وضع داكن
27-04-2024
Logo
الأسماء الحسنى - الدرس : 24 - اسم الله الحق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو ( الحق ) وقبل أن نشرح بعض تفاصيل هذا الاسم لا بد من مقدمة.

الحق موجود

 ببساطة بالغة معك آلة كهربائية ذات نفع عظيم، لكنها تعمل على الكهرباء، وفيها شريط، توجهت، ووضعت الشريط في مأخذ كهربائي، فلم تعمل، فتوجهت إلى مركز آخر، ووضعت الشريط في هذا المأخذ، فعملت، نقول: المأخذ الأول باطل، والثاني حق، الأول ليس فيه كهرباء، والثاني فيه خط ساخن، الحق هو الشيء الموجود، موجود، وثابت، وهادف.

 

الحق موجود

 إن الجامعة بنيت لتبقى، وأهدافها كبيرة، تخريج قادة للأمة، لكن ( السيرك ) خيمة نصبت لتزول، والأهداف عابثة، الفرق بين سيرك وجامعة فرق كبير، بناء الجامعة بني ليبقى، أما خيمة ( السيرك ) فأقيمت لتزول، هدف الجامعة هدف نبيل، تخريج علماء، قادة، أطباء، هدف السيرك هدف عابث، لعب وتسلية.

 

 

الحق ثابت مطابق للواقع

 كلمة حق الشيء الثابت، لو تألق ضوء في لوحة البيانات في مركبتك ففسرته تألقاً تزيينياً، هذا تفسير باطل، لأنه لا يطابق الواقع، ولو فسرته تفسيراً تحذيرياً فهذا التفسير حق، حرب أهلية نشبت في بلد لها تفسير طائفي باطل، ولها تفسير عربي باطل، لها تفسير دولي باطل، لها تفسير قرآني حق، قال تعالى:

 

 

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾

 

[ سورة النحل: الآية 112]

 هذا التفسير حق، الحق ما كان موجوداً، والحق ما كان مطابقاً للواقع، والحق ما كان مستمراً، والحق ما كان هادفاً، الله عز وجل وعْده حق، بمعنى أن وعده واقع لا محالة، لكن وعد الشيطان باطل، قال تعالى:

 

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾

 

[ سورة إبراهيم: الآية 22]

وعد الله حق، ووعد الشيطان باطل،

الحق مستمر

 جدار أنشأناه وفق الشاقول، هذا الجدار حق، جدار أنشأناه من دون شاقول، فكان مائلاً، هذا الجدار باطل، لأنه سوف ينهدم، كل شيء يستمر حق، يستمر ويستقر، الحق ما استمر، وما استقر، والباطل له جولة، ثم يزول، لذلك الباطل هو الزائل، والدليل:

 

﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 81]

 أي باطل لو عاش سبعين سنة، دولة عظمى عندها أسلحة نووية كافية لتدمير خمس قارات خمس مرات، لكن مبدأها باطل، بنيت على إنكار الذات الإلهية، لا إله، عندنا لا إله إلا الله، لكن عندهم لا إله، عاشت سبعين سنة، وهي أقوى دول العالم، وفيها أسلحة مخيفة، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ً﴾

 

 

[ سورة الإسراء: الآية 81]

 هناك دولة إسلامية سابقاً أرسلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي طلاباً ليتعلموا العلم الشرعي في دمشق، تعلموا العلم الشرعي، وعادوا إلى بلدهم، وقدموا طلباً لإعطائهم بناءً لمعهد شرعي، لبوا طلبهم، وأعطوهم مركز الحزب الذي يدعو أنه لا إله، فكانت معجزة أن هذا البناء الذي أنشأ لينشر الإلحاد صار معهداً شرعياً.
في بلد شمال إفريقيا أنشئت به أربعة آلاف كنيسة، حينما كان مستعمراً من قبل فرنسا، وهذه المعابد كلها الآن مساجد، فالحق الشيء الثابت.
 أنت مثلا ذاهب الآن إلى حلب، فقطار حلب بالنسبة إليك حق، أما قطار درعا باطل، قطار درعا قطار، لكنه باطل، لا يوصلك إلى مكان لك فيه مصلحة، أن تدعو الله فدعاؤك حق، أن تدعو غيره دعاؤك باطل، أن تتجه إلى الله اتجاهك حق، أن تتجه إلى غيره اتجاه باطل، هناك اتجاه ودعاء وتفسير وتعليل وتصوير وتوضيح.
بشكل دقيق: الحق ما طابق الواقع، وله دليل، ومن أدق تعريفات العلم: هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل،

 

الحق واقع

 الآن نقول نحن: وعد الله حق، أي أنه واقع، قال تعالى:

 

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ً﴾

 

[ سورة النور: الآية 55]

 هذا وعد حق، لكن الشيطان:

 

﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً ﴾

 

[ سورة النساء: الآية 120]

 لا يوجد عنده شيء

 

الحق أي شيء يوصلك إلى الله ، وأي شيء يبعدك عنه فهو باطل

  معنى ذلك أيها الإخوة الكرام أن في هذا الكون حقيقة واحدة، هي الله، وأي شيء يوصلك إليه فهو حق، وأي شيء يبعدك عنه فهو باطل، وأي تفسير بأن الله عز وجل موجود فيه حق، وأي تفسير للذات الإلهية بعيدة عنه فهو باطل.
 لو توهمت أمة ضعيفة أنها إذا طبعت علاقاتها مع دولة قوية، وهذه الدولة القوية ألزمتها بتنازلات كبيرة جداً، هذه الدولة القوية وعودها باطلة، لأنها لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً، أما إذا وعدك الله بالنصر مقابل أن تستقيم على أمره فهذا الوعد حق، فأية قضية، أي تفسير، أي توجه، أي تعليل، أي تصوير، أي تحليل، أي وصف يطابق الواقع، والواقع خَلْقُ الله يطابق منهج الله، يطابق ما سمح الله لك به أن تفعله حق، وأي شيء آخر باطل، فكل بطولة الإنسان أن يعتقد حقاً، وأن يصدق صادقاً، وأن يسعى لهدف كبير فهو على حق، والذي يسعى لمتعة طارئة هو على باطل.
 مرة رئيس وزارة في فرنسا انتحر، أكثر من مئة صحفي علل هذا الانتحار، ثم تبين أنه كان يؤمن بلا إله، فلما تبين له بعد سبعين عاماً أن الله موجود احتقر نفسه، بطولة المسلم أنه مع الحق، الله موجود، وكل شيء يحصل ورد في القرآن، والقرآن الكريم يفسر كل شيء تقريباً، فلذلك أيها الإخوة الكرام، أنت حينما تؤمن بالله تؤمن بالحق، وحينما تؤمن بالجنة تؤمن بالحق، وحينما تؤمن بالنار تؤمن بالحق، وحينما تؤمن بملائكة يسجلون تؤمن بالحق، وحينما تؤمن بشيطان يوسوس تؤمن بالحق، وحينما تؤمن أن الذكاء وحده لا قيمة له تؤمن بالحق، فلا بد من توفيق الله لك.

 

 

الحق شيء متصل بالله، والباطل متصل بالشيطان

 إذاً قضايا الحق والباطل قضايا حاسمة الحق الشيء الموجود والمستقر والمستمر، العاصفة طارئة، أما البحر فموجود دائماً، أما هياجانه فطارئ، الشيء الموجود والمستقر والمستمر والهادف، والباطل الشيء الزائل والطارئ والعابث، لذلك أكثر الآيات:

 

 

﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾

 

[ سورة الأنعام: الآية 73]

 يعني أن الحق لابس خلْق السماوات والأرض، وأن هذا الكون وجد ليبقى، أما التحول فيكون في يوم القيامة، تحول من حال إلى حال، لأن الله عز وجل يقول

 

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 185]

 النفس البشرية تذوق الموت، ولا تموت، لأنها من روح الله، بينما التفسير الآخر أنه ليس بعد الموت حياة هذا تفسير باطل، كلمة باطل غير صحيح، كلمة باطل غير موجود، كلمة باطل زائل، كلمة باطل عابث، هذا الباطل،

 

معظم النشاط البشري الآن باطل

 

 

 قد تجد دار قمار ليست مسعدة، بالعكس تخرِّج منتحرين

هو الداء الذي لا برء منه  وليس لذنب صاحبه اغتفار
تشاد له المنازل شاهقات  وفي تشييد ساحتها الدمـار
نصيب النازلين بها سهاد  وإفلاس فيأس فانتحـــار
***

 هذه المؤسسة، البناء الضخم، الصالات الضخمة، هذه باطل كلها.
 دخل رجل مسلم في أمريكا إلى دار قمار، وخسر في ليلة واحدة اثنين ونصف مليون دولار، خسر كل ثروته، ذهب إلى بيته فأطلق النار على زوجته وأولاده الخمس، ثم أطلق النار على نفسه، كتب ورقة قال فيها: ليغفر الله لي.
 في بلد مجاور بناء على البحر، الصالة فيه كلفت ثلاثين مليون دولار، أيضاً ماذا يخرج ؟ مفلسين أو منتحرين، أما الجامعة فقد يكون بناؤها متواضعاً وقديماً، لكنها حق، ماذا تخرّج ؟ علماء، أطباء، مهندسين، محامين، أدباء، مترجمين، فلذلك أيها الإخوة الكرام، الحق شيء متصل بالله، والباطل متصل بالشيطان، الحق موجود، والباطل غير موجود، الحق مستقر، الباطل إذا وجد فهو مضطرب.
 ضع كرة فيها قطعة رصاص من الداخل، ودحرجها، لا تستقر إلا وقطعة الرصاص في الأسفل في أثناء دحرجتها، فمادامت قطعة الرصاص بالأعلى فالوضع غير مستقر، متقلقل، فالحق موجود، ومستقر، ومستمر، وهادف، والباطل غير موجود، وإذا وجد فهو مؤقت مضطرب وعابث، هذا تعريف للباطل، والحق جامع مانع، فهناك تفسير باطل، وهناك تفسير حق.
 أحياناً من أجل هدف حقيقي، وهو الاستمتاع بالمرأة تُطرح آراء، أن المرأة نصف المجتمع، يجب أن تبرز مفاتنها، هذا من حقها، من حقها كإنسان، من حقها ألا تأتمر بأمر زوج، أن تسافر من دون إذن زوجها، أن تختار عملاً تريده، كل هذا الكلام باطل، لأن وراءه رغبة بأن تكون متعة، وليست شريكاً في الحياة، بل يستمتع بها في المكاتب، في أي مكان، هذا تفسير باطل، لأن وراءه رغبة آثمة مغطى بكلام براق صحيح، إذاً موضوع الحق الشيء الموجود الثابت المستقر المستمر الهادف، والباطل إذا وجد فوجوده طارئ، إن للباطل جولة، ثم يضمحل، وإذا وجد فوجوده مضطرب، وإذا وجد فوجوده عابث، ليس وراءه طائل، لو قست نشاط الإنسان، والنشاط البشري الآن بهذا المقياس معظمه باطل، تصورت مئة ألف متفرج يتابعون كرة، إذا دخلت في مكان تقوم الدنيا ولا تقعد، ماذا فعلنا ؟ ماذا قدمنا ؟ الشيء الخطير الآن أن الكرة أصبحت دينًا.
مرة كنت أنتقل من مكة إلى جدة بالسيارة، فالسائق متألم ألماًَ لا حدود له من انهزام فريق يحبه، والله في أثناء الطريق يحدث زميله أنه كاد يخرج من جلده، كيف هذه الكرة دخلت في الهدف المعادي.
مرة ملِك، ظن النزاع على كرة، فقال: أنا أعطي كل واحد كرة، وأنهوا هذه القضية.
 ترى هناك جهدًا عابثًا لا طائل منه، واللهِ أعلم لما تقيس الأعمال بالآخرة فهناك سعادة أبدية، صار عندك ميزان، أما جمع الطوابع، وإذا جمعت الطوابع لو قست هذه الهوايات بمقياس الحق والباطل تراها عبثًا، عبث واضح جداً، دراسة لشاعر أكلت معه ثماني عشرة سنة، وهو شاعر غزلي، ما أبعاد شعره الغزلي ؟ وماذا يقصد من وصف المرأة بهذه الصفة ؟ ترى عمرًا مديدًا يذهب سدى، قال تعالى:

 

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾

 

[ سورة الفرقان: الآية 23]

﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 81]

 طبعاً أمثلة كثيرة جداً، لو أردت أن تقيس نشاطات البشر التي ليست إنسانية ولا أخلاقية ولا متعلقة بالآخرة، نشاطات دنيوية تجد شيئًا مضحكاً، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون مع الحق، وأن نبتعد عن الباطل.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور