- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الواحد والستين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية الواحدة والأربعين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(141) ﴾
مقدمة بيانية في إعمال العقل والنقل لإدراك قوله : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ :
أيها الإخوة، لا بد من تقديم دقيق لمعنى قوله تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
الجهة التي أيقنتَ يقيناً أنها وراء هذا الكون هي الله، لذلك العقل والنقل يتكاملان، أنت بالعقل ومن خلال الكون تؤمن بالله يقيناً، وبالعقل ومن خلال القرآن الكريم تؤمن بالنبي يقيناً، وبالعقل ومن خلال إعجاز القرآن الكريم تؤمن بأن القرآن الكريم كلامه يقيناً، انتهى دور العقل .
جاء دور النقل، النقل يقول لك: الذي خلق السماوات والأرض هو الله، أسماؤه حسنى، عليم، حكيم، رحيم، ودود، سميع، مجيب، حليم، غفور، والنقل يؤكد لك أن هذا الإنسان الذي جاء بهذا القرآن هو رسوله، وأن آيات الإعجاز في القرآن الكريم تؤكد أن هذا الكلام كلامه، العقل انتهى دوره، فهو حصان ركبته إلى قصر السلطان، ينبغي أن تدخل وحدك، أخبرك الله بعد أن آمنت به وبرسوله وبكتابه، أن الجهة التي خلقت السماوات والأرض هي الله، وأن الكون مُسخّر للإنسان تسخير تعريف وتكريم، وأن الإنسان هو المخلوق الأول .
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ
وأن الحياة الدنيا دار عمل، وليست دار أمل، الحياة الدنيا دار تكليف، وليست دار تشريف، الحياة الدنيا ممر وليست مقراً، وأن بعد الحياة الدنيا هناك موت، وبرزخ، ثم يوم القيامة، وفي يوم القيامة جنة يدوم نعيمها، أو نار لا ينفد عذابها، هذا كله بالنقل، العقل استنبط يقيناً أنه لا بد لهذا الكون من خالق، ولا بد لهذا الكون من مربٍ، ولا بد لهذا الكون من مُسير، واستنبط العقل أن الإله العظيم الذي خلق الكون قطعاً، عليم، وحكيم، وقوي، وغني، ورحيم، وودود، النقل أخبرك بالماضي السحيق أن البشرية بدأت من آدم، والنقل أخبرك أن الله سبحانه وتعالى لم يدع خلقه من دون رسالات، وأن الرسل كثيرون.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ
وأخبرك أن سلامتك بطاعة الله، وسعادتك بالقرب منه، وأخبرك أن هذه الدنيا دار امتحان.
أرأيت أن النقل والعقل يتكاملان ويتعاونان، وأنك بالكون تؤمن، وبالشرع تعبد، لمجرد أن تؤمن بالله جل جلاله تشعر بحاجة قوية إلى أن تمتثل أمره، تبحث عن أمره، لذلك التفكر في خلق السماوات والأرض جانب، ومعرفة منهج الله الأمر، والنهي، والفرض، والواجب، والمباح، والسنة، والكراهية التحريمية، والتنزيهية، والحرام، ينبغي أن تعرفه لأنك بالكون تعرفه وبالشرع تعبده. هذه مقدمه لقوله تعالى :
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾
التفكر في خَلق الكون باب لمعرفة عظمة الله :
إخواننا الكرام، مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، وعاشرة أؤكد لكم أنكم إذا تفكرتم في خلق السماوات والأرض تقفون وجهاً لوجه أمام عظمة الله، وأن التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله، وأقصر طريق إلى الله، وهذه الآيات تبين هذا الذي يحيط بنا من كل ما نحتاج من طعام وشراب.
إخواننا الكرام، العالم الغربي ينتفع من الكون بإحدى وظيفتيه، الكون مسخر للإنسان تسخير تعريف وتكريم، تماماً كما لو أن صديقاً لك اخترع هاتفاً فيه ميزات لا تعد ولا تحصى، وقدمه لك هدية، فأنت حيال هذه الهدية تعتريك مشاعر متعددة، أبرز هذه المشاعر يعتريك تعظيم لهذا المخترَع، ويعتريك امتنان لأنه قُدّم لك هدية. الله عزوجل يقول :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ
الإيمان والشكر مقابل التسخير والتعريف :
وكأن علة وجودنا أن نؤمن ثم نشكر، وكأن الإنسان الذي آمن بالله، ثم شكره حقق الهدف من وجوده، رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت توقفت المعالجة الإلهية.
جاء طالب بجلاء مع تفوق، وجاء بهندام نظيف وأنيق، وجاء بطاعة لوالديه ولإخوته وأمه، لا يمكن لأب أن ينتهره، ولا أن يضربه، ما دام قد حقق التفوق العلمي، والخُلق القويم حقق الهدف من كونه ابناً باراً لهذا الأب .
إذاً: يجب أن تعلم علم اليقين أنك إذا آمنت وشكرت، فالإله العظيم لا يمكن أن يكون له عليك سلطان لأنه ألزم نفسه بالكمال، هو مطلق، طليق الإرادة، يفعل ما يشاء، ولا أحد يمكن أن يعترض عليه، لا يُسأل عما يفعل لأنه كامل، لأنه قوي وكامل، والله عز وجل ألزم نفسه بالاستقامة، فأنت إذا آمنت وشكرت ليس لله عليك من سلطان .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ
حينما تعصون الله: ﴿ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً﴾
يعني أب طبيب ابنه أمامه، يأكل باعتدال، يأكل الطعام الصحي، الأب مع أنه طبيب، وطبيب هضمي وجراح، ما له علاقة الأب بابنه علاقة طب، ولا علاقة عملية جراحية، ولا علاقة أدوية أنه طعام الابن، أما إذا أكل طعاماً غير مناسب، مسموماً، وحدث معه إقياءات ساعتئذٍ لأن الأب رحيم وعليم يتدخل، ويلزمه بحمية تامة، وأدوية، وحقن، وما شاكل ذلك .
إذاً الله عز وجل ليس له على عباده سلطان إذا هم آمنوا وشكروا، آمنوا واتقوا، إذا هم استقاموا، لأن النبي الكريم حينما أردف معاذ بن جبل وراءه قال له:
(( يَا مُعَاذ ، هَلْ تَدْرِي مَاحَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ ؟ قُلْتُ : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : إِنَّ حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذلِكَ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُم ))
وأنا أطمئنكم: ما من واحد منا، وأنا معكم إذا استقامت سيرتنا، وصحّت عقيدتنا، وكثر عملنا الصالح، وخفنا الله عز وجل أنشأ الله عز وجل لنا حقاً عليه ألا يعذبنا، بصرف النظر عن الأوضاع العامة، والضغوط والأزمات، هذه كلها لا تصدق على من سلك طريق الإيمان وعبد الواحد الديان، وحمل هم الأمة، وكان في خدمتها، فالله عز وجل يعامله معاملة خاصة، يعني لك حق على الله، الدليل:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
هذا شيء مستحيل، وألف ألف ألف مستحيل .
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ(18) ﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36) ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ(61) ﴾
يا أيها المؤمن لا تقلق إنه دين الله :
أنا أريد أن أطمئن المؤمنين، لا تقلقوا إنه دين الله، لما جاء أبرهة لهدم الكعبة التقى بأبي طالب، صُعق أبرهة حينما سأل أبو طالب أبرهةَ المئتي ناقة التي احتجزها، قال: جئت لأهدم كعبتكم، إنها دينكم، إنها مقدساتكم، وتسألني عن مئتي ناقة لك؟! كنت كبيراً في عيني! قال له: إن للبيت رباً يحميه، وأنا رب هذه الإبل، أعطني إبلي .
يعني أنا أقدم لكم نموذجاً من الثقة بالله عز وجل، هذا الدين دين الله لا تقلقوا عليه، واللهِ لو اجتمع أهل الأرض كلما ازداد هجوهم ازداد الدين قوة، وكلما زادوا عداونهم ازداد الدين متانة، والدين وضعه عجيب، الذي يكافح الدين كمن يطفئ النار بالزيت، يزداد لهيبها، يعني هل علم الدانماركيون أن هذه الرسوم أجّجت المليار والنصف مليون، وأن محبة النبي مغلغلة في أعماقهم، وأنهم وضعوا تحت أقدامهم المليارات من الأرباح، لأن الذين صنعوا هذه البضاعة شوهوا صورة النبي .
وصدقوا أيها الإخوة، إن أمد الله في أعمارنا جميعاً سوف ترون أن هذه الهجمة الشرسة سوف تزيد الإسلام قوة، وتزيد المؤمنين إيماناً .
معنى قوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ :
إذاً: هذا الذي فكرت في خلقه يقول لك :
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ﴾
﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، صنع كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، هؤلاء الذين يصممون أشكال السيارات، يأتي عام خطوط منحنية، بعد حين زوايا قائمة، بعد حين النوافذ صغيرة كالقديم جداً، بعد حين كبيرة جداً، الإبداع محدود، وأكثر الصناعات يصنعون شكلاً جديداً، وبعدها يعودون لشكل قديم، لأن الإنسان طاقته في الإبداع محدودة .
كل ما على الأرض من جنات تقريب للجنة إلى أذهان الناس :
لذلك: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ﴾
لو الإنسان لا يأكل لا ترى على وجه الأرض شيئاً، لا داعي لذلك، تضع طاولة في بيتك سنوات وسنوات وسَنوات لا تجوع، ولا تعطش، ولا ترغب أن تتزوج، جماد، الإنسان أودع الله فيه الشهوات، تجد المزارع والأبنية والمعامل، والإنسان لأنه يأكل يحتاج إلى أن يعمل، ومن أجل أن يأكل يحتاج إلى أن يعمل، واللهُ عز وجل حين وصف الأنبياء بأنهم :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ
إذاً: هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً(107) ﴾
كلمة الجنة تحتاج إلى مرتكز، يعني لو ذُكر لك اسم معين ولا تراه إطلاقاً لا يمكن أن تفهمه، ولو إنسان فرضاً ما رأى البحر، ولا رأى صورته، ولا سمع عن أخباره شيئاً، وقيل له: بحر، فهو عنده كلام ما له معنى، كلمة بحر مقطع صوتي، لا معنى له، أما إذا ركب البحر، وهاج البحر وماج ، وكاد أن يغرق، ونظر إلى الأفق الممتد بالماء، وقرأ كلمة بحر تقفز إلى ذهنه تلك الصور .
كنت أضرب مثلاً طريفًا أن إنساناً يحمل شهادة عليا من دولة كبيرة جداً، وجامعات راقية، ودكتوراه دولة، وعُين في الجامعة أستاذًا بلا كرسي، هذا منصب بالجامعة، ويعطونه كرسيًّا يجلس عليه، ليس من دون كرسي، لكن كلمة أستاذ كرسي، يعني مثلاً الكيمياء العضوية لها كرسي، الفيزياء النووية لها كرسي، كل مادة لها أستاذ رئيس، ومعه معاونون، فالمعاون أستاذ بلا كرسي، أما رئيس هذه المادة فهو أستاذ بكرسي، فإذا كان الإنسان أستاذًا بلا كرسي، ويحمل شهادة عالية جداً أعلى من الذي يملك كرسياً، وسمع كلمة كرسياً في الطريق تأتيه خواطر لساعتين أو ثلاثة، هو أولى بهذا المنصب، شهادته من بلد غربي، جامعة محترمة جداً، معه دكتوراه دولة ، هذا الذي على كرسي يحتل منصب أستاذ ذي كرسي ، لا يحمل هذه الشهادة، كل هذه المعاني والخواطر، والآلام ، والشعور بالظلم، سببتها كلمة كرسي، يكون عند حلاق فيسمع كلمة كرسي، عنده كرسيان، وعليه طلب، يلزمه كرسي ثالث، والمالية تغير الضريبة بعد ذلك، يريد موظفًا، يشتري كرسيًا ثالثًا، ويبقى على اثنين، يفكر ساعة وساعتين في موضوع الكرسي الثالث.
يسمع كلمة كرسي رجل تعبان، آخ على كرسي أرتاح عليه قليلاً، دار في السوق كثيرًا.
يسمع كلمة كرسي رجل كلفته زوجته أن يأتي بكرسي حمام، يقول: يا ترى آخذه من بلاستيك، آخذه من الخشب، كل واحد فهم الكرسي على حسب مشاكله .
الآن لو لم يكن في الأرض جمال فالجنة لا معنى لها إطلاقاً، ما معنى جنات؟ أنت رأيت بستانًا في الربيع، عصافير، وأرض خضراء، ونباتات رائعة، وجدول رقراق، وأصوات العصافير، هذا الجمال في الدنيا يمكن أن تفهم من خلاله ما في الجنة من جمال، لذلك قال تعالى :
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ ﴾
جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ :
البستان فيه أشجار، أشجار مرتفعة لها جذع، وأحياناً هناك نباتات ليس لها جذع، لكنها قد تُجعل مرتفعة كالعنب، كالكروم، وهناك عنب سطحي، وهناك عنب يرتفع بمساعدة صاحب البستان .
قال تعالى :
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ ﴾
مثلاً : موسم الفواكه في الصيف متدرج، لو نضجت كل أنواع الفواكه في يوم واحد كان شيئًا لا يحتمل، لكننا نبدأ ببعض الفواكه الخضراء، ثم الكرز، ثم الإجاص، ثم التفاح، هكذا بالتسلسل، الآن الفاكهة الواحدة يمتد جنيها أشهراً .
حدثني أخ قال لي: والله ضمنت حقل بطيخ، خلال تسعين يوم أحمّل كل يوم شاحنة، فالبطيخ ينضج خلال تسعين يومًا، هذا لا يُخزن بالصوامع، هذا يؤكل كفواكه ، يوجد تصميم، يوجد عقل أول، يوجد حكمة مطلقة .
إذاً: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ﴾
وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ والنَّخْلَ :
﴿وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾
من فوائد النخيل والتمر :
﴿وَالنَّخْلَ﴾
﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً(25) ﴾
في التمر مادة لمن كانت على وشك الولادة، فيها مادة قابضة للأوعية لئلا يقع النزيف، وفيها مادة ملينة كي يكون ما في الأمعاء سهلاً كي يتسع المكان لنزول الولد، وفيها مادة مهدئة مسكنة، وفيها 76 مادة غذائية، وإذا أكل الإنسان مئة تمرة يأخذ نصف حاجته من كل المعادن، والتمر لا يتلوث إطلاقاً، لأن تركيز السكر في التمر يمتص ماء أي جرثوم يقف عليه .
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ﴾
الزروع :
﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ﴾
﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ
إنّ ارتفاع نسب الأمراض بسبب خطأ في حياتنا .
﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ ﴾
مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ :
من يستطيع أن يصف لي طعم التفاح دون أن يأكل التفاح؟ وفرق التفاح عن الإجاص، والإجاص عن السفرجل ، والسفرجل عن المشمش كله حلو ، كل هذه الفواكه ذات طعم حلو ، هل عندك إمكان في اللغة أن تصف لي طعم المشمش دون أن تقول مشمش ؟
﴿ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ ﴾
زيت الزيتون : المادة النافعة المباركة :
﴿مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ﴾
بالمناسبة زيت الزيتون هو الغذاء الوحيد الذي يطيل أمد مرونة الأوعية الدموية، والله لو تعلمون أيها الإخوة ما في زيت الزيتون يعني الصفات التي مرت معنا، والتي قال عنها العلماء تفوق حد الخيال، تخفض الضغط ، ترفع نسب الكولسترول الحميد ، وتقلل نسب الكولسترول الضار ، تعين على الهضم، تعين على إذابة الشحوم ، شحوم الزيت غير مشبعة سهلة الهضم، في حديث عن زيت الزيتون ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( ائتدموا بالزيت ، وادهنوا به ، فإنه يخرج من شجرة مباركة ))
وهو دهن ، يعني أثمن مادة دهنية على الإطلاق زيت الزيتون ، لذلك :
ماذا عن الرمّان ؟
﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ﴾
إنه عالم قائم بذاته، 14 % من وزن القمحة قشر، هناك الرشيم، و هناك غلالة داخلية، وهناك قشرة خارجية، وفيتامينات البوتاسيوم، والمغنيزيوم، والصوديوم، والكالسيوم، كلها معادن أساسية جداً ، وقلما يُصاب إنسان يأكل الخبز بقشره بالإمساك ، لذلك :
﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِه﴾
التوجيه الإلهي فيه النفع والصحة :
﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾
زكاة الزروع :
﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾
محصول التفاح مثلاً بمنطقة اشتهرت بالتفاح، ممكن أن يزول كلياً بستة ثوان بدرجة حرارة ستة تحت الصفر، فينتهي المحصول .
﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19) ﴾
نحن في قبضة الله، يكون المحصول ثمنه مليارات فينتهي ويتلاشى بست ثوانٍ بدرجة ست درجات تحت الصفر، بشت ثوانٍ يموت البرعم.
﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾
الوقت لا يتسع لقصص لا تعد ولا تحصى عن كل فلاح أكرمه الله بدفع زكاة محاصيله بالتمام والكمال، الله عز وجل يضاعف المحاصيل، ويحفظ له الزرع من كل آفة، ومن كل بلاء .
الملمح الدقيق من قوله : كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ :
الملمح الذي يفهم من هذه الآية :
﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾
﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾
معنى : وَلَا تُسْرِفُوا
الإسراف نوعان : إسراف زيادة وإسراف نقص :
قال: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾
﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾
والحمد لله رب العالمين.