وضع داكن
29-03-2024
Logo
الأسماء الحسنى - الدرس : 12 - اسم الله الوهاب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم ( الوهاب )

الله من يُحب؟

 وكتمهيد لهذا الاسم ورد في الأثر القدسي أن أحد الأنبياء قال:

(( يا رب، أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال: أحب عبادي إلي تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقه، قال: يا رب، إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي))

[ورد في الأثر]

ماذا يجب أن يستقر في قلب المؤمن؟

 يستنبط أنه لا بد من أن يستقر في قلب المؤمن محبة لله أولاً، وخوف منه ثانياً وتعظيم له ثالثاً.

 

كيف نحب الله؟

 الآن كيف أحبه ؟ أني إذا تأملت في اسم ( الوهاب ) أُحبه،

 

 

الله وهب لي الوجود:

  ماذا وهب لي ؟ وهب لي الوجود.

 

 

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

 

( سورة الإنسان )

 من عادتي أنني إذا اطعلت على كتاب قديم أو مخطوط أدقق في تاريخ طبعه أو كتابته، فإذا كان تاريخ الطبع قبل الميلاد أقول: وقت طبع هذا الكتاب أو نضدت حروفه أين كنت أنا ؟ لا وجودي لي إطلاقاً، من الذي  منحني نعمة الإيجاد ؟ من الذي وهبني الوجود ؟ أنت موجود، ولماذا أنت موجود ؟ كي تسعد برب الوجود

 

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

 

( سورة هود الآية: 119 )

المعنى الأول لاسم الله الوهاب: العطاء بلا عوض

 فإذا تأملت بدقائق هذا الاسم، أن الله سبحانه وتعالى وهب، ومعنى وهب أي أعطى من غير عوض، الهبة لا تحتاج إلى تعويض، لكن الشراء والبيع يحتاج إلى تعويض، هناك معاوضات بالفقه، وهناك هبات،

 

هبات الله

 

1.هبة الإيجاد

فالله عز وجل وهبك الحياة، وهبك الوجود

2.هبة الإمداد

 وفضلاً عن ذلك وهبك الإمداد، وأنك مصمم لتأكل وتشرب، وهبك الطعام والشراب، أنت مصمم لتكون معك زوجة تسكن إليها، فوهبك الزوجة، أنت طبيعتك لا تعينك على أن تنام في الفلاة، تحتاج إلى مأوى، فوهب لك  المأوى، وهب لك الأولاد، وهب لك قدرات عامة تستطيع بها أن تكسب رزقك، إذاً وهبك نعمة الوجود، ثم وهبك نعمة الإمداد، أمدك بما تحتاج، بالهواء، بالماء، بالطعام، بالشراب، بالزوجة، بالأولاد، بخبرات، بذاكرة قوية، بخصائص، بمحاكمة، بتفكير، وهبك نعمة الإمداد.

 

3.هبة الإرشاد

 وفضلاً عن ذلك لأنه خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض وهبك نعمة الإرشاد، لقد أوجدك، وأمدك، وهداك إليه.

 

 

نسيان فضل الله الوهاب

 إن أحدنا لو قُدّمت له هدية لا يفتأ يشكر الذي قدمها له، وينسى أحياناً الذي أوجده من عدم، والذي أمده بما يحتاج، والذي رباه حتى أوصله إليه.

 

 

التوازن بين محبة الله و الخوف منه

 أيها الإخوة، التوازن بين محبة الله والخوف منه ضروري، لأن هناك دعاة يركزون على التخويف، وهناك دعاة آخرون يركزون على التطمين، فإذا انفرد الداعية بالتطمين أو بالتخويف فقد أخطأ، لا بد من أن تزاوج بين  التطمين والتخويف.

 

 

الفرق بين أن نقف عند النعمة و أن نقف عند المنعم

 النقطة الدقيقة أيها الإخوة أن العالم الغربي وقف عند النعمة، لكن المؤمن يقف عند المنعم، وفرق كبير بين أن تتحدث عن نعمة الله من دون أن تشير إلى الله، ومن دون أن تربطها بالله، وبين أن تتحدث عن نعم الله وقد عزوتها إلى المتفضل بها.
 فلذلك المؤمن دون أن يشعر، ويكاد يقول هذا من عقله الباطن، يقول: الله عز وجل رزقني، الله أكرمني بهذا البيت، أكرمني بهذه الزوجة، ومنحني الأولاد، وأعطاني صحة، فما دمت تتحدث عن كرم الله الذي وهبك إياه، فهذا حال طيب يمكن أن يملأ القلب محبة لله عز وجل.
 كيف وهبك الرزق ؟ جعل لك معايش، معنى المعايش ؛ سبل لكسب العيش، وكم من إنسان في الأرض يعيش على أمراض البشر ؟ كم من طبيب ؟ يقول لك: مؤتمر لأطباء القلب عقد في باريس حضره 25 ألف طبيب،  كم من طبيب قلب في العالم ؟ كم من طبيب جهاز هضمي ؟ كم من طبيب أعصاب ؟ كم من طبيب إفراز كليتين ؟ كم من طبيب مختص بالتناسل ؟ كم من طبيب مختص بالتجميل ؟ كم من طبيب مختص بالولادة النسائية ؟ كل هؤلاء الأطباء استمدوا علمهم من هذا الإنسان، الله جل جلاله هو العالم، إذاً وهبك هذه النعم، وينبغي أن تقف عندها، لكن بين أن تقف عند المنعم، وبين أن تقف عند النعمة فرق، العالم الغربي وقف عند النعمة، وانتفع بها أيما انتفاع، والذي في المشرق وقف عند المنعم، ولم يعتنِ بالنعمة، ولم يطورها، هذا أيضاً جانب الصواب.

 

 

المعنى الثاني لاسم الله الوهاب: العطاء بلا حساب

 أيها الإخوة، الإنسان إذا أعطاك قلماً يسمى واهبًا، أما إذا أعطاك بيتاً، ومركبةً، وعيادة، وأنت طبيب ناشئ فإنه يسمى وهابًا، فالوهاب هو الذي يعطي بلا حساب.
 لذلك وقفت مرة امرأة بباب أمير فأعطاها فوق ما تريد، فذكره بعض الحاضرين بأنه كان يرضيها القليل، وقد أعطيتها الكثير، فقال هذا المحسن: إذا كان يرضيها القليل فأنا لا أرضَى إلا بالكثير، وإن كانت لا تعرفنِي فأنا أعرف نفسي.

 

 

ماذا يكون بعد الإيمان و الشكر؟

 إذاً الله وهبك نعمة كثيرة وخطيرة، فلذلك ردّ فعل هذا التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت توقفت المعالجات كلها، لقوله تعالى:

 

 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيما ً﴾

 

( سورة النساء )

 كلمة ( الوهاب ) تعني أنه عطاء بلا عوض، وأنت لم تقدم من ثمن هذا العطاء شيئاً،

 

نِعم الله كثيرة

 

الولد الصالح هبة من الله

 فلذلك الأب الذي عنده ابن صالح ليقرأ قوله تعالى:

 

﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ﴾

 

( سورة الأنعام الآية:83)

 إذاً الذي عنده ابن صالح أنا أنصحه ألا يعزو هذا إلى أنه أب مثالي، وإلى أنه أب مربٍّ، وإلى أنه أب متعلم، وإلى أنه تابع ابنه، هناك آباء أشد علماً، وأشد حكمة، ومع ذلك أولادهم انحرفوا، إذاً الولد الصالح هبة من الله عز وجل

 

الزوجةالصالحة هبة من الله

 فاسم ( الوهاب ) يمكن أن ينعكس على نفسك شكراً لله عز وجل، فالذي يعطيك عطاء كثيراً يسمى وهابًا، والله عز وجل هو ( الوهاب )

 

 

عطاء العلم

 لكنك حينما تأخذ النعم الظاهرة تمتن من الله عز وجل، لكن ما موقفك من نعم الله الأخرى الباطنة ؟

 

 

 

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

( سورة النساء )

 إذاً حينما تقرأ قوله تعالى:

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾

 معنى ذلك أنه ينبغي أن تعرف أن أعظم عطاء على الإطلاق هو عطاء العلم قال تعالى:

 

﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾

 

( سورة الكهف )

 ما معنى الباقيات الصالحات ؟ هي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإذا كبرته، وإذا حمدته، وإذا سبحته، وإذا وحدته فقد عرفته، إن عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتك فَاتك كل شيء.

 

الإمداد

 أيها الإخوة، منحك نعمة الإيجاد، ومنحك الإمداد، فكم تتصور استهلاك البشر من اللحوم في اليوم ؟ الخمس قارات، كم تستهلك من اللحوم ؟ كم تستهلك من الخضراوات ؟ من الفواكه ؟ الأرقام تفوق حد الخيال.
 مرة سألت عن هذا الشراب الغازي الحامضي: كيف يحمض، فقيل: بحمض الليمون، فسألت: كم يستهلك القطر من حمض الليمون ؟ فقيل لي: أقل طلبية لأقل تاجر 50 طنًّا من حمض الليمون، فأنت تستهلك كمية بسيطة جداً، لو تطلع على استهلاك شعب معين من اللحوم، و الخضروات، والفواكه، والخبز، نحن أحياناً ننتج 6 ملايين طن من القمح، هذا عطاؤنا.
أيها الإخوة، اسم ( الوهاب ) يقربك من الله عز وجل، لأنه يملأ قلبك امتناناً من نعم الله عز وجل، وبالشكر تدوم النعم:

 

 

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾

 

( سورة النحل الآية: 18 )

 قيل: هناك أب أنجبك، وهناك أب زوجك، وهناك أب دلك على الله، فقيمة العطاء بقدر أمده، فنعمة الإيجاد تنتهي بالموت، أليس كذلك ؟

 

أعظم نعمة أن يُعرفك بذاته العلية

 نعمة الإمداد تنتهي بالموت، لكن نعمة الهدى والرشاد هذه تمتد إلى أبد الآبدين، لذلك أعظم عطاء إلهي على الإطلاق أن يمتن الله عليك بأن يعرفك بذاته العلية، فرق كبير بين من يعرف الله وبين من لا يعرفه، بل هذا الفرق صارخ، والله عز وجل يهبك أحياناً عملاً صالحاً:

 

 

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾

 

( سورة الأحقاف الآية: 15 )

كيف يُظهر الله فضله عليك؟

 إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك، فأنت ضعيف، وأنت فقير، وأنت جاهل، وأنا جاهل، وضعيف، وفقير، لكن الله يتفضل علينا فيعلمك القرآن، ويعطيك مالا تتصدق به، ويعطيك حكمة، فكل  منجزات الإنسان هي في الحقيقة عطاء إلهي جاء بعد الإيمان بالله.

 

النِعم كلها مردها إلى الله

 إذاً أية نعمة تعتد بها، وأية قضية تفتخر بها، إنما هي من الله عز وجل، واسم ( الوهاب ) ينطبق على كل النعم بدءاً من الوجود،

 

 

الموت على الإيمان نعمة

 وانتهاء بالموت على الإيمان، ونعمة الموت على الإيمان كبيرة جداً.

كيف نشعر بنِعم الله

 

الشعور الصحيح

 أعرابي كان يقود قطيعًا من الإبل، سُئل: لمن هذا القطيع ؟ قال: لله في يدي، هو لله، ولو طبقت هذه المقولة الرائعة الموجزة على كل شيء ( لله في يدي ) لنجحنا، فالله عز وجل سخر لك هذه النعمة، وجعلها بيدك، لكنها لله، وفي أية لحظة يسلبها منك.
 أحيانا يكون الإنسان متفوقًا في الدراسة، وله درجات عالية جداً، وله ذاكرة قوية جداً، ودخل كلية مهمة جداً، أنت قد لا تصدق أن ذرة من الدم تجمدت في بعض الأوعية الدقيقة يفقد الإنسان بها اللسان، والحركة،  تزوره، وهو يحمل شهادات عليا، ودرس 12 سنة، 15 سنة، وذكي، وألمعي، ومتألق، ومتفوق، الآن نفرح كثير إذا قدر أن يقرأ الفاتحة، خثرة في الدماغ، بشريان بالدماغ تفقده كل معلوماته، وكل ذاكرته، وكل نشاطاته.
 إذاً المعجزة أن تكون سليماً من كل مصيبة، بسبب تعقيد الإنسان تعقيد الإيجاد فأيّ شيء يصيبه يقلب حياته إلى جحيم، فالبطولة أن الإنسان لا يصاب بشيء، عدم إصابته بشيء دليل أن نعمة الله عليه كبيرة، لأنه لو ترك  الجسم إلى آلياته الدقيقة يجب أن يكون المرض 90 %.

 

الشعور الخاطئ

 إذاً أيها الإخوة الكرام، أي شيء تنعم به إياك أن تقول كما قال قارون:

 

 

﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾

 

( سورة القصص الآية: 78 )

 والله هناك مؤمنون كُثُر يقعون في الشرك وهم لا يشعرون

 

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾

 

( سورة يوسف )

 يقول أحدهم: هذه من بنات أفكاري، هذه القضية جهدٌ شخصي، هذه تراكم خبرات هذه عطاء مني، دون أن تشعر تنسب هذه المنجزات إلى ذاتك، وهذا خطأ كبير،

 

المؤمن دائماً بإفتقار إلى الله

 

 

 والمؤمن دائماً يفتقر إلى الله، قال النبي صلى الله عليه و سلم للأنصار:

(( يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ ))

[ أخرجه البخاري عن عبد الله بن زيد بن عاصم ]

 ما قال: هديتكم، لأن الهداية عطاء أيضاً، فأنت فقير، وأنت جاهل، وأنت ضعيف، إذا أقبلت على الله قوى ضعفك، وأزال الجهل، وعلمك ما لم تكن تعلم

 

الدعاء:

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور