وضع داكن
19-04-2024
Logo
الزواج - الدرس : 12 - حقوق الخاطبين وعوامل تمتين العلاقة بعد الزواج .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس من دروس الزواج، وقد ترون معي أن هذا الموضوع من أهم الموضوعات التي ينبغي أن يعالج في هذا الوقت، وقد وصلنا في الدرس الماضي، إلى نظر المخطوبة إلى الخاطب، وتحدثنا أن هناك تصرفاتٍ يمكن أن تمتِّن العلاقة الزوجية، هناك تصرفاتٌ قبل الزواج، تمتن هذه العلاقة، وأخرى بعد الزواج تمتن هذه العلاقة، فأما التي قبل الزواج فنظر الخاطب إلى مخطوبته، وقد تحدثنا عن هذا في الدرس الماضي.

نظر المخطوبة إلى الخاطب

وأما الإجراء الثاني أو التصرف الثاني، نظر المخطوبة إلى الخاطب، فيسن للمرأة أن تنظر إلى الرجل إذا أرادت أن تتزوجه، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها، ولها أن تستوصف الرجل أي أن تسأل عن بعض صفاته، هذا من حقها، كما مر في بحث أن الزوج له أن يستوصف زوجته.
يقول أحد العلماء يذكر قصةً وهي: " أن المغيرة بن شعبة وفتىً من العرب خطبا امرأةً، وكان الفتى جميلاً، فأرسلت إليهما المرأة وقالت: لا بد من أن أراكما، وأن أسمع كلامكما، فاحضرا إن شئتما، فعلم المغيرة أنها تؤثر عليه الفتى، فقال للفتى: لقد أوتيت حسناً وجمالاً وبياناً، فهل عندك سوى ذلك، قال: نعم، فعدد عليه محاسنه ثم سكت، فقال المغيرة: فكيف حسابك، قال: لا يسقط علي منه شيء، وإني لأستدرك منه أقل من الخردلة، فقال المغيرة: لكني أضع البدرة في زاوية البيت، فينفقها أهل بيتي على ما يريدون، فما أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها، فقالت المرأة: والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني، أحب إلي من الذي يحصي علي أدنى من الخردلة، فتزوجت المغيرة ".
طبعاً هذه قصة، لكن قد يؤخذ منها أن المرأة من حقها أن ترى الخاطب، كما أنه من حقه أن يرى مخطوبته، ولها أن تستوصفه، أي أن تطلب أوصافه، كما له أن يطب أوصافها، فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها، وأصل هذا الكلام. 

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

( سورة البقرة: آية " 228 " )

إذاً المرأة مساويةٌ للرجل في هذا، لكن هذه الرؤية سواء كانت من قِبل الفتاة إلى خاطبها، أو إن كانت من قِبل الخاطب إلى مخطوبته، هذه الرؤية تتم مرةً أو مرتين، أما أن يفعل الخاطبان كما يفعلُ بعضهم من دون قيود، ومن دون حدود، أشهر، بضعة أشهر زيارات، سهرات، خروج خارج المنزل، هذه إباحيةٌ لا يقبلها الإسلام.
على كلٍ، إن كانت هذه الخطبة بهذه الطريقة التي لا يرضاها الإسلام، آتت أكلها، فلنصغِ قليلاً إلى الإحصاءات:
إنّ نسب الطلاق في ألمانيا خمسة وثلاثين بالمئة، أي أن من كل مئة زواج خمسة وثلاثين بالمئة من هذه الزيجات تنتهي إلى الطلاق، ونسبة الطلاق في أمريكا اثنان وستون بالمئة، أي أن من كل مئة زواج اثنين وستين بالمئة من هذه الزيجات تنتهي إلى الطلاق، أما عندنا في سوريا فالقاضي الشرعي الأول يقول: ثلاثة بالألف، ففي ألمانيا خمسة وثلاثون، واثنان وستون في أمريكا، وثلاثة بالألف في بلاد المسلمين، هذا هو الشرع الحكيم.
شيءٌ آخر، وهي دراسة لطيفة أسوقها لكم، وزير الهاتف الفرنسي أصدر قرارًا بالسماح لمن يطلب أن يراقب خطه الهاتفي، وأن يعطى مَن المتكلِّم، ويعطى تسجيلاً للمكالمات الطويلة التي تتم في غيبته، إلا أن رئيس الجمهورية جسكار ديستان ألغى هذا القرار حفاظاً على أسرار البيوت، لأن نصف نساء فرنسا يخُنَّ أزواجهن، لذلك الجمعيات النسائية أثنت على قرار إيقاف هذا الإجراء الذي يسمح للأزواج بطلب معرفة رقم هاتف من يتصل بزوجاتهن في غيبتهن، لأن الخيانة الزوجية في بعض الإحصاءات بلغتْ ثلاثين بالمئة، وفي بعض الإحصاءات بلغت خمسين بالمئة، وهذه الأرقام كلها قديمة قبل عشر سنوات، ويبدو الآن أنها تزيد على السبعين أو الثمانين بالمئة، فهذه الخطبة المطولة التي لا قيود فيها ولا فيها حدود لم تؤتِ ثمارها، بل بالعكس أدت إلى طلاقٍ مخيف، وأدت إلى خياناتٍ زوجية، فيما لو بقي الزوجان على عهدهما أو مع بعضهما بعضاً.

 

استئذان البنت في الزواج وعدم إكراهها

الذي يلفت النظر في الشرع الحكيم أن البنت ينبغي أن تُستأمر، فقد روى الإمام مسلمٌ في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت:
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَارِيَةِ يُنْكِحُهَا أَهْلُهَا أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لا ؟ فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( نَعَمْ تُسْتَأْمَرُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّهَا تَسْتَحْيِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَلِكَ إِذْنُهَا إِذَا هِيَ سَكَتَتْ ))

أي أن سكوتها إذنها.
وقد روى الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:

(( لا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَإِذْنُهَا الصُّمُوتُ ))

لكن هناك شيء يلفت النظر في المذهب الظاهري، هذا المذهب يأخذ بظاهر النص، يقول أصحابه: " لو أنك استأمرت فتاةً في زواجها، أي استأذنتها وقالت: أنا أريد هذا الزوج وأنا أرحب به، وأنا موافقٌ عليه، فالزواج باطل، لماذا ؟ لأن أذنها صمتها، وهي تكلَّمت .
وهذا من باب الطرفة، فبعض المذاهب الظاهرية ترفض أن تتكلَّم الفتاة إذا استُئْمِرت، لأن إذنها صمتها، والكلام أبلغ من الصمت.
وقد روى الإمام الترمذي كما قلت قبل قليل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:

(( لا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَإِذْنُهَا الصُّمُوتُ ))

اختلف العلماء فيما إذا كان استئذانها مستحبٌ أو واجب، إلا أن الأغلب والصحيح أن استئمارها أو استئذانها واجب.
يقول بعض العلماء: " لا يجوز أن يحكم الأولياء فقط، لأنهم لا يعرفون ما تعرف المرأة من نفسها ".
الآن هناك موضوع آخر في سياق هذا الموضوع، لا يجوز إجبار البنت على الزواج، فقد ثبت في الصحيح أنه قال:

(( لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: كَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ ))

( صحيح البخاري)

وفي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا ))

الحكم إذاً: لا يجوز أن تجبر البكر على النكاح، ولا أن تزوج إلا برضاها.
وكلكم أيها الإخوة الكرام، لا شك أنكم حضرتم عقود قران، وحضرتم جانباً من هذه العقود، كيف أن الموظف الموكَّل بكتابة العقد، بعد أن يسمع الإجابة والقبول من الزوج ومن والد الفتاة، ينهض ليسمع بإذنه موافقة الفتاة من وراء الحجاب، هذا من شرعنا الحنيف.
يقول بعض العلماء: " تزويج الفتاة مع كراهتها للنكاح مخالفٌ للأصول والعقول، والله لم يسوِّغ لوليها أن يكرهها على بيعٍ أو إجارةٍ إلا بإذنها، ولا على طعامٍ أو شرابٍ إلا بإذنها، فكيف يكرهها على مباضعة من تكره مباضعةً ومعاشرةً، والله قد جعل بين الزوجين مودةً ورحمة، فإذا كان هذا لا يحصل إلا مع بغضها له ونُفورها منه، فأية مودةٍ وأية رحمةٍ تكون بين الزوجين ؟! ".
إذاً أن يجبر الولي ابنته على الزواج من شخصٍ ما وهي رافضة ولا تريد، هذا مما نهى عنه الشرع الحنيف.
أما من تزوجت بغير رضاها فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ

(( أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا، وَهْيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهُ ))

إذاً ردُّ النكاح إذا كانت ثيباً، ولم تكن راضيةً به، من الأحكام الشرعية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
وروى الإمام ابن ماجة عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:

(( إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ))

إنه ما لم توافق الفتاة فالزواج ليس مشروعاً، لأنها هي الزوجة، وهي التي تعيش مع هذا الزوج طوال حياتها، فإن لم تكن راضية ففي الأعم الأغلب يكون الشقاق والخصام بين الزوجين.
الخلاصة.. ألاّ تزوج المرأة بكراً كانت أو ثيباً إلا بموافقتها، ولو تزوجت بالإجبار، كان لها طلب فسخ النكاح.
فالذي يرِد في هذا الدرس من أحكام شرعية فيها أحكام خلافية، هناك أحكام أُخرى، فهناك أحكام تُجيز، وهناك أحكام تمنع، القصد أن نعرف عظمة هذا الشرع الحنيف.

 

استشارة الأم في زواج ابنتها

وهناك تدبير آخر قبل الزواج، مما يمتِّن العلاقة الزوجية، هذا التدبير أن تُستأمر، أو أن تُستشار أُمّ الفتاة بزوج ابنتها، الولي يوافق، والفتاة توافق، وينبغي أن تُستأذن، أو تُستشار أُم الفتاة بذلك، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام:

(( آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ ))

( سنن أبي داود )

يقول بعض العلماء في شرح هذا الحديث، وهذا الحكم: " يُستحب استئذان المرأة في تزويج ابنتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ "، ولأنها تشاركه في النظر لابنتها، وتحصيل المصلحة لها لشفقتها عليها، وفي استئذان الأم تطييبٌ لقلبها، وإرضاءٌ لها، فتكون أولى، وربما كان من مزايا استشارة الأم في تزويج ابنتها، أن البنت قد لا تفصح عما يدور في صدرها من التردد والاضطراب إلا لأمها، فاستشارة الأم إذاً هي الطريقة المفيدة لمعرفة رأي البنت، والله أعلم.
إذاً: استشارة الأم في تزويج ابنتها، لأن الأم إن استشرتها طيَّبت قلبها، وإن استشرتها جعلتها شريكة حياتك، وإن استشرتها فهي تشفق على ابنتها، وتريد لها الخير وإن استشرتها، ربما باحت البنت لأمها ما لم تبح لأبيها، فكأنك إذا استشرت الأم، عرفت رأي البنت الحقيقي في هذا الزواج، إذاً: الأم تُستأذن.

 

حكم إكراه البنت على الزواج

ومن تزوجت بغير رضاها، ثيباً كانت أو بكراً فلها أن تفسخ عقد الزواج، ولا يجوز إجبار الفتاة على التزوج ممن لا تريد، وإن رفضت فليست عاقةً لوالديها، ولا علاقة للعقوق بهذا الموضوع، ويجب استئمار البنت، كما قلت في أول الدرس، لأن البنت هي الزوجة، وإذنها صبها، وللبنت أن ترى خاطبها، وهذا من حقها، لقوله تعالى:

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾

( سورة البقرة: آية " 228 " )

ولقد يُعجبها منه ما يُعجبه منها، ولها أن تستوصفه، أن تسأل عن بعض صفاته الخاصة، كل هذه التدابير، ينبغي أن تتم قبل الزواج، لأنها من شأنها أن تمتِّن الزواج.
الحقيقة أن للإنسان أن يتزوج، وله أن يطلق، لكن البطولة أن تتزوج، وأن لا تطلق، فكيف لا تطلق ؟ إذا اتبعت منهج الله في الزواج، إذا اخترت الفتاة المؤمنة، لأنه من تزوج المرأة لجمالها أذله الله، والمقصود بجمالها فقط، الجمال مطلوب، أما لجمالها فقط أذله الله، ومن تزوجه لمالها أفقره الله، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءةً، فعليك بذات الدين تربت يداك.
إذاً: أن ينظر الخاطب إلى مخطوبته، وأن تنظر المخطوبة إلى خاطبها، وأن تُستأمر البنت، في خاطبها، وأن تُستأذن أُمها، وألا تُكره على الزواج ممن لا تحب، وبيان حكم الشرع، في من أُكرهت على الزواج ممن لا تحب، هذه بعض التدابير التي ينبغي أن تكون قبل الزواج، من حيث أنها تمتِّن العلاقة بين الزوجين، وربما تعصم الزواج من أن ينفسخ بعد أمدٍ قريب.

التدابير التي ينبغي أن تكون بعد الزواج

الآن ننتقل إلى موضوعٍ آخر، وهو التدابير التي ينبغي أن تكون بعد الزواج والتي من شأنها أن تمكن العلاقة بين الزوجين، ولعلي أضع يدي على جراح يعانيها كثيرٌ من الأزواج، وهذا الكلام يجب أن يصل إلى الزوجات.

 

1 – ظهور المرأة بمظهر لائق أمام الزوج

من التدابير التي تمتِّن العلاقة بين الزوجين أن تظهر المرأة أمام زوجها، بمظهرٍ لائق، لأن المؤمن لا ينبغي أن يعرف غير زوجته إطلاقاً، فإذا أهملت مظهرها قوَّت في نفسه دافع التطلع إلى غيرها، هي التي تقوي دافع التطلع إلى غيرها إذا أهملت مظهرها، والأخطر من ذلك أن تعتني بمظهرها في الحفلات النسائية، وفي كل المناسبات، بينما الاعتناء بمظهرها ينبغي أن يكون في الدرجة الأولى لزوجها، لأن الزواج حِصنٌ للزوج.
عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْه فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

(( مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ))

[متفق عليه]

إنه لا ينبغي أن يكون الزوج محروماً من أناقة زوجته، ومن مظهرها الحسن، هذا يعينه على العفاف، ويعينه على أن يقنع بها، ويعينه على عدم التطلع إلى غيرها، هذا كلام وإليكم الأدلة:
إن الإنسان أحياناً يعاني من مشكلة في البيت، ويظل ساكتاً، والزوجة بريئة، ولا تعلم، أحياناً يكاد هذا الزواج ينفصل، وينتهي بالطلاق، هو ساكت، وهي ساكتة، هو لا يدري ماذا يقول لها، وهي لا تعلم ماذا ينبغي أن يُقال لها، فالجهل أحياناً يكون سبباً لفصم هذه العلاقة الزوجية، فلذلك الزوج المؤمن يوضِّح، ويبين، ويذكر لزوجته ما قاله النبيّ عليه الصلاة والسلام، وقد يقول الزوج: أنا والله أستحي أن أقول لزوجتي: عليك أن تتزيني أمامي، طيب يا أخي عليك أن تُسمعها هذا الشريط، هذا موضوع الدرس الماضي.
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ )) 

(سنن النسائي )

تسره إذا نظر، فهل غابت عنه صلَّى الله عليه وسلم أن يقول:

(( إليها ))

؟ فالنبي حكمته في إلغاء كلمة ( إليها ).

(( تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ ))

إليها وإلى أشياء في البيت، إذا نظر إليها تسره، وإذا نظر إلى أولادها تسره، وإذا نظر إلى غرفتها تسره، وإذا نظر إلى غرفة الجلوس تسره، وإذا نظر إلى المطبخ تسره، وإذا نظر إلى المائدة كلها صحون، وعليها أكل من يومين، خذ كل تفضل، لم يُسَرّ بهذا، فالطعام يجب أن يكون في صحون جديدة، والطعام جيد وساخن، تسره إذا نظر إلى المائدة، وإلى غرفة النوم، وإلى غرفة الاستقبال، وإلى غرفة الجلوس، وإلى نظافة الجدران، والبلور والنوافذ والستائر.

(( وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ ))

لأن أكثر شيء يدعو إلى العجب في ساعة غضب يحلف الزوج يمين طلاق على زوجته ألا تذهبي إلى بيت أختك، سبحان الله ! لا يحلو للمرأة إلا أن تكسر يمينه بحماقة، فلا تحلو لها إلا أن تخرج من بيتها إلى بيت أختها وعندئذٍ تقع المشكلة، وفي حيص بيص كما يقولون، ثم نقف على أبواب المشايخ نستفتيهم، فشيخ يقول لك: طلقت، يا بني أخرج، وشيخٌ آخر يعطيك فتوى قد لا تطمئن إليها، وقد كنت في غنىً عن كل هذا، لذلك المرأة الصالحة تسره إن نظر، وتطيعه إن أمر، وكذلك إذا أردت أن تُطاع فأمر بما يستطاع، فعدم حكمة الزوج أن يعطي أوامر غير معقولة، لما تحرمها من أمها ؟ هي عليها أن تطيع، وأنت أيها الزوج الكريم عليك أن تعطي أمراً معقولاً.
روى الإمام البخاري رضي الله عنه عن جابرٍ قال:

(( كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا يُعْجِلُكَ ؟ قُلْتُ: إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا ؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: فَهَلا جَارِيَةً تُلاعِبُهَا وَتُلاعِبُكَ ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلا، أَيْ عِشَاءً، لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ ))

أي انتظروا حتى تتهيَّأ زوجاتكم لكم، حيث إن المطلوب إذا كان الزوج مسافرًا أن تتهيأ الزوجة كما ينبغي في أعلى درجة لتستقبل زوجها.
يقول الإمام النووي رضي الله عنه: " هذا الحديث الشريف الذي فيه هذا التوجيه مما يمتِّن العلاقة بين الزوجين "، هذا هو الحق، لكن المشكلة أن كل الزينة، وكل العناية، وكل الأناقة، وكل الهندام الحسن، لغير الزوج، هذه من مشكلات بيوت المسلمين، أية امرأةٍ تهمل مظهرها أمام زوجها تقوي في نفس زوجها رغبة النظر إلى غيرها، فإذا نظر إلى غيرها فهي آثمة وربِّ الكعبة، وجزءٌ من عبادتها أن تحصِّن زوجها، جزءٌ من عبادتها أن تجعل زوجها قانعاً بها.
وروى الإمام البخاري عن جابرٍ رضي الله عنه أيضاً قال: قال عليه الصلاة والسلام:

(( إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلا ))

سأقرأ لكم ما جاء في فتح الباري في شرح أحاديث البخاري عن هذا الحديث، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلا ))

قال: " لأن طول الغيبة مظنة الأمن من القدوم، فيقع الذي يقدم بعد طول الغيبة غالباً على ما يكره "، فإذا غاب الإنسان طويلاً عن بيته، ودخل فجأةً، في الأعم الأغلب يقع على ما يكره، " فقد يجد أهله على غير أُهبةٍ من التنظُّف والتزين المطلوب من المرأة، فيكون ذلك سبباً في النفور منها ".
وفي الحديث أيضاً إشارةٌ أخرى إلى أن المرأة كما قلت قبل قليل، عليها أن تكون مستعدة لاستقبال زوجها دائماً، أما إذا طالت غيبته فقد أمِنت أن يأتيها فجأةً، أما إذا جاء فعليه ألا يأتيها فجأةً، بل أن يعلمها قبل أن يأتي، والنبي الكريم كان يدخل المسجد، ويصلي، ويرسل لأهله خبراً أنه قَدِم، والآن بالهاتف، ونحن في المطار، وبعد ساعتين نكون في البيت، مثلاً.
وهناك قصة، روى الإمام البخاري والإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت:

(( كانت امرأة عثمان بن مظعون رضي الله عنها تخضب وتطيِّب ـ أي تخضب شعرها وتعطِّر نفسها ـ فتركته ـ أي أهملت شعرها وتطييب بدنها ـ فدخلت علي، فقلت لها متعجِّبةً: أشاهدٌ زوجك أم غائب ؟ ))

النبي عليه الصلاة والسلام مشرع، وأصحابه طبقوا منهجه، فما فعله الصحابة الكرام فعلوه تنفيذاً لأمر النبيّ e، وهذا دليلٌ على وجوب ما سأقوله لكم، فقالت عائشة: أشاهدٌ زوجك أم غائب ؟ قالت: بل هو شاهد، قالت: فما هذا ؟!! لماذا أنت تهملين نفسك، قالت: عثمان لا يريد الدنيا، ولا يريد النساء، انصرف عنها إلى عبادته، وإلى قيامه، وصيامه فأهملت نفسها، والقصة لها تتمة، النبي عليه الصلاة والسلام استدعى عثمان، وقال:

(( يا عثمان، أليس لك بي أُسوة ؟ ألست قدوةُ لك ؟ ))

أعطاه توجيهاً كي يهتم بزوجته، وكي يجلس معها، وكي يعطيها حقها، لأنها محبوسةٌ له في الشرع، بعد حين جاءت امرأة عثمان ابن مضعون، قالت عائشة: نضرةً عطرة، فسألتها عن حالها، فقالت: أصابنا ما أصاب الناس، يعني أصبحت زوجة كبقية الزوجات، رضي الله عنهم.
إن هذا كلام مهذب جداً، تحتار أين درسوا ؟ يعبرون عن أدق المعاني بأجمل الألفاظ، يعبرون عن المعاني المحرجة بكلمات لطيفة جداً، أصابنا ما أصاب الناس، لماذا أنت هكذا ؟ إن زوجي صوامٌ قوام، قائم الليل، صائم النهار.
يقول الإمام الشوكاني: " استنكار عائشة رضي الله عنها بترك زينتها وزوجها شاهد حكمٌ شرعي "
السيدة عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام استنكرت فعل امرأة عثمان بن مظعون من إهمال نفسها وزوجها شاهد، هذا حكم شرعي، والمعنى أنه يجب على الزوجة أن تعتني بهندامها ومظهرها لزوجها قبل كل شيء.
والله مرة سمعت من امرأةٍ قريبةٍ لي متقدمةٍ في السن، قالت لي: " حرام، حسب فهْمها، أن ترتدي المرأة الثوب أول مرة لغير زوجها حرام "، يعني إذا اشترت ثوباً جديداً لا يجوز أن ترتدي الثوب أول مرةٍ إلا لزوجها، والآن قد لا يرى الزوج إطلاقاً الثوب الجديد.
بعد الزواج ربما كان أحد أكبر ما يمتن العلاقة بين الزوجين، ويديم المحبة والمودة، أن تبدو الزوجة دائماً بالمظهر اللائق الحسن أمام زوجها، من أجل أن تعينه على غض بصره، من أجل أن تعينه على تحصين نفسه، من أجل ألا تقوي في نفسه الرغبة في غيرها، إذا فعلت المرأة هذا فهي عابدة لله.
والله قد تفهمون مني شيئاً لا أريده، لكن والله إن المرأة التي تسهم في إعفاف زوجها، وفي إحصانه، وتجعله يقنع بها وحدها، عن طريق ما تبذل من عنايةٍ فائقةٍ بمظهرها وهندامها، ربما كانت وهي تفعل هذا في أعلى درجات عبوديتها لله عزّ وجل، لأنها تقوم بالمهمة التي أناطها الله بها، طبعاً هي تصلي، وتصوم، وتقوم الليل، وتقرأ القرآن، ولكن من دون أن يشغلها ذلك عن وظيفتها الأساسية، لأن الصحابيات الجليليات رضوان الله تعالى عليهن كانت الواحدة منهن على أشد الشوق إلى قيام الليل، وعلى أشد الشوق إلى الصلاة، لا تقوم إلى الصلاة إلا بعد أن تسأل زوجها: ألك بي حاجة ؟ فإن قال: لا، ذهبت إلى مصلاها، هذه المرأة المؤمنة.
أما هذه التي تبالغ في العبادة، وزوجها يغلي غضباً، وضجراً، وتأففاً، هذه لا تعبد الله، هذه تعبد الله على مزاجها، لا وفق ما أراد الله عزّ وجل، هذا الحق، فكلما طبقنا هذه الناحية صار الوئام، والوفاق، والمحبة والمودة.

2 – اهتمام الرجل بمظهره أمام زوجته

البند الثاني، أو التدبير الثاني الذي يمتن العلاقة بين الزوجين بعد الزواج: أن يهتم الرجل بمظهره أمام زوجته، انطلاقاً من قوله تعالى: 

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

( سورة البقرة )

فأنت ترى، وهي لا ترى ؟ أنت تريد هنداماً حسناً، ومظهراً أنيقاً، ونظافةً أنيقة، وعطراً، وهي ليس لها نظر ؟ ليس لها شم ؟ هي عمياء، ولا تشم ؟ لا هي مثلك، لذلك قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: << إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزيَّن لي، لأن الله تعالى يقول: 

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

هنا حديث لطيف للإمام القرطبي، فأحياناً كل سن له زينة، وكل عمر من أعمار الرجال له زينة تناسبه، فإذا تجاهل أحد سنه، وتزين بزينة لا تليق به أصبح مبعثًا للضحك، امرأةً كانت أو رجلاً، المفروض أن تراعي الزوجة وضعها العام، ويراعي الزوج وضعه العام.
وبالمناسبة، هذه المرأة التي قدَّمت لأبنتها وصيةً يوم زفافها، قالت: " يا بنيتي خذي عني عشر خصال تكن لكي زخراً وأجراً، الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتفقُّد لموضع عينه، والتعهُّد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحُسْن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود ".
ثبت أن للجلد البشري رائحةً عطرة، فإذا لم يكن مع الجل ثمن عطور أبداً، وكانت غالية، فقد يبلغ ثمنها خمسة آلاف ليرة، أو ثلاثة آلاف، فعندنا روائح رخيصة نستعملها، فإذا تنظف الإنسان، وجلده له رائحةٌ عطرة، والماء أطيب الطيب المفقود، والكحل أحسن الحسن الموجود، هذه وصية امرأةٍ توصي بها ابنتها ليلة زفافها، قال:

3 – إجابة المرأة زوجها إذا دعاها

وعلى المرأة أن تجيب زوجها إذا دعاها، فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما روى الإمام الترمذي، قال: قال عليه الصلاة والسلام::

(( إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ ))

وقد أكدت الشريعة الإسلامية أن عدم إجابة المرأة لطلب زوجها معصيةٌ كبيرةٌ موجبةٌ لغضب الله تعالى، ولعنة الملائكة، ولا تقبل صلاتها حتى ترجع، وذلك لأنها تسدُّ على زوجها طريق الحلال، وتدفعه إن كان ضعيف الإيمان إلى اختيار السبل المحرمة، فقد روى الإمام مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ ـ وهو الله جلَّ جلاله ـ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا ))

وأما لعن الملائكة الزوجة بسبب عدم استجابتها فقد روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

(( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ))

إذا كان الزمنُ شتاء كان الليل طويلا، وطول الليل تلعنها الملائكة، وفي رواية أخرى:

(( إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ ))

الشيء الذي يلفت النظر حديث جابر رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم:

(( ثلاثةٌ لا تقبل لهم صلاةٌ، ولا يصعد لهم إلى السماء حسنة، العبد الآبق حتى يرجع، والسكران حتى يصحو، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى ))

[الجامع الصغير بسند فيه ضعف]

وهل تصدقون أن المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظت نفسها، وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها، نصف دينها أن تحفظ نفسها عن غير زوجها، وأن ترضي زوجها، معنى ذلك أن نصف دينها زوجها، بالضبط، إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظت نفسها أي كانت عفيفة وورعة، وأطاعت زوجها فيما يريد، دخلت جنة ربها.
دين الرجل فيه ألف بند، أو خمسة آلاف، أو مئة ألف بند، ففي البيوع أربعمئة حالة، فإذا كان الإنسان تاجرًا فعنده مزالق كثيرة جداً، دين الرجل يحتاج إلى دقة بالغة، في كسب المال، في إنفاق المال، أما هي في البيت.

4 – لا يجوز للمرأة الاشتغال بالعبادات عن زوجها في غير الفريضة

عندنا حكم شرعي دقيق جداً، هذا الحكم هو أنه: " لا يجوز للمرأة أن تشتغل في العبادات بغير الفريضة، مهملةً حق زوجها عليها، فقد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم، ألا تطيل صلاتها النافلة، إذا تضرر زوجها بها ".

قد يحضر الزوج إلى بيته جائعًا وغضبان، ويغلي من الداخل، وهي تصلي صلاة النفل عشرين ركعة، فيخرج من جلده، وتكرّهه في الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر ألا تصوم المرأة صوم النفل وزوجها شاهد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ … ))

[البخاري]

فقد تحب أن تصوم بعض الأيام غير الواجبة، أما إذا سافر زوجها وصامت فلا مانع، أما أن تصوم وزوجها شاهد فلا بد من إذن، فهي تحتاج إلى إذنه، وإلا تعتدي عليه بهذا الصيام، هكذا ورد عن النبي عليه صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال:

(( جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، وَيُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ، وَلا يُصَلِّي صَلاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، قَالَ: وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ، قَالَ: فَسَأَلَهُ عَمَّا قَالَتْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا قَوْلُهَا يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ، وَقَدْ نَهَيْتُهَا، قَالَ: فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ سُورَةً وَاحِدَةً لَكَفَتِ النَّاسَ، وَأَمَّا قَوْلُهَا: يُفَطِّرُنِي، فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ فَتَصُومُ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ فَلا أَصْبِرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: لا تَصُومُ امْرَأَةٌ إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا... ))

أرأيتم إلى الشرع الحكيم ؟ من أجل أن يكون البيت جنة يتحمل الإنسان متاعب كثيرةً في الحياة، أما إذا كان في البيت منزعجًا فالقضية كبيرة جداً، فقد يتحمل كسب الرزق، ويتحمل تعقيد الحياة، ويتحمل مشقة العمل، ويتحمل المنافسة في كسب المال، أما إذا جاء إلى البيت أيضاً في البيت انزعاج ونفور ومشاكسة وإهمال، عندئذٍ يغدو البيت جحيماً لا يطاق.
روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ ))

أما في شهر رمضان فمستحيل، فالفرض لا تحتاج فيه إلى إذن، وكذا صلاة الفرض لا تحتاج لإذن، ولا استئذان، ولا لشيء، فالحديث عن النفل فقط.
وأيضاً هناك حق للزوجة، كما أن عليها ألا تتردد في تنفيذ طلبه وتلبية حاجته، ولو كانت على التنور، هو عليه أن يقوم بوظيفته الزوجية، أما أن يهملها، أما أن ينسى هذا الموضوع، أما أن ينشغل بشيء آخر، وهي محبوسةٌ له، وهي لها حقٌ عليه فلا يليق، لذلك قال بعض المفسرين، في قوله تعالى:

 

﴿ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾

( سورة النساء: آية " 129 " )

أي لا فارغة فتتزوج، ولا ذات زوج بالمعنى الحقيقي، لا هي متزوجة كغيرها من الزوجات، ولا هي غير متزوجة فتتزوج، فهذه المعلقة التي أهملها زوجها.
وهناك قصة تعرفونها فيما أذكر، أن امرأةً جاءت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالت: << يا أمير المؤمنين، إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه، وهو يعمل بطاعة الله ـ ما هذا الأدب ؟ ـ فقال: نِعْمَ الزوج زوجك ـ سيدنا عمر يظهر أنه كان مشغولاً، فأجابها بهذا القول، وجعلت تكرر عليه القول، إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه، لأنه في طاعة ربه، فقال: نعم الزوج زوجك، وقد كان عنده صحابي اسمه كعب الأسدي، قال: يا أمير المؤمنين، هذه امرأةٌ تشكو زوجها، وليست تثني عليك، أديبة كثير، ومهذبة، رقيقة تشكو زوجها، إنها لا تثني عليه، وأنت تقول لها: بارك الله لك في زوجك، هي تشكو زوجها، فقال عمر: هكذا فهمت من كلامها ؟ إذاً فاقضِ بينهما، فقال كعبٌ: عليّ بزوجها، فأوتي به فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك، قال: أفي طعامٍ ؟ البراد مليء، هي لا تريد البراد، تريدك أنت، أفي طعامٍ ؟ أم في شرابٍ ؟ قال لا، قالت:

ألهى خليلي عن فراشي مسجده زهَّده في مضجعي تعبده
فاقض القضا كعباً ولا تــردده نهاره وليله ما يــرقده

فلست في أمر النساء أحمده

فقال الزوج: أنا زهدني في فرشها وفي الحجل، أني امرؤٌ أذهلني ما قد نزل.
فقد دهش من القرآن الكريم، يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، صلى فاتصل بالله عزَّ وجل، فأهمل زوجته.

وفي سورة النحل وفي السبع الطول وفي كتاب الله تخويفٌ جلل

فقال كعب:

إن لها عليك حقاً يا رجل نصيبها في أربعٍ لمن عقل

لو أن عندك أربع نساء لها حق في يوم، فأنت ليس عندك إلا واحدة، يوم لها وثلاثة لربك، فكان حكم هذا القاضي كعب الأسدي أنه حكم لها أن يتفرَّغ لها يوماً في الأربعة أيام، كما لو كان زوجاً لأربعة نساء، لها يوم، سيدنا عمر رضي الله عنه، قال:
" والله ما أدري من أي أمريك أعجب ؟ أمن فهمك أمرها، أم في حكمك بينهما، اذهب فقد ولَّيتك قضاء البصرة ".
جعله قاضياً لفهمه الدقيق جداً، ولحكمه الدقيق جداً، فهم أنها تشكوه، وأما عذره فلم يقبله، إذا كنت هائماً بربك، لها عليك حق، كما لو أنك على أربع نسوة، للواحدة عليك حق في يومٍ من هذه الأيام الأربعة.
أيها الإخوة الكرام، إن شاء الله نتابع هذا الموضوع في الدرس القادم، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تترجم هذه الأحكام الشرعية إلى واقع، والله الذي لا إله إلا هو، إن مما يرضي الله عزَّ وجل، أن تكون بيوتات المسلمين جنة، ولا تكون بيوتات المسلمين جنة إلا إذا طبِّق فيها شرع الله عزَّ وجل، ولا تنسوا هذه الآية:

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

( سورة الأنفال: آية " 33 " )

معنى: (وَأَنْتَ فِيهِم ) ، أي وسنتك مطبقةً في بيوتهم، وسنتك مطبقةً في أعمالهم، وفي تجارتهم، وفي وظائفهم، وفي مداخلهم، وفي مخارجهم، وفي نزهاتهم، وفي أفراحهم، وفي أتراحهم، وفي حلهم، وفي حضرهم، وفي سفرهم.

فنحن في درسنا اليوم عندنا أربعة تدابير قبل الزواج تمتن العلاقة، وأربع تدابير بعد الزواج تمتن العلاقة، والتي قبل الزواج:
أن تنظر إلى مخطوبتك، فذلك أحرى أن يؤدم بينكما.

وأن تنظر هي إليه، لها مثل الذي عليه، أو عليها مثل الذي له.

وأن تستأمر البنت في زواجها.

وألا تكره على رجلٍ لا تحبه.

وأن تستأمر أمها في ذلك.
هذه الإجراءات التي قبل الزواج.
بعد الزواج:
أن تظهر بمظهر لائق.

وأن يظهر هو كذلك.

وأن لا تمتنع عنه.

وأن يؤدي وظيفته تجاهها.

وأن يكون هذا وفق ما شرع الله عزَّ وجل، والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.

تحميل النص

إخفاء الصور