وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 70 - سورة الأنعام - تفسير الآيتان 152 - 153 ، الحرص على مال اليتيم ـ العدل والوفاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السبعين من دروس سورة الأنعام، ومع الآية الثانية والخمسين بعد المئة، وهي قوله تعالى :

﴿  وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152)﴾

[ سورة الأنعام  ]


الحكمة في قوله : وَلَا تَقْرَبُوا


 الله عز وجل لم يقل: ولا تأكلوا مال اليتيم قال: 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا﴾ وفرق كبير بين أن يقول الله عز وجل: ولا تأكلوا، وبين أن يقول: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا﴾ أي لا تفكر أن تأكل ماله، لا تسمح لخاطر يرِد إليك أن تأكل ماله، لا تخلط مالك بماله، والحَكَم هو الحساب، اجعل ماله في مكان، واجعل مالك في مكان، لا تقترب من أن تأكل ماله، لعظم حق اليتيم على المجتمع، لأن اليتيم من فقد أباه، ولم يبلغ مبلغ الرجال، كلنا أيتام، فقد أباه، ولم يبلغ مبلغ الرجال. 


لا تَدَعْ ورثتك فقراء عالة :


 أيها الإخوة، لكن هنا المفروض أن اليتيم له مال، وكأن في هذا الكلام الإلهي إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون هناك مالاً لليتيم يكون سبب قوام حياته، يعني ليحرص الأب على أن يدع لأولاده مالاً، فالذي أراد أن يهب كل ماله نهاه النبي عن ذلك، قال له: إذاً شطره، قال: كثير، قال: ثلثه، قال: كثير، بل قال: والثلث كثير.

(( عَادَنِي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: أُوصِي بمَالِي كُلِّهِ؟ قالَ: لَا، قُلتُ: فَالنِّصْفُ؟ قالَ: لَا، فَقُلتُ: أَبِالثُّلُثِ؟ فَقالَ: نَعَمْ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ. ))

[ صحيح المسلم عن سعد بن أبي وقاص ]

 رجح العلماء أن يكون الربع، لذلك لا يجوز أن يوصي الإنسان بأكثر من ثلث ماله، والأكمل الربع لغير ورثته، الورثة هم أَولى بهذا الإرث.

 إنّ الإنسان قد يعبد الله ستين عاماً، ثم يضر ورثته بالوصية، فتجب له النار، وأحياناً الأهل يسكنون في بيت من مئة متر، ليس عندهم غير هذا البيت، يوصي بثلث ماله إلى الفقراء، ماله هو البيت، وثلث المال يعني بيع البيت، لذلك يجب ألا تكون الوصية ضارة بالورثة. 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ لذلك : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا﴾ أبلغ من: لا تأكلوا .


إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

 

هل معنى ذلك أن نبتعد كل البعد عن مال اليتيم؟ قال: لا ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ينبغي أن ترعى مال اليتيم وكأنه مالك، ينبغي أن تثمّر مال اليتيم وكأنه مالك، لأن اليتيم في بعض الآيات الأخرى يوجهنا الله عز وجل إلى أن ننفق على اليتيم، لا من أصل ماله، بل من ريع ماله .

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا(5) ﴾

[  سورة النساء  ]

 فرق كبير بين، وارزقوهم منه، وبين: ﴿ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا ﴾

 إذاً: الأكمل أن ننفق على اليتيم من ريع ماله لا من أصل ماله، كيف نقرب مال اليتيم ؟ قال : 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أحسن اسم تفضيل، لو أن الآية: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالحسنى، لا ﴿ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ إذا كان هناك عشر طرق لاستثمار مال اليتيم فينبغي أن تختار من هذه الطرق العشرة أفضلها ﴿ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾


لا تجعل مالك دون ماله :


 لذلك هناك توجيه: ولا تجعل مالك دون ماله، أقول لكم بالضبط أن بعض التجار إن كان معه مال اليتيم هناك صفقات غير معروفة، غير واضحة، يضع مال اليتيم فيها، فيجعل هذا المال تجربة مسبقة لماله، فإن خسرت قال: ليس هناك نصيب، سبحان الله ! أما إن ربحت ربحاً كبيراً أنزل ماله، فكأنه جعل مال اليتيم حقل تجارب لماله، ولا تجعل ماله دون مالك، مالك لا تضعه إلا في صفقات رابحة ربحها يغلب على اليقين، لكن مال اليتيم يمكن أن تجسّ به السوق، وأن تكتشف به بعض الصفقات المجهولة، هذا ممنوع، ولا تجعل مالك دون ماله .

 إذاً :﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ﴿بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ إن كان هناك عدة وسائل لاستثمار المال ينبغي أن تكون الوسيلة الفضلى لاستثمار مال اليتيم هي التي تأخذ بها . 


أكل الفقير مِن مال اليتيم بالمعروف :


هناك شيء آخر، الله عز وجل يقول في آيات أخرى توضح بعض أفكار هذا الموضوع، الأفكار الأخرى أن الله سبحانه وتعالى يبين أنك إذا أكلت من مال اليتيم فكُلْ بالمعروف، قال تعالى :

﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (6) ﴾

[  سورة النساء  ]

 كيف فسر العلماء الأكل بالمعروف؟ يعني أنت إنسان فقير، وهناك يتيم يلوذ بك، وأنت تاجر، هناك تجار دخلهم لا يغطي مصروفهم، يجب أن تأخذ ربحك من اليتيم ربح المثل، أو قدْرَ الحاجة أيّهما أقلّ، كلام دقيق جداً، يعني اليتيم وضع بين يديك مليون ليرة، ربح هذا المبلغ كان مئتي ألف، بحسب العرف لك منها مئة، للجهد النصف، أنت مصروفك بالشهر أو بالسنة 120 ألفًا مثلاً، يجب أن تأخذ المئة ألف، مع أن حاجتك 120 ألفًا، يجب أن تأخذ أجر المثل، الجهد نصف الربح، لو فرضنا أنه وضع بين يديك عشرة ملايين، ربحوا 400 ألف، أنت حاجتك 120 ألفًا يجب أن تأخذ الـ120 ألفًا، يعني أجر المثل، أو حاجتك، أيّهما أقلّ، هذا معنى: ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ .

 أيها الإخوة، موازين دقيقة جداً، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿  أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)  ﴾

[  سورة الماعون  ]

 اليتيم مكسور، اليتيم فقد الأب، اليتيم فقد المُعيل، اليتيم فقد المشرف .

 والله مرة زرت دارًا للأيتام مستواها يفوق حد الخيال، من أناقة البناء، وأناقة الأثاث، وتوافر الحاجات، وأنفس طعام، والحدائق، والصفوف، وقاعات المطالعة، والمهاجع، تأملت في هذه الدار، ووجدت فيها شيئاً لا يصدق، فلما سألت بعض المشرفين قالوا لي: معظم الطلاب متخلفون دراسياً، عندئذٍ قلت في نفسي: لا شيء يحل محل الأب والأم، لو أنفقت مليارات، لا شيء يحل محل الأب والأم، فاليتيم فقد الأب، فقد المعيل، فقد المشرف، فقد الموجه، فقد المحب . 


دفع مال اليتيم له إذا بلغ الرشد :


 لذلك يجب أن نرعى مصالحه إلى أقصى حد، طبعاً اليتامى حينما يأنس الإنسان منهم رشداً ينبغي أن يدفع إليهم أموالهم ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ .

 ما معنى رشداً ؟ يعني اليتيم هو الذي فقد أباه قبل أن يستطيع أن يبلغ مبلغ الرجال، اليتيم إذا بلغ مبلغ الرجال، وأصبح قادراً على أن ينجب مثله لم يعد يتيمًا، يعني شاب تزوج في 18، وبعد 9 أشهر جاءه مولود، لا يقل: أخي أنا يتيم، لا لم تعد يتيمًا، ما دمت قد تزوجت، وأنجبت فأنت الآن لست يتيماً، لذلك: ﴿ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ .


تحريم إيتاء السفهاء أموالهم :


 يلحق بهذا الموضوع أن السفهاء ينبغي ألا يُسمَح لهم بإدارة أموالهم، لأنهم حمقى في إدارة أموالهم، ولأنهم يتلفون أموالهم، والمجتمع في أشد الحاجة إلى هذه الأموال، المجتمع وأهل هؤلاء السفهاء.

 مرة ذكرت أن الإنسان إذا أمسك مئة ألف ليرة، وأحرقها، هذا يسمى سفيهاً، ومركوز في أعماق الإنسان أن الوقت أثمن من المال، والدليل: أن الإنسان يُجري عملية، وقد تكلفه ثمن بيته متوهماً أنها تمد له بالعمر بضع سنين، إذاً: الوقت أثمن، فالذي يتلف ماله يعد سفيهاً، والذي يتلف وقته يعد أشد سفاهة من الذي يتلف ماله، إذاً: السفه عدم الحكمة في إنفاق المال، والسفيه أيضاً ممنوع أن يتصرف بماله. 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ وبينت لكم أنه ينبغي أن يُنفق على اليتيم لا من أصل ماله، بل من ريع ماله، بدليل قول الله عز وجل: ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا﴾ يعني ارزقوهم من مال استُثمِر من مال اليتيم، أما لو أن الآية: وارزقوهم منها، من أموالهم، أي من أصل أموالهم . 


وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ


 أيها الإخوة الكرام ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وهناك آية أخرى:

﴿  وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(9) ﴾

[  سورة النساء  ]

 المشكلة أيها الإخوة، لو تصورنا أن مجتمعاً يرعى الأيتام، ما الذي يحصل؟ الموت لا يعد أكبر مصيبة، يموت الأب وهو مطمئن إلى أن أولاده في المدارس يتابعون تعليمهم، هناك من يرسلهم في بعثات، يعودون إلى بلدهم، لهم أعمال، يتزوجون، كلما اعتنينا بالأيتام أصبح موت الأب أقلّ إيلاماً مما لو لم يكن هناك عناية بالأيتام .

 يعني أنا أسمع أحياناً عن جهات تعتني باليتامى عناية فائقة، لذلك المجتمع متوازن ومستقر، ويمكن أن يبذل الآباء الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، لأنهم مطمئنون على أولادهم من بعدهم، لأن مسؤولية الزوج يعني كما قيل: الزواج مجبنة مبخلة مشغلة، فالإنسان حينما يكون منتميًا إلى جماعة، والجماعة تعتني بالأيتام، واليتيم مستقبله مضمون، هذه نعمة كبرى، وربما كان الإنسان أكثر إقداماً في بذل الغالي والرخيص، والنفس والنفيس حينما يطمئن إلى أن أولاده من بعده هناك من يرعاهم، من ينفق عليهم، من يستثمر مالهم، دون أن يأكل مالهم . 


قصة الخضر مع الغلامين اليتيمين فيها عبر وحِكمٌ :


 أيها الإخوة، القصة التي وردت في سورة الكهف :

﴿ فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) ﴾

[  سورة الكهف  ]

 هذه القرية تمثل اللؤم الشديد ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ فأقامه الخضر، استطعموهم، وكانوا بخلاء، ضنوا عليهم لا بالمال، ضنوا عليهم بالقوت، الآن لو أن إنسانًا طلب منك ألف ليرة شيء، وإن طلب منك أن يأكل وجبة على باب الدار شيء آخر ﴿حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ على كلٍ العناية بإنشاء الجدار بإلهام من الله، لأن تحت الجدار كنزًا ليتيم، قال تعالى :

﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82) ﴾

[  سورة الكهف  ]

 هنا الشاهد، أنا أقول لكم: أي إنسان عاش صالحاً، وكسب المال الحلال وأنفقه في وجوهه يتولى الله عز وجل أولاده من بعده ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ يعني قرية لئيمة بخيلة امتنعت عن إطعام نبي كريم، وسيدنا الخَضِر معه، ومع ذلك سيدنا الخضر وجد جدارًا يريد أن ينقض، هذه صورة أدبية، يعني شُبّه الجدار بإنسان، وحُذف الإنسان، وبقيت بعض لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية ﴿ يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾

﴿ قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا(77)﴾

[  سورة الكهف  ]

 لكن الشاهد هنا ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ .

 هذا الكلام أيها الإخوة، كل واحد منا إذا كسب المال الحلال، وأنفقه في وجه حلال، وكان صالحاً، مكافأة له على صلاحه، وعلى استقامته، وعلى كسب المال الحلال وإنفاقه في الوجوه الصحيحة، الله عز وجل يحفظ له أولاده من بعده .

 يعني مثلاً : يسافر إنسان ، ومن أدعية السفر : 

(( اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ  ))

[  الترمذي عن أبي هريرة ]

 ما في الكون إلا جهة واحدة هي الله عز وجل معك في السفر، ومع أهلك في الحضر، إذاً أنت الرفيق في السفر، والخليفة في الأهل والمال والولد .

 لذلك حينما يكون الإنسان مع الله يلقي الله في قلبه الأمن والطمأنينة . 


وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ


 أيها الإخوة: 

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ الكيل: يعني مقياس الحجوم، والميزان أساسه الكثافة، يعني هناك قطعة حديد لها وزن كبير، وهناك قطعة إسفنج لها وزن خفيف، فالوزن يقيس كثافة الشيء، طبعاً الماء الكثافة واحد، الزئبق من أشد المعادن كثافة، الآن الإسمنت، في الصناديق الحديدية يضعون الإسمنت، الإسمنت له كثافة عالية جداً، فبالوزن نقيس الكثافة، وبالكيل نقيس الحجوم، والقماش يقاس بالأمتار، والذهب بالقراريط، وكل شيء له قياس يتناسب مع طبيعته، لذلك ميزان الصائغ لو أن المروحة توجهت نحو إحدى كفتيه لرجحت، وهناك ميزان يزن شاحنات 60 طنًّا، طبعاً لو مشى فوق هذا الميزان إنسان لا يتحرك الميزان، وهناك موازين إلكترونية تزن ورقة بواحد من مئة من الغرام، تكتب عليها كلمة ترجح الكفة، وزن الحبر، وهناك ميزان يزن حبر الكلمة وهناك ميزان يزن 60، 70 طنًّا، والإنسان كلما ازداد إيمانه دقّ ميزانه. 

 إذاً: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ يعني مثلاً: أنت يمكن أثناء كيل القماش إن كنت تشتري القماش يشكل خطاً منحنياً على المتر، ترخيه، وإن كنت تبيع تشده حتى يتمزق، هذا كيل غير صحيح، تكون بضاعة غالية جداً، أحياناً عبوة الفاكهة التي سعر الكيلو فيها مئة ليرة، تكون العبوة 6 كيلو وسعر العبوة 600 ليرة، يحسم كيليين، هناك ظلم، حسم العبوة كيليين ووزنها 6 كيلو، حطب منقوع بالماء، أحياناً الورق الذي تبيع به مادة غالية جداً، ورق سميك وثخين، وله وزن، أكثر شيء أن العبوات أحياناً تباع بثمن محتواها، والمحتوى قد يكون غاليًا جداً، لذلك أساليب الكيل، وأساليب البيع، والوزن، ورجحان الكفة، والمواد المغلفة، والمواد التي هي مواد تعبئة، فيها خلافات كبيرة جداً. لذلك : 

﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ من أجل أن تعلموا علم اليقين أن كل شيء كلفنا الله به ضمن إمكاناتنا، وضمن وسعنا، وضمن ما نستطيع، والوُسع لا تقدره أنت، بل يقدره الخالق، أن تقول أنت هذا ليس بوسعي، هذا فوق طاقتي، أين أذهب بعيوني ؟ كل الذين يخالفون منهج الله يزعمون أن الشرع لا يُطبَّق الآن، يصعب تطبيقه، جواب الله عز وجل : 

﴿لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ يعني عظمة المؤمن أنه لا ينطق إلا بالحق، ولو أنه سُئل عن أقرب الناس إليه، لا يغش أحداً، لذلك حتى المؤمن حينما يُطلب منه تزكية إنسان يقول: أحسبه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، يعني الإيمان مرتبة عالية جداً، لا يكذب، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يكذب، شهادته صادقة، وميزانه دقيق، وحساباته دقيقة، ولا يجامل، ولا يحابي، ولا يأخذ ما ليس له ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾


ليس عندنا إنصاف في الأحكام :


 عندك إمكان إن جاء ذكر إنسان، وأنت غاضب عليه كثيراً أن تذكر بعض إيجابياته، تستطيع أن تفعلها؟ نحن إذا أخطأ إنسان ينتهي، يكون خاطبًا، تقيًّا، شابًا نقيًّا، ورعًا، مؤمنًا، عصاميًا، ورعًا جداً، حينما ينشأ مشكلة، ويُفسخ العقد، يصبح يُصاب بالصرع، يصبح معه أمراض، يصبح خبيثًا كذابًا، ليس هناك إنصاف أبداً ، لذلك : 


وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا


يعني لك زوج بنت، ابنتك غالية عليك، كلامها عندها صادق، هل خطر في بالك مرة لو أنها جاءت غاضبة على زوجها أن تتصل بزوجها تسأله: لعل ابنتي قد أزعجتك؟ فقط سؤال، تكون عندئذٍ منصفًا.

 نحن أيها الإخوة يُسحق الناس من عدم الإنصاف، لا يوجد إنصاف، يعني بنت في البيت، وزوجة ابن في البيت، البنت تستيقظ ظهراً، المسكينة متعبة، تتأخر زوجة الابن للساعة التاسعة تقوم عليها الدنيا ولا تقعد، ليس هناك مكيال واحد، البنت لها مكيال، وزوجة الابن لها مكيال .

 يكون في المحل صانع وابن، حمّلنا الصانع بضاعة، لم يعد يستطيع الحمل، يقول له: أنت شاب، الابن حمل قطعة واحدة يقول له: بابا انتبه لظهرك، ما هذا التناقض؟ ليس هناك عدل، هناك تناقضات.

 هناك طُرَف كثيرة جداً: أنا أسميها طُرَفاً، مثلاً: إنسانة اشترى صهرها لزوجته غسالة جيدة، دعت له ليل نهار، فلما اشترى ابنها لزوجته غسالة مشابهة لتلك أقامت عليه الدنيا، لماذا كنت راضية على صهرك الذي أتى لابنتكِ بآلة جديدة، ولم تكونِي راضية على ابنك لأنه أراح زوجته من بعض الأعباء؟ ليس هناك إنصاف، إن لم يكن هناك إنصاف نحن بعيدون عن الله، يجب أن تنصف الناس من نفسك، هناك خطأ مِن قِبلك لا تعترف، لأنك قوي، هل عندك إمكان أن تقول للزوجة: أنا أخطأت سامحيني ؟ هل عندك هذا الإمكان؟ هذه البطولة، الرجوع للحق فضيلة، لا يوجد إنصاف ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾

 أحياناً نمدح زيادة عن الحق، وأحياناً نذم زيادة عن الحق، لا يوجد إنصاف، لذلك الموضوعية والعلم يلتقيان في هذه النقطة، أنت حينما تكون موضوعيًا فأنت أخلاقي، وحينما تكون موضوعيًا فأنت علمي، متى يلتقي العلم بالأخلاق؟ هناك قيمة اسمها الموضوعية، يعني حتى بين الدعاة، لا نعرف قيمة بعضنا أبداً، نذم نبالغ، نمدح نبالغ، لذلك ورد : 

((  أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا))

[ أخرجه الترمذي والبيهقي ، عن أبي هريرة الطبراني في الكبير عن ابن عمر  ]

 يجب أن ننصف في أحكامنا، النبي سأل عن صحابي في بعض المعارك ، قال له أحدهم : يا رسول الله ، شغله بستانه عن الجهاد معك ، فقام أحدهم وقال: لا والله يا رسول الله ، لقد تخلف عنك أناس ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك، فابتسم النبي، وسر بهذا الموقف . 

﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ أعطِ الحكم الدقيق، كن موضوعياً، أحبب باعتدال وأبغض باعتدال، أما الحب المبالغ به، والبغض المبالغ به ليس من صفات المؤمنين . 

((  لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله  ))

[  متفق عليه  ]


لا يخلو المسلمون من أصحاب الإنصاف :


﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾ يعني أنا أذكر قصة أعتز بهذا الأخ، أخ والده من أهل الغنى أنشأ له معملاً في مصر، فيقود مركبته، اصطدمت مركبته بمركبة تمشي أمامه، يعني أصابته غفلة بسيطة، في المركبة التي أمامه وقد اصطدم بها، وقريباً منه جداً هناك إنسان متقدم في السن فأصابه بهذه الصدمة فمات، اتصل بمدير المعمل التنفيذي، قال له: ليس هناك مشكلة، تعالَ بعد ساعة إلى المكان الفلاني، قسم شرطة، جاء بعد ساعة كان كل شيء منتهيًا، الضبط يقول: إن السيارة التي أمامه هي التي صدمته، إذاً ما عليه شيء، فهذا الشاب قال له: هذا لم يحدث، الذي حدث هو العكس، أنا اصطدمت به، وكنت سبباً في موت هذا الإنسان، قال له الضابط: عجيب، من أنت ؟ أنا خلّصتك، قال له: لكني لا أنجو من عذاب الله، أنا أريد ألا تخلصني أنت، قال له: والله ما مر معي بتاريخي أن إنسانًا في ضبط أنهيت له المشكلة، وخلصته، ويحب أن يوقع نفسه بها، قال له: اكتب الذي حصل، أنا اصطدمت به، وكانت هذه الصدمة سبب وفاة هذا الإنسان الكبير في السن، ودفع الدية، وعين أولاده بالمعمل .

إذا كان المسلم بهذا المستوى عندئذٍ نتوقع أن ننتصر، هكذا المسلم، المال تحت قدمه عندك إمكان تحكي الحق؟ 

 والله هناك قصة أرويها والله لا أشبع منها، أحد إخوتنا الأكارم زوّج ابنته لرجل في جدة، له والد محترم جداً، يقطع مسافة لعلها بين مكة وجدة، في الطريق ظهرت مركبة من طريق فرْعي، مركبة شاحنة صغيرة، فيها إنسان وزوجته وولدان، فلما رأى مركبة من طريق فرعي خفف السرعة، بقيت واقفة، لما رآها بقيت واقفة تابع السير، ورفع السرعة، بعد أن اقترب منها انطلقت إلى عُرْض الطريق فصدمها، وماتت الزوجة والولدان، جاءت الشرطة دية المقتول في حادث في الحج 200 ألف ريال، دية المقتول بحادث بغير الحج 100 ألف، ثلاثة ماتوا ضرب 200 ـ 600 ضرب 15 عشرة ملايين، عشرة ملايين ترتب على سائق السيارة، فالبدوي لما جاءت الشرطة، قال: والله الحق عليّ، ما له علاقة هو، خسر عشرة ملايين ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ أقسم بالله هذه القصة عندي أبلغ من كل حضارة الغرب، كل شيء تسمعونه كذب، كله كذب، يهدمون بيتًا بريئًا، أسرة مدنية يقول لك: أطلقوا الرصاص منه، تغطت، صدر إطلاق رصاص منه، قال له: والله الحق عليّ، ليس له علاقة، خسر عشرة ملايين، عندك إمكان أن تقول الحق، ولو خسرت ؟ إذا كنت كذلك فأبشر، أنت مؤمن ورب الكعبة، الضبط أنهى له المشكلة، لكن وجد أن الله عز وجل لن يسامحه .

 فلذلك ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ تقول أخي هذا للقضاء، لا، هذا لك، الحجر ضج بالشكوى إلى الله، قال: يا رب، عبدتك خمسين عاماً، وتضعني في أوس كنيف ، فقيل للحجر : تأدب يا حجر ، إذ لم أجعلك في مجلس قاضٍ ظالم، يعني مكان الحجر في الكنيف في بيت الخلاء أشرف ألف مرة من أن يكون الحجر في مجلس قاض ظالم . وفي تعليق أن النبي الكريم يقول : 

((  قاضيان في النار ، وقاض في الجنة: قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ، وقاض عرف الحق فجار متعمدا ، أو قضى بغير علم ، فهما في النار  ))

[  أخرجه الحاكم في المستدرك عن بريدة  ]

 لما سأل زعيم بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية وزراءه وزيرًا وزيراً: كيف الصناعة عندك يا سيد فلان ؟ قال له: المعامل كلها قد خُرّبت، كيف الزراعة عندك يا مستر فلان ؟ قال له: الحقول محروقة ، كيف الخزانة عندك يا سيد فلان ؟ قال له : الخزانة خاوية ، كيف العدل عندك يا سيد فلان ؟ قال له: العدل بخير، قال له : كلنا إذاً بخير، إذا كان العدل بخير كلنا إذاً بخير . 

﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا﴾ كل واحد منكم قاضٍ، قاضٍ بين ولديه أحياناً، بين ابنتيه، بين الابن والبنت، بين الصهر والبنت، صحيح هذا الكلام؟ أنت قاضٍ، قاضٍ بالمحل التجاري يمكن أن تبيع حاجة فيها خلل، يقول لك: فيها خلل، لا منك، أنت فتحتها انتهى خربت، فتحها فوجدها لا تعمل، انتهى منك ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ ولو كان على ابنك. 

((  وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا  ))

[ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ  ]

 هذا الإسلام، كان عمر إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وقال: << إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، ويم الله لأوتين واحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني >>   فصارت القرابة من عمر مصيبة، مصيبة أن تكون قريبًا من عمر، العقاب مضاعف، هذا هو الإسلام . 

﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾ أحد الصحابة في أثناء الهجرة ألقي القبض عليه ، قال لمن ألقى القبض عليه: والله إن أطلقتموني لن أحاربكم، فأطلقوا سراحه، ذكر هذا للنبي الكريم، فرح به، بعد عدة سنوات في غزوة الصحابي من شدة فرحه بالإسلام انخرط بالغزوة، قال له: ارجع ، ألم تعاهدهم ؟ ارجع ، هذا الدين .

 شهد الله حينما يضيع المسلمون عهودهم يسقطون من عين الله . 

((  لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له  ))

[  رواه أحمد أبو يعلى والبيهقي الطبراني عن أنس و ابن عمر وهو ضعيف ]

 

طالبان على مقعد الدراسة، كبرا وصار أحدهم تاجرًا متواضعًا جداً، والثاني تاجر أبنية كبيرًا جداً، فاضطر الأول أن يرجو الثاني عند زواجه أن يؤجره بيتاً، قال له: ما عندي، أنا عندي بيوت للبيع فقط، فلما ألح عليه أصرّ على اعتذاره، بعد حين التقى به ثانية، قال له: والله  مضطر، وعهد الله إن أجرتني بيتاً، وطلبته مني أعطيك إياه في أيام ثلاثة، رق له، وعنده بيت في بعض أحياء دمشق الغالية، لم يبَع معه، أجّره إياه، بعد هذا ارتفعت الأسعار، إلى أن أصبح ثمن البيت قريبًا من المليون ليرة، التقى معه صاحب البيت، وقال له: أنت وعدتني ثلاثة أيام، أنا سأعطيك ستة أشهر، أريد البيت، قال له: حاضر، ثاني يوم طُرق باب صاحب البيت، قال له: هذا المفتاح، صُعق، لم يصدق، جاء إلى البيت، وفتح فوجده فارغاً، منظفًا، مرتبًا، جاهزًا للسكن، لما أغلق الباب فتح باب الجيران، سألوه كم أعطيته تعويضًا مقابل إخلاء البيت ؟ قال لهم: لم أعطِه شيئاً، هو عاهدني أن يخرج وخرج، فقالوا له: باع كل أثاث بيته بأبخس الأثمان، وسكن في فندق متواضع، صُعق، هكذا المسلم؟! قال له: عهد الله إن أجرتني هذا البيت أسلمه إياك خلال ثلاثة أيام، قال له: معك ستة أشهر، قال له: أنا قلت لك: ثلاثة أيام، باع الأثاث كله بأبخس الأثمان، وسكن مع زوجته وأولاده بفندق من فنادق الدرجة العاشرة، هذا الإنسان يبدو استيقظ عنده الشعور الإنساني، زاره بالفندق، قال له: هذا البيت ترجع إليه، بسعر ما كان يوم سكنته، وكل شيء دفعته أجرة من ثمن البيت والأثاث عليّ .

 كان في الشام 800 ألف شقة مغلقة لا تؤجر، لانعدام الثقة، إنسان جالس مع أصدقائه، قال: أنا زواجي سوف يفشل، لأنه ليس لدي بيت، عندي بيت على الهيكل، ولا أستطيع كساءه، أحد أصدقائه قال له: أنا عندي بيت جاهز، اسكنه ريثما تكسو بيتك، قال له: كثر الله خيرك، سكنه، تركه سنة، سنتين، ثلاث، أربع، طرق بابه، قال له: ماذا حصل معك؟ قال له: منذ زمن كسوت بيتي وأجرته ، قال له: وهذا البيت ؟ قال له: أنا مستأجر عندك، ما دفعت ؟! قال له: أدفع إن شئت، قال له: أنا ما أجرتك إياه، أنا أعرتك إياه إعارة، قال له: لا، أنا مستأجر، هذه المحاكم أمامك، فأحد إخواننا الكرام محترم جداً دخل وسيط زاره بالبيت، قال له: يا رجل، أنت أستاذ ديانة، الصلاة باطلة بالبيت، قال له أصلِّي في الجامع، قيمتك بعهدك: 

﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾

﴿  وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153)﴾

[  سورة الأنعام  ]


الحق لا يتعدد : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ


 الحق واحد، الحق لا يتعدد، والحق يصل إلى الله، إن سرت على طريق الحق المآل إلى الله، إقبالاً، وعبادةً، و سلامةً، وسعادةً ، وجنة عرضها السماوات والأرض.  

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ ويوجد بين نقطتين مليون خط منحنٍ ومنكسر، هذا الباطل، الباطل يتعدد .

 لذلك: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ جمع  ﴿فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾

﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16) ﴾

[ سورة المائدة ]

 جمع ﴿إِلَى النُّورِ﴾ مفرد، الحق لا يتعدد، والحرب بين حقين لا تكون، وبين حق وباطل لا تطول، وبين باطلين لا تنتهي . 

﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور