وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 47 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 163 - 166، ابتكار الحيل الشرعية للخروج عن منهج الله
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


من أدلة أن سيدنا محمداً هو رسول الله أنه جاء بأنباء ما كان يعرفها لا هو ولا قومه :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع والأربعين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الثالثة والستين بعد المئة، وهي قوله تعالى: 

﴿  وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(163)﴾

[ سورة الأعراف ]

 أيها الإخوة، الله جل جلاله يأمر نبيه أن يسأل أهل الكتاب. 

﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ هو لم يقرأ ولم يكتب، وما اتصل بالمراكز العلمية في العالم، ولا يعلم شيئاً عن قصص الأمم الغابرة، من أنبأه بهذا الحديث؟ لذلك الله عز وجل يقول :

﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)﴾

[  سورة هود  ]

 من أنباء الغيب، هذه الأنباء غابت عنك، وما دمنا قد أوحيناها إليك وأنت تذكرها لقومك فأنت رسولنا ﴿ تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ﴾ أي من أدلة أن هذا الإنسان محمد بن عبد الله، رسول الله، أنه جاء بأنباء ما كان يعرفها لا هو ولا قومه ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ﴾


أمية النبي عليه الصلاة والسلام وسام شرف له لأن الله تولى تعليمه :


 آية ثانية : 

﴿ وَلَٰكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45)﴾

[  سورة القصص  ]

 أنت ما كنت مع أهل مدين، من أين أتتك هذه الحقائق تتلوها على قومك؟ 

 آية ثالثة :

﴿ ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)﴾

 

[ سورة آل عمران  ]

 دليل ثالث.

 آية رابعة، أنت أمي لم تقرأ ولم تكتب، وعاؤك ممتلئ من الله مباشرة :

﴿  عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)  ﴾

[  سورة النجم  ]

 أمية النبي عليه الصلاة والسلام وسام شرف له، لأن الله تولى تعليمه، يعني إنسان يفتخر أن له أستاذ بروفسور، يحمل أعلى شهادة في العالم، تتلمذ على يده، يثيب بهذه النسبة لأستاذه، فكيف إذا كان الذي علم النبي الكريم خالق السماوات والأرض ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾


دعوة النبي الكريم دعوة نقية خالصة لأنها من وحي السماء :


 الله عز وجل شاءت حكمته أن يكون أمياً، لئلا يكون في وعائه الثقافي إلا وحي السماء، تبقى دعوته نقية خالصة من وحي السماء، لذلك : 

﴿  وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)﴾

[  سورة النجم  ]

﴿  وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48)﴾

[  سورة العنكبوت  ]

 لذلك اسألهم يا محمد، اسأل أهل الكتاب، كدليل على نبوتك، وكدليل على رسالتك، وكدليل على صدقك ﴿وَاسْأَلْهُمْ﴾


الإسراء و المعراج مكافأة من الله عز وجل للنبي الكريم على صبره في الطائف :


 أيها الإخوة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : 

(( لقَدْ رَأَيْتُنِي في الحِجْرِ. في الكعبة. وقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عن مَسْرايَ.عن أحداث الإسراء. فَسَأَلَتْنِي عن أشْياءَ مِن بَيْتِ المَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْها، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً ما كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قالَ: فَرَفَعَهُ اللَّهُ لي أنْظُرُ إلَيْهِ، ما يَسْأَلُونِي عن شيءٍ إلَّا أنْبَأْتُهُمْ به، وقدْ رَأَيْتُنِي في جَماعَةٍ مِنَ الأنْبِياءِ، فإذا مُوسَى قائِمٌ يُصَلِّي، فإذا رَجُلٌ ضَرْبٌ، جَعْدٌ كَأنَّهُ مِن رِجالِ شَنُوءَةَ، وإذا عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ عليه السَّلامُ قائِمٌ يُصَلِّي، أقْرَبُ النَّاسِ به شَبَهًا عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وإذا إبْراهِيمُ عليه السَّلامُ قائِمٌ يُصَلِّي، أشْبَهُ النَّاسِ به صاحِبُكُمْ، يَعْنِي نَفْسَهُ، فَحانَتِ الصَّلاةُ فأمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ قالَ قائِلٌ: يا مُحَمَّدُ، هذا مالِكٌ صاحِبُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عليه، فالْتَفَتُّ إلَيْهِ، فَبَدَأَنِي بالسَّلامِ. ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة  ]

 أحياناً تزور صديقك أنت منشغل بالحديث معه، تقول لك زوجتك ما لون قماش الأثاث؟ والله لا أتذكر! أنت منشغل بموضوع مهم تسألك عشرات الأسئلة لا تستطيع أن تجيب عنها إطلاقاً، لأنك منغمس في موضوع خطير، في لقاء حميم، تعالج موضوعاً دقيقاً، ما انتبهت لا إلى الأثاث، ولا إلى الجدران، ولا إلى الستائر، تقول والله لا أعلم.

 فالنبي عليه الصلاة والسلام جاء إسراؤه ومعراجه مكافأة من الله عز وجل على صبره على قومه في الطائف، قال تعالى :

﴿  سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)﴾

[  سورة الإسراء  ]


عدم تخلي النبي الكريم عن قومه بل دعوته لهم بأن يخرج الله من أصلابهم من يوحده :


 لما قال النبي الكريم في الطائف : 

((  اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني ، أم إلى قريب ملكته أمري ؟ إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي  ))

[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن جعفر وهو ضعيف ]

 فأراد الله سبحانه وتعالى أن يمتحنه، مكّنه أن ينتقم منهم، ما تخلى عنهم، ودعا لهم، واعتذر عنهم، فإنهم لا يعلمون، ورجا الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده. 

((  اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ))

[ البخاري عن عبد الله بن مسعود ]

((  لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله ))

[ صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين ]


سؤال قريش النبي الكريم في حِجر الكعبة عن معالم بيت المقدس :


 سبحات الله! لما سئل وهو في حجر الكعبة عن معالم بيت المقدس، وقد أسرى الله به إليه قال : 

 (وَقُرَيشٌ تَسألُني عن مَسْرَايَ ؟ فَسألَتْني عن أشياءَ من بَيتِ المقدس لم أُثبِتْهَا ـ أي لم أتذكرها ـ فكُرِبْت كُرْبَة ما كُرِب مثلها قطُّ) ألم تذهب إلى هناك؟ حدثنا عن بيت المقدس، وقع بحرج شديد، قال: 

(قال : فَرَفَعهُ الله لي) يراه رأي العين ( أنْظرُ إليه ، ما يَسألُوني عن شيءٍ إِلا أَنْبَأتُهم بِهِ ، وقد رَأيتُني في جماعةٍ من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي ، فإذا رجل ضَرْبٌ ـ نوع خاص ، متميز ـ جَعْدٌ كأنَّه من رجال شَنُوءةَ ، ـ قوم شنوءة قوم أشداء ـ وإذا عيسى بنُ مريمَ قائم يُصلِّي ، أقرب الناسِ به شَبها عُروَةُ بنُ مسعودٍ الثقفيُّ ، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يُصلِّي ، أَشْبهُ النَّاسِ به : صَاحِبُكم ـ أي النبي عليه الصلاة والسلام يشبه سيدنا إبراهيم ـ فَحَانَتِ الصلاةُ فَأَمَمتُهُم ، فَلمَّا فَرَغْتُ من الصلاةِ قال قائلٌ : يا مُحَمَّدُ هذا مالكٌ خَازِنُ النَّارِ ، فَسَلِّمْ عليه ، فَالتَفَتُّ إليه ، فَبَدَأني بالسلام ))

 يعني الله عز وجل أخبره .


أحد أكبر أدلة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه جاء بأخبار الأمم والشعوب السابقة :


 أحد أكبر أدلة نبوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه جاء بأخبار الأمم والشعوب السابقة، أنّى له أن يعرفها لولا أن هناك وحياً يأتيه، أنّى له أن يعرفها لولا أن الله أخبره بها، لكن السؤال : 

﴿وَاسْأَلْهُمْ﴾ قال: سؤال للتقرير، والتقريع، والتوبيخ، يعني أنتم يا أهل الكتاب لماذا تنكرون نبوة النبي الكريم؟ وأوصافه في كتبكم، وها قد جاءكم بأخبار الأمم السابقة، هي عندكم في التوراة هو لم يقرأ التوراة، إذاً هذه الأخبار السابقة تعد دليلاً على نبوته صلى الله عليه وسلم وعلى رسالته . 

﴿وَاسْأَلْهُمْ﴾ ما السؤال ؟ قال : 

﴿عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ معنى حاضرة البحر؛ أي قريبة من البحر، طبعاً ليست بيت المقدس، بعض العلماء قالوا: أيلة، ومدين، وطبرية، لأن هذه المدن قريبة من البحر.


الحكمة من إغفال الله تفاصيل بعض القصص في القرآن الكريم :


 بالمناسبة أيها الإخوة، هناك ظاهرة في قصص القرآن أن الله جلّ جلاله يُغفل التفاصيل، ويُغفل الجزئيات، كم عدد فتية أهل الكهف ؟ 

﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (22)﴾

[  سورة الكهف  ]

 ما الحكمة من أن القرآن الكريم في قصصه يغفل التفاصيل؟ يغفل الجزئيات ؟

﴿  وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً(83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً(84) فَأَتْبَعَ سَبَباً(85)﴾  

[  سورة الكهف  ]

 من هو ذو القرنين؟ عاش في آسيا؟ في جنوب آسيا؟ في أوربا؟ في الجزيرة؟ متى؟ متى ظهر؟ في أي عام ظهر؟ في أي أرض جلس؟ مع من تحارب؟ لا يوجد تفاصيل، ما الحكمة؟ أقول لكم: الحكمة البالغة أن الله سبحانه وتعالى ما أراد من هذه القصص أن تكون قصصاً مع تفاصيل، وجزئيات، وأسماء، وزمان، ومكان، معنى أنها وقعت ولن تقع مرة ثانية، الله ما أرادها تاريخاً، ما أرادها سيراً ذاتية، ولا أرادها سيراً موضوعية، أرادها قوانين مستمرة، أرادها نماذج بشرية، تقع في كل مكان.


قصص القرآن الكريم نموذج متكرر و حقائق مستمرة لا تاريخ و قصة وقعت وانتهت :


 لذلك أنا أقول: حيثما سكت القرآن الكريم عن بعض التفاصيل ينبغي ألا تسال عنها، لأنك لو سألت عنها أفسدت على الله حكمته، أضرب مثلاً :

 أستاذ في الجامعة أديب، وأستاذ الاقتصاد، ألقى محاضرة على طلاب السنة الأولى عن عوامل نجاح التجارة، فساق هذه الأفكار والحقائق بشكل قصة، قال: لي صديق، اشترى محلاً تجارياً في مركز المدينة، بمكان تزاحم الأقدام (يوجد بمركز المدينة محل بمئة مليون فروغه، بينما في مكان آخر بلا فروغ إطلاقاً، الفرق تزاحم الأقدام ) فقال هذا الأستاذ: لي صديق اشترى محلاً تجارياً بمركز المدينة، واختار بضاعة أساسية، ما اختار حوض أسماك، أحواض الأسماك بضاعة غير أساسية، إذا هناك  ارتفاع أسعار، هناك أزمات معيشية، يقف عمله، واختار بضاعة أساسية واختار البضاعة من أفضل الأنواع، وضع لها سعراً معتدلاً، ولم يبع ديناً، وعامل الناس معاملة طيبة، موقع المحل، نوع البضاعة، مستوى البضاعة، عدم البيع ديناً، المعاملة الطيبة فهذا الصديق ربح أرباحاً جيدة، واشترى بيتاً، وتزوج، واشترى مركبة، وعاش حياة محترمة جداً .

 فقال طالب له: أستاذ هذا صديقك أبيض أم أسمر؟ ما لها علاقة بالموضوع! ما درجة قرابته منك؟ ما اسمه؟ أين يسكن؟ رقم هاتفه إذا ممكن؟ هذا الطالب ما فهم مغزى المحاضرة، أراد المدرس أن يقول من أجل أن تنجح تجارتك ينبغي أن تختار مكاناً في مكان ازدحام الأقدام بالمركز، وأن تختار بضاعة يحتاجها الناس كثيراً، وأن تختار مستوى البضاعة في أعلى مستوى، وأن تضع لها سعراً معقولاً، وألا تبيع ديناً، وأن تكون طيباً في معاملتك، أراد المدرس أن يقول هذه الحقائق، فلما سأله أحد الطلاب عن اسم هذا الشخص، أبيض أما أسمر، وعلاقتك معه أستاذ، وأين بيته؟ ورقم تلفونه؟ هو ما فهم القصة إطلاقاً .

 لذلك قالوا ينبغي أن تسكت حيث سكت القرآن، ما جاء بالتفاصيل، جاء بالمغزى لذلك أراد الله من قصص القرآن الكريم أن تكون نماذج متكررة، وأن تكون حقائق مستمرة، لا أن تكون تاريخاً، وقصة وقعت ولن تقع.


وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ : هذه الآية وحدها تملأ النفوس ثقة بالله عز وجل :


 أوضح مثل لهذا قصة سيدنا يونس حينما التقمه الحوت :

﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87 )فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[  سورة الأنبياء  ]

 هذه هي القصة، انتهت، جاء التعقيب من قِبل الله عز وجل ليجعل هذه القصة قانوناً ساري المفعول في كل مكان وفي كل زمان، فقال تعالى بعد القصة: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ .

 بـ 2008 بـ  2020 ، بأوروبا، بالشرق الأوسط، وأنت على الباخرة، وأنت في الطائرة، وأنت في ضيق، وأنت في مرض، وأنت في دولة فيها حصار ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ .

 هذه الآية وحدها ينبغي أن تملأ نفوسكم جميعاً وأنا معكم ثقة بالله عز وجل، هل من مصيبة أكبر من أن ترى نفسك لقمة في فم الحوت، في ظلمة فم الحوت، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر. 

﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ أي على البحر، أو قريبة منه، ولا يوجد تفاصيل، لأن الله أراد المغزى، سيدنا يوسف، يقول لك شخص: يا ترى بعدما جعله الله عزيز مصر هل تزوج زليخة بعد ذلك؟ والله لا أعرف، أنا ما كنت وقتها، لا أعرف، ويجب ألا أعرف، أنا أعرف هناك إنسان دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال :

﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)﴾

[  سورة المائدة  ]

 بطاعته لله كان عبداً فصار ملكاً، امرأة خادمة، جارية، لما رأته في موكبه قالت: سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعتك، وسبحان من جعل الملوك عبيداً بمعصيتك .

 إذاً: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ لا يوجد تفاصيل، فهمتم عدم ذكر التفاصيل؟ أراد الله لقصصه أن تكون حقائق، وقوانين، ومبادئ، وسنن، ونماذج متكررة، أما التفاصيل توحي إليك أن هذا تاريخ، أنها قصة وقعت ولن تقع مرة ثانية، تقع كل يوم ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ تقع كل يوم .


تحريم العمل عن أهل الكتاب يوم السبت :


 ما قصة هذه القرية ؟

﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً﴾ هؤلاء أهل الكتاب حُرّم عليهم أن يعملوا يوم السبت، وهذا التحريم ساري المفعول حتى الآن، يكون هناك مؤتمرات، مندوب هذه الدولة مراعاة لأحكام دينه لا يقبل أن يقوم بأي نشاط يوم السبت، إذا كان هناك مؤتمر، هذا معروف، أما هم يعتدون يوم السبت، يهدمون بيوتاً يوم السبت، ويذبحون، ويقتلون، ويعملون كل الموبقات يوم السبت، هذه ما لها علاقة بالدين ﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ .

 لكن حُرِّمَ عليهم العمل يوم السبت، وسبحان الله لحكمة بالغة، ولامتحان صعب ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً﴾ البحر ممتلئ بالحيتان، ممنوع أن يصيدوا ﴿وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ﴾ أحد، اثنين، ثلاثاء، أربعاء، خميس، جمعة، لا يوجد حيتان، الامتحان صعب، امتحان إنسان ادعى أنه يحب الله كثيراً .

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾

[  سورة المائدة  ]

 يقول لك شخص: لو تقطعني إرباً إرباً لا آكل قرشاً حراماً، لا يوجد شغل، طرق باب وظيفة لا يوجد، هنا لا يوجد شواغر، هنا انتهت، هنا فات الأوان، يأتيه عمل بدخل فلكي بمكان محرم، يتماسك، يتماسك، بعدها يقول لك ماذا أفعل؟ أنا عندي أولاد، معناها أنت دعواك غير صحيحة، الله وضعك بظرف صعب، أحياناً الله عز وجل يغلق أمامك أبواب الحلال، ينفتح دخل كبير فلكي من عمل محرم، فأنت تدّعي وصلاً بليلى، لكن ليلى تعرف أنك لا تحبها، تحب مصلحتك، وضعك بهذا الظرف الصعب بعدئذٍ كفرت بليلى، وفعلت ما يغضبها وانتهى الأمر، هذا الواقع .


الحيل الشرعية فيها جانب إيجابي ولها مئات الجوانب السلبية :


﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ لمعت أمامهم فكرة، عملوا أحواضاً مفتوحة من جهة واحدة، هذه الحيتان يوم السبت تدخل في هذه الأحواض، إذا دخلت أغلقوا الأحواض، صادوها يوم الأحد، هذه حيلة شرعية .

 وصدقوا أيها الإخوة، أقسم لكم بالله إن الذي يفعل مثل هذه الحيل الشرعية كأنه يستهزئ بالله عز وجل.

 يجب أن أسكن مع زوجة أخي، هي امرأة أجنبية، سهلة، نأتي ببنت ترضع من عند الجيران، نعمل عقد زواج بيني وبينها، بنت ترضع عمرها سنة، نصيغ عقد زواج بين الرجل وبين هذه الرضيعة، تأتي زوجة أخي وترضعها، تصبح أمها التي أرضعتها حماتي، أطلق البنت الرضيعة الحماة محرمة على التأبيد، حلها.

 آتي زكاة مالي أضعها في رغيف، أقدمه للفقير، هو ظن فقط رغيف، بعدما أخذ قال له: تهبه لي بخمسمئة ليرة؟ رغيف ثمنه خمسمئة؟ فيه اثني عشر ألفاً في وسطه، يرجعهم يضحكون على أنفسهم.

 الحيل الشرعية يا إخواننا كثيرة جداً، لكن لها وجه إيجابي، إذا كان أخوك له مكانته، وعزيز النفس، وصعب أن يقبل صدقة، هو عنده كبرياء، وعنده عزة نفس عالية، إذا عملت حيلة أننا وجدنا هذا المبلغ، والآن سنضعه عندك أمانة حتى الله يفرجها ونجتمع بصاحبه، إذا انتفعت منه لا يوجد مانع، ونحن حتى يأتي صاحبه نؤمنه لك، القصة كلها ما لها أصل، عملت حيلة حتى تساعد أخاك، وتحافظ له على كرامته لا يوجد مانع، فيها جانب إيجابي، ولها مئات الجوانب السلبية، الحيل الشرعية هذا وضعها .


من جمع مالاً حراماً حوسب عليه لأنه استحل ما حرم الله :


 أيها الإخوة، هذا هو الوضع الدقيق قال: ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ﴾ الحيتان جمع حوت، والعمل يوم السبت عندهم محرّم كي ينقطعوا للعبادة، نحن عندنا يوم الجمعة :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9)﴾

[  سورة الجمعة ]

 لكن قال: لأنهم اعتدوا في السبت، واصطادوا الحيتان التي حُرمت عليهم يوم السبت بحيلة أدخلوها إلى أحواض مغلقة، أغلقوا الأحواض، واصطادوها يوم الأحد، لأنهم استحلوا ما حرم الله عليهم، حرم الله عليهم ما هو حلال لهم، كلام دقيق، يعني عقاب من جنس العمل، هم استحلوا ما حرم الله عليهم، فالله عاقبهم بأنه حرم عليهم ما أحلّ لهم، هذا اسمه عند العلماء تحريم تأديب، لا تحريم شرعي، والدليل : 

﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)﴾

[  سورة النساء ]

 مثلاً: شخص خطر في باله أن ينشئ دار سينما، وأتى بأفلام مثيرة جداً، وفاضحة والشباب أقبلوا عليه، وجمّع أموالاً طائلة، جمع هذه الأموال كي يعيش حياة مستقرة، منعّمة، مرفّهة، فاجأه المرض الخبيث وهو في الأربعين، فله ابن أخت هو تلميذ عندي، قال لي: دخلت على خالي رأيته يبكي، قال له: جمعت ملايين مملينة من هذه الدار، وأنا الآن سأغادر الدنيا ولم أنتفع بهذا المال إطلاقاً، لأنه اختار حرفة مبنية على إفساد الشباب، على انحرافهم.

 لذلك أقول لكم يا أيها الإخوة، أنا لا أرى أغبى ممن يجعل رزقه من طريق محرم.

 مرة شخص عنده دار قمار، على فراش الموت أهله طلبوا له داعية من الدعاة، قال له: معي ثمانمئة مليوناً جمعتها من القمار، هذه قصة قبل عشرين سنة، ثلاثين سنة، ثمانمئة مليوناً ماذا أفعل؟ هذا الداعية أنا لا أوافقه على كلامه، لكن هذا الذي قاله، قال له: والله لو أنفقتها جميعاً لا تنجو من عذاب الله، فات الأوان .

 فلذلك الإنسان إذا جمع مالاً حراماً لا يستمتع به بل يُحاسَب عليه .


على الإنسان أن يصلح بين الناس و لا يستمع لكلام المثبطين :


 أيها الإخوة : 

﴿  وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(164)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 هناك قول قيل، إذا أنت ألقيت كلمة ووجهتها إلى أناس معينين، فأنت اسمك متكلم، هناك ثلاث شرائح، شريحة تؤيدك، وشريحة تعارضك، لذلك : 

﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً﴾ فأجاب الواعظون: ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ إنسان وعظ، الموعوظ يخطئ، يرتكب هذه الحيل الشرعية، فمعنى ذلك أنه كان في بني إسرائيل أناس منصفون، ومؤمنون، وورعون، هؤلاء المؤمنون الورعون نصحوهم، وعظوهم، ما معنى وعظه؟ هناك فرق كبير بين أن تقول صلِّ، وأنت مسلم من أب مسلم وأم مسلمة، وتعلم علم اليقين أن الصلاة فرض، إذا قلت له صلِّ، أنت الآن واعظ لماذا؟ لأنك تأمر الناس بشيء يعرفون أنه فرض، ولكنهم لا يفعلونه، أما قد تدخل إلى جامعة، تسمع درس علم مثلاً الفقه المقارن، موضوع جديد عليك، إذا ألقي عليك موضوع لا تعرفه هذا تعليم، أما إذا أُلقي عليك كلام يذكرك بالمحرمات التي لا تعبأ بها أنت أحياناً هذا اسمه وعظ، الوعظ أنا أُذكّر من حولي بشيء يعرفونه مُحرَّم، لكنهم يقترفونه .

 فهؤلاء الشرائح الثلاث، الشريحة الأولى: يرون أن هؤلاء لا جدوى منهم، وأحياناً إنسان يقول لا أحد فيه خير، ادخل إلى بيتك وارتح، دعك من الناس، هذا موقف، هناك أناس آخرون عندهم طموح كبير، يحكي، حكى أمام مئة هناك أربعة استفادوا، وأربعة تابوا إلى الله، فالذين وعظوا لما جاءهم اللوم: 

﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ .


على الإنسان ألا يتأخر في نصيحة الآخرين لأنه من قال هلك الناس فهو أهلكهم :


 شخص مغنٍّ أقلق أبا حنيفة رحمه الله تعالى سنوات طويلة بغنائه، وعوده، وآلته الموسيقية، ويغني ويقول: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا، ثم افتقد الصوت، سأل عنه، قالوا: في السجن، ذهب بحجمه الكبير، وبمكانته الكبيرة إلى صاحب الشرطة، وأفرج عنه أركبه خلفه، قال له: يا فتى هل أضعناك؟ فتاب إلى الله، وقد يمكن ألا يتوب، لكنه تاب .

 فأنت حاول أن تصلح الناس، لكن لا تسمع كلام المثبطين، الناس ما فيها خير، قال: من قال هلك الناس فهو أهلكهم، والله هناك آلاف القصص من إنسان انحرافه شديد، إلى إنسان تاب إلى الله عز وجل قال: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ قال المعذرة إبداء سبب المخالفة، والمُعذِر من يأتي بعذر صادق، والمُعذَّر من يأتي بعذر كاذب.

 في بعض المعارك جاء المنافقون، يعتذرون إلى رسول الله، في القرآن قال:

﴿ وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ۚ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(90)﴾

سوف يختلق أعذاراً كاذبة غير صحيحة، والنبي جاملهم، قبل منهم أعذارهم وانتهى، كلام دقيق، جاء سيدنا كعب قال: والله أوتيت جدلاً، عنده قوة إقناع، عنده أسلوب قوي جداً، والله أستطيع أن أخرج من سخطه، لكنني خفت إن خرجت من سخطه أن يُسخطه الله عليّ، لو أنني خرجت من سخطه بحجة محبوكة تماماً أخشى من الله أن يسخطه عليّ، قال: فأجمعت صدقه، أخذ قراراً أن يصدقه، لما وصل إليه كان النبي غاضباً، قال له: والله يا رسول الله تخلفت عنك ولا عذر لي، ما كنت أنشط ولا أقوى يوماً من يوم تخلفت فيه عنك، ولكنه التقصير، تكلم الحقيقة، فالنبي بليغ قال: أما هذا فقد صدق، وجاء الأمر الإلهي بمقاطعة هؤلاء الثلاثة الذين هم مؤمنون لكنهم قصروا خمسة و خمسين يوماً، ثم تاب الله عليهم.

(( فَجِئْتُ أمْشِي حتَّى جَلَسْتُ بيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: ما خَلَّفَكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ فَقُلتُ: بَلَى، إنِّي واللَّهِ لو جَلَسْتُ عِنْدَ غيرِكَ مِن أهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أنْ سَأَخْرُجُ مِن سَخَطِهِ بعُذْرٍ، ولقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، ولَكِنِّي واللَّهِ، لقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليومَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى به عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، ولَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لَأَرْجُو فيه عَفْوَ اللَّهِ، لا واللَّهِ، ما كانَ لي مِن عُذْرٍ، واللَّهِ ما كُنْتُ قَطُّ أقْوَى، ولَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا هذا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ. ))

[ صحيح البخاري عن كعب بن مالك ]

 فلذلك: المُعذَّز الذي يأتي بعذر كاذب، والمُعذِر الذي يأتي بعذر صادق، والمَعذرة إبداء سبب التأخر. 

﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾


من لم ينتبه لإنذارات الله تعالى تأتيه البطشة الإلهية من حيث لا يعلم :


 قال : 

﴿  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(165)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 شخص راكب مركبته في دمشق في طلعة الحجاز، وصل إلى الشارة الضوئية، فإذا به يُصاب بأزمة قلبية حادة، زوجته إلى جانبه، فصرخت، لحكمة بالغةٍ بالغة كان صديقه بمركبة خلفه صدفة، فخرج من مركبته وحمله وانطلق به إلى المستشفى، إلى العناية المشددة، وهو على وشك الموت، أعطوه إسعافات، أعطوه مميعات للدم، لكن وهو في هذه الحالة شعر أنه على وشك أن يموت، طلب مسجلة، وفيها شريط وقال، هو كان أخاً أكبر ومغتصباً أموال إخوته جميعاً: المحل الفلاني لأخي فلان، البيت الفلاني لأخي فلان، الأرض الفلانية لأخي فلان، في هذا الشريط ذكر جميع الأموال التي اغتصبها من إخوته القُصر، لأنه أيقن بالموت، لما أعطوه مميعاً رجع طبيعياً ما فيه شيء، أين الشريط؟ كسره، وانتهى الأمر، وافته المنية بعد ثمانية أشهر. 

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ الله ذكره، صدق أيها الأخ يعمل لك إنذاراً، أحياناً رؤية مخيفة، تُقدم على مشروع لا يرضي الله، رؤية مخيفة، أو إنسان ينصحك: إياك . 

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ـ جاءت البطشة الإلهية ـ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ .


عقاب الله عز وجل لمن لم يطبق فحوى الموعظة ونجاة الواعظين :


 فانتبه أنت حينما ترى رؤية واضحة جداً، فيها تحذير، حينما يأتيك أخ كريم ينصحك هذا العمل لا يرضي الله، هذا الاختصاص لا يناسب مكانتك الإيمانية، هذا العمل لا يناسب زوجتك ، زوجتك مؤمنة، ملتزمة، محجبة، هذا المكان لا يليق بها إطلاقاً، هذا السفر لا يناسبك، هذا الاحتفال لا يجوز، هذه الحرفة لا ترضي الله، فإذا نصحك إنسان ، وأنت استجبت تكون من السعداء، أما إذا ركب الإنسان رأسه تنطبق عليه هذه الآية : 

﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ أي عاقبنا هذا الذي ذُكّر فلم يذكر، وأنجينا الواعظين، عاقبنا الموعوظين الذين لم يطبقوا فحوى الموعظة، وأنجينا الواعظين، لكن هؤلاء الذين قالوا : 

﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً﴾ قال: هؤلاء لهم وجهة نظر، ينجون أيضاً .

 أحياناً تقول لشخص يرتكب المعاصي والآثام، تقول له: هذه الأعمال تنتهي معك بمرض الإيدز، لكن إن شاء الله تجد له دواء، هذا استهزاء، لعلك تجد دواء إذا الله بعثه لك، إذا شخص ما أحب أن يدرس، هناك أعمال كثيرة جداً، يوجد مسح أحذية إذا كنت تريد لا يوجد مشكلة .

 أحياناً هناك موعظة فيها سخرية، فقال هؤلاء، لما أنت تسمّع شخصاً لا تغلب حالك لا يوجد أمل، قد تستفزه في هذا الكلام .

 على كلٍ قال العلماء: قدموا لوماً للواعظين، قال: هم وعظوا بطريقة غير مباشرة ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ﴾


الشيطان يُعري والرحمن يستر :


(( بدأ الإسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدأ فطُوبِى للغرباءِ ، وفي روايةٍ قيل يا رسولَ اللهِ : مَن الغرباءُ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناسُ، وفي لفظٍ آخرَ قال : هم الذين يُصلِحون ما أفسد الناسُ من سنتي ))

[ مجموع فتاوى ابن باز ]

 من الغرباء ؟ قال: (وهم الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ) ثم يقول الله عز وجل : 

﴿  فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ(166)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 دائماً الشيطان يُعري، والرحمن يستر .

﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 الشيطان عمله الأول التعرية .


تحذير الله تعالى الإنسان من المعصية فلما لم يسمع مسَخه قرداً بأنانيته وشهوانيته:


 طبعاً أهل الضلال يظنون التعري حضارة، أن هذه البنت يجب أن تظهر مفاتنها، من حقها أن تثير الشباب، أنا أقول الآن: هناك عبادة للفتيات المؤمنات والله الذي لا إله إلا هو حينما أرى فتاة محجبة، ثياب سابغة، لا تشف عن جسمها ولا تظهر خطوط جسمها، ثيابها فضفاضة، ثخينة، ألوانها معتدلة، غير فاضحة، والله أراها قديسة، هذه فتاة تعبد الله بعبادة اسمها إعفاف الشباب، مفاتنها لمن يحل له أن يراها، لزوجها، لمحارمها، أما هذا في الطريق شاب بينه وبين الزواج عشرون سنة قادمة، تظهر له كل ما عندها من مفاتن ماذا يفعل؟ يوجد أسئلة من نوع معين تأتيني، والله بالمئات كل أسبوع، من هذا التفلت، هذه الفتاة التي تبرز كل مفاتنها لمن لا تحل له هذه تعصي الله في أشد خصوصياتها، أما التي تتحجب، لعل الله سبحانه وتعالى يهيئ لها زوجاً يعرف قيمتها ويكرمها، قال: 

﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ القرد مكشوف العورة، وهمه بطنه، والخنزير همه فرجه، فإذا مُسخ الإنسان إلى قرد، أو إلى خنزير، أنا بتصوري ولا أصر على هذا التصور أنه معنى أن الإنسان مسخ قرداً يبقى بشكل إنسان لكن همه بطنه، والثاني همه فرجه، فكل شخص همه بطنه وفرجه فهو قرد على خنزير، فقط  لذلك لا يوجد حيوان يقبل أن يلتقي مع أنثاه إلا الخنزير أمام الخنازير البقية، فلذلك: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور