وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 56 - سورة الأنعام - تفسير الآية 132 ، قيمة اليوم بعمله ـ ولكل عمل درجة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس والخمسين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية الثانية والثلاثين بعد المئة ، وهي قوله تعالى :

﴿  وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(132)  ﴾

[ سورة الأنعام ]


درجات العمل ومراتبه


 أيها الإخوة ، الإنسان حينما يضع درجات ليقيّم أو ليقوّم الذين يعملون معه تأتي هذه الدرجات محدودة، ففي أيّ بلد تقريباً هناك عشر مراتب للموظفين، ولكل مرتبة ثلاث درجات، مجموع المراتب والدرجات ثلاثون، وهو ناتج عشرة في ثلاثة، وهناك مليونا موظف لا بد من أن يقيَّموا وفق هذه المراتب والدرجات .

 لكن ربنا جل جلاله، الآن في الأرض ستة آلاف مليون ، لكل إنسان درجة تختلف عن الثانية، الإله قُدرته لا محدودة، مطلقٌ في قدرته وفي تقويمه، وفي معرفة العمل والدوافع، والخلفيات، والتضحيات، والظروف ، والضغوط ، لذلك تقييم الأشخاص من شأن الله وحده ، وأنت لا تستطيع تقييم الأشخاص لأن العلم محدود ، والمقاييس محدودة .

 مثلاً : أنا حينما أستخدم ميزان حرارة أستطيع أن أقول : الدرجة 20 ونصف ، وإذا كان البصر حاداً أقول لك : عشرون وثلاثة أرباع ، لكني لا أستطيع أن أفرّق بين واحد على ألف من الدرجة زيادة أو نقصًا .

 بالمناسبة، البعوضة ترى الأشياء لا بأشكالها، ولا بأحجامها، ولا بصورها، بل ترى الأشياء بحرارتها، وحساسية جهازها جهاز استقبال حراري ، واحد على ألف من الدرجة المئوية .

 إذاً: الإنسان محدود، قد يأتي إنسان بدكتوراه في الفيزياء النووية ، ويأتي إنسان بدكتوراه في الموسيقا، يُعيَّنون بمرتبة واحدة ، مع أن هناك بوناً شاسعاً بين الاختصاصين . 


ولكل درجات مما عملوا


 إذاً ربنا عز وجل يقول : 

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ أعمالك، حجمها، ظروفها، صعوباتها، عوائقها، صوارفها ، نواياها ، أهدافها يعلمها الله وحده ، لذلك أرح نفسك من تقييم الناس ، والنبي عليه الصلاة والسلام علّمنا وأدّبنا ، وصحابته تأدّبوا بهذا الأدب ، والأكمل أن تقول: أحسبه صالحاً ، ولا أزكّي على الله أحداً . 

 لما ولَّى سيدنا الصديق سيدنا عمر بعده قال : يا رب ، هذا عِلمي به ، فإنْ بدّل أو غيّر فلا علم لي بالغيب . 


تقييم الأشخاص ليس من اختصاص البشر


 لو أنك أعفيت نفسك من تقييم الأشخاص لأرحت واسترحت، وكلما أُسأل عن تقييم إنسان أقول لهم: تقييم الأشخاص مِن شأن الله وحده، نحن نرى الظاهر، إنسان يملك ألف دنماً جاء من يهمس في أذنه : لو قدمت خمس دنمات لبناء مسجد فتضطر البلدية أن تنظّم هذه المساحة ، وإذا نظمتها إلى مقاسم ارتفع السعر عشرة أضعاف ، فيأتي هذا الذي لا يصلي، ولا يتعرف إلى الدين إطلاقاً، ويقدم خمسة دنمات ليُبنى عليها مسجد، والناس يُعجبون بسخائه وبكرمه ، وأريحيته وصلاحه وتقواه ، من يعرف الحقيقة؟ الله جل جلاله، لذلك قالوا: يمكن أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت، ويمكن أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل وألف ألف مستحيل ، بل إن الله سبحانه وتعالى تولى كشف الحقائق .

 العالم الغربي عالم غني قوي ذكي، طرح قيمًا رائعة جداً، حقيقة رائعة، الحرية ، الديمقراطية ، حقوق الإنسان ، حق المقاضاة ، العولمة، احترام جميع الأديان، تكافؤ الفرص، لكن الله سبحانه وتعالى وضع الغرب في ظرف صعب فكشفهم على حقيقتهم ، فأصبحوا أكثر قسوة من الدول التي تُوصم بأنها قاسية، إذاً :

﴿ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)﴾

[  سورة آل عمران ]

 مستحيل وألف ألف مستحيل ألاّ تُمتحن، سُئل الإمام الشافعي: أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء ؟ فقال  هذا الإمام الكبير: لن تُمكّن قبل أن تُبتلى .

 إذاً : تستطيع أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت ، بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدعهم جميعاً لكل الوقت فهذا مستحيل ، أما المستحيل وألف ألف أَلف مستحيل أن تخدع نفسك لثانية واحدة .

﴿  بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)  ﴾

[ سورة القيامة  ]

 ومستحيل أن تخدع الله .

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) ﴾

[  سورة النساء  ]

 إذاً: أنت لك عند الله ملف، نحن كبشر لا نرى إلا الظاهر، نرى إنسانًا يصلي، ونرى إنسانًا لا يصلي، نرى إنسانًا يرتكب معصية فنقول: هذا عاصٍ ، لكن الله سبحانه وتعالى :

﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) ﴾

[  سورة طه  ]


سَعة اطلاَّع الله على خلْقِه ، وقصور المخلوق 


 يعلم ما خفي عنك، ويعلم ما خفي عن صاحبه .

 يعني هناك شيء مُعلَن، وشيء أكتمه عن غيري، هذا سرّي، أعلمه أنا، لكن لم أُعلِم به أحدًا، لكن هناك شيء لا أعلمه لا أنا ولا غيري ، هو الأخفى الذي خفِيَ عليّ ، لذلك فإن الله علِم ما كان، وعلِم ما يكون، وعلِم ما سيكون، وعلِم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

 أيها الإخوة، الإنسان عند الله مكشوف، فإذا علم أن الله يعلم لعلها تتحجّم نفسه، وتتهيّب أن تعصي الله عز وجل، وفي بعض الآيات :

﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) ﴾

[  سورة المائدة  ]

 وأفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان، اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

(( الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يَراك ))

[ الألباني عن أبي هريرة وعمر بن الخطاب  ]

إذاً: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ في الامتحان عندنا مئة درجة، لكن مستحيل أن نضع السُّلَّم من مليون درجة، نقول له: أنت نجحت، وأخذت ستمئة وثمانية وسبعين ألف وسبعمئة واثنين وخمسين درجة، ما عندنا إمكانية أن نقسّم الأفكار والأدلة والشواهد، وحل المسائل إلى مليون درجة، عنا مئة درجة، وفي جامعات عشرين درجة فأما الله عز وجل: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ كل واحد منا له عند الله درجة ، وفي تقييم دقيق لأعماله .

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) ﴾

[ سورة الإسراء  ]


الإنسان مخلوق ليعمل للجنة


 النقطة الدقيقة أنك جئت إلى الدنيا من أجل أن تعمل عملاً يؤهلك للجنة، يعني أنت في الأصل مخلوق للجنة، مخلوق لجنة أبدية عرضها السماوات والأرض، مخلوق لنعيم مقيم، مخلوق لدار لا نغص فيها ولا تعب، ولا مرض، ولا فقر، ولا وسيم ودميم، ولا قوي وضعيف، ولا ظالم ومظلوم، ولا حاكم ومحكوم، مخلوق لجنة، لك ما تشاء فيها، لمجرد أن يخطر في بالك شيء تجده أمامك .

﴿  قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)  ﴾

[  سورة الحاقة  ]

 أيها الإخوة، أنت حينما تؤمن أنك مخلوق للجنة، وأن هذه الدنيا ممر، وليست مقراً، هي دار عمل، وليست دار جزاء، هي دار تكليف لا دار تشريف، هي دار سعي لا دار عطاء . 

 أنت حينما تعلم أنك مخلوق للجنة ترى أنه يجب عليك أنْ تعمل عملاً صالحاً في الدنيا، لذلك البشر على اختلاف مللهم، ونِحَلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، ودياناتهم، ومذاهبهم، واتجاهاتهم ، وآرائهم ، وتياراتهم ليسوا عند الله إلا رجلين فقط ، أو نموذجين : 

﴿  فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)  ﴾

[  سورة الليل  ]

 إنه تقسيم رائع، بخلاف تقسيم البشر: دول الشمال، ودول الجنوب، والعرق الآري، والعرق الأنجلوسكسوني، والعرق السامي، والدول المختلفة والمتقدمة، والدول البحرية والداخلية، الدول النامية، والدول المتقدمة، قسّم العالم إلى مليون قسم، هم عند الله قسمان: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ صدق أنه مخلوق للجنة، اتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، أو: 

﴿ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) ﴾

[ سورة الليل  ]

لم يؤمن إلا بالدنيا، فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ . 

 يعني فندق خمس نجوم لا بد من أن يُباع فيه الخمر، ما من مشكلة إطلاقاً، لأن الآخرة ما أدخلها في حسابه إطلاقاً، أدخل الدنيا في حسابه بالمقاييس الأرضية من له مطعم متواضع بأطراف دمشق ، الطعام جيد ، والسعر معتدل، والدخل محدود جداً لا يكاد يكفي حاجة صاحب المطعم ، وهناك مطعم غلته في اليوم عشرة ملايين ليرة ، لكنه يقدم المشروبات والراقصات والمغنيين ، والدخل كبير فلكي ، ولا سيما في الصيف، والدليل أن طريقاً محدوداً فيه تسعون ملهى . 


حقيقة الموازنة الموازنة بالآخرة


 أيها الإخوة ، النقطة الدقيقة أنه يُنتظر من العاقل ألا يوازن بين شيئين، ولا بين شخصين، ولا بين عملين، ولا بين تجارتين، ولا بين وظيفتين إلا إذا ضمّ الآخرة إلى كلٍ منهما .

 إذاً الله عز وجل قال : 

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، أنت تُقيَّم وفق عملك الصالح ، جئت إلى الدنيا من أجل العمل الصالح ، الدليل القطعي الإنسان حينما يأتيه ملك الموت :

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[ سورة المؤمنون  ]

 لم يقل: أرجعوني لأتمم البناء، لأتمم الصفقة، لأتمم الدراسة ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾ الذي تندم عليه هو أهم شيء فيما كنت. إذاً الآية الكريمة : 

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ أنت جئت إلى الدنيا من أجل العمل الصالح، ليكون العمل الصالح ثمن جنة عرضها السماوات والأرض، فإذا كان عمل الإنسان قليلاً حظه قليل من الآخرة، لكن من هو الذي خسر الخسارة العظمى؟ الذي ليس له عمل في الدنيا، بعض العلماء أشار إلى لفتة لطيفة جداً أنه :

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 

((  إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ : إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))

[  أخرجه مسلم ]

 فكيف الذي يموت، وليس له عمل إطلاقاً! كيف الذي يموت وأثقال الأعمال السيئة في عنقه!؟

 إخواننا الكرام، يجب على الإنسان أن يفكر في مصيره ، أما الذي يعيش وقته، ولا يفكر فيما سيكون فهو إنسان بعيد بُعْد الأرض عن السماء عن أن يكون فالحاً .

 الآن: أنت في الدنيا من أجل العمل الصالح، كيف ؟ لو أن جهة رفيعة المستوى وعدتك بأن تكون رئيس جامعة ـ المثل افتراضي ـ ولك بيت بأرقى أحياء دمشق، وتركب أفخر مركبة، وتقترن بأجمل زوجة، ولك في كل مكان جميل قصر ، بشرط أن تأتي بالدكتوراه من بلد معين، أنت ذهبت إلى هذا البلد، لك هدف واحد ، هو أن تنال الدكتوراه من هذا البلد، لذلك تختار آلاف الوسائل التي تعينك على بلوغ هذا الهدف .

 أنت حينما تعرف الله، وتؤمن بالله، يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن علة وجودك في الدنيا أن تعمل عملاً صالحاً تستحق به دخول الجنة .

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) ﴾

[ سورة النحل  ]

 صدقوا أيها الإخوة أنّ العمل الصالح ليس داخلاً في حياة معظم الناس، يقول أحدهم: لست متفرغاً، أنا مشغول، دعني في همومي، كل حركته في الحياة لمصلحته، لبيته، لدخله، لرفاهه، لنعيمه، لاستمتاعه بالحياة، يعتذر بلطف بالغ، معه أموال طائلة يُطلب منه قرض يقول لك، ما عندي مال نقدي، يطلب منه خدمة، يُطلب منه أن يتصل بإنسان وهو صديقه لتحل مشكلة إنسان مظلوم عنده، يقول لك: لا أبذل ماء وجهي أمام أحد، معظم الناس العمل الصالح ليس داخلاً في برنامجهم إطلاقاً، دخل ببرنامجه متعه، وبيته، ومكاسبه، وشأنه، ومكانته، وتألقه، ودخله، واستمتاعه بالحياة، لكن لم يدخل في حسابه أن يقدم عملاً لله عز وجل، مع أن هذا الذي لا يعمل صالحاً كالذي يذهب إلى بلد بعيد لينال دكتوراه، وسوف ينتظره في بلده كل شيء، فذهب ولم يدرس . 

 ذهب أحدهم إلى الحج، ورجع من المطار محمَّلاً ببضائع تموّل أكبر محل تجاري، ما ترك أداة ما اشتراها، بعدما وصل المطار قال : يا الله نسيت أن أحج . فقط نسي أن يحج!

 هذا وضع الذي يأتي إلى الدنيا ويغادرها، وليس له عمل صالح، ميت ، لا قيمة له .

﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) ﴾

[  سورة الأنعام ]

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ﴾

[  سورة الكهف  ]

 احفظ هذه العبارة: حجمك عند الله بحجم عملك الصالح . 


معنى العمل الصالح


 ما معنى العمل الصالح ؟ العمل الصالح معناه ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً: ما ابتغي به وجه الله، وهذا لا يعلمه أحد إلا الله، قضية النية لا يعلمها أحد إلا الله .

 بالمناسبة أنت لك صفات، ثلاثون بالمئة من هذه الصفات يعلمها مَن حولك، كونك رجلٌ ولست أنثى، كونك مهندس، ولست جاهلاً، كونك طبيب، كونك طويل القامة، لونك أسمر، كونك ألمعي، يعني هناك صفات يعلمها مَن حولك ، هذه تساوي من شخصيتك 30 % فقط ، و30 % أو 33 % أخرى يعلمها من يحتكّ بك، زوجتك، أولادك، شريكك، من يجاورك، من تسافر معه، من تعامله بالدرهم والدينار، و33 % ثالثة لا يعلمها أحد إلا الله، 33 يعلمها من حولك، و33 يعلمها من كان على صلة متينة معك، و 33 الثالثة لا يعلمها أحد إلا الله، وقضية النيات من القسم الثالث، هذا سر بينك وبين الله، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : 

((  إنَّمَا الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ  ))

[  متفق عليه عن عمر بن الخطاب ]

 يعني يُقيَّم العمل حرصاً بالنية . 

(( نِيَّةُ المُؤمنِ خيرٌ مِن عمَلِه, ونِيَّةُ الفاجِرِ شرٌّ مِن عمَلِه. ))

[  أخرجه العجلوني عن نواس بن سمعان الأنصاري وهو ضعيف  ]

 كل ما فعله من شرور يتمنى أن يفعل أكثر . 

 بالمناسبة أيها الإخوة، هناك حقيقة مذهلة قالها سيدنا علي: < فاعل الخير خير من الخير، وفاعل الشر شر من الشر > ، كيف ؟ 

 إن الإنسان الذي ألقى قنبلة على هيروشيما من ستين سنة أو سبعين سنة أعتقد، وانتهت بها الحرب العالمية، هؤلاء الذين ماتوا في ثلاث ثوانٍ 300 ألف، لو استمر الزمان مضى خمسون وخمسون سنة ثانية، كلهم ميتون، فيأتي وقت هذا الشر الذي وقع ينتهي، أما هذا الذي أراد أن يُميت 300 ألف إنسان في ثانية هذا يعذب بهذا العمل إلى أبد الآبدين ، ففاعل الشر شرٌّ من الشر . 

 إنسان أنشأ مدرسة، أنشأ ميتماً، أنشأ مستشفى، هذه المستشفى تعمل بانتظام من ثلاث وثمانين سنة، لكن يوم القيامة تنتهي الحياة، وينتهي المستشفى، وينتهي الميتم، وينتهي التعليم، وينتهي كل شيء ، أما هذا الذي قدم العمل لله عز وجل فهو خيرٌ من الخير ، < فاعل الشر شر من الشر ، وفاعل الخير خير من الخير >


شروط العمل الصالح 


1 ـ الإخـــــلاص : 

 أيها الإخوة، العمل ينبغي أن يكون خالصاً، ابتُغي به وجه الله . 

 قال لي مرة أحدهم : كيف أرقى بنيتي ؟ قلت له: سؤالك تماماً كما لو سألت طبيباً وقلت له: من فضلك أريد منك معلومة واحدة، قال لك: تفضل، قلت له: كيف أكتب وصفة للمريض؟ قال له: وصفة؟! هذه الوصفة محصلة دراسة 33 سنة ، وشهادة ثانوية بتفوق ، وسبع سنوات في كلية الطب، بعد هذا بعثة إلى بلد بعيد عشر سنوات أخر حتى حصل على بورد، حتى قدر أنْ يكتب وصفة ، فيريد أخونا في الله أنْ يتعلمها في خمس دقائق . 

 كيف تكون نيتي عالية؟ هذه النية العالية محصلة إيمانك، استقامتك، جهادك، ضبط أعضائك، ضبط جوارحك، ضبط بيتك، محصلة إيمانك وعملك، ومعرفتك بالله عز وجل ترتقي نيتك ، لذلك العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة

2 ـ موافــقة السنــة : 

 إذاً ليس مقبول عند الله أن نجري ( يانصيب خيرياً ) أو حفلة غنائية ساهرة يُرصد ريعها للأيتام ، العمل لا يُقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة . 


قيمة العمل بامتداد أمَدِه


 إخواننا الكرام، العمل يُقيّم بامتداد أمده، لك عمل أطعمت جائعًا، خلال ربع ساعة شعر بالشبع، الله يجزيك الخير، أكل الساعة التاسعة، الساعة الثانية جاع، انتهى العمل، يريد أن يأكل مرة ثانية، عالجت مريضاً من مرض فشفي، جاءه مرض ثانٍ، انتهى العمل الأول، فالعمل يُقيّم بامتداد أمده، هناك عمل قصير، وهناك أعمال يموت أصحابها، ويمضي بعد موتهم السنوات، والعقود، والحقب، والقرون، وأعمالهم باقية، فإذا كنت بطلاً فاعمل عملاً يستمر بعد موتك . 

 والله مرة افتتح مسجد في منطقة في الغرب، سبحان الله ! الذي أنشأ هذا المسجد له وجه كالبدر من شدة فرحه، ودعى علماء دمشق إلى حفل افتتاحه، وأُلقيت كلمات رائعة، ولما انتهى الحفل خرجت من هذا المسجد ، فإذا على الضفة المقابلة له ملهى ، كل أنواع الموبقات في هذا الملهى، تصورت ‍‍‍كيف يقف يوم القيامة الذي أنشأ هذا المسجد بين يدي الله عز وجل ، و‍‍‍كيف يقف هذا الذي أنشأ الملهى بين يدي الله عز وجل، الذي أنشأ الملهى بعد أسبوع من افتتاحه مات، ولا تزال الموبقات في هذا الملهى ، أعظم عمل صالح أن يستمر العمل ونحن تحت أطباق الثرى . 

 أحياناً أسمع درساً لعالم جليل في إذاعات العالم العربي، وقد توفاه الله، والحق مستمر، هذه الصدقة الجارية: (إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) .

 مرة توفي أحد علماء دمشق الأجلاء المخلصين، بعد أن انتهت التعزية قام ابنه، وألقى خطبة كأبيه تماماً، فقلت: والله ما مات الأب، هذا الابن صدقة جارية ، ولد ينفع الناس من بعده .

 لذلك العمل يقيم بامتداد أمده . 


قيمة العمل باتِّساع رقعته


 لكن هناك عمل تتسع رقعته ، قد تذهب إلى أطراف الشرق، إلى أستراليا ، هناك دعوة إسلامية ، إلى أمريكا هناك دعوة إسلامية، الإسلام انتشر في القارات الخمس ، جاء بالإسلام رجل واحد ، لكن الله عز وجل جعل هذا الإسلام تتسع رقعته ، ويمتد أمده . 

 زارنا ضيف مرة من بلد بعيد في عطلة رسمية بمناسبة عيد المولد ، فمرافقه من أحد إخواننا قال له: الوضع غير طبيعي في البلد؟ قال له: عندنا عطلة رسمية ، قال له: ما المناسبة ؟ قال له: عندنا رجل عظيم هو نبي هذه الأمة: قال له: منذ كم سنة توفي؟ قال له: منذ 1500سنة، فكاد يُصعق، من 1500 عام ؟! وتعطلون يوم ميلاده ؟! شيء غير معقول، إذاً العمل قيمته بامتداد أمده . 

 إخواننا الكرام، العمل يُقيّم أو يُقوّم كلاهما صحيح بامتداد الأمد ، يعني يستمر مئة عام ، مئتي عام، ألف عام، ألفي عام، هذا عمل عظيم، وهناك أعمال جليلة قام بها العلماء، وأثرها مستمر، وقد تستمر بعد موتهم، وهناك أعمال تتسع رقعتها ، تشمل بلاداً عديدة .

 أحياناً دعوة إلى الله تتسع لمعظم البلاد، نقول : امتدّ أمدها، واتسعت رقعتها، لكن هناك أعمال فيها قوة تأثير، وأحياناً يتأثر الإنسان فقط بطعامه، يكون كتاب التغذية قوي جداً ، مقنع جداً ، كل تأثير الكتاب متعلق بالغذاء فقط ، أما دعوة تغير تفكيرك، تصوراتك، ومبادئك، وقيمك، وحركتك بالحياة، لها علاقة بزواجك، وبعملك ، وباختصاصك ، وبخدمتك للناس، تتغلل بأعماقك حتى تظهر آثارها بكل نشاطاتك، بكل أوقاتك، وبكل أحوالك، وبكل أعمارك هذه دعوة تأثيرها قوي جداً ، هناك تأثير أحادي، و هناك تأثير أحادي عميق، وهناك تأثير عام ضعيف ، لكن هناك تأثير عميق جداً وشمولي، هذه دعوة النبي عليه الصلاة والسلام . 


شمولية الأحكام الشرعية لجميع نواحي الحياة


 تجد المؤمن بدءاً من فراش الزوجية ، وحتى العلاقات الدولية يحكمها منهج الله ، كل دقيقة عنده حكم شرعي ، إذا استفزه إنسان :

﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

 إذا بغى عليه إنسان : 

﴿  وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ(39)  ﴾

[  سورة الشورى  ]

 في كل حركة من حركاتك، في كل سكنة من سكناتك، في كل لحظة من لحظاتك، في كل أحوالك، في كل أطوارك، في ليلك في نهارك، في سفرك في إقامتك، في غناك في فقرك، قبل الزواج وبعد الزواج، في المرض والصحة ، في الغنى والفقر ، المنهج تأثيره متغلغل في الأعماق يصل إلى مستوى الشمول. 


تنوُّع الأعمال الصالحة


 وهناك أعمال صالحة أيضاً متنوعة، هناك إنسان يؤلف القلوب، وإنسان يؤلف الكتب، وهناك إنسان يجمع بين تأليف القلوب وتأليف الكتب، وإن كان تأليف الكتب تأثيره أطول أمداً، وتأليف القلوب أعمق أثراً ، وأقلّ أمداً . 

 الإمام الغزالي كما يقال: كان في مجلسه 400 عمامة، لكن بعد أن توفاه الله انتهى الدرس، ماذا بقي؟ كتاب الإحياء، الإحياء كتاب عظيم . 

 إذاً قضية امتداد الأمد، واتساع الرقعة، وعمق التأثير، وتنوع التأثير، هذا شيء مطلوب للمؤمن . 


العمل الصالح بين العقبات والمعوقات والصوارف


 أيها الإخوة، أحياناً يكون هناك عمل صالح، لكن ليس أمامه عقبات، ولا معوقات، العمل الخيري عمل عظيم دائماً، أما الآن الطرف الآخر انتبه لهذا العمل، صار عليه تدقيق كبير، صار صاحبه متهماً سلفاً، فظهرت معوقات، وأحياناً تكون القوة لغير المؤمنين، وصار أداء الشعائر صعباً جداً، وأداء العبادات صعباً جداً، وأيّ دعوة مُتهمة، وكلما كثرت المعوقات كبر الأجر . 

 أحيانا هناك صوارف، هناك مئة نشاط يصرفك عن الدين، الحياة الآن بأبهى زينة، الفتن يقظة، الشهوات مستعرة، كل شيء جميل، كل شيء يدعو إلى المعصية، كل شيء يدعو إلى المتعة، يعني ممكن أن تشاهد مئة قناة للفِجر، و هناك أشياء تسلي الإنسان، هناك المسرحيات، وهناك دور لهو، وهناك مسابقات، وهناك ألعاب، وهناك شاشة، هناك صوارف عن الدين لا يعلمها إلا الله ، فإذا كان هناك عقبات كثيرة ، ولأن الإنسان أخذ موقفاً دينياً يتّهم، وصار أمنه في خطر . 

هناك صوارف عديدة جداً ، معنى ذلك أنّ العمل عظيم وكبير .

 إذاً: العمل يُقيّم بقدر العقبات التي توضع أمامه، وبقدر الصوارف التي تزلّ قدم الإنسان بها، فينصرف عن هذا العمل، وأحياناً العمل يزداد أجره إذا قلّ المعين عليه . 

فكلما اشتدت العقبات، و تنوعت الصوارف، وقلّ المعين على العمل يزداد العمل الصالح، وكلما امتدّ أثره، وامتدّ أمده تزداد قيمته، وكلما اتّسعت رقعته تزداد قيمته، وكلما تعمّق أثره تزداد قيمته، وكلما تنوّعت آثاره تزداد قيمته، وكلما كان شمولياً شمل الحياة كلها تزداد قيمته . 

 يعني أحيانًا يعلمك إنسان التجويد، الذي علّم التجويد على العين والرأس، وفضّل علينا، لكن أتقنت لبنة ببناء مئة طابق، أتقنت لبنة واحدة من هذا البناء، هو عمل عظيم، لكنه محدود، أما أنْ يدلك إنسان على الله أحياناً، فتنعكس مقاييسك مئة وثمانين درجة، كنت تحب الأخذ أصبحت تحب العطاء، كنت تحب الشهوة أصبحت تحب الحقيقة، كنت تأخذ أصبحت تعطي، كنت تغضب أصبحت تحلم، كنت تمضي الوقت بلا طائل أصبح الوقت عندك ثميناً جداً، كنت عصبي المزاج أصبحت حليماً، وتزداد قيمة الأعمال الصالحة عند فساد المجتمعات، واضطراب الأحوال، كل يوم تهديد، وكل يوم ضغط ، وساعة ارتفع الدولار، وساعة نزل، وساعة حصار اقتصادي، كل يومين هناك تهديد وضغط ، وحينما يجور الأمراء، وحينما يتجبّر الأقوياء، وحينما يترف الأغنياء، وحينما يداهن العلماء، وحينما تشيع الفاحشة، يعني ما بقي للزوج شيء من زوجته، كل مفاتنها للناس، عمومي، وحينما يظهر المنكر، وحينما يختفي المعروف. 

ففي مثل هذه الأوقات: عند فساد المجتمعات، واضطراب الأحوال، وجَور الأمراء، وتجبر الأقوياء، وترف الأغنياء، ومداهنة العلماء، حينما تشيع الفاحشة، ويظهر المنكر، ويختفي المعروف، حينما تكون العبادة في الهرج كهجرة إلي .

 حينما يؤتمن الخائن، ويخوّن الأمين، يُكذَّب الصادق، ويُصدَّق الكذوب، حينما يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغيّر، إن سكت استباحوه، وإن تكلم قتلوه، في مثل هذه الأوقات الذي يقبض على دينه كالقابض على الجمر تزداد قيمة العمل الصالح . 

 أيها الإخوة الكرام، " ربّ عمر اتسعت آماده، وقلّت أمداده، وربّ عمر قليلة آماده، وكثيرة أمداده، ومن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من المنن ما لا يدخل تحت دائرة العبارة، ولا تلحقه ومضة الإشارة "

 يعني بصراحة: أنت فتحت محلك التجاري، داومت 12 ساعة، الغلة مئة ليرة، وهناك رجلٌ فتح ساعة الغلة مليون ليرة، فقيمة المحل لا بالدوام بل بالغلة، فهناك عمر قصير، الإمام الشافعي عاش دون الخمسين، والإمام النووي دون الخمسين، ترك رياض الصالحين، ربما ما من بيت في العالم الإسلامي ليس فيه رياض الصالحين، ترك الأذكار، ترك كتاباً في الفقه من أعلى ما يكون، وشرح صحيح مسلم ، وكل عالم ترك آثاراً علمية ينتفع منها المسلمون لألف عام قادمة .

 كنت مرة ألتقي مع الطلاب الصغار فسألتهم عن ابن القيم الذي يعد علماء المسلمين الآن عالة على كتبه، ولد في ازرع ، وقرية نوى فيها الإمام النووي، يعني هناك علماء كبار تركوا آثاراً لا يعلمها إلا الله . 

أيها الإخوة 


الخلاصة 


 ـ يجب أن تعلم أن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح . 

 ـ والعمل الصالح يُقيّم بادئ ذي بدء بنيته .

 ـ ثم يُقيّم بامتداد أمده .

 ـ ثم باتساع رقعته .

 ـ ثم بعمق تأثيره .

 ـ ثم بتنوع تأثيره .

 ـ ثم إذا استمر بعد الموت فهذا من أعظم الأعمال الصالحة .

 لسيدنا علي كلمة يقول: << إنه ليس شيء شرٌّ من الشر إلا العقاب، وإنه ليس شيء خيرٌ من الخير إلا الثواب، وكل شيء في الدنيا سماعه خير من عيانه، وكل شيء في الآخرة عِيانه أعظم من سماعه، فليكفكم من العِيان السماع، ومن الغيب الخبر، واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خيرٌ مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا، فكم من منقوص رابح، وكم من مزيد خاسر، واعلموا أن الذي أُمرتم به أوسع من الذي نُهيتم عنه، وما أُحلّ لكم أكثر مما حُرّم عليكم، ذروا ما قلّ لِما كثر، وما ضاق لِما اتسع، وقد تُكفِّل لكم بالرزق ، وأُمرتم بالعمل ، فلا يكن المضمون لكم طلبه أَولى بكم من المفروض عليكم ، فبادروا بالعمل، وخافوا بغتة الأجل، ومما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ـ دققوا ـ علمٌ علّمه ونشره، أو ولد صالح تركه، أو مصحف ورّثه، أو مسجد بناه، أو بيت لابن السبيل أو نهر أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته >> .  

يعني يجب أن يدخل العمل الصالح في برنامجنا اليومي، اسأل نفسك مساء: ماذا فعلت من أعمال صالحة؟ قيمة اليوم بعمله، هو وعاء العمل، وأنت مخلوق للعمل، والعمل الصالح ثمن الجنة .

والحمد لله رب العالمين. 


دعاء:


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور