وضع داكن
25-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 16 - أولادي صدقة جارية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، حياكم الله مستمعينا الكرام، شيخنا الكريم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 أمد الله بعمركم، ونفعنا بعلمكم يا دكتور، أهلاً وسهلاً بفضيلتكم.
 نبدأ حلقتنا هذه بقول الخالق سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾

[ سورة الطور:21]

 أهلاً وسهلاً بكم شيخنا. ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:

(( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ))

[الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما]

 فالأب راعٍ عن أولاده، ومسؤول عنهم، حلقتنا شيخنا الكريم اليوم: "أولادي صدقة جارية"
 كيف يمكن للإنسان أن يكون هذا المشروع العظيم في حياته، مشروع تكوين الأسرة ابتداء من اختيار شريكة حياته، وإنجاب أولاده، أن يكون صدقة جارية تنفعه أمام الله يوم القيامة؟

حرص كل إنسان على كمال و سلامة و استمرار وجوده :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أخي الكريم؛ بارك الله بك، ونفع بك، وأعلى قدرك، على اختيار هذه الموضوعات الحساسة والأساسية.
المذيع:
 العلم منكم يا دكتور، جزاكم الله خيراً سيدنا.
الدكتور راتب :
 أنا أرى أن أي إنسان على وجه الأرض، الآن يوجد ثمانية مليارات إنسان، من دون استثناء، على اختلاف ملل الناس، وأديانهم، وطوائفهم، وأطيافهم، هؤلاء جميعاً حريصون على ثلاثة أشياء: على سلامة وجودهم، وعلى كمال وجودهم، وعلى استمرار وجودهم، سلامة الوجود بالاستقامة على منهج الله، سلامة الوجود باتباع تعليمات الصانع الخبير، وكمال الوجود بالاتصال به، الله عز وجل ذات كاملة، فيها كمال، وجمال، ونوال، وأما استمرار وجود الإنسان فيكون بأولاده.
 كنت أقول في أمريكا: لو بلغت أعلى منصباً في الأرض، وجمعت أكبر ثروة فيها ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، لا يمكن أن يسعد الإنسان بشقاء أولاده، فالعناية بالأولاد عناية بالنفس، أنا أقول لك: يوجد شعور لا يعرفه إلا من ذاقه.

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[ سورة الفرقان: 74]

 أن ترى ابنك يصلي، ابنك سمعته طيبة، دخله حلال، ببيته ناجح، بناته محجبات، أصحابه غير منحرفين، هذا الابن يسعد أبويه إلى آخر لحظة، لكن بر الوالدين إذا اعتنيت بأولادك برهم يسعدك في حياتك، وبعد مغادرة الدنيا.
المذيع:
 شيخنا الكريم، ما الرابط الشرعي بين قول الله سبحانه وتعالى في الآية:

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[ سورة الفرقان: 74]

 ما الرابط بين الاتقاء أي أن يكون من أصحاب التقوى أو يكون إماماً متديناً؟

محاسبة كل أب على تربية أولاده :

الدكتور راتب :
 هذا الابن لو ورث مالاً حراماً، والأب لم يعلمه قد ينحرف به، هذا المال كسبه الأب حلالاً وأنفق في وجهات لا ترضي الله عز وجل.

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة الطور: 21]

 بالمعنى الإيجابي.

﴿ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور: 21]

 قال العلماء: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، المعنى المخالف بالفقه، المخالف الذي أنجب أولاد، لم يربهم فانحرفوا، وضلوا، وأضلوا، وارتكبوا الموبقات، والمال وفير بين أيديهم، هذا المال الذي كسبه الأب حلالاً وأنفق حراماً يحاسب عن أبنائه، لِمَ لم يربهم؟
المذيع:
 شيخنا، أعود لذات الآية ونتوسع مع الأفكار العميقة والتي كنتم تطرحونها.

﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

 هل على الإنسان أن يصلح من نفسه ليكون مؤهلاً ليكون إماماً للناس وبالتالي تقر عينه بأولاده؟

العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :

الدكتور راتب :
 كلمة إمام لا تعني بالمعنى الضيق هو عالم، أو داعية، أو خطيب، أو متكلم بأجهزة الإعلام، لا، المستقيم إمام شاء أم أبى، الاستقامة دعوة إلى الله، والأمانة دعوة إلى الله، والحياء دعوة إلى الله، والخوف من الله دعوة إلى الله، المستقيم دعوة، الأمانة دعوة.
 عفواً: سيدنا جعفر سُئل من قِبل النجاشي، قال له: حدثني عن هذا الدين، فقال له:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

[جعفر بن أبي طالب عن أم سلمة أم المؤمنين]

 هذه العبادة التعاملية، والصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والشهادة عبادة شعائرية، لكن العبادة التعاملية هي الأصل، لِمَ؟

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 الصيام:

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[البخاري عن أبي هريرة ]

 انتهى الصيام.
 الحج:

(( من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب، ونادى لبيك اللهم لبيك، نودي أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك))

[الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]

 بقيت الزكاة:

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 53]

 بالقرآن، بقي الشهادة:

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

 فالعبادة الشعائرية، صلاة، صوم، حج، زكاة، شهادة، لا جدوى منها، ولا تقطف ثمارها، إلا إذا صحت العبادة التعاملية.

((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط))

[الجامع الصغير عن أنس]

المذيع:
 من هو المخلط دكتور؟
الدكتور راتب :
 جمع عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
المذيع:
 يتعمد أن يبقى هكذا.

أيّ معصية للإنسان حجاب عن الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 سؤال: إذا بيت كان فيه كل الأجهزة الكهربائية، ثلاجة، وغسالة، ومروحة، وميكروويف، إلخ.. لكن الخط الرئيسي مقطوع، كله واقف، كلها كتل بلاستيك، عبء على الإنسان، لأنه لا يوجد كهرباء، التيار الأصلي مقطوع، إذا قطعناه، وأبعدناه متراً أو أبعدناه ميلي متراً ينقطع التيار، كله واقف.
فأي معصية حجاب عن الله عز وجل، المعصية تمت، الحجاب وقف، ما الدليل؟

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين:15]

 عفواً، ادخل لمدينة عربية، ألف بيت لا يوجد خمر، أي كمسلمين، لا يوجد غناء كمسلمين، لكن يوجد أفلام غير منضبطة، لقاءات غير منضبطة، كسب غير مشروع، نحن مشكلتنا الصغائر إذا ثبتت انقلبت إلى كبائر.
المذيع:
 شيخنا الكريم، نعود للآية الكريمة التي بدأنا فيها حلقتنا، وفضيلتك قلت في شرحها:

﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

 المقصود بكلام العلماء ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، بداية هذا الكلام يشمل الخير والشر، لا قدر الله لم يبعد أولاده عن الخطأ فيشمله إثمهم في المستقبل.

كل إنسان تلحق به أعمال ذريته إلى يوم القيامة :

الدكتور راتب :
 كل أفعالهم يحمل وزرها الأب.
المذيع:
 أو ثوابها.
الدكتور راتب :
 الغُرمُ بالغُرمِ.
المذيع:
 لو دعاهم للخير دكتور لكنهم شقوا الطريق.
الدكتور راتب :
 أدى الذي عليه، وينتظر من الله ما له.
المذيع:
 شيخنا، كيف ترى مشروع العائلة هل هو أعظم مشروع في حياة الإنسان؟ هل للإنسان؟ لدراسته؟ لعمله؟ لسفره؟ لبيته؟

مشروع العائلة أعظم مشروع في حياة الإنسان :

الدكتور راتب :
 أنا لا أرى شيئاً يضبط الأمور كالأسرة، وأنا أقول لك كلمة قاسية جداً: أنا كنت عضواً بمؤتمر السكان ثلاث مرات، مرة كان بمدينة بالي، مرة بالقاهرة، ومرة بالصين و لكني لم أحضره، هذا المؤتمر يريد أن ينهي الأسرة، الأسرة تتصل بالدين، والإباحية وإلغاء الأسرة يتصل بالكفر، مؤتمر السكان أحدثه كسنجر، هدفه الوحيد إلغاء الأسرة، أي موضوع المثلية مقبولة، ومشجعة، لأنها تخفف الإنجاب، لأن المسلمين كثرة كبيرة جداً، فاحتالوا عليهم بمؤتمر السكان، من فضل الله لم ينجح إطلاقاً، بل فشل فشلاً ذريعاً، أنا كنت عضواً بالمؤتمر ثلاث مرات، مرة في دمشق، ومرة في بالي، ومرة بالقاهرة، ومرة بالصين لكني لم أحضر، هدفه إلغاء الأسرة.
المذيع:
 إذاً حينما يتأمل الإنسان دكتور، هذه الفكرة أنها:

﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

 أي أن أعمال ذريتي ستلحق بي إلى يوم القيامة، هذا يدعو الأب والأم.
الدكتور راتب :
 إيجاباً وسلباً.
المذيع:
 هذا يدعوهم على أن يتبنوا مشروع تربية الأولاد، كلمة دكتور أحياناً تقال لبعض الأمهات: أنت ماذا تعملين؟ ربة منزل، تكون النظرة وكأن عملها لا شيء.

على المرأة أن تعبد الله فيما أقامها :

الدكتور راتب :
 أقسم لك بالله كلمة ربة منزل بأمريكا وسام شرف، أنا دكتورة مثلاً، أنا أستاذة جامعة في أمريكا من شدة التفلت ربة المنزل التي ترعى أولادها لها مكانة كبيرة جداً، حتى على هويتها ربة منزل، تدير منزلاً، تربي أولادها.
المذيع:
 ويمكن أن يكون هذا مشروعها مع الله، إذاً أولادها صدقة جارية تنفعها.
الدكتور راتب :
 أنا عملت بالتعليم أربعين سنة، أرى الطالب، أولاً نظيفاً، ثيابه نظيفة، يوجد ذوق بثيابه، يكتب وظائفه، كتبه مجلدة، أنا أقول جازماً: وراءه أم عظيمة.
المذيع:
 وممكن هي لم تنجز إنجاز ابنها دكتور، لم تدرس في الجامعة مثلاً؟
الدكتور راتب :

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا- رسول الله- فإذا امرأة تنازعني، تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت: من هذه يا جبريل؟ قال: هي امرأة ربت أولادها))

 هذا اسمه بالمصطلح الدقيق: عبدت ربها فيما أقامها، أضرب مثلاً دقيقاً: إنسانة تحب الله حباً جماّ، استيقظت الساعة الثالثة ليلاً وصلت قيام الليل- هناك من يعترض عليّ بهذا المثل- وبكت، ودموعها سالت على البلاط، الساعة السادسة تعبت، عندها خمسة أولاد، قالت لهم: دبروا أنفسكم، الأول وضع الشطيرة من دون كيس نايلون، الزيت وصل للكتاب، والثاني هندامه لم يكن جيداً، الأولاد كلهم عوقبوا بالمدرسة، هذا من ثيابه، وهذا من وظيفته، وهذا من شطيرته، هذه الأم أمضت الليل في القيام قراءة، وصلاةً، وذكراً، وتعبداً، لو استيقظت الأم بعد الفجر بربع ساعة، دفأت الغرفة، هيأت الطعام، الشطائر، راقبت وظائف أولادها، هذه أقرب إلى الله منها بمليون ضعف، لأن الثانية عبدت ربها فيما أقامها، أقامها أماً فعبدته.
 لذلك القوي عبادته الأولى إحقاق الحق.
المذيع:
 اسمح لي دكتور بشيء، نحن كأننا حصرنا الأم إما أنها تقيم الليل وتقصر بأولادها أو تعطي أولادها حقهم وتقصر بحق الله، جماعة الحسنيين دكتور لو استيقظت قبل الفجر.
الدكتور راتب :
 أفضل مليار مرة، أعوذ بالله.
المذيع:
 قامت الليل، وبكت، ودفأت الغرفة.
الدكتور راتب :
 أبداً، جمعت الحسنيين، هي بحالة مفارقة.
المذيع:
 إما وإما، مهمتها الأولى أن تؤدي فرض الله، وصلاة الفجر، ثم إطعام أولادها.
الدكتور راتب :
 عفواً، يوجد عبادة، ومعاملة، المعاملة أن تعبد المرأة ربها فيما أقامها، أقامها أماً العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد، أقامها بنتاً رعاية الأب والأم.
المذيع:
 تقصد شيخنا الرعاية الأولى بعد فرض الله؟
الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:
 حتى لا يعتقد بعض الناس أنها لا تصلي صلواتها، ولا تصوم رمضان.
الدكتور راتب :
 الفرائض شيء بديهي.
المذيع:
 نعم، وصلت الفكرة.
 إذاً كنا نتحدث عن أن المهمة سواء يتخذها الرجل أو المرأة، أن يكون الأولاد مشروعهم أمام الله.
 دكتور البعض قد يتفرغ للدعوة، والبعض قد يذهب إلى الجهاد، والبعض قد يبني مسجداً، لو الإنسان لم يملك قدرة لأداء ذلك، لا قدرة على السفر، ولا مال، وقال: يا رب أولادي بعد زواجي هؤلاء أريد أن أجعلهم صدقة جارية، أن يكونوا أناساً متدينين، أناساً متعلمين، يبنون المجتمع، فحينما يموت تبقى نتائج أولاده في ميزان حسناته إلى يوم القيامة صدقة جارية؟

الأولاد أكبر شهادة للآباء :

الدكتور راتب :
 أنا أقول الكلمة الدقيقة الدقيقة: لو لم يكن له إلا هذا العمل لكفاه.
المذيع:
 إذاً ما يقال لبعض النساء مثلاً دكتور: يجب أن تخرجي من البيت ويكون لك دور، أكيد لست ضده.
الدكتور راتب :
 أن تربي أولادها وسام شرف لها، عفواً امرأة معها دكتوراه، وضعتها في غرفة الضيوف، ببرواز غال جداً، شيء ممتاز، هي مثقفة ثقافة عالية، لكن أنا أرى و أعني ما أقول: أكبر شهادة للمرأة أولادها، أنا عملت بالتعليم أربعين سنة، أرى شاباً أعتقد يقيناً أن وراءه أماً عظيمة.
المذيع:
 إذاً يمكنها أن تتاجر مع الله في أولادها، وهذا الكلام أيضاً يساق على الآباء دكتور إذا نوى في نفقته على أولاده، في صبره عليهم، في تعليمهم.

ضرورة العناية بدين الأولاد و بنجاحهم معاً :

الدكتور راتب :
 اسمع النص:

((اعلمِي أيتها المرأة، وأعلمِي من دونك من النساء، أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله))

(( ذروة سنام الإسلام الجهاد ))

[الطبراني عن أبي أمامة الباهلي ]

 أن تعتني بأولادها تربية.
 عفواً، أنا مضطر أعمل تحفظاً، إن اعتنت فقط بنجاحهم، وهندامهم، لا يكفي، يجب أن تعتني بدينهم، بصلاتهم، بانضباط سلوكهم.
المذيع:
 سيدنا، اسمح لي بسؤال سريع: لو اعتنت بدينهم فقط، ولم تعتنِي بنجاحهم؟
الدكتور راتب :
 لا يكفي.
المذيع:
 إذاً هما وجهان لأمر واحد.

الفرق بين النجاح و الفلاح :

الدكتور راتب :
 دخلنا للموضوع، أنا عندي نجاح، وعندي فلاح، النجاح أحادي، والفلاح شمولي، قد أنجح، بيل كيت يملك ثلاثة وتسعين ملياراً، وجوبز يملك سبعمئة مليار، أكبر ثروة بالتاريخ الحالي، قد تنجح بجمع المال، قد تنجح باعتلاء منصب.
 من حوالي شهر بلغني أن رئيس وزراء اليابان حكم اليابان سبعين سنة، ما سمعت أطول من هذه المدة في ذلك المنصب، قد تنجح بارتقاء منصب رفيع لسبعين سنة، وقد تنجح بتجميع ثروة – سبعمئة مليار- وقد تنجح، وقد تنجح، النجاح كله أحادي، ما هو الفلاح؟ الفلاح شمولي، أن تنجح مع الله معرفة، واستقامة، وعملاً صالحاً، وتقرباً، وانضباطاً، أن تنجح مع أهلك، حسن الاختيار أولاً، وضبطاً، وتوجيهاً، أن تنجح في عملك إتقاناً، وسعراً معتدلاً، وأن تنجح مع صحتك، إن نجحت مع الله، وفي بيتك، وفي عملك، ومع صحتك، هذا لا يسمى نجاحاً يسمى فلاحاً، ولم ترد كلمة نجاح إطلاقاً في القرآن.

﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة الأعراف: 157 ]

 أفلح مع الله معرفة، واستقامة، وتقرباً، وأفلح في بيته بحسن اختياره لزوجته، ولأم أولاده، ونجح بتربية أولاده، ونجح في عمله إتقاناً، واستقامة، ونجح مع صحته أيضاً.
المذيع:
 شيخنا أنت تطرح قضايا فكرية، مرتبطة بالبناء الفكري عند كل إنسان مسلم، والشباب والبنات، إذاً أنا حينما تكون نظرتي أن مشروعي مشروع الزواج يبدأ من اختيار شريك الحياة بطريق الصواب، ثم الاعتناء بالأولاد، أن يكونوا ناجحين دينياً ودنيوياً، هذه صدقة جارية إلى يوم القيامة، لا تقل أهمية عن أن يكون لك مشروع بشهادة علمية أو جهاد.

الإحسان للأولاد يبدأ قبل ولادتهم :

الدكتور راتب :
 أكبر بر، وأكبر إحسان للأبناء، الإحسان يبدأ قبل أن يولدوا، بحسن اختيار أمهم.
المذيع:
 وكذلك للأم، بحسن اختيار والد أبنائها في المستقبل.
 دكتور، الآن السؤال ونبحث عن خطوات عملية حتى نستفيد من فضيلتكم: كيف يمكن أن يكونوا أولادي صدقة جارية من بعدي؟

خطوات ليكون أولادي صدقة جارية لي :

1 ـ القدوة قبل الدعوة :

الدكتور راتب :
 أولاً: القدوة قبل الدعوة، أنا أقول كلاماً لعلي لا أبالغ، أو أبالغ لا أعرف، الأب الصادق صدقه فقط دعوة لأولاده، لم يعط أي درس توجيهي، لكن لم يروه كاذباً.
 أحياناً الأم عند الجيران، ومعها ابنتها الصغيرة، وقد أطالت البقاء، جاءت إلى البيت الطعام غير جاهز، جاء الأب غضبان، أين كنتم؟ قالت: لم نكن بمكان، والبنت صغيرة، شربت الكذب من أمها.
المذيع:
 التربية بالقدوة.
الدكتور راتب :
 بالقدوة قبل الدعوة، هو يمشي بشكل صحيح، ولو لم يتكلم صمته دعوة لله، إن عاملته أمين، إن استثيرت شهوته عفيف، إن تكلم صادق.

(( نعرف صدقه، وأمانته، وعفافه، ونسبه))

 هكذا قال سيدنا جعفر للنجاشي.
المذيع:
 جميل، إذاً النقطة الأولى حتى يكون أولادي صدقة جارية أن يرون منك القدوة والصواب؟

2 ـ الإحسان قبل البيان :

الدكتور راتب :
 القدوة قبل الدعوة، الإحسان قبل البيان، املأ قلب من تدعوه بإحسانك، ليفتح لك عقله لبيانك.
المذيع:
 ما المقصود بالإحسان هنا دكتور؟
الدكتور راتب :
 أنت عندما تكرم إنساناً يحبك، وإذا أحبك، أنا أذكر تماماً تجربة الحقيقة استخدمتها ونجحت، عندي أخ في الجامع، عرف الله متأخراً، اختار زوجة غير منضبطة، متفلتة جداً، هكذا أرادها في السابق، فقرر أن يطلقها، قلت له: لا تطلقها، أنت اخترتها هكذا، ثم هُديت إلى الله، الله صبر عليك قبل الهداية، كما صبر عليك اصبر عليها، ثم قلت له: لا تعاملها كزوجة فقط، بل كزوجة رائعة جداً، أي كل يوم هدية، هكذا قلت له، أقسم لي بالله بعد ستة أشهر عندهم ذهاب إلى بيت أهله، فوجئ بها محجبة حجاباً كاملاً.
المذيع:
 من غير أن يطلب منها؟
الدكتور راتب :
 املأ قلبه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك.
المذيع:
 البعض سيأتيك دكتور يقول لك: هذه زوجة عاصية، كان المفترض أن تفرق بينهما من أول يوم.
الدكتور راتب :
 أنا ماذا قلت له؟ أنت اخترتها هكذا، هي لم تذنب الآن، كنت أنت مثلها، فكأنما الله صبر عليك حتى اهتديت إليه فاصبر عليها.
المذيع:
 ما أجمل هذا المنهج، الله يفتح عليك يا دكتور .
الدكتور راتب :
 سألوا الإمام الغزالي: ما حكم تارك الصلاة؟ يوجد إجابات كثيرة، كافر، فاسق، يقتل في بعض الأنظمة، قال له: أن تأخذه معك إلى المسجد، هذا حكم تارك الصلاة.
المذيع:
 هذا الجانب الفكري غائب.
الدكتور راتب :
 غائب، نحن منفرون، لسنا دعاة إلى الله.
 جهة استخدمت خادمة، فوجئت بأنها غير مسلمة، مشكلة كبيرة ببيت إسلامي، سألني الشخص الذي هو استخدمها من كينيا فإذا هي غير مسلمة، قلت له: أنا أنصحك أن تقبلها، لكن عاملها بالإحسان، وأكيد عاملها بالإحسان، بالبيت لها غرفة خاصة، والساعة العاشرة يقولون لها: اذهبي للنوم، والأكل لا تحتاج إلى إذن، أقسم بالله بعد عشرة أشهر طلبت أن تسلم، هي من كينيا، واستأذنت أهلها، ووافقوا، وأسلمت.
المذيع:
 عشرة شهور دكتور فترة طويلة.
الدكتور راتب :
 وجدت معاملة جيدة، لا يوجد كلمة قاسية، يوجد خادمات ينتحرن من قسوة السيدات.
المذيع:
 لكن تفضلت حضرتك بشهور طويلة، أي أنت بدعوتك وإحسانك عليك أن يكون لديك صبر، أن يكون بالك طويلاً، يومان أو ثلاثة إن لم تسلم اتركها، عشرة شهور فترة طويلة للغاية.
الدكتور راتب :
 طبعاً هي محجبة عشرة شهور، وهي مضطرة أن تبقى عندنا، هي عندي كانت وأسلمت، أحضرنا لها صدر كنافة نابلسية، وقلنا لها: أهلاً وسهلاً.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا رب، الله يكرمكم ويجزيكم الخير.
 إذاً شيخنا الحبيب، الإنسان عليه في فكره أن يتبنى مشروع الدعوة إلى الله، ألا وهو أولاده، انطلاقاً من هذه الآية الكريمة:

﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

 أي أن أعمال ذريتي الصالحة من بعدي في ميزان حسناتي، فكما تفضلت عليه أن يحسن لهم، وأن يكون قدوة، وأن يصبر، ويعطي الأمور وقتاً طويلاً لهم.
 الآن دكتورنا نتحدث حينما يقوم الإنسان بهذه القضايا، ويجد أولاده يخالفونه، وخاصة هذه المشكلة اليوم تصيب بعض البيوت الإسلامية، يكون الأب إماماً، الأم مدرّسة قرآن، وأولادهم بالعكس، نتوسع مع فضيلتك بهذا الطرح بعد فاصل قصير شيخنا الحبيب، لنتحدث أكثر عن هذه النقطة.
 أولادي صدقة جارية، هو عنواننا لهذا اللقاء، الذي بدأناه نحن وإياكم انطلاقاً من قول الله تبارك وتعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

  وأخبرنا فضيلة العلّامة أن تفسير هذه الآية ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، لا قدر الله إن صنعوا بهم شراً فعليهم الوزر، وإن خيراً فلهم الأجر بإذن الله.
 دكتورنا الحبيب، حاولت أن أطعم بيتي من مال حلال، وأختار امرأة صالحة، وأن أربي أولادي على طاعة الله، لكن عندما كبروا كانوا عكس ما أريد، سقتهم هذه الحياة بالفتن والتحديات التي فيها، ماذا أفعل؟

من كان مخلصاً في تربية أولاده أعانه الله على برهم و استقامتهم :

الدكتور راتب :
 أديت الذي عليك، انتظر من الله الذي لك، وأنا أجتهد اجتهاداً أنك إذا كنت مخلصاً في تربية أولادك الله عز وجل يعينك على برهم، واستقامتهم، وتوبتهم، أنت أديت الذي عليك.
المذيع:
 لكن أنا أتألم عندما أرى ابني مثلاً دكتور بعيداً عن طريق الله عز وجل.
الدكتور راتب :
 ألمك وسام شرف لك، أقول كلمة من اختصاصي كتربية، الحقيقة تبدأ التربية من يوم الولادة، أكثر المسلمين يهملون السبع السنوات الأولى، تنشأ عادات، وخبرات، ومهارات غير إسلامية، ثم يصبح ذلك صعب.
لاعب ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً، ثم اتخذه صديقاً.
 يوجد فترة الطفل يشرب الورع من أمه وأبيه قبل أن يبلغ السابعة من عمره، لم ير والده غيّر ثيابه أمام أولاده، بل في غرفة النوم، لم يسمع من أبيه كلمة بذيئة، لم ير على الشاشة فيلماً لا يرضي الله، الطفل أكبر ناقد، فنحن إذا أهملنا أولادنا عندنا مآس لا يعلمها إلا الله، الإنسان يتألم ألماً لا حدود له.
 أنا كنت ببعض البلاد يعيشون حياة تفوق حدّ الخيال، يا ترى كم فرد بالبيت؟ تعرف عدد أفراد الأسرة من عدد السيارات، كل شخص له سيارة، البيت قسم شتوي، قسم صيفي، مسبح مفلتر، مسخن بالشتاء، الأناقة شيء مخيف، حتى بعض الحاجات الأساسية فيها تفاصيل مذهلة، تقول له: ابنك، يغمى عليه، لأنه لم يربِّ ابنه، فلذلك أنا أقول: أكبر إنجاز أن تربي ابنك.
 من أقام مع المشركين إقامة دائمة برئت منه ذمة الله.
المذيع:
 لو أقام في دول الغرب دكتور، وكان هناك جالية إسلامية.

العبرة بالاستقامة :

الدكتور راتب :
 ممتاز، لا يوجد مشكلة، العبرة بالاستقامة، وليس تحريم المكان، لكن أنا معلوماتي قديمة عندما لم يكن هناك جاليات مجتمعة، أنا كنت بأمريكا يوجد جاليات جيدة جداً مجتمعة، الوضع اختلف، لكن يبقى البلد أفضل.
 كنت مرة بأستراليا، لا أنسى هذا الموقف، رئيس الجالية مثقف ثقافة عالية جداً، بقيت عنده شهراً تقريباً، وتأثروا تأثراً إيجابياً كبيراً جداً، يقول لي رئيس الجالية، وهو يودعني، وعينه دمعت، قال لي: بلغ أخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا.
 أستراليا قارة، فيها أربعة عشر مليوناً، عمر التربة مئتا سنة، أما عمر التربة ببلادنا فألفا سنة، شيء لا يصدق من الرفاه، والفواكه، والخضراوات، والطقس الجميل، قارة بأكملها.
 أنا استغربت أردت أن أستزيد منه، قلت له: لِمَ؟ قال لي: بلغ أخواننا بالشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، قلت والله ما فهمت عليك، اشرح، قال لي: ابنك هناك سيكون ملحداً أو منحرفاً، قال لي: ليس الانحراف الطبيعي، بل الشاذ، وإن لم تصدقني فاسأل، والله صرت أرى إيجابيات بلادي، صرت مهتماً عشر سنوات بإيجابيات حياتنا، الأم أم.
 شخص يوقف على نهر السين، شاب فرنسي، شاهده شاب ملتحق بالجامعة بباريس، أراد أن يتكلم معه بالفرنسية، قال له: بِمَ تفكر؟ قال له: بقتل أبي، هذا الشاب صعق، شخص مسلم شرق أوسطي ناشئ بالدين، الأم مقدسة، الأب مقدس، قال له: لِمَ؟ قال له: أحب فتاةً فأخذها مني، قفز ذهني والله لا أبالغ بالأردن، بالشام والله آلاف الأسر تبيع بيتها بالعاصمة وتسكن بالريف كي تزوج أولادها، يكون هؤلاء الأشخاص يسكنون بأرقى أحياء دمشق لكن بيتهم بالشام يساوي خمسة بيوت بالريف، فيسكن بالريف ليزوج أولاده.
 أنا صار عندي حالة لم أعد أتحملها، جلد الذات، نحن لسنا متخلفين، نحن عندنا إيجابيات بحياتنا تفوق حدّ الخيال، لكن نحن لم نر ماذا يحدث في الغرب.
 رأى شاب فتاة بلوس أنجلوس، أعجبته، فاستأذن والده بالزواج منها، قال له: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، كان أبوه زير نساء، والثانية أخته، والثالثة أخته، فاشتكى لأمه، قالت له: خذ من تشاء شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري.
 نحن عندنا إيجابيات ببلادنا لا يعلمها إلا الله، أنا هذا إيماني، أتمنى من الأخوة المسلمين والمشاهدين أن يعرفوا إيجابيات بلادهم، يوجد الكثير من الإيجابيات.
المذيع:
 ومنها العائلة، ووجود هذه العائلة الجميلة.
 إذاً دكتورنا أنا يمكن أن أتبنى أولادي ليكونوا مشروعي أمام الله سبحانه وتعالى.
الدكتور راتب :
 أكبر مشروع.
المذيع:
 وأتاجر بهم مع الله، سواء كانت الأم بالبيت، أو كانت الأم تعمل، سواء كان الأب متفرغاً لأولاده، أو يشتغل ويتفرغ لأولاده، وهذا الأجر لا يرتبط بتربيتهم الدينية كما تفضلت نجاحهم الدنيوي، شهادته، علمه، صحته.
الدكتور راتب :
 الدينية والدنيوية.
المذيع:
 وهنا يكون كمال الإنسان المسلم أن يهتم بدينه وبدنياه.
 الآن دكتورنا الحبيب كنا نتحدث في قضية بعض العائلات التي انحرف أولادها، كيف يمكن للأب دكتور هنا أن يعيد ابنه إلى جادة الصواب؟

الإحسان سيد التصرفات التربوية :

الدكتور راتب :
 أنا أتمنى على الأخوة المستمعين، والمشاهدين، ألا يقاطعوا أولادهم الذين انحرفوا، إن قاطعته يزداد انحرافاً.
المذيع:
 حتى لو اقترب من الإلحاد دكتور؟
الدكتور راتب :
 يزداد انحرافاً، لي كلمة ثانية: الفكر يواجه بالفكر، ما دام هو توهم أنه لا يوجد إله يجب أن نقنعه، اقنع ولا تقمع.
المذيع:
 ولو هذه البنت كبرت ولا تريد أن تتحجب كما والدتها محجبة، ماذا تصنع الأم هنا دكتور مثلاً؟
الدكتور راتب :
 يجب أن تبقى في البيت، ألا يتخلوا عنها، لو طردها أبوها انحرفت أكثر.
المذيع:
 كيف تكون المعاملة دكتور؟ معاملة جميلة؟
الدكتور راتب :

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها))

[ ورد في الأثر]

 أنا أرى أن الإحسان سيد التصرفات التربوية.
المذيع:
 هل نرضى بما هو عليه دكتور أم نحسن المعاملة؟
الدكتور راتب :
 لا، نحن نبقيها عندنا، وننصحها، ونكرمها.
 قلت لك: شخص غير منضبط كلياً تزوج إنسانة مثله، فلما تاب لله لم يتحملها، يريد أن يطلقها، قلت له: لا تطلقها، اصبر عليها كما صبر الله عليك.
المذيع:
 متى يمكن للأهل دكتور أن يجبروا أولادهم على الصواب؟ بداية هل هذا الكلام مقبول في عمر معين أم أصلاً مرفوض شيخنا؟

مراحل تربية الابن :

الدكتور راتب :
 من اليوم الأول لسن السابعة، من اليوم الأول إلى السنة السابعة لاعبه، ومن السنة السابعة إلى الرابعة عشرة أدبه، ومن الرابعة عشرة صار مراهقاً اتخذه صديقاً، أولاً: لاعبه، أدبه، راقبه.
المذيع:
 ثم اتخذه صديقاً، إذا أنا ابني دكتور مثلاً لا يريد أن يصلي، لا يريد أن يدرس، لا يريد أن ينظف أسنانه، هل يحق لي أن ألزمه؟ أن أجبره؟
الدكتور راتب :
 بسن معينة يحق لك، إذا صار مراهقاً و عنفته أمام أخته البنت فهذا لا يصير.
المذيع:
 الأب دكتور مثلاً أولاده لا يريدون أن يصلوا، عمرهم خمس عشرة سنة، ست عشرة.
الدكتور راتب :
 أنا لا أصدق أن يكون الأب صالحاً كثيراً، ومحسناً لأولاده، وهو يصلي، فيكره أولاده الصلاة.
المذيع:
 والله شيخنا يوجد هذا في الواقع، أحياناً يبتلى ابنه لا يريد أن يصلي، وتكون الأم فاضلة من أهل القرآن، وتحفظه دروسه، وابنتها لا تريد أن تتحجب.

استخدام الإقناع مع الأولاد لا القمع و الإجبار :

الدكتور راتب :
 أدعو لها أن يهديها الله، أنا عندي مئات القصص.
المذيع:
 لكن لا يجبرها إجباراً.
الدكتور راتب :
 أقنع، ولا تقمع.

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

 للنبي، سيد الخلق وحبيب الحق.

﴿ غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

المذيع:
 في حديث النبي عليه الصلاة والسلام:

((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة ))

 منهم:

((ولد صالح يدعو له))

[مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 كيف يمكن لأولادي أن صدقة جارية من بعد وفاتي دكتور؟

ارتباط المشقة بالتربية بالأجر الكبير :

الدكتور راتب :
 كل أعمال أولادك بعد وفاتك إلى يوم القيامة في صحيفتك، كل أعمالهم الصالحة.

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

 قال علماء التفسير: أعمال ذريتهم، أكبر إغراء للمستمعين والمشاهدين تربية أولادهم.
المذيع:
 وكلما كان هناك مشقة في التربية كان هناك أجر؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، الثواب على قدر المشقة، لكن أقنع ولا تقمع، الفكر يحتاج إلى فكر، أنت لا تستطيع إذاً تحتاج إلى عالم.
المذيع:
 شيخنا بحكم حضرتكم في مجال التربية، ومجال أعمالكم في الدعوة في السنوات الطويلة ما هي أفضل الأساليب التي يمكن للآباء والأمهات أن يقنعوا أولادهم فيها بتطبيق هذا الدين؟

أفضل الأساليب التي يمكن للآباء والأمهات أن يقنعوا أولادهم فيها بتطبيق الدين :

الدكتور راتب :
 القدوة قبل الدعوة، أهم نقطة عندي القدوة، ما دام الأب لم يتكلم كلمة لا ترضي الله، ولم يتابع فيلماً لا يرضي الله، ولا سهر سهرة مختلطة، ما دام ملتزماً فالابن يتعلم دون أن يتلقى توجيهات.
المذيع:
 شيخنا يوجد تحديات خارجية كبيرة، ممكن أنت تستطيع أن تضبط شاشة الانترنيت أو التلفاز في بيتك، يذهب الولد عند أصحابه، عند أولاد عمه، يمكن أن يتعرض.
الدكتور راتب :
 بطولتك الآن أن تختار له أصحابه، أعرف أشخاصاً الأب يختار لابنه أصحابه، ابن زميله، والثاني ملتزم، البيت لا يوجد به أية مشكلة.
المذيع:
 دكتور في عمر صغير يمكن، لكن عندما يكبر الابن هو يختار أصحابه في الجامعة.
الدكتور راتب :
 أنا اجتهادي المتواضع، واختصاصي بالتربية، مادمت تعهدت ابنك من وقت الولادة لا يخيب ظنك أبداً، مشكلتنا كلنا أننا نصحو بعد فوات الأوان، هذه المشكلة، إذا تعهدته، لم ير كلمة بذيئة، لم ير تفلتاً باللباس، لم ير سهرة لا ترضي الله، لم ير عنفاً بالبيت، ينشأ على مكارم الأخلاق، يجب أن تهتم بأصحابه.
 انظر سيدي، وكلامي علمي دقيق، الأب، والأم، والمعلم، وشيخ الجامع، والبرنامج الديني على الشاشة، كل هذه العوامل للهداية تشكل أربعين بالمئة، وصاحب السوء يشكل ستين بالمئة، فيجب أن تعرف من هو صديق ابنك قبل كل شيء، ومن صديقة ابنتك.
 أربعون كلهم، الأب، والأم، والعم، والخال، وشيخ الجامع، والبرنامج الديني، وأستاذ الديانة بالمدرسة، والصديق ستون بالمئة، والعوام قالوا: الصاحب ساحب.
المذيع:
 شيخنا بعض الآباء والأمهات ينهار إذا وجد ابنه يترنح عن الصواب، مثلاً ربّى ابنه على الصواب يرى ابنه يدخن، ترى ابنتها تضع بعض المكياج، طبعاً هذه أخطاء، لكن ماذا تقول للآباء حتى لا ينهاروا ويستطيعوا مواصلة التربية.

العنف لا يلد إلا العنف :

الدكتور راتب :
 لا ينهار، يتسع صدره لهذا الخطأ.
المذيع:
 يشعر أنه فشل دكتور.
الدكتور راتب :
 لا، لم يفشل أبدأ، أقنع، ولا تقمع، لا تكن عنيفاً.
 كان لي كتاب مؤلف للشهادة الثانوية بقي إحدى عشرة سنة، حلّ محله كتاب آخر، كتاب مقرر لكل فروع التوجيهي، فجاء كتاب لفرانز فانون فرنسي مترجم، هذا الكتاب ينضغط بكلمة واحدة، العنف لا يلد إلا العنف، هذا من الخفير للأمير، العنف لا يلد إلا العنف، أقنع ولا تقمع.

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً ﴾

 أيها النبي أنت أنت بالذات

﴿ غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

المذيع:
 عليه الصلاة والسلام، شيخنا الحبيب، إذاً في ختام هذه الحلقة أعظم مشروع يمكن للإنسان في حياته أن ينجزه العائلة، وأولاده، وشريكة حياته، وإن رباهم بطريقة ناجحة يكونوا ناجحين دينياً، ودنيوياً، فهم ونجاحهم لهم ونسخة لي في ميزان حسناتي.

تلخيص لما سبق :

الدكتور راتب :
 لي تعليق بسيط: شيئان كبيران؛ حسن اختيار أمهم أولاً، ثم تربيتهم ثانياً.
المذيع:
 وكما تفضلتم التربية بالقدوة، والإحسان قبل البيان، والصبر عليهم، وإعطاء الأمور وقتاً، وعلى الإنسان ألا يستسلم.
 نختم حلقتنا بالدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات الطيبة: "أولادي صدقة جارية" ربنا يجعلها من نصيب الجميع يا رب العالمين.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور