وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 73 - سورة الأنعام - تفسير الآيتان 164- 165، ابتغاء الله وحده ـ امتحان الله لنا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والسبعين، ولعله الدرس الأخير من سورة الأنعام، ومع الآية الرابعة والستين بعد المئة، وهي قوله تعالى :

﴿  قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(164) ﴾

[ سورة الأنعام  ]


قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا


1 ـ معنى الربّ ولوازمه :

 أيها الإخوة: 

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾ الرب هو المربي، ولعل أقرب اسم من أسماء الله الحسنى إلى الإنسان اسم الرب، لأنه يربيه، لأنه يُمدِّه بما يحتاج، لأنه يربي نفسه، لأنه يربي إيمانه، لأنه يعالجه، لأنه يسوق له من الشدائد أحياناً ما يحمله على التوبة، يسوق له من الخيرات ما يحمله على الشكر، يلقي في قلبه السكينة ليشعر أنه بإيمانه أسعد الناس، يلقي في قلبه الرضا .

 لذلك الخيرات التي تتأتّى من رب الأرض والسماوات لا يعلمها إلا الله، لذلك في كل صلاة:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) ﴾

[ سورة الفاتحة ]

هو الذي أوجدك من عدم، هو الذي ألقى محبتك في قلب أمك وأبيك، هو الذي خلقك على نحو يقربك إليه، هو الذي يسرك لما خُلقت له من معرفته .

2 ـ معنى : قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا 

 الآن السؤال الصيغة استفهام إنكاري: 

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾ هل من المعقول أن تتجه لمخلوق تلتمس أن يربيك؟ معقول أن تتجه لمخلوق تعتمد عليه؟ معقول أن تتجه لمخلوق تعلق الآمال عليه؟ معقول أن تتجه لمخلوق تخاف منه؟ ترجو ما عنده؟ تخشى بطشه؟ وتنسى ربك؟ 

 يعني متى يكون الاستفهام إنكارياً؟ لأنه ولا واحد بالمليار يمكن أن تصدق أن يكون مخلوق حادث لئيم ضعيف الإمكانات أن تتخذه رباً ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾ هل هذا معقول؟ أي مخلوق فيه مسحة من عقل، أي إنسان فيه ذرة عقل لا يمكن أن يوازن بين خالق السماوات والأرض، صاحب الأسماء والصفات الفضلى، وبين مخلوق ضعيف، يعني أيعقل أن يوازَن مخلوق بخالق؟ تعتمد على مخلوق يموت؟ تعتمد على مخلوق ضعيف؟ تعتمد على مخلوق لا يملك لك : 

﴿ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)﴾

[  سورة الفرقان  ]

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ كل شيء في الكون الله ربه، ولو كان جماداً، لأن الذي يمد الجماد بالحركة بحركة الذرات، فتكون هذه المادة حديداً، وهذه نحاساً، وهذه صخرة، وهذا ماء، وهذا نباتاً، الذي يمد كل المخلوقات بالحياة هو الله، واهب الحياة لكل المخلوقات، الذي يهب الحياة:

﴿ لهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) ﴾

[  سورة التغابن  ]

 وأمره كن فيكون .

﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) ﴾

[  سورة الزمر  ]

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾

[ سورة الكهف  ]

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

 أتتخذ إلهاً آخر غيره ؟ 

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ يعني يمكن أن يوازَن عندك خالق مع مخلوق؟ فتدع الخالق وتعبد المخلوق، الذي يشرك هو لا يقول: أنا أعبد فلاناً لأنه إله، لا، هو يقول: أنا أطيع فلاناً، لكنه يعامله كما يعامل الإله، يعصي الله ويطيعه، إنه يتوهم أن إرضاء هذا القوي أعظم من إرضاء الله، لذلك يؤثر رضاه على سخط الله، من هنا يقول عليه الصلاة والسلام : 

(( من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤونة الناس  ))

[  أخرجه الترمذي وأبو نعيم في الحلية عن عائشة  ]

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الرب المُمِد، يمد المخلوق بما يحتاج، بعض الحيوانات تحتاج إلى وبر، بعضها إلى صوف، بعضها إلى ريش، بعضها إلى زعانف في البحر، بعضها إلى أرجل، بعضها إلى أجنحة، بعضها إلى أجهزة خاصة، بعضها إلى بعض الأعضاء التي يستعين بها كالكنغر مثلاً، فكل مخلوق أمده الله بأجهزة وخصائص تناسبه، وتحقق مصالحه في الدنيا، والله عز وجل كن فيكون، زل فيزول ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ .


معنى : أَبْغِي


 أيها الإخوة ﴿أَبْغِي﴾ أي أطلب، والإنسان عنده طلب داخلي، أحياناً يعلق الأمل على مخلوق، وكأن لسانه حاله يقول: أعطني. 

أحياناً يخاف من مخلوق، وكأن لسان حاله يقول: نجني، لكن المؤمن لا يخاف إلا الله، ولا يرجو غير الله، ولا يتكل إلا على الله، ولا يعطي قلبه إلا لله، ولا يكون محسوباً على جهة أرضية، المؤمن محسوب على الله، ولا يليق بالمؤمن أن يكون لغير الله، هو إن كان لغير الله يحتقر نفسه .

﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)﴾

[  سورة البقرة  ]

 أيها الإخوة، الآية تقول: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾ يعني استفهام إنكاري، يعني أيعقل أن تتخذ من دون الله رباً؟ أيقبل عقلك أن تخاف من مخلوق، وألا تخاف من الخالق؟ أيقبل عقلك أن ترضي مخلوقاً وأن تعصي خالقاً؟ 


وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ


﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ انظر معنى كل شيء، هذا الذي تعامله كإله هو في قبضة الله، والله ربه قد يلهمه أن يسيء لك، من هنا قال عليه الصلاة والسلام : 

((  لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخي وصاحبي  ))

[  أخرجه أحمد و البخاري ومسلم عن ابن عباس  ]

 لا يوازَن خالق مع مخلوق، لا يوازن رب السماوات والأرض مع سيد في عملك .

 الآن: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ كل شيء يعني رب هذه الطاولة، هذا خشب فيه ذرات، فيه الكترونات، وفيه نواة، وفيه حركة دائمة، كل شيء يتحرك.

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) ﴾

[  سورة يس  ]

 يتجلى على هذه المادة فتكون خشباً، يتجلى على هذه المادة فتكون حجراً، يتجلى على الماء فهو ماء، الهواء هواء، كل المخلوقات مَن خصّصها بخصائصها؟ الله جل جلاله ثم هو يمدها، النبات ينمو، والحيوان ينمو ويتحرك، والإنسان ينمو ويتحرك، ويفكر الجماد ذراته تدور حول بعضها.


معنى : وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا


 أما معنى قوله تعالى: 

﴿وَلَا تَكْسِبُ﴾ في القرآن أيها الإخوة، كسب واكتسب، كسب فعل ثلاثي تدل على الشيء الخيّر .

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) ﴾

[  سورة البقرة  ]

 العمل الشرير هو من اكتساب الإنسان، من اكتسابه، والعمل الخيّر من كسبه، يعني أنت تريد، أنت تختار، والله عز وجل يحقق اختيارك، الخيّر أو الشرير، لكن الاختيار الخيّر يقال له: كسب.

 يعني أنت جالس، وأذن المؤذن، فقلت: يا رب، فوقفت كي تصلي، فأمدك الله بقوة تحقق فيها اختيارك الخيّر، ولما يصرّ إنسان على فعل معصية، أو على كسب مال حرام، أو على ابتزاز إنسان، أو على اعتداء على عِرض، حينما يصر الله عز وجل لأنه جعله مخيراً يسمح له أن يفعل هذا، لكن الشيء الخيّر يعبَّر عنه بالفعل الثلاثي، أما الشيء غير الخيّر الشرير يُعبّر عنه بالفعل الرباعي، كسب، اكتسب الخماسي، والزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى، يعني إذا كسب الإنسان الخير يُسجل له فوراً، أما الشر اكتسب خمسة أحرف، إن فعل الشر فملَك الشمال يُمنع أن يكتب عليه هذا الشر، لعله يندم، لعله يتوب، لعله يصلح، فإذا فعل الشر ولم يندم، ولم يتب، وأصر عليه، وتباهى به، وافتخر به يقول له: اكتب، يعني فعل اكتسب فيه مراحل عديدة، أما أيّ فعل خيّر يُسجَّل لك، أما فعل الشر ينتظرك الله عز وجل، هل تتوب؟ هل تندم؟ هل تصلح ما أفسدت؟ هل تعتذر؟ هل تستغفر؟ هل تدفع صدقة؟ فإذا فعلت الشر -لا سمح الله - ولم تندم، ولم تتب، وأصررت عليه، بل وافتخرت به يقول لملَك الشمال: اكتب اكتسب﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ يعني أنت تُحاسب على كسبك، بل إنك لا تملك إلا كسبك، والكسب هو الانبعاث، أنا قمت لأصلي، أعانني الله على أن أصلي، أنا نهضت لأعاون هذا المسكين أعانني الله على معاونته، هذه كسب، أما اكتسب قام ليزني، قام ليسرق، قام ليوقع بين اثنين، قام ليرفع دعوى كيدية على إنسان، الآن اكتسب. أما الآية هنا تحير : 

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا﴾ هنا كسب عليها، معناها هنا جاءت للشر، قال بعض المفسرين: من كثرةِ ما ألِف هذا الشر صار فعله سهلاً عليه، وكأنه خير.

 يعني هناك أشخاص يبنون رزقهم على إيذاء الناس، وعلى ابتزازهم، وعلى إلقاء الرعب فيهم، يبدو أنه بعد حين تنطمس فطرته، فيفعل هذه الشرور دون أن يحاسب نفسه، وكأنه يفعل الخير، هذا معنى جديد، إذا أبدلنا فعل كسب باكتسب، يعني تركنا اكتسب واستعملنا كسب، وأتينا بحرف جر بمعنى عليه، أي هو عمل شرير، فالمعنى أن هذا الإنسان من كثرة ما فعل الشر ألِفه، وأصبح فعله عليه هيناً وكأنه فعل خير ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا﴾


وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى


﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ الحقيقة الوزر هو الحِمل الشاق، لا يسمى حمل هذه الورقة وزراً، الحمل الشاق يعني مئة كيلو، ينوء بحمله الإنسان.

 أحيانا يقترف الإنسان جرائم، وهو قوي، ولا أحد يحاسبه، لكن هو يحمّل نفسه يوم القيامة ما لا يحتمل، لذلك قال الله عز وجل :

﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ﴾

[  سورة البقرة  ]

 هؤلاء الذين يقصفون، يبيدون البشر، يدمرون كل شيء، بل يدمرون كل المنشآت، يقتلون الأطفال، النساء، الضعاف، يستخدمون آلة من أعتى الآلات لقتل طفل بريء، وكأنها بطولة، لو جاء ملاكم من الطراز الأول أمسك طفلاً صغيراً، هل تصفق له؟ يكون الذي صفق له أحمق؟ لأن هذا ملاكم، هذا يصفق له إذا انتصر على ملاكم آخر، جيش وطيران، وأسلحة حارقة وخارقة، وقنابل عنقودية، وذكية، على طفل، على امرأة، على بيت للسكن، ليس هناك قلعة، ولا سلاح مع الطرف الثاني، وليس هناك شيء، ويسمى هذا بطولة، هذا الشيء من مفارقات الحياة . 

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ الوازرة الحاملة، تزر تحمل، الوازرة الحاملة لا تحمل نفسٌ حمولة نفسٍ أخرى، أبداً .

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾

[  سورة الطور  ]

 حتى لو أن الابن جاء من الزنا لا علاقة له بسبب مجيئه إطلاقاً، لذلك من أصعب العادات الجاهلية هي الأخذ بالثأر، قتيل قُتل في قرية يجب أن يُقتل إنسان من قبيلة القاتل، هذا الذي قتل اختفى، أقرباء القاتل ما ذنبهم؟ 

﴿  وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9)  ﴾

[  سورة التكوير  ]


لا يجوز تحميل البريء أثر جناية المتهم :


 والله أيها الإخوة، لو أن هذه الآية: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ طُبقت ما كان هناك مشكلة في العالم، الآن يأخذون رهائن، الإنسان لا علاقة له، أحيانا يحاسب الأب عن ابنه، وتحاسب الزوجة عن زوجها، يعني أعداؤنا يأخذون الرهائن أحياناً، لم يجدوا المطلوب يأخذون رهينة مكانه . 

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ والله اتصل بي أخ من محافظة، قال لي: هناك جريمة قتل حصلت، وأهل القاتل تعاونوا معنا تعاوناً مذهلاً، تعاونوا معنا للإمساك بالقاتل، وهناك قتل ظُلم، بدأ بسرقة، وانتهى بجريمة قتل، فقال لي: كل أهل القاتل اختفوا من القرية خوفاً من الانتقام، والذي سألني من وجهاء القرية، قلت له: ينبغي أن ترجعهم إلى بيوتهم، وأن تطمئنهم، وأن تشكرهم على تعاونهم معك، هم لا علاقة لهم بالجريمة إطلاقاً، هذا هو الإسلام . 

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ أنجبت امرأة فتاة، يطلقها! كون الجنين ذكراً أم أنثى ليس من المرأة، من الذكر .

﴿  وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46) ﴾

 

[ سورة النجم  ]

 يعني حمّلها ما لا تحمل، يعني ملايين التصرفات، إنسان بريء يعاقب، لذلك: يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير، إن سكت استباحوه، وإن تكلم قتلوه . 

 أيها الإخوة ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ لكن الوازرة: الحاملة، والوزر: الحمل الثقيل، ومنه الوزير، يحمل أعباء كبيرة جداً، فالذي يرى أن الوزارة مغانم فهو جاهل . 

 أحياناً الإنسان يقول لك: أنا مسؤول كبير، لو عرف معنى مسؤول لسقط مغشياً عليه، سوف يُحاسب عن كل كلمة، وعن كل إشارة، يقول لك مسؤول كبير، معناها أعانك الله ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ .

 قال الله عز وجل :

﴿  أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4)  ﴾

[  سورة الشرح  ]

 يعني كان الوحي صعباً على النبي الكريم، لأن هناك صفة ملائكية في سيدنا جبريل تريد أن تلتقي بصفة بشرية، من السهل جداً أن تلتقي مع إنسان من بني البشر، لوجود قواسم مشتركة كبيرة جداً، لكن تصور مخلوقاً ملائكياً يملأ الأفق كله سوف ينزل على النبي الكريم، فكان أول الوحي يشعر بضغط شديد، لو أن رِجلَ النبي عليه الصلاة والسلام فوق رِجل أحد أصحابه لكادت هذه الرجل تنسحق، لو أنه يركب دابة تئن الدابة .

﴿  إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً(5)  ﴾

[  سورة المزمل  ]

يعني صفة ملائكية تلتقي مع صفة بشرية، فلابد من تفاعل هاتين الصفتين، لكن بعد حين ألِف النبي الوحي، فإذا انقطع عنه الوحي تألم ألماً شديداً . 

﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ(4)﴾

﴿  وَالضُّحَى(1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3) ﴾

[  سورة الضحى  ]

 أيها الإخوة، الإنسان في الدنيا يحمل مسؤولية كبيرة، يحمل أمانة التكليف، أن الله جعل نفسه أمانة بين يديه، مُحاسَب عن كل حركة وسَكَنة، محاسب عن اتصاله، انقطاعه، عطائه، منعه، ابتسامته، أحياناً تسأل عن امرأة يقول لك: لا نعرف، ما تكلم ولا كلمة، فقط لا يتكلم، لكن عبر عن كل شيء، يُحاسب عليه.


متى يحمل الإنسان وزر غيره ؟


 لكن متى تزر الوازرة وزر أخرى؟ ممكن، قال عز وجل: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ لكن متى تحمل هذه النفس ذنوب الآخرين؟ إذا دلتهم على الشر، إذا أغوتهم به، لذلك يقول الله عز وجل :

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ (12) ﴾

[  سورة يس  ]

 أنا أحمل وِزر الآخرين إذا أسهمت في إضلالهم، إذا عمّيت عنهم الحقيقة، إذا غششتهم، يعني علمت موظفاً عندك على الغش، ثم تركك، صار أكبر غشاش، كل أعماله السيئة حتى الموت في صحيفة من دله على الغش، دللته على معصية، زيّنت له المعصية، زيّنت له أكل المال الحرام، أقنعته أن هذه الدنيا هي كل شيء، تمتع بها إلى أقصى درجة، ولا تعبأ بشيء، كل معاصيه في صحيفة الأول. 

إذاً في الأصل: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ لكن لو أن الأخرى ضلّت بسبب الأولى فكل ذنوب الأخرى في صحيفة الأولى . 


متى يكسب الإنسان أجر غيره ؟


 الآن هناك معنى معاكس :

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ يعني كل أعمالهم ذريتهم الطيبة أُلحقت بالوالدين، لأنهما ربيا أولادهما على الخير، لذلك أكبر تجارة في الدنيا ابنك.

 هناك تجارات، شركات ضخمة عملاقة، مبيعاتها اليومية خمسة ملايين، هناك شركة بأوربا فائضها النقدي 100 مليار لا تجد له استثماراً، هناك أشخاص يملكون 100 مليار دولار، إذاً هناك تجارات رابحة، لكن والله أعظم تجارة أن تربي ابناً لك صالحاً، وأن يكون من بعدك استمراراً لك، فكل أعماله، وأولاد أولاده إلى يوم القيامة في صحيفتك .

 اسمعوا الآية: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ إذاً في الأصل: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ لكن أنت إذا كنت السبب في إضلال إنسان  تزر نفسك أوزار الآخرين، وفي المعنى المعاكس: أنت إذا عملت أعمالاً صالحة، وربيت من حولك على العمل الصالح كل أعمالهم الصالحة في صحيفتك.

 ثم يقول الله عز وجل :

﴿  وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(165) ﴾

[  سورة الأنعام  ]


معنى الخلافة في الأرض :


 الخلافة إخواننا الكرام، فلان خليفة فلان، يعني أتى بعده، أو هذه خليفة زمان، يعني هذا المحل شغله إنسان، كبر في السن، أو توفي، له ورثة باعوا المحل، شغله إنسان آخر، جاء بعده إنسان آخر، هذا البيت، قف أمام سوق مشهور، كسوق الحمدية تأكد أن كل خمسين سنة هناك طقم جديد لأصحاب المحلات، هكذا سنة الله في خلقه، يموت الأب فيبيع الورثة البيت، والمحل، والسيارة، يأتي إنسان ويشتري البيت فيحسنه، هناك خلائف . 


معنى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ


المعنى الزماني :

 ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾ بمعنى أن بعضكم يخلف بعضاً في البيوت والسيارات، والمزارع والمكاتب التجارية، والشركات، كل فترة هناك طقم جديد، هذا معنى، هذا المعنى الزماني .

المعنى المكاني :

 المعنى المكاني: إنسان يحتل منصباً معيناً، ثم يُعزل، ويحل محله آخر، هذا استخلاف مكاني، الأول زماني، وهذا مكاني، عُزل حلّ محله فلان . 


المعنى الدقيق للآية :


 لكن يبدو أن هذه الآية لا تعني أن يخلف إنسان إنساناً، تعني شيئاً آخر، تعني أن يخلف الإنسان ما أوكله الله به، تخلف الله في عباده، يعني أمرَك أن تكون عادلاً، وجعلك حاكماً، جعلك قاضياً، جعلك وزيراً، يجب أن تكون خليفة الله في أرضه، بمعنى أن تحكم بالعدل، ينبغي أن تخلف الله بأن ترحم خلقه . 

 هذا المعنى دقيق جداً، لا أن تخلف أخاك في الإنسانية، خلافة زمانية أو مكانية لا، أن تخلف الله في خلقه، الله عز وجل قال :

﴿ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61) ﴾

[  سورة هود  ]

 يعني أمركم أن تستعمروها، أي أن تجعلوها معمرة، لذلك الإنسان خليفة الله في الأرض .

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) ﴾

[  سورة البقرة  ]

 يعني الله عادل، فإذا كان العبد الفقير عادلاً خلف الله في خلقه، الله رحيم، فإذا كان العبد رحيماً  خلف الله في خلقه . 


وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ


 إخواننا الكرام، الآن هناك معنى دقيق جداً في قوله تعالى: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾

 أولاً: الكون كله عدا الإنسان والجن منفعل بأمر الله، الكون كله جماد، ونبات، وحيوان، من دون استثناء منفعل كله بأمر الله، كن فيكون، زل فيزول، أي كن مسيراً، المخلوقات كلها مسيرة إلا الإنسان :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾

[  سورة الأحزاب ]

 الإنسان مخير، تكريماً له جعل الله عز وجل بعض الأشياء تنفعل له، أنا أرفع يدي، أمرتها فائتمرت، شربت الماء فارتويت، أكلت الطعام فشبعت، حركت رجليّ فانتقلت من مكان إلى مكان، فالله عز وجل كرّم الإنسان أن أبعاضه جعلها بإمرته، لكن قلبك ليس بأمرك، التنفس ليس بأمرك، القلب والرئتين، وعمل الكبد، والبنكرياس، والهضم، والتنفس هذا بأمره، لكن بأمرك الأوامر الإرادية، تتحرك، ترفع يدك، تتكلم، تمشي، تنام تستيقظ، تكسر، تضرب، تنفع، تقدم صدقة، تسلب مالاً، كله باختيارك، فالله عز وجل سمح لك أن تفعل بأشياء كثيرة ما تريد، هذه أول ميزة للإنسان.

 الله عز وجل قال: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ الآن أعطاك مواهب أنت لا تقدر أن تفتح صدراً بالمنشار، وتزيل الأغشية عن القلب، وتفتح البطين، وتضع دساماً جديداً، وعملية معقدة سبع ساعات، هذا فعلُ جراح القلب، والمساء عادي جداً، فتح بطنين أو ثلاثة وهو مرتاح، وتنفتح شهيته على الأكل، كيف يأكل؟ وكله دم، والإنسان مثل الميت أمامه، بعد هذا يعمل صعقة للقلب، إما أن يتحرك، أو عظّم الله أجركم، أنت ما عندك إمكانية أن تكون جراح قلب، أنت عندك إمكانية أن تصلح سيارة، لا سمح الله ولا قدر تشعر في قلبك بشيء غير طبيعي، تأتي إلى الطبيب بكل أدب، يلزمك عملية؟ تعالَج معالجة عادية؟ يجب دخول المستشفى؟ لا تعرف، أنت بدرجة عالية جداً من الأدب، الآن أنت أمام الطبيب، الله رفعه عنك بموهبته، ألم يمكنه من علم جراحة القلب؟ فهو الآن أعلم منك، هذا الطبيب عنده سيارة أصدرت صوتاً غريباً من المحرك، تأتي مصلّح السيارات للمعالجة، فيقول: هذا المحرك لا بأس به أم يجب أن نغيره؟ الآن بالعكس، الطبيب الجراح يقف أمام الخبير بشؤون المركبة بكل أدب، وينتظر منه كلمة، المحرك سليم، أم عُطب؟ كم يكلف؟ أنت لا تستطيع مثلاً أن تصنع ثياباً، أما الخياط فصناعة الثياب سهلة عليه جداً، يعني كل واحد سمح الله له أن يتفوق في شيء .

 فنحن في تبادل، أنت أحياناً تحتاج إلى طبيب، والطبيب يحتاج أن تعطي ابنه دروس رياضيات، فلما يكون ابنه ضعيفاً بالرياضيات هو بحاجة إليك، لما تشعر بقضية في قلبك فأنت بحاجة إليه ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ .


الإنسان مرة فاضل ومرة مفضول :


 يعني كل إنسان مفضَّل ومفضول، بكل قضية، مرة يكون مفضَّلاً، ومرة يكون مفضولاً، هناك عدالة، لكن العلماء يقولون: بالمجموع ثابت، يعني أنت ما جعلك صاحب شركة، جعلك محاسب بشركة، معاشك محدود، صاحب الشركة أعلى منك في الدخل، لكن أنت أكثر راحة بالٍ منه إذا حدثت مشكلة في الشركة، أنت لا علاقة لك، إذا كان هناك إشكال على البضاعة، ويوجد ضرائب، أنت لا علاقة لك، احترق المستودع، أنت مرتاح، محاسب، فالمحاسب دخله قليل، ودخل صاحب الشركة أكثر، لكن في الأزمات شديدة الصعوبة تنعكس الآية .

 معناها الله أعطى كل شخص مئة درجة لكنهم موزعين، عنده زوجة ممتازة، أخذ من العشرة ثماني درجات على الزوجة، عنده ولد سيئ أخذ واحداً عليه، شخص آخر عنده زوجة سيئة جداً علامتها واحد، عنده أولاد نجباء ثمانية، فوزع الدخل مع الصحة، مع راحة البال، مع النشاط، مع السمعة، مع الذكاء، يتبين أن كل شخص أخذ عشر درجات من الله، أو مئة درجة، هذا يسمونه المجموع ثابت. 

﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ فأنت مرة مفضل ومرة مفضول .

يعني لا تبتعد، لو عندك مجاري مسدودة، تبحث عن رجل عمله في المجاري، تقول: هل نكسر البلاط؟ طمئني، هو مرح بهذا الموضوع، يقول لك: أنا مهندس مجارير، هو يقول لك: الأمر يحتاج إلى تكسير البلاط، أو لا يحتاج، إذا سدت المجاري تأتي إليه، وإذا سدت شرايينك تأتي إلى الطبيب، كله أصبح مسدوداً. 

﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ معنى دقيق جداً : أنت دائماً مفضل ومفضول . 


كل إنسان ممتَحن فيما فضله الله به :


﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ جعلك طبيباً، والطبيب موثوق، ومُصدَّق، وأنت لا تستطيع أن تناقشه .

 أقسم لي بالله طبيب، قال لي: أستطيع أن أُبيّع رجلاً بيته دون أن يشعر، لكن يخاف من الله فلا يقدر، المحامي يمكن أن يقول: إن الدعوى رابحة، وأنت عندك يقين بالمئة مليون أنها لن تربح، لكن أين ثماني سنوات؟ بعد هذا تبلغه الخبر السيئ مرة واحدة، تكون أخذت منه 500 ألف ليرة، أنت باعتبار أن الله فضلك عليه بالخبرة صار عندك إمكان أن تُمتحن، إما أن تكون صادقاً، أو كاذباً. 

هل يحتاج المريض إلى إيكو أو لا يحتاج ؟ الله يعلم، إذا أنت كلفت مريضاً بصورة شعاعية غالية جداً، والجهاز عندك بالعيادة، تُحاسب، امتحنك الله عز وجل .

 تأتي بسؤال صعب جداً، يأخذ معظم الطلاب أصفاراً، يجب أخذ دروساً خصوصية عندك، الأصل أن يكون السؤال معتدلاً، أما أنت فقد افتعلت سؤالاً صعباً جداً حتى تجعل كل الآباء يطلبون منك درساً خصوصياً، رفعك الله فتستغل هذه الخبرة، وتبتز أموال الناس، أم أن تكون صادقاً معهم؟ هذا معنى دقيق جداً ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ كل واحد منا ممتحن فيما أتاه الله، إن جعله ذكياً فهو ممتحَن بذكائه، هل يستخدم ذكاءه في الإيقاع بين الناس وفي ابتزاز أموالهم؟ وإن جعله محدوداً، هل تكون هذه المحدودية يرافقها استقامة على أمر الله عز وجل؟ وإن جعله قوياً هل تأخذه العزة بالإثم فيسحق من يعارضه، أم يكون وقّافاً عند كتاب الله؟ 

 سأل سيدنا عمر رجلاً: أتحبني؟ قال له: والله لا أحبك، قال له: وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال له: لا والله، محبتي أو عدم محبتي لا علاقة لها بإعطائك حقك .

 أيها الإخوة، هذه الآية مهمة جداً، أنك ممتحنٌ فيما آتاك الله، جعلك قوياً أنت ممتحن، هناك أقوياء في الأرض، لكن لهم حساب دقيق جداً، أعطاك مالاً، امتحنك بالمال، أعطاك صحة، امتحنك بالصحة، أعطاك طلاقة لسان تقنع الناس بالحق أم بالباطل؟ هناك أدباء معهم أدب رفيع جداً يستخدمونه لإضلال الناس، لإثارة شهواتهم، امتحنك بالأدب، رسام امتحنك بالرسم، هل ترسم صور نساء عاريات، أم صوراً طبيعية، يسبح الإنسان ربه إذا رآها، امتحنك، أعطاك مثلاً شكلاً جميلاً، هل تغوي بهذا الشكل الفتيات، أو كلما رأيت نفسك في المرأة تقول: الحمد لله كما حسنت خلقي فحسن خُلقي يا رب، امتحنك بشكل، امتحنك بذكاء، بطلاقة لسان، امتحنك بالمال، امتحنك بالقوة، امتحنك بزوجة صالحة وطيبة، هل تتفنن في إذلالها؟ هذه امرأة ليس لها أحد، مقطوعة، أم تخاف الله فيها؟ امتحنك ببيت مطل على مدرسة، مدرسة بنات، تجلس طوال النهار، وتنظر إليهن من فوق، أم تغض بصرك، وتضع زجاجاً عازلاً مثلاً؟ امتحنك بكل شيء، يعني أنت ممتحن بكل دقيقة فيما آتاك، بماذا ميزك؟ امتحنك فيما آتاك، بدءاً من شكل وسيم، كيف تستخدم هذا الجمال الذي وهبك الله إياه؟ امتحنك بطلاقة لسان، امتحنك بمال، امتحنك بمنصب رفيع.

 يعني بهذه الطريقة الله عز وجل قهرنا على أن نكون مع بعضنا بعضاً، تصور رغيف الخبز كم إنسان يحتاج ؟ أرض، وحراسة، وزراعة، وبزار، وتسميد، وسقي، وبعدها حصاد وبعدها دراسة، وبعدها طحن، وبعدها خبز، لتأخذ كيلو خبزاً جاهزاً، لا تعلم كيف يُصنع الخبز، لكن مكّنك من التعليم، تعلّم أولاداً، لكن ما عندك إمكانية أن تصنع الخبز، فامتحنك الله عز وجل، فمنحك ميزة جعلك دائماً مفضلاً أو مفضولاً عليه، امتحنك حينما جعلك مفضلاً، وامتحنك حينما كنت مفضولاً على غيرك.

 أيها الإخوة، يبدو أن هذا هو الدرس الأخير من دروس سورة الأنعام .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور