وضع داكن
28-03-2024
Logo
برنامج بيت المسلم – الحلقة : 20 - التربية العقلية2 – منهج التلقي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 أخوتي الكرام، أخواتي الكريمات؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحن معاً في مفتتح حلقة جديدة من برنامجنا: "بيت المسلم" نتناول في بيت المسلم قضايا الأسرة المسلمة، نستشفها من فضيلة شيخنا المربي الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم سيدي.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبارك الله بكم.
الدكتور بلال:
 حياكم الله سيدي.
 ما زلنا في التربية العقلية، وتحدثنا في اللقاء السابق عن العلم الذي ينبغي أن نغذي به عقول أبنائنا، وبناتنا، واليوم نتابع في التربية العقلية في قضية مهمة تسمى منهج التلقي، ما الفرق بين أن أعلمه أو أن أعطيه مقياساً لتلقي الصحيح وترك الخاطئ؟

بطولة الإنسان ليست بمفردات العلم بل بمنهج التلقي :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 المثل يوضح؛ أنا أرد أن أشتري قماشاً، يوجد عشر قطع قماش، على كل قطعة رقم ثلاثة يارد، خمسة يارد، عشرة يارد، يا ترى هذا الرقم صحيح؟ فيه احتيال؟ فيه مبالغة؟ هل غيروا اللوحة؟ يوجد حل أن يكون عندي يارد أقيس به.
 البطولة ليست بمفردات العلم، بمقياس التلقي، المقياس نحن عندنا أعلى نص على الإطلاق كلام الله، كلام خالق الأكوان، القرآن الكريم، يأتي بعده الحديث الشريف، يأتي بعده أقوال العلماء، ما طابق الكتاب والسنة، هذا منهج، أما إن جاء إنسان وقال: الدين أفيون الشعوب، هذه مقولة تركل بالقدم، أنت عندك منهج، عندك خالق للكون، أنزل كتاباً معجزاً، ثابتاً، جاء النبي الكريم شرحه، جاء علماء أفاضل بينوه، هذه ثلاثة مقاييس، فإذا جاء شخص وأنكر هذه المقاييس لا نصغي إليه إطلاقاً.
 فلابد من مقياس، فنحن عندنا منهج التلقي، كتاب الله رقم واحد، ثم ما صح من سنة رسول الله، ثم ما وافق الكتاب والسنة من أقوال العلماء، هذا المنهج.
 أما إنسان آخر تكلم كلاماً، نقيس هذا الكلام بالكتاب والسنة والعلماء، إن وافقهم على العين والرأس، إن خالفهم.
 قال: يوجد مجاعة كبيرة، هذا خلاف القرآن والسنة، لإخافة الشعوب الضعيفة، لنهب ثرواتها، يوجد تمهيد الغرب يفعل جريمته بعد التمهيد لها، يطرح نظريات باطلة فبركها هو، فلابد من معرفة الكاتب والسنة، وفهم الكتاب والسنة، مقياسان كبيران لعلومنا.
الدكتور بلال:
 نظرية دارون سيدي، التي تدرس في بعض المناهج حتى اليوم، وهي باطلة لا أصل لها.
الدكتور راتب :
 الحقيقة أنا آمنت بها أخيراً، وهذه مفاجأة كبيرة، آمنت بها مقلوبة، كان إنساناً صار قرداً، لحق الدنيا، لحق غرائزه، وشهوته، أما الإنسان المخلوق الأول فالفرق بينه و بين الإنسان القرد فرق بالطبيعة لا بالدرجة.
 أنت تقول: ذهب أربع وعشرون، واحد وعشرون، ثمانية عشر، ستة عشر، أحد عشر، كله ذهب فرق بالدرجة، وهناك معدن خسيس بين الذهب وهذا المعدن فرق بالطبيعة لا بالدرجة، فبين الإنسان والحيوان فرق بالطبيعة لا بالدرجة.
الدكتور بلال:
 سيدي، إذاً هنا يحضرني المثل الصيني المشهور: لا تطعمني سمكة علمني كيف أصطاد السمك، هذا منهج التلقي أن أعلمه.

مهمة الأب و الأم أن يملِّكا أبناءهم الميزان الصحيح :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أنت ممكن أن تلقي درساً رائعاً جداً، هذا الطالب أعجب بهذا الدرس، إعجابه بك لا يكفي لطلب العلم، لو أعطيته المصادر والمراجع، وطريقة البحث، واللسانس، بالعالم كله يعلمون الطلاب باللسانس أو البكالوريوس المراجع والمصادر، وطريقة البحث العلمي، أما التجديد في العلم فبالدبلومات، والماجستير، والدكتوراه.
الدكتور بلال:
 مهمة الطالب بعد التخرج.
 سيدي، يحضرني هنا أيضاً في الموضوع نفسه الميزان، والوزن.
الدكتور راتب :
 الحقيقة هناك خطأ في الوزن، وخطأ في الميزان، الكلمة الدقيقة: الخطأ في الوزن لا يتكرر، والخطأ في الميزان لا يصحح.
 عندك ميزان صحيح مئة بالمئة، وزنت قطعة لحم، توهمت بالوزن أنها مئتا غرام وهي مئة غرام، هذا خطأ لا يتكرر، خطأ مرة واحدة، خطأ بالنظر، خطأ بالوهم، أما إذا كان عندك ميزان وكان فرق كفة عن كفة مئة غرام لو استخدمته مليار مرة كله خطأ، فالخطأ في الميزان لا يصحح، في الوزن لا يتكرر.
كل ما أتمناه أن يكون خطؤنا في الوزن لا في الميزان، لو الخطأ في الميزان ترتكب الحماقة مليون مرة، ويتوهمها من الشرع، أخطر شيء أن يكون خطؤنا في الميزان لا في الوزن، نحن إذا كان الميزان صحيحاً، الكتاب والسنة هذا الميزان الأساسي.

(( تَركْتُ فيكُمْ أَمْرَيْنِ لنْ تَضِلُّوا ما تَمسَّكْتُمْ بهما: كتابَ الله، وسنّة رسولِهِ))

[أخرجه مالك عن بلاغ مالك]

 فإذا كان الميزان صحيحاً الخطأ بالوزن يصحح، بالميزان لا يصحح.
الدكتور بلال:
 إذاً الأب والأم ينبغي في التربية العقلية أن يملكا أبناءهم الميزان.
الدكتور راتب :
 الميزان الصحيح لتلقي العلم، نص صحيح، مفهوم فهماً صحيحاً، مشروح شرحاً صحيحاً، عليه تطبيق عملي، هذا القرآن، القرآن قطعي الثبوت، نجتهد في فهم الآيات، أما السنة فظنية الثبوت والدلالة، نجتهد في تقويم الحديث، لابد من حديث صحيح، أعلى شيء متواتر صحيح، ويوجد حسن، وضعيف، لا بد من تقويم الحديث أولاً، ثم لا بد من فهمه ثانياً، ثم لابد من شرحه ثالثاً، أما أقوال العلماء فكل قول نسمعه نعرضه على الكتاب والسنة، إن وافقه فعلى العين والسنة، وإن لم يوافقه نركله بأقدامنا.
الدكتور بلال:
 ما دام يخالف شرع الله.
 سيدي الكلام مهم جداً للآباء والأمهات، ألا يكتفوا أن يلقنوا أبناءهم مفردات المنهج الشرعي.
الدكتور راتب :
 لا بد من منهج التلقي.
الدكتور بلال:
 العقيدة الأساسية.
الدكتور بلال:
 فعندها نخوض غمار الحياة، اليوم الشبهات كثيرة .

الهدف من الشبهات إضعافنا وتخويفنا :

الدكتور راتب :
 نحن نغرق الآن في شبهات لا أصل لها في الحياة، لإضعافنا، لتخويفنا، لإقناعنا أن نبقى نستهلك، لا نصنع.
الدكتور بلال:
 اليوم سيدي الذي لا يملك منهج التلقي مثلاً يستمع في الإعلام إلى شبهة تخص الحديث الشريف، يظنها صحيحة، ويذهب أنه لا يثق بمصادر الحديث، ولا يثق بعلم الحديث، وهو لم يتعلم منهج التلقي.
الدكتور راتب :
 لذلك عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد.
الدكتور بلال:
 العلم مع العبادة.
 سيدي أيضاً من مفردات منهج التلقي، إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مدعياً فالدليل.

مفردات منهج التلقي :

1 ـ الصحة في النقل :

الدكتور راتب :
 أجمل قاعدة في تلقي العلم! إن كنت ناقلاً - ناقل نص- أهم شيء صحة النص، طبعاً القرآن كله صحيح، غير القرآن السنة، صحة السنة، الحديث قد يكون موضوعاً ضعيفاً يغير الدين كله، والذين تآمروا على الدين ابتدعوا أحاديث لا أصل لها، أربعون ألف حديث لا أصل لهم، فلابد من التأكد، القرآن قطعي الثبوت، ظني الدلالة، تتأكد من فهم الآية فقط، الحديث تتأكد مرتين، مرة من صحة الحديث، ومرة من دلالته.
 الثالثة أقوال عامة الناس، تقيس هذا القول على الكتاب والسنة، إن وافقهما وفق منهج الكتاب والسنة فهو مقبول، لكن لا على أنه كلام مقدس، كلام إنسان يخطئ ويصيب.
الدكتور بلال:
 فهم القرآن والسنة ليس عمليه عشوائية، وفق علم الأصول واللغة.
الدكتور راتب :
 يوجد علوم دقيقة جداً، لا يوجد أمة تملك علم رجال إلا الأمة الإسلامية إذا ينفرد المسلمون بذلك.
الدكتور بلال:
 الرواية.
الدكتور راتب :
 الرواية نعم، الدراية معنى الحديث.
الدكتور بلال:
 الرواية وصول الخبر إلينا، السند.
 أتابع سيدي، أعود إلى المقولة تجاوزناها: إن كنت ناقلاً فالصحة.

2 ـ عدم قبول أي شيء في الدين إلا بالدليل :

الدكتور راتب :
 مدعياً فالدليل، جئت بفكرة لا يوجد مانع، لكن ما دليلها؟ ما مصدرها؟ من قالها؟ ما دليله؟ الذي قالها ما دليله؟ مدعياً فالدليل، ناقلاً فالصحة، مقولتان أساسيتان.
الدكتور بلال:
 إذاً نعلم أبناءنا ألا يقبلوا شيئاً إلا بالدليل، أي اطلبوا الدليل على الشيء.
الدكتور راتب :
 وأنا أنصح نصيحة عامة، نصيحتي للأخوة المشاهدين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينك، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا.
 أي لا تقبل شيئاً في الدين إلا بالدليل القطعي، ولا ترفض شيئاً إلا بالدليل.
 أنا أقول لك الآن: كل عمان ملكي، بلا دليل، البطولة بالدليل.
الدكتور بلال:
 أيضاً من مفردات منهج التلقي سيدي أن نضع كل قضية في الدائرة التي هي فيها، قصدت سيدي جزاكم الله خيراً أيضاً دائرة المحسوسات، والمعقولات، والإخباريات، أن يضع كل قضية في مكانها الصحيح.

3 ـ وجوب وضع كل قضية في الدائرة التي هي فيها :

الدكتور راتب :
 المحسوسات أدواتها الحواس الخمس واستطالاتها، المعقولات أساسها العقل البشري، أما الإخباريات فأساسها المخبر، وصحة الخبر، بالإخباريات صحة النقل، بالمعقولات مبادئ العقل، بالمحسوسات الحواس الخمس واستطالاتها، الميكرسكوب استطالة، والتليسكوب استطالة.
الدكتور بلال:
 إذاً سيدي عندما تكون القضية قضية إخبارية، ليست عقلية، هل يصح أن نخضعها للعقل؟
الدكتور راتب :
 لا، للنقل، للنقل الصحيح.
الدكتور بلال:
 فقط، لأن هناك موضة- آسف إن صح التعبير- كل شيء يريد أن يفهمه بعقله، كل شيء حتى لو كان خبراً من الله يحكمه إلى عقله.
الدكتور راتب :
 مثلاً، الآن عندنا كمبيوتر، ممكن أن تستخدمه استخداماً مذهلاً، لو عرضت هذا الجهاز على إنسان مات من مئة عام، لا يصدقه، لأن عقله مربوط بالواقع، و لكن هناك شيء واقع حقيقي تجاوز هذا الإنسان، فلابد من فهم الأمور ببيئتها، بواقعها، بظروفها.
الدكتور بلال:
 إذاً العقل سيدي يحتاج أن يرى شيئاً ليحكم على شيء غائب عنه، أي لا يستطيع أن يفهم شيئاً غير موجود.
الدكتور راتب :
 الحواس الخمس واستطالاتها لابد من أن تكون الحقيقة ظاهرة، ظهرت عينها وآثارها، إن غابت عينها بقيت آثارها العقل.
الدكتور بلال:
 يحكم الكهرباء موجودة في هذه الغرفة، لا دخان بلا نار.
الدكتور راتب :
 رأى دخاناً وراء الجدار، يحكم بعقله أنه هناك ناراً، لا دخان بلا نار، هي مع استنباط عقلي، الشيء غابت عينه بقيت آثاره، أما الحكم الحسي فهو شيء ظهرت عينه وآثاره، أما الإخباري فغابت عينه وآثاره، الله حدثنا عن أصحاب الفيل، هذا خبر، الخبر قيمته من المخبر، فإذا كان الله هو المخبر تأتي الآية:

﴿ أَلَمْ تَرَ﴾

[ سورة الفيل: 1]

 لم نر والله، العلماء استنبطوا من هذه الآية ينبغي أن تتقبل إخبار الله لك وكأنك تراه، عندك خبر تتلقاه من الله، ومن رسول الله، وهناك حكم عقلي، وحكم حسي.
الدكتور بلال:
 قال بعض السلف سيدي أختم بهذا لو تكرمتم: لقد رأيت الجنة والنار عياناً، قال: دقق فيما تقول، لا أحد يرى الجنة والنار عياناً، قال: لقد رأيتهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيتي لهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق عندي من رؤيتي لهما بعيني.
الدكتور راتب :
 يا عيني! كلام رائع جداً.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
بارك الله بكم سيدي، ونفع بكم.
 أخوتي الأكارم؛ في ختام هذا اللقاء أشكر لشيخنا الفاضل ما تكرم به من هذه الإفادات، كما أشكر لكم حسن المتابعة، وأسأل الله عز وجل أن ألتقيكم دائماً وأنتم في أحسن حال مع الله ومع خلقه.
 إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور