وضع داكن
28-03-2024
Logo
قوانين القرآن الكريم - الدرس : 21 - قانون الهجرة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

قانون الهجرة:

 

 أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس السنن الإلهية في القرآن الكريم، والقانون اليوم هو قانون الهجرة.

1 – آيةٌ قرآنية أصلٌ في موضوع الهجرة:

 هذا القانون إن صح التعبير الأصل فيه هذه الآيةُ، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) ﴾

( سورة النساء )

 

2 – الهجرة انتقال وحركةٌ:

 أيها الإخوة الكرام، النقطة الدقيقة أن الهجرة انتقال من مكان إلى مكان، والبشر جميعاً في شتى بقاع الأرض، وفي شتى العصور ينتقلون، فإن تنقلت من مكان إلى مكان فأنت مهاجر، ولكن الآية الكريمة قيدت الهجرة في سبيل الله، لأن الهجرة قد تكون في سبيل الدنيا، أو في سبيل الشيطان، فإن كانت من أجل الأموال كي تنفق في المباحات فهي في سبيل الدنيا، وإن كانت من أجل المعاصي والآثام فهي في سبيل الشيطان، فالانتقال يكون عبادة من أرقى العبادات، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((... وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا ))

[ مسلم ]

3 – لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن...:

 لكن لئلا يتوهم إنسان أن الصحابة الكرام الذين تألقوا وارتقوا عند الله، وبلغوا أعلى مرتبة بهجرتهم، فباب الهجرة بين مكة والمدينة أغلق بعد فتح مكة، تذهب إلى العمرة، وتركب النقل العام من مكة إلى المدينة، وتسمي نفسك مهاجرا، هذه انتهت، لكن باب الهجرة مفتوح بين كل مدينتين، في أي مكان في العالم يشبهان مكة والمدينة، أي أن المكان الذي لا تستطيع أن تعبد الله فيه ينبغي أن تتركه، ما الدليل ؟ قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ (97) ﴾

( سورة النساء )

4 – لابد من الهجرة من بلاد تُمنع فيها عبادة الله:

 إذا مُنعنا من أن نمارس الشعائر الإسلامية، مُنعنا من أن نصلي، مُنعنا أن نحجب فتياتنا، مُنعنا أن نفعل كذا وكذا، أو كنا في بلاد فيها تشديدات تفوق حد الخيال على أي شعيرة دينية، فإذا دخل إنسان إلى المسجد مرة واحدة لا بد من أن يساءل أمنياً.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ (97) ﴾

( سورة النساء )

من معاني الاستضعاف في الأرض:

 

المعنى الأول:

 

 

 وقد وقف بعض العلماء عند كلمة ( مستضعفين )، قد تكون ضعيفاً، ولا تستطيع أن تؤدي العبادات، والبلد الذي يرفع شعار ( لا إله )، وهو في المعسكر الشرقي السابق، البلد مبدأه ( لا إله )، إذاً: لا مسجد، ولا كنيسة، ولا معبد، ولا صلاة، ولا أي شيء يمتّ إلى الدين بصلة، فإذا كنت مستضعفاً في بلد قمعي يكافح أي اتجاه ديني، ولأنك مخلوق لعبادة الله، ولأن علة وجودك أن تعبده فلابد أن تهاجر منه.
 مثلاً: لو أنك طالب فقير، وذهبت إلى بلد غربي من أجل أن تأخذ الدكتوراه، ولا أمل لك في الحياة إلا بهذه الدكتوراه، وأنت مستعد أن تعمل في الحراسة، وفي المطعم، وفي أصعب الحِرَف مقابل، أن تنتسب إلى الجامعة كي تنال الدكتوراه، فإذا لم تُقبَل في الجامعة هل هناك من معنى لبقائك في هذا البلد ؟ إن علة وجودك أن تلتحق بالجامعة، فإذا مُنعتَ فلا وجه لبقائك في هذا البلد، يقاس عليه أن علة وجودك في الدنيا أن تعبد الله، فإذا مُنعتَ أن تعبد الله فيوم القيامة سوف تحاسب أشد الحساب إن لم تهاجر إلى بلد تعبد الله فيه.

﴿ فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ (97) ﴾

( سورة النساء )

 ماذا كان الرد الإلهي ؟

﴿ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) ﴾

( سورة النساء )

 في بعض البلاد لا تستطيع أن تربي أولادك على منهج الله، الحياة إغراءاتها أقوى من أية دعوة إسلامية، المعاصي الكبيرة فيها، والفحشاء كشربة الماء، لذلك حينما تكون في بلد الدخل فيه وفير، والبلاد جميلة، والإنسان يتمتع بحريات مذهلة، وأي شيء خطر في بالك يكون أمامك باتصال هاتفي، لكن لا تستطيع أن ترعى أولادك، ولا أن تربيهم تربية صحيحة، إذاً: أنت ممن ينطبق عليهم هذا الحُكمُ القرآني.
شاهد أب مع ابنته شابا في سريرها، كونه مسلما فيه بقية حمية، وبقية مروءة، وبقية غيرة رفع صوته، فلما رفع صوته اشتكت ابنته عليه، وسيق إلى المركز، وكتب تعهدا بألاّ يلجأ ثانية لرفع الصوت، لأن هذا الذي معها في الغرفة ضيفها، وجاء بدعوة منها.
 الحديث طويل بهذا المعنى، فلذلك حينما تكون في بلد لا تستطيع أن تعبد الله فيه فالآية تقول:

﴿ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)﴾

( سورة النساء )

المعنى الثاني:

 بعضهم قال: كلمة ( مستضعفين ) لا تعني أننا مقموعون فقط، فقد تكون في بلد فيه حرية، لكن الشهوات فيه مستعرة، والفتن يقظة، وأكبر معصية تتم في الشارع وفي حديقة أمام الناس، بلا حرج وبلا خوف وبلا حياء، فمثل هذه الأماكن ربما لا يستطيع الإنسان أن يضبط نفسه فيها، فلذلك طوبى لمن وسعته السنة، ولم تستهوه البدعة.

 

الموازنة بمعيار الآخرة لا بمعيار الدنيا:

 أنا أقول دائماً للإخوة الكرام المقيمين في بلاد الغرب: لا توازن بين بلد مستقر اقتصادياً من مئتي سنة، كل شيء مؤمن، وحريات الإنسان بأعلى درجة، بلاد جميلة جداً، وأنيقة جداً، والخدمات عالية جداً، والحقوق مصونة جداً، وبين بلد نامٍ يعاني ما يعاني، وازن بين الدنيا والآخرة، لأن الإنسان وكنت أقول هذا في تلك البلاد:لو بلغت منصباً في كالرئيس كلينتون، وثروة كثروة أوناسيس، وعلماً كعلم إينشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
 إن أكبر مشكلة يعاني منها من عاش في بلاد الغرب أولاده، وقد قال لي إنسان مقيم في سيدني: ابني كاد يسحقني، كلما قلت له: يا بني هذا حرام، يقول لي: لماذا حرام ؟ هذا عيب، لماذا عيب ؟ في مثل هذه البلاد مصير الإنسان في هذه الآية:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)﴾

( سورة النساء )

5 – لابد أن تكون الهجرةُ في سبيل الله:

 

 الحركة حركة، فإما في سبيل الله، أو في سبيل الشيطان، إما من أجل الدنيا أو من أجل الآخرة، ولحكمة بالغة جعلت بعض البلاد التي يمكن أن تكون أقدر على تربية أولادك فيها من بلاد أخرى فيها متاعب كثيرة، كما أن الحلال جعله الله صعباً، والحرام سهلا، لو كان العكس لأقبل الله على الحلال لا حباً في الله، ولا طاعة له، ولا رغبة في الآخرة، ولكن لأنه أسهل.
 أيها الإخوة الكرام، الآية الأولى:

﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (100) ﴾

( سورة النساء )

 ما دفعه على الهجرة إلا الحفاظ على دينه، وعلى دين أولاده، ودين أهله، ومستقبل أولاده، والفتنة أشد من القتل.

تربية الأولاد في بلاد الغرب وأدٌ لهم:

 ماذا كان يفعل العرب في الجاهلية ؟ كانوا يَئِدون بناتهم، بنت كالوردة تحفر لها حفرة، وتوضع في الحفرة، ويهال عليها الرمل، وهي تنادي: يا أبت، يا أبت، حتى إن الله عز وجل قال:

﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) ﴾

( سورة التكوير)

 هذه البنت قُتلت، أما لو أن إنساناً ربى ابنته على التفلت، ترتدي ثيابا فاضحة، تبرز هذه الثياب كل مفاتنها، تلتقي مع من تشاء من الشباب، تسهر مع من تشاء، وقد تدخل إلى أي بيت دون قيد أو شرط، وقد تقع في الفاحشة، وهذه البنت فُتنت بالفواحش والآثام، يوم القيامة أيهما أشد عذاباً تلك التي وئدت وهي صغيرة أم التي فتنت وهي كبيرة ؟ الجواب في القرآن الكريم:

﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (191)﴾

( سورة البقرة)

فلذلك أيها الإخوة، بقاء المسلم في بلد المسلمين يجعل عنده ضمانات، لا أقول: ليس هناك أخطار، بل إنّ العولمة جعلت العالم كله بلدة واحدة، و الأخطاء بأي بلد انتقلت إلينا.
 لكن من باب التحفظ أقول: قدرتك على تربية أولادك في بلاد المسلمين أكبر من قدرتك على تربيتهم في بلاد أخرى، الابن له عمه وخاله وأقرباءه، وهناك جامع فيه خطبة، وعلاقات إسلامية، وبقية مروءة، وبقية حياء، وبقية خجل، وبقية تستر، والبيئة أقرب إلى الدين من هناك، لكن مع التواصل الثقافي والإعلاني وثورة المعلومات الفساد منتشرا في شتى بقاع الأرض.

وعدٌ إلهيٌّ على شكل قانون:

﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً (100)﴾

( سورة النساء )

 هذا وعد إلهي وقانون، لمجرد أنك هاجرت في سبيل الله.
 حدثني أخ من تركيا قال لي: هربنا في عهد الذي أراد أن يلغي الإسلام كلياً، هربنا مشياً على الأقدام إلى الشام، أقسم لي بالله عنده خمسة وثلاثون بيتا في الشام.

﴿ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً (100)﴾

( سورة النساء )

 يجد سعة يرغم بها أنف مَن لامه على السفر.

بلاد الإسلام الفقيرة خيرٌ من بلاد الكفر الغنية:

 

 إن كثيرا من أبطال يكونون في أوج نجاحهم في الغرب، بأمريكا بأوربا، كبر أولادهم وبناتهم، لكن حرصه على أولاده كبير، فينهي علاقاته، ويصفي أعماله، ويبيع ممتلكاته، ويأتي إلى بلده حتى يعاني ما يعاني منه، لكن له أجر كبير، وهناك فترة حرجة من سنة إلى سنتين ينتقل نقلة مزعجة جداً من مكان مريح إلى مكان فيه متاعب كثيرة، لكن الله طمأنك فقال:

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ (28) ﴾

( سورة التوبة )

 هناك فترة حرجة لما يأتي المهاجر فيجد الأمور صعبة، البيت صعب تأمينُه، وأسعاره غالية، والقوانين معقدة، وفيها تعقيدات وروتين.
ذهب أحدهم إلى بلد غربي أحب أن ينشئ معملا، قال لي: والله صعقت، طولب بوثيقتين فقط، تصريحين، أول تصريح أن يوفر بعض فرص العمل، والتصريح الثاني أن يتعهد بعدم تلويث البيئة، وأعطوه أرضا، كلُّ دُنُمٍ أُجرتُه في السنة مارك واحد، اطلب خمسين دنما بأجرةِ خمسين مَارْكًا في السنة.
هناك بلاد نامية يمكن أن لا يرى الرخصة قبل أن يموت، هناك صعوبات إدارية، وعقبات توضع، وهناك أناس لهم مصالح في العقبات.
أنا أقول لإخواننا الكرام: لا توازن بين بلد غربي متقدم ينعم بالمن مئتين سنة ومستقر استقرار دقيق وبين بلد نامٍ.
 صدقوا أيها الإخوة، ولا أبالغ، أنك حينما تأتي إلى الشام، وتقبّل أرض هذا البلد، مع أن فيه متاعب لا تعد ولا تحصى، فإنك لا تعرف قيمة هذا البلد إلا إذا تركته، هنا في روحانية، وجوامع ممتلئة، وأذان، وعندنا كلمة ( عيب )، وكلمة ( لا يجوز )، كلمات فيها رحمة، فترى الواحد منا مؤمنا، له طموحات أن يهدي  مَن حوله، له طموحات أن يقرأ كتابا، أن يتقرب إلى الله، أن يصلي قيام الليل، حتى يصل إلى الجنة.
 والله يا أيها الإخوة الكرام، لا تظنوا أن المسلمين هناك سعداء، لا والله، إنهم يعيشون في ملل، وفي ضجر، مع أن المادة متوفرة بشكل يفوق حد الخيال، ولحكمة بالغة الله جعلنا في بلد إسلامي، وأقول لك بصراحة: فينا بقية حياء، وبقية مروءة ووفاء، ومحبة، ورحمة، وماديا عندنا شيء بسيط، ومع ذلك نسعد به.

 

﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ (100) ﴾

 

( سورة النساء )

 هناك شاب في أمريكا سمع دروسي، لكنه سمع كمية كبيرة من الدروس، فكر، وقال: هذه الدروس تعني أن أعود إلى الشام، وكان في أوج نجاحه، استقال من عمله، وباع أثاث بيته، بيته بالأجرة، وجمع أمواله، وجاء إلى الشام، في رابع يوم مات بحادث، فوقع أجره على الله، هذا اليوم يوم ؛ وفاته قد يكون هناك أو هنا، ولما كان هنا أراد أن ينجو بدينه من هذه البلاد.
 حدثني طبيب أيضاً سمع دروسي بأمريكا قال: دروسك ملخصها: أن أعود إلى الشام، جاء إلى الشام، وفتح عيادة، كأنك في أمريكا، عيادات بأحدث الأجهزة، بعدما تمت، وعلى وشك أن يفتحها زارني في البيت، وقال: أنا بحسب دروسك فهمت أنه لا بد من أن أعود إلى بلدي، أنا عدت، وهذه بطاقة العيادة، وافتتاحها بعد يومين، وأتمنى أن تكون معي، وكنت معه، حدثني بعد فترة قال: أنا أحكّم المريض المسلم فأشعر بوفاء لهذا البلد، لأن لحَ كتفي من خير هذه البلد، فهل من المعقول أن يكون علمي لغير أبناء هذا البلد ؟! قال: أشعر براحة كبيرة وأنا أعالج أناسا بحاجة إلى علمي.
 في ولاية واحدة في أمريكا خمسة آلاف طبيب سوري معهم بورد، وفي ألمانيا ثلاثة وسبعمئة، في برلين فقط معهم بورد، لما يأتي الطبيب ليقيم في الشام تكون أمريكا انتقلت إلى الشام، لأنه ذو علم، وأقلّ عملية تكلفةً هناك تحتاج إلى مليوني ليرة سورية أو ثلاثة، فكأن هذا المواطن وصل إلى أعلى درجة من العلم دون أن يسافر.
إذا لم تؤمن بالآخرة فافعل ما تشاء هناك، وإذا آمنتَ بالآخرة فهنا أفضل لك، هذا هو المقياس الصحيح، وقد ترى بعضهم ممن تضعف صلتُه ببلده، ثم ينتقد أمته، ثم يحقد عليها، ثم يصل إلى الدين، يقول: ليس معقولا أن في هذا الزمان !!!
أنا أصف لكم التفلت هناك، لذلك اشكروا الله عز وجل لأنه خلقنا في هذه البلاد.

 

(( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ ))

 

[ أحمد ]

هي خير بلاد المسلمين للمسلمين يومئذ، ما من جامع فيما حول سورية يتواجد فيه هذا العدد، وقد سافرت كثيرا إلى بلاد الغرب يأتي الناس إلى المسجد بصعوبة، هنا إقبال على الدين، والله في رمضان عندنا عرس في الشام فلذلك الدنيا تنتهي.
 مرة كنت أمشي في منطقة في أمريكا اسمها ديترويت، وهي بلاد جميلة جداً، رأيت مقبرة، فأنا قلت: هل تموتون أنتم ؟ قالوا: طبعاً، قلت: إذًا أنتم مثلنا، نحن نموت أيضاً، ما دام هناك موت انتهى الأمر، الموت ينهي كل شيء، ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، وغنى الغني، وفقر الفقير، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم، وذكاء الذكي، فإذا مات الإنسان مؤمنا فقد كسب الأبد، وربح الآخرة، ربح الجنة، وإذا مات على المعصية، ولا سيما في بلاد غير المسلمين فقد خسر الآخرة:

﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)﴾

( سورة الحج)

 الهجرة بابها مفتوح بين كل مدينتين يشبهان مكة والمدينة بالضبط.

الهجرة في سبيل الله لها مقام عظيم عند الله:

 

 أيها الإخوة الكرام، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جِئْتُهُ:

(( مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ ))

[ الترمذي ]

 المهاجر له مقام في الدين، وأحيانا تكون مصالحك في هذا البلد، ويقتضي دينك أن تغادره إلى بلد آخر، فكأنك اقتلعت من جذورك.
الإنسان الساكن في الشام، له بيت، ومعارف، وأي شيء يأتيه بالهاتف، وأي مبلغ يأتيه قرضا، انتزع من بيته، وألقي في شارع من شوارع مدينة بإفريقية، ما معه ثمن طعام، الهجرة ليست سهلة، الهجرة اقتلاع من الجذور.
النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء أحد الصحابة وصف له مكة في الربيع فبكى النبي، اشتاق إليها، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت.
محبة البلد شيء طبيعي في الإنسان، لكن الدين أغلى، وعلة وجودك أن تعبد الله، فأيّ مكان حال بينك وبين أن تعبده يجب أن تغادره، وأيّ مكان وأيّ زمان حال بينك وبين أن تعبد الله فينبغي أن تغادر هذا البلد.
أيها الإخوة الكرام، الهجرة في سبيل الرحمن ممتعة ومسعدة.
الله عزوجل جعل للهجرة هذا القانون:

 

﴿ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً (100) ﴾

 

( سورة النساء )

 لكن الهجرة في سبيل الشيطان فيها خسارة في الدنيا والآخرة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور