وضع داكن
20-04-2024
Logo
الزواج - الدرس : 04 - عدم الكفاءة في الزواج.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

مقدمات مهمة:

المقدمة الأولى: ما مشكلة في الأرض إلا بسبب الخروج عن منهج الله:

أيها الإخوة المؤمنون، في دروس كثيرة ومناسبات كثيرة كنت أشير إلى موضوع الكفاءة في الزواج، وهذا الموضوع دفعني إلى معالجته في درس من دروس الأحد، لأن حالات كثيرة من الشقاق الزوجي أساسها عدم الكفاءة بالزواج.
وقبل أن نمضي في الحديث عن هذا الموضوع لابد من مقدمةٍ دقيقةٍ تلقي ضوءًا على محوره، وعلى جوهره.
يجب أن نعلم علم اليقين أيها الإخوة أنه ما من مشكلةٍ صغيرةٍ أو كبيرة، مادية أو معنوية، جليلةٍ أو حقيرةٍ في الأرض إلا ووراءها خروج عن منهج الله، خالق الكون هو الخبير، قال تعالى:

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾

( سورة فاطر )

وخبرة الله عز وجل ليست خبرةً حادثة مكتسبة، إنما خبرته قديمة، خبرته قديمة قدم ذاته، إذاً كل تعليماته هي الصواب، فإذا خرجت عنها وقعت في مشكلة، فهذا القانون أردده كثيراً: ما من مشكلةٍ تقع على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل.

المقدمة الثانية: منهج الله كامل وتمام:

أنتقل إلى مقولة أخرى، وهي أن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يفعله أعداءه به، لذلك ما من طريق إلى سلامة الدنيا وسعادتها، وسلامة الآخرة وجنتها إلا اتباع منهج الله عز وجل، إلا طاعة الله عز وجل، ويجب أن تعتقد اعتقاداً يقينياً أن تشريع الله سبحانه وتعالى كامل، قال الله عز وجل:

 

﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

( سورة المائدة )

مجموع القضايا التي عالجها الدين مجموع تام، فالذي عالجه أمراً أو نهياً العدد تام، والذي تركه وأغفله أغفله لحكمةٍ لا تقلّ عن حكمة معالجة غيره.
هناك شيء تتوقف عليه سلامتك وسعادتك هي الفرائض، فأمرك به، وهناك شيء يحسن هذه الفرائض، هذا الواجب والسنة، وهناك شيء أحد سبب هلاك الإنسان في الدنيا والآخرة، هذا هو الحرام، وهناك شيء يقربك من الحرام، هذه المكروهات، كراهة تحريمية، وكراهة تنزيهية، وهناك شيء ليس له علاقة بسلامتك ولا بسعادتك، لا في الدنيا ولا في الآخرة، هذا سكت عنه الشرع، وتركه للظروف والبيئات والمعطيات، وما إلى ذلك، هذا معنى قول الله عز وجل:

﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

( سورة المائدة )

الإتمام عددي والإكمال نوعي، مجموع القضايا التي عالجها القرآن والسنة تام لا يوجد نقص، لذلك أي إضافة على الدين اتهام له مبطن بالنقص، وأي إضافة على الدين بدعة مردودة، الآن طريقة المعالجة التي عالجها الله طريقة كاملة ليست ناقصة، مجموع القضايا تام، وطريقة المعالجة كاملة.
ما من مشكلة تقع على وجه الأرض مادية ومعنوية، جليلةٍ أو حقيرةٍ، عامةٍ أو خاصةٍ، آنيةٍ أو مستمرةٍ إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، ودواء الجهل العلم، فكل إنسان ليس له مشرب علمي، منهل علمي، كل إنسان لا يطلب العلم الشرعي، لا يطلب معرفة الله ومعرفة منهجه فلابد من أن يتخبط، فإذا أردتم التمثيل لذلك فكمثل راكب مركبة في الظلام، يسير على أرض قاحلة فيها حفر، فيها أكمات، فيها منزلقات، فيها مضائق، جسور، شرع الله عز وجل هو النور الذي تهتدي به، فإذا أعرضت عن شرع الله عز وجل فالحادث حتمي، فإن لم يطلب الإنسان العلم فالخطأ حتمي، والضرر حتمي، والهلاك حتمي، والشقاء حتمي، هذا معنى: طلب الفقه حتم لازم عن كل مسلم.

 

الكفاءة في الزواج:

 

حينما يتوجه الإنسان إلى أن يخطب امرأةً، وهذا الكلام موجّه أكثر ما يوجَّه إلى الشباب، أما الذين تزوجوا فموجّهٌ إليهم كي يدفعوا أولادهم، أو يقيّموا من طلب بناتهم تقييماً وفق الكتاب والسنة.
موضوع الكفاءة في الزواج موضوع أشرت إليه كثيراً في أثناء حديثي عن موضوع الزواج، أو في بعض الموضوعات الأخرى، وقد رأيت أن حالاتٍ كثيرةٍ جداً من الشقاق الزوجي الذي انتهى بالطلاق وتشريد الأسر أساسها عدم اختيار الزوجة المكافئة، أو عدم كون الزوج مكافئاً للزوجة، هذا موضوع يحتاج إن شاء الله تعالى إلى درسين، كما أن موضوع الخطبة عرض في درسين، فموضوع الكفاءة الزوجية يحتاج إلى درسين.

الكفاءة: تعريفها وآراء الفقهاء فيها ومقوماتها:

ففي هذا الدرس حديث عن معنى الكفاءة، وآراء الفقهاء فيها.

1 – تعريف الكفاءة:

الكفاءة لغةً المماثلة، قال تعالى:

﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾

أي لم يكن له مثيل، ولا شريك ولا ند، ولا مساوٍ، فلان كفء لفلان، أي مساوٍ له، ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟

(( المسلمون تتكافأ دماءهم ))

[رواه الإمام أحمد والنسائي وأبو داود عن علي ]

لو فرضنا إنسانًا يحمل أعلى شهادة، في ساعة غضب قتل إنساناً جاهلاً، هذا الذي يحمل أعلى شهادة، وقد يكون معه شهادة نادرة في العالم يُقتَل بهذا الجاهل، لأن المسلمين تتكافأ دماءهم، إنسان ذو مرتبة رفيعة، إنسان غني يقيم نفسه تقييماً آخر، أيّ إنسان اعتدى على حياة أي إنسان يُقتل به.

2 – مقومات الكفاءة:

لكن تعريف الكفاءة الزوجية باصطلاح الفقراء لها تعريف آخر، الكفاءة الزوجية: المماثلة بين الزوجين دفعاً للعار في أمور مخصوصة، هذه الأمور المخصوصة موضوع الدرس القادم:
هي عند المالكية الدين والحال.
وعند الجمهور الدين، والنسب والحرية، والحرفة.
وعند الحنابلة والأحناف اليسار.
فالدين، والحال، واليسار، والحرية، والحرفة، واليسار أو المال هذه موضوعات الكفاءة، وهناك موضوعات لا علاقة لها بالكفاءة، هناك موضوعات تلغي الكفاءة كلياً، هذا موضوع الدرس القادم إن شاء الله نفصل به تفصيلاً جيداً إن شاء الله.

3 – القصد من الكفاءة:

القصد من الكفاءة تحقيق المساواة في أمور اجتماعية من أجل توفير استقرار الحياة الزوجية.كلمة استقرار كلمة رائعة، أحيانا يستقر الإنسان في عمل، فإذا استقر في عمل ينمو، والثبات نبات، وأحيانا يستقر الإنسان في علاقته الزوجية، وهذا الاستقرار يثمر سعادةً يقطف ثمارها الأولاد، أحيانا ترى أسرة متوازنة، وأنا لا أعني الأسرة الغنية، قد تكون الأسرة الغنية ليست متوازنة، الأسرة المتوازنة الزواج الشرعي الذي بني على توخي الدين والصلاح في الزوجين، وبني على الكفاءة بين الزوجين، فإذا أردت لهذا الزواج أن يستقر، وأن يستمر فابحث بالكفاءة بين الزوجين.

 

موقف الفقهاء من الكفاءة وأدلتهم فيها:

 

قد ترون معي أن الفقهاء وقفوا في موضوع الكفاءة مواقف متباينة، وجدير بنا ولو من باب الفقه المقارن أن نقف على مواقفهم وعلى آرائهم وعلى أدلتهم، وعلى أدلة الطرف الآخر، هذا ينمي الفكر الفقهي عند الإنسان، إذا رأيت الدليل، وكيف ردوا على هذا الدليل، ودليل الطرف الآخر، وكيف رد على الطرف الأول، هذا ينمي عند الإنسان ما يسمى الفكر الفقهي.

الرأي الأول:

الرأي الأول يتزعمه الإمام الثوري والحسن البصري، والكرخي من الأحناف، يرون أن الكفاءة ليست شرطاً، ما هي أدلتهم ؟ أدلتهم كثيرة:
أول دليل عَنْ أَبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ:

(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى.... ))

هذا الحديث يعد أصلاً في تأكيد المساواة المطبقة بين الناس، يستنبط أن الكفاءة ليست ضروريةً في الزواج، يؤكد هذا الحديث قول الله عز وجل: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾

( سورة الحجرات )

بالمناسبة هذه الآية لو وقفنا عندها وقفةً متأنية، فما من مقياس يجب أن يعتمد في تفضيل زيد على عبيد إلا مقياس التقوى الذي اعتمده القرآن، وأي مقياس آخر اعتمدته أنت فقد خرجت عن منطوق القرآن، وإذا اعتمدت مقياس المال، إذا اعتمدت مقياس الوسامة والجمال، إذا اعتمدت مقياس الجمال، الذكاء فقد خرجت عن مقياس اعتمده القرآن الكريم في تقييم الأشخاص، يقول الله عز وجل: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾

( سورة الحجرات )

والحديث الذي رواه أحمد ورجاله ثقاة:

((... فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى... ))

الذين قالوا: الكفاءة شرط في الزواج كيف فهموا هذه الأحاديث ؟
رأوا أن الناس متساوون في الحقوق والواجبات، وأنهم لا يتفاضلون إلا بالتقوى، أما فيما عدا ذلك من الاعتبارات الشخصية التي تقوم على أعراف الناس وعاداتهم، فلا شك أن الناس متفاوتون، والدليل قوله تعالى:

 

﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾

( سورة النحل )

هل من المعقول من امرأة تعيش في بحبوحة كبيرة جداً، والدها من أصحاب الدخل غير المحدود، لباسها له أثمان باهظة جداً، طعامهم، نزهاتهم، بيوتهم، حركاتهم، سكناتهم، احتفالاتهم، معينة من الطبقة الغنية، خاتم الخطبة ثمنه مئتان وثلاثون ألفًا، ثم يخطبها رجل صاحب دخل محدود، فإذا خطبها ووافق أهلها عليه فهذا الزواج لا يستقر، ولا يستمر، ولا يتحمل الزوج امتنان زوجته عليه بفضل أبيها، لأن هذا الزواج ما روعيت فيه الكفاءة، فأي زواج لا تراعى فيه الكفاءة لا ينجح.
موضوعات الكفاءة في الدرس القادم، لكن اليوم مبدأ الكفاءة، إن لم تراعَ الكفاءة في الزواج فأغلب الظن أن هذا الزواج لا يستقر، ولا يستمر، وكثيراً ما ينتهي بالفراق والطلاق.
رد الفقهاء على أصحاب الرأي القائل " لا كفاءة بالزواج "، نحن متساوون بالحقوق الواجبات، متساوون في التكليف والتشريف، يفضل بعضنا بعضا بالتقوى، لكن يوجد غني وفقير، وهناك حرف بالسلم الاجتماعي عالية، وحرف أقلّ منها، طبعاً هذا عند الناس، لكن والله الذي لا إله إلا هو ربما كان الذي يكسح القمامة في الطريق أفضل عند الله من عشرات ألوف ذوي المراتب العلية، هذا معنى حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

(( أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ أَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَكُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ، أَشْعَثَ، ذِي طِمْرَيْنِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأبَرَّهُ، وَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ، جَوَّاظٍ، جَمَّاعٍ، مَنَّاعٍ، ذِي تَبَعٍ ))

نحن إذا بحثنا في موضوع الزواج فليس البحث علاقة الإنسان بالله، طبعاً كل إنسان له عند الله مكانة أساسها طاعته، وإخلاصه، وحبه، وتضحيته، وبذله، وعمله الصالح، الآن نحن نريد أن نقيم زواجاً مستمراً ومستقراً، إن لم نلحظ موضوع الكفاءة في الزواج فأغلب الظن أن هذا الزواج ينتهي إلى الفراق، والفراق مقبول إن لم يكن هناك أولاد، فإذا كان هناك أولاد صار الفراق جريمة في حق الأولاد، أساسه أننا لم نلاحظ موضوع الكفاءة في الزواج.

التفاوت في الدنيا لحكمة بالغة:

هناك تفاضل في الرزق، أحياناً يكون الأب معتنٍ بابنته كثيراً، وحفّظها القرآن الكريم، ودرست الحديث الشريف فرضاً، أحكام الفقه، ورعة تقية نقية، يأتيها زوج شاب والده من أغنياء البلد، لكنه جاهل، فهذا الزوج لا يقيم قيمة لعلم هذه الفتاة، ولا لدينها، ولا لقرآنها، ولا لفقهها، هذا الزواج لا يستقر، ولا يستمر، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾

( سورة المجادلة )

العلم ورد في القرآن، والمال ورد في القرآن، فالتفاوت قائم، وهناك آية أخرى: 

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

( سورة الإسراء)

الله عز وجل لحكمةٍ أرادها وأفعاله كلها حكيمة، جعل الناس مراتب، هناك معلّم بقرية، ومدرّس، وأستاذ جامعة، والثلاثة معلمون، هناك ممرّض، وطبيب مبتدئ متمرن، وطبيب يحتل كرسي في الجامعة، وطبيب يحمل خبرات عالية جداً، وهناك أحياناً طبيب يشار إليه بالبنان، يقول لك: هذا له سمعة دولية، أجرى عملية سميت باسمه في كل أنحاء العالم، هناك مراتب، هناك مجنّد، جندي، رئيس أركان، كله في الجيش، لكن المسافات كبيرة جداً بينهما، قال تعالى: 

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

( سورة الإسراء )

لحكمةٍ أرادها الله عز وجل جعل الحظوظ متفاوتة في الدنيا، وأهم جواب في هذا الموضوع أن هذه الحظوظ وزعها الله في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف يوزعها في الآخرة توزيع جزاء.
هناك أحاديث تؤكد موضوع الكفاءة، أن بلالًا رضي الله عنه خطب إلى قوم من الأنصار فأبوا أن يزوجوه لعدم الكفاءة، لكن بعد قليل ترون أن طالب العلم كفء لأية فتاة، مرتبة العلم مرتبة عالية جداً، وسيدنا بلال صحابي، طبعاً طالب علم يطلب رضاء الله عز وجل، فلما أبى الأنصار أن يزوجوه قال عليه الصلاة والسلام: قل لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني، فزوجوه فوراً، لماذا أمرهم ؟ لأنه ما كان هناك كفاءة، وعندما لا يكون هناك كفاءة أرجح الأقوال أن الأهل يرفضون.

الرأي الثاني:

أما الرأي الثاني الذي يرى أن الكفاءة شرط في لزوم الزواج فهم جمهور الفقهاء، أربعة مذاهب ترى أن الكفاءة شرط أساسي في عقد الزواج، لكن الشروط أنواع، هناك شروط صحة، وشروط لزوم.
أولاً: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ:

(( يَا عَلِيُّ، ثَلاثٌ لا تُؤَخِّرْهَا، الصَّلاةُ إِذَا آنَتْ، وَالْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالأيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا ))

[ الترمذي]

الأيم المرأة التي لا زوج لها، أرملةً كانت أو عزباء، يوجد حديث آخر رواه الدار قطني والبيهقي عن جابر:

(( لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ))

بالمناسبة، الأكفاء جمع كفء، والأكفاء جمع كفيف، هناك بعض المثقفين يقول لك: هؤلاء رجال أكفاء، يتحذلق، معنى أكفاء عميان، الأكفاء جمع كفيف، والأَكفاء جمع كفء.
أحيانا يقال لك: طبيب أَخصائي، معه بورد، يعني يخصي، الأَخصائي هو الذي يخصي، أَخصى يخصي إخصاءً، فهو أَخصائي، أما صوابها الاِختصاصي.
أحيانا يقال لك: فلان عنده تَجَارُب، يضم الراء، ويفلسف بها، يعني عنده عدوى بالجرب، صوابها تجارِب، جرب، يجرب تجربةً، أما التجارُب فهي العدوى بالجرب.
يقال لك: فلان مولع بكذا، المُوَلع هو الثور الأحمر، صوابها مولع.
أسيادنا، إياك أن تقول: أسيادنا، وهي جمع سيد، والسيد هو الذئب، والصواب سادتنا، السيد جمعها سادة، والسّيد جمعه أسياد، أسياد غلط.
يقال لك: التواجد في الساعة كذا، وهذا تعبير شائع جداً، ولا سيما في الجيش، التواجد في اللغة معناها أن يبث كل منا وجده للآخر، يعني يبكون، هذا هو التواجد، اللغة دقيقة جداً، وأحياناً كلمة واحدة وحرف واحد يغير.
صدقوني، كنت في تعزية من فترة، هناك رجل اشتبه علي مظهره من أهل العلم، ولكن أنا أعرف أحد علماء الحديث الكبار في البلد، دخل علي أنه هو عالم الحديث، بعد أن ألقيت كلمة قدمته للدعاء، وكلي إكبار لعلمه، صدقوني غلط غلطة واحدة نصب الفاعل، جزمت أنني مخطئ، ليس هذا فلانًا، لأنه لا يمكن، فلما انتهت التعزية سألت: من فلان ؟ قالوا: فلان الفلاني، غير الذي توهمته، وصدق ظني، أحيانا يكشف الإنسان من كلمة واحدة.
ذهب رجل إلى الأزهر، ولم يتعلم، قضى الوقت خارج الأزهر، وعاد إلى القرية، ظنوا أنه معه شهادة الأزهر، احتفلوا به، وكرموه، وأجلسوه في صدر المجلس، وهو جاهل، فقال له: رجل لا ترتبك، أي سؤال قل: للمسألة قولان، وهناك رجل خبيث، قال له: أفي الله شك ؟ قال له: في المسألة قولان، فانكشف فوراً.
على كلٍ طالب العلم كفء لأية فتاة،

((....ثَلاثٌ لا تُؤَخِّرْهَا، الصَّلاةُ إِذَا آنَتْ، وَالْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالأيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا ))

[ الترمذي]

ولا تنكحوا النساء إلا الأكفاء، والأكفاء جمع كفء، وهو الند.
بالمناسبة قالوا: احتج إلى الرجل تكن أسيره، واستغنِ عنه تكن نظيره، وأحسن إليه تكن أميره.
يمكن أن تساوي أعظم إنسان إذا لم تحتج إليه، لذلك الدعاء: اللهم لا تجعل حوائجنا إلا إليك، شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناءه عن الناس، فإذا احتجت إلى إنسان أصبحت أسيره، سيدنا علي قال، تعرفون قوله المشهور: << والله، والله، مرتين، لحفر بئرين بإبرتين، شيء مستحيل، وكنس أرض الحجاز في يوم عاصف بريشتين، أشد استحالة، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، أهون علي من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين >>.
لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجوهن إلا الأولياء.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الأكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ ))

وفي الحديث الشريف عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ ؟ قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ ))

[ الترمذي]

والعلماء كما قال عليه الصلاة والسلام ورثة الأنبياء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ، وَالنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلامِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ ))

[ متفق عليه]

 

تنبيه إلى فهم وتفسير خاطئ:

أحياناً بعض الإخوان الكرام يفهمون آية ما أرادها الله عز وجل، يقول لك:

﴿ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَات ﴾

( سورة النور )

الطيبون للطيبات، ماذا تفهم من هذه الآية ؟ يفهمون أن كل زوجين متماثلين مع أن الواقع لا يؤكد هذا المعنى، قد تجد زوجةً صالحةً عندها زوج شرير، وقد تجد زوجاً صالحاً له زوجة شريرة، وأحياناً الزوجة بلاء من الله، الله عنده بلايا كثيرة، وأحياناً الزوج، فالذي يريده الله عز وجل من هذه الآية: 

﴿ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَات ﴾

يعني أنتم خلفائي في الأرض إذا زوجتم أو تزوجتم، أو أذنتم في الزواج، أو قبلتم الزواج، فليكن الطيبون للطيبات، حملت هذه الآية على معنى ينبغي أن يكون الطيبون للطيبات.
كلكم يعلم أنّ التركيب في اللغة إنشائي وتركيب خبري، التركيب الخبري يحتمل الصدق والكذب، فلان سافر، قد يكون ما سافر، أما التركيب الإنشائي فلا يحتمل الصدق ولا كذب، الأمر، تقول لرجل: كم الساعة ؟ هل يستطيع أن يقول لك: أنت كاذب، الكذب لا ينسحب على الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والترجي، والحض، والنداء، هذه كلها أساليب إنشائية، وعندنا أساليب خبرية، العادة، الأمر والنهي يأتي في القرآن بصيغة الإنشاء، 

﴿ أَقِيمُوا الصَّلاَةَ ﴾

 أمرٌ

﴿ لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَاَنُتُمْ سُكَارَى ﴾

نهيٌ، فغالباً الأمر والنهي في القرآن يأتي بصيغة الأمر والنهي، لكن أحياناً يأتي الأمر والنهي بصيغة الخبر.
قال تعالى:

﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾

( سورة البقرة الآية: 233 )

هنا سؤال دقيق في البلاغة: لماذا عدل الله عز وجل عن صيغة الأمر ؟ يعني أيتها الوالدات أرضعن أولادكن حولين كاملين، لما جاء بهذا الأمر بصيغة الخبر ؟ يخبرنا عن أن الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، قال العلماء: هذا أبلغ بالأمر من صيغة الأمر، لأنك إذا أمرت إنساناً تصور العكس، فلو أنّ أبًا قال لابنه: اذهب واشترِ هذه الحاجة، وإياك أن تتأخر، لم يكن الطفل في باله التأخر، وعندما قال له: إياك أن تتأخر وجد احتمال أن يتأخر، وخطر في باله التأخر، فكل أمر يقتضي عكسه، يتصور عكسه، وكل نهي يتصور عكسه، فإذا أردت أن تنفي تصور العكس فأتي بالتركيب الخبري، قال تعالى: 

﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾

( سورة البقرة )

يعني من شأن الوالدات، وهذه طبيعة فيهن، أن يرضعن أولادهن حولين كاملين.
إذاً: أحياناً تأتي صيغة الخبر مكان صيغة الأمر والنهي، وهذا أبلغ، وأحياناً يقول أب لابنه: إياك أن تتأخر ليلاً، أعطاه نهيًا، وهناك أب أشد حزماً يقول لابنه: أنا لا ليسد عندي ابن يتأخر: هذه الحالة غير موجودة عندي إطلاقاً، هذا خبر جاء بصيغة النهي، الذي نقلنا إلى هذا أن قول الله عز وجل: 

﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾

يعني يا عبادي اجعلوا الطيبون للطيبات، في أمر الزواج تخيروا، اختر هذه الزوجة المؤمنة الصالحة الطيبة: ابحث لها عن زوج مؤمن يعرف قيمتها، وهذه الزوجة الشريفة ابحث لها عن زوج عفيف يعرف قيمتها، أما إنْ زوجت امرأة عفيفةً لزوج منحرف مطلاقٍ، فهذا الزواج لا يستمر ولا يستقر.

الأدلة العقلية على اعتبار الكفاءة:

الآن هذه الأدلة كلها نقلية، كلكم يعلم أن الشرع هو نقل أمر إلهي، ولكن هذا الأمر يتوافق مع العقل، ويتوافق مع الواقع، ويتوافق مع الفطرة، ففي أكثر الموضوعات التشريعية استقر العلم على أدلة من نوعين، أدلة نقليةٍ وأدلةٍ عقلية، إنسان يقول لك: أعطني الأدلة النقلية على أن الوجه عورة، تأتيه بالآية الأولى، وجاء تفسيرها عند القرطبي، وابن كثير، والخازن، وعند البيضاوي، وجاء الحديث الشريف، ومعنى الوجه كذا، ومعنى الجلباب كذا، ومعنى الجيب كذا، أنت الآن دخلت في الأدلة النقلية، أما أحياناً فتخاطب الإنسان لا بالدليل النقلي، بل بالدليل العقلي، تقول له: يا إنسان، بربك أي شيء في المرأة أكثر فتنةً ؟ يقول لك: وجهها، بالمنطق، أحياناً الدليل العقلي قوي جداً، لكن يجب أن تعلموا علم اليقين أن الأدلة النقلية يجب حتماً أن تتوافر مع الأدلة العقلية، لأن المصدر واحد، العقل مقياس أودعه الله بنا، والنقل شرع أنزله الله علينا، والمصدر هو الله، ليس من المعقول الله أن يعطيك عقلًا يخالف الشرع، ليس هناك تناقض، في الكون وحدة، أنت بائع أقمشة، سوف نسلمك ثلاثين قطعة، على كل قطعة قياسها، وهذا مصطلح عند بائعي الأقمشة، هناك لصاقة على القماش، يقول لك: هذه ثلاثة وثلاثون مترا وربع، هذا يسمونه قياس الثوب، قال لك: أنا لست قانعاً بهذه القياسات، ماذا يقول لك البائع: هذا متر تفضل، وقسه، هل من الممكن أن يعطيك البائع مترًا تكشف بهذا المتر خطأ قياسه ؟ ربنا عز وجل أعطاك أحكامًا، وقال لك: هذه حرام، وهذه حلال، هذه مؤذية وهذه نافعة.
البارحة في درس الدعاة أحد إخوانا الأكارم طلاب الطب ألقى محاضرة قصيرة حول الخمر، الخمر أول عمل تفعله أن الأهداب التي في القصبة الهوائية تشل، فإذا شلت كل المواد الغريبة تدخل إلى الرئة، فأمراض الرئة الإنتانية أساسها أن هذه الأهداب مشلولة، ويدخل في الرئة مواد من الخمر عن طريق الدم، هذه تعطل جهاز المناعة في الإنسان، وذكر أشياء كثيرة، وكيف أن الكحول يتلف خلايا الكبد، الخمر تشارك بعض الأمراض، وتسهم في بعضها الآخر منفردةً، فسبعون بالمئة من أمراض تشمع الكبد هي بسبب الخمر والكحول.
أنا استنبطت من هذا الكلام أن هناك علاقة علمية بين الأمر ونتائجه، معنى علاقة علمية يعني علاقة سبب بنتيجة، إذا قال رجل لابنه: أغلق الباب، أو: لا تغلق الباب، فأغلقه، فالأب ضرب ابنه، فهل هناك علاقة علمية بين الضرب والإغلاق ؟ لا يوجد علاقة علمية هذه علاقة أمر بنهي، أما إذا مسّ الإنسان المدفأة تحترق يده، يوجد علاقة علمية بين المس والاحتراق، فالسبب والنتيجة أحيانًا يتلازمان تلازماً علمياً، و أحيانًا تلازماً رمزياً، العقل يوافق النقل قولاً واحداً.
الآن: الأدلة العقلية على الكفاءة الزوجية، وننتقل من أدلة نقلية إلى أدلة عقلية:

اعتبار الكفاءة من جانب الرجل:

إنّ انتظام الحياة بين الزوجين لا يكون في العادة إلا إذا كان هناك تكافؤ بينهما، فالشريفة تأبى العيش مع الخسيس، فلابد من اعتبار الكفاءة من جانب الرجل لا من جانب المرأة.
بالمناسبة الموضوع دقيق جداً، وقد ورد في بعض الأثر: الزواج رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته.
أنت زوجت ابنتك لفلان فصار سيداً لها، قد يقسو عليها، قد يهينها، قد يفعل بها ما لا يرضي، فإذا زوجتها جعلتها رقيقةً لهذا الزوج، في حكم أن الزوج هو القيم على البيت، إذاً فلينظر أحدكم أين يضع كريمته، الكفاءة ليس من جانب الزوج، بل من جانب الزوجة، الزوج آمر، الزوج متصرف، الزوج صاحب قرار، الزوج له القيادة، له القوامة، فمن المتضرر بعدم الكفاءة ؟ الزوجة.
يقولون: إن إنسانًا شاهد زوجًا وزوجته غير متكافئين إطلاقاً، فعجب من هذا الزواج، فقالت له الزوجة: إن الله يدخلني الجنة بصبري عليه، ويدخله الجنة بشكره على أن تزوجني، أحدهم يدخلها شاكراً، والثاني صابراً.
فالدليل العقلي أن الشريفة تأبى أن تعيش مع الخسيس، والتي تحمل القرآن تأبى العيش مع الجاهل، والتي من أصل رفيع تأبى العيش مع من كان دنيئاً في معاملاته، فإن لم يكن الزوج كفئاً للزوجة فالحياة لا تستمر بينهما.
عندنا شيء آخر، ليس الموضوع موضوع الزوجة فقط، موضوع أهل الزوجة، مثلاً: شاب يلتقي بفتاة قبل أن يعرف الله عز وجل، ويتزوجها بقرار ارتجالي طارئ، فتكون هذه الفتاة ليست شريفةً، العار يلحق من ؟ بالعكس لو كان الزوج سيئًا جداً العار يلحق أهل الفتاة، لذلك الكفاءة يجب أن تكون واقعة لئلا يلحق العار للزوجة، أو لأهل الزوجة، طبعاً في أغلب البلاد الإسلامية يعمل بالكفاءة سبباً للتفريق، لو فرضنا القاضي لم يجد كفاءة يفرق بين الزوجين، لأن هذا الزواج لا ينجح، ولا يستمر.
كيف أن القانون أحياناً يأخذ من الشرع، ففي القانون مجموعة بنود متعلقة بالكفاءة، أول مادة: يشترط في لزوم الزواج أن يكون الرجل كفئاً للمرأة، أما إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي فإن كان الزوج كفئاً لزم العقد، وإلا فللولي طلب فسخ النكاح.
مثلاً: يخطب إنسان فتاة، فقد يكون غير كفء لها، وفقد الكفاءة في هذا الزواج يلحق العار بأهل الفتاة، في الشرع الإسلامي من حق ولي الفتاة أن يطالب القاضي بفسخ هذا الزواج.

اعتبار الكفاءة بحس العرف:

الآن العبرة بالكفاءة بعرف البلد، والأعراف معتبرةٌ شرعاً، أحياناً يقول لك: أنا لا أعطي العامل تعويضًا، تقول: لماذا ؟ يقول لك: ليست واردة في الشرع، ليس لك حق، كل العمال إذا عملوا عند أرباب العمل في الأعراف الاجتماعية التي تنظمها القوانين العامل يستحق تعويض تسريح عن كل سنة راتب شهر، فهذا عرف ثبته القانون، فأنت لا تستطيع أن تنكره، لأن العرف معتبر شرعاً، كل شيء جرى عليه العرف.
مثلاً: إنسان يبيع حاجة، يبيع قفلًا، ولمفتاحه سعر آخر، لا أحد قال: يباع القفل بسعر، والمفتاح بسعر آخر، والمفتاح تابع للقفل، فبأي خصومة الأعراف حتى في الأيمان الأعراف معتبرة، كرجل حلف أن لا يأكل لحمًا، في عرف بلدنا اللحم يعني الغنم، فذهب، وأكل السمك، لا شيء عليه، أما في بعض البلاد يقول لك: أكلنا اللحم، يعني السمك، أنت عندما تحلف يميناً فعُرف البلد هو الذي يحدد مضمون اليمين، فالأعراف معتبرةٌ شرعاً، وكل بلد له أعرافه، فإذا لا يوجد تناسب بين البلدين هذا لا يعد كفاءةً.
لعظم حق الفرد على الله عز وجل، لعظم حق الصغير على الله يسقط حق الكفاءة لعدم الكفاءة إذا حملت المرأة، كل هذا الكلام قبل الحمل، وإذا حملت فموضوع الكفاءة انتهى، لماذا ؟ لأنه صار هناك مخلوق، والطلاق في حقه جريمة، لو طلقت المرأة لفسد، ألم تقل هذه المرأة، وقد بكت، واشتكت للنبي عليه الصلاة والسلام: إن فلانا تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال، فلما كبرت سني ونثر بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي، قال: أنت علي كظهر أمي، ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فالعرف معروف، أو إنسان يقول لك: لا أقبل المرأة أن تعمل شيئاً في البيت، ليست مكلفة، اقرأ الكتب، الأعراف تقول: إن الزوج يعمل خارج المنزل، والزوجة تعمل داخل المنزل، هذا عرف معتبر شرعاً وقانوناً، لكن إذا حملت ينتهي موضوع الكفاءة إطلاقاً، لعظم حق هذا الصغير على الله.

مراعاة الكفاءة عند العقد

الآن تراعى الكفاءة عند العقد فقط، أحياناً يتزوج إنسان امرأة، وبعد أن يتزوج يصاب بمرض عضال، لم يعد كفئاً لها، ولكن هذه قلة مروءة، وقت العقد كان كفئاً، وبعد هذا قضاء وقدر، هناك أشخاص بعد الزواج صار معهم مرض، الزوجة أو في الزوج يندب حظه، أخي هذه لا تناسبني، إذا كانت لا تصلح للزواج بعد المرض هناك حل شرعي، أن يتزوج امرأة ثانية، هذه أبقِ عليها كزوجة وفاءً، أو أردت ولدًا يأتيك من الثانية.
الكفاءة تراعى عند العقد فقط، فلا يؤثر زوالها بالعقد.
الآن عندنا قاعدة: إذا اشترطت الكفاءة حين العقد، أو أخبر الزوج أنه كفء، ثم تبين أنه غير كفء كان لكلٍ من الولي والزوجة طلب فسخ العقد، إذا وجد تصريح، وظهر أنه كاذب يفسخ العقد، والكفاءة تراعى عند العقد فقط، وإذا حملت المرأة يسقط حق الكفاءة، لعلة عدم الكفاءة، والكفاءة الجهة الوحيدة المتضررة منها المرأة وأهلها، لأن العار يلحقهم بذلك، والعبرة بالكفاءة عرف البلد.
هناك كاتب مصري اسمه إبراهيم مويلحي له كتابات أدبية قبل خمسين عامًا، كتب نصًّا على الموظفين، يقول: يا ليت آباءنا كانوا التفتوا إلى تعليمنا في المدارس، دققوا كيف يتغير العرف، فكنا استغنينا عن ممارسة التجارة، وذل البيع والشراء، وترويج السلعة بالأقسام والأيمان، فما العيش إلا عيش الموظفين، قبل خمسين سنة كان أعلى مرتبة اجتماعية الموظف.
الآن امرأة خطبت لابنها، فقالت لها: ماذا يعمل ابنك، قالت لها: مهندس، فقالت لها: من أين تعيشون أنتم، مرتبة الوظيفة الآن هبطت، وحل محلها مرتبة التجارة، قبل خمسين سنة ما العيش إلا عيش الموظفين، الآن اختلف الأمر، هناك حرف في زمن معين تروج، وحرف تصبح متدنية.

مختصر درس الكفاءة:

إذاً بشكل مختصر تراعى الكفاءة بالزوج لصالح الزوجة ولأهلها، لئلا يلحقهم العار، والكبيرة إذا زوجت نفسها من دون ولي، وظهر أن الزوج غير كفء يطلب وليها فسخ العقد لعدم الكفاءة، والعبرة بالكفاءة لعرف البلد، والكفاءة حق خاص للمرأة وأهلها، وتراعى الكفاءة عند العقد، فإذا حملت المرأة سقط حق الكفاءة لعلة عدم الكفاءة، وإذا اشترطت الكفاءة، وصرح الزوج أنه كفء، ثم تبين أنه غير ذلك أيضاً فسخ هذا الزواج.
هذا بعض ما ورد في أحكام الكفاءة، وفي الدرس القادم إن شاء الله الحديث عن موضوعات الكفاءة.
فهذه الموضوعات على الشكل التالي، الكفاءة أولاً في الديانة، والعفة، والتقوى، والكفاءة في الحرية، والكفاءة في الإسلام، والكفاءة في النسب، والكفاءة في الحسب، والكفاءة في المهنة والحرفة والصناعة، والكفاءة في السلامة من العيوب، هذا موضوع دقيق جداً، إن شاء الله كل أخ يريد أن يخطب يختار حسب توجيهات الشرع، فإذا خطب الإنسان، أو إذا خطبت الفتاة، وكان هذا الخاطب تتوافر فيه الكفاءة الشرعية هذا معنى قول النبي:

((... إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ... ))

[ الترمذي ]

لكن أخس الناس كفاءةً هو الكافر أو الفاسق، وأعلى الناس كفاءةً طالب العلم الشرعي، هذه نقطتان أفصل فيهما بالدرس القادم إن شاء الله، أعلى درجة في الكفاءة مؤمن طالب علم شرعي، يعرف ما له، وما عليه، يعرف حق الزوجة، وحقه على زوجته، يعرف كيف يربي أولاده، هذه أعلى درجة في الكفاءة، وأقل درجة في الكفاءة أن يكون ليس فيه دين، لأنه يتحرك بحسب شهواته ونزواته، لابد من أن يقع في مغبة عمله.

تحميل النص

إخفاء الصور