وضع داكن
20-04-2024
Logo
الأسماء الحسنى - الدرس : 14 - اسم الله القابض الباسط
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين

الله يقبض تأديباً و يعطي تكريماً

 أيها الإخوة الكرام، الإنسان أحياناً يقبض بخلاً وتقتيراً، ويعطي إسرافاً وتبذيراً، ولكن الله عز وجل يقبض تأديباً، ويعطي تكريماً، فقط:

 

﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾

 

( سورة الحجر )

﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ﴾

( سورة الشورى الآية: 27 )

 لأنه يعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، أنت بالذات لا تعلم لو تملكت مئة مليون دولار ماذا تكون، هل تواظب على الدروس مثلاً ؟ هل تبقى تصلي ؟ هل تبقى على زوجة واحدة ؟ مثلاً، يعلم ما كان، وما يكون،  وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.

 

﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾

 

( سورة طه )

 السر ما أخفيته على الناس، وأخفى ما خفي عنك، إذاً من معاني ( الباسط ) أنه يبسط الرزق، ويقبض:

 

ولو كانت الأرزاق تجري مع الحجى  هلكن إذاً من جهلهنّ البهائــــم
***

 فأحياناً يكون المحدود في ذكائه مرزوقاً، ويكون الذكي المفرط في الذكاء فقيراً، لذلك الله هو الرزاق، يعطي بحكمة، ويمنع بحكمة.

 

 

الله يقبض ليبسط، يمنع ليعطي

 

 أيضاً يبسط السحاب على أرض عطشى، جافة، تكاد تموت النباتات، فيبسط السحاب في السماء، فيسوقه إلى بلدة ميتة يحي به الأرض بعد موتها، هذا المعنى المتشعب من بسط الرزق.
 الله عز وجل يقبض النور ليحل محله الليل، ويقبض الليل ليحل محله النهار، يقبض ويبسط، لذلك هناك من يقول: يا سبحان الله، أين الليل إذا جاء النهار ؟ الدنيا مظلمة موحشة، مخيفة، ولاسيما في الوديان، وفي البساتين،  والليل، حيث يشعر الإنسان بالخوف ، فتشرق الشمس، ويبدد الخوف، أين الليل إذا جاء النهار ؟ وأين النهار إذا جاء الليل ؟ والله عز وجل يقبض الأرواح.
 ثمة قصة رمزية، أن سيدنا سيلمان كان عنده رجل، وعنده ملك الموت، فصار هذا ملَك الموت يحد النظر في هذا الرجل، فهذا الرجل تعجب لهذا النظر المستمر له، فسأل سيدنا سليمان: فقال: هذا ملك الموت، فطار  قلبه فزعاً، فرجاه أن يأخذه إلى أقصى الدنيا، على بساط الريح، نقله إلى الهند، في اليوم التالي قبضت روحه هناك، فلما التقى بملك الموت قال له: عجبت له، قال له: أنا الذي عجبت، أنا معي أمر بقبض روحه في الهند، فما الذي جاء به إليك ؟.
 فالله عز وجل أيضاً يقبض أرواح الناس، ويقبض، ويبسط النور والظلام، ويقبض ويبسط السحاب، ويقبض الرزق ويبسط، لكن يقبض ليبسط، يمنع ليعطي، يضر لينفع

المعنى النفسي للقبض و البسط

 ، لكن المعنى النفسي هو أدق معنى، كل واحد منا يشعر بانقباض أحياناً، وأحيانًا بسرور.
 قال سيدنا علي: " إن للنفس إقبالاً وإدباراً، إن أقبلت فاحملوها على النوافل، وإن أدبرت فاحملوها على الفرائض ".

 

قبض ناتج عن خروج النفس عن مبادئ فطرتها

 لكن لا شك أن القبض له تفسيران، قبض تأديبي، كإنسان يرتكب معصية فيشعر بقبض، وبكآبة.
 أضرب مثلا دقيقًا: لو أن أماً طلبت من ابنها في الساعة الثانية ليلاً أن يأتيها بدواء مسكّن، فالآلام التي تعانيها لا تحتمل، قال لها: الصيدليات كلها مغلقة، هي لا تعلم أن هناك صيدليات مناوبة، لكنه بهذه الكلمة أرضاها، أراد أن ينام فشعر بضيق، لأنه كذب على أمه، هي لم تعلم أنه كذب عليها، هي صدقته أن الصيدليات كلها مغلقة، إذاً هذه الكآبة، وهذا الضيق أَتَيَا من محاسبة النفس، فلو أنه ذهب إلى الصيدلية المناوبة فلم يجد الدواء،  وعاد، وأخبر أمه الأم ففي الحالتين لم تأخذ الدواء، لكن في المرة التالية ينام قرير العين.
 لو كل واحد منا يلاحظ نفسه، أنه لأدنى خطأ يحس بالانقباض، يحس بضيق، هذه هي الفطرة، لكن أنا لا أتمنى على إنسان أن يخرق استقامته كثيراً إلى أن تنطمس فطرته.

 

 

﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾

 

( سورة المطففين )

 فكل إنسان يتمتع بفطرة سليمة، وبحساسية، فهذه نعمة كبيرة، إذاً: (القابض) و (الباسط )، فأنت بين القبض والبسط، فتارةً تكون متضايقاً، وأحياناً يأتيك خاطر لا يليق بكمال الله فتنقبض، وأحياناً تتكلم كلمة لا ينبغي أن تقولها، فتنقبض، وأحياناً تتعلق بإنسان بعيد عن الله فتنقبض، وأحياناً تقول كلمة تسيء إلى إنسان فتنقبض، فالانقباض ناتج عن خروج النفس عن مبادئ فطرتها، لذلك نجد في العالم الغربي الكآبة في أعلى مستوى، هم لا يعرفون الله أبداً، لكن فطرتهم صحيحة، فإذا خالفوا فطرتهم شعروا بالكآبة.

 

قبض علامة الإيمان

 لو سألنا طالبًا: كم مادة عندك ؟ قال: لا أعلم، معنى ذلك أن هذا الطالب خارج المدرسة، ولو سألنا مؤمنًا: هل تشعر بالانقباض أو بالانطلاق ؟ لقال: نعم، وهذه علامة إيمان، وإذا قال: لا، فهذه علامة بُعدٍ عن الله عز وجل، لذلك قالوا: المؤمن يتقلب في اليوم الواحد في أربعين حالاً، بينما المنافق يثبت أربعين عاماً على حال واحد، المؤمن يراقب نفسه، يدقق، لماذا كان منطلقاً ؟ له عمل صالح، لماذا كان مستبشراً ؟ له حسن ظن بالله، لماذا شعر بالكآبة ؟ لأن صديقاً له بعيداً عن الله عز وجل أعطاه شبهة لم يجد لها حلاً، فشعر بالضيق، وأغلب الظن أن الانشراح والضيق يتأتى من العقل الباطن، هذا العقل غير إرادي، لأنه يعمل من دون إرادتك.

 

 

القبض و البسط في حال السالكين إلى الله

 إذاً: ( القابض ) و ( الباسط )، يقبض النفس فتحس بالكآبة، ويبسطها فتحس بالكآبة والسعادة، هي بيد الله عز وجل، ولكن دائماً يسأل أحدنا فيقول: أنا أول ما تعرفت إلى الله كنت أسعد الناس، لكن بعد حين هذه الأحوال ذهبت عني، الجواب دقيق جداً: لأنه لو أن الله عز وجل تابع تجلياته على قلبك بشكل مكثف دائماً لم تحتاج إلى عمل صالح أبداً، ابتعدت عن العمل الصالح، ولأن الجنة تحتاج إلى عمل صالح، لكن الله في البدايات يرغبك، فتجد في الصلاة أحوالا، وبكاء، وبعد حين يضعف بكاؤه، وتضعف أحواله، لكنه يزداد استقامة، وهناك مرحلة يسمونها شهر عسل، في أول علاقاتك مع الله هناك أحوال جميلة جداً، تشعر بمشاعر لا تصدقها، بعد هذا دخلت في وقت العمل والدراسة، لذلك الوقت الثاني وقت عمل وإنجاز ومعاونة، وبناء النفس بناء صحيحًا، تماماً كالسيارة، للمحرك دوران بطيء، هذه أحوال المؤمن، عنده أحوال ناتجة من استقامته، والدليل أنه لو خرق الاستقامة لشعر بوحشة وغربة ما بعدها وحشة، فقد يكون الضيق حالة مخففة من الكآبة ناتجة عن أنك أَلِفتَ هذا الشيء،
 لكن أحياناً يكون الضيق عقاباً من الله عز وجل على ذنب اقترفه الإنسان.
إذاً: يقبض ويبسط.

 

 

القبض و البسط تختلف عن ساعة لك و ساعة لربك

 هناك معانٍ مادية في هذا الاسم، ومعانٍ معنوية، فاجعل أنت هذه القاعدة منهجاً: إن أقبلت النفس فاحملها على النوافل، وإن أدبرت فاحملها على الفرائض، لكن نحن في إسلامنا ليس عندنا ساعة لك وساعة لربك، هذا ديدن الناس جميعاً.
 مثلا: سافر إلى بلاد، قد يرتكب المعاصي كلها، أما الصلاة فعنده مقدسة، وأعماله تتناقض مع الصلاة تناقضاً صارخاً، أيضاً كنت أتسائل هناك: كيف يوفِّقون بين الصلاة والسهر بالنوادي الليلة، وبين الانغماس بالملذات  المحرمة ؟ يقول لك: هذا دين مقدس، والحقيقة أن الصواب غير ذلك، الإسلام منهج، الإسلام له وسائل من جنس الغايات، بل إن الغايات النبيلة تحدد الوسائل، أما أن تكون الوسيلة غير نبيلة لهدف نبيل فهذا في الإسلام غير موجود.

 

 

الدعاء:

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور