وضع داكن
28-03-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 058 - الأدب مع الله.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأتم الصلاة وخير التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الكرام على الهواء، نتواصل في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وباسمكم نرحب بفضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله دكتور.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 وإياكم شيخنا، حديثنا اليوم عن الأدب مع الله عز وجل، هذا العنوان العريض ما معنى أن يكون الإنسان مؤدباً مع الله عز وجل؟

العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 بادئ ذي بدء أخي الكريم بارك الله بك، الإسلام أنا سوف أرسم له مثلثاً مقسماً إلى أقسام؛ أعلى أقسامه العقيدة، فإن صحت صح العمل، أصل الدين معرفته، العقيدة أصل هذا الدين، المنطلق النظري الأيديولوجي، الفلسفة، التصور، هذه كلها مفردات لمسمى واحد، المنطلقات النظرية، العقيدة، الأيديولوجية، بعد هذا تأتي العبادات علة وجودنا في الدنيا، قال تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الذاريات: 56]

 الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والنطق بالشهادة، بعدها تأتي المعاملات، سيدنا جعفر رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام، فقال:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا...))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 الآن العبادة التعاملية، الشعائرية التوحيد، الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، التعاملية:

(( ... وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 الآن معي عبادة تعاملية وعبادة شعائرية، والحقيقة الصارخة أن العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها أصلاً إلا إذا صحت العبادة التعاملية، فنحن بهذا المثلث صار أول قسم العقائد، العبادات، المعاملات، آخر قسم الآداب، الأذواق، فالأدب صفة تأتي في نهاية هذه الأقسام الأساسية، أي ليس من اللباقة والذوق أن تنادي زوجتك عند أهلها في الطابق الرابع ببوق السيارة، هذا سوء أدب أيقظت الجيران، هذا لا يدخل في الحلال والحرام، لا يوجد شرب خمر، لا يوجد معصية، لا يوجد زنا، سوء أدب، لذلك الكلمة الأولى في هذا اللقاء الطيب سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الأدب الرفيع الذي هو فيه، قال:

(( أدَّبني ربي فأحسن تأديبي ))

[ من الجامع الصغير عن ابن مسعود ]

الأدب بين الناس :

 أنا لا أصدق أن يكون المؤمن قليل الذوق، أن يكون المؤمن حشرياً، يحشر نفسه في أشياء لا تعنيه إطلاقاً، أن يكون المؤمن محتالاً، أن يكون المؤمن نصاباً، كل هذه الصفات مستحيل أن تكون في المؤمن، المؤمن إنسان مستو، إذاً هذه الآداب تأتي مثل العمارة لها هيكل أساسي، عظم ثم تكسى من الداخل والخارج، ثم تؤسس، الآن يوجد باقات ورد، أجواء معطرة، أشياء جميلة، مناظر طبيعية، هذه الآداب تكمل الدين، فنحن بحاجة إلى آداب إسلامية، هناك إنسان من أجل أن يطرب نفسه يرفع صوت المذياع، والوقت وقت امتحانات، والطلاب يدرسون، فهذا من قلة الذوق، أنا أذكر مرة أن إنساناً متقدماً بالسن صلى وراء شاب متشدد، فهمه للدين فهم ضيق، فلما أمّ هذا الشاب الشيخ، وقرأ قراءة جيدة، قال له الشيخ: حرماً، هذه دعوة لطيفة أن يهبك الله صلاة في بيت الله الحرام، فإذا بهذا الشاب قد جحظت عيناه، وتغير لونه، وقال لهذا الشيخ الوقور: هذا لم يرد في السنة، أي أن تقول لي حرماً، قال له: وهل ورد في السنة قلة الذوق التي أنت فيها؟
 هناك آداب يا أخي يوجد لباقة، يوجد لطف، يوجد إيناس، يوجد تسامح، والله نحن في أمس الحاجة إلى آداب الإسلام، لا يوجد خلاف على العقيدة، و لا خلاف على العبادات، ولا المعاملات، لا يوجد إنسان يستطيع أن يقول لك: الزكاة غير واجبة، وأكل مال الحرام واجب، لا يوجد إطلاقاً، خلافنا بالأذواق، هذا الذي يستخدم السيارة لأشياء لا ترضي الله هذا قلة الذوق إما بسيارته، أو بمحله التجاري، أحياناً إنسان يطلب من شخص مثلاً وصفة طبية، والمبلغ يكون تسعاً وثمانين ليرة، نقصه ليرة واحدة، يقول له: اذهب وأحضرها، يكون الشخص وقوراً كبيراً في السن، لا يقبل أن يعطيه الأدوية لأن مبلغه نقص ليرة واحدة، هذه لا تمر معك الليرة الواحدة، هذه قلة ذوق، والله نحن بحاجة إلى ذوق كبير جداً، ما رئي النبي صلى الله عليه وسلم ماداً رجليه قط، مرة:

((هون عليك فإني ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة))

[ ابن ماجه عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ]

 أنا أذكر من السيرة أشياء غير معقولة بمقام النبي صلى الله عليه وسلم، هو كان في بعض المعارك، و كانت الرواحل مئة راحلة، وهم ثلاثة أضعاف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل ثلاثة على راحلة، هو قائد الجيش، وزعيم الأمة، ورسول الله، ونبي الأمة، كل هذه الصفات بالنبي الكريم فقال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، زعيم أمة، نبي مرسل، حاكم، قائد جيش، سوى نفسه مع أقل جندي بالجيش، فالنتيجة ركب الناقة، أليس كل ثلاثة على راحلة؟ فلما جاء دوره في المشي توسل صاحباه أن يبقى راكباً، قال: ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر. ما هذا؟ هذه أبوة، ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر.
 كانوا في سفر، و أرادوا أن يعالجوا شاة، يذبحون شاة ليأكلوها، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، فقال أحد الصحابة الكرام: نكفك ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
المذيع:
 هذا نسميه أدباً دكتور.
الدكتور راتب :
 عندنا عقيدة، عندنا عبادة، عندنا معاملة، فرائض، آداب، أذواق، رقي، نعومة، لطف، فهم.
المذيع:
 هذا الأدب فيما بيننا كبشر، الآن أدبنا مع الله عز وجل هل يرتقي إلى العقيدة فيما يرتبط فيما بيننا وبين الله عز وجل أم هو نوع من الآداب؟

معرفة أدب الإنسان و أخلاقه في البيت :

الدكتور راتب :
 والله هو أدب، هناك أشياء باعتقادنا، وأشياء بأقوالنا، وأشياء بأفعالنا، أحياناً قد يعتقد أن الله لا يراه، هذا خطأ في العقيدة، وأحياناً يتكلم كلاماً في بيته سيئاً جداً، عفواً ولو دخلنا في موضوع أنا أراه دقيقاً جداً، الإنسان في الطريق، في عمله، في مكتبه، في تجارته، في دكانه، يرتدي ثياباً أنيقة، ويتعطر أحياناً، وشعره مرجل، ولطيف، وناعم، رجل أعمال، ويبتسم دائماً، ويرحب بالضيف، يقدم له كرسيه، يأتيه بالضيافة، أما إذا دخلت إلى بيته فهو إنسان آخر، أنا أقول: ما تفعله خارج البيت هذا ينضوي مع ذكاء العمل، أنت مضطر أن تكون أنيقاً، عندك مندوب شركة قادم، مضطر أن تبتسم له، مضطر أن تقيم له وليمة طعام، لكن أين بطولتك؟ أين دينك؟ أين أدبك؟ أين أخلاقك؟ في البيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))

[الترمذي عن عائشة أم المؤمنين]

 في البيت لا يوجد سلطة فوقك، ثيابك في البيت مهمة، هناك إنسان يخلع ثيابه أمام أولاده، يبقى في الألبسة الداخلية، هذه ليست واردة إطلاقاً، وهناك إنسان في بيته منضبط، بلسانه منضبط، لا يوجد كلمة غير صحيحة، النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نستأذن على أمهاتنا، هناك صحابي تعجب كيف نستأذن على أمهاتنا؟ قال: أتحب أن تراها عريانة؟ أي ضمن البيت، أختك لها بيت، تطرق عليها الباب، لعل ثيابها مكشوفة ونائمة، وكل ملامح جسمها واضحة، وإذا أنت أخوها يوجد عورة، أنا أقول دائماً: عند الاجتماع مع المحارم يجب أن تكون بثياب الخدمة، القبة مرتفعة، نصف كم، تحت الركبة، هذه ثياب الخدمة، هذا ما يسمح للأب أن يرى ابنته فيه، تجد في بعض البيوت ترتدي الفتاة ثوب نوم شفاف، أخوها شاب في مقتبل حياته، هذا لا يصح، والله يوجد مخالفات في البيوت أنا لا أؤكد أنا أتوقع أن هناك أخطاراً كبيرة في البيت الواحد، أحد أسبابها عدم مراعاة أحكام العورة، أخت ترتدي ثياباً شفافة أمام أخيها الشاب.
المذيع:
 من هذه الآداب التي حثتنا عليها الشريعة الإسلامية أنتقل إلى الأدب مع الله، ما معنى أن نتأدب مع خالقنا؟ كيف يكون الأدب مع الله عز وجل؟

الأدب مع الله :

الدكتور راتب :
 أولاً: الأدب ينطلق من الفكر، من اعتقادك، حينما تعتقد أن الله يختار من عباده من يهديهم، ولا يختار إنساناً آخر أن يهديه، يقول لك: حتى الله يهديني، هذا سوء أدب مع الله عز وجل، الله خلقك للهداية، والدليل:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

 حتى الله يهديني سوء أدب مع الله، من قال لك ذلك؟ أنا أقول كلمة دقيقة: نحن عندنا فحشاء ومنكر، فحشاء أي فضيحة أخلاقية، المنكر ما تنكره النفوس على أصالتها الطيبة، عندنا الإثم والعدوان، الإثم أن ترتكب معصية بينك وبين الله عز وجل، شرب خمر مثلاً، العدوان أن تضرب الآخرين، يقع في رأس هذه المعاصي الكبيرة قال تعالى:

﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة:169 ]

 الفحشاء والمنكر أقل، والإثم والعدوان أقل، وأكبر معصية ترتكب بحق الذات الإلهية أن تقول عليه أنه هدى أناساً ولم يهد أناساً، أساساً جيء لسيدنا عمر بشارب خمر فقال: أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليَّ ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار. أن تنفي أن الله خيرك، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

[ سورة الكهف : 29 ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾

[سورة الإنسان: 3]

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

[سورة البقرة: 148]

 هنا الشاهد قال تعالى:

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 148]

 فالأدب مع الله أن تكون عقيدتك في الذات الإلهية سليمة، الله لا يجبر عباده على المعصية، هذه تتناقض مع الدين، تلغي القضاء والقدر، تلغي الجنة والنار، تلغي المعروف والمنكر، حينما تتوهم أن الله أجبرك على شيء.
 النقطة الدقيقة حينما لا تعتقد أنك مخير بل أجبرك الله على شيء لا يرضيك هذا خطأ في العقيدة، وهناك خطأ بالكلام.
المذيع:
 هذا يعد قلة أدب لكن من باب العقيدة خطير في حياة الإنسان، يقاس عليه دكتور للذي يقول: أنا أصلي حينما ينزل الله عليّ الهداية، هل يقاس عليه بعض العبارات التي يقولها الناس: الله يعطي الحلاوة للذي لا يستحقها؟

بطولة الإنسان أن يستجيب لأن الله هداه بالفطرة و القرآن و الكون :

الدكتور راتب :
 أعوذ بالله مثلاً إذاعة كهذه الإذاعة تبث برامجها، وكل مواطن معه راديو مذياع، فإذا قال لك: أنا لا يوجد عندي إذاعة، نقول له: أنت لا تستقبلها، البث مستمر بأي مكان ضمن حدود الإذاعة، وأنت معك إبرة وراديو، فالبطولة أن تستقبل هذا البث، الله هداك وانتهى، هداك بالكون، هداك بالأنبياء والمرسلين، هداك بالقرآن، هداك بالفطرة.
المذيع:
 لكن هل تتأمل أو لا تتأمل هذه قضية فردية خاصة بالإنسان؟
الدكتور راتب :
 هداك وانتهى الأمر، الكون هداية، الكون الثابت الأول في حياتنا، الكون بأكمله ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، هداك بالعقل، هداك بالفطرة، أعطاك فطرة، هداك بالحوادث، آياته التكوينية أفعاله، والكونية خلقه، والقرآنية كلامه، أعطاك قرآناً، الهداية انتهت بقي الاستجابة.
المذيع:
 لا بد لنا بالحديث في هذا الملف الأدب مع الله والعياذ بالله قلة الأدب، خاصة الإنسان يقع به دون أن يشعر. إذا أردنا دكتور أن نعرّف المصطلح الأدب مع الله عز وجل ما معنى ذلك؟

الأدب مع الله هو تحقيق للهدف الذي خلق الإنسان من أجله :

الدكتور راتب :
 من معاني من للتبعيض، أن يفتقدك عما نهاك، وأن يراك حيث أمرك، أي الساعة الثانية عشرة يوم الجمعة أين تكون؟ بالجامع يوجد خطبة وليس في نزهة، أي يجدك حيثُ أمرك، ويفتقدك حيثُ نهاك، هذا أدب مع الله، أنت في البيت ماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن في بيته؟ أن يكون ودوداً مع زوجته، مع أولاده، يعيش معهم، يفهم منهم شيئاً، يلقي عليهم شيئاً، يداريهم، هذا مهم جداً، هذا أدب مع الله عز وجل، أي يجدك حيثُ أمرك، ويفتقدك حيثُ نهاك، يوجد إنسان بمقهى يلعب النرد حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، تارك أهله لوحدهم، ويوجد إنسان يقدم لأهله أخشن الطعام وهو يأكل أطيب الطعام بولائم، وسهرات، هذه أشياء لا يوجد نص صريح بها، هي أذواق وآداب، أهلك يشتهون طعاماً معيناً أنت تأكله بالولائم، نوع من الطعام أنت مكتف منه، ولكن ابنك ما اكتفى منه، فأن تهتم بطعامهم وشرابهم، أن تهتم بهنداهم.
المذيع:
 هذا أدب مع الله؟
الدكتور راتب :
 مع الله هؤلاء أولادك، الله عز وجل لماذا خلقك؟ خلقك للجنة، جاء بك إلى الدنيا لماذا؟ كي تدفع ثمن الجنة، فأنت أدبك مع الله أن تحقق الهدف من خلقك، خلقك ليسعدك في الدنيا والآخرة، قال تعالى:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

 أن يفتقدك عما نهاك، وأن يراك حيث أمرك، هذا أدب مع الله.
المذيع:
 لازال حديثنا عن الأدب مع الله عز وجل، حينما نقول: الأدب مع الله عز وجل حينما ينادي الإنسان ربه هل هناك عبارات معينة؟ حينما نصلي على النبي نقول محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أمرنا بالصلاة عليه، حينما نتحدث عن الخالق ما هي الآداب في الخطاب؟

الآداب في الخطاب مع الله :

الدكتور راتب :
 جلّ جلاله، الله تعالى.
المذيع:
 هل إفراد كلمة الله لوحدها مقبول أو ليس محبذاً أو لا بأس فيه، مثلاً أن تقول: الله قال هكذا.
الدكتور راتب :
 عندما تقولها بالجلسة خمس مرات أو ست تمر معك واحدة من دون جلّ جلاله، مقبولة، لأنك أنت ذكرت جلّ جلاله عدة مرات كثيرة، أما إن قلت مرة واحدة: الله عز وجل، فلا يرضى بذلك.
المذيع:
 لكن الأكمل مع الله أن تتبع الله بجلّ جلاله، حينما نتحدث عن الأدب مع الله عز وجل القرآن الكريم كلامه، تقبيل المصحف، الاعتناء به، أم لم يرد عن السلف الصالح هذا أو عن بعضهم هل هو بدعة؟

تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب :

الدكتور راتب :
 أنا لا أنكر الآداب المادية، المصحف معلق بغرفة الضيوف لا بغرفة النوم، معلق بطريقة فيها تعظيم للمصحف، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾

[سورة الحج:32]

 فأن تعظم خالق الأكوان، أن تعظم النبي صلى الله عليه وسلم، الأنبياء والرسل، المؤمنين الصادقين، أن تعظم فعل الخيرات، أن تعظم المساجد هذه واسعة جداً، هذا بيت الله، إنّ بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوّارها هم عمّارها ، فطُوبى لِعَبْد تطهّر في بيته ثمّ زارني، وحُقّ على المزور أن يُكْرم الزائر، أحياناً سامحني مساجد يوجد لها بابان، والطريق ضمن المسجد أقصر، فإنسان لا يصلي وغير متوضئ، يعمل الجامع ممراً، هذا ليس تعظيماً لشعائر الله، التعظيم أن تدخل وتصلي، أو أن تمر من طريق آخر، يوجد أشياء دقيقة جداً، لذلك قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾

[سورة الحج:32]

 القرآن لا يلقى على الطاولة هكذا، يوجد كفر اعتقادي و كفر قولي و كفر عملي، هذا أيضاً، لكن لا تدخل الوسوسة، هذا البيت فيه مصحف في غرفة الضيوف، والبيت الذي فوقك فيه غرفة ضيوف أيضاً، وهناك إنسان يمشي، أخي أنا أمشي فوق المصحف، لا، هنا دخلت بالوسواس، هذا من الشيطان، هذا البيت مستقل، يوجد أشياء غير معقولة وتجعل الدين شيئاً غير مقبول، على الإنسان أن يكون طبيعياً.
المذيع:
 حينما نتحدث عن الأدب مع الله عز وجل باستحضار النية كيف يمكن أن يكون ذلك؟

النية مكانها القلب والأفعال مكانها الجوارح :

الدكتور راتب :
 أتمنى ألا نقع بالمبالغة، أنت لماذا استيقظت الساعة الثانية ليلاً في رمضان؟ من أجل أن تصوم اليوم التالي، أما نويت صيام غداً لله تعالى أداء، هذه النية مكانها القلب لا تحتاج إلى نطق، بعض الفقهاء بالغوا في الموضوع، النية لا تحتاج إلى تلفظ، أنت قمت كي تتوضأ، نويت الوضوء لله تعالى من هذا الماء الطاهر، النية مكانها القلب، والأفعال مكانها الجوارح، الجوارح عبادة والنية عبادة.
المذيع:
 أول اتصال هاتفي معك أخت نوال...
 السؤال؛ عندما يعتقد الإنسان أن سبب الحسد هو إنسان، وليس بأن الله سمح بهذا، وهل المحسود حينما يرضى بقضاء الله له أجر.
 السؤال الثاني: إذا خاطب العبد الله عز وجل فقال: يا حبيبي يا الله، هل هذا يجوز؟

الله تعالى ينظر إلى قلب العبد و نيته :

الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة : 54 ]

 هذا قرآن، مادامت صادرة من قلب صادق حتى لو ناجيته بالحج أو بالعمرة باللغة العامية يا رب دخيلك، الله يريد قلبك ونيتك الطيبة فقط، وليس معنى هذا أن أتكلم كلاماً لا يليق، لكن لا تدقق كثيراً أنت تخاطب الله عز وجل، الله عز وجل ينظر إلى قلبك ونيتك، وإلى صوتك.
المذيع:
 ملخص في ملف الحسد.

إظهار النعم أمام الآخرين والزهو بها ليس من صفات المؤمن :

الدكتور راتب :
 أنت حينما تعرض على الآخرين ما عندك، اشتريت بيتاً، كلما جاء ضيف تريه البيت كله، أربعمئة وخمسون متراً، قد يكون الضيف فقيراً، قد يكون بيته مئة متر، قد يكون دخله قليلاً، عرض النعم على الآخرين فيها فهم خاطئ جداً جداً، إظهار النعم أي نعم؟ المشتركة، نعمة الهواء، الماء، الشمس، القمر، قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾

[سورة الضحى: 11]

 الهواء نعمة كبيرة جداً، الماء الصافي نعمة كبيرة جداً، يوجد ماء ملح أجاج، وماء عذب، فكل النعم المشتركة بين الناس جميعاً، هذه ينبغي أن نذكرهم بها، أما أن أذكرهم بدخلي الشخصي، وشخص موظف معاشه كله يساوي يوماً من أيام هذا الغني، إظهار النعم أمام الآخرين والزهو بها ليس من صفات المؤمن.
المذيع:
 هل يولد في القلب الحسد، وماذا يدفع ذلك؟

الحسد موجود ولا يقع إلا إذا أذن الله :

الدكتور راتب :
 طبعاً، هذا الإنسان الغافل عن الله إذا ذكر ما عنده من متع، ومن قصور، ومن مركبات فارهة، يولد عند الآخرين حزن، هذا الآخر عندما يحزن يشعر أنه محروم، يوجد قول: من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط. الشعور أنك لا يوجد عندك شيء، يشعرك بالحقد، والحقد يتنامى، المؤمن الفقير يرى الغني متواضعاً، لا يزهو عليه بما عنده، لا يوجد عنده كبر، يحب الغني، يدعو له.
المذيع:
 إذا أنا آمنت أن أحداً حسدني فأصابني بضر في حياتي هل هذا الفهم صحيح؟
الدكتور راتب :
 أنت مادمت وفق منهج الله لا تستطيع جهة أن تؤثر بك، قال تعالى:

﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾

[ سورة البقرة: 102 ]

 أما الغافل فتصيبه سهام الحاسد.
المذيع:
 حتى المتدينين يتعرضون إلى الضر، إلى الأذى، منهم من يقتل.
الدكتور راتب :
 هذا ابتلاء، قال تعالى:

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 30]

 المستقيم ليس سارقاً، ليس زانياً، هناك من حسده، لا بد للمؤمن من كافر يقاتله، ومنافق يحسده.
المذيع:
 الحسد موجود ولكن لن يحصل إلا إذا أذن الله عز وجل بوقوعه.
الدكتور راتب :
 أنا حينما أبقى مع الله دائماً لا يسمح لهذا الحاسد أن تصيبني سهامه.
المذيع:
 ماذا أفعل كي أحمي نفسي من الحسد؟
الدكتور راتب :
 أن أكون مع الله، وكوني مع الله لا أتباهى بما عندي، لا أظهر ما عندي.
المذيع:
 هل من أذكار يحمي المؤمن نفسه بها؟
الدكتور راتب :
 قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس.
المذيع:
 تفضل أخي محمد...
 أريد أن أسأل بخصوص الأدب مع الله، يصير عند أحد الناس مناسبة فيحضرون لفلان مصحفاً، فيضعه بمكان مرتفع، ويصبح منظراً، ولا أحد يقرأ منه، ما رأي الدكتور بموضوع الهجر والهدية؟
تفضلي أختي نهى..
 يصير هناك لغو خلال حديثنا مع الناس لفظ كلمة والله بشكل كثير..

كثرة المصاحف في البيت تعظيم لشعائر الله :

الدكتور راتب :
 والله أنا لا أرى أن هناك مشكلة إن كان بالبيت عشرة مصاحف، للاستعمال والقراءة، في غرفة الضيوف مصحف معلق بطريقة متميزة تعظيماً لشعائر الله..
المذيع:
 أليس المصحف لأن يقرأ ولا يتزين به؟
الدكتور راتب :
 طبعاً ألا يقرأ بمصحف آخر؟ أين المشكلة؟ المصحف الآخر نفس النص والترتيب لا يوجد مشكلة، نصل إلى هذا المستوى يكون قبلها عشرة آلاف بند غير مطبق.
المذيع:
 من يكثر من الحلف بدون قصد والله الأمور تمام...

عدم الإكثار من يمين اللغو :

الدكتور راتب :
 هذه يمين لغو، نعفو عنها أحياناً، ينبغي ألا نكثر منها، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون: 3 ]

 هذه اسمها يمين لغو، أما يقول لك: بكسر الهاء والله، هذا يمين منعقد، وهناك يمين لغو.
المذيع:
 محمد تفضل..
 بجاه سيدنا محمد هل في هذه العبارة شيء؟

من جعل للنبي فعلاً مع فعل الله فقد وقع في الشرك الخفي :

الدكتور راتب :
 إذا توسلت برسول الله وأنت مؤمن إيماناً قطعياً أن الفعال هو الله، وأن المعطي هو الله، والمانع هو الله، والمعز هو الله، لا شيء في ذلك، أما إذا توهمت أن النبي هو الذي يعطي وهو الذي يأخذ، إن جعلت للنبي فعلاً مع فعل الله عز وجل فهذا شرك خفي.
المذيع:
 تفضل أختي نهى...
 أنا أعمل في شركة وأطبع فواتير، اسم المدير يكون على الفواتير واسمه عبد الله، المشكلة نريد أن ننزع هذا الورق ونتلفه وتكون الأوراق كثيرة ثم أضعهم في السلة، أتعب من ذلك.

تجنب رمي الصحف و الأوراق المذكور فيها اسم الله في سلة المهملات :

الدكتور راتب :
 أنا أنصحك أن تشتري فرامة ورق، تعمل الورقة شرائح ضيقة، تذهب الأسماء كلها.
المذيع:
 يكثر أسماء الله في الصحف والأوراق هل يجوز رميها في سلة المهملات؟
الدكتور راتب :
 لا والله، أنا قبل الفرامة أحرقها على السطح ورعاً.
المذيع:
 ما حكم تناول الطعام على الصحف التي فيها لفظ الجلالة؟

حكم تناول الطعام على الصحف التي فيها لفظ الجلالة :

الدكتور راتب :
 والله غير مقبول، لأن الله قال:

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾

[سورة الحج:32]

المذيع:
 كيف يكون تعظيم شعائر الله هل هو شيء قلبي أم محسوس؟

تعظيم شعائر الله بشكل قلبي و عقلي و سلوكي :

الدكتور راتب :
 يجمع بينهما شيء قلبي وعقلي وسلوكي.
المذيع:
 تعظيمنا لأهل العلم.
الدكتور راتب :
 أنا في بيتي لا أضع المصحف تحت والكتب العادية فوق، أنا أرتاح بهذه الطريقة، أضع المصحف في المكان الذي يليق به.
المذيع:
 ماذا عن الأدب مع الله في السخط وفي الرضا، كيف نكون متأدبين مع الله عز وجل؟

التوحيد أكبر أدب مع الله :

الدكتور راتب :
 حينما تؤمن بالتوحيد هذا أكبر أدب، حينما ترى أن الله هو الفعال، هو المعطي، هو النافع، هو الضار، هو المعز، هو المذل، أنت لمجرد أن توحد فأنت مؤدب مع الله، لو أن إنساناً تلقى ضربة بعصا هل يسب العصا؟ العصا أداة، وأنا دائماً أقول: الأقوياء أدوات بيد الله، علاقتك مع الله الذي سمح لهم.
المذيع:
 حسن الظن وسوء الظن بالله كيف نربطهم بملف الأدب مع الله عز وجل؟

كل شيء يقع في الكون أراده الله :

الدكتور راتب :
 لا يمكن لفعل يفعل على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة في القارات الخمس إلا إذا أراده الله، معنى أراده أي سمح به فقط، سمح به لا تعني أمر به، كلامي دقيق، ولا تعني رضيه، طبيب تزوج لم ينجب، مضى عشر سنوات و لم ينجب، ثم أنجب ولداً غاية في الجمال، تعلق به تعلقاً مذهلاً، ثم اكتشف الأب الطبيب أن مع ابنه التهاباً للزائدة الدودية، فسمح أن يذهب للمستشفى، وأن يخدر تخديراً كاملاً، وأن يفتح بطنه، وأن تستأصل هذه الزائدة، سمح به غير أمر به، غير رضيه، فكل شيء وقع في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله.
المذيع:
 حسن الظن بالله كيف نكون به بأدبنا مع الله عز وجل؟

حسن الظن بالله ثمن الجنة :

الدكتور راتب :
 حسن الظن بالله حسن العقيدة هو ثمن الجنة.
المذيع:
 والأدب مع الله في السر والعلانية.
الدكتور راتب :
 أن يستوي سرك مع علانيتك، وداخلك مع خارجك، وما تفعله أمام الناس وما تفعله في بيتك استواء، هذه الحالات دليل الإخلاص لله.
المذيع:
 نختم بدعاء.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اللهم صن وجوهنا باليسار، و لا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك، و نبتلى بحمد من أعطى، و ذم من منع، و أنت من فوقهم ولي العطاء، و بيدك وحدك خزائن الأرض و السماء، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

خاتمة و توديع :

المذيع :
 بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور