وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 1020 - حقيقة تلاوة القرآن .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الخطبة الأولى
 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 أيها الإخوة الكرام، كما تعودنا معاً: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، وقلّما تجد مسلماً في رمضان لا يقرأ القرآن، وكأن قراءة ختمة في رمضان من لوازم رمضان، ولكن الموضوع اليوم عن تلاوة القرآن الكريم.

هذا هو القرآن

 القرآن الكريم هدى وبيان، وموعظة وبرهان، ونور وشفاء، وذكر وبلاغ، ووعد ووعيد، وبشرى ونذير، يهدي إلى الحق وإلى الرشد، وإلى صراط مستقيم، يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، فيه تبيان لكل شيء وهو شفاء لما في الصدور، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ... وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ... وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ... مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))

 

[ الترمذي، الدارمي، أحمد ]

القرآن بين أيدينا ميسّر، لكن أين العمل به ؟!!!

 أيها الإخوة، لكن المسلمين حينما هجروا القرآن الكريم، واكتفوا بتلاوته، فجعلوه قراطيس، والعناية بالقرآن الكريم لا حدود لها في طباعته، وفي تزيينه، وفي تلوينه، وفي ألوان الحروف المجودة، وفي طبعاته المختلفة، وفي أحجامه المتباينة، وفي أنماطه المتعددة، القرآن الكريم بين أيدينا ميسَّر، لأن الله عز وجل قال:

 

﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ﴾

 

[ سورة القمر: 17 ]

 يمكن أن تقرأه بحروف أعجمية، يمكن أن تقرأ تفسيره بكل اللغات، يمكن أن تقتني قرصاً فيه كل القراءات، والله إن العناية التي نجدها في القرآن الكريم، في طباعته، في إخراجه، في تلوينه، في تبسيطه، في ترجمته، تأخذ حداً لا يصدق.
 ولكن أين العمل به ؟ لذلك في القرآن الكريم، هذه الآية:

 

﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾

 

[ سورة الفرقان]

 يتلونه، لكن أحكامه ليست مطبقة، قال تعالى:

 

﴿ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾

 

[ سورة آل عمران: 187]

 وهذا ينطبق على المسلمين.

 

هذه هي صفات القرآن في القرآن

 أيها الإخوة الكرام، مع أن القرآن يهدي للتي هي أقوم.

 

 

﴿ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾

 

[ سورة الإسراء ]

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾

[ سورة الإسراء ]

﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة المائدة ]

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

[ سورة طه ]

 لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، قال تعالى:

 

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

 

[ سورة طه ]

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾

[ سورة فصلت ]

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ ﴾

[ سورة الإسراء: 82]

 هذا وصف القرآن في القرآن.

 

أمور لا ينبغي أن يصاب بها قارئ القرآن

 أيها الإخوة الكرام:
 ـ لا ينبغي أن يحزن قارئ القرآن.
 ـ لا ينبغي أن يصاب قارئ القرآن بإحباط.
 ـ لا ينبغي أن يصاب قارئ القرآن بالكآبة.
 ـ لا ينبغي أن يصاب قارئ القرآن بالتشاؤم.
 ـ لا ينبغي أن يصاب قارئ القرآن بالسوداوية.
 ـ لا ينبغي أن يصاب قارئ القرآن بالانقباض.
 لماذا ؟ لأن الله عز وجل يقول:

 

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

 

[ سورة فصلت: 30]

 لا تخافوا مما سيأتي، ولا تحزنوا على ما مضى، لا تخشوا مما هو آت، ولا تندموا على ما فات.

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

 

[ سورة فصلت]

 إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب، ماذا وجد من فقدك ؟ وماذا فقد من وجدك ؟

 

﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾

 

[ سورة فصلت]

 كيف يحزن قارئ القرآن، وهو يتلو قوله تعالى:

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

 

[ سورة النحل: 97]

 هذا وعد الله، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعده للمؤمن في أي ظرف، في أي مكان، في أي زمان، في أي ظروف.

 

﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

 

[ سورة النحل: 97]

آية عظيمة

لا يستوي المؤمن والفاسق والمطيع والعاصي:

 آية في القرآن الكريم تملأ الأرض طمأنينة وتفاؤلاً، وبِشراً وتوازناً وسعادة:

 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

 

[ سورة الجاثية: 21]

 هذا مستحيل وألف ألف ألفِ مستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل أن تطيعه وتخسر.

 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ﴾

 

[ سورة الجاثية: 21]

 شاب مؤمن مستقيم، يغض بصره، يضبط لسانه، يحفظ فرجه، يفي بوعده، يتقن عمله، يرجو رحمة ربه، أيعقل أن يعامل هذا الشاب كما يعامل إنسان متفلت آثم عاصٍ فاجر ؟ هذا مستحيل، إن تساوى هذا مع هذا فهذا لا يتناقض مع عدل الله، بل يتناقض مع وجوده، لا تقلق، عليك أن تستقيم، عليك أن تتجه إلى الله، عليك أن تصطلح معه، عليك أن تتوب إليه، وعلى الله الباقي، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
 قال تعالى:

 

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾

 

[ سورة الزمر]

العلاقة بين الآيتين

 ما العلاقة بينهما ؟
 حينما تعبده ستأتيك الخيرات من كل الجهات.

 

(( استقيموا، ولن تحصوا ))

 

[ أحمد، ابن ماجه عن ثوبان ]

 قال تعالى:

 

﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾

 

[ سورة النساء ]

 أنت تطلب من الله الكرامة، وهو يطلب منك الاستقامة،

 

(( يا معاذ، ما حق الله على عباده ؟ قال: أن يطيعوه، قال: يا معاذ، ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قال: ألا يعذبهم ))

 

[ متفق عليه عن معاذ ]

 هذا كلام رب العالمين، الناس يأخذون بكلام بعضهم بعضاً فتتبدل الأسعار، وتضطرب الأمور بتصريح من إنسان ضعيف، فإذا بخالق الأكوان يقول لك: لا تخف، ولا تحزن.
 أيها الإخوة الكرام:

 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ ﴾

 

[ سورة الجاثية: 21]

حياة المؤمن غير حياة الكافر

 دعك من الآخرة، ليس هناك شك في الآخرة، ولا في أن الآخرة ينالها المؤمنون الصادقون الطائعون، ويخسرها الكفار والمنحرفون في الدنيا، نحن في هذه الدنيا حياة المؤمن غير حياة الكافر، حياة المستقيم غير حياة المنحرف، حياة العفيف غير حياة المنحرف، لا يمكن أن تسوى هذه بتلك.

 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

 

[ سورة الجاثية ]

ما موقفك العملي عند تلاوة القرآن

 أيها الأخ الكريم، وأنت في رمضان تقرأ القرآن الكريم، فإذا قرأت قوله تعالى:

 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾

 

[ سورة الأنفال ]

 أنت أين من هذه الآية ؟ هل يضطرب قلبك إذا ذكرت الله ؟ هل إذا اطلعت على آية كونية أو آية تكوينية أو آية قرآنية تزداد إيماناً ؟ هل أنت متوكل على الله ؟ هل ترى أن الله عز وجل إن توكلت عليه فهو حسبك ؟

 

﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾

 

[ سورة الطلاق: 3]

 أيها الإخوة الكرام، هل أويت إلى الكهف ؟ هل دخلت إلى بيتك، وتلوت القرآن الكريم ؟ هل دخلت إلى بيتك، وصليت قيام الليل ؟ هل دخلت إلى مسجدك، وأصغيت إلى من يعلمك القرآن الكريم ؟
 قال تعالى:

 

﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ﴾

 

[ سورة الكهف]

 هل امتثلت قوله تعالى:

 

﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾

 

[ سورة إبراهيم ]

اسأل نفسك عند كل آية تقرؤها: أين أنا منها ؟

 أتمنى عليك أيها القارئ الكريم، وأيها الصائم، والذي تقرأ القرآن في رمضان أن تسأل هذا السؤال مع كل آية: أين أنت منها ؟ هل أنت مطبق لها ؟ هل أنت مقصر في تطبيقها ؟ هذا هو التدبر.

 

1 – أين أنت من المودة والرحمة مع زوجتك ؟

 أنت في البيت، وأمامك زوجة، هل إذا قرأت قوله تعالى:

 

 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

 

[ سورة الروم: 21]

 هل بينك وبينها مودة ورحمة، أم بينك وبينها الخصام والحوار، ورد التهم وتفنيد الأخطاء والكراهية ؟ معنى ذلك أن الوضع الذي في بيتك ليس سليماً، وضع فيه خلل، هكذا وصف الله المؤمنين:

 

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

 

[ سورة الروم: 21]

 هل تحاول إصلاح العلاقة مع زوجك ؟ هل تحاول أن تملك قلبها ؟ هل تحاول أن تأخذ بيدها إلى الله ؟ هل تحاول أن تطمئنها أنك لن تطلقها ؟ هل تحاول أنك تكرم أهلها حينما يأتون؟ ألا تقرأ هذه الآية:

 

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

 

[ سورة الروم: 21]

 من أين تأتي المودة ؟ من الهواء ؟ تأتي من العمل، تأتي من الابتسامة، تأتي من الثناء، تأتي من التطمين، تأتي من المودة، تأتي من الهدية، تأتي من العفو، تأتي من التسامح، أنت حينما تقرأ القرآن ألم يخطر في بالك أنه إذا كانت العلاقة بينك وبين زوجتك ليست كما وصف الله فهناك في البيت خلل لا بد من إصلاحه.

 

2 – هل أنت تعاشر زوجتك بالمعروف ؟

 أيها الإخوة الكرام، إذا قرأت قوله تعالى:

 

 

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾

 

[ سورة النساء]

 هل عاشرتها بالمعروف ؟ هل امتنعت عن إيقاع الأذى بها ؟ ليس الامتناع عن إيقاع الأذى معاشرة بالمعروف، لا والله، المعاشرة بالمعروف أن تحتمل الأذى منها، إنها زوجتك وأم أولادك، ألا يترجم القرآن إلى واقع ؟ ألا يترجم إلى سلوك ؟ إلى نمط أعيشه ؟ لماذا القرآن في واد، وأنا في واد ؟ لماذا يمتلئ البيت بالصخب والكراهية والاتهام، بينما القرآن الكريم يصف العلاقة بين الزوجين بالمودة والرحمة ؟ لا نكن كالنعامة نغرس رؤوسنا في الرمال، إذا قرأت القرآن الكريم، وهذا كلام الخالق، هذا كلام الخبير، فقل: أين أنا من هذه الآية ؟

 

3 – كيف أنت مع أولادك:

 الأولاد الذين في بيتك، هل تعلم علم اليقين أنك إذا أحسنت تربيتهم، أحسنت توجيههم، حرصت على إيمانهم، على استقامتهم، بذلت جهداً في معرفة أصدقائهم أعطيتهم، أكرمتهم، أدخلت الفرحة إلى قلوبهم، فمالوا إليك، وانضموا إليك، وائتمروا بأمرك، ووالوا من توالي، وأحبوا من تحب، هل تعلم علم اليقين أن هؤلاء الأولاد كل أعمالهم إلى يوم القيامة في صحيفتك، قال تعالى:

 

 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

 

[ سورة الطور: 21]

 ألا ترى أنك إذا اعتنيت ببنت أو بابن، فكان ابناً صالحاً، وبنتاً صالحة، أن الذرية من هذين الولدين إلى يوم القيامة في صحيفتك، قال تعالى:

 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

 

[ سورة الطور: 21]

4 – كيف لباسُك خارج البيتِ ؟

 هذه التي تقرأ القرآن في رمضان مسلمة، تقرأ القرآن وثيابها محتشمة في أثناء قراءة القرآن، لكنها إذا خرجت إلى الطريق ليست كذلك، ألم تقرأ قوله تعالى:

 

﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾

 

[ سورة النور: 31]

 لا يحتاج إظهار الزينة إلى الضرب بالأرجل، الزينة صارخة، وظاهرة، ومفضوحة، ومكشوفة، ولم يبق للزوج شيء، إذا قرأت أخت القرآن الكريم هل هي في مستوى هذه الآية:

 

﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ ﴾

 

[ سورة النور: 31]

 ألا تعلم المرأة أن لها عبادة عند الله عظيمة ؟ أنا أسميها عبادة إعفاف الشباب حينما تستر مفاتنها، وترتدي ثياباً فضفاضة، وثياباً سميكة، وثياباً ذات ألوان رصينة وحينما تستر مفاتنها أنها تقوم بأجل عبادة لها، إنها تسهم في إعفاف الشباب، لا تسهم في إفسادهم وإثارة غرائزهم، إنه لا يحزن قارئ القرآن.

 

5 – كيف أنت مه الوفاء بالعهود ؟

 أيها الإخوة الكرام، كم مِن عقد مالي بين المسلمين نُقِض ؟ الله عز وجل يقول:

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾

 

[ سورة المائدة: 1]

 هل أنت عند عهدك ؟ هل أنت عند وعدك ؟ هل وقعت عقداً تفي به، ولا تنكله، ولا تتراجع به ؟ هل تعتقد أنك ذكي إذا نكلت بالعهود، وتقول في نفسك بالتعبير الدارج: ألف قلبة ولا غلبة ؟ هل هذا الإيمان ؟

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾

 

[ سورة المائدة: 1]

6 ـ هل تستثمر المال بطريقة ربوية ؟

 هل تقرأ القرآن، وتستثمر المال بطريقة ربوية ؟ وتأتي إلى المسجد، وتصلي في الصف الأول، وتقرأ ختمة في رمضان، بل تطلب قراءة مجودة تسمعها لأئمة القرآن، واستثمار أموالك في الربا ؟ هذا الذي يحصل.
 ذكرتكم قبل حين أنني سألتزم الحقيقة المرة قبل الوهم المريح، ما من مسلم إلا ويقرأ القرآن في رمضان، إذا كان المال في المصرف، وله فائدة ربوية، أو الربا بطرق لا تعد ولا تحصى، وتقرأ القرآن:

 

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾

 

[ سورة البقرة: 276]

﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة]

 هل تضبط علاقاتك المالية وفق الآيات التي تقرؤها في رمضان، أم أن القرآن في واد، وعلاقاتك المالية في واد ؟ هل جعلت القرآن قراطيس ؟ هل جعلت القرآن تراثاً للأمة ؟ نصا فلكلوريا تقرؤه في رمضان، أم أنه كلام الواحد الديان ؟ كلام مَن بيده كلُّ شيء، من بيده رزقك، من بيده صحتك، من بيده زوجتك، من بيده أولادك، من بيده من فوقك، ومن تحتك.
 أيها الإخوة الكرام، في العلاقات الاجتماعية ما من مسلم إلا ويقرأ القرآن في رمضان.

 

7 ـ هل كلامك مع الناس طيب أم سيئ ؟

 هل قرأت قوله تعالى:

 

 

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾

 

[ سورة الإسراء: 53]

 الكلمة الطيبة، الكلمة المؤنسة، الكلمة المعتدلة، الكلمة الحامية، أن تتفنن في إيقاع الأذى بكلامك ؟ لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، وقد عدّ الإمام الغزالي أكثر من ثلاثين معصية يقترفها اللسان:

 

﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ﴾

 

[ سورة الإسراء ]

8 ـ هل أنت ممن يصلح ذات البين ؟

 ألا تقرأ قوله تعالى:

 

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾

 

[ سورة الأنفال: 1]

 هل أصلحت العلاقة بينك وبين الله ؟ هل أصلحت العلاقة بينك وبين الخلق ؟ هل أصلحت علاقة بين إنسانين، أم أن علاقاتك مع شريكك، ومع أخيك، ومع أختك، ومع جارك علاقة سيئة، وبالمحاكم، والدعاوى مستمرة، وتأتي في رمضان إلى المسجد لتقرأ القرآن ؟ أرأيت إلى هذا التناقض المريع، والمفارقة الحادة ؟

 

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾

 

[ سورة الأنفال: 1]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾

[ سورة الحجرات: 12]

9 – هل أنت ممن يسيء الظن بالمسلمين ويتجسس عليهم ويغتابهم ؟

 كم من شركة فصمت بسبب سوء ظن آثم ؟ وكم من طلاق تم بسبب سوء ظن آثم ؟ و كم من بناء اجتماعي انهارت دعائمه بسبب سوء ظن آثم.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾

 

[ سورة الحجرات: 12]

 نتتبع الأخبار السيئة:

 

﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾

 

[ سورة الحجرات: 12]

 مجالس المسلمين ممتلئة بالغيبة والنميمة، قالت عائشة: يا رسول الله ـ عن صفية ـ إنها قصيرة، قال:

 

(( يا عائشة، لقد قلت كلاماً لو مزج بمياه البحر لمزجته ))

 

[ الترمذي وأبو داود ]

 مجالس المسلمين مفعمة بالغيبة:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾

 

[ سورة الحجرات: 12]

10 – هل تسخر من الناس وتلمزهم وتنابزهم بالألقاب ؟

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾

[ سورة الحجرات: 11]

 ألا يُسخر من زيد و عبيد ؟ ألا يُقلد ؟ ألا يحاكى ؟ ألا يسخر منه ؟

 

﴿ لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾

[ سورة الحجرات: 11]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا ﴾

[ سورة المائدة: 8]

11 ـ هل يحملك بغضُ الناس على ظلمهم ؟

 سبعة آلاف دعوى في قصر العدل أحد الطرفين ظالم، وجميعهم من المسلمين ؟ سبعة آلاف دعوى في مدينة واحدة بين مدع ومدَّعى عليه، وأحد الطرفين ظالم، وهم مسلمون:

 

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾

 

[ سورة المائدة: 8]

12 ـ هل أنت واثق من بنصر الله وحفظِه لك ؟

 أيها الإخوة الكرام، في العلاقات الدولية تهديد يحطمنا، شبح حصار اقتصادي ينقلنا إلى اليأس، أين الله ؟ يقول الله عز وجل كن مؤمناً و استفد من هذه الآية:

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 

[ سورة الحج: 38]

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾

[ سورة آل عمران: 173]

 أيها الإخوة الكرام، هذه الآية تنطبق على المسلمين اليوم:

 

﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ﴾

 

[ سورة آل عمران: 173]

 تارة يصرح البابا تصريحات غريبة جداً، وتارة يرسم الرسام صوراً مشوهة لرسول الله، وتارة يدنس المصحف، وتارة تقف امرأة تخطب في الناس تحدياً لمنهج الله عز وجل ، ولأحكامه الفقهية:

 

﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾

 

[ سورة آل عمران: 173]

 أيها الإخوة الكرام:

 

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى﴾

 

[ سورة الشعراء: 61]

 الأمل صفر، لا يوجد أمل أبداً، فرعون بقوته، وأسلحته وجنوده، وحقده وجبروته وغطرسته وراء شرذمة قليلة فيهم نبي كريم:

 

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾

 

[ سورة الشعراء ]

ألا تقرؤون هذه الآيات ؟ فلماذا اليأس ؟

 ألا تقرؤون هذه الآيات ؟ ألا تقرؤون قوله تعالى:

 

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 ألا تقرؤون قوله تعالى:

 

﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ﴾

 

[ سورة آل عمران: 160]

 ألم تقرؤوا قوله تعالى:

 

﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾

 

[ سورة الصافات: 173]

 ألم تقرؤوا قوله تعالى:

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

 

[ سورة النور الآية:55 ]

 هذه كلام خالق الأكوان، وزوال الأكوان أهون على الواحد الديان من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، لماذا اليأس ؟ لماذا تقول انتهى المسلمون ؟ لأن أعداءهم أقوياء يفعلون ما يريدون و ترى المسلم يدافع عن الأعداء، يؤكد أن الذي يريدونه سيقع و لا يدخل الله في حاسباته أبداً.

 

مع سيدنا يونس في بطن الحوت

 أيها الإخوة الكرام، قد تأتي بعض المصائب، هل من مصيبة أكبر أن يجد الإنسان فجأة نفسه في بطن حوت، وجبة الحوت أربعة أطنان، والإنسان مئة كيلو لقمة واحدة، ويستطيع الإنسان أن يقف في فم الحوت، سيدنا يونس نبي كريم وجد نفسه في بطن الحوت:

 

 

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾

 

[ سورة الأنبياء: 87]

 في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل:

 

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾

 

[ سورة الأنبياء]

قانون عام:

 دقق الآن، قال تعالى:

 

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

 

[ سورة الأنبياء]

 في أي زمان، و في أي مكان، وفي أي ظرف، وفي أي وضع:

 

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

 

[ سورة الأنبياء]

شروط الدعاء

 أيها الإخوة الكرام، الله عز وجل جعل للدعاء شروطاً:

 

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

 

[ سورة البقرة]

 استنبط العلماء أن للدعاء شروطاً:
 ـ أن تؤمن بالله.
 ـ وأن تستجيب له.
 ـ وأن تدعوه مخلصاً.

 

من يُستثنى من هذه الشروط ؟

 

المضطر والمظلوم:

 ولكن هذه الشروط يعفى منها إنسانان: المضطر والمظلوم.
 فالمضطر يعفى من شروط الدعاء، فإذا دعا الله عز وجل يستجيب له، لا بأهليته، ولكن برحمة الله.
 والمظلوم إذا دعا الله يستجيب له، ولو كان كافراً، اتقوا دعوة المظلوم، ولو كان كافراً، فإنها ليس بينها و بين الله حجاب، يستجيب الله لدعوة المظلوم لا بحسب أهليته للدعاء، ولكن بعدل الله.

 

هل تسأل هذا السؤال: لماذ كانت حياة الطرف الآخر مترفة ؟

 أيها الإخوة الكرام، ترى بلداً متقدماً غنياً جميلاً، ثرواته طائلة، الرفاه لا يسبق مع الكفر والانحراف والإباحية، والفساد والشذوذ والاستعلاء والغطرسة، فتقع في حيرة، اقرأ القرآن:

 

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

 

[ سورة النعام ]

 الدنيا تملأ قلب المسلمين، يقول الله عز وجل ينصحنا:

 

﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾

 

[ سورة النساء]

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة القصص]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص]

 أيها الإخوة الكرام، ذكرت لكم لقطات وشذرات وومضات من آيات القرآن الكريم، أنا أتمنى عليكم أن تكون صلة بين ما تقرأ وواقعك، أن تسأل نفسك عند كل آية: أين أنا منها ؟ هل تنطبق علي ؟

 

أحاديث نبوية في فضل القرآن: علما وتعلما وقراءة وتدبرا

 

الحديث الأول:

 أيها الإخوة الكرام، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( خيركم من تعلم القرآن و علمه ))

 

[ البخاري عن عثمان ]

 يقول سيدنا عمر: << إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، و يضع به آخرين >>.

 

الحديث الثاني:

 يقول عليه الصلاة والسلام في أحاديث متفق عليها:

 

 

(( إن الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ))

 

[ متفق عليه عن عائشة ]

الحديث الثالث:

 وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ... ))

 

[ متفق عليه ]

الحديث الرابع:

 وعَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ، وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ))

 

[ متفق عليه ]

الحديث الخامس:

 وفي حديث وجهه النبي لسيدنا معاذ:

 

(( يا معاذ، المؤمن لدى الحق أسير ))

 

[ أبو نعيم في الحلية عن معاذ ]

 يعلم أن عليه رقيباً على سمعه وبصره ولسانه ويده، وإن المؤمن قيده القرآن عن كثير من هوى نفسه وشهواته، وحال بينه وبين أن يهلك فيما يهوى.

 

الحديث السادس:

 ورد عن رسول الله أنه:

 

 

(( لا يحزن قارئ القرآن ))

 

[ الجامع الصغير عن أنس بسند فيه مقال ]

الحديث السابع:

 

(( ولا يعذب الله قلباً وعى القرآن ))

 

[ الدارمي وابن أبي شيبة عن أبي أمامة ]

الحديث الثامن:

(( ومن جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت ))

[ الجامع الصغير عن أنس]

الحديث التاسع:

 ويقول أيضاً:

 

(( اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لم ينهك فلست تقرؤه ))

 

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

الحديث العاشر:

(( ما آمن بالقرآن من استحل محاره ))

[ الترمذي عن صهيب ]

الحديث الحادي عشر:

(( ورب تال للقرآن و القرآن يلعنه ))

[ ورد في الأثر]

 أردت أن تقيموا علاقة متينة بين ما تقرؤون وبين واقعكم، وهذا هو التدبر.
 أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

 

* * *

 الخطبة الثانية
 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم.

من التطبيقات العملية للخطبة

 أيها الإخوة الكرام، كتطبيق عملي صاحب لموضوع الخطبة أقرأ لكم هذا النص.

 

مع الأحنف بن قيس: أين أنا من هذه الآية ؟

 ذكر الحافظ المروزي في جزء قيام الليل عن الأحنف بن قيس أنه كان يوماً جالساً فعرضت له هذه الآية:

 

 

﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

 

[ سورة الأنبياء]

 فانتبه الأحنف، وقال عليّ بالمصحف لألتمس ذكري فيه، حتى أعلم من أنا، ومن أشبه، أي أنه لما علم أن القرآن قد ذكر جميع صفات البشر، وبيّن طبقاتهم ومراتبهم أراد أن يبحث عن نفسه في أي الطبقات، وفي أي المراتب هو، فتح المصحف، وقرأ:

 

﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾

 

[ سورة الذاريات]

 و مرّ بقوم:

 

﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

 

[ سورة السجدة]

 و مرّ بقوم:

 

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

 

[ سورة آل عمران]

 و مرّ بقوم:

 

﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

 

[ سورة الحشر]

 وقف الأحنف، ثم قال: اللهم لست أعرف نفسي هاهنا، أنا لست من هؤلاء، كن واقعيا، كن جريئاً، لا تختبئ في الرمل، كن جريئاً، لا تحابِ نفسك، هل أنت من هؤلاء ؟
 الأحنف بن قيس من كبار العلماء، ومن كبار التابعين، ومن كبار الصالحين، قال: اللهم لست أعرف نفسي هاهنا، أي لم يجد هذه الصفات في نفسه حتى يعد نفسه من هؤلاء، ثم أخذ الأحنف السبيل الآخر، فمر بالمصحف على قوم:

 

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾

 

[ سورة الصافات]

 و مرّ على قوم:

 

﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾

 

[ سورة المدثر]

 ووقف الأحنف، وقال: اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء، أنا أيضاً لست من هؤلاء.
 فما زال يقلب ورق المصحف، ويلتمس في أي الطبقات هو حتى وقع على هذه الآية:

 

﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

 

[ سورة التوبة]

 فقال: أنا من هؤلاء.
 اقرأ أين أنت ؟ في كل آية اسأل نفسك: أين أنت منها، هل أنت مطبق لها، هل تصفك أم أنت على عكسها هذا التدبر.
 إن أردتم أن تقرؤوا القرآن في رمضان هكذا افعلوا، أما تلاوة جوفاء كأنك تريد أن تنهي عدة ختمات في هذا الشهر، وحياتك في واد، وعملك في واد، وكسب مالك في واد وإنفاق مالك في واد، وبناتك في واد، وأهلك في واد، والبيت في واد، والقرآن في واد.

 

الدعاء

 اللهم يا حي يا قيوم، اجعل القرآن ربيع قلوبنا، و نور أبصارنا، و جلاء حزننا و ذهاب همنا وغمنا، اللهم ارحمنا بالقرآن، و اجعله لنا إماماً، و نوراً وهدى ورحمة، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعله حجة لنا لا علينا يا رب العالمين.
 اللهم زينا بزينة القرآن، وأكرمنا بكرامة القرآن، وشرفنا بشرف القرآن، اللهم اجعل القرآن لنا في الدنيا قريناً، وفي القبر مؤنساً، وفي القيامة شفيعاً، وعلى الصراط نوراً، وفي الجنة رفيقاً ومن النار ستراً.
 اللهم ارزقنا أن نتلوه حق تلاوته كما تحب وترضى، و أن نعمل به كما ينبغي وتريد، وأن نتعلمه، ونعلمه كما أمرنا نبيك الحبيب، اللهم اغفر وارحم لكل من يعلم تلاوته وتفسيره، وحكمه وأحكامه، ونظمه و بيانه، وإعجازه وإحكامه، وزدنا من فضلك العظيم، فإنك ذو فضل عظيم، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور