وضع داكن
26-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 22 - التربية الإجتماعية - 9 السلام ينشر الحب بين المؤمنين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني والعشرين من دروس تربية الأولاد في الإسلام، وصلنا إلى موضوع الآداب، وتحدّثنا في الدرس الماضي عن آداب الطعام والشراب، وها نحن ننتقل اليوم إلى آداب السلام وآداب الاستئذان.

السلام بابٌ من أبواب الآداب الإسلاميّة:

(( أنّ رجلاً سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيُّ الإسلام خير؟ قال: أن تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ))

[رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

  علَّقت في درسٍ سابقٍ على هذا الحديث، على من عرفت ومن لم تعرف وأنت في مدخل بنايتك خرج إنسان فقم بالسلام عليه، وأنت في حيِّك، وأنت في دائرة عملك، أما في الطريق العام المزدحم هذا غير مقبول وغير معقول، على من عرفت ممن حولك، ومن لم تعرف ممن حولك عليك أن تسلّم، في نطاق العمل، في نطاق السكن، في نطاق السفر، سافرت جلست إلى جانب إنسان لا تعرفه فقل له: السلام عليكم، هذا معنى الحديث، والله سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا (27)﴾

 

( سورة النور: آية " 27 " )

  السلام إذاً ورد في القرآن حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، وفي آيةٍ ثانية:

﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أخوانكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61) ﴾

( سورة النور )

الحبُّ بين المؤمنين شرطٌ لصحّة إيمانهم:

 

 إذاً السلام، الله جلّ جلاله اسمه السلام، فإذا قلت: السلام عليكم، ماذا تفعل ؟ إنّك تلفظ اسم الله السلام، قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( لا تدخلوا الجنـّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ))

 

[رواه الإمام مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه]

  لا أدري ما إذا كان هذا الحديث يشكّل في حياة المسلم ركناً أساسياً، لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، فالحبُّ بين المؤمنين شرطٌ لصحّة إيمانهم، مؤمنان متباعدان، مؤمنان متباغضان، مؤمنان متحاسدان، هذان الرجلان لولا أنهما ضعيفا الإيمان لما فعلا ما فعلاه، فكلّما قلّ الحبُّ بين المؤمنين هذا يشير إلى ضعف الإيمان، وقد يشير أحياناً إلى انعدام الإيمان، فالأصل هو الحبّ والحبُّ يعبّر عنه بالمودّة:

 

(( لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ))

 

[رواه الإمام مسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه]

  قرأت مرة أنّ الصحابة الكرام كانوا إذا ساروا في طريق وفرّقت بينهم شجرة، فإذا التقوا مرةً ثانية يسلّم بعضهم على بعض، ويقاس على ذلك، كنّا مجتمعين وركبنا معاً سيّارة فلمّا دخلناها قلنا السلام عليكم، أي أنّه كلّما استطعت أن تكثر السلام على أخوانك فهذا مما يزيد الودّ والحبّ فيما بينكم، في الحقيقة هي " كلمة " لكن وراءها يوجد مودّة، يوجد طاعة، هي كلمة والله عزَّ وجلَّ هو الذي يخلق الحبّ بينك وبين أخيك، فأنت عليك أن تأخذ بالأسباب، السبب هو أن تسلّم، لكن الله عزَّ وجلَّ يتولّى أن يخلق في نفس أخيك الآثار الإيجابيّة لهذا السبب.

 

" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " الصيغة التامة للسلام:

 

 أمّا الطريقة التي ينبغي أن يسلّم بها: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 تتصل هاتفيــاً بأحد الأشخاص وتقول: هنا فلان ؟ فيقولون لك: انتظر. وبعد أن تنتظر يأتي فلان ويقول لك مبادرةً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه سُنّة، مباشرةً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتى لو كان الذي تسلّم عليه واحداً فتقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وليس السلام عليك ابدأ أنت بالسلام بهذه الصيغة التامّة، هذه الصيغة التامّة مستفادة من هذا الحديث الشريف.

(( جاء رجلٌ إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: السلام عليكم. فردّ عليه ثمّ جلس. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: عشر، الصحابــة الكرام لم يفهموا ماذا يعني النبيّ بهذه الكلمة، ثمّ جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمـــة الله. فقال النبيُّ الكريم: عشرون. فجاء آخر وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فردّ عليه وجلس وقال: ثلاثون ))

[رواه أبو داود والترمذيّ عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما]

  إذا قلت: السلام عليكم فالأجر عشرة، وإذا قلت: السلام عليكم ورحمة الله فالأجر عشرون، وإذا قلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فالأجر ثلاثون.
 أنت وطّن نفسك أن تبدأ السلام بهذه الصيغة أن تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

(( قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هــــذا جبريلُ يقرأ عليكِ السلام. قالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ))

 

[ رواه الشيخان عــن عائشة رضي الله عنها ]

  هذا في الصحيحين، والله أيها الأخوة مجتمع المؤمنين مجتمعٌ متميّز، فريد، مجتمع متأدّب بآداب الإسلام، مجتمع يقيم أمر الله فيما بينهم، لذلك الله جلَّ جلاله بعليائه وبقدرته وبرحمته يلقي في قلوب المؤمنين الحب والمودّة.
 يوجد تعليقٌ لطيفٌ لعلّي لم أوضّحه تماماً، هي كلمة السلام عليكم ؟ هي كلمة تقولها أنت لكنّك حينما تقولها امتثالاً لأمر الله عزَّ وجلَّ فالله يتولّى أن يلقي في قلب أخيك الحبّ لك، وأن يلقي في قلبك حبَّ أخيك، هذا من فعل الله، أنت معك المفتاح، أنت فتحت بالمفتاح، قد يقول قائل: ما تفعل كلمة ؟!! هي كلمة ومن دون الدعم الإلَهي لا تفعل شيئاً، أمّا السلام كلمة تقولها أنت، لكنّ الله يتولّى أن يلقي حبَّك في قلب أخيك، ويتولّى أيضاً أن يلقي حبَّ أخيك في قلبك، فحينما تقول له: السلام عليكم، لا تدري هذا الميل الذي وجد في قلبك تجاه أخيك.

 

السلام طرحه سنّة والردُّ عليه فرض عين:

 

 السلام، اسم الله السلام، والسلام طرحه سنّة والردُّ عليه فرض عين.
 لكن أيها الأخوة، يسلِّم الراكب على الماشي، أنت راكب مركبة ووقفت أمام شخص لم يسلّم عليك، بل أنت الذي يجب أن تسلّم عليه، طبعاً في عهد النبيّ كانت الركائب هي الحصان والناقة والدابة، الآن مركبة، فالراكب في مركبة يجب أن يسلِّم على غير الراكب، يسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، فإنسان جالس على الكرسي أمام دكّانه وأنت ماشٍ، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، خمسة يمشون معاً وواجهوا ثلاثين في نزهة، فطبعاً الذوق والسنّة أن يسلّم هؤلاء الخمسة على الثلاثين لا أن نكلِّف الثلاثين أن يسلِّموا على هؤلاء الخمسة، فيسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير، أنت أصغر سناً فيجب أن تبدأ أنت بالسلام.

(( يسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير
وفي رواية البخاري ـ يسلّم الصغير على الكبير ))

[ رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

  أخواننا الكرام في الحياة الاجتماعيّة توجد سلامات غير إسلاميّة منتشرة وشائعة، فأنا لا أرضى لإنسان مسلم في بيت مسلم أن يربّي أولاده على طرح سلام غير إسلامي، الآن وبأكثر الأسر الإسلاميّة: (باي). ما هذه الكلمة ؟ أنت مسلم، وبيتك إسلامي، وزوجتك مسلمة، وأولادك مسلمون وتعلِّمه أن يقول: باي. ليس لها معنى السلام عليكم.

 

(( ليس منّا من تشبّه بغيرنا ))

 

[رواه الترمذيّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ]

  أحياناً يقول له: سعيدة، فما هذه السعيدة ؟ ساعة ! باي وساعة سعيدة:

 

(( ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف ))

 

[رواه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم]

  في هذا النهي تمييزٌ لخصائص هذه الأمّة الإسلاميّة من الأُمم الأخرى.

 

النهي عن التشبه بالأجانب:

 

 أحياناً الإنسان يلبس على رأسه قبّعة يرتديها النصارى في بلادهم، طبعاً هذه مكروهة، لأنّك حينما ترتدي هذه القبّعة التي يرتديها النصارى في بلادهم فأنت بذلك معجبٌ بهم، وكأنّ هذه القبّعة تؤكّد أنّك تنتمي إليهم بالولاء:

(( من أحبَّ قوماً حشر معهم ))

[رواه الطبراني عن جابر]

(( كل نفس تحشر على هواها، فمن هوى الكفر فهو مع الكفرة، ولا ينفعه عمله شيئاً".))

[رواه الطبراني عن جابر]

  لا ينفعه عمله شيئاً، من أحب قوماً أي كفّار، حشر معهم ولا ينفعه عمله شيئاً، أي إذا الإنسان أحب الكفار، فالكفار فاسقون، فجّار، يشربون، يرقصون، يأكلون أموال الناس بالباطل، لكنّهم قد يكونون أذكياء، قد يسكنون في بيوتٍ فخمة جداً، علاقاتهم الاجتماعيّة مبنيّة على أصول معيّنة، فالإنسان حينما يحبُّ قوماً كفّاراً يحشر معهم يوم القيامة ولا ينفعه عمله شيئاً، من هذا المنطلق ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الدعاء الشريف: " اللهمّ لا تجعل لي خيراً على يد كافر أو منافق."
 لأنّ الخير إذا جاءك على يديهم، القلب يميل لهم، ميل القلب إلى الكفّار شيء خطير جداً، أنا أُلاحظ عندما يتورّط الإنسان بإرسال ابنه إلى بلدٍ أجنبي، فيأتي الابن وهو لا يطيق بلده، ولا قومه، ولا أمّته، ولا تراثها، ولا حضارتها، ولا دينها، يقول لك: كلّه تخلُّف، فقد رأى التقدُّم هناك في بعض المظاهر الفارغة ونسي أنّ هؤلاء فُرِّغت حياتهم من كلِّ القيم.
 من أحبّ قوماً حشر معهم ولا ينفعه عمله شيئاً:

 

(( من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة ))

 

[الطبراني والبيهقى عن جرير]

  إذا الإنسان أقام معهم وأحبّهم بعد قليل يعتقد اعتقادهم، بعد قليل تصبح قيمه قيمَهم، بعد قليل يُحبُّهم، وأناسُ كثيرون تنصّروا وأعلنوا ذلك صراحةً، لذلك الإنسان قبل أن يرسل ابنه إلى بلد أجنبي حتى يدرس، يجب أن يعدّ إلى المليون فقد يخسره نهائياً، قد يخسر الابن دينه، إذاً هناك نهيٌ عن التشبُّه بالأجانب.

 

العطف على الصغار من دلائل الرحمة:

 

 أعياد الميلاد، ما الذي يمنعك أن تقيم في البيت عيداً للمولد النبوي الشريف بدلاً من عيد الميلاد، فأنت مسلمٌ، فإذا أردت أن تفرح أولادك الصغار، ودعوت أصدقاءهم الصغار للاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، وتُليت على أسماع الصغار بعض مواقف النبيّ اللهمّ صلِّ عليه، بعض محبّته للصغار، تسليمه على الصغار، رأفته بالصغار:

(( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ))

[ أحمد والترمذي والحاكم عن ابن عمرو ]

  هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

 

(( قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم. فقالوا: لكنا والله ما نقبل !! فقال صلى الله عليه وسلم: وما أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة ))

 

[مسلم عن عائشة رضي الله عنها]

  معنى ذلك أنّ من دلائل الرحمة العطف على الصغار، فنحن إذا جمعنا أصدقاء أولادنا بحفلة إسلاميّة بدل أن تكون عيد ميلاد، وعدد من الشموع، ونطفئ الشموع على قالب كاتو، نوزِّع الحلوى، ونتلو على هؤلاء الصغار سيرة النبيّ عليه الصلاة والسلام وشمائله، التشبُّه بالأجانب دليل ضعف الإيمان، والدليل الإعجاب بهم، والدليل التقدير، وهذا لا ينفعنا إطلاقاً، وكلُّكم يعلم أنّ امرأة نوح حُشرت مع قومها، مع أنّه ما من امرأةٍ على وجه الأرض تُحِّبُّ الشذوذ، لأنّها إذا أحبّت الشذوذ ألغت وجودها، فالشذوذ يتناقض مع طبيعة المرأة، امرأة لوط لماذا أهلكها الله عزَّ وجلَّ ؟ لا لأنّها فعلت فعل قوم لوط، لكنّها أحبّت قومها ودافعت عنهم، وأعانتهم على انحرافهم فاستحقّت عقابهم، مع أنّها لم تفعل فعلهم.

 

من رضي بالمعصية فهو شريك في الإثم:

 

 يوجد دليلٌ آخر، هؤلاء الذين عقروا الناقة، كم واحداً عقر الناقة ؟ واحد فقط، يقول الله تعالى:

﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) ﴾

( سورة الشمس )

  يقول الله تعالى:

 

﴿ فَعَقَرُوهَا (14) ﴾

 

( سورة الشمس )

  كيف والذي عقرها واحد ؟ قال: لأنّ أهل البلدة كلِّهم أقرّوه على فعله فكأنّهم عقروها جميعاً.
 حتى قال سيّدنا عمر: " لو أنّ أهل بلدةٍ ائتمروا على قتل رجلٍ واحدٍ لقتلتهم به جميعاً "، لذلك:

 

(( إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شَهِدَها فكَرِهَها ـ وقال مرة: فأنكرها ـ كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فَرَضِيَها كان كمن شهدها. ))

 

[أبو داود عن الْعُرْس بْنِ عَميرة الْكِندِيِّ]

  الآن أنــت يكفيك أن تسمع عن سلوك منحرف في أوروبا وتقول كلمةً واحدة: بسيطة، والجماعة أعطوا نفوسهم هواها، فهل تدري ماذا قلت ؟؟ إذا قلت هذه الكلمة عن مجتمع يبعد عنك عشرة آلاف كيلو متر كأنّك شهدت هذه المعصية ورضيت بها وأنت شريكٌ في الإثم:

 

(( إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شَهِدَها فكَرِهَها ـ وقال مرة: فأنكرها ـ كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فَرَضِيَها كان كمن شهدها. ))

 

[أبو داود عن الْعُرْس بْنِ عَميرة الْكِندِيِّ]

  هذا ينقلنا إلى حديث رسول الله:

 

(( الذنب شؤم على غير صاحبه ))

 

[الجامع الصغير عن أنس بسند فيه ضعف]

((الذنب شؤم على غير فاعله إن عَيَّره ابتلى به وإن اغتابه أثم وإن رضى به شاركه ))

[ الديلمي عن أنس ]

التعليم بالمواقف أبلغ من التعليم باللسان:

 أخواننا الكرام، يجب أن تكون دقيقاً جداً، إذا ارتكب أخوك معصية، فإن ذكرتها فضحته واغتبته، وإن عيّرته بقولك مثلاً: أين عقله ؟! ابتليت بهذه المعصية عقاباً لك على هذا التجبُّر، وإذا قلت: ماشي الحال دبرّ حاله والعمل فيه معصية فقد شاركته في الإثم، فكلّما ارتكب أخوك ذنباً ينبغي عليك أن لا تقرّه، وينبغي ألا تشمت به، ألا تعيّره، وينبغي ألا تفضحه، وينبغي ألا ترضاه له، إن رضيته فقد شاركته، وإن عيّرته ابتُليت به، وإن ذكرته فقد اغتبته.
 ينبغي أن تقول: هداه الله إلى الصواب وعصمني من الزلل، دائماً التعليم بالمواقف أبلغ من التعليم باللسان، المربّي ينبغي أن يبدأ الأولاد بالسلام، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك، كان يسلّم على الصبيان إذا مرّ بهم، فقد روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه:

(( أنّه مرّ على الصبيان فسلّم عليهم وقال: كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله ))

[متفق عليه عن أنس رضي الله عنه ]

(( أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرّ على غِلمانٍ فسلّم عليهم ))

[مسلم عن أنس رضي الله عنه]

(( أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مـرّ على غِلمانٍ يلعبون فسلّم عليهم ))

[أبـو داود عن أنس رضي الله عنه]

 في روايةٍ أُخرى قال لهم:

 

(( السلام عليكم يا صبيان ))

 

[ابن ماجة عن أنس رضي الله عنه]

  أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحملكم على أن تهتمّوا بالصغار، أحياناً السلام، ابتسامة بوجه طفلٍ صغيرٍ، أو قطعة من الحلوى تقدّمها له، أحياناً نصيحةً تنصحه إيّاها.
 ذكر لي رجل وهو الآن ملء السمع والبصر في دينه وفي تقواه قال لي: عندما كنت صغيراً كان لي أستاذ، غبت عن المدرسة أحد الأيّام وتفقّد غيابي وكنت قد ذهبت إلى السينما، فعاقبني عقاباً شديداً ثم نصحني، ثم أعطاني هديةً على صلاتي، قال لي: والله منذ ذلك التاريخ وأنا أحترم هذا المعلّم وأُجلُّه، وحينما علم أنّه قد توفّاه الله عزَّ وجلَّ بكى، لأنّه أدّبه على المعصية، وكافأه على الطاعة.
 قد لا تدري أنت بكلمة طيّبة ماذا تفعل ؟ يقول لي أحدهم: دخلت إلى مسجدٍ لأصلّي سرق حذائي، وهو طفلٌ صغيرٌ في ريعان صباه، تألّم ألماً لا حدود له إذ يبدو أنّه فقير والحذاء جديد، صار يبكي، فرآه رجلٌ من المصلّين يبكي، فقال له: ما لك يا بنيّ تبكي ؟ فقال له: سُرق حذائي يا عم، هذا الرجل يبدو أنه صالح، وكان ذلك في سوق الحميديّة، فأخذه إلى بائع الأحذية واشترى له حذاءً من فوره، هذا الحذاء الذي اشتراه هذا الرجل الكبير لهذا الطفل الصغير كان سبب محافظته على الصلاة طوال حياته، طفل فجع بحذاء له، فالمفروض أن نعينه.
 البارحة أعلمني أخ بسرقة حذائه، وبالطبع الجامع مفتوح للجميع، وتوجد نفوس مريضة جداً، قدر الإمكان لا تحضروا بحذاء جيّد إلى المسجد، فقد ذكر لي أحدهم ذات مرّة أنّه قد حضر بحذاء ثمنه سبعة آلاف، ألم تجد غيره لتأتي به إلى الجامع ؟ احضر بحذاء رخيص الثمن، تألّمت ألماً شديداً لهذا الأخ الكريم الذي أتى ليحضر الدرس فسرق حذاءه، فانتبهوا وضعوا أحذيتكم بأماكن جيّدة، وسأكلّف بعض الأخوة بمراقبة أماكن الأحذية، فسارق الحذاء عمله هذا مضاعف لأنّه كان ضمن المسجد.
 الشاهد أنّ هذا الطفل الصغير الذي فجع بسبب سرقة حذائه واشترى له هذا الرجل الكبير غيره، كان سبباً لمحافظته على الصلاة لفترة طويلة.

 

من الكبائر ألا تجيب السلام:

 

 كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يرسل كتاباً إلى غير المسلمين ماذا يقول في الكتاب ؟ يقول: السلام على من اتّبع الهدى، طبعاً هذا الكلام حق.
 الشيء الآخر إنّ إجابة السلام فرض عين، طرح السلام سنّة، وإجابته فرض عين، روى ابــن السُنّيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:

(( من أجاب السلام فهو له، ومن لم يجب فليس منّا ))

[ابن السني عن عبد الرحمن بن شبل]

  كلمة (فليس منّا) كلمة كبيرة جداً، أي أنّه من الدلائل على أنّه من الكبائر ألا تجيب السلام:

 

(( من أجاب السلام فهو له، ومن لم يجب فليس منّا ))

 

[ابن السني عن عبد الرحمن بن شبل]

  الله عزَّ وجلَّ قال:

 

﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86) ﴾

 

( سورة النساء: آية " 86 " )

  توجد نقطة جديدة في السلام:

 

(( يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيُّهما يبدأُ بالسلام ؟ قال: أولاهما بالله تعالى))

 

[رواه الترمذي عن أبي أُمامة]

  الأقرب إلى الله يبدأ بالسلام، الأكمل يبدأ بالسلام، الأكثر إيماناً يبدأ بالسلام وفي رواية:

 

(( إنّ أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام ))

 

[رواه أبو داود عن أبي أمامة]

  الآن، الذي يبدأ بالسلام أقرب إلى الله، الذي يبدأ بالسلام أكبر إيماناً، الذي يبدأ بالسلام أولى بالله.

 

حالات ينبغي ألا تلقي السلام فيها:

 

 هناك حالات ينبغي ألا تلقي السلام فيها: مجلس علم منعقد بالمسجد ويدخل شخص ويلقي السلام: السلام عليكم، هنا السلام مكروه، هذه الأحوال ذكرها العلماء، الذي يتوضّأ لا يُسَلَّم عليه، لأنّ الوضوء عبادة، ومن في الحمّام لا يُسَلَّم عليه، ومن يأكل لا يُسَلَّم عليه، ومن يقاتل لا يُسَلَّم عليه، والذي يتلو القرآن لا يُسَلَّم عليه، والذي يذكر الله لا يُسَلَّم عليه، والذي يلبّي في الحج ويقول لبيك اللهمّ لبيك هذا لا يُسَلَّم عليه، وخطيب الجمعة لا يُسَلَّم عليه، والواعظ في المسجد لا يُسَلَّم عليه، ومدرِّس الفقه لا يُسَلَّم عليه، والمشتغل بالتدريس بشكلٍ عام لا يُسَلَّم عليه، والباحث في العلم لا يُسَلَّم عليه، والمؤذّن لا يُسَلَّم عليه، والذي يقيم الصلاة لا يُسَلَّم عليه، ومن يقضي حاجته لا يُسَلَّم عليه، والذي يشتغل بالقضاء بالحكم بين الناس لا يُسَلَّم عليه، هذه الأحوال كلّها السلام يسقط فيها.
 هذه الأعمال أعظم من أن تطرح عليه السلام، وفي هذه الأحوال ينبغي أن تعلّموا أولادكم أنّه من الكراهة بمكان أن تطرح السلام، أحياناً الإنسان يكون ماشياً مع زوجته ومستحٍ، وتقول له: السلام عليكم، فإذا رأيته كذلك فابتعد عنه ولا شيء عليك، ولا تحرجه، بعض الأحوال تشعر أنّ السلام لا يناسب، من سلّم في هذه الحالة التي لا يستحب فيها السلام لم يستحق المسلّم جواباً، فإذا لم تردّ عليه فلا مانع، فأنت تُدَرِّس ويقول لك: السلام عليكم، أنت على المنبر، تذكر الله، تتلو القرآن، في هذه الأحوال لا ينبغي أن يسلّم عليه الإنسان، فإذا سلّم عليه جاهل ينبغي ألا يرُدّ عليه.
 هذه بعض آداب السلام، الأحوال التي يكره فيها طرح السلام، وأنّ الذي يسلّم أولاً هو أعلى عند الله مقاماً، وأنّك إذا سلّمت على غير المسلمين قل: السلام على من اتّبع الهدى، وأنّك إذا سلّمت على تلاميذك أو أبنائك فقد علّمتهم درساً عملياً، ولا ينبغي أن نستخدم سلام الأجانب لأنّه تشبُّه بهم، وينبغي أن نتعلّم آداب السلام، الراكب على الماشي، الماشي على القاعد، القليل على الكثير، الصغير على الكبير، وينبغي أن نسلّم السلام الكامل بقولنا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والذي يبدأ هو الأرقى.

آداب الاستئذان:

 الآن ننتقل إلى آداب الاستئذان، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (59) ﴾

( سورة النور )

  أي إذا كان الطفل دون الحلم له أن يستأذن ثلاث مرّاتٍ في اليوم، المرة الأولى من قبل صلاة الفجر، والمرّة الثانية وقت القيلولة، والمرّة الثالثة بعد صلاة العشاء.
 أمّا إذا كبر هذا الطفل الصغير ينبغي أن يستأذن على أمّه وأبيه كلّما دخل عليهم، فلّما تعجّب أحد أصحاب رسول الله قال عليه الصلاة والسلام: أتحبّ أن تراها عريانة.

 

(( رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي ؟ قال: نعم، قال: إني أخدمها ؟ قال: استأذن عليها، فعاوده ثلاثاً، قال: أتحب أن تراها عريانة ؟ قال: لا قال: فاستأذن عليها ))

 

[رواه الطبري عن عطاء بن يسار]

  غرفة نوم الأم والأب فيها يخلعون ثيابهم، أيحبّ الابن أن يرى أُمّه عريانة ؟ إذاً ينبغي أن يستأذن دائماً، فإذا تجاوز سنّ الحُلم ينبغي أن يستأذن دائماً، أمّا دون سنّ الحُلم فثلاث عورات، من قبل صلاة الفجر، وفي القيلولة، وبعد صلاة العشاء.
 عندما يكون الإنسان نائماً قد يكون مكشّفاً، فإذا كانت أمّه نائمة قد تكون مكشّفة، فالدخول على الأم ينبغي أن يكون وفق الاستئذان.

 

للاستئذان آدابٌ وهي مرتّبة كالتالي:

 

 للاستئذان آدابٌ أخرى وهي مرتّبة كما يلي:

1ـ الاستئذان بقول " السلام عليكم أأدخل ":

(( أنّ رجلاً من بني عامر استأذن على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في بيتٍ فقال: أألج ؟ فقال عليه الصلاة والسلام لخادمه: اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان، فقل له: قل السلام عليكم أأدخـل ؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل ؟ فأذن له النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم فدخل ))

[ رواه أبو داود عن ربعي ]

  هكذا علّمنا النبيّ، السلام عليكم أأدخل ؟

 

2ـ الإعلان عن الاسم أو الصفة أو الكنية:

 الأدب الثاني، أن يعلن عن اسمه أو صفته أو كنيته، لما جاء في الصحيحين في حديث الإسراء المشهور قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح فقيل: من هذا ؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك ؟ قال: محمد. ))

 

[متفق عليه عن مالك بن صعصعة]

  وفي الصحيحين:

 

(( لمّا جلس النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على بئر البستان وجاء أبو بكر فاستأذن فقال أبو موسى: من ؟ قال: أبو بكر. ثم جاء عمر فاستأذن. قال: من ؟ قال: عمر. ثم عثمان))

 

[متفق عليه عن أبي موسى]

  أي أنّ الأصول أن تقول ـ ولو على الهاتف ـ من حضرتك، أحياناً يقول لك: خمِّن، ما هذه الكلمة ؟ فلان الفلاني، السلام عليكم فلان يتكلّم، أعلن عن اسمك قبل الاستئذان، سلّم وقل أنا فلان، شيء جميل جداً يعني منتهى الأدب أن تقول أنا فلان، إمّا على الباب أو على الهاتف، جاء في الصحيحين:

 

(( أتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدققت الباب. فقال: من ذا ؟ فقلت: أنا. فقال عليه الصلاة والسلام: أنا، أنا، كأنّه كرهها ))

 

[متفق عليه عن جابر بن عبد الله]

  أنا، من أنت ؟ فلان، إذاً الإشارة هنا إلى أنّه ينبغي أن تعلن عن اسمك.

 

3ـ الاستئذان ثلاث مرّات:

 الاستئذان ثلاث مرّات، ورد في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( الاستئذان ثلاث فإن أُذن لك وإلا فارجع ))

 

[مسلم عن أبي موسى وأبي سعيد]

  قال: يحسن أن يكون بين استئذان المرّة الأولى والثانية انتظار مقدار صلاة أربع ركعات، فإذا كان يصلّي الظهر فمن غير معقول أن يسمع دقّات متلاحقة غير معقولة، فهو يصلّي، أطول صلاة بمقدار أربع ركعات، بعد القرعة الأولى أن تنتظر مقدار صلاة أربع ركعات، في المرّة الأولى وفي الثانية.
 أيها الأخوة، فالإنسان يكون بقضاء حاجة، أو بالحمام، أو يتوضّأ، أو يصلّي، فتجد إنساناً أرعن يطرق الباب وكأنّ صاحب البيت واقفٌ خلف الباب ينتظره، هذه ليست من السنّة.
 إذاً الاستئذان ثلاث مرّات والأفضل أن يكون بين المرتين مقدار صلاة أربع ركعات.

 

4ـ ألا يدق الباب بعنف:


 من آداب الاستئذان ألا يُدقّ الباب بعنف، ولا سيّما إذا كان ربُّ المنزل أباه أي أبا الصغير، أو أستاذه، أو رجلاً ذا فضل، فقد أخرج البخاري عن أنسٍ رضي الله عنه:

 

 

((أَنَّ أَبْوَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُقْرَعُ بِالْأَظَافِرِ. ))

 

[البخاري عن أنس رضي الله عنه]

  لشدة أدب أصحاب رسول الله، وكان السلف يقرعون أبواب أشياخهم بالأظافر، وهذا يدلُّ على مبالغتهم في الاحترام والأدب، وهو حسن لمن قرُب محلّه من بابه، فإذا كان البيت كبيراً جداً يبلغ ثلاثمئة متر مثلاً فلن يسمعوك لو قرعته بالأظافر، أمّا إذا كان في البيت جرس فنقرعه مرّة واحدة، الآن ولّى زمن الأظافر واستحدثت وسائل أخرى، شرط ألا يطرق بعنف، أما إذا كان على الباب جرسٌ ـ كما جرى العرف اليوم ـ فيقرع المستأذن بقرعةٍ خفيفةٍ لطيفة تدّلّ على لطفه وكرم أخلاقه ومعاملته.

 

5ـ أن يتحوّل عن الباب عند الاستئذان:

 الآن من آداب الاستئذان أن يتحوّل عن الباب عند الاستئذان، بعدما طرق الباب يعطي ظهره للباب خوفاً من وقوف امرأةٍ أجنبيّة أثناء فتح الباب، والاستئذان جعل من أجل النظر هكذا قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( إنّما جعل الاستئذان من أجل البصر ))

 

[أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن سهل بن سعد]

 لئلا ترى.

 

(( لا تأتوا البيوت من أبوابها، ولكن ائتوها من جوانبها فاستأذنوا، فإن أُذن لكم فادخلوا وإلا فارجعوا ))

 

[رواه الطبرانيّ عن عبد الله بن بشر رضي الله عنه ]

(( إذا أتى باب قومٍ لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم ))

[رواه أبو داود عن عبد الله بن بشر رضي الله عنه]

(( من اطّلع في بيت قومٍ فقد حلّ لهم أن يفقؤوا عينيه ))

[متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 طبعاً لو فقؤوا عينيه يعاقبون، لكن هذا الحديث العلماء قالوا عنه: أن النبيّ أراد أن يبيّن عظم الذنب الحاصل من اطلاعك على بيت أخيك.
 التلصص، النظر غير المقصود، النظر لمعرفة ماذا في داخل البيت، هذا لا يجوز.

 

(( من اطَّلع في بيت قومٍ ففقؤوا عينه فلا دِيَة ولا قصاص ))

 

[ النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه]

على المؤمن ألا يتألم إذا لم يُؤذَن له بالدخول:

 المقصود أن لا يطلّع الإنسان، وقال الله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى (28) ﴾

( سورة النور )

  قال قتادة:

 

(( قال بعض المهاجرين: لقد طلبت عمري كلّه هذه الآية فما أدركتها، أن استأذن على بعض أخواني، فيقول لي: ارجع، فأرجع وأنا مغتبط.))

 

[الطبري عن قتادة]

  إذا أُبْلِغَ الشخص بوجود مشكلة ما، أو مشغولين، أو عدم إمكانيّة استقباله، فإن غضب من ذلك فهو لم يفهم الآية أبداً، فهو غير متفقّهٍ في الدين، مادام الله عزَّ وجلَّ يقول لك:

 

﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا (28) ﴾

 

( سورة النور )

  جئت على غير موعد والشخص يقوم بعمل مهم جداً، هذا الشي يحدث، قد يكون هناك لقاء حاسم لقضيّة خطيرة، حل لمشكلة، أو توفيقٍ بين زوجين ويجب أن لا يتواجد شخصٌ ثالثٌ، فإذا جاء إنسان من غير موعد وقلت له: والله نحن مشغولون، فلا شيء في ذلك، لو كان هناك موعد معك كلّ الحق، أما لا يوجد موعد وأنا الآن أقوم بعملٍ خطيرٍ، كأن يكون الشخص يقوم بتحضير درس من الدروس والوقت حرج جداً، فالإنسان المؤمن إذا قيل له: ارجع، ينبغي أن يرجع دون أن يتألّم.

 

كلّما ارتقى الإنسان تجده أديباً:

 

 إن شاء الله تعالى في درسٍ قادم أتحدّث عن آداب المجالس، وعن أدب الحديث وعن آداب أُخرى، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بها لأنّ الإسلام كلّه أدب، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام لمّا سئل: ما هذا الأدب ؟ قال:

(( أدبني ربّي فأحسن تأديبي.))

[رواه العسكري عن علي رضي الله عنه]

 لفت نظري في السيرة أن سيّدنا زيد الخير وقد كان رجلاً جاهلياً، قدم المدينة واستمع إلى خطاب النبيّ يوم الجمعة، والنبيّ رحّب به وأخذه إلى بيته، وهو حديث عهد بالإسلام فقد أسلم من نصف ساعة تقريباً، وكان قد سمع الخطبة وقال: يا محمد أشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله وأسلم، والنبي أخذه إلى البيت، أعطاه متّكأً وقال له: اتكئ عليه فقال هذا الصحابي الجليل الذي أسلم منذ قليل: والله يا رسول الله لا أتكئ في حضرتك.
 قضيّة ذوق، كيف يجلس متكئاً أمام النبي ؟ فكلّما ارتقى الإنسان تجده أديباً، والله أديب في جلوسه، فإذا جلس تجده جالساً بأدب، البعض يجلس مباعداً بين رجليه، والآخر يجلس دون ذوق إطلاقاً، أو يجلس جلسة غير مقبولة، غير مهذّبة، فالإنسان كلّما اتصل بالله عز وجل يصير مهذّباً في جلوسه، في كلامه، في حديثه، في حركته.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور