- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (006)سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس والستين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية الخمسين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ(150) ﴾
كذب المشركين في شركهم وانعدام الدليل على شركهم :
أيها الإخوة، الآية السابقة فيها إشارة إلى أنهم حينما قالوا :
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا
إلا أن هذا كذب، ولماذا هو كذب؟ أين البرهان ؟
﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾
﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾
أحياناً يأتي الإنسان ببينة للقاضي، إن لم يكن معه بينة يأتِ بشاهد، البينة إيصال، لا يوجد إيصال، فهل هناك أحد شاهدك قد أعطيته هذا المبلغ؟ إما أن تأتي بدليل من إيصال أو سند أو بشاهدين.
ففي الآية الأولى كلامهم ليس له دليل ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾
منهج البحث العلمي : هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا
إخوتنا الكرام، كأن الله يعلمنا طريقة البحث، كأن الله يعلمنا الأدلة، كيف نفكر، يعني العلم حقيقة مقطوع بها، ماذا يعني أنه مقطوع بها؟ يقابلها الوهم، يقابلها الظن، يقابلها الشك، يقابلها غلبة الظن، أما القطع 100 %، الوهم 30 %، يعني مدى صحة المعلومات بالوهم 30 % ، بالشك 50 %، بالظن 80 % بغلبة الظن 90%، أما القطع 100 %، الأمور العلمية المقطوع بها، لا يختلف عليها اثنان في الأرض، المعادن تتمدد بالحرارة، الملح يرفع الضغط، في حياتنا مسلّمات علمية مقطوع بها، أتمنى على كل أخ كريم أن تكون عقيدته وتصوراته عن الله، وعن الكون، وعن الحياة الدنيا، وعن اليوم الآخر من النوع المقطوع بها، يقينيات، لا تتعامل مع الظنيات أبداً ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ تكذبون أشد أنواع الكذب .
إذاً حقيقةٌ مقطوعٌ بها، ليست وهماً ولا شكاً، ولا ظناً، ولا غلبة ظن، إنما هي يقين .
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ(5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ(6) ﴾
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99) ﴾
لمَ سمِّيَ الموت يقيناً؟ لأن كل الحقائق التي جاء بها الأنبياء يراها الإنسان أيّ إنسان رأيَ العين يوم القيامة .
﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ
من منكم يصدق أن فرعون مسلم؟ أسلم عند الغرق:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
خيارنا مع الإيمان خيار وقت :
تصور ستة آلاف مليون إنسان تتوزعهم مئات الاتجاهات، والعقائد، والأديان، والمذاهب، والطوائف، والمِلل، والنِّحَل، الستة آلاف مليون عند الموت يكشفون الحقائق التي جاء بها الأنبياء، إذاً خيارنا مع الإيمان خيار وقت .
عرضت صورة في ندوة سابقة لفرعون، وقد رُمِّمت يداه في فرنسا، صورة مخيفة، الإيمان هو الخُلق، وقلت هذا الذي قال وقتها :
﴿ فَقَال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى(24) ﴾
هذا الذي قال :
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي
هو نفسه حينما أدركه الغرق قال:﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ﴾
إذاً: خيارك مع الإيمان خيار وقت، كل بطولتك أن تؤمن قبل فوات الأوان، تصور أقطاب الكفر في العالم، أقطاب الإلحاد في العالم، أقطاب الطغاة في العالم، المجرمين في العالم، سوف يؤمنون بما جاء به الأنبياء، ولكن عند الموت ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾
(( اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ))
أخطر نقطة قلتها الآن: أن خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط، والدليل: فرعون وكل هؤلاء الطغاة في العالم عندما يأتيهم الموت يكشفون الحقيقة التي جاء بها الأنبياء، لذلك:
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾
أين الدليل ؟
إخواننا الكرام، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، إن كنت ناقلاً فالصحة، مدعياً فالدليل، اليقين، العلم حقيقة مقطوع بها، ليست وهماً، ولا شكاً، ولا ظناً، ولا غلبة ظن، إنما هي اليقين القطعي، وينبغي أن تكون عقائدنا وتصوراتنا عن الله عز وجل، وعن الكون، وعن الحياة، وعن الدار الآخرة من اليقينيات، لا بد من مراجعة التصورات ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾
أوضح مثل: أنت راكب مركبتك، على لوحة البيانات تألّق ضوء أحمر، لو توهّمت أن هذا الضوء تزييني كي يسلّيك في الطريق، وتابعت السير احترق المحرك، وتوقفت المركبة، وتكلفت ما يزيد عن خمسين ألفًا لإصلاح المحرك، وتعطلت الرحلة، وتعطل الهدف، لو فهمت أن هذا التألق تألق تحذيري، هناك فرق، إن أدركت أن هذا تألق تحذيري أوقفت المركبة، وأضفت الزيت، وسلم المحرك، وتابعت الرحلة وحققت الهدف، البطولة لا في الحدث، بل في فهم الحدث .
لذلك: من لم تُحدِث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر، العلم حقيقة مقطوع بها، تطابق الواقع، عليها دليل .
التقليد ليس علما عليه دليل :
الآن دققوا، إذا نُفِي الدليل أصبحت هذه الحقيقة تقليداً، تقليد من دون دليل، لو قلدت الموحد، الله عز وجل لا يقبل منك ذلك، لو كان التقليد صحيحاً، لماذا ؟ لو قبِلَ الله بالعقيدة التقليد لكانت كل الفرق الضالة مقبولة عند الله، ما حجتهم؟ يا رب سمعنا من يقول كذا فقلنا مثلهم، يقول لك الله: لا، أنا قلت لك:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ
لم أقل لك فقل، بل قلت: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
إخواننا الكرام، لا تُقبَل عقيدة المسلم إلا يقيناً، إلا عن بحثٍ، ودرسٍ، ودليلٍ، فالتقليد في العقائد غير مقبول، ولو أن العقيدة صحيحة، لأنك إذا قلّدت في العقيدة يأتي إنسان آخر يعطيك عقيدة مناقضة لها أيضاً تصدقها، هذه واحدة .
العلم مطابقة الحقيقة للواقع :
لو ألغينا الواقع كانت جهلاً، العلم مقولة تطابق الواقع عليها دليل، مطابقة الواقع هو العلم، وعدم مطابقة الواقع هو الجهل، الشمس كُسفت، ابن رسول الله إبراهيم توفي، فتوهّم الصحابة أن كسوف الشمس لموت إبراهيم، بلغ ذلك النبي، وقف فيهم خطيباً، وقال: هذا وهم، لأنه غير مطابق للواقع، قال :
(( إنما الشمسُ والقمرُ آياتان من آيات اللَّه ، لا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ من خلقه ))
هذا هو العلم، العلم مقولة مقطوع بها، تطابق الواقع، عليها دليل .
﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾
أعظم المعاصي القولُ على الله بغير علمٍ :
لذلك أيها الإخوة، رتّب ربنا عز وجل المعاصي والآثام تريبًا تصاعديًا، بدأ بالفحشاء والمنكر، والإثم والعدوان، والشرك، والكفر، وجعل على رأس هذه القائمة :
﴿ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
اتصل بي إنسان، قال لي: الله عز وجل لم يكتب لي الهداية بعد، قلت: هذا كذب، الله عز وجل هدانا جميعاً، بقي أن نقبل الهدى، بقي أن نستقبله، هذه كلمة خطيرة، يدّعيها كل إنسان، لا يصلي ويكذب، ويأكل المال الحرام، ويعتدي على أعراض الناس، بدليل أن الله لم يكتب له بعد الهداية.
هناك كلمات يقولها العوام خطيرة جداً، ليس لها أساس من الصحة، الله لم يهدِه، لماذا لم يهدِه؟ هذا كلام لا معنى له إطلاقاً، ولا أصل .
والله مرة دعا إنسان فقال: يا رب، إن سيئاتنا من قضائك، نحن لا علاقة لنا، يعني سيئاتنا هي من قضائك وقدرك، يعني كأنك أجبرتنا عليها، الخطأ في العقيدة خطير جداً، الخطأ في العقيدة مُدمّر، الخطأ في العقيدة ينعكس انحرافًا في السلوك .
تماماً لو قال طالب لآخر: لا تدرس، المدرس قُبيل الامتحان بيومين بهدية معينة يعطيك الأسئلة، الفكرة لا أساس لها من الصحة، ما درس إطلاقاً، وعنده بكالوريا، شهادة ثانوية، مصيره متعلق بهذه الشهادة، طرق باب المدرس قبل الامتحان بيوم أو بيومين، فتلقى صفعتين على وجهه، وركله بقدمه، فكرة خطيرة منعتك أن تدرس، الاعتماد على مفهوم الشفاعة الساذج يمنعك أن تستقيم، الآن :
﴿ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ(149) ﴾
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين
أنتم مخيرون، لو أن القضية قضية إيمان قسري كانت قضية سهلة جداً، لكن الله خلقنا لإيمان طوعي، خلقنا لإيمان أساسه الحب، خلقنا لإيمان أساسه الحرية .
يعني مثلاً ذكرت هذا في درس سابق لماذا كان النبي ضعيفاً ؟ ما معنى ضعيف ؟ يعني لا يملك لأصحابه نفعاً ولا ضراً، يرى عمار بن ياسر يُعذَّب، نبي هذه الأمة، سيد الخلق، لا يستطيع إنقاذه ،
(( أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ مرَّ بآلِ عمَّارٍ وَهم يعذَّبونَ فقالَ: أبشِروا آلَ عمَّارٍ فإنَّ موعدَكمُ الجنَّةُ ))
ليس معه شيء يغري الناس به، وليس معه شيء يخيف الناس به، ولك أن تقول عنه: مجنون، وتنام في البيت آمناً، ولك أن تقول عنه: شاعر، وكاهن، ومخرف، وتنام مرتاح البال، لكن لن تستطيع أن تقول حرفاً لقوي، لا تنام في البيت، إذاً جعله الله بهذا من أجل يكون الإيمان به حقيقياً ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾
إن عقيدة الجبر شلّت العالم الإسلامي، عقيدة الجبر أن الله سبحانه وتعالى خلقنا هكذا، لا حيلة لنا .
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
***
هذا الفهم للعقيدة للقضاء والقدر فهمٌ يشلّ حركة الأمة .
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ
اليوم :
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ﴾
﴿قُلْ هَلُمَّ﴾
لكن في لغة تميم هلمّ يا رجل، هلمي يا امرأة، هلمّا يا رجلين، وهكذا، هلم تعالوا، تعالوا أحضروا
﴿هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ﴾
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ﴾
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا﴾
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا﴾
يعني ذكرت مرة نصًا لإنسان أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، يعيش ظروف مجتمعاتنا، وله منصب رفيع ، ذكرت له أن سيدنا عمر جاءته رسالة من أحد الولاة، أن يا أمير المؤمنين: إن أناساً قد اغتصبوا مالاً ليس لهم، لست أقدر على استخراجه منهم إلا أن أمسّهم بالعذاب، فإن أذنت لي فعلت، فقال سيدنا عمر: يا سبحان الله ! أتستأذنني في تعذيب بشر؟ وهل أنا لك حصن من عذاب الله؟ وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله؟ أقم عليهم البينة، فإن جاؤوا بالبينة فخذهم بالبينة، إن أقمت عليهم البينة فخذهم بالبينة، فإن لم تقم البينة فادعهم إلى الإقرار، فإن أقروا فخذهم بإقرارهم، وإن لم يقروا فادعُهم إلى اليمين، فإن حلفوا فأطلق سراحهم، وايم الله لأن يلقوا الله بخيانتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم، قال لي هذا الأخ: لكن لو طبقنا هذه القاعدة الآن كل هؤلاء المتهمون بالسرقة يحلفون، فقد سألوا كذابًا: أتحلف؟ قال : جاء الفرج .
خرج ليأتي بشاهد بالمحكمة، قال له: ائتِ بشاهدين، معه شاهد، الثاني ليس معه، وهناك شهود بالأجرة، فجاء بشاهد، فاتفق معه على خمسة آلاف ليرة، القاضي قال له: قف وضع يدك على هذا المصحف، قال له: لحظة، سحب المتهم إلى خارج القاعة، قال له: هناك يمين، قال له: ماذا؟ قال له: أريد عشرة آلاف .
فقال عز وجل :
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ﴾
الإنسان على أحد طريقين :
الآن دقق الآن أنت على أحد طريقين لا ثالث لهما، كيف أن الإنسان عند الموت، لذلك قال الله عز وجل:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
بدأ بالموت، لأن الموت خطير جداً، لا سمح الله ولا قدر الإنسان عند الموت أمام خيارين، إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفد عذابها، أما حينما يولد فأمامه مئة ألف خيار، أمام خيارات لا تعد ولا تحصى، أما عند الموت فهو أمام خيارين، والإنسان في الدنيا أمام خيارين، إما أن يتبع الحق، أو إنه يتبع الهوى، الدليل :
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ
أنت في كل دقيقة، وفي كل ساعة، وفي كل حين، وفي كل يوم، وفي كل أسبوع، وفي كل شهر، وفي كل عام، إما أنك مع الحق، والحق طريق سالك إلى الجنة، وإما مع الهوى.
﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ
طُرِق الباب، إما أن تستجيب، واحد طلب منك مساعدة، وأنت قادر عليها، إن استجبت فأنت مع الحق، وإن اعتذرت لبخلٍ، أو لحرصٍ، أو لقلة رغبةٍ في الخير فأنت مع الهوى .
سيدنا عمر أمسك تفاحة فقال: أكلتها ذهبت، أطعمتها بقيت .
إذاً :
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
متى يؤمن الإنسان ؟ وكيف يؤمن ؟
أيها الإخوة، القسم الأخير من هذه الآية دقيق جداً، الإنسان متى يؤمن؟ إذا آمن بآيات الله، الآيات الدالة على وجود الله، ووحدانيته، وكماله، فإن لم يؤمن بآيات الله معناها غير مؤمن بعظمة الله، قد يكون مؤمنًا بوجود الله، كإبليس، قال :
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ
يمكن أن تؤمن بوجوده، والعالم كله يؤمن بالله، أساساً الذين ينتهكون حُرُمات الأمم والشعوب، ويقتلون، ويقصفون، وينهبون الثروات، ويدمّرون الشعوب والأمم بقنابل فتاكة على عُملتهم: " ثقتنا بالله "،
كلٌ يدعي وصلا بليلى
***
ثقتهم في الله على الدولار، فأن تؤمن أن هناك إلهًا قضية سهلة جداً، وهذا إيمان إبليسي، قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾
حدثني أخ أن مجموعة خبراء من دولة انهارت قبل عقدين من الزمن كانت تؤمن بأنه لا إله، دولة كبيرة عملاقة ملحدة، زعيمة الإلحاد في العالم، خمسة خبراء من هذا البلد الملحد ركبوا طائرة، وتوجهوا إلى بلد آخر في مهمة عليهم أن يؤدوها، دخلت الطائرة في سحابة مكهربة، وكادت تسقط، فإذا بهؤلاء الخمسة الملحدون يقولون: يا الله .
فالإنسان عند الشدة يؤمن بالله، ولو كان ملحداً، قضية الإيمان بالله قضية لا تُقدّم ولا تؤخّر، لكن البطولة :
﴿ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33) ﴾
لو آمن بالله العظيم لما عصاه، دائماً الذي يعصي الله لضعف تعظيم الله عنده، من أين جاء ضعف التعظيم؟ من عدم الإيمان بآياته، يعني الشمس والقمر، والنجوم والليل والنهار، والطعام والشراب، شيء مذهل، بقرة تأكل الحشيش تعطيك الحليب، مواد غذائية وسكريات، ودسم، وبروتين، فسفور، ومعادن، غذاء كامل لك، تصنع منه مشتقات الحليب .
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا
هذا النبات، هذه الأشجار، هذه الفواكه، هذه الثمار، هذا القمح، يعني بعض الخضراوات الخمس غرامات تعطي خمسة أطنان، يعني مليون ضعفاً، الكيلو 1000غرام، والطن 1000كيلو، الخمس غرامات من بذر البندورة تعطي خمسة أطنان، فمن أودع في هذه البذرة هذه القوة؟ الله عز وجل .
أنت أمام آيات مذهلة، في طعامك، وشرابك وفي خلقك، وفي تكوينك، وفي ما حولك، وفي من فوقك، ومن تحتك .
فلذلك الآيات واضحة جداً، إذاً الذي يُكذب بآيات الله لا يعظم الله، وبالتالي لا يطيعه، ماذا يطيع؟ هواه، معادلة دقيقة جداً، معادلة رياضية، لم يفكر في آيات الله، قال تعالى :
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ
لا طريق للإيمان بالله إلا بآياته، لا طريق للإيمان بالله إلا بآياته الكونية وآياته التكوينية، أفعاله، وآياته القرآنية، هذه طرق معرفة الله عز وجل، فالذي كذب بآياته الكونية لم يعبأ بها، وكذب بآياته التكوينية ولم يعبأ بها، وكذب بآياته القرآنية، ولم يعبأ بها، إذاً: لا يؤمن بالله العظيم، إذاً: لا يتبع الحق يتبع الهوى، معادلة رياضية: ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ﴾
قال الله عزوجل :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾
﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ
اتبع أهل الحق .
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾
يعني فرضاً أن تحتل فلسطين، وأن تغتصب هذه البلاد، وأن تشرّد أهلها في الآفاق، هذه القضية الكبيرة اسمها أزمة الشرق الأوسط، لا يوجد اغتصاب، ولا يوجد طرد شعب من أرضه، لا، اسمها أزمة الشرق الأوسط، والذي يرتكب جرائماً اسمه أصولي، المصطلحات فيها خبث ما بعده خبث، أصولي، هذا يتبع أصول الدين، معنى الدين قتل، الدين إرهاب، الدين تخلف، الدين قهر، الدين جريمة، أصولي، وهكذا.....
قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب مسلم مسالة فيها نظر
﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾
أثر الإيمان باليوم الآخر على سلوك الإنسان :
إخواننا الكرام، صدقوا ولا أبالغ أن الذي يؤمن باليوم الآخر تنعكس كل موازينه، كيف؟
يعني الإنسان يتوهم الذكاء بالأخذ، إن آمنت باليوم الآخر ترَ أن الذكاء كل الذكاء في العطاء لا في الأخذ، الذي لم يؤمن باليوم الآخر يرى أن الاستمتاع بالشهوات هو الذكاء، هو العقل، لكن الذي يؤمن بالآخرة يرى أن البعد عن كل ما حرم الله هو الذكاء .
إخواننا الكرام، كلمة دقيقة: إن لم تنعكس موازينك 180 درجة لن تكون مؤمناً باليوم الآخر، والدليل أنه لا يستطيع إنسان في العالم الإسلامي أن ينكر بلسانه اليوم الآخر، لكنك لا تجد في سلوك الناس ما ينبئ بهذا، كم من محل تجاري مغتصب ؟ كم من شركة مغتصبة ؟ كم من دَين لا يُؤدّى؟ والله الذي لا إله إلا هو لو أيقنت أن هذه الحقوق التي عليك لا بد من أن تُؤدّى يوم القيامة لكنت إنساناً آخر .
قال رجل لآخر لقد اغتبتني، قال له: من أنت حتى أغتابك؟ من حضرتك ؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي، لأنهم أولى بحسناتي منك .
هو يوقن أنه إذا اغتاب زيداً أو عبيداً فإن سيئات زيد أو عبيد سوف يتحملها يوم القيامة .
إخواننا الكرام، بشكل صريح وبلا مواربة، قضية الإيمان باليوم الآخر هذا إيمان فلكلوري، إيمان لفظي، لكن لو آمنت بالله واليوم الآخر والله لا تستطيع أن تأكل قرشًا حرامًا، لا تستطيع أن تكذب بكلمة واحدة، لكن من ضعف الإيمان باليوم الآخر تفعل ذلك .
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ(74) ﴾
مستحيل وألف، ألف، ألف، ألف مستحيل أن تعصي الإله وأنت مؤمن أن علمه يطولك، وقدرته تطولك، المثل أذكره مئات المرات :
أنت مواطن راكب سيارة، الإشارة حمراء، والشرطي واقف، وشرطي على دراجة، وضابط مرور بسيارة، وأنت مواطن من الدرجة الخامسة، ليس لك أي ميزة، تتخطى الإشارة الحمراء؟ مستحيل، مستحيل وألف، ألف، ألف مستحيل، لماذا؟ لأنك موقن أن واضع نظام المرور علمه يطولك عن طريق هذا الشرطي، وقدرته تطولك بسحب الإجازة، وسحب المركبة، لأنه عندك يقين قطعي أن واضع نظام السير علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، مستحيل، إلا واحد مجنون، أو في حالتين، تعصيه الساعة الثالثة بالليل، لأن علم واضع القانون لا يطولك علمه الساعة الثالثة، ما في شرطي لأنه، أو أن تكون أقوى من واضع القانون، لا تسأل، أما مواطن عادي، وعلمه يطولك فلا يمكن أن تعصيه.
الآية :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا
ـ دققوا الآن ـ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾
هل تساءلتم مرة: لماذا اختار الله من أسمائه العلم والقدرة فقط؟ إذا علمت أن علمه يطولك، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه: ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
إن علمت أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه .
فلذلك إذا آمنت باليوم الآخر مستحيل، مستحيل أن تأكل المال الحرام، مستحيل أن تعتدي على أعراض الناس، مستحيل أن تكذب، مستحيل أن تظلم، فامتحن إيمانك باليوم الآخر من استقامتك، لا من إقرارك، الإقرار سهل جداً، الإقرار سهل، امتحن إيمانك باليوم الآخر من استقامتك، ما دامت الاستقامة ليست متقنة أو تامة معنى ذلك أن إيمانك بهذا اليوم ليس قوياً .
إذاً: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنْ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُون
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾
يعني واحد خيّرك بين جوهرة، أنا رأيت جوهرة باسطنبول ثمنها 150 مليون دولار، لو وضعوا أمامك هذه الجوهرة، ووضعوا أمامها زجاجة زرقاء كبيرة ثمنها عشرون ليرة، وقيل لك: اختَر، فأنت أخذت القياس الأكبر، أنت عدلت عن الجوهرة بهذه الزجاجة، كم هي خسارتك ؟ .
معنى يعدلون فلان يعدل في حكمه، يعني حكمه عادل، لكن يعدل بكذا يعني استبدل طاعة الله بطاعة مخلوق.
إخواننا الكرام، بشكل دقيق جداً: أنت حينما تعصي إلهك، وتطيع إنسانًا كائنًا من كان، كائناً من كان، إنسانًا قويًا، إنسانًا تعلّق عليه آمالًا كبيرة في الدنيا، أنت لا تعرف الله، لأنك استغنيت عن الآخرة، وعن حياة الأبد، وعن إرضاء خالق الأكوان، بعَرَضٍ من الدنيا قليل ﴿ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾
الآن يكون الرجل في منصب فيه شبهة في تسلم هذا المنصب، يعدل به الآخرة كلها أحياناً، أحيانًا صفقة فيها مادة مُحرّمة، يقول لك: حط بالخِرْج، فرصة لا تعوض، معنى ذلك أنه يعدل بطاعة الله، لذلك نحن في أيام الأعياد نقول: الله أكبر، أنا أقول دائماً، من أطاع مخلوقاً، وعصى خالقاً فهو ما قال: الله أكبر ولا مرة، ولو لفظها ألف مرة، لأنه رأى في أعماقه أن طاعة هذا المخلوق أكبر عنده من طاعته الله، الآن من أطاع زوجته وعصى ربه، هو رأى أن طاعة الزوجة أكبر من طاعة الله، ومن غش المسلمين رأى أن هذا المال الذي جاءه من غشّهم أكبر عنده من طاعة الله، لذلك :
﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾
اغتنمْ ما دمت حيًّا !!!
أيها الإخوة، هذا كلام الله منهج كامل، وهناك توضيح، ونحن أحياء، القلب ينبض كل شيء يُصحَّح، كل ذنب يُغفَر، كل مشكلة تُحَلّ، أما حينما يقف هذا القلب لا تُحَلّ ولا مشكلة، فالبطولة أن تعرف الله وأنت حيّ، لا أن يعرفه الإنسان عند الموت، وعند دنو الموت .
﴿
وكل إنسان يعتدي على الناس إنْ بلسانه، أو بما يملك من قوة لأخذ أموالهم ظلماً وعدواناً، أو لانتهاك أعراضهم، هو إنسان ليس مؤمناً بالآخرة، ولو قال: أنا مؤمن بها .
التكذيب العملي في السلوك :
يعني أحياناً تزور طبيبًا، وتكتشف أنه لا يناسب، اختصاصه بعيد عن مرضك، فيعالجك، وتصافحه، وتثني عليه، وتعامله بأعلى درجة من المودة، لكن لأنك لم تشترِ الوصفة معنى ذلك لست قانعاً به، فهو التكذيب سلوك، التكذيب ليس قولاً، سلوك، لمجرد أنك لم تشترِ وصفته لست قانعاً بعلمه، مع أنك احترمته إلى أقصى درجة، وبجّلته، وأثنيت على علمه، القضية سهلة باللسان، لكن لعدم شراء الوصفة معنى ذلك أنك لم تعتقد أنه على علم أنت بحاجة إليه، مقياسك السلوك، وليس الإقرار، السلوك هو الذي يحدد مكانك عند الله، قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا
الدرجات مما عمل، وقال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً(19) ﴾
فالعمل هو الذي يُعوَّل عليه، أما الاعتقاد: يعني رجل معه مرض جلدي، وعلاجه الوحيد التعرض لأشعة الشمس، وهو جالس بغرفة قميئة مظلمة كلها رطوبة، ويقول بفصاحة ما بعدها فصاحة: يا لها من شمس ساطعة! يا لها من شمس عظيمة! يا لها من أشعة شافية! وهو قاعد بغرفة قميئة، مظلمة، فيها رطوبة، كل هذا الكلام لا قيمة له، ما لم يتعرض إلى أشعة الشمس فكلامه لا جدوى منه .
ملخص القرآن : قُل إِنّما أَنا بشَرٌ مثلُكُم يُوحَى إليَّ
لذلك الله عز وجل لخص قرآنه كله بكلمتين :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ
نقطتان، الآن ﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾
هناك مئات الآلهة الآن في الأرض، كلها آلهة خُلَّبية، ليس هناك إلا إله واحد.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ
الفعال واحد، الأمر بيد واحد .
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ
أمرنا بيده لا بيد أعدائنا ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
الآن :
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾
والحمد لله رب العالمين