وضع داكن
29-03-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 26 - التربية الإجتماعية -13- أدب التهنئة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام مع الدرس السادس والعشرين من دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولازلنا في مسؤوليّة الآباء عن تربية أبنائهم التربية الاجتماعيّة.

الإنسان كائن اجتماعي:

 

 لازلنا في موضوع الآداب العامّة التي حضّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على تلقينها للصغار، وقد تحدّثنا في درسٍ سابق عن أدب المجالسة، وأدب المزاح، وها نحن ننتقل إلى موضوعٍ جديد وهو أدب التهنئة.
 الحقيقة أنّ الإنسان كائن اجتماعي، وما دام كائناً اجتماعيّاً هكذا أراده الله، فكيف جعله اجتماعيّاً ؟ جعلك تتقن شيئاً، وجعلك بحاجة إلى مليون شيء، أن تتقن شيئاً واحداً، وجعلك بحاجة إلى عشرات بل ملايين الملايين من الأشياء.
 هذا الزر المركّب على قميصك يحتاج إلى اختصاص، وإلى معامل، وباحثين، ومهندسين، وله تاريخ، وخبرات، وله أشكال عديدة، وكذلك هذا الطعام، وهذا الشراب، وهذا المسكن، فأنت بحاجة إلى ملايين وملايين الحاجات، وسمح الله لك أن تتقن حاجةً أو حاجتين، فأنت مضطّر لأن تعيش مع مجتمع، ولو أردت أن تعيش وحدك لكان لزاماً عليك أن تشتري أرضاً، وأن تحرثها، وأن تصنع محراثك، وأن تزرع قمحاً، وأن تحصده، وأن تخبزه، وأن تطحنه، ومن أجل أن تصل إلى رغيف الخبز تحتاج إلى عمل لا تستطيعه لذا أرادك الله أن تكون بين المجتمع.
 ما دام الله سبحانه وتعالى أرادك كائناً اجتماعيّاً إذاً عليك أن تمتّن علاقتك بالمجتمع، لأن الإنسان من خلال المجتمع تظهر أخلاقه ومن خلال أخلاقه يرقى عند ربّه، فالفضائل لا تظهر وأنت وحدك في الجبل، فلو عاش أحد من الناس وحيداً في صومعة فلن تظهر فضائله ولا رذائله ولا يمتحن ولا يبتلى، فكيف يعبد الله عزَّ وجلَّ ؟ إنّك لن تستطيع أن تعبده إلا إذا قدّمت شيئاً للآخرين، هؤلاء خلقه فإذا نصحتهم، فإذا صدقتهم، فإذا خدمتهم ترقى عند ربّهم.
 كأنّ الله سبحانه وتعالى جعل خدمة الخلق سبيلاً إلى الحق، فأنت كائن اجتماعي شئت أم لم تشأ، هكذا صممت، وصممت حاجاتك كي تكون كائناً اجتماعياً، وأرادك الله بهذا الابتلاء أن ترقى بعلاقاتك مع الناس إلى خالق الناس.

ما يرفع الإنسان عند الله هو مقدار ما ينفع به خلق الله:

 إذاً الهروب من المجتمع والتقوقع والانزواء والسلبيّة والطعن ليست من صفات المؤمن، فصفات المؤمن الانفتاح، سيّدنا يوسف تعامل مع ملك وفي الأعم الأغلب كان الملك كافراً وقد قال تعالى عنه وهو يخاطب سيّدنا يوسف:

﴿ وَقَالَ اَلْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)﴾

( سورة يوسف: آية " 54 " )

 ماذا أجاب سيّدنا يوسف ؟ قال:

 

﴿ َقَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)﴾

 

( سورة يوسف: آية " 55 " )

 لم ينسحب لوثوقـه من خبراته، أراد أن يخدم المجتمع، طلب من الملك أن يكون على خزائن الأرض بقولـه إني حفيظ عليم، ومعنى ذلك أنّه إذا أوكل للإنسان موضوع أو عمل وبإمكانه أن ينفع الناس به فعليه أن يقبله، وعليه أن يتمنّاه وأن يبادر إليه، لأنّ خدمة الناس سبيلٌ إلى مرضاة ربّ الناس، فأنت ترقى عند الله بقدر نفعك للناس، وسوف ترى يوم القيامة كيف أنّ هناك مقياساً واحداً يرقى بك عند الله وهو مقدار ما حصّلته من معرفةٍ بالله ومقدار ما نفعت بهذه المعرفة خلق الله، مقياس المعرفة والنفع وما سوى هذين المقياسين لا قيمة لبقيّة الأعمال كلّها فقد قال تعالى:

 

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً (23)﴾

 

( سورة الفرقان: آية " 23 " )

 هذه الإنجازات الحضاريّة الضخمة، وهذه الأعمال العملاقة، والشركات ذات الجنسيّات المتعددة، هذا كلُّه لا يرفع أصحابها عند الله، فما يرفع الإنسان عند الله مقدار ما ينفع به خلق الله.
الله عز وجل خلق الإنسان كائناً اجتماعياً ليتواصل مع غيره وليمتحنه بهذه العلاقة:
 نحن حينما بدأنا بأدب التهنئة، فأنت كائن اجتماعي وهكذا مصمم،خلقك الله لتكون كائناً اجتماعياً تتقن عملاً واحداً ولكنّك تحتاج إلى مدرّس يعلّم أولادك، وإلى طبيب، وإلى محامٍ، وإلى قاضٍ، وإلى مفتٍ، وإلى بائع خبز، وبائع لحم، وبائع للخضراوات، وإلى مزارع، وإلى تاجر، وإلى مستورد، فأنت تحتاج إلى ملايين الملايين.
 أنت أحياناً من باب التأكُّد ادخل إلى بيتك، القفل له مصانع ومعامل، يقولون لك هذا المعمل له من الخبرة الكثير من السنوات، مئة عام للقفل فقط، والخشب كيف استورد ؟ وكيف عولج ؟ وكيف وضع في مستودعات خاصّة حتى لا يخرب ؟ والبلاط، والطلاء، والكهرباء، وجهاز التبريد والتكييف، والترطيب، والمكواة، فكل شيء في بيتك عبارة عن شركات عمرها مئة عام، وذات خبرات متراكمة، فأنت تأخذ خبرات البشر من مئة عام بدراهم قليلة، وأنت تقدم شيئاً للمجتمع، لو كنت تاجراً، أو معلّماً، أو مهندساً، أو طبيباً، أو صانعاً، فالله عزَّ وجلَّ أرادك أن تكون اجتماعياً، أراد ذلك من خلال ترابط المصالح، ثم أراد أن يمتحنك بهذه العلاقة، وجعل طريق الوصول إليه عن طريق هذه العلاقة، لذلك لا يتوافق الإيمان مع الانطواء، ولا مع الانعزاليّة، ولا مع التقوقع، ولا مع الهروب والانسحاب لا يتوافق، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.))

 

[الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وابن أبي شيبة، والبيهقي عن ابن عمر]

 أولاً أحد أكبر أسباب تمكين علاقاتك مع الناس ومع المؤمنين التهنئة، فأيُّ خيرٍ أصاب أخاك المؤمن يجب أن تُهنّئه، والأكمل يجب أن تزوره مُهنّئاً، والأكمل من هذا وذاك يجب أن تذهب إليه ومعك هديّة، فإذا جاء من الحجّ، أو أنجب مولوداً، أو تزوّج، أحد الأخوة الأفارقة قال لي شيئاً لا أعرفه عن أفريقيا فقال: في التعزية ما من معزٍ يُعزّي هذه الأسرة إلا ويقدّم لها مبلغاً من المال بقدر إمكاناته، فهذه الأسرة فقدت الرجل فأصبح لديها عجز، فكل معزٍ يقدّم شيئاً من المال، وقد يتحصّل في أيّام التعزية مبلغاً ربما أعانهم على متابعة المسير.
 إذاً أول شيء في التهنئة هو تمكين العلاقات الاجتماعية، والتعبير عن حبّك لأخيك المؤمن، وتعني نفي الحسد، لذلك التهنئة لأخيك المسلم إذا أصابه خير ولتدققوا فيما أقول فهذه التهنئة تُعدُّ من أعظم القربات إلى الله، فلا تستخِفّ بها.
 إلى أين أنت ذاهب ؟ ذاهـب لزيارة صديقي لتهنئته بالنجاح، فهذا عمل عظيم، وسأزور صديقي الآخر لأهنّئه بمولوده الجديد، أو سأُلبّي دعوة صديق لي لعقد قران، فهذه كلّها أعمال صالحة، فأنت لا تعرف مقدار فرح الداعي لك إلى بيته بمناسبة ما كعقد قران أو احتفال أو تهنئة والجميع يلبّون دعوته لهذا قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( من دُعي فلم يُجب فقد عصى الله ورسوله ))

 

[أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمر ]

 تلبيـة الدعوة فرض عين، دعاك، إلا إذا كان هناك عذر من قبلك أو من طبيعة الدعوة، إذا كانت الدعوة فيها معصية فلا تُلبّي ولا تعبأ بهذه الدعوة.

 

نصوص من السُّنة الشريفة عن أهمية التهنئة وإدخال السرور على المسلم:

 

 الآن إلى النصوص قال عليه الصلاة والسلام:

(( من لقي أخاه بما يُحبُّ ليسُرّه بذلك سرّه الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة ))

[رواه الطبرانيّ في الصغير عن أنسٍ رضي الله عنه]

 إذا التقيت مع أخيك ودعَوته بأحبِّ الأسماء إليه، وبششت بوجهك، وبششت أمامه، وكان وجهك طليقاً، وصافحته بحرارة، وهنّأته على خيرٍ أصابه، والأكمل إذا كنت ميسوراً فمع هديّة، فما الذي يحدث بينكما ؟ يحدث ود وحب وهذا الذي يريده الله بين المؤمنين، المحبّة والمودّة والتعاون.
أحياناً تكرم ابن أخيك الصغير وهذا الإكرام إكرامٌ لأخيك، وهو إكرام مباشر لأخيك.

 

(( إنّ من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم ))

 

[رواه الطبرانيّ في الكبير عن الحسين بن عليٍ رضي الله عنهما]

 فالحديث الأول:

 

(( من لقي أخاه بما يُحبُّ ليسُرّه بذلك سرّه الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة ))

 

[رواه الطبرانيّ في الصغير عن أنسٍ رضي الله عنه]

 أما الحديث الثاني:

 

(( إنّ من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم ))

 

[رواه الطبرانيّ في الكبير عن الحسين بن عليٍ رضي الله عنهما]

 أيّها الأخوة الكرام من موجبات المغفرة أي إذا أردت أن يغفر الله لك فكر في الذي يدخل السرور على قلب أخيك ؟ أن تزوره، أن تُهنّئه، أن تواسيه، أن تُعزّيه، أن تُصبِّره، أن تخدمه، أن تُعينه، أن تكون عوناً له، لأن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم.

 

(( إنّ أحبّ الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم ))

 

[رواه الطبرانيُّ في الأوسط والكبير عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما]

 بعد الفرائض: أي بعد الصلاة والصوم والحج والزكاة، معنى ذلك أنّ المؤمن الصادق يبحث عن طريقة يدخل بها السرور على أخيه المسلم، فهل نحن كذلك ؟ هل أصحاب النبي فعلوا مع بعضهم بعضاً كما نفعل اليوم، تجد الحسد، وتجده يقتنص الفرص ليحاسبك على الكلمة، ولا يقوم بزيارة أخيه حتى يبدأ الأول بزيارته، أي عمليّة تراشق زيارات، هذه المبالغة بالمحاسبة أو المعاتبة أو المبالغة بسوء الظن ليست من أخلاق المؤمنين.

 

(( من أدخل على أهل بيتٍ من المسلمين سروراً لم يرض الله له ثواباً دون الجنّة ))

 

[رواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها]

أمثلة من الحياة العامة عن بعض الأعمل الصالحة:

 أي إذا وجدت رجلاً فقيراً وأنت ميسور الحال وأمددته بمعونة على أيّام الشتاء، وأمَّنت له حاجاته الأساسيّة، أو كان مريضاً فأكرمك الله عزَّ وجلَّ بأن جعل شفاء هذا المرض على يديك، أو كان بحاجة إلى عمليّة جراحيّة فتكفّلت بنفقاتها، شيء سهل، فقد حدّثني أحد الأخوة ويبدو أنّه رقيق الحال وله مركبة يعيش منها، وضرب مركبته إنسان أرعن فاجر ومعتدٍ كذلك، وتحتاج مركبته إلى تصليحات تبلغ خمسين ألفاً من الليرات، وهو يقف بالطريق مرّ إنسانٌ محسنٌ كريمٌ نظر فرأى هذه السيّارة وما تحتاج إليه من تصليحات وصاحبها فقير يعيش منها، والضارب أرعن ظالم، فقال له: لا تحزن عليّ تصليحُها، فماذا فعل ؟ أدخل على قلبه السرور.
 أيّها الأخوة الكرام كان السلف الصالح إذا مشوا في الطريق ووجدوا بائعاً للعنب ولم يبع شيئاً منها إلى ما بعد وقت العشاء والبضاعة من النوع السيّئ، فيقوم بشراء كل ما لدى البائع ويذهب إلى بيته فيتشاجر مع زوجته ويقول لها أحضرتهم لنصنع منهم الخل.
 أوقف أحدهم وقفاً مفاده إذا رأى طفلاً معلّمه ظالم أو امرأة كسرت آنية من الأواني وزوجها ظالم فيأتوا بقطعة من هذا الإناء فيحصل على إناء جديد، وبهذا قد حلّ مشكلة، فقد كان السلف الصالح يتفننون بخدمة الناس، ويتفننون بإكرام الناس، وبحل مشاكل الناس، الآن يخلقون المشاكل لبعضهم البعض.
 كلّما وجد في قلب الإنسان الرحمة وامتلأ بها تجده يعبّر عنها بالعمل الصالح ولذلك كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( من أدخل على أهل بيتٍ من المسلمين سروراً لم يرض الله له ثواباً دون الجنّة))

[رواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها]

 قد تكون أحد الأسر فيها شقاق، فالأولاد مشرّدون بين أمّهم وبين أبيهم، وكبر على الزوج أن يذهب إلى بيت أهل زوجته، وكبر على الزوجة أن زوجها لم يأت لأخذها إلى بيته، وهي تتلقى من أهلها تغذية شيطانيّة وهو كذلك يتلقّى من أهله، وهناك تباعد بينهما، فيأتي إنسانٌ ويتدخّل ويقرّب وجهات النظر ويقوم بزيارة أهل الزوجة ويقنعهم بالزوج، ويزور أهل الزوج ويقنعهم بالزوجة، ويتوسط بإحضار الزوجة إلى بيت زوجها وبنفسه، فتلتئم الأسرة بذلك ويدخل على قلب الأولاد السرور فقد أصبحوا بين أمّهم وأبيهم، فماذا فعل هذا الإنسان ؟ فعل كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( أفضل شفاعةٍ أن تشفع في نكاح.))

 

[ورد في الأثر]

 أسرة تصدّعت تعيد التئامها، أو أخوان هجر بعضهما بعضاً تعيد المحبّة بينهما.

 

إرضاء الناس غاية لا تُدرك فعليك بإرضاء الله تعالى وحسب:

 

 أيُّها الأخوة الكرام:

(( من أدخل على أهل بيتٍ من المسلمين سروراً لم يرض الله له ثواباً دون الجنّة))

[رواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها]

 عاينت هذا الشيء بنفسي، ففي إحدى المرّات وجدت أخاً رقيق الحال ويحتاج إلى عمليّة جراحيّة، فتبرع أحد الأشخاص بأجر هذه العمليّة وكان المبلغ كبيراً، وزرت هذا الأخ بعد نجاح العمليّة فوجدْت أولاده فرحين، فقد نجحت العمليّة وكان أبوهم مريضاً فشفاه الله، كان دائماً يخيّم عليهم الهم والحزن، الزوجة كئيبة، والأولاد يرون أباهم وأمّهم في هذه الكآبة فيكتئبون، وهذا الإنسان الذي قدّم أجر هذه العمليّة الكبيرة وقد نجحت العمليّة وأدخل على قلب الأهل السرور لشفاء أبيهم فهذا ماذا فعل ؟ أليس هذا أفضل من أن يقيم ليلة عرس في فندق كبير، ويدفع في هذه الليلة مليون ليرة، وبعد ذلك يتكلّمون عليه، أحد الأشخاص وضع في كل علبّة من علب الملبس ليرة من الذهب، وبدل أن يُثنوا عليه، قالوا: لو وضع ليرتين بدلاً من هذه الليرة، فإرضاء الناس غايةً لا تدرك، فأنت أرضِ الله عزَّ وجلَّ.
 كان الشيخ عطا الكسم مفتياً، وكان رجلاً عالماً كبيراً فإذا دعا كبراء القوم ـ الوالي مثلاً ـ إلى طعام وضع طعاماً خشناً نحو الكشكة أو المجدرة، وكان أولاده ينزعجون ويقولون له: ما هذا يا أبي فلقد أنزلت من قدرنا وشأننا. فيقول: هذا الأكل لا يأكلونه يا أبنائي لذلك يحبّونه، وكان إذا دعا الفقراء يصنع لهم لحماً، فالأصل أن ترضي الله عزَّ وجلَّ بأن تعلّم هؤلاء المترفين ماذا يأكل الفقراء، وتطعم الفقراء الطعام الطيّب، فدائماً ضع المظاهر تحت قدمك ولا تبالِ وأرضِ الله عزَّ وجلَّ.

 

من موجبات المغفرة إدخال السرور على قلب المسلم:

 

 إذا تمكّن الإنسان أن يؤلّف بين زوجين ويفرّح الأطفال، كأن يكسو طفلاً على العيد بملابس جديدة يزهو بها، أو يؤمّن مساعدة لأسرة فقيرة، فعندما ينفق الأب على أهله وأولاده ويجدهم مسرورين سيفرح كثيراً، فإذا قدّمت المساعدة لأسرة فقيرة فهذا شيء جيّد.
 أعرف رجلاً صالحاً يعمل في مهنة التعليم إذا رأى طفلاً فقيراً فلا يعطيه ولكن يطلب والده فيقدم له المساعدة ويقول له: اشترِ لابنك سترة، فيأتي الابن في اليوم التالي إلى المدرسة وهو يلبسها وهي ليست مساعدة من المدرسة ولكن من والده، فبعض الناس عندهم حكمة، فقد أراد أن يجمع بين كسوة الطفل وبين كرامته، فيدفع المبلغ لوالده ليشتري لابنه السترة، فهذا الطفل لا يرى أنّه فقير.
 بعض المعلمين تجدهم يدخلون إلى الصفوف ويقولون: من منكم الفقراء، الفقير يرفع إصبعه لنكتب اسمه ؟ ما هذا الكلام، فقد جعلت طبقيّة بين الطلاّب، وقد أذللت الفقراء بهذا الكلام.
 لذلك إدخال السرور على قلب المؤمن، وعلى قلب الأسرة المسلمة، وحل مشكلات الناس، هؤلاء الذين في قلوبهم رحمة لا يسعدون إلا إذا مسحوا دموع الأسى عن وجوه الصغار، وأكثر عنصر في المجتمع يؤلم النفس هو الطفل الصغير إذا كان جائعاً أو عارياً ليس عليه ثوب يقيه من البرد.
 البعض يكون له أخت متزوّجة فيقول لك: والله لم أزرها من ستّة أشهر، أتعرف أيها الأخ الكريم إنّك لو قمت بزيارة أختك ستنتعش نفسها انتعاشاً ليس له حدود، فزوجها سيجدها مقطوعة من الأهل وليس لهـا أحد يسأل عنها، وقد روى لي أحدهم فقال: شكوت زوجتي لأخيها عن مشكلتي معها فقال لي: طلقها، ماذا تريد منها ؟ هذه نصيحة أخ الزوجة لزوجها أن يطلقها لأنّها غير حسنة وغير جيّدة.
 يوجد لدينا أخ يحضر في هذا الجامع معنا وقد أكبرته كثيراً عندما قال لي: لي أخت معذّبة مع زوجها، أذهب لزيارتها مرتين في الأسبوع، فيخفف عنها، ويصبّرها، ويواسيها، ويقنعها بزوجها ويقول لها: كلّ الأزواج بهذا الشكل ويجب أن تتحمليه، ولك الجنّة، فزيارته لها تعينها على الصبر.
فمن له أخت أو قريبة من محارمه يجب عليه أن يزورها ويخفف عنها، يجب أن يكون لك سهم بإدخال السرور على قلب المسلم، هذا من موجبات المغفرة.

استطاعة الإنسان الرقي بماله عند الله إلى أعلى الدرجات:

 سأذكر لكم الأحاديث مرة أخرى، قال صلّى الله عليه وسلّم:

(( أحبّ الأعمال إلى الله بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم ))

[رواه الطبرانيّ عن ابن عباس رضي الله عنه]

(( إنّ من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم ))

[رواه الطبرانيّ في الكبير عن الحسين بن عليٍ رضي الله عنهما]

(( من لقي أخاه بما يُحبّ ليسرّه بذلك سرّه الله عزَّ وجلَّ ))

[رواه الطبرانيّ في الصغير عن أنسٍ رضي الله عنه]

(( من أدخل على أهل بيتٍ من المسلمين سروراً لم يرض الله له ثواباً دون الجنّة))

[رواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها]

 قال لي أحدهم وحالته الماديّة جيّدة: يوجد شخص يقوم بالتنظيف في البناء ويبلغ من العمر السبعين عاماً، ولديه أولاد وله دخل قليل، فقال له: كم تأخذ من المال شهرياً ؟ فقال له: ثلاثة آلاف، فقال له: تعال وخذهم منّي واذهب لترتاح كفاك ذلك، فهو في السبعين من عمره ولا يتحمل مسح الأدراج.
هؤلاء الأغنياء لو عرفوا كم من أبواب الرحمة مفتّحة لهم لو أعانوا الناس، فالمال شقيق الروح، ويمكنك أن ترقى بمالك عند الله إلى أعلى الدرجات، فسبحان الله الغني ينفق الجاهل المال تبذيراً وإسرافاً للمباهاة، فإذا أنفقوه أَنفقوه إسرافاً وتبذيراً، وإن منعوه مَنعوه بخلاً وتقتيراً.

 

آداب التهنئة:

 

1ـ إظهار الفرح والاهتمام في مناسبة التهنئة:

  الأدب الأول من آداب التهنئة إظهار الفرح والاهتمام في مناسبة التهنئة، فبعض الناس حتى لا يتكلّم عليه أحد يأتي للتهنئة وهو عابس كأنّه حاقد أو حاسد، فمن آداب التهنئة أن يبدو الفرح على وجهك.
 أيها الأخوة الكرام يوجد مقياس للإيمان لا يخيب أبداً، فراقب نفسك هل تفرح إذا أصاب أخاك خير، فإذا اشترى أخٌ لك بيتاً جيّداً، أو تزوّج، أو استلم عملاً جيّداً، أو له أولاد نجباء كلّهم مثقفون ثقافة عالية فإذا حسدته فأنت لست مؤمناً، وإذا فرحت فرحاً حقيقياً لأنه اشترى البيت الجيد، أو تزوّج، أو وفقه الله في الدعوة وأطلق له لسانه وعزّه الله، فإذا أفرحك ذلك فأنت مؤمن، وإذا انزعجت من ذلك واصفر لونك فتساءلت متى كان ذلك !! وطعنت بعلمه وبأخلاقه فمعنى ذلك أنّك حسود والحسود لا يسود.
 لذلك أيّها الأخوة علامة الإيمان أن تفرح بخيرٍ أصاب أخاك، أن تهنّئه، الإسلام ليس فيه بروتوكولات، قالوا عن الدبلوماسيّة: هي التعبير عن أسوأ النوايا بأحلى الألفاظ، الإسلام ليس فيه ديبلوماسيّة، الإسلام فيه حب حقيقي، فعندما تزور أخاك مهنّئاً له بزواج ابنه أو ابنتـه، أو لنجاحـه بشهادة عُليا، أو بتأسيس عمل، أو بشراء بيت، أو بنجاحه في الدعوة، وقد زرته وأنت فرح حقيقةً، فرحاً من أعماق قلبك، وعلامة فرحك أن يبدو على وجهك، والحياة بين المحبّين جميلة جداً ولو كان الفقر موجوداً.
 أحياناً تجد أسرةً تأكل أخشن الطعام ولكن يوجد بينهم محبّة، وأسرة أخرى تأكل من أفخر الطعام ولكن لا يوجد بينهم محبّة، فالسعادة لا تنبع ولا تأتي من الخارج، ولكنّها تنبع من الداخل، يكفيك أن تحبّ الذين من حولك فأنت أسعد الناس، فقد يكون الدخل قليلاً أو كبيراً، ويكون البيت كبيراً أو صغيراً، ويكون مرتفعاً أو قليل الارتفاع، أجرة أو ملكاً، ليس هذا شرطاً ولكن الشرط أنّك مع من حولك تحبّهم ويحبّونك، والحب أساسه الإيمان.

 

المؤمن متسامح ولا ينتقم ممن أساء إليه:

 

 من هو العاجز ؟ العاجز هو من يعجز أن يتخذ صديقاً مؤمناً، فبعض الأشخاص يتجنبه الآخرون لأنه ذو أخلاق فظّة، حساس وسريع الغضب يحاسب على الكلمة، بينما المؤمن متسامح.
 قيل عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنّه كان يمشي ليلاً في المسجد فداس على رِجل أحدهم وكان مستلقياً في المسجد فقال لأمير المؤمنين دون أن يعرفه: أأعمى أنت ؟ فقال له: لا. فقيل له: أنت أمير المؤمنين ؟! فقال: سألني فأجبته بأنني لست أعمى، فالمؤمن بسيط وليس معقّداً، ولا ينتقد، فالذي جرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم من ثوبه وكان يلبس برداً يمنياً فأثّر على عنقه الشريف وقال له: أعطني من مال الله، فهذا المال ليس مالك ولا مال أبيك، فتبسّم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: صدق إنّه مال الله، وأعطاه دون أن يفعل له شيئاً.
 العظماء لا ينتقمون من أحد بل يرحمون، العظماء سرورهم في إدخال الفرح على الناس، إذاً الشيء الأول إذا أردت أن تهنئ شخصاً فلا يكن وجهك مصفراً بل متورّداً بشوشاً فرحاً بنجاحه بالفعل.
 لاحظت ذات مرّة شخصاً حضر ليهنّئ شخصاً بمجيئه من الحج فكأنّ له ثأراً معه جلس دقيقتين ووجه مصفر وعابس ثم انصرف، فهل هذه تهنئة ؟!!
 جاء في الصحيحين في قصّة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه قال كعبٌ:

(( سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ...فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا... فَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَلَقَّاني النَّاسُ فَوْجًا فوْجًا يُهَنِّئُونِي بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ لِتَهْنِئْكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ. حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَني وَهَنَّأَنِي وَاللَّهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ. قَالَ فَكَانَ كَعْبٌ لاَ يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ: " أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ".))

[متفق عليه عن كعب رضي الله عنه]

  هكذا علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قاطعه النبي مع أربعة غيره، وعندما تاب الله عليه فرح له الصحابة جميعاً بهذه التوبة وتألّقت وجوههم وقام الصحابي الجليل سيّدنا طلحة مهرولاً وصافحه وهنّأه وبرق وجه النبي عندما هنّأه، إذا فالتهنئة من آداب الإسلام.

 

الهديّة تمتّن العلاقات وتوثّقها:

 

 دائماً تفقّد أخاك واسأله عن أحواله وأخباره، إذا قال لك: والله نجحت، فقل له: بارك الله بك، هنيئاً لك النجاح، وإذا أنجب مولوداً فقم بزيارته وقدّم له هديّة، والهديّة دين أيها الأخوة ليس فيها خسارة تؤخذ وتُعطى، فالنبيّ كان يتلقى الهديّة ويرد عليها، فيكافئ على الهديّة بأخرى مثلها، فالهديّة تمتّن العلاقات وتوثّقها.
 إذا جاء لأخيك مولود والولادة صعبة تتطلّب الكثير من النفقات، فإذا برفاقه ومن حوله يقدّم كل منهم شيئاً له، أتمنى الآن تغيير هذا الترتيب بترتيب آخر، فبدل أن يحضر كل واحد من المهنئين طقم من الملابس الخاصة بالمولود، ماذا يفعل بكل هذه الهدايا التي جاءت للمولود ؟ اسأله وقل له: أنا أريد أن أقدّم لك هديّة بهذا المبلغ فقل لي ما يلزمك ؟ ارفع الكلفة واسأله، فإذا جاء للإنسان هديّة وهو بحاجة لها فهذا شيء رائع، فقل له: أنت أخونا وحبيبنا وقد أردت أن أهديك هدية بهذا المبلغ، وتوجد طريقة أخرى هي أن يتعاون أربعة أو خمسة من الأخوة ويجمعوا مبلغاً قيّماً ويشتروا له ما يلزمه، فربما كان يلزمه سجادة في الشتاء ولا يملك سجادة، أو يكون طالباً للعلم وافداً إلينا من بلد آخر وفي هذا الشتاء لا يوجد في بيته سجادة، وأنت لديك سجادة فلم تشعر به.
 إذا تعاون الأخوة على شراء سجادة، أو مدفأة، أو مواد تموينيّة، إذا كان الأخ فقيراً مواد تموينيّة جيدة جداً، فلا تقدّم هديّة للاحتفاظ بها في خزانته، أو تكون متكررة، بل قدم هديّة حقيقيّة مناسبة، فهذا عمل صالح، جزء من عملك الصالح هو أن تعاون أخاك، وأكبر هديّة ثمينة تقدّم أثناء الزواج، فو الله عندما أسمع عن تعاون أخواننا بأن قدّموا لأخيهم براداً مثلاً أو غسّالة أو سجادة أو غرفة نوم أحياناً، وقد يتعاون عشرة أشخاص مثلاً على ذلك فأشعر بفرح ليس له حدود، هكذا يريد الله من المسلمين أن يتعاون بعضهم مع بعض.
 فلا تكن هديّتك هديّة بروتوكوليّة ودبلوماسيّة، أو هديّة متكررة، فأحياناً تكون الهدايا عينيّة وهي مفيدة جداً.

2ـ التلفُّظ في المناسبة بعباراتٍ لطيفةٍ وأدعيةٍ مأثورة:

  النقطة الثانية التلفُّظ في المناسبة بعباراتٍ لطيفةٍ وأدعيةٍ مأثورة، مثلاً جاءه مولود فينبغي أن تقول له: بورك لك بالموهوب، وشكرت الواهب، ورزقت برّه، وبلغ أشدّه.
 بورك لك بالموهوب، أحياناً يكون الابن نقمة على أبيه، ففي آخر الزمان:

 

(( يوم يكون المطر قيظاً، والولد غيظاً، ويفيض اللئام فيضاً، ويغيض الكرام غيضاً ))

 

[ رواه ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة ]

عبارات تستعمل للتهنئة بالمولود:

 أحياناً أخرى يكون الابن بركةً على أهله، أثمن شيء في هذه الحياة ابن بار، وقد أقسم بالله واحد من الناس قائلاً: والله لو مات ابني دهساً أو قتلاً فسأحيي مولداً فرحاً بذلك، لشدة مضايقته لأبيه، كأنه وحش من الوحوش الكاسرة، قتل لأبيه وضرب وابتزاز أموال وصخب وانحراف، وهذه القصّة منذ اثنتي عشرة سنة، فهل هذا ابن ؟!!
 تجد أباً آخر متعلقاً بابن له، كلّه خير لأبيه، فإذا رزق أحدهم مولوداً فالتهنئة أن تقول له: بورك لك بالموهوب، وشكرت الواهب ـ على ما وهب ـ ورزقت برّه، وبلغ أشدّه.
 أحياناً تجد من يعتني كثيراً بابنه ولكن وهو في سن الخامسة عشرة توفاه الله، فلم يقطف ثمار هذا الاعتناء قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا ﴾

( سورة الصافات: آية " 102 " )

 بلغ أشدّه أي أصبح في طول أبيه ويعتمد عليه، وسلّم له المحل، وابنه أصبح في المحل وهو أمين وكفء وموثوق به يحل محلّه، فيستطيع الأب أن لا يذهب بعد الظهيرة إلى العمل بالمحل، وهذا الابن الذي أعان أباه في عمله هو من إكرام الله له ومن نعمه الكبرى.
 يوجد دعاء آخر يردّ به على من جاءه المولود على الداعي له بقوله: بارك الله لك وبارك عليك ورزقك الله مثله.
 إذا لم تحفظ هذه العبارات يمكن أن تقول أيّة عبارة أخرى، كأن تقول: جعله الله من الأولاد الصالحين، أو جعله الله قرّة عين، وهذا الكلام طيّب ومأخوذ من القرآن قال تعالى:

 

﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً(74) ﴾

 

( سورة الفرقان )

  أو أن تقول له: الله يقر عينك به، أو الله يجعله من الصالحين، أو أي عبارة فإذا نسيت الدعاء فهل تظل صامتاً، يوجد بدلاً منها ألف عبارة.

 

أدعية مختارة للتهنئة بمناسبات أخرى:

 

 إذا جاء إنسان من سفر فتدعو له وتقول: الحمد لله الذي سلّمك، وجمع الشمل بك، وأكرمك، وهذا الدعاء مروي عن السلف.
 يمكنك أن تقول: حمداً لله على السلامة، إن شاء الله سفراً مباركاً، إن شاء الله سالم غانم، فأعطيك مرونة ولكن يجب أن تختار عبارة أصلها من الكتاب والسنّة، فإذا جاء أخ من سفر أزوره وأهنّئه على عودته، أو قدم أحد من الجهاد فقل له: الحمد لله الذي نصرك وأعزَّك وأكرمك، أو جاء إنسان من الحج فقل له: قبل الله حجّك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك، الآن نقول: حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً:

(( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنّة.))

[رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى ]

  روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال:

 

(( جاء غلام إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني أُريد الحج، فمشى معه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: يا غلام زوّدك الله التقوى، ووجهك في الخير، وكفاك الهم، فلمّا رجع الغلام إلى النبيّ قال: يا غلام قبل الله حجّك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك.))

 

[ابن السني عن ابن عمر]

  يقول الحاج لك: هذه الحجّة قد كلفتنا ثمانية وستين ألفاً، الله يعوض عليك ما أنفقته، فإذا استقبلت حاجاً فقل له:

 

(( قبل الله حجّك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك.))

 

[ابن السني عن ابن عمر]

  عوّد نفسك إذا كان لك إخوة قد حجّوا زرهم واحداً وَاحداً، أو إذا جاؤوا من السفر ـ ليس سفراً قصيراً وقريباً ولكن سفراً طويلاً ـ أو إذا رزقوا مولوداً، أو تزوّج أحدهم.
 في عقد النكاح يستحبُّ أن يقال لكلا الزوجين: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما على خير، كذلك من الكلام اللطيف: بالرفاء والبنين، فالرفاء: الاجتماع والوئام، والبنين: الإنجاب، لكن هذه التهنئة تهنئة جاهليّة، فالأولى أن نهنّئ تهنئة إسلامية بأن نقول:

 

(( بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما على خير.))

 

[رواه أبو داود عن أبي هريرة]

 التهنئة بالعيد: تقبّل الله منا ومنك، متى يأتي العيد ؟ يأتي عقب عبادة كبيرة، عقب الصيام، فقد صام وقام ثلاثين يوماً وقرأ القرآن فيهم وصلّى التراويح، فقد قام بتلك العبادات ثلاثين يوماً، وجاء العيد وأهم دعاء يقال له: تقبّل الله منك هذه الطاعة.. وهذه العبارة:

 

((تقبّل الله منا ومنك.))

 

[رواه البيهقي عن واثلة]

 هذه مسندة إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في يوم العيد.

 

تهنئة من صنع إليك معروفاً:

 

 الآن تهنئة من صنع إليك معروفاً، صنع شخص إليك معروفاً، خدمك خدمة فماذا تفعل تجاهه ؟ تقول له: بارك الله لك في أهلك ومالك وجزاك الله خيراً.
 أحياناً وبشكل لا شعوري كلّما دعوا الأخوان للتبرُّع لأحد المساجد في يوم الخطبة وأعرف أنّهم قد دفعوا مبلغاً كبيراً وضعف ما أتوقّع، ففي الخطبة التالية أقول لهم: بارك الله لكم في أهلكم وفي مالكم وحفظ الله مالكم ونمّى الخير في بيوتكم.
 قد تأتي لجنة جمع التبرعات من أطراف حلب فيذهبون لجامع آخر فيجمعون ألفاً أو ألفين من الليرات، ولكن هنا يدفع لهم مبلغاً من المال كبيراً جداً فأصبح الجامع مقصوداً، وأصبح أخواننا مظنّة صلاح وسخاء ولهم سمعة طيّبة، فمن جعل الوجوه بيضاء سوى أخواننا المصلين، فبشكل لا شعوري أدعو لهم بالدعاء السابق.
 قال سيّدنا عبد الله بن أبي ربيعة: استقرض النبيّ صلى الله عليه وسلم مني مالاً فلما ردّه قال:

((بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْوَفَاءُ وَالْحَمْدُ.))

[أحمد وابن ماجة والنسائي عن عبد الله بن أبي ربيعة عن أبيه عن جده]

 فإذا أقرضك أحدهم ديناً ورددته له فيجب أن يسمع منك ألطف العبارات كأن تقول له: جزاك الله الخير، تفضّلت علي، الله يبارك لك في أهلك وأموالك، فلقد خدمتني خدمةً لا تنسى. هكذا المؤمن، أما أن تقول له: تعالَ وخذ نقودك ما هذا ؟ فقد قال الله عزَّ وجلَّ:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178) ﴾

 

( سورة البقرة: آية " 178 " )

 أداء إليـه بإحسان أي اذهب إلى بيته، كما أخذت المبلغ من بيته يجب أن تؤديه إليه في بيته.

الكلمة الطيبة صدقة:

 أحياناً يستعير منك كتاباً كالقاموس، ويلقاك في الطريق فيعطيه لك، فأين تعطيه لي الآن فكما أخذته من البيت فرده لي في البيت ولا تجعلني أحمله في ذهابي.
 بعض الناس ليس لديهم أيّة ملاحظة، فقد يحملك شيئاً أنت الآن في غنى عن حمله، فكما أخذته من البيت فأعده إلى البيت وهذا ما جاء في الآية الكريمة:

﴿ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ (178) ﴾

( سورة البقرة: آية " 178 " )

 أي أوصله، فكلمة (إلى) تفيد انتهاء الغاية، و كلمة (بإحسان) أي بكلمة طيّبة كأن تقول له: جزاك الله الخير. فالكلمة الطيّبة صدقة، وبعض الناس كلامهم قاسٍ كثيراً أو قد يسكت، وقد ترى شخصاً ذا كلام لطيف ويأسِر، وقد قيل: إما اللسان وإما الإحسان والاثنان معاً أفضل.

 

(( من صنع إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد بلغ في الثناء ))

 

[ رواه الترمذي عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما]

 كلمة: جزاك الله خيراً، أي أنا أضعف من أن أجزيك فالله هو الذي يجزيك عني كلّ الخير. كلمة صادقة تقال من القلب تنسيك تعبك، فعوّد لسانك على الكلام الطيّب كأن تقول: جزاك الله خيراً.
 إذاً توجد لدينــا التهنئة لمن قدّم لك خدمة، والتهنئة بالعيد، وبالنكاح، وبالقدوم من الحج، وللقادم من الجهاد أو السفر، وبالمولود، هذه هي أنواع التهنئة التي وردت عن النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

3ـ يستحبُّ المهاداة مع التهنئة:

 قال يستحبُّ المهاداة مع التهنئة، أحياناً قد تقدم هديّة لا تكلف خمسين ليرة وتترك في النفس أثراً كبيراً، ليس شرطاً أن تكون الهديّة غالية الثمن فكلٍ على قدره، قد يزور أحدكم أخته في يوم الجمعة فيأخذ معه كيلو من الفول ثمنه خمس وعشرون ليرة، فأنا لا أدعو لهدايا فوق طاقة الإنسان، مثلاً كيلو من التفاح أو الفواكه يكفي، أو يكون مسافراً فيأتي ومعه شيء عادي جداً ولكن حاملاً بيده شيء فهذه تنشئ المودّة.
 نهنئه بالقدوم من الحج ومع هديّة، بالمولود مع هديّة، وكذلك الزواج مع هديّة:

 

 

(( تهادوا وهاجروا، تورثوا أبناءكم مجداً وأقيلوا الكرام عثراتهم ))

 

[ رواه الطبراني والعسكري عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً ]

 لم يقل: أهدوا، بل تهادوا ففيها مشاركة، أي أنّك تلقيت فكافئ، قدّمت فتلقَّ.

 

(( يا نساء المؤمنين تهادينَ ولو فِرسَنَ شاةٍ، فإنّه ينبت المودّة ويذهب بالضغائن ))

 

[الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها]

 فِرسَنَ شاةٍ: أي يد شاة ـ مقدُم واحد ـ وليس زوجاً منه.

 

(( تَهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْر ِ))

 

[الترمذي عن أبي هريرة]

 وحر الصدر: أي غِشّه وحقده.
 والد أحد أخواننا يحمل في جيبه قطعاً من الحلوى ـ سكاكر ـ وبكميّة كبيرة، فكلّما رأى طفلاً مع والده أعطاه منها، والطفل يجد هذه القطعة جيّدة جداً، وقد ذكرت لكم ذات مرّة بعد درس ممتع جاء ليسلّم عليّ أحد الأخوة ومعه ابنه فأعطيته قطعة من الحلوى كنت أحملها، وقلت لأبيه هذا الدرس له طعم عندك ولكن عند ابنك ليس له طعم ولكن بهذه الحلوى أصبح له طعم.
 إذا كنت تريد أن تكرم ابنك فكلّما حضر معك إلى الجامع اشترِ له أكلاً طيّب المذاق فيقترن ذلك مع مجيئه للجامع، فهكذا يفهم الطفل، وفي العيد الماضي أحضرت قطعاً من الحلوى للصغار وكلما حضر طفل مع أبيه أعطيته قطعة منها، فحدثني أحد الآباء عن ابنه وهو يقول لأمّه في البيت: إنني قد أحببت هذا الشيخ كثيراً ودوماً سأذهب مع أبي إلى الجامع، فالطفل عبد الإحسان، فإذا أردت أن تجلب قلبه نحوك فاجلبه بشيء يسرّه فإذا ربطت بين مجيئه معك إلى المسجد وبين شيء يأكله كهديّة أو قطعة من الحلوى فسيحب المجيء دوماً.
 بأحد احتفالات القرآن الكريم كان هناك طفل يبلغ من العمر الخمس سنوات ويحفظ جزأين أو ثلاثة، ولكل الحفّاظ قدموا كتاباً ثميناً ولهذا الطفل قدّموا علبة من الحلوى تناسب سنّه.

 

(( عليكم بالهدايا فإنّها تورث المودّة ))

 

[ الديلمي عن أنسٍ مرفوعاً ]

 بعض الناس يخزنون الهدايا، فمن يريد تمتين علاقاته بالآخرين دائماً تجد عنده هدايا جاهزة ولو هديتين أو ثلاث، ولو كانت هدايا رمزيّة، كأن يحتفظ بعدد من الأقلام أو بدفتر هاتف أو بدفتر لحفظ الصور أو الأشياء اللطيفة والمهيَّأة مسبقاً، فإذا رأى شيئاً يستدعي ذلك أو مناسبة أو زاره شخص مع ابنه وأراد أن ينشئ أو يقيم مودة بينه وبين الزائر وابنه لا يحتاج إلى أن يفكر فيما يعطيه.

 

أساس التهنئة تمتين العلاقات الاجتماعيّة:

 

 القسم الأول من آداب التهنئة، يجب أن تظهر الفرح في التهنئة، والقسم الثاني ماذا تقول في التهنئة، والقسم الثالث يستحبُّ المهاداة مع التهنئة.
 أما أساس التهنئة هو تمتين العلاقات الاجتماعيّة، أن يكون المؤمنون كالبنيان المرصوص، وأساسها إرادة الله أن يكون الإنسان كائناً اجتماعياً، فقد قهره بذلك، فقد جعله مضطراً لأن يعيش مع مجتمع، وما دمت أنت مقهوراً أن تكون اجتماعياً فبقي عليك أن تعبّر عن كمالك الأخلاقي بهذه العلاقات النامية، فالتهنئة جزء من الدين.
 إذا دعاك أحد إلى عقد قران، أو إلى مولد، أو إلى تهنئة بإنجاب مولود، أحد الأخوة أقام مولداً في بيته لأن سيارته سرقت ووجدها بعد شهر، فدعا بعض العلماء وقام بتوزيع الحلوى وألقوا الكلمات، فكلّما انحلّت مشكلة أقمنا احتفالاً فبذلك نعلّم الناس الدين بهذه الكلمات وكذلك نضيّفهم.
 إذا نجح أحدهم في عمله أو تخلّص من مشكلة فأقام حفلة، فماذا يمنعك أن تدعو أحبائك وتطعمهم من الحلوى، وادعُ عالماً أو عالمين وقدمهم لإلقاء كلمات فيها من التوجيه المفيد، فهذا شيء جميل.
 سمعت عن أحدهم كان شيوعياً أي ملحداً، ظلّ ابنه يدعو أباه أكثر من سنتين أو ثلاث حتى أقنعه بأن يصلي، وأول صلاة صلاّها أبوه عمل له مولداً وجمع أصدقاء والده الذين هم على شاكلته ودعا عدد من العلماء الكبار وألقوا الكلمات وأقنعوا الحضور، فإذا حفظ ابنك مثلاً القرآن أو حصل على  الشهادة بتفوّق فقم بعمل مولد، واستغل المناسبات واجمع الناس وعرّفهم بالله عزَّ وجلَّ، فهذا عمل عظيم.

المناسبات وسيلة لدعوة الناس إلى الله عزَّ وجلَّ ونشر الحق:

 كلّما كثرت المناسبات كمن سرقت سيارته، أو كشفاء مريض من مرضه العضال، أو عقد زواج، أو إنجاب مولود، أو نجاح في شهادة، أو تأسيس عمل، أو نجاح في العمل، أو مشكلة صرفت عنه، فالقصد هو جمعك للناس وأن تدُلّهم على الله إن كنت تقدر على ذلك أو يدلّهم غيرك على الله، فالقصد أن يكون لك عمل صالح لتساهم في نشر الحق.
 المناسبة وسيلة والأصل هو الدعوة إلى الله، فأحياناً في عقود القران ألقي كلمات فأقول: هذه الكلمات في هذه المناسبات ليست جزءاً من الاحتفال، إنها جزءٌ من الدعوة إلى الله، لذلك إذا دعي الإنسان فعليه أن يُلبّي، وإذا طلب إليه كلمة فلا يتدلل بل يقوم ويبلغ الحق للناس ويلقي الكلمة.
 توجد نقطة على كثير من الأهميّة يطبقها بعض أخواننا الكرام يكون لهم أقرباء كثر لا يصلّون ولا يتوجّهون إلى بيوت الله إطلاقاً، فيقوم بعمل مولد في بيته ويدعو من يثق بعلمه وإخلاصه ومنطقه السديد، ويلقي هذا الإنسان كلمة، ويقدم لهم الضيافة، وبذلك كأنّه دعاهم إلى أن يستمعوا إلى هذه الموعظة، فيجوز من المئة الحضور يهتدي إلى الله منهم أربعة أو خمسة، فليكن همّك نشر الحق، واجعل المناسبات وسيلة لدعوة الناس إلى الله عزَّ وجلَّ.
 انتهينا من درس أدب التهنئة وننتقل في درسٍ آخر إن شاء الله إلى أدب عيادة المريض.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور