وضع داكن
26-04-2024
Logo
برنامج منهج التائبين - الحلقة : 15 - المؤمن مرآة أخيه.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 أخوتي، أخواتي؛ بتحية الإسلام نحييكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن معاً في حلقة جديدة من برنامجنا: "منهج التائبين" نترسم في هذا البرنامج خطا التوبة، وخطا رضا الله عز وجل، لعلنا نصل معاً إلى رضا ربنا عز وجل، وهو غاية المنى.
 ضيفنا الدائم في هذه الحلقات المباركة فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بارك الله بكم.
الدكتور بلال:
 حفظكم الله سيدي، اليوم موضوعنا أو عنوان لقائنا مستمد من حديث شريف جاء بعدة صيغ أحدها قوله صلى الله عليه وسلم:

((وَإِنَّ أحدَكُم مرآةُ أخيهِ، فَإِنْ رَأى بهِ أذى فَليُمِطْهُ عنه))

[الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 لماذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالمرآة لأخيه المؤمن؟

المؤمن مرآة لأخيه المؤمن :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 هناك دراسات حديثة لرسم خارطة للإنسان، يسأل خمسمئة سؤال، من إجاباته ترسم له خارطة، والخارطة على شكل خط عامودي، لو أن علاقته بربه يوجد احتمال إما إيمان أو تقصير، وضعه مع المسلمين، صادق أو منافق، مثلاً، فهذه الخارطة ترسم للإنسان علاقته بوالديه، بزوجته، بعمله، بعماله، بموظفيه، بنشاطه، بقضاء عطلة العيد، هناك خمسمئة سؤال يسألها من إجاباته ترسم له خارطة، لو رسمنا خارطة لإنسان آخر علاقته بربه، إيمان إيمان، خط عرضي، توافقا، علاقته بالعبادات يؤديها، هنا يؤديها خط عرضي، علاقته بالعمل الصالح، هنا عمله كبير، هنا قليل، لا يوجد خط عرضي، فمن خلال رسم خارطتين نستطيع أن نحكم على مدى الحب، ومدى التودد، ومدى المحبة، من خلال عدد الخطوط العرضية.
 مادام المؤمن صادقاً، والآخر صادقاً، الأول أمين و الثاني أمين، الأول عفيف و الثاني عفيف، الأول متواضع و الثاني متواضع، الأول مقتصد و الثاني مقتصد، الأول يعرف الله و الثاني يعرف الله، ما دام هناك تقاطعات كثيرة كلما كثرت هذه التقاطعات كان الحب، وكأن هذا الشرح هو قانون الحب بين شخصين.

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

[ سورة الحجرات:10]

الدكتور بلال:
 هنا يصبح المؤمن مرآة المؤمن.

الموضوعية قيمة أخلاقيّة و علميّة معاً :

الدكتور راتب :
 دون أن يشعر، لكن يوجد تعليق طريف: يوجد مرآة مقعرة، ومرآة محدبة، المقعرة تكبر الأخطاء، والمحدبة تصغرها، أما الموضوعية فموقف أخلاقي وعلمي، أنت إذا كنت موضوعياً فأنت أخلاقي، وإذا كنت موضوعياً فأنت عالم.
 هناك نقطة واحدة في الموضوعية، الموضوعية قيمة تلتقي عندها الأخلاق مع العلم، فالتكبير خطأ والتصغير خطأ، لكن الإنسان دون أن يشعر يصغر عنده ذنبه دون أن يشعر، وقد يكبر عند الآخرين، أما الموقف المعتدل، المتوسط، الموضوعي، فأن تعرف الحقيقة كما هي، دون زيادة أو نقصان.
الدكتور بلال:
 إذاً سيدي، هي مرآة مستوية لا مقعرة ولا محدبة، تظهر المؤمن كما هو لأخيه.
الدكتور راتب :
 أحياناً بالسيارات يقول لك: الأبعاد غير صحيحة.
الدكتور بلال:
 الأجسام في المرآة تبدو أصغر مما هي عليه، أما مرآة المؤمن فيظهر الوقائع كما هي، إذاً المرآة تظهر العيوب دون مبالغة.
الدكتور راتب :
 والحسنات دون مبالغة أيضاً، والموضوعية قيمة تلتقي عندها الأخلاق مع العلم.
الدكتور بلال:
 أيضاً سيدي، من الأمور التي ينبغي الانتباه إليها أحياناً هي مرآة لا تظهر إلا العيوب، أي لا يرى في الآخرين إلا عيوبهم، وكله عيوب.
الدكتور راتب :
 مثل هذا الإنسان أن أسميه من عندي قناصاً، لا يكتشف إلا العيب، وهذه صفة سلبية جداً وقبيحة بالإنسان.
الدكتور بلال:
 وهنا سيدي في السيرة يوجد.....
الدكتور راتب :
 قبل، هذه التي أكرمها زوجها أيما إكرام، حتى اشتهت أن تعيش حياة الفقر تدوس في الطين، جاء لها بالمسك والعنبر، وداست فيه مع ماء الزهر، فلما افتقر وابتعد عن منصبه، قالت: ما رأيت منك خيراً قط، قال لها: ولا يوم الطين؟
الدكتور بلال:
 حتى ذلك الرجل الذي دخل المسجد و أحدث جلبه ليلحق الصلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ماذا نستنبط من هذا الموقف؟
الدكتور راتب :
 نستنبط أن أي مسؤول، أي رأس جماعة عنده موظف، عليه أن يعامله كما عامل النبي هذا الرجل، قال له: زادك الله حرصاً، هذا منهج، اذكر له محاسنه، إيجابياته، الأشياء الطيبة فيه، يطمئن، يرى أن هذا المدير موضوعي، يعرف الإيجابيات والسلبيات، أما إذا اكتفينا بالسلبيات فتنشأ مشكلة كبيرة، زادك الله حرصاً ولا تعد.
 مدير استدعى موظفاً عنده، وقال له: أنا مسرور من أمانتك، من اهتمامك، من دقة عملك، لكن هناك تأخر صباحي كل يوم، أتمنى أن تتلافى هذا، زاده حرصاً ولا يعود، أي اذكر الإيجابيات، اذكر الإيجابيات ليطمئن من تحدثه، ليرتاح لحكمك الموضوعي.
 مرة ثانية: الموضوعية قيمة أخلاقية، وقيمة علمية في وقت واحد.
الدكتور بلال:
 أيضاً سيدي، علاقة زادك الله حرصك ولا تعد، هي منهج كما تفضلتم، أيضاً علاقة الأب بالابن، أحياناً تجد بعض الآباء لا يلقي على الإيجابيات أبداً، يرى في ابنه السلبيات فقط.

ذكر الإيجابيات مهم جداً في حياة كل شخص :

الدكتور راتب :
 وهذا ينقل الابن إلى اليأس، أخطر شيء هذا الابن إن رأى أباه يذكر أخطاءه فقط ولا ينتبه للإيجابيات يوقع الابن بحالة يأس، واليأس حالة خطيرة جداً، فأنا أتمنى أن قضية الإيجابيات مهمة، لنبدأ بها.
الدكتور بلال:
 والمعلم أيضاً في صفه مع الطلاب.
 سيدي أيضاً من الأمور التي تلحق قضية المؤمن مرآة أخيه، قضية الزوجين، القضية الزوجية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

((لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة، إِن كَرِه منها خُلُقا، رضي منها آخَرَ ))

[مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 أيضاً ما تعليقكم؟

الحكمة أكبر عطاء إلهي يناله المؤمن :

الدكتور راتب :
 قضية الزواج قضية العمر، فإذا دققنا في كل خطأ من الزوجة هناك نفور شديد، وكل خطأ من الزوج نفور أشد، لكن الإنسان بحكمته البالغة، بالمناسبة:

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة البقرة: 269]

 أي أكبر عطاء إلهي على الإطلاق يناله المؤمن هو الحكمة، أي يحاسبها مرة، يتغافل عدة مرات، والتغافل قمة الذكاء.
 ليس الغبي سيداً في قومه، لكن سيد قومه المتغابي.
 تصنّع الغباء قمة الذكاء.
الدكتور بلال:
 سيدي، أيضاً تحضرني هنا في الموضوع نفسه قصة حاطب، حاطب بن أبي بلتعة، هذا الرجل أرسل رسالة كما تعلمنا منكم سيدي لقريش، يعلمهم فيها بأن محمداً سيغزوكم، أي ارتكب خيانة عظمى في عرف الجيوش الحديثة، لأنه أخبر الأعداء بخطة النبي صلى الله عليه وسلم لغزوهم، فبعد ذلك قبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره وقال: إنه شهد بدراً.
الدكتور راتب :
 النبي ما نسي له بدراً، مع أنه ارتكب خيانة عظمى، أنا أجتهد وأقول: أحياناً ما كل من كفر وقع عليه الكفر، أحياناً الكفر لا يقع، هو باجتهاد خاطئ، والقاعدة الأصولية: من اجتهد وأخطأ فله أجر، ومن اجتهد وأصاب فله أجران، فالنبي قبل عذره، وقبول العذر ذكاء وحكمة، ورحمة، والذي قبل العذر قد لا يرى هذا الإنسان صادقاً، هو خجل، وتألم، وأحب أن يخرج من سخطه، فتكلم شيئاً لعله يرضى بخطئه، أنا أجد أنه يوجد تسامح، وسعة صدر، وحلم، في أن يعذر الآخرين.
الدكتور بلال:
 وحاطب كان يريد أن يحمي قرابته في قريش.
الدكتور راتب :
 أي حاجة فردية، لم ينتبه لأبعاد هذا الخطأ.
الدكتور بلال:
 فعمر رضي الله عنه قال: دعني أضرب عنقه.
الدكتور راتب :
 إنه شهد بدراً، لم ينسَ له ذلك، هذا الوفاء.
الدكتور بلال:
 سيدي، أيضاً في قضية المؤمن مرآة المؤمن، قضية الشورى، التشاور، وقضية الحُباب بن المنذر رضي الله عنه وما كان منه في بدر، كيف نفهمها في ضوء هذا؟

أهمية الشورى في حياتنا :

الدكتور راتب :
 أنا أفهم أحياناً هناك شورى ليست حقيقية بل هي جبر لخاطره، أما أنا أفهم حينما أُمرنا أن نشاور بعضنا بعضاً فهذه المشاورة مشاورة حقيقية، والحُباب بن المنذر بأدب ما بعده أدب قال: يا رسول الله، هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك - فإن كان وحياً، ولا كلمة- أم هو الرأي والمشورة؟ قال له: هو الرأي والمشورة، فقال: ليس بموقع، وكأن النبي الكريم أراد أن يعلمنا أن نستشير، وأراد أن يعلمنا أيضاً أن نقبل هذه المشورة، شيء رائع جداً، الإنسان أحياناً يستشير زوجته، أحياناً الشيء الدقيق أنه من يقع في المشكلة يغيب عليه بعض أبعادها.
الدكتور بلال:
 لأنه منهمك في القضية.
الدكتور راتب :
 عليه ضغط، ضغط المشكلة يبعده عن أبعادها كلياً، أما الآخر فعنده صفاء، بعيد عن هذه المشكلة، فإن سألته أجابك، فأنا حينما أفهم قوله تعالى:

﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

 أفهم مشاورة حقيقية، ليست مشاورة بروتوكولية، أو جبراً لخاطره.
الدكتور بلال:
 ليست شكلية، سيدي تتمة للحديث قال:

((وَإِنَّ أحدَكُم مرآةُ أخيهِ فَإِنْ رَأى بهِ أذى فَليُمِطْهُ عنه))

[الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 من الطبيعي أن أنظر إلى أخي فأقول: هناك شيء غير صحيح في ثيابك، أو هناك أوساخ على حذائك، أو نحو ذلك، أجمل صورته، لكن هنا الأذى، إن رأى به أذى هل هو فقط الأذى المادي؟

الفرق بين النصيحة و الفضيحة :

الدكتور راتب :
 لا، لو كان بجلسة صار هناك غيبة، أي من غير المعقول أن يعنفه أمام الآخرين، فيما بينه و بينه، النصيحة أمام الجمع فضيحة، لكن بينك وبينه نصيحة، أيضاً الناصح عنده أدب، عنده أنا والله أشكر لك هذه الكلمة التي ألقيتها، لكن هذا الحديث عليه إشكال فيتقبلها، أو على انفراد، وأحياناً يوجد إنسان يعلنها صراحة، أنا والله بارك الله في أخي الكريم لفت نظري إلى حديث ضعيف، وأنا أشكره على هذا، ماذا فعل؟ شجع.
 أنا أذكر مرة أخ لفت نظري إلى نص، قلت له: أين تسكن؟ قال لي: بطرف المدينة الآخر، أوصلته بمركبتي، لم يفهم لماذا؟ والمكان بعيد، في ساعة وربع، من طرفين متناقضين، قلت له: أنا أوصلتك لهذا المكان أشكرك بهذا العمل على لفت نظرك لي، فإذا رأيتني مرة ثانية في شيء خلاف ما ينبغي ذكرني به، الذي يفتح باب النقد يرقى، والذي يغلق هذا النقد يسقط.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 إذاً الأذى أذى مادي ومعنوي، والمؤمن مطالب أن يميط الأذى المادي والمعنوي.
 جزاكم الله خيراً سيدي، وأحسن إليكم، لم يبقَ لنا في هذا اللقاء إلا أن نشكر لشيخنا ما تفضل به، وأن نشكر لكم حسن المتابعة، نسأل الله تعالى أن نلتقيكم دائماً وأنتم بخير حال وأحسن حال، إلى الملتقى أستودعكم الله.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور