وضع داكن
26-04-2024
Logo
رمضان 1426 - الفوائد - الدرس : 31 - لذة كل أحد على حسب قدره وهمته وشرفه نفسه
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

اللــــذّة

 أيها الإخوة الكرام، مع فائدة جديدة من فوائد ابن القيم رحمه الله تعالى، وعنوان الفائدة: اللذة.
كما تعلمون فقد أودع الله عز وجل في الإنسان الشهوات، فإذا تحرك بدافع منها شعر بلذة، كأن تكون جائعاً فتأكل طعاماً طيباً، الطعام الطيب فيه لذة، كأن تكون مشرداً فتدخل إلى بيت دافئ في الشتاء، أو إلى بيت بارد في الصيف، فكل شيء يمتع حواسك يعد لذة.

الفرق بين اللذة والسعادة

 دائماً كنت أذكر لكم أن هناك فرقاً بين اللذة والسعادة:
اللذة تأتي من الخارج t1، تأتي من طعام من شراب، من منظر جميل، من بيت واسع، من زوجة تروق للإنسان

السعادة تنبع من الداخل.

اللذة متناقصة، والسعادة متنامية

اللذة إن كانت بخلاف منهج الله تعقبها كآبة.

الفرق بين اللذة والسعادة

 واللذة تحتاج إلى شروط ثلاثة: في الأعم الأغلب لا يتوافر في الإنسان إلا واحد منها، تحتاج إلى وقت وإلى صحة وإلى مال.
- ففي البدايات الوقت موجود، والصحة موجودة، والشباب، ولكن ليس ثمة مال.
- وفي منتصف الحياة المال موجود، والصحة موجودة، لكن ليس هناك وقت، قام بمشروع ضخم امتص كل وقته.
 - وفي خريف العمر المال موجود، والوقت موجود، لكن ذهبت الصحة، لذلك اللذة دائماً تحتاج إلى شروط في الأعم الأغلب ينقص الإنسان واحد منها.

وهي متناقصة في تأثيرها

: اشترِ مركبة أول أسبوع يختل توازنك من فرحك باقتناء هذه المركبة، بعد شهر أو شهرين تصبح شيئًا عاديًا، اسكن بيتاً فخماً، صاحب البيت ملّ منه، لكن الزائر أول مرة يدهش بجماله، واتساعه، وإطلالته، وهكذا كل شيء في الحياة.

أشرف النفوس وأعلاها قدرا من عرفت الله

 اليوم الموضوع يأخذ منحىً آخر، يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: << لذة كل أحد على حسب قدره وهمته وشرف نفسه >>.
قل لي: ما الذي يمتعك أقُلْ لك من أنت، الموضوع بمنحى آخر: قل لي: ما الذي يدخل على قلبك السرور أقلْ لك من أنت، قل لي: ما الذي يسعدك أقلْ لك من أنت، لذة كل واحد منا على حسب قدره عند الله، وهمته وشرف نفسه.
<< فأشرف الناس نفساً، وأعلاهم همةً، وأرفعهم قدراً مَن لذته في معرفة الله >>.
 إذا وقف على معنى آية دقيق، إذا أتيح له أن يقرأ شيئاً عن سيد الكائنات فتأثر تأثراً بالغاً بالموقف الكامل، كلما ازداد معرفة بالله ازداد سعادة، سعادته بمعرفة الله عز وجل، هذا نوع في أعلى مستوى، أن يفهم كلام الله عز وجل، أن يفهم حديث رسول الله، أن يفهم حقيقة الحياة، أن يفهم ما أعد الله له من سعادة أبدية، أن يستخدمه الله في خدمة الخلق، أن يستخدمه الله في بيان الحق، أن يستخدمه الله في رأب الصدع، في حل مشكلات الناس.
 صدقوا أيها الإخوة الكرام، أن المؤمن الصادق قمة سعادته أن يزداد معرفة بالله، وأن يزداد خدمة لخلقه، يا رب، لا يحلو الليل إلا بمناجاتك، ولا يطيب النهار إلا بخدمة عبادك، كلما وفقه إلى عمل صالح، أو تمكن من حل مشكلة، أو من تزويج شاب، أو من تخفيف ألم، أو من معالجة مريض، أو من إطعام جائع، أو من تعليم العلم، فهو في قمة سعادته ونشاطه، ولا يعبأ بزخارف الدنيا ومظاهرها.
لذلك: << أشرف الناس نفساً، وأعلاهم همةً، وأرفعهم قدراً من لذته في معرفة الله، ومحبته والشوق إلى لقائه >>.
إذا صلى ركعتين فانهمرت الدموع من عينه فهاتان الركعتان تعدل عنده الدنيا وما فيها، إذا قرأ القرآن فخشع قلبه، وأقبل على ربه فهذه القراءة تعدل عنده الدنيا وما فيها.
قال عن هذا الإنسان: << لذته في معرفة الله، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتودد إليه بما يحبه ويرضاه >>.

لذة معرفة الله تفوق كل لذة

 لذلك حينما يقول بعض العارفين بالله: " لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف ".
 أجمل مكان في الأرض مثلاً بيت، الآن هناك بيوت مساحتها بآلاف الأمتار، أبهاء، وغرف، وأناقة، وإطلالة، وشرفات، البيت ثمنه خمسة أو ستة ملايين أو عشرة ملايين دولار، ماذا يقابله ؟ أسوأ مكان يوجد فيه إنسان غرفة السجن المنفردة، هذا أسوأ مكان، فإذا كان الله معك فأنت في المنفردة أسعد الخلق، وإذا لم يكن الله معك فأنت في أغلى بيت أشقى الخلق، هذه السكينة التي إذا توافرت سعدتَ بها، ولو فقدتَ كل شيء، وهذه السكينة لو حُجبت عنك، وملكت الدنيا بأكملها فأنت أشقى الخلق.
هذه حقائق الإيمان، ولكنك تحتاج إلى جهد كي تصل إليها، أن تدركها شيء، وأن تصل إليها شيء آخر.
قال: << لذته في الإقبال على الله، وعكوف همته عليه، ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله >>.

العارفون بحقائق لذة معرفة الله

 لا أنتظر من إنسان بعيد عن الدين أن يفهم هذه الحقائق، ولكن أنتظر من إنسان له مجلس علم، ذاق طعم القرب، ذاق طعم الحب، ذاق طعم الإقبال على الله، ذاق طعم خدمة عباده، ذاق طعم دعوة الناس إليه، مثل هذا الإنسان يعرف معنى هذا الكلام، << لذته في الإقبال على الله، ولذته في عكوف همته عليه، ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله، حتى تنتهي على من لذته هذه أول صنف، حتى تنتهي على من لذته في أخس الأشياء من القاذورات >>.
 الآن هناك زنا محارم، هذا الزنا شاع في العالم كله، مع أخته، مع أمه، في أخس الأشياء من القاذورات، والفواحش، في كل شيء من الكلام، والفعال، والأشغال، هذا الذي لذته في أخس الأشياء وأقذرها لو عرض عليه ما يتلذذ به الأول من معرفة الله، والإقبال عليه، والدعوة إليه والعمل الصالح، وخدمة عباده لم يعبأ به، ولم يلتفت إليه، بل ربما اتهم من اشتغل به بأنه محدود الأفق، هنا المشكلة، قالوا: من ذاق عرف.
 أنا لا أنسى مرة أني التقيت بمندوب شركة من هولندا، فخطر في بالي أن أتحدث إليه عن الله عز وجل، بدأت الحديث، بعد قليل قال بالحرف الواحد: هذا الكلام لا يعنيني، ولا أهتم به، ولا ألتفت إليه، ولا أعبأ به، أنا يعنيني في الحياة أشياء ثلاثة، قلت له: ما هي ؟ قال: امرأة جميلة،  ومنزل واسع، ومركبة فارهة، وما سوى ذلك خارج اهتمامي، قال تعالى:

﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾

[ سورة الأنفال: الآية 23]

 إذاً هناك إنسان لذته سعادته، وسروره راحته، وطموحه في معرفة الله عز وجل، ومعرفة كتابه وسنة نبيه e، وخدمة خلقه، والإقبال عليه، هذه أعلى مرتبة، وهناك إنسان آخر لذته في أخس الأشياء، وأقذر الحالات، وأبشع الشهوات.

 

السرور بالمباحات لا يتناقض مع السعادة الأخروية

 

 قال ابن القيم رحمه الله تعالى: << وأكمل الناس لذة من جمع له بين لذة القلب والروح ولذة البدن >>.
من أين نأتي بهذا المعنى ؟ قال تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾

[ سورة الأعراف: الآية 32]

 فالإنسان المؤمن الصادق المستقيم يطلب العلم في خدمة الخلق، في خدمة الله ورسوله، كان جائعاً فأكل طعاماً حلالاً طيباً، هل يمنع أن يكون مسروراً بهذا الطعام ؟ لا، لا يمنع، أمضى كل شبابه في عفة ما بعدها عفة، وفي غض بصر ما بعده غض، ثم تزوج، واستمتع بما أحل الله له، أحل الله له زوجته، هل مِن خطأ ؟ أبداً، الشهوات التي أودعها الله في الإنسان جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، فلما يفعل المؤمن الأشياء التي أباحها الله له وفق منهجه تماماً المؤمن ويستمتع بها فلا شيء عليه المؤمن ولا تتناقض لذته من المباحات مع سعادته بالله عز وجل،  ويمكن لإنسان بعد الزواج أن يلتقي بزوجته المؤمن ويقوم الليل، وفي أثناء الصلاة يبكي بكاءً شديداً من شدة محبته لله، ولا يتناقض لقاؤه الزوجي مع قيامه في الليل، لأنه وفق منهج الله، والدليل: قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾

 

[ سورة القصص: الآية 50]

 أنا أتمنى على كل الإخوة الكرام أن يكونوا واقعيّين، هذا الإسلام دين الفطرة، دين الواقع، لا يحرم الزواج، لا يحرم العمل، لا يحرم أن تشتري بيتاً، لا يحرم أن تتزوج امرأة صالحة، لا يحرم أن تنجب ولداً صالحاً يملأ البيت سعادة، هذا كله وفق منهج الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾

 

[ سورة القصص: الآية 50]

 الضلال أن تتبع الهوى بغير منهج الله، أن تزني، أن تأكل المال الحرام، أن تعلو في الأرض عن طريق البطش والقوة، لا عن طريق العمل الصالح والإحسان.
<< وأكمل الناس لذة من جمع له بين لذة القلب والروح ولذة البدن، فهو الآن ـ دققوا ـ يتناول لذاته المباحة على وجه لا ينقص حظه من الدار الآخرة >>.

 

ليس في الإسلام حرمان

 

 إذا أكل الإنسان طعاماً طيباً، وكان جائعاً، فلما دخل وقت العشاء صلى، فأقبل على الله في الصلاة، فلذته في الطعام لا تتناقض مع سعادته في الصلاة، لأنها وفق منهج الله، إذاً الإسلام ليس فيه حرمان.
أيها الإخوة الكرام، دائماً أعداء الدين يوهمون الناس أن الإسلام قيود وحدود، كل شيء ممنوع، فيه كبت، لا، هذا كلام الضلال، هذا كلام الجهال، الإسلام الذي تظنه قيوداً هو ضمانات لسلامتك.
 أوضح مثلٍ: لماذا صنعت المركبة ؟ من أجل أن تسير، فعلة صنعها السير، أليس فيها مكابح ؟ المكابح ضرورية جداً من أجل سلامتك، فكما أن الله عز وجل خلقنا للسعادة أحياناً تأتي المحرمات ضماناً لهذه السعادة، واستمراراً لها، لذلك أنا دائماً كنت أقول: إذا كنت في فلاة تتنزه، فإذا بلوحة كتب عليها: " ممنوع التجاوز، حقل الغام "، هل تحقد على واضع اللوحة ؟ أبداً، بل يمتلئ قلبك امتناناً له، هل ترى هذه اللوحة قيداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك ؟ هي في الحقيقة ضمان لسلامتك.

الإسلام هو الحياة

 إذاً: << يتناول لذاته المباحة على وجه لا ينقص حظه من الدار الآخرة، ولا يقطع عليه لذة المعرفة والمحبة والأنس بربه >>.
 بكلمة مختصرة: الإسلام هو الحياة، أنت مسلم إذاً أنت حي، أنت متوازن يجب أن يشار إليك بالبنان، تحمل شهادة عليا، تتقن عملاً، لك بيت بيته منضبط، لك زوجة، لك منهج في البيت، لك مبادئ، لك قيم، لك مباحات، وهناك محرمات، وفرائض، لك هدف كبير، قال تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

[ سورة الأعراف: الآية 32]

 لكنها في الآخرة خالصة لهم، خالصة يوم القيامة لهم.

 

اللذة المانعة من لذة الآخرة أبخس اللذات

 

 قال: << وأبخسهم حظاً مِن اللذة مَن تناولها على وجه ـ الآن دققوا جيداً ـ يحول بينه وبين لذات الآخرة >>.
أقام علاقة غير شرعية مع امرأة، هذه العلاقة حجبته عن الله، حجبته عن أن يصلي، شعر أنه مذنب، يرتكب كبيرة، يقترف فاحشة، لعنه الله، طرده الله عز وجل.
 قال: << أبخس الناس حظاً من اللذة من تناولها على وجه يحول بينه وبين لذات الآخرة فيكون ممن يقال لهم يوم القيامة:

﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾

[ سورة الأحقاف: الآية 20]

 هذا كلام أيها الإخوة الكرام دقيق وخطير، أنت بحاجة إلى لذة، أما إن حرصت أن تكون وفق منهج الله فلا شيء عليك، وإذا حرصت أن تكون اللذة وفق منهج الله أعانتك على القرب من الله، فصار قلبك فارغاً غير مشغول.

 

الفرق بين تمتعِ المؤمن باللذة وتمتعِ غيره

 

 قال: << هؤلاء تمتعوا بالطيبات، وأولئك تمتعوا بالطيبات >>.
أنت تأتي إلى المسجد فتجلس على الأرض، وتستمع إلى كلام يقربك إلى الله، وإنسان الآن ذهب إلى نادٍ ليلي، وجلس على كرسي، وشاهد راقصة، وأكل طعاماً مع الخمر، وسمع مغنياً، فالأول يبحث عن لذته المقدسة الراقية، والثاني يبحث عن لذته الحسية الدنيئة.
قال: << هؤلاء تمتعوا بالطيبات، وأولئك تمتعوا بالطيبات، وافترقوا في وجه التمتع، أولئك تمتعوا بها على وجه أذن الله لهم فيه >>.
الفريق الأول تمتع باللذات على وجه أذن الله لهم فيه،

﴿ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾

[ سورة الأعراف: الآية 32]

 تزوجت، وأكلت، وسكنت في بيت، وذهبت إلى نزهة مع أولادك، هذا كله مباح ومسموح.
<< فجمع له بين لذة الدنيا والآخرة، وهؤلاء تمتعوا بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى والشهوة، وسواء أذن لهم فيه أم لا، انقطعت عنهم لذة الدنيا وفاتهم لذة الآخرة >>.
 أنت في مجموعة نِعم، هذه النعم التي أنت فيها إما أن تفارقها بالموت، أو أن تفارقك وأنت حي، فهناك إنسان يفقد بصره وهو حي، يفقد سمعه أحياناً، فإما أن تفارقك، وإما أن تفارقها، لكن إذا فارقتك ولك الجنة انتقلتَ كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، فحينما يموت المؤمن ينتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.

 

السائل الأمنيوسي وعلاقته بالجنين

 

 مرة في رمضان الماضي كنت في دعوة إلى طعام الإفطار، جلس إلى جانبي رائد فضاء سوري، كان أحد رواد الفضاء في بلد بيننا وبينهم صداقة، فقلت له: الإنسان كان في رحم أمه بحجم لا يزيد على سبعمئة وخمسين سنتمترًا مكعبًا، فلما خرج إلى الدنيا هو مرتاح، لأن في الرحم سائل اسمه السائل الأمنيوسي، والله ذكر أن هذا الجنين في ظلمات ثلاث، وثبت أن ثمة أغشية ثلاثة، غشاء أول، غشاء ثان، غشاء ثالث، أقرب الأغشية إلى الجنين هو الغشاء الأمنيوسي، وهو غشاء مغلق، وبين الغشاء والجنين لتر أو لتر ونصف سائل أمنيوسي، هذا السائل يقوم بوظائف  سبعة، لولا هذا السائل لما كان هذا الدرس، ولما كان إنسان على وجه الأرض:
هذا السائل يغذي الجنين أولاً، وهذا السائل يقي الصدمات، فلما تنطلق الأم الحامل مسرعة في البيت، ولا تنتبه فتصطدم بطرف الطاولة، هذا السائل يمتص هذه الصدمة التي هي خمسة سنتمترات، ويوزعها على كل الجنين نصف مليمتر، فلا يتأثر، هذا النظام طبق في المركبة الفضائية، ومطبق في الدماغ، باعتبار الدماغ أخطر عضو في الإنسان، فبينه وبين الجمجمة سائل، وأحيانا الطفل يقع على الأرض فتسمع رنين صوت جمجمته على الأرض، ولا يتأثر، لأن السائل يمتص هذه الصدمة، ويوزعها على كل مساحة الدماغ، فلا يتأثر، فهذا السائل الأمنيوسي فضلاً على أنه يغذي يمتص الصدمات.
ثالثا: يسهل حركة الجنين في الرحم، فكل شيء مع السائل حركته سهلة، إذا كانت القطعة المعدنية متحركة يوضع لها زيت فتصبح الحركة انسيابية، وبلا صوت، الوظيفة الثالثة تسهل حركة الجنين.
 الوظيفة الرابعة: هذا السائل تكييف مع تدفئة، حرارة ثابتة، إنْ ماتت الأم مِن بردها فليس له علاقة الجنين، أو جاءت موجة حر بخمس وأربعين درجة فليس له علاقة، عنده سائل حرارته ثابتة صيفاً شتاءً.
أولاً: يمتص الصدمات، يغذي الجنين، يسهل حركته، تكييف مع تدفئة.
هذا السائل يسهل الولادة، طبعاً المكان ضيق جداً، فحينما يكون مع الجنين هذا السائل يعين الجنين على الانزلاق، فيخرج من رحم أمه.
وأخطر وظيفة أنه يعقم المجرى، فلا يصاب الجنين الذي ولد حديثاً بالتسمم أو بأشياء يمكن أن تؤدي إلى وفاته من المضاعفات، هذا فعْلُ الله عز وجل.
 هذا الجنين انتقل من سبعمئة وخمسين سنتمترًا مكعبًا وهو جالس مرتاح، كل شيء مؤمّن له، حتى لو نقصه البوتاسيوم مثلاً، هذا النقص عنده يترجم عند أمه بشهوة تشتهي طعاماً معيناً فيه بوتاسيوم، حاجة الجنين تترجم إلى شهوة طارئة عند الأم الحامل، وهذا شيء لا يكاد يصدق، هذا الجنين لو فرضنا أن عنده إدراكًا لبلغوه أنه يجب أن تغادر، لو كان على وعي كبير لتألم ألماً لا حدود له، وعند الخروج من الرحم أكبر مصيبة، لكن بعد أن يكبر صار له بيت بمئتي متر، وصالونات، وغرف نوم، وغرف ضيوف، وذهب بسيارته إلى مكان جميل، وسافر إلى مكان بعيد، وقلت لرائد فضاء: وصعد إلى القمر، أو برحلة فضائية، كم هي المسافة بين سبعمئة وخمسين سنتمترًا مكعبًا وبين رحلة فضائية إلى القمر في مئة وستين ألف كيلو متر، فكذلك يخرج المؤمن من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة كما يخرج الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، لذلك قال  تعالى:

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾

[ سورة يس: الآية 26]

 فلا لذة الدنيا دامت إلى هؤلاء الذين بعدوا عن الله، ولا لذة الآخرة حصلت لهم لذلك الملخص من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور