وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة البقرة - تفسير الآيات 8-12، الخطر الكبير الذي يهدد المسلمين هو النفاق و المنافقين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السادس من سورة البقرة، ومع الآية الثامنة.

المؤمن والكافر و المنافق:

أيها الأخوة، بيَّن الله جلَّ جلاله في مطلع هذه السورة الكريمة صفات المؤمنين في آياتٍ قليلة، وبيَّن صفات الكافرين في آيتين، وبيّن صفات المنافقين في ثلاث عشرةَ آية، لماذا ؟ لأن المؤمن واضح، والكافر واضح، المؤمن كان جريئاً آمن بهذا الدين العظيم، وقبض الثمن، ضَحَّى قليلاً وأخذ كثيراً، والكافر كان جريئاً ردَّ الحق ودفع الثمن، المؤمن مُنسجم مع نفسه، والكافر منسجم مع نفسه، المؤمن منسجم مع الحقيقة ومع نفسه، الكافر غير منسجم مع الحقيقة لكنه مُنسجم مع نفسه، فالمؤمن واضح والكافر واضح.
لكن الإنسان الخطير هو المنافق، لأنه غامض، له ظاهر، وله باطن، له موقف معلن، وله موقف باطن، له شيءٌ يفعله في جلوته، وله شيءٌ يفعله في خلوته، علانيته ليست كسريرته، فالمنافق خطر، والمؤمن واضح، والكافر واضح أيضاً، المؤمن انسجم مع الحقيقة ومع نفسه، كان جريئاً وقبل الحق، وضحَّى وقبض الثمن، والكافر انسجم مع نفسه فقط، كان جريئاً، ورد الحق، ودفع الثمن، المؤمن كلُّه خير، كله عطاء، كله إكرام، كله إحسان. الكافر شَرُّه محدود لأنه مكشوف، أذاه محدود لأنه ظاهر، الناس يتقونه لأنه كافر.. أما المنافق فخطره كبير، لأنه يوهم المؤمنين أنه مؤمن وهو مع الكُفَّار، لذلك قال تعالى:

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) ﴾

( سورة النساء )

أخذ المنافق ميزات المؤمنين، وعومل كما يُعامَل المؤمنون، أخذ كل امتيازاتهم لأنه أظهر الإيمان، واستفاد من الكُفَّار، وغَشَّ المؤمنين، لذلك فهو في الدَرْك الأسفل من النار، وصف الله المؤمنين في بضع آيات، وفي آيتين فقط وصف الله الكافرين، وفي ثلاث عشرة آية وصف الله المنافقين.

 

النفاق أخطر شيءٍ في حياة المؤمنين :

أيها الأخوة، يبتلي الله عزَّ وجل المؤمنين ابتلاءاتٍ متعددة، يبتليهم فيمنحهم القوة، ويبتليهم فيضعفهم، المؤمنون مبتلَوْنَ حينما يظهرهم الله على أعدائهم، ومبتلون حينما يستضعفون، فإذا كان الابتلاء استضعافاً كَثُرَ الكفار، لأنهم لا يخافون أحداً.. وإذا كان البلاء قوةً كثر المنافقين، و في مكة المكرَّمة لم يكن هناك منافقون، لأن الإنسان يكفر جهاراً، ويتَّهم النبي جهاراً، ويقول: إنه مجنون، وإنه ساحر، وإنه شاعر، وإنه أَفَّاك، وينام مطمئناً في بيته، ولا يناله أحد بأذى، لأن المؤمنين ضِعاف، يكثر الكافرون مع ضعف المؤمنين، أما في المدينة فقد أصبح للمؤمنين شَوْكَة، وهم قوة، لذلك كثر المنافقين، المنافق كافر لكنه رأى من مصلحته أن يَنْضَمَّ إلى المؤمنين صـورةً وأن يتعاون مع الكافرين حقيقةً، لذلك أخطر شيءٍ في حياة المؤمنين النفاق، المؤمن كما قلت قبل قليل واضح، والكافر واضح، المؤمن انسجم مع الحقيقة، ومع نفسه، وكان مصدر عطاءٍ للخلق، والكافر انسجم مع نفسه فقط، لا مع الحقيقة، شره محدود، لأن هويّته معلنة، المؤمن جريء آمن بالحق، وضحَّى، وقبض الثمن، والكافر جريء، ردَّ الحق وكسب بعض المكاسب المؤقَّتة، ودفع ثمنًا باهظاً، لكن المنافق متلوِّن لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء.

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (15) ﴾

( سورة البقرة)

 

من رُقِيّ النفس أن يتهمها صاحبها دائماً بالنفاق:

أيها الأخوة الكرام، من رُقِيّ النفس أن يتهمها صاحبها دائماً بالنفاق، اتهام، قال أحد التابعين الأجِلاَّء: التقيت أربعين صحابياً ما منهم واحدٌ إلا وهو يظن نفسه منافقاً، فالمؤمن يتقلب في اليوم الواحد بأربعين حالاً خشية النفاق، والمنافق يَثْبُتُ على حالٍ واحد أربعين عاماً ولا يشعر أنه منافق، النفاق ازدواج، النفاق حالة من حالات انفصام الشخصية، له شخصيتان، يتظاهر مع المؤمنين بالتقوى والصلاح، ويطرح أسئلة فقهية دقيقة جداً، يسألك مثلاً: حبة سُمسم بقيت بين أسنانه ما حكم صيامه يا أستاذ ؟ تجده ظاهراً يغلي ورعاً، وله معاصٍ كبيرةٌ جدًّاً يغفلها، كلما جلس مع المؤمنين طرح عليهم أسئلة كثيرة، وفتاوى، وقضايا، ليظهر أمامهم أنه مؤمن، وليأخذ امتيازات المؤمنين، وليكسب مكاسِبَهُم، أما هو في الحقيقة فمع الكافرين، يقول الله جلَّ جلاله: ومن الناس من يقول.. بلسانه.. والقول سهل:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ (8) ﴾

والله عزَّ وجل كَذَّبَهُم، فقال:

﴿ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) ﴾

 

الإنسان لا يقيّم بأقواله بل بأفعاله:

لا يقيّم الإنسان بأقواله بل يقيَّم بأفعاله، فكم ممن يقول لك: أنا مؤمنٌ باليوم الآخر، فإذا بحثت في أعماله لم تجد عملاً صالحاً واحداً يؤكِّد إيمانه باليوم الآخر، وإذا بحثت في حياته الخاصَّة لم تجد عملاً واحداً يُنبئُ عن أنَّه يخاف النار، يأكل المال الحرام، يجلس مع نساءٍ لا يحللن له، يعتدي على حقوق الآخرين، على أعراضهم، على أموالهم، إما صراحةً أو ضمناً بالكذب، والغش، والاحتيال، ويحقق مصالحه، ويَدَّعي أنه مؤمن، والإيمان بريءٌ منه، مثلاً استطاع رجل أن يُخَلِّص بيتاً ثمنه سبعة ملايين بسبعمئة ألف، بأساليب ملتوية غير شرعية، وهو يرتاد المساجد. ترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حَجَّةً بعد حجة الإسلام.
فالنفاق أخطر شيء في حياة المؤمنين، ازدواج الشخصية، انفصام الشخصية، موقف معلن، وموقف خفي، شيءٌ يفعله أمام الناس، وشيءٌ يفعله فيما بينه وبين نفسه، سريرته ليست كعلانيته، خلـوته ليست كجلْوته، شيءٌ يفعله في بلده فإذا سافر فعل شيئاً آخر، وكم من امرأةٍ محجَّبةٍ تـراها في الطائرة جاءت من بلدٍ الحجاب فيه إلزامي، فلما ركبت الطائرة خلعت كل شيء، وكأنها لا تؤمن بشيءٍ من الدين، هذا نفاق، يلاحظ الإنسان هذا الازدواج في حياته، إذا كان يفعل فعلاً أمام الناس مقبولاً ويفعل خلافه فيما بينه وبين نفسه، فهذه حالة من النفاق، ولا تنسوا أيها الأخوة أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، أخطر شيءٍ في حياة المؤمن أن تَزِلَّ قدمه إلى النفاق.

أنواع النفاق:

ولكن لا أكتمكم أن هنـاك من النفاق ما هو ضعفٌ في الإيمان، أو ضعفٌ أمام الشهوات، هذا المنافق الذي انطلق من ضعفٍ في اليقين، وضعفٍ في الإرادة، لعل الله سبحانه وتعالى يُعالجه فيأخذ بيده إلى الإيمان، وهناك حالاتٌ كثيرة ممن عاصروا النبي عليه الصلاة والسلام كانوا منافقين فتاب الله عليهم، ولكن النفاق الذي يُنْتَفع به لمكاسب دنيوية ـ كما قلت في الدرس الماضي ـ حينما ينتفع الإنسان بالكفر، وحينما يتخذ الكفر وسيلةً لمكاسب مادية، هذا الكافر يصبح مع الكافرين:

﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) ﴾

والمنافق الذي أصله كافر كفراً اعتقادياً، وكفراً سلوكياً، وهو مع المؤمنين في ظاهره، هذا أيضاً لا ينتفع بأية موعظةٍ يتلقَّاها..

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ (8) ﴾

قول.

 

النفاق تمثيل متقن جداً :

الله عزَّ وجل يقول:

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (19) ﴾

( سورة محمد )

ما قال: فقل، القول سهل، وكل إنسان ذكي، والآن التمثيل في هذا العصر متفوِّق تفوِّقاً كبيراً، فأذكى الأذكياء يُتْقِن التمثيل، وبإمكانه أن يوهمك أنه مؤمن، بكلام، وبحركات، وبسكنات، وبتصرفات، وبمواقف، وما هو كذلك ولا سيما في موضوع الزواج، هو يوهم أنه صالح، تقي، ونقي، وعفيف، و بعد القِران يظهر لك إنساناً آخر، وهي توهمه أنها تحفظ كلام الله، ولها شيخةٌ تأخذ عنها العلم، وتخاف من الله، وتتحجَّب أمامه، فإذا دخل وقتٌ آخر رأيتها امرأة أخرى، فالتمثيل الآن متقن جداً، أي أن الخبرات التمثيلية في أعلى درجة، والتمثيل نفاق في الحقيقة، أوضح شيء أن الممثل قد يأخذ دور إنسان صالح، وهو كذلك، وقد يأخذ دور إنسان سيّئ، وهو كذلك، على كلٍ هناك إتقان للأدوار، فالنفاق، والتمثيل يلتقيان، المنافق ممثل، والنفاق أنواع، والتمثيل أنواع، وهناك تمثيل متقن جداً، وتمثيل غير متقن.
ذكرت لكم مرة أنه تمثيلية في معهد شرعي عن سيدنا بلال، وعن أمية بن خلف: هو مَن عذب سيدنا بلالاً، وكان مالكه في الجاهلية، كيف يعذِّبه ويقول بلالٌ: أحدٌ أحد، فهذا الذي يمثل دور أمية، قال له: لن أرفع عنك العذاب حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، طبعاً تمثيل غير متقن، لأنه قال: صلى الله عليه وسلم، المنافق ممثِّل، ممثل ذكي جداً.

 

أعمال الإنسان تؤكد مكانته:

الآن..

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) ﴾

يقيّم الإنسان من أعماله فقط، أعماله تؤَكِّدُ مكانته، لذلك تجد إنساناً يؤمن بشيء علانيةً، ولكن أفعاله لا تؤكد ذلك، ليس في فعل المنافق فعلٌ واحد، يؤكد أنه مؤمن بالجنة، هو لا يعمل لها.. وليس في فعل المنافق فعلٌ واحدٌ يخاف من مؤمن يؤكد أنه بالنار، لأنه لا يتقيها.. هؤلاء الذين ينغمسون إلى قمة رؤوسهم في المال الحرام أين هي الجنة والنار في حياتهم ؟ والله لو أن الإنسان آمن أن هناك ناراً سيدخلها إلى أبد الآبدين لعدَّ إلى المليون قبل أن يأكل درهماً حراماً، ولو آمن أن هناك حساباً عسيراً..

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) ﴾

(سورة الحجر)

﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) ﴾

( سورة المدثر)

الإيمان عمل و التزام:

حينما لا تجد في عمل الإنسان عملاً يؤكِّد أنه يتقي النار، ولا تجد في عمل الإنسان عملاً يؤكِّد أنه يرغب في الجنة فهذا نوعٌ من النفاق، وحينما تستقر حقيقة الإنسان في قلب المؤمن تُعَبِّرُ هذه الحقيقة عن ذاتها بخدمة الآخرين، يتحرك نحو خدمة الخلق، يحاسب نفسه حساباً دقيقاً، إذاً الإيمان عمل، والإيمان التزام..

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا (72) ﴾

( سورة الأنفال )

الإيمان حركة، لا يوجد إيمان سكوني أبداً، مؤمن ساكن !! مؤمن مقيم على معصية !! ومؤمن لا يعمل الصالحات !! ليس هذا مؤمناً، الإيمان الحقيقي ما أكَّده العمل، الإيمان إقرارٌ باللسان، وعملٌ بالأركان، والإيمان ما استقر في القلب، وصدَّقه اللسان، وأكَّده العمل، قناعةٌ في القلب، وإقرارٌ باللسان، وعمل بالأركان، هذا هو الإيمان، لذلك قوله تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (7) ﴾

( سورة البينة )

ورد أكثر من مئتي مرة قارناً العمل الصالح بالإيمان:

﴿ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (7) ﴾

الله جلَّ جلاله كَرَّم المؤمنين فجعل عدوهم عدواً له وجعل إكرامهم إكراماً له:

﴿ يخادعون الله ﴾

والحقيقة هم يخادعون المؤمنين، لم يؤمنوا بالله إيماناً يحملهم على طاعته، فهم يخادعون المؤمنين، ولكن الله جلَّ جلاله كَرَّم المؤمنين فجعل مخادعتهم مخادَعةً له، وجعل عدوهم عدواً له، وجعل إكرامهم إكراماً له..

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ (53) ﴾

( سورة الزمر)

الياء ياء النسب، هذه نسبة تشريف وتكريم، شرَّف الله المؤمن بأن نسبه إلى ذاته، لذلك المنافق يُخادع المؤمنين فقط، لكن الله عزَّ وجل جعل مخادعة المؤمنين مخادعةً له، فعدوّ المؤمن عدوٌ لله، والذي يُخادعه يخادع الله، والذي يُكْرِمُه يكرم الله، " من أكرم أخاه فكأنما أكرم ربه " ، من أكرم أخاه المؤمن فكأنما أكرم ربه، وهذا أعلى أنواع التشريف..

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

 

من حرم نفسه الخير فقد خدعها:

كيف خدعوا أنفسهم ؟ حرموها الخير، فلو أن إنساناً يوجد معه كيلو من المعدن الخسيس، الرخيص جداً لا يساوي ليرة، أقنع الناس بذكاء وبجهدٍ جهيد، وبحِيَل أن هذا المعدن ذهب، فصدقه الناس، وأكبروا هذه الثروة، من الخاسر، الناس أم هو ؟ طبعاً هو وحده الخاسر، لأنه اطمأن إلى قناعتهم، وهو في الحقيقة لا يملك شيئاً، كذلك المنافق يخدع المؤمنين، ويشعر بنشوة أنه استطاع أن يخدعهم، وأن يقنعهم أنه مؤمن.. وماذا إذا أقنعتهم ؟ أنت لست مؤمناً.. ولا تأخذ من امتيازات المؤمنين شيئاً أقنعتني في النهاية أنَّك تحمل أعلى شهادة، وأنت لا تقرأ ولا تكتب، هل تستطيع أن تنتفع بأميتك ؟ أقنعتني بجلسةٍ عابرة أن معك شهادة عليا، وأنت لا تقرأ ولا تكتب، هل تستطيع أن تنتفع بأُمِّيَّتِك ؟ لا تنتفع بها أبداً، إذاً كيف يخادعون أنفسهم ؟ فالمنافق هو ارتاح عندما أقنع المؤمنين أنه مؤمن، ونجحت الخطة، ولكن ما قيمة هذا النجاح ؟ نجحت خطتك لكنك لست مؤمناً، لن تنجو من عذاب الله، ولا من عقابه.. ولا من تأديبه، لن تنجو من إتلاف مالك، ولا من تأديبٍ في صحتك، ولا من تأديبٍ في أهلك، ما أخذت شيئاً من ميزات المؤمنين، أقنعتهم أنك مؤمن وصدَّقوك، أنت في الحقيقة تخدع نفسك، مثلك كالنعامة حينما يتبعها عدوٌ لها فتغمس رأسها في الرمل، عندئذٍ لا ترى، هل هي ذكيَّة ؟ هي في منتهى الغباء، فحينما غمست رأسها في الرمل فلم تراه، اطمأنت فجاء عدوها، وقد ثبتت في مكانها فأكلها، هل خدعت عدوها، أم خدعت نفسها ؟ طبعاً خدعت نفسها.

علاقة كل إنسان مع الله عز وجل:

الملخَّص أنك إذا استطعت أن تخدع الناس، وأن توهمَهم أنك مؤمن، والناس ببساطة أو بسذاجة صدقوك، وأثنوا على إيمانك، وأنت لست كذلك، فعلاقتك مع الله، وسوف يعرضك الله عزَّ وجل لامتحاناتٍ صعبةٍ ولعقاباتٍ شديدةٍ، ولن تأخذ شيئاً من امتيازات المؤمنين، فمن خدع الآخر ؟ قال الابن لأبيه: أنا أقنعك أن هؤلاء ثلاث دجاجات، وهي في الواقع دجاجتان، قال له أبوه أنا سوف آكل واحدة، وسوف تأكل أمك واحدة، وأنت كُل الثالثة.. كلام فارغ لا معنى له..

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

إنهم ساذَجون، أغبياء، أوهمتني أنك مؤمن وأنت لست مؤمناً، ماذا حققت ؟ علاقتك مع من ؟ مع الله، وأبلغ شيءٍ في هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ))

[ البخاري ومسلم عن أم سلمة]

طليق اللسان، سريع البديهة يقلب الحق إلى باطل، بذكاءٍ بارع.. جاء أحدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقنعه بشيء فحكم له النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:

(( لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ))

[ البخاري ومسلم عن أم سلمة]

لم يستفد شيئاً، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

 

الله عز وجل يحول بين المرء و نفسه و يعلم خواطره و نواياه و بواعثه وأهدافه :

لو دُعيت إلى طعام نفيس جداً، وأنت في درجة عالية من الجوع، فأوهمت الذي دعاك أنَّك أكلت طعاماً أنفس من هذا قبل قليل، فقال لك: إذاً لا تؤاخذني فلا تكثر منه، أنت خدعته أم هو الذي خدعك ؟ ماذا استفدت من هذا الكلام ؟ حرمت نفسك من هذا الطعام، أوهمته أنك أكلت طعاماً نفيساً قبل قليل، وأنت من يومين لم تأكل، والطعام طيِّب جداً، عندما أوهمته فكفَّ هو عن دعوتك إلى الطعام، وجلست أنت تتلوى جوعاً، والطعام النفيس أمامك، من خدع الآخر ؟ أنت خدعت نفسك فقط.

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

هذا هو الغباء بعينه، وهذا هو الحُمق بعينه، لا تتظاهر بما ليس فيك، علاقتك مع الله، لا تخفى عليه خافية، أنت مكشوفٌ أمامه تماماً، خواطرك يعلمها، يحول بين المرء وقلبه، خواطرك، نواياك، بواعثُك، أهدافك، طموحاتك، احتيالك..

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ﴾

( سورة إبراهيم)

علاقة الإنسان مع الله وحده ولن ينجو من عذاب الله إلا بطاعته :

والله أيها الأخوة، أرى كل يوم إنساناً يُقْنِع الناس بشيء، وهو على خلاف ذلك، فيسقط، ولا ينجو من عذاب الله أبداً، ولن ينجو، نقيم حفلاً، عقد قرانٍ، ندعو كل العلماء، والعلماء ببساطةٍ يقفون ويثنون على هاتين الأسرتين الكريمتين الأصيلتين إلخ.. والأسرتان ليستا كذلك، لو أن إنساناً مدحك هل تنجو من عذاب الله ؟ يقولون لك: دعونا فلاناً، وألقى كلمة، وفلاناً ألقى كلمة، فلما صار العرس، نساءٌ كاسيات عاريات، وزِّعَت الخمور، وجيء بالراقصات، وجيء بالمصوِّرين، قبل يومين، عقد الرجال.. أسرتان عريقتان، أصيلتان، والطيبون للطيبات، وبعد يومين النساء كاسيات عاريات، والخمور توزَّع، والراقصات ترقص، وكل المعاصي والآثام في هذا العقد.. أنت حينما أتيت بهؤلاء ليلقوا كلمات ماذا فعلت ؟ أوهمت الناس أنك جيد، أنك صالح، علاقتك مع الله وحده، ولن تنجو من عذاب الله إلا بطاعته، وأما إيهامك للناس أنَّك مؤمن هذا لا يقدِّم ولا يؤخِّر.
تروى طرفة عن شخص دخل على محامٍ.. فكر المحامي أنه إذا أجرى أمام الشخص عدة مكالمات هاتفية يعلو في نظره كثيراً، فاتصل مع شخصيات مهمة، القضية نجحت، القضية نجحت، نجحت، ثم سأل المحامي الشخص عن حاجته، فقال له: لقد أتيت لكي أصل لك سلك الهاتف.. ولأنه لم يكن عنده هاتف !! ممكن أن تتكلم كلاماً، فتتوهم أنك ارتفعت، في الحقيقة سقط الإنسان.

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾

الصدق منجاة من عذاب الله تعالى:

إذا علم المنافق أنه منافق فليس منافقاً، المشكلة أنه لا يشعر، يظن نفسه ذكياً، عاقلاً، شاطراً بالتعبير الدارج، وهو ليس كذلك، لا توهم أحداً بشيء، لتكن علاقتُك بالله صادقة، كن مع الله صادقاً، أَخْلِص دينك يكفك القليل من العمل.
تخلّف سيدنا كعب بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خطر في بال كعب أن يعتذر له كما يعتذر المنافقون، قال: فلما حضر النبي عليه الصلاة والسلام ووقف بين يديه، وقال: والله يا رسول الله لو جلست إلى أحدٍ من الناس لخرجتُ من سخطه، فقد أوتيت جدلاً..(و أنا طليق اللسان ومعي حجة).. ولكنني أخشى أن أرضيك اليوم كذباً، فيسخِّطُك الله علي، وأرجو إن صدقتك اليوم أن يعفو الله عني، رأى الله وحده، ما أراد أن يخدع رسول الله، ثمانون منافقاً أعطوه حججاً قويةً، وأعذاراً قويةً، والنبي استغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فلما جاء كعب وكان صادقاً معه فقال: أما هذا فقد صدق، بكلمة أما هذا فقد صدق فكل هؤلاء الذين اعتذروا أمامه، وقَبِل اعتذارهم في الظاهر، ووكل سرائرهم إلى الله، ولم يكونوا صادقين، قال: أما هذا فقد صدق، الصدق منجاة، فكن صادقاً، وليس معنى ذلك بأن تفضح نفسك، لست مكلفاً أن تفضح نفسك، ولكن لا تظهر بشيء خلاف ما أنت عليه، واسأل الله السلام، واسأل الله الستر..

﴿ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾

مرض.

 

حبّ الدنيا رأس كل خطيئة :

حدَّثْتُكم في الدرس الماضي أن متاعب أمراض القلب تبدأ بعد الموت، وإلى أبد الآبدين.

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

( سورة الشعراء)

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾

حب الدنيا مرض، حب الدنيا يعمي ويصِم، حب الدنيا رأس كل خطيئة، لكن ليس من حب الدنيا أن يكون لك بيت تشتريه بمالك الحلال، ليس هذا من حب الدنيا، وأن تحب أن تقترن بامرأةٍ صالحة، ليس هذا من حب الدنيا، و أن تحب أن يكون لك دخلٌ حلال، ليس هذا من حب الدنيا، حب الدنيا ما حملك على العدوان، وعلى أخذ ما ليس لك، على أن تعتدي على أموال الآخرين، وعلى أعراضهم، وأن تنافس الناس على الدنيا، وأن تحطِّمَهُم من أجل مصلحتك، هذا هو حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة..

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾

تفاقم أمراض النفس لأن الإنسان في الأساس حركي ديناميكي:

تتفاقم أمراض النفس لأن الإنسان في الأساس حركي.. ديناميكي.. إن عمل عملاً طيباً قاده لعملٍ أطيب، وإن عمـل عملاً سيئاً قاده لعملٍ أسوأ.. نظرةٌ، فابتسامةٌ، فسلام، فكلامٌ، فموعدٌ، فلقاء..

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا (32) ﴾

( سورة الإسراء )

﴿ لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ (21) ﴾

( سورة النور )

فالإنسان حركي فإذا مرض قلبه فإن هذا المرض ينقله إلى مرضٍ آخر، مثلاً يوجد في قلبه مشكلة، أدوية القلب تَرَكَت قرحةً في المعدة، فمرض القلب نقله إلى مرضٍ في المعدة، تطورت القرحة إلى ورمٍ خبيث في المعدة.. انظر بدأ بمرض في القلب فانتقل إلى المعدة ثم انتقل إلى ورم خبيث، هذه الحالات كثيرة جداً.. المرض ينتقل إلى مرض أشد دائماً، حتى في المركبات إذا كان هناك خطأ ينتقل لخطأ أكبر، فرضاً إنسان هبط ضغطه، فإذا بقي الضغط منخفضاً ست ساعات فإن الكلية تتوقف، كان بالضغط أصبح بالكلية، هذه طبيعة الأمراض، الأمراض تتفجَّر من مرض إلى مرض، ارتفع السكر.. فقد بصره.. ارتفع السكر.. خثرة في الدماغ.. سببت الخثرة شللاً، الشلل سبب تقرحاً في الجلد..

 

حياة الكافر سلسلة انفجارية:

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (10) ﴾

من مرض إلى مرض، كان بالنظر فأطلق البصر، إطلاق البصر نقله إلى الحديث اللطيف مع الجنس الآخر، نقله الحديث إلى لقاء، واللقاء انتهى به إلى الزنا، والزنا انتهى به إلى السجن، ثم إلى مرض الإيدز، بدأ من نظرة.. هكذا سمعت أن سائقاً ركبت معه امرأة.. سألها: إلى أين ؟ قالت له: إلى حيث تشاء، فهِم، وعدَّ هذا مغنماً كبيراً، وبعد أن انتهى أعطته رسالةً، وظرفاً فيه مال، فتح الظرف.. وجد خمسة آلاف دولار.. ورسالة مكتوب فيها: مرحباً بك في نادي الإيدز، نقلت له المرض، ذهب ليصرف المبلغ، فإذا هو مزور، فأودِع في السجن.

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (10) ﴾

حياة الكافر سلسلة انفجارية، يأكل مالاً حراماً، يسرق، يتورَّط مع السرقة إلى جريمة قتل، حكموه ثـلاثين سنة.. انتهى.. بدأ بالسرقة وانتهى بالقتل، لا يُصلي، طَلَّق زوجته لسبب تافِه، طلقها وعنده خمسة أولاد.. هي أصرت ألا ترجع.. ذهبت إلى أهلها، واعتصمت بهم، بقي أولاده بلا مربية، كان في شيء، وصار في شيء آخر، الكافر أعمى، والمنافق أعمى ينتقل من طور إلى طور، حياته كلَّها متفجِّرات، وألغام..

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (10) ﴾

 

الكذب أكبر صفة تُهلك الإنسان :

معنى آخر:

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾

وهو حب الدنيا..

﴿ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا (10) ﴾

حينما أصرَّوا عليها أطلقهم الله إليها، كانت شهوةً بإمكانهم أن يتوبوا منها فصارت واقعاً..

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) ﴾

عذاب أليم، فأكبر صفة تُهلك الإنسان هي الكذب، ورد في الحديث الصحيح:

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

[أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه ]

لا يمكن للمؤمن أن يكذب أبداً، ولا أن يخون، قد يُخْطئ المؤمن فهو مذنب توَّاب، أما أن يكذب فلا.. أن يخون مستحيل..

(( ألا لا إيمان لمن لا أمانةَ له، ولا دين لمن لا عهد له ))

[رواه البغوي عن أنس رضي الله عنه ]

﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) ﴾

عذابهم أليم لأنهم يخدعون الناس..

 

الخطر الكبير الذي يهدد المسلمين هو من أدعياء الدين لا من أعداء الدين :

الحقيقة أيُّها الأخوة: من أين تأتي الأخطار للمسلمين ؟ من أنفسهم، لأن الحق لا يتعدد، والحق واحد، مستحيل أن تقع معركةٌ بين حقَّين أبداً، فالحق لا يتعدد، وإن وقعت معركةٌ بين حقٍ وباطل، فالمعركة قصيرة جداً، لأن الله مع الحق، أما بين باطلين فإن المعركة لا تنتهي، وأكبر خطر يُهَدد المسلمين ليس من أعداء الدين.. فأعداء الدين مكشوفون.. وإنما الخطر هو من أدعياء الديّن ـ المنافقون ـ.
الأخطار التي أهلكت المسلمين ليست من أعداء الديّن، بل من أدعياء الديّن، والأعداء أيُّها الأخوة أعداء المسلمين في العالَم، ولاسيما في العالَم الغربي كشفوا أن هذا الديّن أقوى وأكبر من أن يُواجَه، ماذا فعلوا ؟ أرادوا أن يفجِّروه من داخله عن طريق المنافقين، فكل إنسان يغيِّر في عقيدة المسلمين، يُحل لهم الحرام، يحرِّم عليهم الحلال، يُبتدع في الدين شيئاً ما أنزل الله به من سلطان، هذا منافق يفجِّر الديّن من داخله، والآن الخطة واضحة جداً ومكشوفة، يحاول أعداء الديّن أن يفجِّروا حياة المسلمين من داخلهم، كم من أعمالٍ إرهابية ما فعلها المؤمنون، ولكن فعلها المنافقون ليُّشوِّهوا سمعة الدين، وليجعلوا المسلم إرهابياً، وهو أبعد الناس عن هذه الصفة أبداً، دائماً يتهددنا الخطر من المنافقيّن، هؤلاء يندَّسون بين المؤمنين، ويفعلون ما لا تُحمدُ عُقباه، والحديث عن هذا الموضوع طويل، فكم من أعداء ألِدَّاء للدين تزيّوا بزي المؤمنين، وفعلوا أعمالاً إجرامية أُلصقت بالمؤمنين، هذا سلوك واضح متكرر مكشوف، لذلك الخطر الكبير الذي يهدد المسلمين ليس من أعدائهم، فأعداؤهم مكشوفون،..الحـق لا يتعدد.. إنما هـو من المنافقين الذين يرضون المؤمنين..

المؤمن يقرِّب و يصل والمنافق يبعد ويقطع:

مثال ذلك: إذا قلنا قولهم:.. القرآنٌ الكريم، إنه كلام رب العالمين، لكن قطع اليد وحشية، لا بدّ من وسيلة ردعٍ أخرى غير قطع اليد، ماذا فعلوا ؟ هدِّموا أحكام القرآن، هل غاب عن الله عزّ وجل أن هذه الوسيلة وحشية، ولا بدَّ من وسيلة أخرى ؟ أي حينما يتزيّا الإنسان بزي الدين، ويهاجم القرآن، يهاجم السنة، يهاجم رسول الله بشكل أو بآخر، إما بادعائه الموضوعية، أو بالبحث العلمي الدقيق، أو بالنظرة الحضارية، هذا منافقٌ يهدِّم الدين بمعولٍ خطير تحت هذه الأغطية المضحكة، وهو لا يشعر، لذلك فالخطر القاسي الذي يهدد المؤمنين هو من أدعياء الدين لا من أعداء الدين، وللإمام الشافعي كلمة تناسب هذا المقام يقول: " لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق بالدين ".
الارتزاق بالرقص ارتزاق، ولكن الراقص لا يُقتدى به أبداً، أما هذا الذي يرتزق بالدين يوهم الناس أنه مؤمن، يوجِّه النصوص لمصلحته، يأخذ المال الذي لا يحق له أن يأخذه، يعطي أسوأ سمعةٍ للناس حول الديّن، فإذا انصرف الناس عن الدين فبسبب هذا الإنسان المنافق الذي نفَّر الناس من الدين، المؤمن يقرِّب، والمنافق يبعد، المؤمن يصل، والمنافق يقطع، المؤمن يحبِّب، والمنافق ينفِّر، المؤمن يوصل، المنافق يقطع..

﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (27) ﴾

(سورة البقرة: آية " 27 " )

المؤمن يَقَرِّب، المنافق يُبَعِّد..

 

مهمة المنافق دائماً إفساد النفوس و البيئة :

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) ﴾

هذا الماء غير فاسد، لأنه لا لون له، ولا طعم، ولا رائحة، كيف نفسده ؟ إذا غيَّرنا لونه، أو طعمه، أو رائحته، وإفساد الشيء إخراجه عن صفاته الأساسية، إفساد الفتاة إخراجُها عن العِفَّة والحياء، إفساد الموظَّف إخراجه عن خدمة المواطنين، إفساد القاضي إخراجه عن العدل، إفساد الطبيب إخراجه عن النصح للمريض، إفساد المُحامي أن يكذب على موكِّليه، إفساد المدرِّس أن يعطي المعلومات الصغيرة في وقتٍ مديد، أي لم يعلمهم شيئاً، أخذ مبلغاً من المال ولم يُعلِّم شيئاً، فكل حرفة، وكل شخصية، وكل هوية لها طريقٌ قويم، ولها طريقٌ فاسد، فالمنافق يريد شهوات الدنيا فيفسد المرأة بإغرائها أن تُسْفِر، وأن تعرض مفاتنها للناس في الطريق، يُغْري إنساناً أن يأخذ المال الحرام، (عندك أولاد والناس كلّها هكذا ).. أفسدهم، فالمنافق مهمَّته دائماً إفساد النفوس، أو حتى إفساد البيئة، إفساد الهواء، إفساد الماء..

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ (11) ﴾

الإنسان مأمور أن يزيد الصلاح صلاحاً:

الحقيقة الإنسان مُكلَّف أن يزيد الصلاح صلاحاً، مثلاً: بئر ماء هناك احتمال أن يتهدم، ننزل فيه قميصاً معدنياً، فالبئر صالح للاستخدام لكنك زدته، المؤمن يزيده الصلاح صلاحاً، أما لو أبقيته كما هو ما أفسدته، أما لو هدمته فقد أفسدته، صار هناك إفساد، وعدم إفساد، وأن تزيد في الصلاح، المؤمن مُكَلَّف أن يزيد في الصلاح فإذا أفسد فقد أفسد مرتين، مرة لأنه تَركَ الفساد، ومرة لأنه أفسد الشيء، وأنت في الأصل مأمور أن تزيد الصلاح صلاحاً، فالمؤمن يصلح بين الناس، يصلح البيئة.
قبل خمسين عاماً كما أذكر كان الناس يشربون من هذه الأنهار، نهر يمشي في دمشق، وماؤه يُشْرَب، ما كان أحد يجرؤ أن يلقي فيه شيئاً، الآن تُصب كل المجاري في الأنهار، وازن بين نبع بردى وبين مصبه، ما الذي طرأ عليه في سيره إلى مصبه ؟ روافد كلُّها مياه سوداء، فإفساد الشيء إخراجه عن صفته الأصيلة، فهذا إفساد للماء، إفساد للمزروعات بهذه الهرمونات، فالمزارع يهمُّه الربح يرش هرموناً محرَّماً يمنع استيراده، فيأتي به تهريباً، ويرشه فيصبح الإنتاج بحجم أكبر، وألوان أزهى، ولكن هذا الهرمون مُسرطن، هذه المبيدات كلُّها تُمَلِّح التربة، وتسبب أمراضاً للنباتات، وأمراضاً للإنسان، وأما العلف فهناك طحين لحم الجيف والدم المجفف، وهي أشياء محرَّمة بالأساس، سبب جنون البقر، جنَّ البقر من جنون البشر، أطعموا البقر طحيناً.. لحم الجيف.. فماذا حصل ؟ اضطروا أن يحرقوا ثلاثة عشر مليون بقرة، ثمنها ثلاثة وثلاثون مليار جنيه إسترليني، أفسدوا اللحوم، أفسدوا الهواء، حتى هذه المحطات الكثيرة جداً في الهواء تُسَبِّب فساداً في الاتصالات، الأمراض تأتي للإنسان من كثرة هذا البَثْ في الهواء، الضجيج، الماء الملوَّث، التربة الملوَّثة بالملوحة الزائدة، وبالمبيدات الكيماوية، كل ذلك لماذا ؟ لأن هدف الإنسان الربح فقط..

حب المال يجعل الإنسان يفسد في الأرض :

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾

المرض حبُّ المال، من أجل حب المال نفعل كل شيء، لذلك يغيرون خلق الله عزّ وجل، هل من الممكن أن تضع مادة في بعض المواد الغذائية، وهي مادة كيميائية محضة لا يقبلها الجسم لتُبَيِّض هذا الإنتاج فيزداد سعره ؟.

 

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (10) ﴾

حب المال جعلهم يفسدون هذا الإنتاج..

﴿ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) ﴾

طبعاً يصلحون جيوبَهم، يصلحون معيشتهم وحدهم، ويبحثون عن مصالحهم الضَيِّقة.

 

كل منافق يرى ربحه هو الصلاح ولو على حساب كل شيء:

أخواننا الكرام، أول صفةً للمؤمن أنَّه يُصلح والمنافق يفسد، بمطلق معنى هذه الكلمة: يُفسد كل شيء، يفسد علاقةً بين زوجين، علاقةً بين شريكين، علاقةً بين جارين، علاقةً بين أمٍ وابنها، علاقةً بين ابنٍ وأبيه، مهمَّة المنافق دائماً إفسادُ العلاقات، مهمة المنافق تحقيق الربح ولو على حساب إفساد البيئة، يُفسد البيئة، ويفسد الهواء، ويفسد الماء، ويفسد المزروعات، ويفسد الصناعة، ويبث الأفكار غير الصحيحة إفساداً للعقائد، يُفسد العقيدة، يُفسد علاقة الإنسان بالله عزَّ وجل، يغريه بأشياء محرَّمة.. (ما فيها شيء يا أخي أنت عايش خارج العصر )؟ يجب أن تتنوَّر، أن ترى ماذا يجري في العالَم، ركب لك صحناً ؟.. لئلا تبقى منعزلاً عن العالم، فإذا دخل الصحن إلى البيت صار شيءٌ آخر، ربما ترك الصلاة، ربما فعل المُنكرات، ربما طلَّق زوجته، طبعاً لم تعد تعجبه، فلذلك الإفساد واسع ؛ إفساد عقائد، إفساد أخلاق، إفساد علاقات، إفساد بيئة، إفساد صناعة، إفساد زراعة، إفساد ماء، إفساد هواء..

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ (11) ﴾

هم وَقِحون يركبون رؤوسَهم، يقولون:

﴿ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) ﴾

يرى الصلاح في الفساد، يرى ربحه هو الصلاح ولو على حساب كل شيء..

﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) ﴾

المؤمن مُبارك يجمع ولا يُفَرِّق، يُصلح ولا يُفسد:

المؤمن مُبارك يجمع ولا يُفَرِّق، يُصلح ولا يُفسد، يقرِّب ولا يُبَعِّد، يحبب ولا ينفر، دمَغَهم ربنا عزّ وجل عندما قال :

﴿ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) ﴾

وفي درسٍ آخر إن شاء الله تعالى نتابع صفات المنافقين، صفات المنافقين دقيقة جداً، ويجب أن نعلمها بدقةٍ بالغة لئلا تزل أقدامنا إلى بعض هذه الصفات، المؤمن ينجو، والكافر شرُّه محدود لأنه مكشوف لكن الخطر من المنافقين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور