وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج بيت المسلم – الحلقة : 22 - التربية الاجتماعية2 – العفو - الجرأة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور بلال:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 أخوتي الأكارم، أخواتي الكريمات؛ أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بكل خير، نحن معاً في مستهل حلقة جديدة من برنامجنا: "بيت المسلم"، فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي يشرفنا في هذه الحلقات المباركات، رحبوا به معي، السلام عليكم.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ونفع الله بكم، وأعلى قدركم.
الدكتور بلال:
 وأعلى قدركم سيدي، أكرمكم الله.
 سيدي إذ نتحدث عن التربية الاجتماعية، وقد بدأنا بها في اللقاء السابق، لابد من أن نذكر مفردات سريعة، وهي كثيرة جداً، وتحتاج إلى برنامج خاص، لكن نحن نوجز بها، بما يتعلق أقرب ما يكون إلى الأولاد.
 تحدثنا عن بعض المعاني من التراحم، والأخوة الإيمانية، والإيثار، ننتقل اليوم إلى موضوع في التربية الاجتماعية وهو العفو.

﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾

[ سورة البقرة: 237]

 كيف نربي أبناءنا على العفو؟

كيفية تربية أبنائنا على العفو :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أرى أنك إذا عفوت عن أخيك، وغلب على ظنك أنك عفوك عنه يصلحه ينبغي أن تعفو عنه، وإذا عفوت عنه فالله عز وجل يكافئك مكافأة كبيرة، إذا غلب على ظن الإنسان أنه إذا عفا عن هذا الإنسان هذا العفو يصلحه، ويقربه إلى الله، أنا أقول: ينبغي أن يعفو عنه، وعندئذٍ يتولى الله في عليائه مكافأته.
الدكتور بلال:
 هذه:

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: 41]

الدكتور راتب :

﴿ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: 41]

 بالعفو يصلح هذا الإنسان، وهناك قصص كثيرة، أما إذا توهم الإنسان، أو غلب على ظنه أنه إذا عفا عن هذا الشاب الطائش في قيادة المركبة، وتابع هذا الطيش، والانتهاك لحرمات الآخرين، فينبغي ألا يعفو عنه، فالضابط للعفو إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه.

﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾

[ سورة البقرة: 237]

 وإذا رأيت أن عفوك عنه يصلحه، أحياناً يكون ليس مخطئاً، لكن القانون يجرمه، عندئذٍ أعفو عنه، وأنتظر من الله المقابلة.
الدكتور بلال:
 إذاً سيدي الأطفال في البيت، وأحياناً في المدرسة أيضاً من فردية الطفل أنه يستأثر بموقفه، ولا يرد أن يعفو عن أخيه، أو أن يعفو عن زميله في المدرسة، فكيف ننمي فيه هذا العفو؟
 

تعزيز العفو عند الأطفال :

الدكتور راتب :
 أنا أنطلق من فكرة أساسية، أنه إن لم يكافأ المحسن، ويعاقب المسيء، انتهى أي نظام، انتهى أي قانون، انتهى أي تشريع، إذا لم يكافأ المحسن، ويعاقب المسيء.
 طالب كتب وظيفته، وأخذت من وقته الوقت الكثير، في اليوم الثاني المدرس لم يعاقب المقصر، يزهد في متابعة الاجتهاد، أما المقصر حوسب، والمتفوق كوفئ، فما لم يكافأ المتفوق، ويحاسب المقصر الأمور لن تستقيم أبداً.
الدكتور بلال:
 إذاً بالتعزيز، أي عندما يعفو الطفل في المدرسة أو في البيت ينبغي أن يعزز.
الدكتور راتب :
 يعزز هذه القيمة عند الطلاب جميعاً.
الدكتور بلال:
 جزاكم الله خيراً.
 أيضاً سيدي من مفردات التربية الاجتماعية: تربية الأبناء على الجرأة، طبعاً هي حدية نوعاً ما، هناك جرأة، وهناك وقاحة، لكن هناك جرأة في الحق، أن يربى الطفل على أن يقول رأيه، أن يعبر.

تعليم الطفل الفصاحة و الجرأة في الحق :

الدكتور راتب :
 دخل وفد الحجازيين على عبد الملك بن مروان، خليفة أموي كبير، فتقدمهم غلام صغير، غضب الخليفة، قال له: أيها الغلام اجلس، وليقم من هو أكبر منك سناً، قال هذا الغلام: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله لعبد لساناً ذاكراً، وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك في هذا المجلس.
الدكتور بلال:
 من هو أكبر منه سناً؟
الدكتور راتب :
 قال له: تكلم، قال له: أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، معكم فضول أموال، إن كانت لله فنحن عباده، وإن كانت لنا فعلامَ تحبسونها عنا؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، قال: والله ما ترك هذا الغلام لنا في شيء عذراً، كلام فصيح.
 لذلك الفصاحة دقيقة جداً، الفصاحة والجرأة، جرأة أدبية مع الأدب الشديد.
الدكتور بلال:
 نعم ليس هناك ضير أن يكون الطفل جريئاً، وينبغي أن ندعم جرأته.
الدكتور راتب :
 طفل إلى جانب النبي، قال له أحد الصحابة: لو أذنت لي أن يكون هنا مكاني، قال له: والله لا أسمح لك، النبي احترم رأيه، وأقره على رأيه.
الدكتور بلال:
 وهذا الغلام الذي قال له عمر بن الخطاب: لِمَ لم تهرب مع من هرب؟
الدكتور راتب :
 سيدنا عمر كان له هيبة كبيرة، مشى في الطريق كان هناك مجموعة غلمان، لما رأوه تفرقوا، إلا واحداً منهم، بقي في مكانه، لفت نظره، قال له: يا غلام لِمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال: أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك، ما هذه الجرأة! لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك.
 كلما نشأ الطفل في بيئة راقية، في بيئة فيها مبادئ، فيها قيم، يتعلم من هؤلاء.
الدكتور بلال:
 ومما ورد ويؤخذ منه العبرة هذا الغلام مع أبي حنيفة.
الدكتور راتب :
 أبو حنيفة النعمان يمشي في الطريق رأى حفرة، وهناك غلام إلى جانبها، قال له: يا غلام إياك أن تسقط، فقال له الغلام: بل إياك يا إمام أن تسقط، إني إن سقطت سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم، ذنب العالم كبير جداً، يربك الأمة.
الدكتور بلال:
 سيدي أيضاً، عبد الله بن عمر عندما كان في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟ فقال: فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، فعمر بن الخطاب يعلق، قال: والله لو قلتها لكان أحب إلي من حمر النعم.
 إذاً سيدي الطفل كيف نعلمه هذه القوة في الشخصية؟

كيفية تعليم الطفل قوة الشخصية :

الدكتور راتب :
 نعلمه الجرأة إذا رآنا نجرؤ في حديثنا مع الآخرين، الطفل يتعلم بعينه لا بأذنه، فحينما يرى الطفل أباه قوي الشخصية، مبدئي، يتكلم بصراحة، دون لف ودوران، يتعلم منه، والحقيقة الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم.
الدكتور بلال:
 أيضاً سيدي ربما شيء يمنع ثقة الطفل بنفسه أنه قد يقع في خطأ، أو في حرج في مجلس فيؤنبه والده على ذلك، أليس هذا مما يضعف شخصيته؟
الدكتور راتب :
 والله أنا لا أتمنى أبداً أبداً أن يعنف الطفل أمام أحد، لا أمام أخوته، ولا أمام أخواته البنات، ولا أمام أصدقائه، بينك وبينه، الإنسان يقبل أي لوم، أي نقض، أي اعتراض، فيما بينك وبينه، هذه نصيحة، أما أمام الآخرين ففضيحة، والإنسان يكره الفضيحة.
الدكتور بلال:
 أيضاً سيدي من مفردات التربية الاجتماعية أن نربي الابن على صلة الرحم، أحياناً الأب يذهب وحده لزيارة الأرحام، وأولاده مثلاً في العيد في الطرقات، وهو يذهب وحده يؤدي واجباته، ما قولكم سيدي؟

تربية الابن على صلة الرحم :

الدكتور راتب :
 والله أنا أتمنى أن يكون ابنك معك، الزم ولدك، قاعدة تربوية، ليكن معك، ليتعلم منك الأدب، يتعلم منك الحديث الرائع، يتعلم منك الاحترام للآخرين، الطفل يتعلم كل شيء، أما إذا أهملته بقي في الطريق، مع أولاد الأزقة، فيتعلم منهم الكلام الفاحش، والبذيء، والانحراف، إن لم يكن معك كيف يتعلم؟ الزم ولدك ليكن معك، طبعاً الإنسان إن لم يكن معه ابنه يرتاح أكثر، إذا كان معه علمه، ومع التعليم يوجد متاعب، بابا اجلس هنا، لا تتكلم أثناء كلام أحد المتحدثين، لا بد من نصائح، هذه نصائح تثمر شخصية قوية، هذه التربية الحقيقية، التربية الحقيقية ليست إلقاء محاضرات، يكون معك، كيف جلست، كيف تكلمت، كيف اعتذرت، كيف وضحت، هو يتعلم.
الدكتور بلال:
 إتماماً للفائدة في صلة الرحم، هل صلة الرحم مجرد زيارة كما يفهمها البعض؟

أهمية صلة الرحم :

الدكتور راتب :
 أخطر فكرة حينما تقزم هذه الفضيلة، هذه الطاعة الكبيرة، هذه المنقبة العظيمة، تقزم إلى وضع بطاقة في العيد.
الدكتور بلال:
 حضرنا ولم نجدكم.
الدكتور راتب :
 صلة الرحم أولاً صلة، تبدأ باتصال هاتفي، وبزيارة، وبتفقد، تفقد الأحوال، قد يكون هذا القريب عنده ابن أخذ قراراً بترك الدراسة، وأنت عالم، ومربّ، تقنع الأب ألا يقبل هذا الطلب من ابنه، فصار في الزيارة نصيحة، هذا الذي زرته بحاجة إلى مال، دعمته بالمال، هذا الذي زرته عنده مشكلة مع زوجته، أصلحت بينهما، صلة الرحم شيء كبير جداً، أي تطعمه إن كان جائعاً، تكسوه إن كان عارياً، تصلح فيما بينه وبين غيره إن كان في مشكلة كبيرة، تعلمه إن كان جاهلاً.
 أذكر أننا كنا في العيد يأتي الأخوة الكرام إلى الجامع يوم العيد إن كان هناك مشكلة نحلها، هذه الصلة الحقيقية، أن تحل المشكلات فيما بين الأقارب.
الدكتور بلال:
 وفي العيد سيدي في المسجد في دمشق كنتم تصرون أن يأتي مع الآباء الأبناء.
الدكتور راتب :
 مع الأولاد.
الدكتور بلال:
 ولهم هدية.
الدكتور راتب :
 ولهم هدية ثمينة جداً، من أجل هذا أحبوا الجامع، أذكر أنني أنا في خطب الجمعة كل إنسان معه ابنه عندي هدية ثمينة جداً أقدمها لابنه، ربط الجامع بالهدية الثمينة، صار الجامع محبباً إليه.
الدكتور بلال:
 سيدي أيضاً من مفردات التربية الاجتماعية تربية الطفل على أن للجار حقاً، حقوق الجار.

تربية الطفل على احترام حقوق الجار :

الدكتور راتب :
 والله الجار شيء عجيب، أحاديث الجار كثيرة جداً، أنت عندك علاقات، الأقربون أولى بالمعروف، عندك قرب نسبي، وقرب إيماني، وقرب مكاني، جغرافي، هذا الجار أقرب الناس لك، ليس من المعقول أنت في بحبوحة كبيرة جداً، والجار بحاجة، أو ابنه بحاجة إلى توجيه، أو البيت الآخر بحاجة إلى دعم، فالحقيقة صلة الرحم واسعة جداً، أسوأ ما في هذه الصلة أنا أزوره في العيد وأتمنى ألا يكون موجوداً، أضع بطاقة وانتهى الأمر، لا، أبداً، لم ينته، لقاء شخصي، لقاء حميم، تفقد أحوال، أحوال معيشية، أحوال علمية، أحوال اجتماعية.
الدكتور بلال:
 هذه وسائل التواصل اليوم سيدي، على ما فيها من خيرات، لكن أبعدتنا عن بعض بشكل كبير.
الدكتور راتب :
 أنا أسميها تجاوزاً وسائل تقاطع.
الدكتور بلال:
 تقاطع اجتماعي.
الدكتور راتب :
 جلسة كل شخص معه الموبايل، لم يعد هناك كلام.
الدكتور بلال:
 أصبح تواصلاً افتراضياً.
 إذاً سيدي حقوق الجار ينبغي أن نربي الطفل إذا واجه جاره أثناء دخوله أو خروجه أن يسلم عليه، ألا يؤذي ولده، أحياناً بعض الجيران، ابنك مثلاً يؤذي ابنه بفاكهة طيبة بيده أو بأي شيء، أليس هذا من عدم التربية؟
الدكتور راتب :
 والله أنا أرى أن هذا شيء خطير جداً، تدخل الفواكه الغالية إلى البيوت مكشوفة، هذه مشكلة كبيرة، إما أن تقدم له منها، أو تدخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده.
الدكتور بلال:
 ينبغي أن نربي أبناءنا على ذلك؟
الدكتور راتب :
 إذا كان هناك فاكهة غالية، وأنت في بحبوحة مادية، أعطيت ابنك هذه الفاكهة، هذه لا يأخذها إلى المدرسة معه، يأخذ معه شيئاً متوسطاً يقدر عليه جميع الطلاب.
الدكتور بلال:
 حتى اليوم هناك ما يسمى بالأكلات الطيبة التي يحبها الأطفال، هذه أيضاً تلفت النظر أكثر.
الدكتور راتب :
 وغالية جداً.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 ينبغي الانتباه إلى ذلك.
 جزاكم الله خيراً سيدي، وأحسن الله إليكم.
 أخوتي، أخواتي؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لشيخنا ما تفضل به، وأن أشكر لكم حسن المتابعة، سائلاً المولى جل جلاله أن نلتقيكم دائماً على خير، إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور