاً، هذا الدين أمانة، فعليك أن تكون حريصاً على دين أولادك، فأي مكان تضمن دين أولادك به لا يوجد مانع.
 أنا كنت أقول: أحد العلماء كان بأمريكا، التقيت معه، قال لي: إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً لا يجوز أن تبقى في هذه البلاد، فإذا الإنسان اكتشف أنه خسر أولاده نهائياً؟!
 أنا سافرت لأمريكا، وأوروبا، وآسيا، والبرازيل، وكندا، وأستراليا، أكبر مشكلة تعاني منها الجاليات فقدوا دين أولادهم، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
المذيع:
 شيخنا نملك دقيقتين للختام، هل تؤيد الهجرة؟

 

الهجرة مشروعة بشرط المحافظة على الدين :

الدكتور راتب :
 النبي هاجر، الهجرة بالأصل أؤيدها.
المذيع:
 أنا أعيش بالأردن ووضعي الاقتصادي صعب، تؤيد أن أبقى في بلدي ولا أهاجر؟
الدكتور راتب :
 إذا سافرت لبلد تستطيع أن تحافظ على دينك، ودين أولادك، لا يوجد مانع من السفر، الهجرة مشروعة، النبي هاجر، لكن أهم شيء أن تحافظ على دينك ودين أولادك.
المذيع:
 إذاً ملخص الأفكار التي تفضلتم شيخنا الكريم بطرحها في هذه الحلقة، في ختام هذا اللقاء في موضوعنا "إعمار الأوطان" قلت: إن من أعظم العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى أن يساهم في إعمار أوطانه العربية والإسلامية.

إعمار الأوطان العربية والإسلامية واجب على كل إنسان :

الدكتور راتب :
 طبعاً هذا واجب أولي.
المذيع:
 وهذا له ثمن، سيتعرض لضيق العيش.
الدكتور راتب :
 النبي الكريم المهاجر إلى يثرب في أول خطاب له يقول- من يوجد في يثرب؟ يوجد أوس وثنيون، وخزرج وثنيون، وأوس مسلمون، وخزرج مسلمون، وعرب، وموال، ونصارى -:

((أهل يثرب أمة واحدة))

 هذا أقدم خطاب وطني بالإسلام، تجلس ببلد عليك واجبات، ولك حقوق، هذا اسمه التعايش، المواطنة، هذا أقوى شيء، إذا أنت استطعت أن تبقى ببلدك وتحقق أهدافك لا يوجد مانع، خرجت من بلدك لبلد آخر أهم شيء أن تضمن دين أولادك.
المذيع:
 إذاً دكتور الإنسان إذا أراد الهجرة فالهجرة مشروعة على أن يضمن أن يتعبد الله هو وأولاده بشكل كامل، يبقى هنا، يبقى هناك هذا خياره، ولكن فضيلتك ترى من يبقى هنا ويتحمل الأزمات والضغوطات مقابل أن يزيد من بناء معلوماتنا وثقافتنا وتطور بلادنا فهذه عبادة عظيمة عند الله.
الدكتور راتب :
 ومواطنة، وعمل وطني، أي البلد أنفق على هذا الإنسان حتى أخذ الدكتوراه ما لا يوصف من الأموال، يعطي كل خبراته للغرب ؟
المذيع:
 كل المتفوقين إذا سافروا لم نتقدم، إن شاء الله رب العالمين أصحاب القرار والمسؤولين يتقون الله عز وجل في تطوير هذه البلاد، لتصبح رغيدة على أهلها، لا يضطرون إلى الهجرة، لأن هذه أمانة أمام الله، والمقصر فيها سيحاسب.
الدكتور راتب :
 أنا سأقول كلمة أخيرة: أخطر شي بحياتنا البطالة والعنوسة، وكل إنسان يساهم بتخفيف البطالة والعنوسة له أجر من الله.
المذيع:
 وإذا الإنسان تسبب فيها؟
الدكتور راتب :
 له وزر.
المذيع:
 والعياذ بالله.
 نختم الحلقة بالدعاء دكتور؟

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة، شكراً جزيلاً لكم.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور