وضع داكن
19-04-2024
Logo
برنامج تحية الإفطار - الحلقة : 17 - العبادة التعاملية.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :

 أيها الأخوة المشاهدون؛ علة وجودنا في الدنيا العبادة، قال تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 ومن أدق تعريفات العبادة هي طاعة، خضوع لمنهج الله، انصراف إلى أمره ونهيه، طاعة طوعية ما أرادها الله قسرية، لأن العبادة القسرية لا تسعد، ولا قيمة لها، ولا جدوى منها إطلاقاً، طاعة طوعية، بمحض اختيارك، برغبتك، بمبادرة منك، ممزوجة بمحبة قلبية.
 مرة ثانية: ما عبد الله من أحبه ولم يطعه، وما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، إذاً طاعة طوعية، برغبة منك، بمبادرة منك، باختيار منك، ممزوجة بمحبة قلبية، خضوع وحب، وكأن العبادة إقرار لهذا المنهج، وإقبال على الله، وكأن خلاف العبادة إنكار وإعراض.

أنواع العبادة :

 لذلك العبادة أنواع؛ هناك عبادة شعائرية، الصلاة والصوم و الحج والزكاة والشهادة، وقد تحدثنا عنها كثيراً، وعندنا عبادة أخرى عبادة الهوية، الغني عبادته الأولى إنفاق المال، وما جعل الله الغني غنياً إلا ليصل بماله إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل الله القوي قوياً إلا ليصل بقوته إلى أعلى درجات الجنة، وما جعل الله العالم عالماً إلا ليصل بعلمه إلى أعلى درجات الجنة، لذلك إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، ولأن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، إذاً العبادة الشعائرية كالصلاة والصيام والحج والزكاة هذه لا تصح ولا تقبل إلا إذا رافقتها عبادة تعاملية، التعاملية إن رافقت الشعائرية تقف ثمارها..
 سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام، فقال:

(( .. كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار...فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه...))

 إن حدثنا فهو صادق، وإن عاملنا فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف، ويأتي نسبه تاجاً على رأسه..

(( ... فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا...))

 دقق الآن بدأنا بالعبادة التعاملية غير الشعائرية:

(( ... وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 إذاً عبادات شعائرية، اتصال بالله، عبادات تعاملية هي ثمن الاتصال بالله، التعاملية ثمن والشعائرية نتيجة.

العبادات التعاملية أصل في نجاح العبادة الشعائرية :

 لذلك الإنسان إذا أحكم استقامته، وكان له عمل صالح، وعاش مع المؤمنين بحاضنة إيمانية، تنفيذاً لقوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

 معنى أغفلنا لا تعني إطلاقاً أننا جعلناه غافلاً بل وجدناه غافلاً، عاشرت القوم فما أجبنتهم أي ما وجدتهم جبناء، وعاشرت القوم فما أبخلتهم أي ما وجدتهم بخلاء، قال تعالى:

﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

 لذلك عندنا عبادات شعائرية، مناسبات للاتصال بالله، ماذا نفهم من دخولك للمسجد؟ تدخل بيت الله كي تتلقى من خطيب المسجد أو من مدرس في المسجد أمر الله عز وجل، تتلقى تعاليم الله في المسجد، تدخله ثانية لتقبض الثمن في الصلاة، فأنت في المسجد تتقبل التعليمات، وتتقبل من الله المكافأة، لكن أين دينك؟ في بيتك، في السوق، في محلك التجاري، في بيعك، في شرائك، هذه العبادات التعاملية أصل في نجاح العبادة الشعائرية.
 لذلك فيما أذكر أن جامعاً شهيراً في دمشق اسمه جامع الورد، له إمام، هذا الإمام - وليس من عادتي ذكر المنامات، أما الرؤى فهي شيء رائع جداً- رأى رسول الله في الرؤيا، وقال له: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، بشارة ما بعدها بشارة، قل لجارك فلان.. وهذا الذي رأى المنام خطيب مسجد، ثقافة دينية، نصوص، وفهم عميق، و جاره يبدو أن ثقافته محدودة جداً، إنه رفيقي في الجنة، فهذا الجار طرق باب جاره بعد أيام وقال له: لك عندي بشارة لا تقدر بثمن من رسول الله، لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك؟ فامتنع بشدة بالغة، لكن إغراءه بهذه البشارة من رسول الله جعلته يقول، قال له: تزوجت إنسانة، بالشهر الخامس من زواجي كان حملها في الشهر التاسع، واضح هناك خطأ مرتكب، وسقوط كبير، قال له: بإمكاني أن أسحقها، وأن أفضحها، وأن أطلقها، أن أذكر هذا لأهلها وقد تقتل، لأنها زانية، لكن أردت أن أعينها على التوبة، جئت لها بمن يولدها، ولدت، حملت الجنين المولود تحت جبتي، وانطلقت به إلى جامع الورد، وبقيت واقفاً أمام الباب حتى نوى الإمام صلاة الفجر، أصبح الجامع خالياً ممن يراني، هم متجهون نحو القبلة، دخلت ووضعت هذا المولود وراء الباب، والتحقت بالمصلين، فلما انتهت الصلاة بكى هذا الصغير، تجمع المصلون حوله، وأنا ابتعدت عنهم مبدئياً، إلى أن ضمنت أن معظم المصلين تحلقوا حول هذا الصغير، ثم اقتربت، قلت: ما المشكلة؟ قال: تعال انظر! لقيط، ما لقيط؟ نظرت إلى اللقيط، ثم قلت: أنا أكفله، فأخذه إلى البيت ودفعه إلى أمه وسترها، لذلك يوجد بطولات لا تقدر بثمن، فضحها سهل، تطليقها سهل، لذلك البطولة أن تعمل عملاً صالحاً تؤجر عليه..

الدعاء :

 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور