وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 1034 - التعامل اليومي في البيع والشراء 1 - حث النبي الكريم على الكسب والعمل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وآل بيته الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.

توجيهات نبوية مهمة جداً فيما يتعلق بالبيع والشراء:

أيها الأخوة الكرام، النشاط الذي يلي نشاط المسلم في التعرف إلى الله عز وجل، وفي التعرف إلى منهجه، وفي حمل نفسه على طاعته، وفي التقرب إليه بالأعمال الصالحة، النشاط الذي يلي هذا النشاط: التعامل اليومي في البيع والشراء.
التعامل اليومي في البيع والشراء يعد نشاط يمارسه المسلمون كل يوم
إلى كل مسلم يعمل في التجارة، أو يشتري كمشترٍ، أو يبيع كبائع ولو لم يكن تاجراً، هناك توجيهات نبوية مهمة جداً فيما يتعلق بالبيع والشراء، ستكون هذه الخطبة إن شاء الله، وخطب أخرى تليها توجيهات نبوية مؤصلة فيما يتعلق بالنشاط التجاري، لأن كسب الإنسان إن كان حلالاً كان مستجاب الدعوة.
أيها الأخوة الكرام، فيما يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ))

[ رواه مسلم عن أبي هريرة ]

فالذي يغش أخاه المسلم ظلمه، الذي يأخذ من أخيه المسلم بغير حق فقد ظلمه.
شيء آخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))

[ متفق عليه عن أنس ]

إن لم تحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك وأنت تبيعه من حيث البضاعة، من حيث النوعية، من حيث السعر، إن لم تحب لأخيك المشتري ما تحب لنفسك، فالنبي يتوعد على هذه الحالة بنفي الإيمان عنه، هذا المؤيد الثاني.
المؤيد الثالث يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ (71)﴾

( سورة التوبة )

ومعنى بعضهم أولياء بعض أي قلوبهم متحدة في التوادد، والتحابب، والتعاطف، بسبب ما جمعهم من أمر الدين، وضمهم إلى أمر الإيمان بالله، إذاً انطلاقاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ))

[ رواه مسلم عن أبي هريرة ].

والحديث طويل ولا يسلمه ولا يخذله...

 

نشاط البيع والشراء ثاني أهم نشاط يقوم به المسلم بعد إيمانه واستقامته وعمله الصالح:

انطلاقاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))

[ متفق عليه عن أنس ]

و انطلاقاً من قول الله عز وجل:

 

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ (71)﴾

( سورة التوبة )

و انطلاقاً من أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع الدين كله بكلمة واحدة فقال:

(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ))

[ مسلم عن تميم الداري ]

أن تنصح أخاك المشتري أيضاً:

(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ))

[ مسلم عن تميم الداري ]

و انطلاقاً من أن النبي عليه الصلاة والسلام:

(( المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه ))

[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة]

انطلاقاً من كل هذه الأحاديث الشريفة والآيات الكريمة لا بد من أن نتحدث عن ثاني أهم نشاط يقوم به المسلم بعد إيمانه، وبعد استقامته، وبعد عمله الصالح، نشاط البيع والشراء.

 

أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا:

ما من مسلم على وجه الأرض إلا يشتري، و ما من مسلم على وجه الأرض إلا ويبيع قبل أن يكون تاجراً، وهناك من احترف حرفة التجارة فإلى هؤلاء، إلى المسلمين عامة، وإلى التجار خاصة، أسوق هذه الخطبة والتي تليها إن شاء الله تعالى:

(( أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا))

[ مسلم عن أبي هريرة]

مرة شرحت هذا الحديث شرحاً له مغزى، أن الإنسان يأتي إلى المسجد وزوجته في قسم النساء يستمعان إلى درس علم، ويأخذ كل من الزوجين توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام، فيطبقها الزوج فتحبه زوجته، وتطبقها زوجته فيحبها زوجها، إذاً هذا المكان خير بلاد الله إلى الله، أما إذا ذهبنا إلى السوق وكان ذا دخل محدود، وطلبت منه سلعة لا يملك ثمنها قد يتخاصمان، هذا معنىً، لكن الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ يقول: حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام: " وأبغض البلاد إلى الله الأسواق "، قال: لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله عز وجل، ويزيد الإمام النووي أيضاً قال: ومحل إطلاق النظرات في المحرمات، وإيذاء المسلمين في أعراضهم، لذلك الأسواق ما لم يتقِ البائع ربه، والمشتري أو المشترية ما لم تتقِ ربها فهي أبغض بلاد الله إلى الله.
الأسواق أبغض البلاد إلى الله عز وجل
يقول الصحابي الجليل سلمان الفارسي: "لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منه، فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته ".
أيها الأخوة الكرام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ ))

[ أحمد عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ]

(( قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ هَذِهِ الآيَةَ: "يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ " ـ سورة المائدة آية 105 ـ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَضَعُونَ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا، أَلا وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، وَالْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ " ))

[إسناده حسن رجاله ثقات عدا ابن أبي الدنيا القرشي وهو صدوق حسن الحديث عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ]

لا بد من النصيحة .

 

البشرى لمن استمع إلى الحق و طبقه:

أيها الأخوة الكرام، من أبرز فقرات هذا الموضوع أن المسلم إذا استمع إلى الحق وطبقه له البشرى عند الله:

﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِي(17)الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(18) ﴾

( سورة الزمر )

المسلم إذا استمع إلى الحق وطبقه له بشرى عند الله تعالى
شيء آخر ؛ أن الذي يستجيب لتوجيهات الله في قوله تعالى:

 

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا(66)وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا(67) ﴾

( سورة النساء )

بعض العلماء رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به أربعة أمور، أولاً: الخيرية

﴿ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾

أي لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها ، ثانياً: حصول التثبيت والثبات، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان الذي هو القيام بما وعظوا به، فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن والمصائب، فيحصل لهم الثبات على الدين عند الموت وفي القبر.
ثالثاً قوله تعالى:

 

﴿ وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا(67) ﴾

( سورة النساء )

أي في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبدن، ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الرابع: الهداية إلى صراط مستقيم.

 

سياسة الله عز وجل مع عباده:

لذلك أيها الأخوة الكرام سعادة المرء أن يستجيب لله إذا دعاه داعي الحق
من سعادة المرء أن يستجيب لله إذا دعاه داعي الحق، هذه الدعوة البيانية، وأنت صحيح معافى تستمع إلى خطبة، أو إلى درس، أو تقرا كتباً، أو تصغي إلى محاضرة فتستجيب:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية:24 )

فإن لم تستجب أخضع الله عز وجل هذا الذي لم يستجب إلى معالجة أصعب هو التأديب التربوي:

 

بتلاء الله تعالى لعباده امتحان لهم ليعودوا إلى الطريق الصحيح

 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

 

( سورة السجدة )

فإن لم يتب أخضعه لامتحان صعب قلّ من ينجو منه، الإكرام الاستدراجي:

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً (44) ﴾

(سورة الأنعام )

فإن لم يشكر جاء القصم، فبين الهداية البيانية، وبين التأديب التربوي، وبين الإكرام الاستدراجي وبين القصم.
أيها الأخوة الكرام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( خيركم من طال عمره وحسن عمله , وشرّكم من طال عمره وقبح عمله))

[ الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ]

حث النبي عليه الصلاة والسلام على الكسب والعمل:

الله عز وجل يقول:

﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (10) ﴾

(سورة الجمعة)

لقد حثنا رسول الله على الكسب والعمل
أي التجارة، وقال سبحانه وتعالى:

 

﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (20)﴾

(سورة المزمل)

وقد اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتجارة مع خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ وكانت امرأة تاجرة، ذات شرف ومال، فلما بلغها عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار، وقد قبل النبي عليه الصلاة والسلام، فخرج مع غلامها ميسرة، حتى نزل الشام، وربحت التجارة ربحاً عظيماً، وقد حثّ النبي عليه الصلاة والسلام على الكسب والعمل، وحذر من الكسل والبطالة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ))

[ البخاري عَنِ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

وكان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يعملون، وكان عمر رضي الله عنه يقول: " إني أرى الرجل ليس له عمل فيسقط من عيني ".

 

عادات المؤمن عبادات وعبادات المنافق سيئات:

أيها الأخوة، كملاحظة دقيقة جداً من كان عمله مشروعاً انقلب عمله إلى عبادة
العمل الذي تحترفه إن كان في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، لا غش، ولا احتيال، ولا ابتزاز، إن كان في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، وابتغيت منه كفاية نفسك، وأهلك، وخدمة الناس، ولم يشغلك عن فريضة، ولا عن واجب، ولا عن طلب علم، ولا عن عمل صالح، انقلب عملك إلى عبادة، فعادات المؤمن عبادات وعبادات المنافق سيئات، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُلَهُ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

 

 

النصائح النبوية لمن يعمل في التجارة:

 

 

1 ـ الإحسان في السهولة في البيع:

أيها الأخوة، البند الأول من النصح النبوي لمن يعمل في التجارة، البند الأول الإحسان في السهولة في البيع:
الإحسان في السهولة في البيع والشراء

(( غَفرَ الله لرجل كان قبلكم: سهلاً إذا باع، سَهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى ))

[البخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله ].

فلا يغبن أخاه المسلم، فلا يزيد عليه في الثمن زيادة فاحشة عما تستحقه تلك السلعة، كما أنه ينبغي على المشتري إذا اشترى من ضعيف أو فقير أن يحتمل أن يربح منه، هناك إنسان ميسور إذا اشترى من فقير أو ضعيف يساومه حتى يأخذ الحاجة برأسمالها، ويظن أنه ذكي ومتمرس في البيع والشراء، من السهولة أن تسمح من الفقير والضعيف أن يربح منك، هذه من السهولة، ومن السهولة ألا تأخذ من أخيك المسلم سعراً أغلى مما تستحقه البضاعة:

(( غَفرَ الله لرجل كان قبلكم: سهلاً إذا باع، سَهلاً إذا اشترى ))

[البخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله ]

2 ـ أن يقيل البائع من يستقيله:

ومن الإحسان في البيع والشراء أن يقيل البائع من يستقيله، إذا طلب المشتري إعادة السلعة ولم تمس بأذى، فعلى البائع أن يقبل ذلك اسمح يسمح لك
لأن المشتري لا يقبل ذلك إلا لأنه نادم متضرر، وينبغي ألا يرضى البائع لنفسه أن يكون سبباً في ضرر أخيه، وهو موعود بأجر عظيم، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:

((من أقال مسلماً أقال الله عثرته ))

[أبو داود وابن ماجة رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه ].

البضاعة لم يستعملها، لم يفتح علبتها، لم يزل غلافها، ندم على شرائها، هناك من يشتريها منها بخسارة، وهذا مال يؤخذ بغير حق، والإحسان في السهولة، والسماحة في استيفاء الثمن من المشتري، واستيفاء الديون، فيحسن مرة بالمسامحة، ومرة بالحط من بعض الثمن، ومرة بالإمهال والتأخير، قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( غَفرَ الله لرجل كان قبلكم: سهلاً إذا باع، سَهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى ))

[البخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله ]

فليغتنم المسلم دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالرحمة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "اسمح يسمح لك ".
أي سهل يسهل الله عليك.

3 ـ الشيء المحرم يحرم بيعه وإذا حرم بيعه حرم ثمنه:

الشيء الآخر، إن الشيء المحرم الذي لا يجوز لأحد أن يأخذه، أو أن يستفيد منه بأي وجه، سواء أكان مأكلاً، أم مشرباً، أم ملبساً، أم مركباً، أم غير ذلك من وجوه الانتفاع يحرم بيعه، الشيء المحرم يحرم بيعه وإذا حرم بيعه حرم ثمنه، أي دخل في دائرة الحرام، فلا يجوز بيعه ولا شراءه ولا إهداءه ولا غير ذلك.
دققوا فيما تبيعون، هناك من يبيع طاولات الزهر: "من لعب النرد فكأنما أدخل يديه في لحم خنزير ودمه".
دقق في مبيعاتك، في بضاعتك، هل هناك بضاعة محرمة ؟ البضاعة المحرمة لا يجوز اقتناءها ولا يجوز بيعها ولا يجوز أخذ ثمنها.

 

الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه:

أيها الأخوة، القاعدة إن الله إذا حرم شيئاً كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حرم ثمنه، لأنك إذا بعت هذا الشيء المحرم فإنك تدعو إلى المعصية، ولو لم تستفد، ولو لم تأخذ هذا المحرم.
والله قصة رويت لي ولا أنساها، أنني ألقيت فيما مضى كلمة في افتتاح جمعية مكافحة التدخين، وهذا الشريط راج في البلد كثيراً إلى أن وصل إلى بائع دخان له شريك، سمع الشريط ليلاً، رأى نفسه واقعاً في محرم، أو في شيء محرم بالدليل العام، الخمر محرمة بالدليل الخاص، والخنزير محرم بالدليل الخاص، لكن الدخان محرم بالدليل العام:

﴿ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ (157) ﴾

(سورة الأعراف )

ما حرمه الله لا يجوز التعامل معه في البيع والشراء
فأخذ قراراً بإلغاء بيع الدخان لكن معه شريك، الشريك رفض قال له: تعال نحسب أرباح المحل من الدخان، الأرباح كانت خمسة وعشرين ألفاً، قال له الشريك التائب: أنا أدفع لك نصفها واتفقوا، ولكنه اشترط عليه أما إذا بقيت الغلة كما هي ليس لك عندي شيء، وافق أيضاً، وامتنعا عن بيع الدخان، جاء الموزع الذي يوزع لمئتين وخمسين محلاً في دمشق، وقد دفع تأمينات لشركات الدخان خمسة ملايين، فلما قال كم تريدون من البضاعة ؟ قال: نريد أن تأخذ الذي عندنا، فوجئ، ما السبب ؟ قال له: اسمع هذا الشريط، والكلمة الطيبة صدقة، سمع الشرط فكبر عليه أن تكون تجارته محرمة، فقرر أن يتوب، واستعاد الخمسة ملايين، وجعل موضوع توزيعه المواد الغذائية بدل الدخان، والكلمة الطيبة صدقة.
لذلك دقق أيها الأخ هل في دكانك بضاعة محرمة ؟ هل في دكانك بضاعة نص الفقهاء عليها أنها محرمة، هل في دكانك بضاعة تدخل فيها عناصر محرمة ؟ إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، قال تعالى:

 

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

( سورة المائدة الآية: 2 )

والقاعدة الثانية، ما حرم أخذه حرم إعطاؤه، وما حرم استعماله حرم اتخاذه، وإن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.

 

اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل:

لذلك أيها الأخ المسلم إياك والحرام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( يُحْشَر الناسُ حفاة عراة غُرْلا '))

[متفق عليه عن عائشة أم المؤمنين ]

الدنيا دار عمل للآخرة فهي دار حساب
إنك لا تأخذ معك شيئاً إلى القبر، الملايين المملينة، والله إنسان على فراش الموت جمع من القمار ثمانمئة مليون، وهو في النزاع الأخير طلب عالماً، أنا لا أقر هذا العالم على ما قال، لكن هذا الذي وقع، قال له ماذا أفعل ؟ قال له والله لو دفعت المال كله لن تنجو من عذاب الله.
ماله حرام كله، أيها الأخوة:

 

(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

 

[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]

(( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا وَضَعَهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ))

[ سنن الدارمي عن معاذ بن جبل]

أيها الأخوة الكرام، اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل، ما دام القلب ينبض، ما دامت الرئة تتحرك، بإمكانك أن تتوب، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( من كانت له مظلمة لأحد من عرضه، أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل ألا يكون ديناراً ولا درهماً، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه، فحملت عليه ))

[ الترمذي عن أبي هريرة]

من عاش تقياً عاش قوياً:

أيها الأخوة الكرام، أكل الحرام شؤم على صاحبه، أي خطأ في الجسم يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، وأي خطأ في الجسم يكلف ملايين، والله التقيت مع إنسان ـ والد صديق لي ـ في العيد، قال لي: أنا عمري 96 سنة ، أجريت البارحة فحوصاً تامة، في الدم والبول، كلها طبيعية، ثم عقب وقال: والله ما عرفت الحرام في حياتي لا حرام النساء، ولا حرام الأموال.
من عاش تقياً عاش قوياً
ورجل كان في السادسة والتسعين منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، على كل خد وردة كما يقول بعض الناس، نشيط، يُسأل يا سيدي ما هذه الصحة ؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.

(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]

أيها الأخوة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ ))

[مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

والله حدثني أخ أن إنساناً إلى جوار جامع، عنده مكتبة يبيع الأقراص الإباحية كي تفسد الشباب، ويصلي في المسجد كل وقت بوقته، كيف يتوازن مع الله عز وجل:

(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]

إذاً:

(( يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ ))

قال الإمام النووي: من أين يستجاب لمن هذه صفته وكيف يستجاب له ؟

 

أكل الحرام بأي وجه موجب دخول النار:

أيها الأخوة الكرام، أكل الحرام بأي وجه موجب دخول النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل مال الحرام موجب دخول النار

(( لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ ))

[ الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ]

وفي رواية: " كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ".
وفي رواية: " لن يدخل الجنة لحم نبت من سحت ".

(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]

دقق في نوع البضاعة، دقق في طريقة التعامل، دقق في نوع البيع والشراء، هذا وعيد أيها الأخوة شديد يفيد أن أكل أموال الناس بالباطل من الكبائر، قال العلماء: يدخل في هذا الباب، الخائن، والسارق، وآكل الربا، وموكله، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، ومن استعار شيئاً فجحده، وأكل الرشوة، ومنقص الكيل والوزن، ومن باع شيئاً فيه عيب فغطاه، والمقامر.

 

الابتعاد عن الحرام الذي يقود الإنسان إلى النار:

أيها الأخوة الكرام: قال بعض العلماء: "إنما مثل الطعمة من الدين ـ أي موقع دخلك من الدين، موقع الطعام، أي موقع الطعام الذي اشتريته بثمن، إنَّما مَثَلُ الطُّعْمة من الدِّين مَثَلُ الأسَاسِ من البُنْيَان، فإذا ثَبَتَ الأساسُ وقوي استقامَ البنيان وارتفع، وإذا ضَعُفَ الأساسُ واعْوَجَّ انهارَ البنيان "، فقد قال الله عز وجل:

﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (109) ﴾

( سورة التوبة )

أفضل البنيان ما كان أساسه تقوى الله تعالى ورضوانه
أيها الأخ الكريم، لا يغرنك ما ترى من تهافت الناس على الأموال من حلال أو حرام، الإنسان في آخر الزمان لا يدري من أين كسب ماله، بل لعله يقصد سبل كسب المال المحرمة بالنص الصريح الصريح، وهذه غفلة ما بعدها غفلة، ولكن الله عز وجل والنبي عليه الصلاة والسلام توعد هؤلاء الذين يأكلون المال الحرام أنهم سينتهي بهم هذا الأكل إلى النار، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ ))

 

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

وهذا تحذير منه صلى الله عليه وسلم، ودليل على صدق نبوته، حيث أن الأمر الآن مشاهد وواقع، قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه صفوان وأصحابه:

(( شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهُوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقْ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالُوا أَوْصِنَا فَقَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ ))

[ البخاري عَنْ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ ]

(( إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ))

[ متفق عليه عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ]

من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر:

أيها الأخوة الكرام، الموضوع طويل إن شاء الله في خطب قادمة نتابع توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في البيع والشراء من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر
مرة ثانية أنت مسلم، مهندس تعمل في دائرة، لا بدّ من أن تبيع وأن تشتري، إن بعت مركبة، وأخفيت عيباً خطيراً فيها، ولم ينتبه المشتري، وظننت أنك ذكي، فهذه الخطبة تقول لك لم تكن ذكياً، ولم تكن عاقلاً.
والله أخ أعرفه قريب لي، عنده مركبة فيها خلل خطير في المحرك، قال لي بالحرف: بعتها ولم ينتبه الشاري إلى هذا الخلل بأعلى سعر، وانطلق إلى طرطوس واشترى سيارة حديثة، تبدأ من الصفر كما يقولون، والله في اليوم الثالث دخلت فيها مركبة سحقتها سحقاً، ظن نفسه ذكياً بإخفاء العيب، الله عز وجل يحاسب، يعلم ويحاسب ويعاقب، البطولة أن تنتبه، من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه أجمعين.

إن هذا العلم دين والدين مصيري إما إلى جنة يدوم نعيمها أو إلى نار لا ينفذ عذابها:

أيها الأخوة، سيدنا عمر يقول: "من دخل السوق من دون فقه أكل الربا شاء أو أبى ".
من بنى غناه على حساب الآخرين كان الله تعالى له بالمرصاد
حضور مجلس العلم لمعرفة أحكام الحلال والحرام ليس ترفاً، وليس نشاطاً تمارسه أو لا تمارسه على ذوقك أو على فراغك، إن هذا العلم دين، والدين مصيري إما إلى جنة يدوم نعيمها، أو إلى نار لا ينفذ عذابها، والله عز وجل يعاقب من يغش المسلمين، يعاقبهم في صحتهم، والله هناك معمل حلويات في بلد عربي يصدر يومياً طائرتين إلى بلاد نفطية، طائرتا شحن يومياً، أكبر محل حلويات في العالم العربي، دخل صاحب المعمل إلى معمله لم يعجبه عرك العجينة، وضع العجينة على الأرض وعركها بقدميه وحذائه، فقال هذا الصانع الموظف: يا سيدي بحذائك تعركها ؟! قال له: الناس يأكلون من تحت قدمي، الذي علمته بعد أشهر قطعت رجلاه، ويقيم الآن في لندن، قطعت رجلاه بالغرغين، الله عز وجل كبير، إياك أن تتجبر وإياك أن تغش المسلمين، هذا الذي يستخدم هرمونات في الزراعة، الهرمونات مسرطنة، هذا الذي يستخدم بعض المواد الكيماوية المسرطنة، المحلات الزراعية إذا باعتها أغلقت، وسحبت رخصتها، يأتي بها تهريباً يرش بها النبات كي تكون الحبة كبيرة وملونة على حساب طعمها، هذا الذي يفعل هذا يدفع من صحته ثمناً باهظاً، الله كبير هؤلاء عباده إياك أن تبني غناك على مرضهم، أو على إيذائهم، هناك مياه ملوثة، هناك أسمدة مسرطنة، هناك مواد غذائية لا تصلح للبشر، تأتي تهريباً وتباع، هذا الذي يعمل بهذه الحرف ولا يأخذ بالتعليمات التي هي لصالح الناس يدفع ثمناً باهظاً من صحته، والله لو أردت أن أعدد أساليب الغش المؤدية إلى أمراض المسلمين لا تعد ولا تحصى.

صحة المسلمين أمانة في عنق التجار:

لذلك أيها الأخوة، هناك مواد غذائية ممنوع استخدامها في بلد المنشأ، وأساساً ممنوع استيرادها، تأتي تهريباً بسعر بخس، و هناك مواد يقال عنها غير صالحة للاستخدام البشري، تباع، هذا الذي يبيع هذه المواد، هذه الزيوت، هذه السمون، ويربح أرباحاً طائلة، ويدفع الأموال الطائلة كي تسري، وكي تمر، له عند الله يوم عسير، صحة المسلمين أمانة في عنقك، صحة المسلمين أمانة في عنقك.
صحة المسلمين أمانة في عنق التجار
أيها الأخوة الكرام، كلما شددت الجهات المسؤولة في مواصفات الاستيراد نحن معها، لأنها تضمن صحة المواطنين، ولكن ماذا نفعل بهذا الإنسان الذي يرى الشيء المهرب غنيمة كبيرة جداً ؟ والله هناك معامل في الخليج كما سمعت كل المواد الغذائية التي انتهى مفعولها يعاد تصنيعها بلصاقة من جنس المعمل، فتأتي تظن أنها رخيصة ومغنم إذا اشتريتها، لا، المؤمن يعلم ماذا يدخل إلى فمه وماذا يخرج من فمه ؟ شيء دقيق جداً، ماذا يخرج من كلام:

(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

أما إذا أكل طعاماً مسرطناً نسب السرطان ارتفعت عشرة أضعاف، والله أنا قبل أعوام، قبل عقود عديدة، ما يمر سنة، أو سنتان، أو ثلاثة، حتى أسمع إنساناً معه سرطان، الآن كل أسبوع فيما أعلم، كل أسبوع إنسان معه ورم خبيث، من هذه المواد الكيماوية، من هذه الهرمونات المسرطنة، من هذه الأدوية الزراعية، فلذلك أيها الأخوة الكرام، صحة المسلمين أمانة في عنق التجار، والله كبير متعال، والله جبار:

 

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) ﴾

( سورة البروج)

احذروا أن تغشوا المسلمين، بع بضاعة تأكلها، بع شيئاً تقبله لنفسك:

(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن أنس ]

الحياة لا تصلح إلا بالإيمان و بالخوف من الواحد الديان:

الإسلام ليس في المساجد، هنا مكان لأخذ التعليمات فقط الحياة لا تصح إلا بالإيمان والخوف من الله عز وجل وحده
الإسلام في الأسواق، في المتاجر، في الدكاكين، في المطاعم، أحياناً لحم فاسد، أحياناً دابة غير مسموح بأكلها، تقدم صفائح من اللحم لمن في الطريق من المسافرين، والدولة مهما فعلت لضبط الأمور إن لم يكن عندك إيمان تنضبط فيما بينك وبين الله كل الضبط الخارجي لا يكفي، العالم الغربي يتيه على العالم بأنه منضبط انضباطاً الكترونياً فقط، وعندما قطعت الكهرباء في مدينة في أمريكا ارتكبت في ليلة واحدة مئتا ألف سرقة، والمبلغ ثلاثة مليارات، القضية قضية انضباط ذاتي، هذه الحياة لا تصلح إلا بالإيمان، و بالخوف من الواحد الديان.
قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها، قال له: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال له: خذ ثمنها، قال له: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟
أنت حينما تكون مؤمناً وتقول: أين الله ؟ تكون قد وضعت يدك على جوهر الدين، وحينما تنال أعلى شهادة ولا تبالي أكان الدخل حلالاً أو حراماً لا تفقه من الدين شيئاً.

الدعاء:

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور