وضع داكن
18-04-2024
Logo
برنامج بيت المسلم – الحلقة : 13 - التربية الأخلاقية1 - الأخلاق والإيمان - الوازع والرادع.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
بسم الله:

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ *عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن: 1-3]

 والصلاة والسلام على نبينا العدنان، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان.
 أخوتي الأكارم، أخواتي الكريمات؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا "بيت المسلم"، ندخل إلى هذا البيت، ونعالج قضايا التربية، تربية الأولاد في الإسلام، من فضيلة شيخنا المربي الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبارك الله بكم.
الدكتور بلال:
 سيدي، في اللقاء السابق تحدثنا عن التربية الإيمانية، وبينتم للأخوة المشاهدين - جزاكم الله خيراً- أن التربية الإيمانية رأس موضوعاتها أمران اثنان أن يعرفه بالخالق، وبمنهج الخالق.
 نأتي اليوم إلى القسم الثاني من التربية، أو النوع الثاني من التربية: التربية الأخلاقية، بداية ما علاقة الأخلاق بالإيمان؟ التربية الأخلاقية بالإيمانية؟

علاقة الأخلاق بالإيمان :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الله عز وجل، هذا النبي الكريم، النبي الأمي، أعطاه الله من الخصائص ما لا يعد ولا يحصى، هذه الخصائص تعينه على أداء رسالته، لكن حينما أراد الله أن يمدحه بماذا مدحه؟ بخلقه، الأخلاق من الإنسان، الأخلاق أصلها من الإنسان، وبها يقيّم.

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4]

 فالإنسان معه كتاب، معه سنة، معه مراجع، معه انترنيت، معه آيباد، لكن الإيمان بالنهاية صدق، أمانة، ورع، خوف، حياء.

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم: 4]

 لذلك هذا دفع أحد أكبر علماء المسلمين ابن القيم الجوزية أن يقول: الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
 والذي يلفت النظر بالمؤمن أخلاقه، صدقه، أمانته، ورعه، حياؤه، خجله، كرمه، عطاؤه، شجاعته، صموده، أما كإنسان فمثله مثل أي كافر، له معدة، أمعاء، ودماغ، الهيكل واحد، والأجهزة واحدة، لكن الفرق كبير جداً، إنسان في أعلى عليين، وإنسان في أسفل سافلين، والأجهزة واحدة، الفارق هو الإيمان، الإيمان يعمل تصعيداً، يعمل تهذيباً، يعمل تصفية، يعمل اختياراً.
الدكتور بلال:
 إذاً سيدي التربية الأخلاقية ترتبط بالتربية الإيمانية ارتباطاً وثيقاً.
الدكتور راتب :
 أنا لا أصدق خلقاً حقيقياً بلا إيمان إلا خلقاً بذكاء، كأخلاق الغرب، ذكاؤه هداه إلى أن يكون صادقاً في معاملته ليربح أكثر، لكن بمكان الإنسان له خصائص كثيرة جداً، بمكان هناك تدمير لأمة ثانية، هدم كل شيء.
 فالإنسان عندما يكون بجانب حريصاً على شيء، وهذا الشيء تحت قدمه بجانب آخر لم يعد من قيمة لأخلاقه.
الدكتور بلال:
 حتى سيدي الأخلاق منظومة متكاملة يحققها الإيمان، أما المجتمعات المتفلتة فتحقق جزءاً من الأخلاق، ربما في التعامل كما تفضلتم.
الدكتور راتب :
 هناك من يتاجر بالأخلاق، الأخلاق إما أنها صفات مكتسبة، عميقة، متأصلة، أو يتاجر بها، فالكافر ذكي أحياناً يغطي أعماله بتصريحات أخلاقية.
 مثلاً تأتي دولة عظمى تحتل بلداً إسلامياً، وتأخذ كل خيراته، تقول: جئنا من أجل الحرية، والحقيقة جاؤوا من أجل البترول، فالإنسان الذكي أحياناً يغطي أعماله المادية العدوانية بغطاء أخلاقي.
الدكتور بلال:
 وهو لا علاقة له بالأخلاق.
الدكتور راتب :
 هذا هو الدجل، والكذب.
الدكتور بلال:
 إذاً سيدي، هذا يقودنا إلى قضية الرادع والوازع، كيف نميز بينهما؟

الفرق بين الرادع و الوازع :

الدكتور راتب :
 الحقيقة يوجد شيء دقيق جداً، سؤالك رائع جداً جزاك الله خيراً.
 الوازع داخلي، إيماني، الرادع خارجي، قانوني، فأنت تقف على الإشارة الحمراء لأنه يوجد كاميرا، واضع القانون ينال منك بسحب الإجازة، وتعطيل المركبة، وهناك غرامة كبيرة جداً، هذا رادع، أنت لماذا تقف على الإشارة الحمراء؟ عندك يقين قطعي أن واضع قانون السير علمه إذا خالفت هذا القانون يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك بسحب الإجازة سنة، والآن بدل الشرطي يوجد كاميرا تصور، فأنت تلتزم بالأوامر لأنك محاسب عليها، أما الله عز وجل فماذا قال؟

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾

[ سورة الطلاق: 12]

 الإله العظيم علمه يطولك، وقدرته تطولك، كيف تعصيه؟
الدكتور بلال:
 هذا الوازع.
الدكتور راتب :
 أنت مع إنسان، مع شرطي، أو مع وزير داخلية، لأن هذا الوزير معه صلاحية سحب الإجازة، تعطيل السيارة، أو تسطير غرامة كبيرة جداً، معه سلطة، وعلمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه بعقلك.
 الإله حياتنا بيده، الموت بيده، الحواس بيده، بلمحة فقد بصره، بلمحة فقد عقله، وضعوه بمشفى المجانين، بلمحة فقد كبده تشمع كبد، بلحظة فقد كليته فشل كلوي، فكل أمورك بيد الله عز وجل، فلذلك الله عز وجل يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب، المشكلة أن تؤمن يقيناً أن الله يعلم، وسوف يحاسب، وسوف يعاقب، لا يمكن أن تعصيه لأنك تؤمن أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك.
الدكتور بلال:
 إذاً سيدي عندما نربي الأبناء تربية أخلاقية نبني ذلك على الوازع الداخلي؟
الدكتور راتب :
 بينما إذا ربيناه تربية قمعية، الأب موجود يوجد انضباط بالغ لخوفهم من أبيهم، فإذا سافر تفلتوا تفلتاً مذهلاً، لا تربط تربية الأولاد بوجودك، بل بالخوف من الله، يربطهم بربهم.
الدكتور بلال:
 سيدي، النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه ابن ماجه:

((أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ))

[ابن ماجه عن أنس بن مالك]

 لماذا قدم أكرموا أولادكم ثم وأحسنوا أدبهم؟

إكرام الابن ثم إحسان أدبه :

الدكتور راتب :
 يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، دائماً أحسن قبل أن توجه، أي املأ قلبه بإحسانك، ليفتح لك عقله لبيانك، الإحسان أسلوب رائع جداً، جبلت على حب من أحسن إليها، فإذا أنت أحسنت أولاً، امتلأ القلب امتناناً، الآن يصغي لك، أما إذا كان هناك شدة بالغة، وبخل شديد، فتوجيهات الأب لا قيمة لها إطلاقاً.
الدكتور بلال:
 إذاً أكرمه ثم أحسن أدبه.
الدكتور راتب :
 وإذا أقنعته أن يعبد ربه فيستوي عند الابن بقاء الأب أو غيابه، لأن الوازع موجود داخلي، فإذا أنت ربيته على القامع، على الرادع الخارجي هناك مشكلة كبيرة.
 أعرف أباً ربى ابنه تربية قمعية لكن دقيقة جداً، من البيت إلى المدرسة، محسوبة عليه همساته، خطواته، اضطر أن يسافر إلى أمريكا من أجل ابنته المريضة تفلتَ تفلتاً مذهلاً، وقع في الكبائر.
 يجب أن تربيه تربية من الداخل، تربية فيها وازع إيماني، وليس قامعاً خارجياً.
الدكتور بلال:
 وعندما يربيه على هذه الأخلاق، أليس من الحكمة سيدي أن يعلل؟ أن يبين له السبب؟ الحكمة؟

ضرورة الإقناع لا القمع :

الدكتور راتب :
 الله عز وجل هو خلقنا، قال:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103]

 ما دام إلهنا ربنا، الإله العظيم، هو إله يأمر فقط، افعل، لكن مع ذلك أكرم الإنسان بالتعليل، فأنت عندما تعطي لابنك أمراً مع التعليل، عندما تكبر يا بابا ولا تحمل شهادة وضعك صعب جداً، لا يوجد وظيفة، ولا بيت، ولا سيارة، ولا زواج مثلاً، أنت تقنعه بالدراسة إقناعاً و ليس قمعاً، لذلك قالوا: أقنع ولا تقمع، الله عز وجل أقنعنا، قال:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة: 103]

الدكتور بلال:
 ألا ينبغي أيضاً سيدي في قضية التربية أن يربيه على الأخلاق؟ أن تكون العلاقة علمية بين المعصية ونتائجها، وبين الطاعة ونتائجها؟

العلاقة بين المعصية ونتائجها والطاعة ونتائجها علاقة علمية :

الدكتور راتب :
 الحقيقة تستطيع أن تعطي أمراً، لكن عندما أنت تبين نتائج المخالفة، تقنعه بالأمر ساعتئذ، فكلما بينت للابن أن المخالفة هذه لها ثمن باهظ ومن جنسها تبعده عنها.
الدكتور بلال:
 من جنسها، علاقة علمية بين المعصية والنتيجة.
الدكتور راتب :
 عفواً، يكون الأب فرضاً يوجد للبيت بابان، أعطى أمراً وضعياً أن باب غرفة الضيوف ممنوع استعماله، الثاني يستعمل، جاء ابن وفتح الباب، ودخل من غرفة الضيوف يعاقب، لكن العقاب وضعي، لا يوجد علاقة علمية بين شخص دخل من باب صمم بالأساس للدخول، لكن الأب منعه منعاً وضعياً.
 أما العلاقة بين الأمر والنتيجة فعلاقة علمية، إذا شخص شرب يرتوي، لم يشرب لا يرتوي، دائماً يوجد علاقة علمية بين الأمر ونتائجه، هذه نقطة مهمة جداً، الله عز وجل الأمر فيه بذور نتائجة، والمعصية فيها بذور نتائجها، المعصية نفسها، لا يوجد عقاب خارجي عنها، هي تعاقب، إذا إنسان عصى الله عنده كآبة، عنده ضلال، عنده ضياع، انقطع عن الله عز وجل، عنده ظلمة بقلبه، المعصية نفسها فيها بذور نتائجها، والطاعة لله، الطاعة سمحت له بخط ساخن مع الله، اتصل وسعد بها، فالطاعة مسعدة لذاتها، والمعصية مؤذية بذاتها، أما إن كان الشيء خارجياً فقد يكون المراقب غافلاً فتنفد من العقوبة.
الدكتور بلال:
 سيدي، أليس من المطلوب من الأب، أو المربي، أو الأم أن يوجه ويبين في الأخلاق، ثم ألا ينبغي أن يحاسب؟ البعض يوجه ولا يحاسب؟

ضرورة توجيه الأبناء أولاً ثم البيان لهم ثم محاسبتهم :

الدكتور راتب :
 أنا عندي ثلاثة: أن يوجه، وأن يتمثل هذه الأخلاق، كقدوة، ثم يحاسب، سيدي قيادة بلا محاسبة هذه ليست قيادة إطلاقاً، أما ليس شرطاً أن تكون المحاسبة ضرباً، ليس هذا المطلوب.
 أي هذا الذي كتب وظيفته، وهذا الذي لم يكتب، الاثنان استويا عند المعلم، انتهت الدراسة، لن يكتب أحد بعد الآن، أما الكاتب أخذ علامة عالية، تسهم برفع مجموعه، والذي لم يكتب أخذ ملاحظة تخصم من المجموع علامات معينة، ما دام لم يستو المجتهد مع الكسول في تقدم فلابد من مكافأة المتفوق، ومعاقبة المقصر.
الدكتور بلال:
 وهذا منهج ربنا.
الدكتور راتب :
 منهج ربنا، والمدرسة مع طلابها، والأب مع أولاده، ابن صادق، والابن الثاني كاذب، إذا كان هناك مكافأة للصادق مقابل صدقه مثلاً، وهناك حجب وإعراض عن الكاذب، الأب أعرض عنه يوماً أو يومين، احترق الابن، هذا مقابل الكذب الذي كذبه.
الدكتور بلال:
 إذاً توجيه، وبيان، ومحاسبة، هل يعاتب الأب ابنه؟ أي قضية المعاتبة.

الابتعاد عن الضرب و الاكتفاء بالعتاب و الملاحظة :

الدكتور راتب :
 طبعاً، والله العتاب لطيف جداً، كلما كان مستوى الابن راقياً يأتي بالعتاب، أنا أقول كلمة دقيقة: إذا كان من الممكن أن تحل المشكلة بالعتاب لا تضرب، لا تعنف، إذا بالعتاب ممكن لا تستخدم فوق الممكن، ممكن بالملاحظة اكتفِ بالملاحظة، ممكن بإعراض خفيف اكتفِ به، أما الضرب فيعمل مشكلة كبيرة، يعمل كسراً، يعمل جرحاً عميقاً.
الدكتور بلال:
 هو لحالات خاصة جداً، نادرة.
 سيدي أيضاً من قضية التربية الأخلاقية النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

((مَا مِنْ شَيءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ ))

[الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه]

 أي يأتي بعبادة يأتي، يأتي، يأتي، لكن الخلق الحسن هو أثقل شيء في الميزان؟

الخلق الحسن أثقل شيء في الميزان :

الدكتور راتب :
 هو نظام، هو ضبط، هو مؤاثرة، الشهوات دائماً مئة و ثمانون درجة، مسموح لك بمئة و عشر، فهو عندما ضبط إطلاق بصره وهذا ليس سهلاً، الإنسان يحب أن ينظر دائماً، ضبط لسانه، هناك طرفة تجرح لم يتكلم بها، راعى كرامة أخيه، هناك باب مفتوح لم يتطفل وينظر من وراء الباب، فدائماً الإنسان يتمنى أن يطلع على كل شيء، جاء الشرع وأعطاك مساحة مسموحاً بها، ومساحة ممنوعة.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.
أخوتي الأكارم:

ربوا الـبنين وهذبوهم واجعلوا  دور العلوم رحيبة الســــــــــــــــاحات
فلرب مدرسة تشاد فتـــــــهدم  السجن الرهيب وتقشـــــع الظلمات
إهمال تربية البنين جنايـــــــة  عادت على الآبــــاء بالـويــــــــــــــلات
***

 أسأل الله لكم تربية ناجحة، أشكر لشيخنا توجيهاته، أشكر لكم متابعتكم، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور