وضع داكن
25-04-2024
Logo
رمضان 1426 - الفوائد - الدرس : 05 - إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ست مشاهد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد:

 أيها الأخوة الكرام، مع فائدة جديدة من فوائد ابن القيم الجوزية ـ رحمه الله تعالى ـ يقول: " إذا جرى على العبد مقدور يكرهه ـ القضاء والقدر بعضه محبب إلى النفس، وبعضه مكروه، الإنسان قد يتزوج، وقد ينجح في عمله، وهذا من قضاء الله له، هذا شيء مسعد، لكن قد يأتيه مرض، وقد يأتيه غم وهم، فالمقدور الذي يكرهه الإنسان ـ إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد ".

1 ـ مشهد التوحيد:

 المؤمن الصادق المتعمق بالإيمان الذي يرفعه الله عز وجل بالعلم، إذا جاءه مكروه من القضاء والقدر فله في هذا المقدور ستة مشاهد، أحدها: مشهد التوحيد، هذا الذي جرى بصرف النظر عمن أجراه، هذا الذي جرى، هذا الذي وقع، هذا الذي حصل من عند الله، لذلك قالوا: لكل واقع حكمة، ولو كان الموقع مجرماً، مادام الشيء وقع ففيه حكمة بالغة، لأنه لا يليق لألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، لأنه إله العالم، فكل شيء يقع في العالم أراده، بمعنى سمح به، لذلك أول مشهد من مكروه المقدور أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أوقعه، أي إن الله هو الذي قدره، و شاءه، وخلقه، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لذلك هناك قاعدة مستنبطة من هذه الحكمة: كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.

 

2 ـ مشهد العدل:

 المشهد الثاني: مشهد العدل، قد يكون الذي وقع في ظاهره ظلم شديد، لكن في حقيقته محض عدل، ذلك أن الله يعامل عباده في مجموع أعمالهم، قد تكون في محلك التجاري وأنت منضبط أشد الانضباط، وأنت مطبق لكل التعليمات، ولكل الأنظمة، ويأتي إنسان فيظلمك بضبط ظالم، هذا الضبط ظالم، لكن الله سبحانه وتعالى يعامل عبده بكل شؤون حياته، قد يكون في سهرة قبل يوم لا ترضي الله، فجاء هذا الظلم الظاهري تأديباً لهذه السهرة التي لا ترضي الله، الحساب عند الله حساب جارٍ مِن إلى.
إذاً: المشهد الثاني: أن الذي وقع مشهد عدل، و أنه ماض في حكمه، عدل في قضائه، التوحيد هو المشهد الأول، والعدل هو المشهد الثاني.

 

 

3 ـ مشهد الرحمة:

 المشهد الثالث: مشهد الرحمة، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (156) ﴾

( سورة الأعراف)

 وهذا الذي حدث شيء، فرحمة الله عز وجل وسعت كل شيء، مشهد الرحمة، وأن رحمته في هذا المقدور غالبة لغضبه وانتقامه.

 

4 ـ مشهد الحكمة:

 المشهد الرابع: مشهد الحكمة، هذا الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، هذا الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، ليس في الإمكان أبدع مما كان، ويوم القيامة يكشف الله لعباده سرّ القضاء والقدر، إذاً حكمته اقتضت ذلك، ولم يقدر سدى ولا عبثاً ولا لعباً، قال تعالى:

 

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا (115) ﴾

( سورة المؤمنون )

 

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) ﴾

( سورة القيامة )

 هذا الذي وقع وقع بأمر الله، هذا هو التوحيد، ووقع بعدل الله، ووقع برحمة الله، ووقع بحكمة الله.

 

5 ـ مشهد الحمد:

 المشهد الخامس: مشهد الحمد، المؤمن قد يوقن أن الذي وقع رحمة محضة، ولو لم يدرك الحكمة، لكن يوم القيامة يكشف الله له عن الحكمة.
 إذاً المشهد الخامس: مشهد الحمد لله، علاقتك مع الله بكل إيجابيتها وسلبيتها، بكل ألوانها تلخص بكلمة، قال تعالى:

 

﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾

( سورة يونس الآية: 10 )

 وله سبحانه وتعالى الحمد التام على ذلك من جميع الوجوه.

 

6 ـ كيف فهمت هذا الذي وقع ؟

 المشهد السادس والأخير: كيف فهمت هذا الذي وقع ؟ هذا الذي وقع لأنك عبد له ولست نداً له، ماذا تفعل أنت في ملك الله ؟ لك أن تفهم الحكمة، لك أن تتوقع حكمة ما، لكن لو استغلق عليك الأمر أنت عبد الله، وأنت منه، فله أن يفعل بك ما يشاء، لكن الله سبحانه وتعالى رحيم، هو قدير، لكنه رحيم، بمعنى أن أي أب عنده طفل يحبه حباً جماً من حيث القدرة، من حيث القدرة فقط، ألا يستطيع أن يذبحه ؟ هل يمكن أن يقع هذا الذبح ؟ مستحيل، لأن الله سبحانه وتعالى على صراط مستقيم، وحيثما جاءت على مع لفظ الجلالة فالمعنى أن الله ألزم ذاته العلية بالرحمة،  لذلك شيء من القلق ضروري، أما أن تتوهم لو أنك عبدته يمكن أن يكون المصير إلى النار فهذا شيء فيه وسوسة من الشيطان، قال تعالى:

 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 147 )

 

﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) ﴾

( سورة سبأ )

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾

( سورة الزلزلة )

من عصى الله نال قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق:

 

 إذاً أنت في النهاية عبد، مرة أحد العلماء في محاضرة ألقاها قال: لو أن الله وضع فلاناً ـ وسمى نفسه ـ في النار ماذا يفعل ؟ هو عبد لله طبعاً، هذا لون من ألوان الرضا، الآن المعصية التي ربما سببت هذا القضاء المكروه، المعصية من نتائجها قلة التوفيق، حركة بلا نتائج قلة  التوفيق، قال تعالى:

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

( سورة هود الآية: 88 )

 وفساد الرأي، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾

( سورة محمد )

 الإنسان إذا كان بعيداً عن الله يفسد رأيه، يكون تدميره في تدبيره، يفكر، ويجمع، ويطرح، ويضرب، ويقسم، ثم يدمر نفسه، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (36) ﴾

( سورة الأنفال)

 قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق.

 

من توفيق الله للإنسان أن يكون رأيه صائباً و نظرته صحيحة:

 أن يكون رأيك صائباً، هذا من توفيق الله، وأن تكون نظرتك صائبة، فهذا من توفيق الله، وأن تملك الرؤيا الصحيحة، هذا من توفيق الله، وأن تملك الرأي الصحيح، هذا من توفيق الله، لأن الله إذا أراد إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لب لبه، وخفاء الحق، الحق خاف عن العاصي، يرى الباطل حقاً والحق باطلاً، فمن أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ".
 وفساد القلب، القلب فيه أمراض، قال تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾

(سورة الشعراء)

من نتائج المعصية:

1 ـ خمول الذكر:

 من نتائج المعصية خمول الذكر، الله عز وجل يرفع عبده المؤمن قال تعالى:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

( سورة الشرح )

 أن يعطيك الله مكانة، أن يلقي محبتك في قلوب الخلق، هذا من نتائج الطاعة، أما الإنسان حينما يعصي الله يصبح خامد الذكر.

 

2 ـ إضاعة الوقت:

 ومن نتائج المعصية إضاعة الوقت، الوقت ليس فيه بركة، ليس فيه إنجاز، موضوعات تافهة جداً، يضيع فيها الوقت، قضايا سخيفة، يستهلك الوقت، خطأ طفيف يهدر به أيام عمل عشر ساعات، لا يوجد في الوقت بركة، في الوقت المحدود الإنجاز قليل جداً، أما المؤمن فيبارك له في وقته، ففي وقت قليل يقدم إنجازاً كبيراً.

 

 

3 ـ نفرة الخلق:

 العاصي ينفر الخلق منه لأسباب لا نعلمها، إذا أحبّ الله عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق، وإذا غضب على عبد ألقى كراهيته في قلوب الخلق، بلا سبب الناس يكرهونه، بلا سبب الناس ينفضون عنه، لذلك ما أخلص عبد لله إلا جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة والرحمة.

 

 

4 ـ الوحشة بين العبد و ربه:

 المعصية من نتائجها وحشة بين العبد وربه، حجب، الطريق غير سالك، الخط مع الله مقطوع، يقرأ القرآن لا يشعر بشيء، يصلي لا يشعر بشيء، يذكر لا يشعر بشيء، هناك حجاب، وأكبر عقاب يعاقب به الإنسان أن يحجب عن الله عز وجل، قال تعالى:

 

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

( سورة المطففين )

5 ـ يدعو فلا يستجاب به:

 ومن إجابة الدعاء، يدعو فلا يستجاب له، هذه نتائج المعصية التي سببت مقدوراً مكروهاً من إجابة الدعاء.

 

6 ـ قسوة القلب:

 لا يرحم، لا يرحم الضعيف ولا الفقير، ولا المسكين، وعلامة البعد عن الله القلب القاسي، وعلامة القرب من الله القلب الرحيم، ومحق البركة في الرزق والعمر، لا بركة، دخل كبير، وإنفاق أكبر، دخل كبير، وإنفاق غير حكيم.

 

 

7 ـ حرمان العلم و لباس الذل:

الإنسان إذا ارتكب معصية حجبه الله عن العلم.

 

 

شكوت إلى وكيع سوء حفظي  فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأنبأني بأن العلم نــــور و  نور الله لا يهدى لـعاص
***

 

8 ـ ضيق الصدر:

 في قلب المعرض عن الله عز وجل ضيق لو وزع على أهل بلد لكفاهم.

 

9 ـ الابتلاء بقرناء السوء:

 إذا كنت مع الله التف حولك المؤمنون، وإذا كان الإنسان مع الشيطان التف حوله الشياطين، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب، ويضيعون الوقت، قرين السوء عبء عليك، يأخذ منك ولا يعطيك، يضيع وقتك، يحببك في الدنيا، يبغضك في الطاعة، لئيم، ليس وفياً، يأخذ منك،  وعند الضيق يتخلى عنك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))

 

[ورد في الأثر]

 أكبر نعمة، وأكبر عطاء أن يكون الذين حولك على شاكلتك، وأكبر عقاب أن يكون الذين حولك متناقضين معك.

 

10 ـ طول الهم و الغم وضنك المعيشة وفساد البال:

 من قصر بالعمل ابتلاه الله بالهم، هموم تركبه، هموم تجعل الدنيا مسودة في عينيه، وضنك المعيشة وفساد البال، المعيشة الضنك المعيشة الشقية، قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾

( سورة طه الآية: 124)

 

﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) ﴾

( سورة محمد)

 صلاح البال من نعم الله الكبرى، تتولد هذه كلها من المعصية والغفلة عن ذكر الله، كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار.

 

الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة:

 

 أيها الأخوة، كلمة أخيرة، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، وسبحانك يا رب ! إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، قال تعالى:

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾

( سورة السجدة)

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

( سورة الجاثية )

 الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

( سورة الأحزاب )

 كل الخير والتوفيق، والحكمة والفلاح، والنجاح والتفوق، والذكاء والعقل بطاعة الله، لأنك لو أطعت الله أطعت الصانع، والجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور