وضع داكن
20-04-2024
Logo
الأسماء الحسنى - الدرس : 06 - اسم الله السلام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

الشّر المطلق والشّر النسبي :

 أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى إنه اسم السلام .
 أيها الأخوة ، من تعريفات اسم السلام أنه ذو السلام ، أي ذو السلامة ، أي أن ذاته العلية سلمت من كل العيوب ، وأن صفاته سلمت من كل النقائص ، وأن أفعاله سلمت من كل شر ، هذا التعريف الأول لاسم السلام ، ذاته سلمــت من كل العيوب ، وصفاته سلمت من كل النقائص ، وأفعاله سلمـــت من كل شر .
 ولكن أليس في الأرض شر ؟ أليس في الأرض حروب ؟ أليس في الأرض أمراض ؟ أليس في الأرض فقر ؟ أليس في الأرض جفاف ؟ أليس في الأرض فواحش ؟ فكيف نجمع بين ما في الأرض من شرور وجرائم وظلمات وبين أن ذاته العلية سلمت من كل نقص وصفاته سلمت من كل عيب وأفعاله سلمت من كل شر ؟
 أيها الأخوة ؛ هذا يقتضي أن نفرق بين الشر المطلق والشر النسبي ، فالشر الذي تراه أعيننا شر نسبي موظف للخير المطلق .

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾

[ سورة آل عمران : 26 ]

 لم يقل : بيدك الخير والشر ،

﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾

  لأنه إيتاء الملك خير ، ونزع الملك خير ، لكن الخير في المآل لا في الحال ،

﴿ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ﴾

 الإعزاز خير ، والإذلال خير آجل ، وهذه سماها العلماء النعم الباطنة .
 أخواننا الكرام ؛ حينما صنعت السيارة لماذا صنعت ؟ من أجل أن تسير ، لماذا وضعت فيها المكابح مع أن المكابح تناقض علة وجودها ؟ وجدت لتسير ، والمكابح توقفها ، المكابح من أجل سلامتنا ، والمصائب كالمكابح من أجل سلامة البشر ، ولولا المصائب التي تصيب الناس لوجدت أن 99% من الناس هلكى إلى النار ، ولكن هذه المصائب تردع .

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 21]

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة الروم : 41]

(( ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يغفر الله أكثر ))

[ابن عساكر عن البراء ]

 إذاً سلمت ذاته من الشر المطلق ، الشر المطلق الشر للشر .
 إنسان نضعه على طاولة ، نعطيه المخدر ، نأتي بالمشرط ، فنشق جلده ، ونصل إلى الزائدة الدودية الملتهبة التي كان لا ينام الليل منها ، ونستأصلها ، ونخيط الجلد ، ونضمد الجراح ، وبعد أن ينتهي مفعول التخدير يصيح من الألم ، هل هذا شر مطلق أم شر نسبي ؟ شر نسبي من أجل راحته ، من أجل سلامته ، من أجل حياته .
 أخواننا الكرام ؛ لا يمكن أن نفهم الشر في الأرض إلا هكذا ، شر من أجل الخير ، أما أن يكون الشر للشر فهذا لا يتناقض مع رحمة الله فحسب ، بل يتناقض مع وجود الله .

كل شيء في جسم الإنسان من أجل سلامته :

 أيها الأخوة ؛ المعنى الثاني أن اسم السلام يعني أنه ذو السلامة لعباده ، والحديث في هذا الباب يطول كثيراً ، نأخذ بعض الشواهد : العظم يُكسر ، الإنسان حينما يولد ينمو عظمه، فإذا وصل إلى حد معين توقف النمو ، من الذي أوقف هذا النمو ؟ هو القابض الباسط، لولا أن يقف النمو لكان هناك مرض خطير هو العملقة ، وقف النمو ، كُسرت الرجل ، الخلايا نائمة ، تستيقظ بعد أربعين عاماً وتلتئم وحدها ، إذاً نظام التئام العظام ، نظام ترميم العظم ، نظام رجوع الخلايا العظمية ، ثم استيقاظها من أجل أن تلتئم ، هذا من أجل سلامة الإنسان ، إذاً هو السلام .
 الإنسان يمشي ، قدمه لطيفة بفضل جهاز التوازن الذي في أذنه ، هل يمكن أن يقف ميت على قدمين ؟ مستحيل ، أما الإنسان الحي فيقف بفضل جهاز التوازن ، قنوات نصف دائرية ثلاثة ، فيها سائل ، فيها أهداب ، الإنسان إذا مال السائل يأخذ وضعًا مستويًّا تماماً ، فإذا مال الإنسان ارتفع السائل في جهة ، ومسّ أهداباً معينة ، فأشعر الدماغ أنه اختل التوازن ، فيعيد التوازن ، بهذه الطريقة لك رجل لطيفة ، لولا جهاز التوازن لاحتجتَ إلى رجل قطرها حوالي سبعين سنتمتراً كالتماثيل التي توضع في المحلات التجارية لتعرض عليها الألبسة ، انظر إلى قاعدتها عبارة عن سبعين سنتمتراً ، وإذا مشيت في الطين صارت كل رجل وزنها ثمانية كيلو غرام ، انظر إلى الله اللطيف ( السلام ) ، ذو سلام لك .
 في العظام أعصاب حس ، لماذا ؟ لأن الإنسان إذا كُسرت رجله أو يده من شدة الألم الذي يتولد من عصب الحس تبقى يده على حالها ، هذه أربعة أخماس العلاج ، هذا أيضاً من اسم السلام .
 الشعر والأظافر ليس فيها أعصاب حس ، جهاز المناعة المكتسب جيش ، خلايا بيضاء استطلاع ، خلايا بيضاء تصنع السلاح ، خلايا بيضاء تقاتل ، خلايا بيضاء شعبة الهندسة ترمم ، وتنشئ الجسور ، وتنظف أرض المعركة ، وفرقة المغاوير هذه من أجل أن تلتهم الخلية السرطانية في وقت مبكر ، هذا الجهاز من أجل سلامتنا ، وهذا الجهاز الآن شغل العالم الشاغل ، لأن الانحلال الأخلاقي والشذوذ يعطل هذا الجهاز .
 لو استأصلنا كلية وتسعة أعشار الكلية الثانية ، عشر الكلية الواحدة يكفي لتنقية دم الإنسان من حمض البول ، كم معك من الاحتياطي ؟ أحدث المركبات معها عجلة احتياط واحدة، في الكليتين عشرون ضعف احتياط من أجل سلامتك .
 الشرايين من الداخل ، الأوردة من الخارج ، من أجل سلامتك ، لو أن الشرايين من الخارج ، والأوردة من الداخل ، والإنسان أصابته ضربة سكين لخرج دمه في ثوانٍ .
 حدثني أخ طبيب قال لي : قوة دفع الدم ، لو فتحنا شريانًا ينطلق الدم اثني عشر متراً ، فكل الشرايين داخلية ، وكل الأوعية التي ترونها خارجية لكن يوجد وعاء واحد هنا من أجل أن تقيس نبضك ، هذا الشريان هنا ، وعاء صغير ، من أجل أن تقيس النبض .
 شيء لا يصدق ، الدماغ موضوع في صندوق عظمي ، وبين الصندوق والدماغ سائل ، والنخاع الشوكي موضوع بسلسلة الظهر ، الفقرات ، والرحم بين عظام الحوض ، وهذا مكان مكين .

﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾

[ سورة المؤمنون : 13]

 والعين ضمن محجر ، لو أن العين على الجبين كم من طفل ينجو بعينه ؟ ولا واحد، لو وقع على وجهه ، العين في مكان أمين ، القلب في القفص الصدري ، الدماغ في الجمجمة ، والنخاع الشوكي في العمود الفقري ، وأخطر معامل بالإنسان معامل الكريات الدم الحمراء في نقي العظام ، والرحم في الحوض ، والعين في المحجر ، والقلب قي القفص الصدري ، من أجل سلامتك .
 والله أيها الأخوة ؛ الحديث في هذا المجال لا ينتهي ، كل شيء في جسمك من أجل سلامتك .
 في العين ماء ، مادة مضادة للتجمد ، من أجل أنك إذا ذهبت إلى بلاد بعيدة والحرارة صفر أو دون الصفر من أجل ألا يتجمد ماء العين أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد ، من أجل سلامتك ، إذاً هو ذاته سلمت من العيوب ، وخلقه من أجل السلام الذي يتمناه الإنسان لنفسه .
 النبات ، لو أنك امتنعت عن أن تسقي شجرة ، تستهلك ماء الأوراق أولاً ، وكأنها تقول لك : أنا عطشى اسقنِي ، فإذا لم تسقِها تستهلك ماء الأغصان ، فإن لم تسقها تستهلك ماء الفروع ، فإن لم تسقها تستهلك ماء الجذع ، فإذ لم تسقها تستهلك ماء الجذر ، آخر ماء تستهلكه ماء الجذر ، لو أن الآية معكوسة ، ونسي الفلاح أن يسقي الشجرة مدة يومين تموت ، ينساها شهرًا أحياناً آخر ماء تستهلكه الشجرة ماء الجذور ، إذاً الله عز وجل ذو السلام، الآن أنت ما علاقتك بهذا الاسم ؟ إن دعوته يعطيك سبل السلام ، السلام مع نفسك ، والسلام مع أسرتك ، والسلام مع الآخرين ، والسلام مع من حولك ، والسلام بصحتك إن دعوته ، وإن طبقت شرعه يهدِك سبل السلام .

المؤمن في سلام ما دام مطبقاً لمنهج الله :

 أخواننا الكرام ؛ المؤمن في سلام ، ما دام مطبقاً لمنهج الله فهو في سلام ، في راحة، ما كذب ، ما غش ، ما أكل مالاً حراماً ، لا يوجد عنده مشكلة ، طبق منهج الله ، فسلمت سمعته، وسلم جسمه ، وسلمت أسرته ، اختار زوجة مؤمنة ، سلمت حياته الزوجية من النكد الزوجي ، ربى أولاده تربية صحيحة ، سلم من عقوق الأولاد ، فإن دعوته منحك السلام ، وإن ذكرته منحك السلام ، وإن طبقت منهجه منحك السلام ، السلام مع نفسك ، ومع الخلق ، ومع الله عز وجل .

القلب السليم هو أعظم عطاء من الله في الدنيا وهو سبب السلامة والسعادة :

 لذلك :

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

[ سورة الشعراء:88-89]

 القلب السليم هو أعظم عطاء تناله من الله في الدنيا ، هو سبب سلامتك وسعادتك الأبدية ، والقلب السليم القلب الذي لا يشتهِي شهوة لا ترضِي الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يحتكم إلا لشرع الله ، ولا يعبد غير الله ، الله عز وجل هو :

﴿ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ ﴾

[سورة الحشر : 23 ]

 السلام ، إن أطعته فأنت في سلام ، وإن ذكرته فأنت في سلام ، وإن دعوته فأنت في سلام ، وفي سلام يبدأ من نفسك ، وينتهي إلى ربك ، فالسلام ذو السلامة ، سلمت ذاته من العيوب ، وصفاته من النقائص ، وأفعاله من الشرور ، وذو السلامة لعباده ، بخلقه وبأمره ، وإذا قلت : السلام فاعلم أن طريق السلام عند الله ، هذه كلمة يتبجح بها بعضهم ، لكن السلام الحقيقي أن تكون مع السلام ، سلامتك ، وسلامة جسمك ، وسلامة سمعتك ، وسلامة زوجتك ، وسلامتك أهلك ، وسلامة أولادك ، وسلامة عملك في طاعة الله عز وجل .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور