وضع داكن
28-03-2024
Logo
الزواج - الدرس : 06 - الزواج سنة كونية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

مقدمة:

أيها الإخوة المؤمنون، في دروس سابقة تحدثنا عن موضوع الربا، وعن الكسب الحرام، وعن بديل الربا، وهو القرض الحسن، وعن شركة المضاربة، وبيّنا أن تسعة أعشار المعاصي تكون من كسب الرزق، وكان في نيتي أن أنتقل إلى موضوع كبير لا يقلّ أهمية عن الموضوع الأول، وهو موضوع علاقة الإنسان بالمرأة، فالحديث عن الزواج حديث ضروري جداً، لأنه سنة من سنن الله الكونية، هذا الحديث يحتاجه المتزوج وغير المتزوج.
قبل أن نتحدث عن الأمراض والعلل والانحرافات سوف نتحدث عن المنهج الذي رسمه القرآن الكريم في موضوع الزواج.

الزواج سنة كونية عامة في المخلوقات:

بادئ ذي بدء، قد تستغربون أن الزوجية سنة من سنن الله في الخلق والتكوين، وهي سنة عامة ومطردة، لا يشذ عنها لا عالَم الإنسان، ولا عالَم الحيوان، ولا عالم النبات، الزوجية في النبات، والزوجية في الحيوان، والزوجية في الإنسان، إذاً: هي سنة كونية مطرَدةٌ أو مطَرِدةٌ، بمعنى واحد في الخلق والتكوين، لقول الله عز وجل:

﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

( سورة الذاريات )

النبات كيف يتكاثر ؟ عن طريق التزاوج، الحيوان كيف يتكاثر ؟ عن طريق التزاوج، والإنسان كيف يتكاثر ؟ عن طريق التزاوج، فالزوجية سنة مطردةٌ في عالَم الإنسان، والحيوان، والنبات، وهي أصل في الخلق والتكوين، والله سبحانه وتعالى يقول: 

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾

( سورة يس )

حتى إن المادة، حتى إن الجماد لو حللناه لوجدناه مؤلفًا من ذرات، وكل ذرة فيها نواة وكهارب، وهذه الكهارب بعض شحناتها إيجابي، وبعضها سلبي، إذاً هناك تكامل، وربنا سبحانه وتعالى اختص الإنسان بنظام رفيع في الزوجية، قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾

(سورة الحجرات )

انظر إلى الطفلة الصغيرة التي لا يزيد عمرها على عام واحد، إذا أرادت أن تلهو تأخذ الوسادة، وتجعلها بنتًا صغيرةً، تربط على ظهرها، وكأنها تبكي من علمها ذلك ؟ ابنة عمرها سنة واحدة أو سنة وزيادة تأخذ دور الأم، والطفل الصغير أيضاً له ألعاب تشبه ألعاب الرجال، يأخذ قضيباً ويركبه، وكأنه حصان، معنى ذلك أن ربنا عز وجل حينما خلق الذكر والأنثى جعل فيهما صفات نفسية، واجتماعية، وعقلية، وجسمية أودعها الله في الذكر والأنثى، قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾

( سورة الحجرات )

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾

( سورة النساء )

هذه الآية من أدق الآيات، لأن المرأة والرجل خلقا من نفس واحدة، من طبيعة واحدة، من جبلة واحدة، من خصائص واحدة، وكل إنسان يرى أن المرأة أقلّ من الرجل هو إنسان لا يفهم هذه الآية الكريمة، المرأة كالرجل مشرفةٌ، ومكلفةٌ، ومحاسبةٌ، ومكرمةٌ.

علاقة الذكر بالأنثى علاقة منظَّمة:

لكن من كرامة الإنسان على الله أن علاقة الذكر بالأنثى علاقة منظمة، كان من الممكن أن تكون علاقةً عشوائية، كلما الإنسان ارتقى طبق منهج الله عز وجل في علاقته بالمرأة، وكلما تخلف نشأت الإباحية والتفلت، وعدم الانضباط في علاقة الذكور بالإناث في عالم البشر، وهذه جاهلية، وتخلف شديد، قال تعالى:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾

( سورة الأعراف )

فالتعري عودة إلى الهمجية، والتستر رقي وحضارة، فاللباس يواري سوءات الإنسان، وخلع الثياب دليل التوحش، ودليل البعد عن منهج الله عز وجل.
إذاً علاقة الذكر بالأنثى ليست علاقةً إباحية، ليست المرأة كلأً مشاعاً يأكل منه من يأكل، لكرامة الله على الله هناك نظام دقيق للتعامل معها، ولكرامة الرجل على الله هناك قيود دقيقة في تعامله مع المرأة، أنت أيها الإنسان مخلوق مكرم، أنت مخلوق مكلَّف، الحركة منظمة، هناك ممنوعات، ومباحات، وواجبات، وفرائض، ومحرمات، هناك شيء يجوز، وشيء لا يجوز، أما هذا الذي ينطلق وراء غرائزه كالحيوان تماماً، كالدابة المتفلتة من عقالها فلا إيمان له، أما المؤمن فهو منضبط.
ما الذي رفع سيدنا يوسف عليه السلام إلى هذه المكانة العلية ؟ انضباطه، وما الذي جعل الإنسان الزاني يسقط من عين الله ؟ تفلته، أنت بهذه الغريزة التي أودعها الله فيك إذا ضبطتَها وفق منهج الله تنقلب هذه الغريزة إلى درجات ترقى بها، أما إذا لم تضبطها وفق منهج الله تنقلب الغريزة إلى دركات تهوي بها، إذا صعدت درجة يقال لها: درجة، فإذا نزلت يقال لها: دركة، والآية الكريمة، قال تعالى: 

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ﴾

( سورة النساء )

عقد الزواج ميثاق غليظ:

لذلك لا يتم اتصال بين الذكر والأنثى إلا وفق نظام، وفق عقدٍ فيه إيجاب، وفيه قبول، وفيه شهود، وفيه مهر، وهذا العقد له مقدمات، فلابد من خطوبة، لابد من البحث والتحري لابد من التدقيقلابد من التأني، لابد من الكفاءة الزوجية، لابد من أن تختار امرأةً صالحة إذاً عقد الزواج أقدس على الإطلاق في عالم البشر سماه الله الميثاق الغليظ، قال تعالى:

﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ﴾

( سورة النساء )

مخالفة نظام الزواج واتباع الهوى مآله الدمار الدنيوي:

وهو عقد الزواج، إذاً هذه الغريزة غريزة الجنس الذي وضعها الله في الإنسان ليرقى بها مرةً شاكراً، ومرةً صابراً نظمها أدق تنظيم، فالمؤمن يتبع هذا النظام، المؤمن ينضبط بهذا التشريع، المؤمن يقف عند حدود الله، غير المؤمن يطلق بصره بالحرام، كلما سمحت له فرصة يروي هذه الغريزة بطريق مشروع، أو غير مشروع، لكن الله بالمرصاد، هناك أمراض كثيرةٌ، وعضالة ومدمرة فتاكةٌ تنتظر الذي يشذ عن منهج الله، فإذا أردت السلامة، إذا أردت لهذه الغريزة، أن تنتفع بها، وأن يبارك الله لك بها، وأن تسعد بها فاتبع فيها منهج الله عز وجل.

أنواع الأنكحة في الجاهلية:

1 – نكاح الخدن:

نحن نشأنا في ديار الإسلام ـ والحمد لله ـ ونشأنا من أم وأب، ولكن لو تعلمون كيف كان الجاهليون قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يتعاملون مع المرأة لرأيتم الشيء الذي لا يصدق.
فأول أنواع الأنكحة التي كانت للجاهلية نكاح الخدن، أي نكاحٌ سري، العرب كانت تقول: ما استتر فلا باس به، وما ظهر فهو لؤم، يعني افعل في السر كل شيء، أما في الظاهر فإياك أن تفتضح، أما إذا استطعت أن تصل إلى أية امرأة سراً فهي مباحةٌ لك، هكذا انطلق الجاهليون في علاقتهم بالمرأة، هذا النكاح نكاح العشيقات، نكاح السر نكاح غير مشروع، لكن أخطر من هذا النكاح وربنا عز وجل أشار إلى هذا النكاح في القرآن الكريم فقال تعالى: 

﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

( سورة النساء )

الخدن العشيق، للمرأة صاحب، وللرجل صاحبة، هذه الآن موجودة في العالم الغربي، له زوجة، وله عدة عشيقات، لها زوج، ولها عدة أصدقاء، طبعاً هذه جاهلية، وربنا عز وجل أشار إلى هذا فقال تعالى:

 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾

( سورة الأحزاب )

وكأن في هذه الآية إشارةً إلى أن هناك جاهلية أخرى هي أشد وأنكى من الجاهلية الأولى.

2 – نكاح البدل:

وهو أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لي عن امرأتي وأزيدك، هي سلعة يتبادل بها، وهذا هو الفرق، هذا النكاح كان في الجاهلية، هذه الجاهلية جهل وانحراف، وفسق، وفجور.

3 – نكاح الاستبضاع:

وقد ذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها أنواعًا كثيرة من أنكحة الجاهلية، من هذه الأنكحة أن يقول الرجل لامرأته إذا طهرت من طمسها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، يعني: اذهبي إلى فلان لتحملي منه، هكذا كانت العرب في الجاهلية، هذا النكاح نكاح الاستبضاع، فلان على مستوى عالي من الذكاء نجيب، شجاع، فيه صفات جيدة لتحسين النسل.

3 – نكاح الرهط:

ونكاح آخر هو نكاح الرهط ما دون العشرة، يدخلون على المرأة جميعاً فيصيبون منها، فإذا حملت، ووضعت، ومرت عليها ليالٍ أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل أن يمتنع عن أن يأتيها حتى يجتمع عندها، فتقول: قد عرفتم ما كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، وتختار واحدًا لا على التعيين، هو حظه، هذا نكاح آخر كان سارياً في الجاهلية، انظروا كيف كنا قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.

4 – نكاح البغايا:

أما النكاح الرابع هو نكاح البغايا: يدخلون على المرأة فلا تمتنع ممن جاءها، هؤلاء البغايا ينصبن على أبوابهن راياتٍ تكون عَلَماً، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن، ووضعت جمعوا لها الرجال الذين دخلوا عليها، ونظروا أقرب الوجوه شبهاً لهذا الرجل، فينسب إلى هذا الرجل.
نكاح البغايا، نكاح الرهط، نكاح الاستبضاع، نكاح البدل، نكاح الخدن، هكذا كانت أنكحة الجاهلية، وقد أكرمنا الله بالإسلام فنظم هذه العلاقة.

حضُّ الإسلام على الزواج وأدلة ذلك:

أولاً: موضوع الزواج يجب أن يكون هدف كل شاب، وفي أقرب وقت، وعلى الآباء والأولياء تقديم كل تسهيل، وكل معونة، وكل تبسيط، وعليهم إن لم يفعلوا ما أمرهم به الشرع أن يتحملوا تبعة امتناعهم فسقاً وفجوراً وفضائح ومآسي لا حصر لها.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ))

[ الترمذي]

الآن أضع بين أيديكم نماذج كثيرة جداً من نصوص الكتاب والسنة كي تعرفوا كيف حض الشرع على الزواج، لأن الحقيقة أن نظام المجتمع البشري أساسه الزواج، هذا المجتمع الكبير بناء ضخم، اللبنة الأولى فيه هي الأسرة، وأي نظام اجتماعي يكرم الأسرة، ويشجع على بنائها، ويسهل لها إنشائها، هذا نظام جيد، وأي نظام يحل السفاح مكان النكاح، ويمتنع عن إنجاب الأولاد.
لي قريب ذهب إلى أمريكا ليزور أخاه هناك، البيت الملاصق رأى بأم عينه على الشرفة ألبسة أطفال صغار قد نشرت بعد أن غسلت، فتيقن أن في هذا البيت أطفالاً، بعد حين سكن هذا البيت صديق أخيه، فتمت زيارة بينهما، فلما سأله: كم ولدًا عندك ؟ لأنه رأى ألبسة في الشرفة، فقال: ليس عندي أولاد، فقال له: كيف ذلك ؟ قال له: عندي كلاب، وهذه ألبسة الكلاب، إذاً: رغب القرآن الكريم في الزواج به.
مثلاً: قال تعالى:

 

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾

( سورة الرعد )

هل يوجد أعلى من الأنبياء والمرسلين ؟ أعلى طبقة في المجتمع، نخبة البشر، صفوة البشر، قال تعالى: 

﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾

( سورة آل عمران )

الأنبياء والمرسلون وهم قمم البشر، ربنا جل جلاله قال:

 

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾

( سورة الرعد )

الزواج إذاً شيء مشرف.
وفي حديث الترمذي عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الْحَيَاءُ وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ ))

هذا الكلام ينبغي أن يترجمه الآباء، أولياء الفتيات، إذا كنت ميسور الحال، وأمّنت بيتًا لصهرك فهذا عمل عظيم، هذا عمل ضروري.
يا أولياء الشباب، إذا أعنت ابنك على الزواج، أوجدت له بيتًا، أمّنت له حاجاته، فهذا عمل عظيم.
يا معشر الشباب، إذا وفّرت، واشتغلت بنية الزواج فهذا عمل عظيم.
إن الفتاة إذا أعدت نفسها لتكون زوجة فاستقامت على أمر الله، وحفظت كتاب الله، وتفقهت في دين الله، وهيئت نفسها لكي تكون أماً فإنّ الله سبحانه وتعالى لابد من أن يكرمها بمؤمن يجعل منها ومنه بيتاً إسلامياً.
الآن حض آخر على الزواج، قال تعالى: 

﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴾

( سورة النحل )

من فضل الله عليكم أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً، تارةً وصف الأنبياء والمرسلين، وهم قمم البشر، وصفوة البشر بأن لهم أزواجًا وذرية، وتارة منّ الله على بني الإنسان بأن خلق له بنين وحفدة، وكيف لا نصدق ذلك، وقد جعل الله نظام الزوجية آية من آيات الله الدالة على عظمته ؟ قال تعالى: 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

( سورة الروم )

من آياته الليل والنهار، من آياته الشمس والقمر، ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها.
أنا أذكر قصة، هي توضح هذه الآية، أعرف رجلاً كان مقيمًا في بلد نفطي، يعمل هناك، يأتي كل عام كإجازة شهر يبحث عن زوجة فلا يهتدي، ويعود إلى عمله في البلد النفطي، العام الأول لم يتمكن من أن يتزوج، والعام الثاني لم يتمكن، والثالث لم يتمكن، والرابع بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الطبيين، كما يقال في المثل العربي، وبلغ السكين العظم، إلى متى ؟ فأول يوم وصل، ثاني يوم أرسل والدته للخطبة، ثالث يوم لا يوجد شيء مناسب، مضى أول أسبوع، والثاني، ومضى الثالث، ومضى الرابع، وسفره الخميس، ويوم الأربعاء والدته عثرت له على فتاة مناسبة، شيء جميل، أجرى عقدًا الخميس بالمحكمة، وسفره الساعة الرابعة، فذهب إلى المطار، وخرجت زوجته التي عقد عقدها في اليوم نفسه إلى المطار لتودعه، فلما خرج من قاعة المسافرين إلى بهو المطار الداخلي بكت بكاءً مُرًّا، فقلت: سبحان الله ! البارحة لا تعرفه، ولا يعرفها، ما الذي حصل ؟ هذه من آيات الله، الذي عنده بنات لما تتزوج البنت صار زوجها أغلى عليها من أي إنسان، تريد أن تأخذ أغراض البيت كلها إلى بيت زوجها، ومن آياته الدالة على عظمته، والأب يسّر، والأب عندما يرى زوج ابنته في تفاهم مع ابنته فهذه سعادة كبرى له، ينام قرير العين، وهذا معنى قوله تعالى: 

﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

( سورة الفرقان )

إذا قال الإنسان: أنا لا أملك من أين أحضر المال ؟ البيت ثمنه كبير، ولا إمكانية للإيجار، الزوجة تريد مصروفًا، والذهب ثمنه باهظ، وغرفة النوم أيضًا، وكذا غرفة الضيوف، من أين أحضر الأموال ؟ أنأ إنسان دخلي وسط، هكذا يقول، ثم يقرأ قوله تعالى: 

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

( سورة النور )

هذه الآية يجب أن نتمسك بها، وهي كلام ربنا، وعندما تتزوج يرزقك الله، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:

(( من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا ))

[ ورد في الأثر ]

إذا أحجم الرجل عن الزواج أو عن التزويج، وقال: ماذا يملك هذا الذي خطبك بنتي ؟ لا نقبل، تقول لي: ماذا يملك ؟ هذا كلام ليس له معنى، يجب أن تعينه، وتقبل معه باليسير، وإلا يحل السفاح مكان النكاح، وإلا ترى نصف بيوت الشام أصبحت بيوت دعارة، لا خيار غلا في الزواج، فالمسلمون إما أن يستيقظوا، ويحلوا هذه المشكلة، وإما ـ والله ـ هناك أيام سوداء لا يأمن الرجل على ابنته أن تخرج من البيت،

((... إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ))

إذا قال لك ابنك: يا أبي، تعطيني غرفة مِن عندك فقل له: أعطيك، تقسم لي البيت، نعم، أقسم لك البيت، والله هناك آباء الآن ـ أقسم بالله ـ إني أكبرهم أشد الإكبار، يبيع بيته في الشام بعشرة ملاين، ويأخذ لأول ابن بيتًا، وللثاني بيتًا، ويسكن هو خارج دمشق، أو بحي من أحد أحياء دمشق القديمة البعيدة، وهذه بطولة.
هناك آباء يقول أحدهم: لا أخرج من البيت إلا وقت الموت، وهو في بيت مساحته أربعمئة متر، ثمنه ثلاثون مليونًا، وأنت وزوجتك، وعندك شباب يتحرقون على زواج، بع هذا البيت، وصغّره، ماذا يحدث ؟ هذه بطولة الآن.
أنا أقول كلامًا واقعيًا: الأب البطل الذي يهيئ تزويج أولاده بأي شكل، يصغّر بيته، يقطع عن فمه بالتعبير العامي حتى يؤمّن أولاده، لأن الابن إذا انحرف فهو في رقبة الأب، إذا لم يكن ابنك في الإيمان الكافي زلّت قدمه، آية كريمة أنا كنت في حيرة شديدة معها، قال تعالى: 

﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

( سورة النور )

هل يمكن لإنسان على وجه الأرض ـ واللهُ يخاطب المؤمنين ـ أن يجبر ابنته على البغاء ؟ ما أدري لهذه الآية من معنى ؟ لكن معنى هذه الآية: أنّ الأب الذي يضع العراقيل أمام تزويج ابنته، فتارةً لا يوجد بيت، وتارةً لا يوجد له دخل ثابت، وثالثاً مدخل بيتهم مُزرٍ، هذه أصبحت علة، كل إنسان يضع عراقيل أمام تزويج ابنته كأنه يدفعها إلى البغاء من حيث لا يدري، فلذلك قال تعالى، وهذا الأمر إلهي: 

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

( سورة النور )

الأيامى مفردها أيّم، والأيّم هو الرجل أو المرأة الشاب، أو الشابة الذي لا زوجة له، أو لا زوج لها، اسمها أيّم، قال تعالى: (أَنْكِحُوا )، افتحوا الجامع الصغير على حرف الحاء، حق المسلم على المسلم، حق الأب على ابنه، حق الابن على أبيه، حق الأخ على أخيه، حق الجار على جاره، حوالي ثلاثة عشر حديثًا، هناك حديث واحد إن قرأته اقشعر جلدك، ولا يوجد غيره:

(( ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتِب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف ))

[ الترمذي، والنسائي ‘ن أبي هريرة ]

أيها الشباب لكم عند الله حق، إذا أردت الزواج أن يعنيك الله، كيف لا أعلم ولكن يوجد معونة ادخرها لك، قال تعالى: 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

( سورة الطلاق )

أنا سمعت قصة تركت في نفسي أثراً بليغاً لشاب ناشئ عنده مكتبة صغيرة، وأمام المكتبة سبعة أبنية، وكل بناء فيه اثنا عشر طابقًا، وكل طابق ثمنه ثلاثون مليونًا، وفي هذه المنطقة تسكن طبقة غنية، السيارات والفتيات، فقال لوالدته: اخطبي لي من هذه الأبنية، أنا إنسان آدمي، فأمه تعرف ما ابنها، وما يملك، فقالت له: أنت ماذا تملك ؟ من يعطيك من هذه الجماعة ؟ فقال لها: والله أنا إنسان آدمي، ومستقيم، ولا أعرف الحرام، وهذا الكلام غير مقبول، فألحّ عليها مرة ثانية، ومرة ثالثة، وبعد ذلك كذبت عليه، وقالت: ذهبت، ولم يقبلوا بك إطلاقاً، وقالوا: هل يوجد لديك بيت ؟ فتألم ألمًا شديدًا، ويبدو أنه صادق مع ربه، يقف على مكتبته رجل من أصحاب هذه البيوت، فقال له: يا بني ما اسمك ؟ هل أنت متزوج، فقال له: لا والله يا سيدي، فقال له: أنا عندي ابنة للزواج، فألهم الله أحد الآباء، وهذه القصة واقعية، وهناك قرابة، وأنا أعرفها جيداً، هذا الشاب المستقيم الذي أراد العفاف، ألقى الله في قلب أحد الآباء محبته، شاهده مستقيمًا، يغض بصره، صادق في بيته، ونظيف ومرتب، فقال له: أرسل والدتك، والبنت مناسبة جداً، وفي هذه الأبنية نفسها، فأرسل والدته، وصار الاتفاق والعقد، والله وفقه.
هناك كلمة يقولها العوام أنا تهز مشاعري ـ هل أنت أكرم من الله عز وجل ؟ ضع ثقتك بالله عز وجل، من تزوج ملَك نصف دينه فليتقِ الله في النصف الآخر، يجب أن نسهّل، بيت خارج الشام، هل من المعقول أن أسكن خارج الشام ؟ نعم معقول، وأنت أنتَ، ومكانتك كما هي، يجب أن تتساهل أيها الأب، البيت ثمنه ثمانية ملايين، وخارج الشام ثمنه مليون، والمواصلات جيدة جداً الآن، يجب أن تتساهل بمكان البيت، وبحجم البيت، يجب أن تحقق شرع الله عز وجل، شرع الله بتيسير الزواج.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ))

أيها الشاب لك عند الله حق أن يعينك إذا طلبت العفاف، أنا أنصح كل شاب، كلما بالغ في غض بصره، وحفظ فرجه، والبعد عن المزالق كلما قرب الفرَج عليه، الله عز وجل ناظر إليه، إن الله ليباهي الملائكة في الشاب المؤمن، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي، لأن الطرقات فيها نساء كاسيات عاريات.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ))

عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:

(( لَمَّا نَزَلَتْ: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ... ))

الذهب والفضة كنزه مشكلة، هل يوجد مال آخر إذا جمعناه لنا فيه الخير ؟ فقال، ودققوا:

((... فَقَالَ: أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ ))

كيفما تحرك يثني على الله، يا رب، لك الحمد، والزوجة كنز من كنوز الدنيا، وقد روى الطبري بسند جيد عن ابن عباس رضي اله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( أربع من أصابهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة، قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدنًا على البلاء صابراً، وزوجةً لا تبغيه حوباً في نفسها ولا ماله ))

لسان شاكر، وقلب ذاكر، وبدن على البلاء صابر، وزوجة مؤمنة لا تظلمه لا في نفسها ولا في ماله، لا تتلف ماله، ولا تتساهل مع غيره، عفيفة، أحيانا الإنسان في ساعات إشراقه الروحية يقول: لا أريد أن أتزوج، وإذا فكر الإنسان هذا التفكير يكون قد خالف السنة، لأن هناك حديثًا صحيحًا رواه البخاري ومسلم عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:

(( جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ ولا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَال:َ أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))

[ البخاري ومسلم]

هذه سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يسعنا إلا اتباع سنة النبي.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:

(( مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ ))

[ سنن ابن ماجه]

أعظم شيء تناله بعد تقوى الله عز وجل زوجة صالحة، بعد طاعة الله عز وجل وبعد التقوى الزوجة المؤمنة.
عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاثَةٌ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاثَةٌ، مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ))

[ رواه أحمد بإسناد صحيح ]

تزوج رجل صالح امرأة سيئة جداً، فلما قيل له: طلقها قال: والله لا أطلقها فأغشّ بها المسلمين.
وروى الطبراني والبزار و الحاكم وصححه، وقد جاء تفسير هذا الحديث في حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 

(( ثلاثة من السعادة المرأة الصالحة، تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك ))

أنتم تعيشون في نعمة لا تعرفونها أبداً، والمفروض أن الإنسان يعرفها وهي في حوزته، إذا كان لرجل منكم بيت وزوجة، وذهب إلى عمله مطمئنًّا أشد الطمأنينة، وهذه نعمة لا تقدّر بثمن، ولا يعرفها إلا من فقدها، إلا من شك في زوجته، إلا من خشي أن يدخل عليها أحد في غيبته، أما الذي يطمئن لها ولعفتها، ولإخلاصها، ولحرصها على نفسها، ولتسترها وتحجبها فهذه نعمة لا تقدر بثمن. 

((... وثلاث من الشقاوة، المرأة تراها فتسوءك، وتحمل لسانها، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك ))

دائماً هي مهملة لنفسها، كل زينتها وأناقتها لغير زوجها، هذه حال نساء اليوم، كل نعومتها ولطافتها لغير زوجها، أما لزوجها فالكلام القاسي، والهيئة المهملة، والنظرة القاسية.
هناك امرأة كثيرة الشر، فمن شدة قسوة لسانها على زوجها، من شدة تأنيبها له، من شدة انتقادها المستمر ضاق بها ذرعاً، فرجاها أن تسلك هذا السلوك يوماً، وتدعه يوماً، ففي اليوم الذي عاهدته أن لا تقول شيئاً تقول له: غداً. 

 

الزواج عبادة:

 

آخر شيء في فضل الزواج، الزواج عبادة يستكمل بها الإنسان نصف دينه، ويلقى بها ربه على أحسن حال من الطهر والنقاء، أحياناً تشاهد امرأة ورجلا في الطريق، فإذا كان معهما ولد ترتاح، معنى هذا أنها زوجته، دائماً الطفل يوثق العلاقة، الطفل يعطي البراءة، وحسن السلوك، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

(( من رزقه الله زوجةً صالحةً فقد أعانه على شطر دينه، وليتّقِ الله في بالشطر الباقي ))

[رواه الطبراني والحاكم وقال صحيح إسناده ]

لما يتزوج الإنسان، وينظر يمنةً ويسرةً، وشرقاً وغرباً مشكلته كبيرة جداً، وهذا عقابه أليم، لأنه أصبح محصناً.
ذهب رجل إلى أوربا، ويظهر أنه أطلق لنفسه العنان، شاهد أشكالا وأنواعًا، فلما عاد ساءت علاقته مع زوجته جداً، فلما سئل قال: ما أحسنَّا اختيار زوجته، طبعاً كل إنسان متزوج، ويبحث عن متعة خارج بيت الزوجية معنى هذا أنه إنسان لا يعرف الله إطلاقاً، ولا يعرف أحكام الشرع أبداً، وهذا أكبر عقاب له، شقاء زوجي ما بعده شقاء.
عنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ طَاهِرًا مُطَهَّرًا فَلْيَتَزَوَّجِ الْحَرَائِرَ ))

[ ابن ماجه]

أحيانا يموت الإنسان أعزب، هناك تساؤلات، ظنون، شكوك، يدع هناك سؤالا كبيرًا، أما الإنسان المتزوج فسمعته نقية، معه شهادة حسن سلوك.
قال ابن مسعود، وهذا ليس حديثاً شريفاً: << لو لم يبقَ من أَجَلِي إلا عشرة أيام، وأعلم أني سأموت في آخرها، ولي طول نكاح فيهن لتزوجت مخافة السنة >>.
يبقى الزواج شرعيًا، وأي سلوك خارج الزواج سلوك فيه معصية كبيرة جداً.

الحكمة من الزواج:

الحكمة الأولى: الزواج هو القناة النظيفة للغريزة الجنسية:

بقي علينا موضوع قصير في موضوع الزواج، وهو حكمة الزواج، الحقيقة أن أكبر غريزة في الإنسان، وأعنفها هي الغريزة الجنسية، هذه الغريزة حينما تفرغها في القناة النظيفة التي شرعها الله عز وجل فكأنها قنبلة نزعت عنها الفتيل، كان هناك شيء متفجر، فوضعت عليه صمام الأمان، يمكن أن يكون هناك تفجر، وانحراف، وزلة قدم، وزنا، فلما تزوج الإنسان فهذه الطاقة الكبيرة، وهذا الاندفاع الشديد، وهذه الغريزة المتأججة انتهت، وهذا المسلك الطبيعي لها، لذلك قال تعالى: 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

( سورة الروم )

لتسكنوا، معنى هذا أن هناك اضطرابًا، وقلقًا، ورغبة، وشعورًا بالحرمان، كله انتهى، إنه أغض للبصر، وأحصن للفرج.
إذاً أول حكمة أن هذه الغريزة الطبيعية التي أودعها الله في الإنسان من خلال الزواج هذه الغريزة تسلك سلوكاً طبيعياً، وتغدو حياة الإنسان طبيعيةً، ويصبح له توازنًا، وطمأنينة، وسكونًا، كلمة سكن تشير إلى هذا المعنى، السكن معنى أنه يوجد اضطراب.
عَنْ جَابِرٍ

 

(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى امْرَأَةً فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ... )) 

[ أبو داود والترمذي]

المرأة رمز الدنيا، فإذا نظر الإنسان إلى امرأة مقبلة فهي شيطان، طبعاً إذا كانت سافرة، فإذا نظرت إليها فكأنما شيطان يدعوك إلى معصية.

((... فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، فَإِنَّهُ يُضْمِرُ مَا فِي نَفْسِهِ ))

[ مسلم، وأبو داود والترمذي]

المرأة الأجنبية الكافرة شيطانة تدعو إلى الفتنة، تدعو إلى الانحراف.
ثمة موضوع ذكرته سابقاً، حينما تسفر المرأة، وحينما تبرز مفاتنها فلسان حالها يدعو إلى التحرش بها، أما حينما تتحجب فلسان حالها يدعو إلى البعد عنها، واحترامها وتقديسها، وزيّ المرأة ينطق عنها، زيها المحتشم ينطق بعفتها وحشمتها، واستقامتها وطهارتها، وزيها غير المحتشم ينطق عنها برغبتها بالانحراف، ودعوتها للذئاب لينهشوا منها.
عندما ربنا قال: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

( سورة الأحزاب )

المرأة المؤمنة الحد الأدنى الذي يؤكد أنها مؤمنة حجابها، أما الأعلى فأن تعرف الله، أن تعرف منهج الله، أن تعرف حق الزوج، أن تعرف حق أولادها عليها، أن تكون محسنةً، أن تكون عفيفةً، لكن حدها الأدنى أن تكون محجبةً، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، معنى ذلك أن المرأة إذا لم تتحجب، وآذاها من آذاها فكأنما أعطتهم المبرر.
عندنا في اللغة لسان المقال، ولسان الحال، وقد يكون لسان الحال أبلغ من لسان المقال، فلباس المرأة لسان ينطق عنها، فإن كانت محتشمة كأنها تقول: أنا امرأة مسلمة، فابتعدوا عني، أنا لي زوج، أما إذا ارتدت لباساً فاضحةً فلسان حالها يدعو إلى التحرش بها، من زيها لا تؤذيها، ومن زيها تؤذيها.

الحكمة الثانية: الزواج أفضل وسيلة للإنجاب:

الحكمة الثانية أن الزواج أفضل وسيلة لإنجاب الأولاد، وتكثير النسل، واستمرار الحياة مع المحافظة على الأنساب.
إنّ رجلا خبيرًا من دولة أجنبية أقام حفلا كبيرًا جداً لأصدقائه بمناسبة أنه أنجب مولوداً، وهو له في هذه البلدة سنتين، لا يهمه هذا، وزوجته أرسلت له رسالة أنها أنجبت مولوداً فأقام احتفالاً كبيراً، لأنه أنجب مولوداً، لكن هذا الغلام من غيرك، هذا لا يهمّه.
هناك قصة مشهورة تُروى عن إنسان خطب فتاة، فلما استشار والده قال له: لا يا بني، هذه أختك، وأمك لا تدري، فلما اختار فتاة أخرى قال له: هذه أيضاً أختك، وأمك لا تدري، فلما أشار إلى فتاة ثالثة قال: يا بني، هذه أختك أيضاً، وأمك لا تدري، فلما ضاق ذرعاً بأبيه شكا إلى أمه، فقالت له: خذ أياً من هؤلاء، فأنت لست ابنه، وهو لا يدري.
هذا مجتمع الغرب، لكن مجتمع المسلمين مجتمع الطهر والعفاف، مجتمع النظافة مجتمع العفة، نحن نحمد الله على أننا في مجتمع نظيف، وما زال فينا بقية من طهر وعفاف، هذه بلدة مباركة، الشيء الذي يوصف به أهل الغرب شيء لا يوصف، انحلال خلقي، تبادل زوجات، زنا محارم، أمراض وبيلة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:

(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ، وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

هذا مقياس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يبدو أن أعظم ما في المرأة مودتها لزوجها، وإنها تنجب له أولاداً أطهاراً.
دخل الأحنف بن قيس على معاوية بن أبي سفيان ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه إعجاباً به، فقال: << يا أبا بحر، هذه كنية الأحنف بن قيس، ما تقول في الولد ؟ فعلم ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، و ثمرة قلوبنا، وقرة أعيننا، بهم نطول على أعدائنا، وهم الخلف منا لمن بعدنا، فكن لهم أرضاً ذليلة، وسماءً ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملّوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستبطئوا وفاتك >>.
الأب البخيل ـ والعياذ بالله ـ إذا مرض، وجيء له بالطبيب، وقال الطبيب: اطمئنوا، لا يوجد شيء، ينزعج الأولاد جداً، أما الأب الكريم فحياته أغلى عليهم من حياتهم أنفسهم.
أيها الآباء هذا الكلام لطيف، << فكن لهم أرضاً ذليلة، وسماءً ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستبطئوا وفاتك، فقال: لله درك يا أبا بحر >>.
هل تصدقون أن إنسانًا في غرفة العمليات، وعملية خطيرة جداً يأتي أشد الناس قرباً منه ليفاوض الطبيب على قتله في أثناء العملية على مبلغ كبير.
أنا معجب بكل أب أعطى أولاده وهو في حياته ما يريدون، حتى شعروا أن أباهم شديد العطف عليهم، طبعاً بالعدل فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( أَلَكَ بَنُونَ سِوَاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فلا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ))

[ متفق عليه ]

أن تعطيهم في حياتك، وأن تعدل بينهم في حياتك، هذه من واجبات الآباء.
الحقيقة أن في الإنسان غريزة الأبوة والأمومة، هذه الغريزة الراقية جداً لا تظهر إلا في الزواج، وإنجاب الأولاد، ترى الشاب طائشًا، فعندما يأتيه ولد يصبح إنسانًا آخر، نشأ في قلبه العطف والحب، فغريزة الأبوة، وغريزة الأمومة لا تظهر إلا من خلال الولد، هذه الغريزة فضيلة في الإنسان، الزواج يشعر الزوج بالتبعة، بالمسؤولية، عنده زوجة، وعنده أولاد يحتاجون إلى مصروف، تراه ينصرف إلى عمله دؤوباً، يبذل ويضحي، صار إنسانًا مقدسًا، أما الذي ليس له زوجة، ولا أولاد أكثر أيامه يقضيها في النوم، كسول، أما الذي له زوجة وأولاد، وعليه تبعات هذا ينطلق إلى عمله، والنبي صلى الله عليه وسلم أثنى على كل شاب فقال: إذا خرج هذا الشاب يرعى أهله فهو في سبيل الله.
خروج الشاب من بيته إلى عمله يرعى أبويه، أو أهله، أو أولاده فهو في سبيل الله.
كلكم يعلم أن المرأة التي شكت إلى النبي عليه الصلاة والسلام زوجها، قالت:

(( يا رسول الله، إن فلان تزوجني وأنا شابة ذات جمال وأهل ومال، فلما كبرت سني، ونثرت له بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي قال: أنت علي كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فبكى النبي عليه الصلاة والسلام ))

[ ابن ماجه عن عائشة]

موطن الشاهد أن الأم مهمتها تربية الأولاد، وأن الأب مهمته كسب الرزق، وهذا اختصاص، هناك تكامل بين الزوجين، المرأة في الداخل، ولها كل الخصائص والمشاعر، وهو في الخارج، وله كل الخصائص والمشاعر المتعلقة بعمله خارج المنزل.

حقيقة علمية: الأزواج أطول عمرا من غير المتزوجين:

آخر شيء في الدرس أن تقريرًا لهيئة الأمم المتحدة نشر في الشهر السادس من عام تسعة وخمسين وتسعمئة وألف، هذا التقرير مبني على دراسة إحصائية مطولة جداً، يثبت أن المتزوجين أطول أعماراً من غير المتزوجين، لأن طبيعة الإنسان تتوافق مع الزواج، التقرير طويل، ومعه أدلة كثيرة، وإحصاءات، ولكن ملخصه أن المتزوجين أطول أعماراً من غير المتزوجين، لأن الزواج عمل وفق عضوية الإنسان.

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور