وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 86 - سورة البقرة - تفسير الآيات 258-260 ، الحجج والمعجزات والإعجاز العلمي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

إذا حاورت إنساناً فابْدَأ بحجةٍ قويةٍ لا ردَّ عليها :

أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس السادس والثمانين من دروس سورة البقرة، ومع الآية الثامنة والخمسين بعد المئتين، وهي قوله تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

يعلمنا ربنا عز وجل أنك إذا حاورت إنساناً فابْدَأ بحجةٍ قويةٍ لا ردَّ عليها، وسيدنا إبراهيم بدأ بهذه الحجة..

﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾

جاء الملك برجلين، كما تروي الروايات، فقتل أحدهما وعفا عن الآخر، فالذي قتله أماته، والذي عفا عنه أحياه، هذا الملك المتألِّه، تأوَّل الحياة والموت على طريقة شرحها لمَن حاجَّه، لإبراهيم عليه السلام، فما دام متأولاً فالحوار لا ينتهي معه إلى يوم القيامة، والحوار بين متأولين لا ينتهي إلى يوم القيامة، أنا أقصد كذا وكذا، فأجابه الثاني: أنا أقصد كذا وكذا، نقاش مستحيل، الطريق مسدود، فلما تأوَّل هذا الملك المتألِّه أنَّ الإحياء هو العفو، والموت هو القتل، سيدنا إبراهيم لم يقصد ذلك، قَصَدَ أنّ واهبَ الحياة هو الله، وأنّ الذي ينهي الحياة هو الله، فالموت يحتاج إلى خلق، قال تعالى:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك: 2 ]

فالحياة تحتاج إلى خَلق، والموت يحتاج إلى خَلق، والله جل جلاله الحيُّ القيوم هو حيٌ باقٍ على الدوام، يَهَبُ الحياة لكل مخلوق، (ربي الذي يحي ويميت).

 

النبي إبراهيم عندما رأى الملك متأولاً جاءه بموضوعٍ غير قابل للتأويل :

هذه الشجرة مَن أوْدع فيها الحياة؟ تكون في الشتاء يابسةً، فإذا جاء فصل الربيع وسقاها الله بالمطر العميم اهتزت وربت، أزهرت فأورقت فأثمرت، هذه الحياة، هذه البقرة مَن وهَبهَا الحياة؟ تأكل هذا الكلأ فتعطيك حليباً هو الغذاء الأول للإنسان، لكن حينما تموت البقرة تصبح جيفةً، ماذا فقدت؟ فقدت الحياة.
إذاً، واهب الحياة هو الله، وخالق الموت هو الله، هذا الملِك المتألِّه تأوّل الحياة على أنها عفوٌ عن مقتول، والموت إيقاع القتل بالإنسان، ماذا فعل هذا النبي الكريم؟ لما رآه متأوِّلاً ترك الموضوع، وجاءه بموضوعٍ غير قابل للتأويل..

﴿ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾

قال:

﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾

أيُّ مؤمنٍ لا يكون إيمانه قوياً إلا إذَا كانت معه حجة :

أيها الأخوة؛ حينما يقول الله عز وجل:

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهَِ ﴾

[ سورة الأنعام: 83 ]

إبراهيم ذو حجة، قياساً على هذه الآية، وأيُّ مؤمنٍ لا يكون إيمانه قوياً إلا إذَا كانت معه حجة، وإذا لم يستطِع المؤمن أنْ يحاور كافراً، أو مدعياً بنظرية ما، معنى ذلك أنّ إيمانه ضعيف، فالمؤمن الذي لا يصمد أمام كافر إيمانه ضعيف، لا بد من أن تمتلك حجةً قوية، لا بد أن ترى الحقائق ناصعة، لا بد من أن تمتلك إجابة عن كل سؤال تقريباً حتى تكون مؤمناً، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، ولو اتَّخذه لعلَّمه.

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾

[ سورة الأنعام: 83 ]

رجل كان من علماء الرياضيات المُلْحدين في أمريكا، له قصة عجيبة، عكف على القرآن الكريم فقرأه، وبعد حوارٍ طويل مع نفسه أعلن إسلامه، وهو الآن داعية، وصار يصلي في المسجد بعد أن أسلم، رآه صديقٌ له غير مسلمٍ، فقال: ما هذه الصلاة التي تصليها، إنك تستمع إلى قراءة باللغة العربية، وأنت لا تفقه هذه اللغة، فما معنى صلاتك؟ فأجابه: إنّ هذا الطفل الذي ولد لتوِّه، يشعر بنشوةٍ حينما تضمُّه أمُّه إلى صدرها، فماذا يفهم من لغة أمِّه؟ إنّه لا يفهم شيئاً، والمؤمن إذا أوى إلى المسجد، وإذا أوى إلى الله عز وجل، فكما يأوي هذا الطفل الصغير إلى صدر أمه، فأسكته بهذه الحجة، رآه بعض أصدقائه يصلي في الصيف، والكتف إلى الكتف، فقال له زميل له معترضاً: الجوُّ حارٌّ لِمَ هذا الالتصاق ببعضكم بعضاً، تباعدوا؟ قال: إن الله عز وجل يحب أن نكون متصلين به، وفي الوقت نفسه نشعر بمَن حولنا، واللهُ يحبُّ أنْ يعيش الإسلامُ مع المجتمع.
أنا ما قصدت من هذين المثلين أن يكونا مثلين صارخين، ولكن مِن المستحيل أن يؤمن الإنسان إيماناً حقيقياً إلا ويهبه الله عز وجل الحجة، يهبه الحجة القوية، فإنسان مؤمن لا يصمد أمام مبتدع، أمام مُنكر، أمام إنسان شارد، إنسانٌ ليس معه حجة، ما هذا الإيمان؟!! أنت مع الله، أنت مع العليم، أنت مع الحكيم، لا بد من أن تكون لك حجة تدلي بها.

 

الله عز وجل علّم الإنسان كيف يجري الحوارَ بالبحث عن حجةٍ لا تُؤَوَّل :

قال تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾

التقيت مرة بإنسان من اليابان، حدثته عن هذا الدين، قال: إن الله ظلمنا، لأن هذا الدين باللغة العربية، ونحن ولدنا في اليابان ولا نفقه من هذه اللغة شيئاً، إذاً نحن قد ظُلِمنا، قلت له: لماذا تعلمت اللغة الإنجليزية؟ قال: من أجل التجارة، قلت: إذا أردت الحقيقة، وأن تصل إلى الجنة فتعلَّمْ اللغة العربية كذلك، فأنتَ من أجل كسب المال تعلَّمتَ لغة أخرى.
إنسان يقول لك: هناك مفتٍ أفتى لي في هذا الموضوع، أقول له: لو أن عندك بيتاً هل تبيعه لأول مشتري، أم تسأل أناساً كثيرين؟ لماذا اكتفيت بهذه الفتوى؟ فما مِنْ حجة يأتي بها أهل الدنيا إلا وهناك حجة تدحضها وتردُّها.
أيها الأخوة... على كلٍّ فقد علّمنا الله عز وجل كيف نجري الحوارَ، ابحث عن حجةٍ لا تُؤَوَّل، عن حجة لا تُرَدُّ..

 

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*﴾

قصة نبي الله عزير :

قال الله عز وجل:

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾

قال المفسرون: إنه سيدنا عزير أحد أنبياء بني إسرائيل، مرّ على قرية، وقالوا: هي القدس، وهي خاوية على عروشها، دمرت هذه المدينة وهجرها أهلها، ولم يبق منها إلا الهياكل، أنقاض، فقال سيدنا عزير:

﴿ قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾

قرية مهدمة، أنقاض، بيوت متداعية، كيف يُعاد بناءُ هذه القرية؟ فقال الله عز وجل:

﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾

قالوا: إنه مات بعد شروق الشمس، وبُعِثَ قُبيل غروبها..

﴿ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ﴾

تصور أنه نام بعد الشمس، واستيقظ قبل غروب الشمس..

﴿ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾

قال: لبثت يوماً، فلما رأى الشمس لم تغب بعدُ، قال: أو بعض يوم، وقد لبث مئة عام.

 

الآية التالية من آيات الدالة على عظمته :

قال الله له:

﴿ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾

طعامك الذي كان في حوزتك، وشرابك الذي كان في حوزتك هو هو؛ طازجٌ بخضرته، وزهوته، وطراوته، وكل صفاته التي تركته عليها.

﴿ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ ﴾

حمارهُ كومةٌ من العظام..

﴿ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ ﴾

عظام الحمار..

﴿ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً ﴾

هذه العظام تجمَّعتْ، وتشكَّلتْ، وتراكبت فكانت هيكلاً كاملاً، ثم جاء اللحم فكساها، وجاء الجلد فكسا هذه العضلات، وهذه آية من آيات الدالة على عظمته.
أخواننا الكرام؛ في تفسير هذه الآية لا بد من توضيح، هذا الكون كون مُعْجِز بوضعه الراهن، وفق قوانينه، وفق سننه، وفق معطياته، كون معجز، وهو يدل على الله عز وجل دلالة ما بعدها دلالة، ولكن لحكمة أرادها الله عز وجل جَعلَ بعض آياته في خرق هذه القوانين، هذا الكون من دون أن تخرق قوانينه معجزة، هذا الكون في وضعه الراهن معجزة، وإذا خرقت قوانينه معجزة، وخرق العادات لا يقبل عادةً، لأنّ الإنسانَ لم يألفه، لكنه يقبل عقلاً، لأن الذي خلق هذه القوانين هو الله، والذي قنَّنها هو الله، والله عز وجل في أيّة لحظةِ يعدِّلها أو يبدِّلها أو يغيِّرها..

 

المعجزة غير مألوفة عادةً لكنها مقبولة عقلاً :

هذا ماء، قوامه سائل، هذه الطاولة صلبة، قوامها صلب، هذا الهواء الذي نتنفسه غاز قوامه مرن، أي أنه يتشكل في أي مكان، حجمه متغير، كتلته متغيرة، لكن لو شاء الله أن يجعل هذه الطاولة هواءً لكان، لأنه على كل شيء قدير، ولو شاء الله أن يجعل هذا الماء بخاراً لكان، نحن بالتبريد نستطيع أنْ نجعله صلباً، وبالغليان نجعله بخاراً، هذا أكبر مثَل، فتحوُّلُ المواد من طبيعة إلى طبيعة قضيةٌ عند الله، (كن فيكون).
بل إن من أغرب ما قرأته في الفيزياء أنّ بعض العناصر يكون قوامه صلباً، والعنصر الذي يليه في الترتيب البنائي يكون قوامه غازاً، كل عنصر له نوية وكهروب يدور حولها، كهروبان عنصر ثانٍ، ثلاث كهارب عنصر ثالث، رتبت العناصر في الأرض أكثر من مئة عنصر، بالتسلسل؛ كهروب، اثنين، ثلاثة، بين عنصرين متناقضين أحدهما غاز والثاني صلب، كهروب واحد، إلكترون واحد ( + أو - ) يقلبه من غازٍ إلى صلب، كلمة كن فيكون، فعندما ضرب سيدنا موسى عليه السلام البحر أصبح طريقاً يبساً، كن فيكون، سائل، أعطاه الله أمراً: كن صلباً فكان.
المعجزة مقبولة عقلاً، لأن الذي غيّر القانون هو خالقه، الذي غيّر هذا القانون هو الذي قننه، الذي غير هذه السنة هو الذي سنها، ولكنّ المعجزة غير مألوفة عادةً، البحر بحر، والطريق طريق، وبعض الناس حينما ينكرون بعض المعجزات ينكرونها بفعل العادة، فما ألِف الناس أن النار لا تحرق، ولكن الله عز وجل حينما ألقي إبراهيم في النار:

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 69 ]

وقد وقف العلماء عند هذه الآية:

﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً ﴾

لو قال الله عز وجل: يا نار كوني برداً فقط، لمات إبراهيم من البرد، لكنه قال:

﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلامَاً﴾

لو اكتفى الله عز وجل بأنه قال: كوني برداً وسلاماً، ولم يقل على إبراهيم، لبطل مفعول النار إلى يوم القيامة، لكن:

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 69 ]

فقط.

 

المعجزة أجراها الله على يد بعض أنبيائه لتكون أداة تأييدٍ لهؤلاء الأنبياء :

قال تعالى:

﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ﴾

[ سورة الأنبياء: 70 ]

إذاً الله عز وجل قادر أن يجمع هذه العظام، وأن يجعلها متراكبة، وأن يجعلها هيكلاً، ثم يكسوها لحماً، ويكسوها جلداً، ويعود الحمار حياً كما كان، لكنْ هذا ممّا لم يألفه الناسُ، إذاً هو معجزة أجراها الله على يد بعض أنبيائه لتكون أداة تأييدٍ لهؤلاء الأنبياء..

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ﴾

طبعاً هذا يذكِّرنا أن الإنسان يوم القيامة حينما يستحق النار يُسأَل: كم لبثت في الأرض عدد سنين؟ ماذا يقول؟ لبثت يوماً أو بعض يوم، من أجل يوم أو بعض يوم يستحق الإنسانُ النارَ إلى أبد الآبدين؟! من أجل أيام تمضي! الإنسانُ زمن، إنسان عاش كذا سنة، ثم توفاه الله عز وجل، وصار خبراً، كان رجلاً فصار خبراً، كان شخصاً فصار رقماً، كان ملء السمع والبصر فصار تحت التراب، كان فوق التراب يهابه الناس فأصبح تحت أطباق الثرى، كان إذا نظر نظرةً خاف الناس، إذا هو الآن مسجىً في النعش، هكذا.

 

الكون وحده معجزةً بكل ما في هذه الكلمة من معنى :

قال تعالى:

﴿ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾

أي لم يفسد، على ما هو عليه، طعام مضى عليه مئة عام هو هو، طازج، بلونٍ زاهٍ، طريٌ..

﴿ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ﴾

من آيات الله الدالة على عظمته، طبعاً حماره رآه كومة من العظام..

 

﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ﴾

أي نركبها بعضها فوق بعضٍ..

﴿ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

لكن الإنسان إذا ضعف إدراكه احتاج إلى خرقٍ للعادات، أما إذا كان مفكراً يقظاً، كفاه الكون معجزة، وقد ورد في الأثر: " أنْ حسبكم الكون معجزة "، الكون وحده معجزةً بكل ما في هذه الكلمة من معنى.

 

اليقين الاستدلالي واليقين الشهودي :

ثم يقول الله عز وجل:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ﴾

الحقيقة سيدنا إبراهيم عليه السلام مؤمن، ومؤمن إلى درجة اليقين، ولكن اليقين أنواع؛ نوع استدلالي، ونوع شهودي، أنت إنْ رأيتَ دخاناً وراء جدار، تقول: لا دخان بلا نار، أنت متأَكِّدٌ من وجود النار خلف الجدار، هذا يقين استدلالي، فإذا وقفت في الطرف الآخر من الجدار، ورأيت النار بعينك، هذا يقين شهودي، فسيدنا إبراهيم متيقنٌ يقيناً استدلالياً، لكنه الآن يريد اليقين الشهودي..

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾

بعضهم تأوَّل هذه الآية: بأن هذا النبي الكريم من شدة محبّته لله، أراد أن يرى أثر فعل الله عز وجل، وكأنه تمنَّى أن يرى عظمة الله من خلال هذه الآية، وليس شاكّاً في قدرة الله، ولا في علم الله، ولا في حكمة الله، ولكنه تطلَّع إلى أن يرى أثر قدرة الله عز وجل..

﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾

أي كي أنتقل من يقينِ الاستدلال إلى يقين المعاينة، من يقين الاستدلال إلى يقين الشهود.

 

معجزة النبي عليه الصلاة والسلام معجزةٌ مستمرةٌ إلى يوم القيامة :

قال تعالى:

﴿ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ﴾

أي قطعهن قطعاً قِطعاً..

 

﴿ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ﴾

طاووس، ودجاجة، وما إلى ذلك، أربعة أنواع من الطيور، قطعها قطعاً قطعاً، وجعل على كل قمة جبل بعض هذه القطع، قال:

﴿ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

فلما دعاهن، تراكبت هذه الأعضاء، والتحم بعضها ببعض، وسرن إليه خاضعين لأمر الله عز وجل. مرة ثانية هذه المعجزات وقعت مرة واحدة، ولن تقع مرة ثانية، شبَّهها بعض علماء التوحيد كعود الثقاب تألق مرة واحدة ثم انطفأ، فأصبح خبراً يصدقه مَن يصدقه، ويكذّبه مَن يكذّبه، ولكن أي مؤمن يقرأ كلام الله عز وجل يؤمنُ إيماناً راسخاً أن هذا الخرق قد وقع، وهناك مَن يكذِّب بهذا لأنه ما عرف الله عز وجل، وأنّ أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، رأى أن هذا غير مألوف عادةً فأنكره، ولكن الشيء الذي كرمنا الله به هو: أن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام معجزةٌ مستمرةٌ إلى يوم القيامة، فهذا الكتاب بين أيدينا، فيه آيات كثيرة لا يمكن أن تفسَّر إلا بحالةٍ واحدة؛ أنها آيات من عند الله.

 

في الآيات التالية إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم :

مَن هذا الذي صعد إلى الفضاء الخارجي، وضاق نفسه؟ الله جلّ جلاله أخبرنا:

﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾

[ سورة الأنعام: 125 ]

بعد أن ركب الإنسان الطائرة، لو أن طائرة تركبها، وجهاز ضخ الهواء فيها تعطل، هبط الضغط إلى الثمن، عندئذٍ يخرج الدم من أنف الإنسان ويختل ضغطه، ويشعر بضيقٍ لا يحتمل، الطائرات التي نركبها الآن مضغوطة ثماني أضعاف، ليكون الضغط على ارتفاع أربعين ألف قدم مساوياً للضغط على الأرض، لو أن جهاز الضغط تعطل، لأحسَّ الركاب بضيقٍ في نَفَسهم لا يحتمل، هذا عرفناه الآن بعد اختراع الطائرة، لكن كيف جاء ذكره في القرآن الكريم؟ قال العليم الخبير:

﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾

[ سورة الأنعام: 125 ]

بعد أن اخترعنا أشعة الليزر، وقسنا غور فلسطين رأيناه أعمق نقطة في الأرض، وذلك منذ عشرين سنة أو عشر سنوات، لكن حينما يقول الله عز وجل:

﴿ غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون*فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾

[ سورة الروم: 2-4 ]

المعركة تمت في غور فلسطين:

﴿ غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ﴾

هذا أيضاً إشارة إلى إعجاز هذا القرآن الكريم.

 

من إعجاز القرآن العلمي :

حينما يقول الله عز وجل:

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾

[ سورة النجم: 45-46 ]

الآن عرف العلماء أنه في اللقاء الزوجي يخرج من الرجل خمسمئة مليون حوين، وحوينٌ واحدٌ فقط يدخل إلى البويضة فيلقّحها، فاقرأ الآية:

﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى*مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾

[ سورة النجم: 45-46 ]

نطفة واحدة، والمعنى الثاني: أن الذي يحدِّد الذكر والأنثى ليست البويضة ولكنها النطفة، وهذا من إعجاز القرآن العلمي.
حينما يقول الله عز وجل:

﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾

[ سورة يس: 40 ]

قال علماء اللغة: إن كلمة (كل) تفيد الإبهام الشمولي، أي كل شيء في الكون داخل في كلمة (كل)، والآن ثبت أن كل شيء في الكون يتحرك، حتى هذه الطاولة، حتى الحديد، حتى الحجر، أي شيء تقع عينك عليه في الكون مؤلف من ذرات ونواة ومسارات وكهارب، تدور كما تدور الكواكب حول مجراتها، فنظام الذرة كنظام المجرة، وهذه أيضاً آية من آيات الله الإعجازية.
قبل بضعة أشهر، موقع معلوماتي يمثل أعظم محطة فضاءٍ في العالم، وفيها مرصد عملاق اسمه (هبل)، التقط صورةً لنجمٍ يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، بينما أقرب نجم ملتهب إلى الأرض يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، ونحتاج إلى أن نصل إلى هذا الكوكب إلى خمسين مليون سنة، أما هذا النجم اسمه (عين القِط) يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، انفجر هذا النجم، والتقطت صورة انفجاره، لو نظرت إلى الصورة لرأيت وردة جورية حمراء داكنة، ذات أوراق خضراء زاهية، في الوسط كأسٌ أزرق اللون، لا تتردد ثانية واحدة في أن هذه الصورة صورة وردة، لو قرأت القرآن الكريم:

﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 37-38 ]

لو قرأت كل التفاسير لا تجد تفسيراً يشفي غليلك، أما هذه الصورة فهي تفسير هذه الآية.

 

القرآن الكريم فيه إعجازٌ مستمر :

حينما اخترعت مركبات الفضاء، والتقطت منها صور للأرض، وجدوا في بعض الصور خطاً بين كل بحرين، هو خط تمايز ألوان، فعجبوا، ما معنى هذا التمايز؟!! البحر الأحمر بلون والعربي بلون، البحر الأسود بلون ومرمرة بلون، الأبيض المتوسط بلون والأطلسي بلون، علماء البحار أرادوا أن يتأكدوا من صحة هذه النظرية، فنزلوا إلى أعماق البحار، وجاؤوا بقصاصات من الورق كثيرة، ووضعوها في منطقة التماس، فلم تنتقل وريقةٌ واحدة إلى البحر الآخر، ولكنها ترجع، أما نذكر حينها قوله تعالى:

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 19-21 ]

نحن أردنا أن نخزِّن ماء الفيجة لهذه المدينة الطيبة، عندنا خزان يكفي دمشق خمسة أيام فقط، أما حجمه ففلكي، وقد بني تحت الأرض بعمق أربعمئة متر، بعد الخزان عن سطح الأرض أربعمئة متر نحو العمق، من أجل أن يقلدوا تخزين الله للماء، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾

[ سورة الحجر: 22]

حتى نقلِّد تخزين ربنا للماء؛ ماء يظل في الجبل سنوات وسنوات لا يتأثر، لا تنمو فيه الطحالب، لا يتغير طعمه، ضع ماء في وعاء أياماً عديدة يتغيّر طعمه، من أجل أن يبقى هذا الماء بطعمٍ طيب، وفيه معادن، خزنه الله تخزيناً عظيماً، فنحن إذا قلَّدنا تخزين ربنا احتجنا إلى أن نبني مستودعاً للماء يبعد عن سطح الأرض أربعمئة متر تقريباً. فيا أيها الأخوة؛ هذا الكتاب فيه إعجازٌ مستمر.

 

كل التقدم العلمي لم يستطع أن يهز آية واحدة لأنها من عند خالق الأكوان :

قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

هذه معجزةٌ حسية، وحمار سيدنا عزير معجزةٌ حسية، ولكن هذا القرآن كله معجزة عقلية بيانية، وبإمكانك أن تكتشف كل حين أن هذا كلام الله عز وجل لأن البشر لا يستطيع أن يأتي بهذا الكلام، تقرأ أنت:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾

[ سورة النحل: 8]

إنسان عاش قبل ألفٍ وأربعمئة عام؛ هناك الخيل، والبغال، والحمير، لو أن هذا القرآن كلام بشر، لكانت الآية:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾

[ سورة النحل: 8]

فقط، أما إنسان يعيش في هذا العصر؛ هناك طائرات، وهناك طائرات عملاقة، وبواخر، وحوَّامات، وقطارات، ومراكب فضائية، قال تعالى:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 8]

إذاً هو كلام الله عز وجل، كل التقدم العلمي لم يستطع أن يهز آية واحدة، لأن هذه الآيات من عند خالق الأكوان، الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.

 

كلما تقدَّم العلم كشف جانباً من إعجاز القرآن الكريم :

أيها الأخوة الكرام؛ حينما نبحث في إعجاز القرآن العلمي، كأننا نضع أيدينا على معجزاتٍ رائعة.. ذات مرة قرأت هذه الآية:

﴿ كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ*نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾

[سورة العلق: 15-16]

يوجَد في رأسِ الإنسان دماغ، ونسبةُ هذا الدماغ إلى الجسم أعلى نسبة في المخلوقات قاطبةً، لو أخذنا دماغ الحوت الأزرق، نسبة وزن الدماغ إلى وزن الحوت قليلة، لو أخذنا دماغ الفيل، دماغ وحيد القَرن، دماغ الكركدن، نسبة وزن دماغ أي حيوان إلى جسمه نسبة ضئيلة، أما أعلى نسبة على الإطلاق هي نسبة وزن دماغ الإنسان إلى الإنسان، هذا الدماغ فيه فصٌ جبهي، وهو أضخم الفصوص، في هذا الفص الجبهي تتم المحاكمة، ويتم الحكم، ويتم الاستنباط، ويتم الاستنتاج، ويتم اليقين، والإنسان هنا يتحرك، تتم الإرادة هنا، إنسان أراد أن يسرق، تبدأ السرقة من فصه الجبهي، أراد أن يزني، يبدأ الزنا من فصِّه الجبهي، يقرر فيفعل، هذا الفص الجبهي اسمه الناصية، ناصية الرأس مقدمته، قال الله عز وجل:

﴿ كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ*نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾

[سورة العلق: 15-16]

فالكذب من الفص الجبهي، والخطأ من الفص الجبهي، والحديث عن معجزات القرآن الكريم العلمية حديث طويل، بل كلما تقدَّم العلم كشف جانباً من إعجاز القرآن الكريم.

 

العقل أودعه الله فينا كمقياس علمي والفطرة جبلنا عليها كمقياس انفعالي :

أيها الأخوة الكرام، ليس هناك من مانع أن نتأثر بالمعجزات الحسية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، كقوله تعالى:

﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

ولا مانع من أن نتأثر بالغ التأثُّر بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

وليس هناك من مانعٍ أيضاً أن تقرأ عن إعجاز القرآن العلمي، فتشعر أن هذا الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل القرآن، وأن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومستحيلٌ وألف ألف مستحيل أن تأتي حقيقةٌ علمية تنقض آية في القرآن الكريم، لأن هذا القرآن كلامه والكون خلقه، والعقل أودعه فينا كمقياس علمي، والفطرة جبلنا عليها كمقياس انفعالي، وهكذا نجد أن القرآن الكريم كلام الله المعجز إلى أبد الآبدين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور