وضع داكن
25-04-2024
Logo
رمضان 1426 - الفوائد - الدرس : 28 - حلاوة التوكل على الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

نقص الإيمان يؤدي لعدم التوكل

 أيها الإخوة الكرام، مع فائدة جديدة من فوائد ابن القيم رحمه الله تعالى، وعنوان هذه الفائدة حلاوة التوكل على الله، وما أشد حاجة المسلمين في هذه الأيام العصيبة إلى أن يعرفوا ربهم، إلى أن يعرفوا أن الأمر كله بيد الله، إلى أن يعرفوا أن يد الله فوق أيديهم، وأنه لا يقع شيء في ملك الله إلا إذا سمح الله به، لكن المشكلة أن النقص في معرفة الله يبعد عن التوكل عليه، والإنسان من ضعف إيمانه يرى من في الأرض، فإذا قوي إيمانه يرى من في السماء، ولا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، لكن المشكلة أن الإنسان يريد الدنيا، يريدها آمنة مطمئنة رغيدة، يريد المال، يريد الاستقرار، يريد راحة البال، ويغفل عن الآخرة، فتأتي هذه المنغصات، وتلك المقلقات كي ترشده إلى الهدف الذي خلق من أجله، قال تعالى.

 

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾

 

[ سورة القصص ]

 ما معنى ذلك ؟ الله عز وجل بنص القرآن الكريم جعل هذه الشدائد رسائل، نحن نؤلّف الرسالة، وهي ورقة فيها كلام، لكن الحقيقة أن الرسالة أحياناً تكون عملاً، أحياناً دولة على وشك الحرب تجري عرضاً عسكرياً، هذا العرض رسالة تظهر أسلحتها، أحياناً يكون ثمة اتفاق بين دولتين، وهناك تهديد من دولة ثالثة، فيجريان مناورات عسكرية مشتركة، هذه رسالة الأذكياء، رسائلهم أفعال، وليست أقوالا، قال تعالى.

 

﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾

 

[ سورة طه ]

 آيتان.
 الأولى.

﴿ أَنْ نَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ ﴾

 والثانية.

﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ وَنَخْزَى ﴾

معنى التوكل


 أيها الإخوة الكرام، بقدر طاعتك لله تتوكل عليه، وبقدر تقصيرك في أداء واجباتك الدينية أو الاجتماعية تجد صعوبة في التوكل عليه، لكن يجب أن تعلم علم اليقين أن.

 

(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ))

 

[أحمد عن أبي الدرداء]

 يقول ابن القيم.
 " من ترك الاختيار والتدبير في رجاء زيادة أو خوف نقصان، أو طلب صحة أو فرارًا من سقم، وعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحته من العبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه، وأرحم به منه بنفسه، وأبر به منه بنفسه، وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة، ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يديه، ولا متأخر، فألقى نفسه بين يدي الله عز وجل، وسلم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك بين يدي ملك عزيز قاهر، له التصرف في عبده بكل ما شاء ".
الوصف سهل، أما أن تعيش هذه الحقيقة فهذا يحتاج إلى إيمان كبير.

 

الأمر كله بيد الله

 الحقيقة أنك ترى أشخاصاً أقوياء، أشخاصاً مخيفين، ترى قوى باغية طاغية مجرمة لا تخشى أحداً، وليس في قلبها رحمة، هذا الذي تراه بعينيك، ولكن سأقول لكم هذه الآية، وهي محيِّرة، يقول الله عز وجل.

 

 

﴿ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾

 

[ سورة الشورى ]

 بيد من كانت ؟ هذا المنصب صار إلى فلان، كان بيد إنسان آخر، قال تعالى.

 

﴿ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾

 

[ سورة الشورى ]

 من أدق الآيات، وقد حار فيها المفسرون طبعاً هذا يوم القيامة، يوم القيامة تصير الأمور إلى الله، وفي الدنيا بيد من كانت ؟ بيد هؤلاء الطغاة ؟ قال علماء التوحيد. الأمر دائماً وأبداً بيد الله، ولكن برؤية ضعاف الإيمان هي بيد هؤلاء الطغاة، لكن برؤية المؤمنين الصادقين وهم في الدنيا بيد الله، لكن يوم القيامة كل أهل الأرض يرون يقيناً أن الأمور كانت، وصارت، وستبقى بيد الله، هذا اختلاف رؤية.
واللهِ أيها الإخوة الكرام، في هذه الأيام الصعبة بين مؤمن يرى أن الأمر بيد الله، وأن الله عز وجل حكيم رحيم عادل.

 

دع التدبيــر في الأمر له واصنع  المعروف مع من صنعك
كيف ما شاء فــكن في يده  لك إن قرب أو إن أبــــعدك
في الورى إن شاء قهراً دقته  و إذا شاء عليهم رفعـــــك
***

 

التوحيد سبب التوكل

 هذه ملة طه، لكن التوحيد شيء ثمين جداً، هو سبب التوكل، لأنه ما يتناسب مع عقيدة المسلم أن يسلم الأمر لعباده، وقضية الحياة والرزق قطعت عن العباد، وهي بيد رب العباد، لذلك قالوا كلمة. الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً.
 ذكر بعضهم قصة رمزية طبعاً، جاءت امرأة إلى سيدنا نوح قبل الطوفان وقالت له. يا نوح، لا تنسني أن أكون أحد ركاب السفينة، هكذا تروي القصة الرمزية، سيدنا نوح، وهو في السفينة، وفي موج كالجبال تذكّر المرأة، لقد نسيها، طبعاً أيقن أنها ماتت، بعد انتهاء الطوفان، وبعد استقرار السفينة على الجودي جاءته هذه المرأة، فقالت. يا نوح، متى الطوفان ؟ مستحيل وألف ألف مستحيل أن ينساك الله، هو خبير بعملك.
 أيها الإخوة الكرام، آية والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في القرآن كله إلا هذه الآية لكفت:

 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

 

[ سورة الجاثية. 21]

 هل يمكن لشاب مؤمن طائع مستقيم مؤدٍّ لعباداته بارٍّ بوالديه، يقدم كل ما عنده لخدمة من حوله، يرجو الله ليلاً ونهاراً، يؤدي الصلوات، يغض بصره، هل يمكن أن يعامل هذا كما يعامل شاب متفلت لا يستحي، وقح، يأخذ ما ليس له، يعتدي على غيره، ينتهك أعراض الآخرين ؟ وأن يستوي هذا مع هذا ؟ هذا ينفي وجود الإله، أستخدم عبارة لعلها قاسية، أن يستوي المحسن مع المسيء، والصادق مع الكاذب، والمستقيم مع المنحرف، والمخلص مع غير المخلص، الوفي مع الخائن، المنصف مع الجاحد، أن يستوي هذا مع هذا ؟ هيئوا أنفسكم مع الجواب، هذا لا يتنافى مع عدل الله فحسب، بل يتنافى مع وجوده.
 والله مرة أخ طبيب توفي قبل أشهر ـ رحمه الله ـ قبل تقريباً عشر سنوات لزم هذا المسجد، وكان متفاعلا مع الخطب، وكان عقب كل خطبة يجلس معي في المكتب فترة، قال لي مرة. جاءته امرأة معها ورم متطور في صدرها، بلغ درجة كبيرة جداً، والموت محقق، فهو غار عليها، فأخذ زوجها جانباً، وقال له. أنت في حقها مجرم، قال. ولمَ ؟ قال. هذا الورم في البدايات معالجته سهلة جداً، يمكن باستئصال كيميائي أو بالأشعة، أما الآن فقد انتهى الأمر، فالزوج قال. أنا ما قصرت أبداً، نحن عند الطبيب فلان، ولنا عنده سنتان، وهو يعطينا المضادات الحيوية، وكورتيزون، هكذا قال له، فقال لي هذا الطبيب الكبير. طالب الطب يعرف أنه ورم خبيث، لكن إبقاء هذه المريضة عنده من أجل ابتزاز المال فأعطاها مسكنات، ومضاد التهاب، والكورتيزون، فلما علم الزوج أن هذا الطبيب من أجل ابتزاز المال أبقاها عنده، ولم يرشدها إلى طبيب اختصاصي، فقال لي وهو عملاق وقع على الأرض، وصار يضطرب، ثم قال هذه الكلمة، قال. يا رب، إذا كنت موجوداً فانتقم منه، ما ربط انتقام الله بعدله، بل بوجوده، قال لي والله كلمة كبيرة، قالها ثم انصرف، وبعد ستة أيام توفاها الله، قال لي. بعد أحد عشر شهراً جاءني إنسان شاب أنيق، لكن متهالك، جلس على المقعد الذي جلس عليه زوج هذه المتوفاة المريضة، قال له. تفضل، قال. أنا زميلك، الاسم الكريم، قال فلان، نفس الطبيب، ورم خبيث في صدره، قال. أقسم بالله بحسب اختصاصي أن هذا الورم بدأ من أحد عشر شهراً من وقت هذا الزوج انبطح على الأرض، وقال. يا رب، إذا كنت موجوداً فانتقم منه، الله كبير.

 

الإستقامة تؤدي إلى التوكل

 فيا أيها الإخوة الكرام، إذا استقام الإنسان يتوكل على الله، فإذا كان منحرفاً أو كان مقصراً، أو كان غارقاً في بعض المخالفات، أو له دخل مشبوه، أو مقصر في بر والديه، أو مقصر في تربية أولاده يجد صعوبة بالغة في التوكل على الله، لا يليق بكمال الله أن يسلمك لغيره، ويتحكم بك غيره، هذا لا يليق، ولكن يليق برحمته إذا فيك تقصير أن يخيفك من غيره، قال تعالى.

 

 

﴿ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾

 

[ سورة الأنعام. 80]

 ضربت البارحة مثلاً لإنسان فطرب له، قلت له. إنسان قوي يهدد، نصدق، ويصعد الدولار، وخالق الأكوان إذا طمأن لا نصدقه، إذا كنت مؤمنًا مستقيمًا فيجب أن تطمئن، قال تعالى.

 

﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾

 

[ سورة سبأ. 17]

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾

[ سورة الزلزلة ]

 أنا أتمنى على المؤمن المستقيم ألاّ تضعف معنوياته، قال تعالى.

 

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك، وقال لك.

 

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

 

[ سورة هود. 123]

 أيها الإخوة الكرام، نحن بحاجة إلى رفع معنويات، نحن بحاجة لا إلى جلد الذات كما يفعل معظم المثقفين، أينما جلست تسمع جلدًا للذات، تنتهي الجلسة، لا تستطيع أن تقف، والله لا تستطيع أن تقف، لا أمل، الطرق كلها مغلقة، لك عدو قوي جبار، لا يرحم، وأحقاد دفينة، ويتمنى الدمار الكامل والإبادة، يتمنى ومعه أسلحة فتاكة، والعالم كله معه، والناس مع القوي فقط، أنا لا أدخل في موضوعات لا تعنيني إطلاقاً، لكن أن أقول لمؤمن، أنا أخاطب مؤمناً ملتزماً، مؤمناً دخله حلال، مؤمناً بيته منضبط، مؤمناً يحب الله، هذا ليس من سقط المتاع، هذا غالٍ على الله، بالتعبير الدارج، قال تعالى.

 

﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾

 

[ سورة الطور. 48]

 أنا أتمنى على الواحد أن تبقى معنوياته عالية، كيف أن النبي الكريم صلى الله عليه و سلم تبعه سراقة، وقد أهدر دمه، قال. كيف بك يا سراقة إذا لبستَ سواري كسرى ؟ بربكم سامحوني بهذا المثل الذي لا يحتمل، هل يمكن لقبيلة في اليمن أن تنتصر على البيت الأبيض ؟ مثلاً، هكذا كان العرب، قبائل متناحرة، قال. كيف بك يا سراقة إذا لبستَ سواري كسرى ؟ يعني أنا سأصل، و سأسس دولة، وسأحارب أكبر دولتين، وسأنتصر، وسوف تأتي الغنائم، ولك يا سراقة سواري كسرى، هذا هو الإيمان، قال تعالى.

 

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 هل من المعقول لمؤمن ملتزم في أصعب زمن، زمن الفجور والمعاصي والآثام، والتفلت الأخلاقي، والإباحية الجنسية، وكل شيء يدعو إلى المعصية، وأنت من بيتك إلى جامعك، ضابط لأمورك، تخشى الله، تؤدي عباداتك، هل من المعقول ألاّ يكون لك ميزة عند الله، مثلك مثل غيرك ؟ قال تعالى.

 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

 

[ سورة الجاثية. 21]

 في الآخرة لا في الدنيا، قال تعالى.

﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[ سورة الجاثية. 21]

الإستقامة تؤدي إلى التوكل

 إذاً أيها الإخوة الكرام، التوكل على الله من لوازم الإيمان، إن الله يحب المتوكلين، ولا يليق أن يكون الجندي بجيش قائده أبوه، وهو غال عليه أبوه، ويأتي عريف بسبعة نجوم يهدده فينهار !!! الذي بيد أكبر الضباط بالجيش بيد والدك، وأنت ابنه، وهذا العريف جاهل، فما كل إنسان يهدد نصدقه، أنا أخاطب مؤمناً ملتزماً، البقية ليس لي علاقة بهم، المؤمن الملتزم مؤمن يحب الله، مؤمن يخشى الله، يرجو محبته، يخشى عذابه، يرجو جنته، يتجنب ناره، مؤمن له مجلس علم، ما عنده سهرة بملهى، ولا عنده سهرة مختلطة، ولا عنده دخل من مال حرام، دخله حلال، يعلم الطلاب، أحياناً يتاجر بمادة مسموح بها شرعية، أنا أحب الإنسان الذي يعرف قيمته، يعرف مكانته عند الله عز وجل، والأمور ليست هكذا، مادام أن الله تعالى قال.

 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾

 

[ سورة الزلزلة ]

 الله عز وجل ذكر عن سيدنا موسى أنه وُضع في صندوق في نهر النيل، فحركة الصندوق بيد الله عز وجل، أعطاك أدق التفاصيل، أدق أَدق التفاصيل عن حركة الصندوق، واتجاهه نحو القصر، وأن غصناً كان في طريقه، فتوقف، وألهم امرأة العزيز، ونزلت إلى الشاطئ، ورأت الصندوق، وفتحته، ورأت فيه غلاماً صغيراً، وألقى الله محبته في قلبها، وحرم عليه المراضع، إنها تفاصيل دقيقة جداً، بعضها مادي، وبعضها نفسي، هذا مثَلٌ في أن الأمر كله بيده، التفاصيل بيده، الغربيون الذين ما عرفوا الله يعتقدون أن الله خلاق فقط، لكن ليس فعالاً، وخلق قويًّا وضعيفًا، وسمح للقوي أن يأكل الضعيف، هذا إله يعبد ؟! قال تعالى.

 

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

 

[ سورة هود. 123]

 والله لو أن هذه الآية أتلوها في اليوم ألف مرة لا أرتوي منها، قال تعالى.

 

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

 

[ سورة هود. 123]

﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾

[ سورة الأنفال. 17]

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

[ سورة الفتح. 10]

 الله عز وجل ينقذ المؤمنين، قال تعالى.

 

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

 

[ سورة الأنبياء ]

 قصة يونس لمن ؟ هل ثمة أصعب وضع من سيدنا يونس في بطن حوت ؟ الله جعلها قانونًا.

 

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

قصة سيدنا موسى مع أصحابه، قال تعالى.

 

 

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 الله عز وجل ساق لنا قصصًا احتمال النجاة فيها صفر، تصور فرعون بقوته، وعدده، وعدته، وجبروته، وكبريائه، واستعلائه، واستكباره، وأسلحته، وهو وراء شرذمة قليلة، فيهم سيدنا موسى، وصلوا إلى البحر، كم في نظرك من احتمال النجاة ؟ البحر من أمامكم، وفرعون وراءكم، قال تعالى.

 

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾

 

[ سورة الشعراء ]

 والله في هذا المسجد لي قريب طبيب عضو في لجنة حوض دمشق، فمرة زارني بعد الخطبة، وصف لي وضع حوض دمشق، أقسم بالله بعد أن انتهى من حديثه ما كان عندي إمكان أن أقف، انخفاض مستوى الحوض إلى العشر، والشام مقدمة على جفاف مميت، كلام علمي، خبراء، وبيانات، وإحصاءات، في العام التالي أذكر تماماً هذا الكلام بشهر تشرين، نزلت أمطار بدمشق ثلاثمئة وخمسين ميليمترًا، هذه مرة واحدة، هذه نزلت في ينابيع جافة منذ ثلاثين سنة، فتفجرت مياه منين، ووصلت إلى الشام في عين الصاحب، فتفجر بالغوطة ثلاثون نهراً صغيراً، وبعد الجفاف التام تفجر ثلاثمئة وخمسون ميليمتر، إذا أعطى الله أدهش، ونحن نحتاج إلى توحيد وتوكل، التوحيد يصنع التوكل، وكلما ازددت توحيداً ازددت إيماناً، فالمطلوب هو التوحيد، أما مادمت في متاهة ( هدَّدوا، وهناك حصار، وارتفاع الأسعار خمسة أضعاف، والدخل ثابت، ويقف التصدير، ويقف الاستيراد )، هذا كله كلام يثبط العزائم، الله عز وجل بيده كل شيء.
تحدى ملك شيخ النجارين، طالبه بشيء مستحيل، طالبه بمئة كيس نشارة، أو يعدمه، بلغه مساء، وفهِم موضوع القتل، فهيأ وصية، وودع أولاده، وودع زوجته، لأن يقينه بالموت بالمئة مليون، وطرقوا الباب فجرًا، فقالوا. مات الملك، تعال واصنع تابوتاً له.
من كان يصدق هذه الكتلة الجبارة العملاقة الكتلة الشرقية التي عندها أسلحة كافية لتدمير خمس قارات خمس مرات من كان يصدق أن تتداعى من الداخل، لا حرب، ولا قصف، ولا عدوان ؟ تداعت من الداخل، قال تعالى.

 

﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾

 

[ سورة الحشر. الآية 2]

 إذاً التوحيد يفضي بك إلى التوكل، قال تعالى.

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾

 

[ سورة آل عمران. الآية 159]

 سأعيد هذه الفقرات.
 " من ترك الاختيار والتدبير في رجاء زيادة أو خوف نقصان، أو طلب صحة أو فرارًا من سقم، وعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير، وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحته من العبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه، وأرحم به منه بنفسه، وأبر به منه بنفسه، وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة، ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يديه، ولا متأخر، فألقى نفسه بين يدي الله عز وجل، وسلم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك بين يدي ملك عزيز قاهر، له التصرف في عبده بكل ما شاء ".

 

كيف نفسر الأمور

 أنا كنت أقول لكم. الآن المشكلة ليست في تصديق الخبر أو تكذيبه، لأن الأرض أصبحت سطح مكتب كلها، كانت قرية فأصبحت بيتًا، فأصبحت غرفة، الآن هي سطح مكتب، فالذي يجري في العالم بعد دقيقة تراه رأي العين، وما مِن شيء مكتوب، كله واضح، لكن المشكلة الآن كيف تفسر ما يجري فقط ؟ هناك تفسير عُلْوِيٍّ إلهي إيماني توحيدي، وهناك تفسير أرضي شركي، التفسير الأرضي يجعلك تبرك، يجعلك تنشل، لا أمل، والتفسير السماوي ينتهي بك إلى أن الكرة عندك،

 

﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾

 الملخص. التفسير الأرضي قهر،أما السماوي فتسليط، قال تعالى.

 

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ﴾

 

[ سورة النساء. الآية 90]

 التفسير السماوي تسليط، تسليط حكيم،تسليط موظف للخير،

﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾

 ، أنا أنتظركم يا عبادي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب.
واللهِ أعرف شخصاً بعيداً عن الدين بُعد الأرض عن السماء، غلط غلطة، ودخل السجن، ولاقى ما لاقى في السجن، هو في الخمسينات، لا يصلي أبداً، السجن انتهى به إلى الصلاة، وإلى الصيام، وإلى التوبة، وخرج بعد ذلك، فكرت في الموضوع فوجدت أن هذه المصيبة مثل الضيف، جاءت ورحلت، وتركت الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، فالله عز وجل هذه أفعاله، الآن يمكن أن يكون الأمر في هذا الذي جرى في العالم ضد المسلمين غير مناسب، فإما أن الله عز وجل يمد في أعمارنا جميعاً، فنرى نتائجه الإيجابية، أو أن جيلاً آخر يقطف ثماره هذا الذي جرى العالم ضد المسلمين لصالح المسلمين، لأن الآية واضحة.

 

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾

 

[ سورة القصص ]

نحن بحاجة إلى التوحيد

 نحن بحاجة إلى التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، وبكلمتين مختصرتين. نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، نهاية العلم ألاّ ترى مع الله أحداً، أما على الشبكية فهناك مليون إله، الآن هناك طغاة، وجبابرة، وأقوياء، لكن بالإيمان الصحيح ليس إلا الله، وهذه ( لا إله إلا الله ، كلمات الإسلام، مع تردادها من دون فهم لمعناها فرغت من مضمونها، ونهاية العمل التقوى طاعة الله.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور