وضع داكن
19-04-2024
Logo
برنامج بيت المسلم – الحلقة : 04 - حقوق الزوجة2 – المعاشرة بالمعروف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
  بسم الله:

﴿ الرَّحْمَن* عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن: 2- 4]

 والصلاة والسلام على النبي العدنان، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
 أخوتي، أخواتي أسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا: "بيت المسلم" ندخل إلى بيت المسلم بصحبة فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بارك الله بكم.
الدكتور بلال:
 سيدي الفاضل، نحن تحدثنا في اللقاء السابق عن أول حق من حقوق الزوجة على زوجها وهو حق مادي، حق النفقة حق مادي، لكن ربما يكون الأهم منه الحق المعنوي وهو المعاملة الحسنة، فالله تعالى يأمر الرجال والأزواج:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[ سورة النساء: 19]

 ما معنى المعاملة الحسنة والمعاشرة بالمعروف؟

المعاملة الحسنة للزوجة لأنها أولى الناس بالمودة و المحبة :

الدكتور راتب :
 أتحب أن أقول لك كلمة جامعة مانعة؟
الدكتور بلال:
 أحب سيدي.
الدكتور راتب :
 الكمال خارج البيت مصلحة، والكمال داخل البيت عبادة لله، لأن هذه الزوجة ليس لها غيرك، تفني وقتها من أجلك، تعيش لك، فهذه أولى الناس بالمودة، والمحبة، والرحمة، والتعبير عن ذلك مهم جداً، الإنسان بثلاثين سنة لا يمدح زوجته ولا بكلمة، لماذا؟ الطعام طيب، والبيت نظيف، والأولاد مرتبون، لِمَ لا تمدحها؟ المدح:

(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة))

 كلام النبي الكريم، إذاً التعبير عن إعجابك بإدارة البيت، والطعام المعتنى به، والأولاد الذين يلبسون ثياباً نظيفة، هذه ميزات الزوجة، فإذا ذكرتها اطمأنت، واستمرت، وتنامت، أما فإذا أهملتها فهناك مشكلة كبيرة.
الدكتور بلال:
 إذاً:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[ سورة النساء: 19]

الدكتور راتب :
 ما أساسها؟ النبي الكريم مع أصحابه مرّ رجل، قال أحد أصحابه: إني أحبه، قال له: هل أعلمته؟ قال: لا، قال: قم فأعلمه.
 إذا عندك إعجاب، عندك امتنان من زوجتك، من طعامها، من ثيابها، من حجابها، ومن تربيتها لأولادها، اذكر هذا الشي، اذكره لها عدة مرات، حتى تشعر أنك أنت تقدر هذا.
الدكتور بلال:
 الابتسامة لا تكلف مالاً، رغم ذلك ترى بعض الناس يبخلون بها.
الدكتور راتب :
 الكلمة.
الدكتور بلال:
 الآية:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[ سورة النساء: 19]

 ما معنى المعاشرة بالمعروف؟

المعاشرة بالمعروف :

الدكتور راتب :
 بالفطرة، إنسانة، الله عز وجل أودع في قلبك حب المرأة، وهذه زوجتك، وبالحلال، وهي تعتني بنفسها، تعتني بطعامك، وثيابك، وبأولادك، ألا تستحق كلمة ثناء من حين لآخر؟ لكن بالمعقول، وإذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، بالمعقول من حين لآخر يجب أن يكون هناك ثناء.
الدكتور بلال:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[ سورة النساء: 19]

 هل يكفي ألا يلحق الأذى بها؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، يوجد أشياء محظورات قبل الإحسان إليها، ترك الإساءة مقدم على المعروف كلياً، لا يوجد كلمة قاسية، لا يوجد سباب، ولا عبوس، و لا تجهم، و لا محاسبة دقيقة جداً غير معقولة، هذه كلها أشياء تضعف العلاقة بين الزوجين.
الدكتور بلال:
 وهل تعني المعاشرة بالمعروف أيضاً أن يحتمل الأذى منها؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، الحقيقة الكلام الدقيق الدقيق: لا تعني المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيذائها، هذا واجب، بل أن تحتمل الأذى منها، بالضبط.
الدكتور بلال:

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة النساء: 19]

الابتلاء علة وجود الإنسان في الدنيا :

الدكتور راتب :
 إن هذه الدنيا دار التواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، نحن طبيعة حياتنا فيها ابتلاء.

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾

[ سورة الملك:2]

 أنا أقول كلمة دقيقة: كل إنسان مبتلى بما نال من الله، وبما زوى الله عنه، فالنبي الكريم من دعائه:

(( اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب، وما زويت عني ما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب))

 أبداً، أنت بين شيئين، شيء أردته فكان، أو أردته فلم يكن، الذي زوي عنك لحكمة بالغةٍ بالغة، ادع الله أن يكون الفراغ من فقده فيما يحبه الله عز وجل.
الدكتور بلال:
 إذاً الزوجة ممتحنة بزوجها، والزوج ممتحن بزوجته.
الدكتور راتب :
 أبداً:

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

 الإنسان مبتلى بأي شيء، بالعكس، بل أدق من ذلك؛ علة وجود الإنسان في الدنيا الابتلاء.

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾

[ سورة الملك:2]

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

 لا يوجد إنسان ينال الجنة دون ابتلاء، الأنبياء ابتلوا، بالعكس.

(( أشد بلاء ابتلاء الأنبياء، وأنا أشدهم بلاءً، ثم الأمثل فالأمثل))

[الترمذي عن مصعب بن سعد رحمه الله]

الدكتور بلال:
 إذاً سيدي إن كانت الزوجة كما يحب، أو بخلاف ليست على نحو ما يريد تماماً فهو ممتحن بها في حالة صلاحها، أو بعض سوئها، وهي ممتحنة به في صلاحه، وفي غير ذلك.

ارتقاء الإنسان عند الله كلما امتحن و نجح بالامتحان :

الدكتور راتب :
 لكن أحياناً يوجد كمالات بالإنسان لا تبدو إلا بحالات صعبة، النبي الكريم قمة البشر، لكن ذهب للطائف مشياً، وكُذب، واستهزئ به، بل وضُرب، جاءه ملك الجبال، وأمره، وقال له: أنا بين يديك:

((إنْ شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين))

[متفق عليه عن عائشة أم المؤمنين]

 قال: لا يا أخي اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون.
 فيبدو أنه يوجد كمالات لا تظهر إلا بحالات صعبة، والمؤمن كلما امتحن ونجح بالامتحان ارتقى عند الله، الإنسان لا يكره الابتلاء، الابتلاء لابد منه، فالإنسان مبتلى فيما أعطي، ومبتلى فيما زوي عنه.

((ما رزقتني مما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب، وما زويت عني ما أحب فاجعله فراغاً لي فيما أحب))

الدكتور بلال:

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ﴾

[ سورة البقرة: 214]

 نعم سيدي، أيضاً يوجد حديث شريف متعلق بالمعاملة الحسنة:

((لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة إِن كَرِه منها خُلُقاً رضي منها آخَرَ))

[مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]

الموضوعية قيمة أخلاقية وعلمية :

الدكتور راتب :
 هذه الموضوعية سيدي، الموضوعية أنا أراها قيمة أخلاقية، وقيمة علمية، إن كنت موضوعياً فأنت عالم، إن كنت موضوعياً فأنت أخلاقي، مثلاً الزوجة أخطأت خطأ ما لكن إيجابياتها كثيرة جداً، لِمَ تذكر هذا الخطأ وتنسى الإيجابيات؟ يسمونه التعتيم، كل شيء إيجابي معتم عليه.
 مرة شخص أراد أن يطلق زوجته، قلت له: لِمَ تطلقها؟ فذكر لي أشياء، قلت له: تخونك؟ قال: أعوذ بالله كيف تخونني؟ دون أن يشعر ذكر كل إيجابياتها، واستحى مني.
الدكتور بلال:
 ذكرته بفضائلها ولم ينتبه إليها.
الدكتور راتب :
 دائماً البطولة في الموضوعية، فالموضوعية قيمة علمية، أنت عالم، وقيمة أخلاقية، بل في الموضوعية تجتمع القيمة العلمية مع الأخلاقية، مثلاً: شخص جاء يقاتل النبي الكريم وهو صهره.
الدكتور بلال:
 زوج زينب.
الدكتور راتب :
 النبي عندما استعرض الأسرى قال: والله ما ذممناه صهراً، ما هذه الموضوعية؟! جاء يقاتله، لكنه كصهر كان ممتازاً، ولعلي أرى أن هذه الموضوعية هي سبب إسلامه.
 عفواً، مدير عام، عندك موظف يتأخر كل يوم، استدعيته، أنا أثني على وفائك وإتقانك لعملك، وكذا وكذا وكذا، لكن التأخر يومياً مشكلة، عندما ذكرت له الإيجابيات قبل منك هذا النقد.
الدكتور بلال:

((إِنَّهُ شَهِدَ بدْرا))

[البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه]

 ذكره فضائله.
الدكتور راتب :
 الموضوعية قيمة علمية وأخلاقية معاً، بالموضوعية أنت عالم وأخلاقي.
الدكتور بلال:
 يوجد حديث آخر في قضية المعاشرة بالمعروف، والمعاملة الحسنة، وهو حق للزوجة على زوجها، يقول صلى الله عليه وسلم:

((خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ))

[ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

 لماذا هذا الامتحان داخل البيت؟

استقامة الرجل داخل بيته عبادة :

الدكتور راتب :
 لأنك في الخارج لك مصلحة، أنت مدير مؤسسة، طبعاً أنيق، الشعر مرجل، معطر، ثيابك مناسبة جداً، تحترم الموظفين، يأتي رئيسك في الدائرة تنحني له، هذه كلها مصالح، أما في البيت فهناك آداب إسلامية، أنت أكبر شخص بالبيت، ولا يوجد أحد يناقشك، لكنك أنت متواضع لزوجتك وأولادك، فأنا أقول: الاستقامة ضمن البيت عبادة، خارج البيت قد تكون مصلحة، دائماً يوجد توافق في كثير من النقاط بين القانون وبين الدين، وهناك أشياء ينفرد بها الدين كغض البصر مثلاً، فالمؤمن يستقيم على أمر الله فيما انفرد الدين به من غض البصر مثلاً.
الدكتور بلال:
 والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يلقي دستور الأمة المسلمة قبل أن يغادر الدنيا قال:

((اسْتَوْصُوا بالنساء خيراً ))

[متفق عليه عن أبي هريرة ]

 ماذا بقي لأدعياء، أقول أدعياء حقوق المرأة ممن يهاجمون الإسلام بأنه لم ينصف المرأة.

إيجابيات حياتنا لا تقدر بثمن :

الدكتور راتب :
 كتعليق أوجدوا يوماً لعيد الأم مثلاً، أقسم لك بالله عند المسلم ثلاثمئة و خمسة و ستون يوماً عيد أم، كنت في أمريكا عند ابني، له جارة تعد أطيب الطعام ليأتي أولادها الخمسة من ولايات متعددة يوماً واحداً بالسنة، ولم يأتوا وقتها، اعتذروا، تنتظر ابنها سنة بأكملها، في مجتمعاتنا الإسلامية يوجد زيارات دورية، يومية أحياناً، أسبوعية أحياناً، فرق كبير جداً، تنتظر أولادها من عدة ولايات ولم يأتِ واحد منهم، تنتظرهم من عام إلى عام.
 نحن عندنا حالة اسمها جلد الذات، هذا مرض نفسي، لو كشفنا حياتنا، أذكر مرة شخصاً بفرنسا رأى شخصاً واقفاً على نهر السين، قال له: بِمَ تفكر؟ قال له: بقتل أبي، إنسان مسلم، شرق أوسطي، مبادئ، قيم، لِمَ؟ قال له: أحب فتاة فأخذها أبي مني، أنا تصورت، والله لا أبالغ، والله يوجد مئات ألوف الأسر باعوا بيوتهم في دمشق وسكنوا بالريف ليزوجوا أولادهم، بيته غال جداً بالشام، باعه وسكن بالريف من أجل أولاده، نحن عندنا حالة اسمها جلد الذات، هذه حالة مرضية، عندي رغبة الآن أعرف إيجابيات حياتنا، إيجابيات الأسرة، الأم أم، والأب أب، يوجد تواصل أسري، ومحبة، وتفان.
الدكتور بلال:
 أنا جداً أشكر لكم هذا الكلام سيدي اليوم فعلاً هناك هزيمة نفسية، هم يقولون: إن الإسلام ظلم المرأة، فهو يقتنع بالفكرة في داخله، وما تكرر تقرر، وبعد فترة يقتنع أنه ظلم المرأة رغم كل هذا الإكرام، ورغم كل هذه النصوص التي تدعو إلى المعاملة الحسنة.
الدكتور راتب :
 في أستراليا أثناء المغادرة ودعنا رئيس الجالية، قال لي بالضبط: بلغ أخواننا بالشام- قصدي بلاد الشام- أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، ماهذا الكلام؟! سأقول لك: بأستراليا ابنك قد يكون خمسين بالمئة ملحداً، أو خمسين بالمئة منحرفاً شاذاً، وإن لم تصدقني فاسأل، أنا منذ ذلك الوقت صار عندي هدف أعرف إيجابيات حياتنا، عندنا إيجابيات لا يعلمها إلا الله، ونتجاهلها بتقليد الغرب، عندنا إيجابيات كبيرة جداً بحياتنا.
الدكتور بلال:
 أسرنا متماسكة، زوج، زوجة، أب، أم، أولاد.
الدكتور راتب :
 أنا أقول لك: كم أب باع بيته في دمشق وسكن بالريف ليزوج أولاده؟
الدكتور بلال:
 وهذا في كثير من بلدان المسلمين.
الدكتور راتب :
 كل البلاد تقريباً.
الدكتور بلال:
 جزاكم الله خيراً سيدي، وأحسن إليكم، إذاً الحق الثاني اليوم هو حق المعاشرة بالمعروف، وكما تفضلتم لا إيقاع الأذى بها بل أن تحتمل الأذى منها، وأن تعبر لها بالمودة، والسلوك، والابتسامة.
الدكتور راتب :
 بالكلام، بالابتسامة، بالهدية.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 بالكلمة الطيبة هذه معاملة حسنة تأتي بعد حق النفقة.
 جزاكم الله خيراً سيدي، وأحسن إليكم.
 أخوتي، أخواتي؛ طاب هذا اللقاء بمتابعتكم، وطاب قبل ذلك بكلمات شيخنا الفاضل جزاه الله عنا خير الجزاء، باسمكم جميعاً أشكره وأشكر لكم حسن المتابعة سائلاً المولى جل جلاله أن نلتقيكم دائماً وأنتم بأحسن حال مع الله ومع خلقه، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور