وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 60 - سورة الأنعام - تفسير الآيات 138 – 140، عشر قواعد أصولية متعلقة بالحلال والحرام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الستين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية الثامنة والثلاثين بعد المئة، وهي قوله تعالى :

﴿  وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ(138) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

 الحرث: هو المال: ﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾


منزلة الحلال والحرام في الدين :


 أيها الإخوة الكرام، قضية الحلال والحرام أخطر قضية في الدين، وقبل أن نمضي في الحديث عن معاني هذه الآيات لا بد من توضيح لبعض ملابسات الحلال والحرام .

 أيها الإخوة، الحلال والحرام هو قيام الإسلام، ودليل الإيمان، لو ألغيت المنهج فماذا بقي من الدين؟ لو ألغيت افعل ولا تفعل ماذا بقي من الدين؟ لو ألغيت الالتزام ماذا بقي من الدين؟ الحلال والحرام هو قيام الإسلام، ودليل الإيمان، هو ميزان الصدق عند الواحد الديان، ميزان الصدق عند الله أن يجدك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل إلا بمقتضى الأمر والنهي، حينما قال الله عزوجل :

﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) ﴾

[  سورة النمل  ]

 العمل الذي يرضي الله إذا كان خالصاً لوجه الله، وابتغيت به وجه الله وكان وفق السنة، لذلك قال بعض العلماء: ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً: ما ابتغي به وجه الله، وصواباً: ما وافق السنة.

أيها الإخوة، لا إيمان بلا عمل . 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)﴾

[  سورة الأنفال  ]

 أصل العبادة: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، لذلك لا التزام بأمر آمر، و لا انتهاء عن نهي ناهٍ، ماذا بقي من الدين؟ الإنسان إن لم يلتزم بأمر الله، ولم ينتهِ عما عنه نهى ليس فيه دين إطلاقاً، كل المظاهر التي يعبر عنها الناس من أنهم ينتمون إلى هذا الدين، وليسوا عند الحلال والحرام ليست بشيء، لذلك لو رأيت الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على وجه الماء ولم يكن عند الأمر والنهي فلا تعبأ به، وأدق تعريف للولي في القرآن :

﴿  أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63) ﴾

[  سورة يونس  ]

 هذا تعريف الولي البسيط الواضح: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾

 أيها الإخوة، هناك بعض الحقائق المتعلقة بالحلال والحرام : 


قواعد متعلقة بالحلال والحرام :


القاعدة الأولى : التحريم والتحليل من شأن الله وحده :

 أول حقيقة: أن الحلال والحرام من شأن الله وحده، ما في جهة مُخوّلة أن تحرم أو أن تحلل، التحريم والتحليل من شأن الله وحده، هذه من خصائص الذات الإلهية، هو يحرم وهو يحلل، وأي تشريع أرضي تحليله وتحريمه ليس بشيء أمام تحليل الله وتحريمه، هذه القاعدة الأولى . 

القاعدة الثانية : الأصل في الأشياء الإباحة :

 القاعدة الثانية: أن الأصل في الأشياء الإباحة .

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)﴾

[  سورة البقرة ]

﴿  وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(13)  ﴾

[  سورة الجاثية  ]

 الأصل في الأشياء أنها مباحة، ولا يحرّم شيء إلا بدليل قطعي في ثبوته، وقطعي في دلالته، هذا الدين. 

((  ابن عمر دينك دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا  ))

[  عن ابن عمر وهو ضعيف  ]

 أول حقيقة: التحليل والتحريم من شأن الله وحده: لذلك كان كبار العلماء إن سُئلوا عن شيء لم يرد فيه نص يقولون: الأَولى ألا تفعلوه، أنا لا أرتاح له، لا يعطون كلمة حلال أو حرام، الآن أي إنسان مهما قلّ شأنه يقول لك: حرام، وبلا دليل، أو حلال، التحليل والتحريم من شأن الله وحده. 

القاعدة الثانية: أن الأصل في الأشياء الإباحة: ولا يُحرّم شيء إلا بالدليل القطعي في ثبوته، والقطعي في دلالته. 

القاعدة الثالثة : تحليل الحرام وتحريم الحلال مِن أكبر الكبائر :

 عندنا قاعدة أخرى، وهي: أن تحليل الحرام، وتحريم الحلال من أكبر الكبائر، الله عزوجل رتّب المعاصي والآثام ترتيباً تصاعدياً، فذكر الفحشاء والمنكر، والإثم والعدوان، وذكر الشرك، وذكر الكفر، وجعل على رأس المعاصي كلها :

﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 مرة كان بعض الصحابة الأجلاء في سفر، وقد استيقظ أحدهم وقد أصابته جنابة، فسأل ؟ فأشاروا عليه أن يغتسل، والجو بارد فمات، فالنبي عليه الصلاة والسلام على غير عادته قال : 

((  قتلوه قتلهم الله  ))

[ أبو داود عن جابر وهو ضعيف  ]

 أن تقول: حرام، أن تقول : حلال . 

 بالمناسبة أيها الإخوة، أي إنسان يستطيع أن يحرّم، القضية سهلة جداً تكلفك كلمة، أن تقول: حرام، لكن البطولة أن تعطي الرخصة مع الدليل، لأن التحريم يُحسِنه كل إنسان ولو كان جاهلاً .

 والشيء الثاني: أن الإنسان أحياناً يأخذ بكل الرخص، فإذا سُئل أعطى بالعزائم، وهذا خطأ كبير، الإنسان إذا كان يأخذ بالرخص ينبغي أن تعطي الرخص، لكن الأكمل أن تأخذ نفسك بالعزائم، وإذا استُفتيت أن تعطي الرخص .

 إذاً تحريم الحلال، وتحليل الحرام من أكبر الكبائر، لذلك أحياناً يفتي الإنسان بلا علم، وهو محاسب عند الله أشد الحساب، لكن الذي سوف يُعاقَب أشد العقاب هو الذي يفتي بخلاف ما يعلم، الأول جاهل، أما الثاني مجرم، الذي يفتي بخلاف ما يعلم، يعلم الحكم الشرعي، ولمصلحة راجحة، لمصلحة شخصية، لتثبيت مركز، لإرضاء قوي يفتي بخلاف ما يعلم . 

القاعدة الرابعة : الحلال طيب والحرام خبيث :

 القاعدة الرابعة: الحلال طيب، والحرام خبيث، يعني الحلال تحلو به النفوس، والحرام يحرم الإنسان من سعادته ، وما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، فلا حرمان أبداً، لكن لما يتزوج الإنسان الناس يفرحون، ويهللون، ويقدمون له الهدايا، ويباركون، وهو يجلس مع زوجته آمناً ، مطمئناً، لا حرج، ولا قلق ولا خوف، لأن هذا وفق منهج الله، وقد يصلي قيام الليل ، وقد يبكي في الصلاة، أما إذا ابتغى علاقة غير مشروعة أولاً طُرد من رحمة الله، ولُعن من قِبَل الله، وحُجب عن الله، وكان عمله سراً، ويخاف أن يُفتضَح، وهناك من يؤاخذه، وقد يسقط من عين الناس ، يعني كل الخير في الحلال ، وكل الشر في الحرام ، الله عزوجل قال : 

﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(5) ﴾

[  سورة البقرة ]

 الهدى الذين هم عليه رفع شأنهم، وأعلا قدرهم، وجعلهم نجوماً في المجتمع، سُئل الحسن البصري بمَ نلت هذا المقام؟ قال : باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي .

 مرة كان الحسن البصري عند والي البصرة ليزيد، فجاء توجيه من يزيد بن معاوية، يبدو في هذا التوجيه إيقاع ظلمٍ في فئة معينة، فقلق هذا الوالي قلقاً شديداً وعنده إمام جليل هو الحسن البصري، قال: يا إمام ماذا أفعل؟ إن لم أحقق مراد يزيد غضب وعزلني، وإن حققت مراده حُجبت عن الله، ماذا أفعل؟ وقع في حرج شديد، فقال له كلمة يجب أن تكون لكل واحد منا شعاراً، قال له: إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله .

 إذاً: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة، لا حرمان في الإسلام، الحلال طيب، أنت حينما تكسب مالاً حلالاً تكون رافع الرأس، لا تستحي أما حينما يكون غش، أو احتيال، أو كذب، أو تدليس، ويُكتشف الأمر، تصغر من عين الناس، بل تسقط من عين الله، الحلال تحلو به النفس، الحلال طيب، الحلال معه أمن، معه طمأنينة، معه راحة نفسية ، معه عز .

 إخواننا الكرام ، هناك قانون للعز، وقانون للذل، أنت حينما تستقيم على أمر الله تشعر بعزة ما بعدها عزة، وحينما ينحرف الإنسان يشعر بصَغار ما بعده صَغار . 

القاعدة الخامسة : في الحلال ما يغني عن الحرام :

 القاعدة الخامسة: في الحلال ما يغني عن الحرام: كل شيء أودعه الله عزوجل فيك من شهوات أعطاك قنوات نظيفة يمكن أن تأخذ هذا الشيء من هذه القنوات، أؤكد لكم بيقين قطعي أن الإسلام دين الفطرة، والإنسان حينما يستقيم على أمر الله يعيش حياة طيبة وعده الله بها، قال تعالى :

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[  سورة النحل ]

 والحياة الطيبة لا يعرفها إلا من ذاقها، ليس شرطاً أن تكون غنياً، لكن في قلب المؤمن من الطمأنينة والثقة بالله، والتفاؤل، والشعور بالتألق عند الله عز وجل ما لو وُزّع على أهل بلد لكفاهم، فالحلال يغني عن الحرام بكل الشهوات .

 مرة قال لي أحدُ الزملاء في العمل: أنا كنت في جاهلية ثم اهتديت إلى الله، وتبت من كل المعاصي والآثام التي كنت أعملها، أقسم لي بالله أن ساعة مع زوجة صالحة مؤمنة طاهرة لا تعدلها متع الأرض من الفسق والفجور والشعور بالسقوط من عين الله .

 يوجد مع المعاصي سقوط، مع المعاصي شقاء، مع المعاصي خجل من الله الذي يراقبك . 

القاعدة السادسة : ما أدى إلى حرام فهو حرام :

 هناك قاعدة سادسة: ما أدى إلى الحرام فهو حرام: الشيء الذي يؤدي إلى حرام فهو حرام، هذه قاعدة أصيلة، قال تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) ﴾

[  سورة المائدة ]

 أنت أجّرت بيتاً الرقم غير معقول، الرقم يفوق أجرة غرفة في أفخر فندق، هناك مشكلة، معنى ذلك أنت قدمت البيت لهذه المعصية الكبيرة، وهذا قدم الأداة ، وهذا قدم التغطية، لذلك ما أدى إلى حرام فهو حرام، والأصل في هذا: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ الزنا محرم، كل مقدمات الزنا محرمة، الخلوة محرمة، إطلاق البصر محرم، صحبة الأراذل محرمة، أي شيء يقرب من معصية فهو معصية، ما حُرم فعله حُرم استماعه، وحرم النظر إليه، لذلك من شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها، ومن غاب عن معصية فأقرها كان كمن شهدها. 

القاعدة السابعة : التحايل على الحرام حرام :

 شيء آخر، التحايل على الحرام حرام، وبهذا يمكن أن نقيّم الحيل الشرعية، يعني أنا لا آكل الربا، جيد، آتي بكيس من الأرز أضعه في محلي التجاري، وقد يبقى في المحل عشر سنوات، كل من جاءني ليأخذ قرضاً ربوياً أبيعه هذا الكيس ديناً، بألف ومئتين، ثم يبيعني إياه نقداً بألف، أنا أعطيت ألفًا، سجلت ألفًا ومئتين، بيع العِينة حرام، هذا احتيال، لذلك هؤلاء الأشخاص الذين يطبقون الحيل الشرعية كأنهم يرون أن الله تنطوي عليهم، ولا تخفى على الله خافية، وآلاف الحيل الشرعية من هذا الباب، حتى إن المرابحة التي يقوم بها كل من له صلة ببنك إسلامي، في معظم وجوهها هي قرض ربوي عن طريق بضاعة، على كلٍ بعض أنواع المرابحة صحيح، أما معظم الأساليب التي يستخدمها الناس يعتمدون على الحيل الشرعية، فالتحايل على الحرام حرام . 

القاعدة الثامنة : أن النية الحسنة لا تبرر الحرام :

هناك شيء آخر، وهي القاعدة الثامنة: أن النية الحسنة لا تبرر الحرام .

﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) ﴾

[  سورة النمل ]

 متى يرضى الله عن عملك الصالح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، فقد يكون العمل مخالفاً للسنة، كأن نقيم حفلاً غنائياً، ونيتنا من هذا الحفل أن نقدم ريع هذا الحفل إلى الأيتام، هذا أيضاً محرم، النية حسنة، لكن ينبغي أن يكون العمل وفق السنة .

 الآن: العمل وفق السنة، النية ليست حسنة، العمل مرفوض، لا يُقبل عند الله عمل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .

 من طلب الدنيا حلالاً تعففاً عن المسألة، وسعياً على عياله، وتعطفاً على جاره، لقي ربه ووجهه كالقمر ليلة البدر . 

القاعدة التاسعة : اتقاء الشبهات أولى :

القاعدة التاسعة: اتقاء الشبهات أولى:

((  إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبرأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ ، كالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى ، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، ألاَ وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً ، ألاَ وَإنَّ حِمَى اللَّهِ تَعالى مَحَارِمُهُ  ))

[  متفق عليه  ]

يعني نهر عميق خطير له شاطئ مائل زلِق، وله شاطئ جاف مستوٍ، فالمشي على الشاطئ المستوي الجاف آمن، أما المشي على الشاطئ المائل الزلق خطير، الشبهات تشبه المشي على الشاطئ المائل الزلق، والمُحكمات تشبه المشي على الشاطئ الجاف المستوي .

 لذلك الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس . 

(( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس  ))

[  أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم في المستدرك عن عطية السعدي وهو ضعيف ]

 الشبهات فيها وجه شرعي، وفيها وجه غير شرعي، ابتعد عنها، ونم ناعم البال، الوَرِع هكذا يفعل، يتقي الشبهات (إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبرأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ ، كالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألاَ وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً ، ألاَ وَإنَّ حِمَى اللَّهِ تَعالى مَحَارِمُهُ) .

القاعدة العاشرة : الحرام حرام على الجميع :

 القاعدة العاشرة: الحرام حرام على الجميع، ليس في الإسلام استثناءات أبداً، الحرام حرام، في كل مكان، وفي كل زمان، ومع كل إنسان، لأن هناك من يتوهم أن الحرام في هذا البلد حرام، لكنه في بلد آخر حلال، والحقيقة هناك خطورة كبيرة على العقيدة حينما تعتقد بنسبية الأخلاق والتعاملات، يعني يقول لك بعضهم: أنت الذي تراه حراماً في الشرق هو في الغرب شيء طبيعي جداً، ولا شيء فيه ، الحرام حرام في كل مكان ، والحرام حرام في كل زمان ، والحرام حرام مع كل إنسان، هذه حقيقة يجب أن تكون واضحة ، لذلك هناك إسلام جغرافي، وأحياناً تكون المرأة في بلدها محجبة، فإذا صعدت إلى سلم الطائرة خلعت الحجاب وسفرت، وأبرزت كل مفاتنها، الحجاب حجاب في بلدها، وفي أي بلد آخر. 


أخطر موضوعات الحلال والحرام : المرأة وكسب المال :


 أيها الإخوة، لخطورة الحلال والحرام، ولأن تسعة أعشار الأحكام الشرعية متعلقة بالحلال والحرام، بل إن الحلال والحرام في مجمله لا يزيد عن موضوعين كبيرين، كسب المال والعلاقة مع النساء ، كسب المال يأخذ خمسة أعشار الأحكام الشرعية، والعلاقة مع النساء تأخذ أربعة أعشار الأحكام الشرعية، فمن سدّ هاتين الثغرتين، قضية المال والنساء فقد كان في حصن حصين.

 تابع الفضائح في التاريخ الحديث، في كل بلاد الأرض، كل الفضائح لا تزيد عن نوعين، فضيحة مالية، وفضيحة جنسية، لذلك الأحكام المتعلقة بالمرأة وكسب المال تسعة أعشار الأحكام الشرعية.

 الآن: أهل الدنيا يشرعون، ويحللون، ويحرمون، لكن أريد أن أقدم لكم حقيقة دقيقة ذكرتها كثيراً ، لكن هنا لا بد من ذكرها مرة ثانية : 


العلاقة بين الأمر ونتائجه علاقة علمية وعلاقة وضعية :


 هناك علاقة بين الأمر ونتائجه، هناك علاقة علمية، وهناك علاقة وضعية، أحياناً يؤمر الابن أن يخرج من هذا الباب، البيت له بابان خارجيان، الأب ارتأى أن يقفل الأول، وأن يحصر الخروج والدخول من الباب الثاني، فالابن عنّ له أن يخرج من الباب الأول، وقع في مخالفة وضعها الأب، هو الذي وضعها ، وقد يُعاقب الابن على هذا السلوك ، هذا موضوع .

 لكن الإنسان حينما يضع يديه على مدفأة ، وهي مشتعلة تحترق ، نقول : العلاقة بين احتراق اليد وبين الأمر والنهي علاقة علمية .

يجب أن تعلم علم اليقين أن العلاقة بين الأمر الإلهي ونتيجته، وأن العلاقة بين النهي ونتيجته علاقة علمية ، وكنت أضرب مثلا للتوضيح :

 إذا كان ثمة تيار كهربائي 8000 فولت، ووضع وزير الكهرباء لوحة كتب عليها: " ممنوع الاقتراب من التيار، خطر الموت "، وهناك إنسان واقف إلى جانب هذا التيار، أراد أن يقترب، لكنه خائف من الشرطي، تلفت يمنة ويسرة، الموضوع ليس موضوع شرطي، موضوع أن هذا التيار 8000 فولت يجعل من اقترب منه قطعة فحم في ثانية، فقضيتك ليست مع الشرطي والدولة، قضيتك مع خصائص هذا التيار .

 فأنت حينما تفهم أن أمر الله إن طبقته ينتهي إلى السلامة والسعادة، وأن النهي إن لم تنتهِ عنه وصلت إلى الشقاء والهلاك، عندئذٍ تكون فقيهاً في الدين، ودائماً وأبداً أقول: اللوحة التي كتب عليها: " ممنوع التجاوز حقل ألغام "، هذه اللوحة ليست حداً لحريتك، بل هي ضمان لسلامتك، يعني بالتعبير الدقيق: إذا كنت مفرطاً في حب ذاتك، إذا كنت مفرطاً في أنانيتك في حب وجودك، في حب سلامة وجودك، في حب كمال وجودك، في حب استمرار وجودك فأطع الله، لأن طاعة الله سلامة لك، ولأن العمل الصالح رقي لك، لذلك أزمة أهل النار في النار أزمة علم :

﴿  وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ(10)  ﴾

[  سورة الملك ]

 إذاً يتضح أن الحلال والحرام من شأن الله وحده، وأن هذه القواعد قواعد أصولية متعلقة بالحلال والحرام، أما الناس الشاردون عن الله هم يحللون وهم يحرمون .

 هنا ملمح دقيق: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على الرُماة الذين عصوه في أحد، صلى عليهم، كيف يصلي على عاصٍ؟ قال علماء السيرة: صلى عليهم لأنهم عصوا أمراً تنظيمياً، ولم يعصوا أمراً تشريعياً، الأمر الإلهي أمر تشريعي، والحلال إذا أخذت به هناك سلامة وسعادة، والحرام إذا أخذته هناك شقاء وهلاك . 


لا حرام إلا ما حرم الله : وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ


 الآن : 

﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ﴾ الأنعام البقر والغنم والإبل ، وما شاكل ذلك ، والشياه. ﴿هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ﴾

الحرث الأموال ، وقد تكون الأراضي ﴿حِجْرٌ﴾ هذه الدابة لله، ممنوع أن تُركب، ممنوع أن تُحلب، ممنوع أن ينتفع بها، شرعوا .

والله أيها الإخوة هناك تشريعات في الأرض لا يمكن أن تُقبَل، إذا مات الرجل في بلاد الهند فلا بد من أن يُحرق بعد أن يموت، ولا بد من أن تتمدد زوجته إلى جانبه، وتُحرق معه، طبعاً هذه من تقاليد الهند وعاداتهم، ما هذا التشريع ؟! 

﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ۚ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

 إذا انتهى أجل إنسان فما ذنب الثاني، والعالم أحياناً كلما تحرر من تقليد غير محتمل يقع في تقليد أشد غرابة من الأول، لأن هناك ضياع، إن منهج الله من عند الخبير .

 بالمناسبة، عندك جهاز غالي الثمن، عظيم النفع، معقد التركيب، أصابه عطب هل تعطيه لإنسان تحبه وهو جاهل ؟ لا تعطيه لإصلاحه إلا للجهة الخبيرة، بالمناسبة الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتّبع تعليماتها . 

﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ﴾ حجر أي ممنوع أن تُركب، أو أن تُحلب، أو أن ينتفع بها . 


لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ


﴿لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ﴾ لذلك لا يمكن أن يكون التشريع من البشر ، لأنه إذا كان من البشر الإنسان يحابي نفسه، يجر المنفعة إلى نفسه، وما مِن تشريع أرضي إلا يعطي الذي نظم هذا التشريع ميزات تفوق حد الخيال، ويحرم الطرف الآخر كل حقوقه الأساسية، لذلك التشريع من شأن الله وحده، لأنه إله، والكل عباده، أما إذا كنت أنت عبداً، وبيدك التشريع تشرّع لصالحك، ولا تأبه للطرف الآخر . 


تقاليد الناس لا أساس لها من الصحة :


﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ ومعظم تقاليد العالم وعاداتهم ما لها أساس من الصحة، يعني في عصور الجاهلية كانت المرأة تُورّث كالسلعة تماماً، يرث الزوجة ابن الأب الأكبر، تصير زوجة أبيه ملكه، هو الوارث لها، وهناك تشريعات ليس للمرأة فيها شيء، الثروة للأولاد الذكور فقط، هناك تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان .

لذلك حينما التقى ربعي برستم قال له : << ... إن الله بعثنا لنخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن جور الحكام إلى عدل الإسلام >> .

 بالمناسبة أيها الإخوة، الآية التي قبلها والتي تشير إلى أن الشركاء يوحون إلى شركائهم أن يقتلوا أولادهم أيضاً هناك جهل كبير جداً، وبُعدٌ كبير عن فهم حقيقة الابن، يعني الابن إذا علمته، وهذبته، وقومته، وحليته بالخلق الكريم، كان الابن أكبر نعمة للأب ، فهذا الذي يقتل ابنه ما فهم على الله حكمته، وقد يكون الأب في رحابة كسب ابنه.

 يعني كنت في عقد قران، أحد علماء دمشق الأجلاء توفاه الله عز وجل، وابنه من طلاب العلم، ألقى كلمة رائعة جداً في مناسبة عقد زواج، وأنا أستمع لهذه الكلمة قلت: ما مات الأب ما دام قد خلّف طالب علم يلقي كلاماً رصيناً، وبعلم غزير، لم يمت. 

﴿  وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21)﴾

[  سورة الطور  ]

 يعني بالمناسبة والآيات التي قبل الآية التي بدأت بها تتعلق بقتل الأولاد، وتحدثت في درس سابق على أن القتل قتلان، إما أن تقتل جسمه كوأد البنات في الجاهلية تماماً، أو أن تدعه من دون علم ولا أدب، ولا تربية، ولا تعليم، فهو عبء عليك . 


ليست الكثافة السكانية من أسباب التأخر والخسران :


 بالمناسبة أيها الإخوة، كان يُظن أن الكثافة السكانية مع الأوراق الخاسرة للأمة، لذلك الصين بدأت بتحديد النسل، وألزمت المجتمع عندها بولد واحد، والذي حصل أن كل أسرة كانت تكتفي بولد ذكر، فإن جاءت أنثى لا تسمح لها أن تعيش، أما الذكر يُسمح له أن يعيش، لأنه ولد وحيد، فمع مضي عشرون أو ثلاثون عامًا، وأنا أتابع هذا الموضوع من قديم نشأت أزمة زواج، هناك خمسون مليون شاب ليس له زوجة، فظهرت عصابات لخطف الفتيات في سن الزواج .

لكن الآن الصين نفسها لها رأي آخر، الكثافة السكانية أكبر مورد بشري، لكن بشرط أن تعلم هذا الإنسان، وأن تطلق يده، وبالمصطلحات الاقتصادية: هناك ثروات طبيعية، وهناك موارد بشرية، وهناك تقنية عالية، الموارد أنواع ، لكن أحد أهم هذه الموارد الموارد البشرية .

 الآن على مستوى أسرة، لما يأتي الإنسانَ ولدٌ، ويربيه تربية عالية هذا أكبر معوان له، يعني أحياناً تجد إنسان في سن متأخرة، وأصابته بعض الأمراض ، له أولاد يحفّون به بأعلى درجة من الخدمة ، فهذا الذي يقتل ابنه إما قتلاً مادياً كالوأد، أو يقتله قتلاً من نوع آخر، أن يهمل تربيته، على كلٍ هذا الابن يمكن أن يكون أكبر معوان لأبيه ، إذاً :

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (151) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ  نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)﴾

[  سورة الإسراء   ثم يقول الله عزوجل : ]

﴿  وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(139)  ﴾

[  سورة الأنعام  ]

يعني أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، تموت الدابة التي لهم فيأخذون بدلاً عنها من التي لله عزوجل، يعني كل أحكامهم أساسها مصلحتهم، وأساسها رغبتهم ، ومآربهم المادية .

 إذاً نعود ونقول: التشريع يجب أن يكون لله وحده


وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا


﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ ادّعوا أن ما في بطون هذه الأنعام من اللبن، ومن الأجنّة إذا نزلت حية فهي للذكور منهم فقط، ولا تأكل النساء من ذلك شيئاً، وإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء وهذا يدل على التشقيق في القسمة، إن نزل حياً للذكور فقط، وإن نزل ميتاً للذكور والإناث معاً، شيء غير منطقي، وغير معقول ، الله عز وجل يقول : 


جزاء مدّعي التحليل والتحريم :


﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ أي سيجزيهم على كذبهم وافترائهم بما يليق عقاباً للكاذبين، لأنه سبحانه وتعالى حكيم في أفعاله، وأقواله، وشرعه، وقدره، عليم بما يفعلون من خير وشر، وإنه سيجازيهم على ما فعلوا أتم الجزاء، وأكمله، ثم يقول الله عزوجل :

﴿  قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ(140)﴾

[  سورة الأنعام  ]


قاتلُ الأولادِ وأدًا أو تجهيلاً خاسر :


 قد حرف تحقيق ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ مرة ثانية: القتل قتلان: إما أن يقتل الابن بإبقائه جاهلاً ، لأن الله عزوجل يقول :

﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) ﴾

[  سورة البقرة ]

 أو أن يوأد البنت كما فعل الجاهليون قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام . 

﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ما فهم على الله حكمته من إنجاب الولد، هذا الولد امتداد للذكر، هذا الولد امتداد للعمل الصالح .

إخواننا الكرام، الإنسان قد يتزوج، وقد ينجب أولاداً، فإذا اعتنى بتربية أولاده كل أعمال أولاده ـ دققوا ـ إلى يوم القيامة في صحيفته، كل أعمال ذريته، والدليل: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، وما أقوله دائماً : هو أنه لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادهم، أولادهم هم المستقبل ، وقد ذكرت أن الابن إذا تُرك للشاشة فإن 51 % مما يعرض على الشاشة عنف، و37 % جنس، والباقي سحر، ودجل، وكذب، إذا تركت ابنك للشاشة صنعته الشاشة إنساناً غير سوي شهوانياً، لا يعبأ بشيء من قيم الأرض، الأبوة مسؤولية كبيرة جداً، والذي ينجب ولداً سوف يُحاسَب عليه حساباً دقيقاً . 


تربية الولد تحتاج إلى جهد عظيم :


 أيها الإخوة ، يحتاج إلى جهد ، وقبل خمسين أو مئة عام إذا كانت تربية الولد تحتاج إلى جهد قليل فهي الآن تحتاج إلى جهد كثير، لماذا ؟ لكثرة الصوارف عن الحق، لكثرة المغريات، لكثرة الفتن، لكثرة النساء الكاسيات العاريات، لكثرة الكذب، لكثرة التزوير، وفي عصر معين يوصف من أكل المال الحرام بأنه شاطر، وتوصف المرأة المتفلتة كلياً بأنها حضارية .

 يعني اكتشف أحدهم بعد زواجه أن امرأته ليست عذراء فغضب، فقالت له: أنت متخلف، أنت لست حضارياً، الحضارة تعني أن تكون زانية، ألا تكون عذراء .

 الآية هنا: ﴿قَدْ خَسِرَ﴾ قد حرف تحقيق ﴿الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ﴾ ومرة ثانية: القتل قتلان، ولأن الله عزوجل يقول: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ﴾ يعني إذا فُتن ابنك بالدنيا، وترك الصلاة، وعاقر الخمر - لا سمح الله ولا قدر- وكان متفلتاً إباحياً ليته مات في سن صغيرة، نجا من عقاب الله إلى أبد الآبدين، فالأب الذي أهمله، وأطلق يده، ولم يعبأ بدينه، ولم يسأل عن صلاته، ولا عن عقيدته، ولا عن أصدقائه، هو أب محاسب عنه، فكما أنك بالابن ترقى إلى أعلى عليين فيمكن للإنسان بابن أهمل تربيته أن يحاسب أشد الحساب . 

﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا ﴾ أولاً قد يعيش في كنف ابنه آباء كثيرون، يقول لك الإنسان، وهو شاب: أنا عندي أربعة أولاد ، أما حينما تتقدم به السن :

﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) ﴾

[  سورة الإسراء ]

 والله أنا عند ابني، كان عنده أولاده فأصبح عند ابنه، لذلك يشتد بر الوالدين إذا كان أبوك عندك في البيت، لأن الأب البعيد إرضاؤه سهل جداً، أحيانا يكون للأب بيت مستقل، فأنت تزوره من حين لآخر، وتسأل عن راحته، وتسأل عن صحته، وعن حاجاته، أما إذا كان معك في البيت، وقد تقدمت به السن، وضعفت ذاكرته، وأصبح يسأل عن كل شيء، ويتدخل في كل شيء، وأصبح يشكوك إلى زواره ، فقد تضجر أنت، الآية تقول: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ هو عندك في البيت، وكبير في السن، وفي ذاكرته ضعف، وهناك سلوك غير مقبول، فالبطولة أن تكون باراً به في هذه السن، أما الأب الشاب المنضبط القوي الغني فليس بحاجة لك، إرضاؤه سهل جداً، انظر الآية في الحالات الصعبة ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾

﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا ﴾ أيْ جهلاً بقيمة الابن . 


الابن الصالح ثروة عظيمة :


 والله أيها الإخوة  أنا ما أُسأَل سؤالاً عن فتوى في الإجهاض إلا وأقول له: هذا هدية من الله، قد يكون هذا الابن الذي تريد إلغاء وجوده، قد يكون أفضل كل أولادك، وقد يكون علماً من أعلام الأمة، وقد يكون مصلحًا اجتماعيًّا كبيرًا، وقد يكون عالمًا نحريراً، وقد يكون قائدًا شجاعًا، وقد يكون إنسانًا عظيمًا، وقد يكون غنيًا كبيرًا، فأنت حينما تريد إنهاء حياة مخلوق، ولو في بطن أمه، يعدّ الإجهاض جرماً، وفي الأحكام الشرعية هناك دية لمن يسقط جنيناً، عليه دية، ما عرف الإنسان قيمة الابن، الابن أكبر ثروة، والابن أكبر عطاء إلهي، والابن يمتّن العلاقة بين الزوجين ، وفي قوله تعالى :

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾

[  سورة الروم ]

 قال علماء التفسير: هو الابن .

 إذاً: 

﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ﴾ حرم نفسه الابن .

 لي قريب سافر إلى أمريكا ليزور أخاه هناك، يبدو هناك جار لأخيه ملاصق له، بينهما صداقة، قال له: تعال نزور هذا الصديق، قال لي: أنا شاهدت ألبسة صغيرة على الشرفة قد نُشِرت، فلما سألته عن أولاده قال لي: ما عندي أولاد، قال له: وتلك الألبسة ؟ قال: هي للكلاب لا للأولاد، يعني حرم نفسه باختياره الابن الصالح ، الابن الصالح ثروة كبيرة جداً .

 فلذلك أيها الإخوة، المؤمن له نمط من السعادة يتميز بها، لأنه وفق منهج الله، ووفق سنن الله عزوجل.


صورة حيّةٌ للاعتناء بالأولاد :


 إخواننا الكرام، هل تصدقون أن امرأة في عهد النبي الكريم خطبها النبي زوجة له فاعتذرت، هل هذا مقبول؟ يمكن أن يُتاح لامرأة أن تكون زوجة سيد الأنبياء والمرسلين، وأن تكون زوجة سيد ولد آدم، وأن تكون بالتعبير المعاصر السيدة الأولى، ممكن ترفض؟ اعتذرت، فلما سألها النبي، قالت: يا رسول الله، لي خمسة أولاد، أخاف إن قمت بحقهم أن أقصر في حقك، فأُحاسب عند الله، وأخاف إن قمت بحقك أن أقصر بحقهم، هكذا ربى النبي، امرأة تعتذر عن أن تكون السيدة الأولى في المجتمع، وتعتذر عن أن تكون زوجة رسول الله لأن الله سيسألها .

 لذلك في بعض الآثار ورد: أن البنت حينما لا يربيها أبوها تربية صالحة، أو يعضلها عن الزواج ، لا يهتم بزواجها إطلاقاً، وكلما جاء خاطب رده أبشع رد، وكأنه يتمنى أن تكون له لكبره في السن، هذه الفتاة قد تقف يوم القيامة أمام ربها إذا زلت قدمها بسبب عضل أبيها، تقول: يا رب، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي ، لأنه كان سبب شقائي . 


الابن الصالح ذخر لأبيه في الكِبر والعجز :


 دققوا أيها الإخوة، كلمة أقولها كثيراً: كل أب يحترم في الثقافة الإسلامية، وفي ثقافة مجتمعنا ، لكن ما كل أب يُحب، هذا مقياس دقيق، هناك أولاد ينتظرون موت أبيهم بفارغ الصبر ، فإذا جاؤوا بطبيب، وقال لهم: عرضية ، يتألمون ألماً شديداً، هم يتمنونها قاضية، لا عرضية .

 وفي تتمة الآية : 

﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا﴾ أي جهلاً بقيمة الولد، وأثر عمل الولد في صحائف أبيه، وكيف أن الولد يسعد أباه، ويعينه إذا تقدمت به السن وكيف أن كل أعمال الأولاد في صحيفة الآباء الصالحين. ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا﴾ والقتل كما قلت نوعان: إما أن تنهي وجوده كما فعل الجاهليون .

﴿  وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9)  ﴾

[  سورة التكوير  ]

 وإما أن تُهمل دينه وعقيدته وأخلاقه وسلوكه، وأهملت دنياه أيضاً . 

﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ﴾ حرموا شيئا أساسيا في حياتهم . 

﴿افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ﴾ لذلك العالم الغربي في إحصائية دقيقة نسبة سكان أوربا إلى سكان العالم في عام 85 ـ 15 %، في عام 2002 ـ 10 %، في عام 2020 ـ 5 % توقعاتهم يعني كأنها قطعة ثلج تحت أشعة الشمس، هم يتضاءلون، لأنهم قتلوا أولادهم سفهاً، وجدوا الابن عبئا على الأب . 

﴿افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ﴾ إذا قالوا: هذا الذي اُمرنا به هذا افتراء على الله، كذباً، وعدواناً . 

﴿قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ فلذلك الذي عنده بنت ـ دققوا في كلامي ـ الذي عنده بنت واحدة يمكن إذا رباها تربية صالحة أن تكون سبب دخوله الجنة إلى أبد الآبدين، بنت واحدة صالحة، والحديث بنتان، فبعد أن انتهى النبي من ذكر الحديث قال له: وواحدة ؟ قال له: وواحدة ، فلا تقلّلوا من قيمة تربية الأولاد، اعتنوا بأولادكم، اعتنوا بدينهم، بعقيدتهم، بأخلاقهم، من أصدقاؤهم، اعتنوا بدراستهم .

 لي قريبة لم ينجح ابنها في الشهادة الثانوية، أصرت عليه فلم ينجح، حملته على أن يعيد العام ، أعاده فما نجح، حملته مرة ثالثة على أن يعيد العام، عاد الشهادة مرة ثالثة فما نجح للمرة الرابعة، والآن هو طبيب . 

أحيانا يقول الأب لأي سبب تافه: ابني ليس أهلاً للدراسة، تمهّل، إياك أن تتساهل مع ابنك إذا ترك الدراسة، العصر عصر علم، والآن الأمي لا مكان له بالمجتمع، فلو طلبت مستخدماً فهو يحتاج إلى شهادة ، والمستخدم أقلّ مرتبة ممكنة . 

الآن هناك تنازع للأقوى، وعلموا أولادكم اللغات الأجنبية، الإنسان الذي معه لغة يمكن أن يحقق مصالح كبيرة جداً، وإهمال اللغة، وإهمال الدراسة، صار عبئًا عليك، الابن عبء وهو بطّال، لا بيت عنده، ولا معه حرفة، ولا معه شهادة، ولا مورد رزق، بدأ يصير عبئًا على والديه، وإذا كان منحرفاً ـ والعياذ بالله ـ سبّب شقاء أبيه وأمه، أما إذا علمته وربيته، وهذبته، كان دعماً لك، وكان في ميزان الأرباح والخسائر، فلذلك ربوا أولادكم، وعلموهم، وأدبوهم، فإنهم خُلقوا لزمن غير زمنكم .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور