وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 53 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 181 - 184، السلوك الإيجابي يعكس إيجابية صحيحة وصادقة وموضوعية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. 


توزيع الكمالات البشرية بين خلق الله عز وجل :


أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثالث والخمسين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الواحدة والثمانين بعد المئة، وهي قوله تعالى: 

﴿  وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181)﴾

[ سورة الأعراف ]

أيها الإخوة، الله عز وجل قبل آيات عدة يقول: 

﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)﴾

[  سورة الأعراف ]

إذاً: هناك كثيرون شردوا عن الله عز وجل فاستحقوا النار، وهذا لا يعني أن كل البشر كذلك، ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ أما كلمة ﴿أُمَّةٌ﴾ الكمال البشري من شأنه أنه متعدد، هناك شجاعة، هناك كرم، هناك حكمة، هناك حلم، هناك لطف، هناك قوة، هناك إباء، هناك رحمة، الكمال البشري متنوع، ولحكمة بالغةٍ بالغة أن كل واحد من بني البشر ممن آمن بالله تفوق بكمال من هذه الكمالات، يغلب على صفات إنسان أنه كريم، إنسان آخر أنه شجاع، إنسان آخر أنه حليم، إنسان آخر أنه يحب خدمة الخلق، فهذه الكمالات البشرية موزعة بين خلق الله عز وجل.


كمال النبي عليه الصلاة والسلام كمال شمولي :


لذلك ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ﴾ الأمة تجتمع فيها كل الكمالات، هذا شيء واقع، بحياتنا أستاذ جامعي كبير، داعية كبير، مثلاً: محسن كبير، عالم كبير، قائد كبير، إنسان مكّنه الله من مقارعة الأعداء، سيدنا صلاح الدين، سيدنا خالد، إنسان مكّنه الله من إقامة العدل، سيدنا عمر، فكل إنسان له كمال تفوق به، مجموع هذه الكمالات يشكل أمة، إلا أن إبراهيم عليه السلام كان أمة وحده. 

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)﴾

[  سورة النحل  ]

سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام أمة وحده، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده، بينما أمته معصومة بمجموعها. 

(( إنَّ اللَّهَ لا يجمعُ أمَّتي على ضلالةٍ ويدُ اللَّهِ على الجماعةِ ))

[ الألباني عن عبد الله بن عمر ]

والنبي عليه الصلاة والسلام كماله شمولي . 

﴿  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)﴾

[  سورة القلم  ]

شجاعته، وحلمه، ورحمته، ورقته، ولطفه، هذه الصفات كلها مجتمعة في شخص النبي -عليه الصلاة والسلام-، هو معصوم بمفرده، وكل الكمالات البشرية محققة فيه بمفرده، بينما أمته معصومة بمجموعها، والكمالات موزعة فيها، هذا شيء واقع، طبيب، مهندس، محامي، اختصاصات، محسن كبير، داعية كبير، قائد شجاع، فكل كمال في النبي موجود فيه، وكل كمال في أمة محمد موجود فيه، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا﴾ ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ طبعاً نبهت وقتها أن ﴿ذَرَأْنَا﴾ لا تعني أننا خلقنا لجهنم، هذه اللام لام المآل، خلقنا خلقاً كثيرين، منهم شردوا عن الله -عز وجل- فاستحقوا النار، فاللام لام المآل، ليست لام التعليل، خلق كثير عرفوا الله -عز وجل- فاستحقوا الجنة.


الله عز وجل خلق الإنسان ليسعده :


إذاً : 

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)﴾

[ سورة الكهف  ]

﴿  إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3)﴾

[  سورة الإنسان  ]

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾

[  سورة البقرة  ]

خلق الله الخلائق، خلقها جميعها ليسعدها . 

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119)﴾

[  سورة هود ]


الحكمة من المصائب :


قد تقول ما حكمة المصائب؟ المصائب حكمتها تماماً كحكمة المكبح في السيارة، السيارة صنعت من أجل أن تسير، والمكبح عَقَدياً يتناقض مع علة صنعها، لكنه أكبر ضمان لسلامتها.  

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21)﴾

[  سورة السجدة  ]


المتفوق داعية إلى الله بعمله لا بلسانه :


﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ يعني الله -عز وجل- حينما أكرم المؤمنين بهذه الكمالات، هذه الكمالات مشاعر داخلية تنعكس سلوكاً خارجياً، فالقلب الرحيم رحيم، لكن سلوكه رحيم، قلب الحليم حليم لكن حركته فيها حلم، فصارت الكمالات البشرية قدوة وأسوة لمن حولهم.

تصوّر أب ما سمع أولاده منه كلمة بذيئة، أبلغ الظن أن أولاده ينضبطون في كلامهم، أب كلما دخل وقت الظهر توضأ وصلى أمام أولاده، فالأب أسوة في صدقه، في حكمته، في ضبط لسانه، في عبادته، في معاملته، في كرمه، في رحمته، فهؤلاء المؤمنون الذين شرفهم الله -عز وجل- بكمال بشري هم في الحقيقة دعاة صامتون، دون أن يشعروا، فالمتفوق داعية لكن لا بلسانه بل بعمله، والدليل أن في بعض الأحاديث الشريفة حديثاً يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام : 

((  استقيموا يستقم بكم  ))

[ أخرجه الطبراني عن سمرة بن جندب وهو ضعيف ]

يكفي أن تكون أميناً فأمانتك دعوة إلى الأمانة، يكفي أن تكون صادقاً صدقك دعوة إلى الصدق، يكفي أن تكون مؤدياً لعباداتك، أداؤك لعبادتك في محفل عام دعوة لأداء العبادات، فأنت يمكن أن تكون داعية كبيراً بلسانك، ويمكن أن تكون داعية كبيراً بعملك.

هؤلاء التجار التسعة الذين ذهبوا إلى إندونيسيا، فيها ثلاث عشرة ألف جزيرة، هؤلاء التجار التسعة أغلب الظن أنهم ما تكلموا كثيراً، لكنهم فعلوا كثيراً، فإذا بأكبر قطر إسلامي يعد 250 مليوناً كله مسلم عن طريق هؤلاء التجار.

لذلك حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام : 

((  التَّاجِرُ الأمينُ الصَّدُوقُ مع النَّبيِّينَ  ))

[ أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الخدري وهو ضعيف ]

الصين فيها 80 مليوناً، زرت مسجداً في بكين عمره 1200 عاماً، والذي بنى المسجد مدفون في صحن المسجد، قلت: إنسان دخل إلى الصين، الآن دعوته شملت 80 مليون إنساناً.


الأسوة الحسنة طريقة مذهلة في التعليم :


النقطة الدقيقة: أن كمال الإنسان كماله بأخلاقه، بعفته، باستقامته، بأمانته، بصدقه، برحمته، بإنصافه، بحلمه، هذه الأخلاق الراقية جعلت منه أسوة حسنة لمن حوله، أنا أتصور أباً مؤمناً بلا جهد أولاده كذلك، يرون أباهم، يرون أدبه، يرون حكمته، يرون رحمته، يرون سخاءه، كرمه، نحن عندنا طريقة للتعليم مذهلة؛ الأسوة، بلا كلام، بلا إلقاء خطابات، بلا توجيه نصائح، بلا توجيه مواعظ، بلا زجر، لا، كن كاملاً في البيت، كمالك يعد أسوة لأولادك، المعلم الكامل أسوة، مدير المؤسسة الكامل عادل بين الموظفين، متواضع لهم، يحترمهم، يسأل عن أحوالهم، يلبي حاجاتهم، يرحمهم، لو أن أحد كبار الموظفين عُين رئيس دائرة في الأعم الأغلب سيقلد مديره العام، برحمته، وإنصافه.


كمال الإنسان يجعله قدوة أمام الآخرين :


لذلك هناك طريق سالك وسهل طريق الأسوة الحسنة، سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته وقال: إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا، ويم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه، إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني، فصارت القرابة من عمر مصيبة.

الآن أنت حينما تكون كاملاً، يعني زوج ناجح، أب ناجح، أب رحيم، كلامك لطيف، قلبك ممتلئ رحمة لأولادك، لك أجران، أجر أنك كنت كاملاً، وأجر أن من حولك اقتدوا بك، فأنت تُثاب على كمالك، وعلى كمال الذي قلدك، ولا سمح الله ولا قدر أب مدخن، أو معلم مدخن، يتحمل إثم التدخين هو، ومن قلده من طلابه، بشكل أو بآخر أي خطأ من إنسان له منصب قيادي العقاب مضاعف، عقاب خطئه، وخطأ من قلده، وأي موقف كامل لإنسان له منصب قيادي، معنى منصب قيادي الأب منصبه قيادي بالبيت، والأم، والمعلم، مدير الدائرة، مدير المستشفى، مدير الجامعة، مدير المعمل، أي إنسان مكنه الله من أن يدير جمعاً من الأشخاص منصبه قيادي، فكمالاته لها أجر مضاعف، وسيئاته عليه منها وزر مضاعف، وزره ووزر من قلده.

الله عز وجل يقول : ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ﴾ وهو صامت، لذلك أنا أقول: هناك الآن دعوة صامتة، لا تحتاج إلى ضجيج، ولا إلى رفع صوت، ولا إلى زجر، ولا إلى خطابة مُفوَّهة، كن مستقيماً، استقامتك دعوة، وكن أميناً، أمانتك دعوة، وكن صادقاً، صدقك دعوة، وكن حليماً، حلمك دعوة، وكن متفوقاً، التفوق دعوة .


الحق الشيء الثابت والهادف والباطل الشيء الزائل والعابث :


﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ﴾ ما الحق؟ كلمة ترد في القرآن كثيراً، الله -عز وجل- هو الحق، لكن ما معنى : 

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) ﴾

[  سورة التغابن  ]

معنى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ أي أن الحق لابس خلق السماوات والأرض، الحق معناه: الشيء الثابت والهادف، يقابله الباطل: الشيء الزائل والعابث، مثلاً:

قد يُنصَب سيرك في بلد ما، السيرك أسبوعان، وفيه ألعاب بهلوانية، فيه فيل ووحوش، قضية تسلية، أولاً مؤقت، هذا المخيم الكبير لأسبوعين فقط، وهذا السيرك لا يقدّم علماً عميقاً، ولا يقدم فكراً دقيقاً، ولا يقدم تعليماً رائعاً، يقدم ألعاب تسلي الإنسان فقط.

فالشيء الباطل الشيء الزائل، والشيء الباطل الشيء العابث، أحياناً تُبنَى جامعة، هذه تبنى لتكون إلى مئات السنين، هناك جامعة يقول لك من 1500 عمرها، الآن 2000، من 500 عام، هذه الجامعة بُنيت لتبقى، إذا: حق -هذا تقريب- هذه الجامعة هدفها تزويد الأمة بقادة، بأطباء بمهندسين، بقضاة، بعلماء، بعلماء فلك، علماء ذرة، فالهدف كبير، الهدف راقٍ، الهدف نبيل، فالحق الشيء الثابت، والشيء الهادف، والباطل الشيء الزائل، الإلحاد باطل.

لذلك الدولة العملاقة التي قامت على الإلحاد بقيت سبعين عاماً ثم زالت، أصبحت أفكارها في الوحل، الباطل مهما يكن قوياً زائل، لقوله تعالى : 

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾

[  سورة الإسراء  ]

مهما يكن متعدداً كم فرقة ضالة طرأت على التاريخ الإسلامي، أين هي الآن؟ الذي بقي هو الحق، الذي بقي من تمسك بالقرآن، وسنة النبي العدنان.


تناقض تأليه الأشخاص مع منهج الله عز وجل :


لذلك أيها الإخوة، أريد أن أبين أن الفرق الضالة تجمعها خصائص، من هذه الخصائص أنها تؤله الأشخاص، تأليه الأشخاص يتناقض مع منهج الله. 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[  سورة الكهف  ]

دخل أعرابي على مجلس النبي قال: أيكم محمد؟ ما له مكان خاص، ولا هيئة خاصة، ولا ثياب خاصة، ولا كرسي خاص، أيكم محمد؟ الفرق الضالة من شأنها أنها تؤله الأشخاص، وتخفف التكاليف، هذه الفرقة ألغت الصلاة، هذه الفرقة ألغت الصيام، هذه ألغت الزكاة، تؤله الأشخاص، وتخفف التكاليف، وتعتمد على نصوص موضوعة لا أصل لها.

اعتماد الفرق الضالة على الأحاديث الموضوعة و تخفيف التكاليف :

الفرق الضالة تعتمد على أحاديث موضوعة، وعلى تأويلات باطلة، وعلى قصص هزيلة، تالفة، والصفة الثانية أنها تخفف التكاليف، الآن الانتماء سهل جداً، أما تطبيق المنهج صعب، يكفي أن تقول أنا مع فلان، سهلة، هل أنت مستقيم؟ هل أنت صادق؟ هل أنت أمين؟ هل أنت وقاف عند حدود الله؟ .

لذلك الديانات الأرضية في آسيا تعد 90 مليوناً، لا يوجد فيها منهج، تأليه بوذا فقط.

مرة زرت معبداً في أمريكا لديانة أرضية آسيوية، وجدت صنماً من البرونز، صدقوا أيها الإخوة أن صدره فيه حبات ألماس بمئات الملايين، برونز أسود صدره كله حبات ألماس موشورية برلنت بالملايين، رأيت بعض الأتباع ينبطحون، سجودهم انبطاح كامل، وهم مثقفون، ورأيت كسارة جوز هند بمدخل المعبد، سألت؟ قال: الآلة تحب جوز الهند، والله زيارة لا أنساها بأمريكا بلوس أنجلوس، كيف يحب هذا الصنم من البرونز والألماس جوز الهند؟ شيء غير معقول!  

فكل شيء أرضي، الانتماء سهل، لأنه لا يوجد منهج، لا يوجد افعل ولا تفعل، يكفي أن تعلن انتماءك لهذا المنهج، القضية سهلة جداً، لكن الإسلام فيه منهج، فيه أحكام، فيه أوامر، فيه نواهٍ، فيه محرمات، فيه عبادات، فيه هدف، فيه التزام.

من هنا الآية الكريمة: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ﴾ يوجد حق ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ الفرق الضالة كلها تؤله الأشخاص، وتخفف التكاليف، وتعتمد على نصوص موضوعة، وضعيفة، وقصص تالفة، وذات نزعة عدوانية، هذه الصفات الأربع تتصف بها كل الفرق الضالة .


عظمة الدين الإسلامي :


أما الكتاب والسنة، سيد الخلق وحبيب الحق قال : ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ -دقق- لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً، سيد الخلق، لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً، والأبلغ من ذلك : 

﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾

[  سورة الأعراف  ]

الأبلغ من ذلك قل لا أعلم الغيب . 

﴿  قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(13)﴾

[  سورة الزمر  ]

هذا من؟ سيد الخلق، حبيب الحق، سيد ولد آدم، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فلأن لا أملك لكم نفعاً ولا ضراً من باب أولى، لا أعلم الغيب ﴿أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾

أيها الإخوة، أرأيتم إلى عظمة هذا الدين ؟ .


كل شيء مبني على العدوان والكذب والدجل زاهق لا محالة :


إذاً: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ الحق الشيء الثابت والهادف، الدين حق، أما هناك آلاف النشاطات العابثة والزائلة لا قيمة لها إطلاقاً، هي الباطل، الباطل زائل، يعني جدار أنشأناه بلا شاقول مائل، لأنه أُنشئ بلا شاقول هذا مصيره إلى الوقوع، أما الجدار الذي أُنشئ وفق مبادئ صحيحة هذا من شأنه البقاء، فالحق باقٍ، والباطل زائل.

الذين رفعوا شعار لا إله، عندهم قنابل ذرية، قنابل نووية، يحكمون تقريباً ثلث العالم، كل هذه القوة، وكل هذه الغطرسة، وكل، وكل، تلاشت، وانتهى الأمر. 

﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ والقوة الثانية التي أرادت الهيمنة على العالم لا بالحق بل بالباطل أيضاً زائلة، والذين احتلوا هذه البلاد، الفرنجة بقوا فيها تسعين عاماً، وبعدها خرجوا إذاً: ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ كل شيء مبني على العدوان والكذب والدجل هذا زاهق لا محالة.


من كان متفوقاً تفوق من حوله :


﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ التركيز اليوم على أنك إذا كنت متفوقاً تفوق من حولك، إذا كنت صادقاً صدق من حولك، إذا كنت أميناً كان أميناً من كان حولك، فالكمال وحده دعوة إلى الله، أنت لا تحتاج إلى قدرة على الخطابة، ونصوص تحفظها، تجد أباً صالحاً، أولاده صالحون.

هناك نقطة دقيقة: إنسان أُميّ لا يقرأ ولا يكتب، اشترى مكيفاً، فتح مفتاح التشغيل، جاءه الهواء البارد، تمتع به، شخص آخر معه دكتوراه بالتكييف من أرقى بلاد العالم، اشترى مكيفاً، وضعه بغرفته، فتح التشغيل جاءه الهواء البارد، فقال بعضهم: الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به، يستطيع إنسان أُميّ أن ينتفع بالمكيف انتفاعاً تاماً، كما ينتفع به من يحمل دكتوراه في التكييف، القصد من هذا المثل إنسان يصدق، لا قرأ عن فلسفة الصدق، ولا عن نتائج الصدق، ولا عن الأدلة على الصدق، إنسان يلقي محاضرة عشر صفحات، الأدلة، الآيات، الأحاديث، القصص، التحليل، تحليل نفسي، تحليل اجتماعي، تحليل لغوي، يملؤك علماً من أجل أن تكون صادقاً، يأتي إنسان يصدق بالفطرة يقطف كل ثمار الصدق، احفظوا هذه القاعدة: الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به .


الموقف الكامل لا يحتاج إلى ثقافة عالية و تعمق وفلسفة يحتاج لقلب رحيم :


أجدادنا، قد تكون ثقافتهم محدودة، لكن الأب صالح، يصلي صلواته الخمس، صادق، أمين، رحيم، الأب هذا انتفع من حوله وانتفع هو بكماله من دون تحليل إيديولوجي للكمال، أنا لست مع الجهل معاذ الله، هذا الدين لكل الخلق، إنسان غير متعلم، متعلم، ثقافته عالية جداً، ابن ريف، ابن مدينة، فقير، غني، ذكاؤه متقد، محدود الذكاء، هذا الدين لكل البشر، أي إنسان طبق منهج الله –دقق- قطف ثماره كاملة، عن وعي أو عن غير وعي، عن علم أو عن غير علم، أي إنسان طبق منهج الله، قطف ثماره كاملة .

قصة أرويها كثيراً لكن جاءتني الآن خاطرة أن أرويها لكم: إنسان يعمل خطيب وإمام مسجد رأى النبي عليه الصلاة والسلام، قال له النبي في الرؤيا: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، جاره بقال إنسان بسيط جداً، فهذا الذي يخطب على المنبر، وإمام تأثرَ تأثراً سلبياً، هذه الرؤيا كان من الممكن أن تكون لي، لماذا لهذا البقال؟ طرق بابه، قال له: لك عندي بشارة، لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك؟ فامتنع، فبعد إلحاح شديد قال له: تزوجت إنسانة، بالشهر الخامس من زواجي كان حملها في الشهر التاسع، واضح هناك خطأ مرتكب، قال له: بإمكاني أن أسحقها، وأن أفضحها، وأن أطلقها، والشرع معي، وأهلها معي، والمجتمع معي، والقانون معي، والمحكمة معي، لكن أردت أن أعينها على التوبة، جاء لها بمن يولدها، ولدت، وحمل الجنين المولود تحت عباءته، وتوجه إلى جامع الورد في دمشق، وبقي واقفاً أمام الباب حتى نوى الإمام الصلاة، قال: الله أكبر، دخل ووضعه إلى جانب الباب والتحق بالمصلين، فلما انتهت الصلاة بكى هذا الصغير، تحلق المصلون حوله، وتأخر هو حتى يكتمل تحلق المصلين حوله، ثم اقترب، قال: ما القصة؟ قال: تعال انظر! جنين مولود لقيط، قال: أنا أكفله، فأخذه، ودفعه إلى أمه من أجل أن تربيه، فاستحق هذا الإنسان أن يبشره النبي الكريم أنه رفيقه في الجنة.

أحياناً الموقف الكامل لا يحتاج إلى ثقافة عالية، وتعمق، وفلسفة، يحتاج لقلب رحيم، هذه بإمكاني أن أحملها على التوبة ولي فيها أجر كبير جداً .

فيا أيها الإخوة، لمجرد أن تكون كاملاً فأنت داعية، لا بلسانك ولكن بفعلك، أنت أب معلم، عندك محل تجاري، فيه خمسة موظفين، أنت الآن منصبك قيادي، كلامك منضبط، ما عندك كلمات بذيئة، علمتهم الانضباط بالكلام، امرأة متفلتة غضضت عنها البصر، علمتهم غضّ البصر.

لذلك الآية الكريمة : ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ .


من لم يعبأ بكلام الله و أفعاله و خلقه سيتعرض لعقاب الله و تأديبه حتى يعترف بذنبه :


﴿  وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ(182)﴾

[  سورة الأعراف  ]

هناك آيات كونية، وهناك آيات قرآنية، وهناك آيات تكوينية، لم يعبأ لا بأفعال الله، ولا بخلقه، ولا بكلامه. 

﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾ الآن الدرج: تنتقل من الطابق الأول للطابق الخامس درجة، درجة، وتنتقل من الخامس للأول درجة، درجة، فالله -عز وجل- وصف استدراج من شرد عنه استدراج أنه يعترف بذنبه مرة تلو مرة، بالنهاية والله يا ربنا ما كنا بك مشركين. 

﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾ تجد الإنسان العاصي متعنت، متكبر، متغطرس، ضربة تلو ضربة، ضربة تلو ضربة، يقول لك أنا إنسان سيئ جداً، هذه متى قالها ؟ بعد أن عاقبه الله، وأجرى عليه كل ألوان التأديب حتى اعترف بذنبه. 

﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ الكونية والتكوينية والقرآنية: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ إنسان مع إنسان قد تستدرجه يبقى صاحياً، أي يفسد عليك استدراجك له، ، يقول لك: تغديت به قبل أن يتعشى بي، إنسان مع إنسان يقدر، أما الإنسان مع خالق الأكوان لا يقدر، ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ .

﴿  وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ(183)﴾

[  سورة الأعراف  ]

أي أمهلهم .


تأخير العقاب و المكافأة يعطي الإنسان الاختيار :


إخواننا الكرام فكرة دقيقة: لو شخص مع أول معصية الله قصمه، الكل يستقيم لا عن محبة لله، لو شخص مع أول عمل صالح الله كافأه، الكل يعمل أعمالاً صالحة تصبح بعقلية تجارية، لكن ممكن أن تطيعه لأمد طويل وأنت أنت، لا يوجد شيء، دخل محدود، بيت متواضع، صحة وسط، وأنت صائم، مصلٍّ، ممكن شخص يعصي الله عز وجل بكل أنواع المعاصي وضغطه 8 ـ 12 نظامي، ونبضه 80 نبضة، وصحته عمل تحليلاً لكل شيء درجة أولى مثل البغل طبعاً، ممكن تعصيه إلى أمد طويل وأنت بأعلى نوع من القوة، ممكن تطيعه، تأخير العقاب، والمكافأة تعطي اختيار، صار هناك اختيار .


وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ :


﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ تجدهم يتغطرسون، ويدمرون شعوباً، ويقصفون مدناً، ويتعالون على الله -عز وجل- ، وهم مرتاحون ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ لذلك : 

﴿  وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42)﴾

[  سورة إبراهيم  ]

﴿  إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً(15) وَأَكِيدُ كَيْداً(16)﴾

[  سورة الطارق  ]  

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ(46)﴾

[  سورة إبراهيم  ]

هذه معنى ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ .


بطولة الإنسان أن يبتغي الرفعة عند الله عز وجل :


لو شخص على أول غلطة الله عاقبه التغى الاختيار، نظر فقد بصره، الكل يغمضون أعينهم، انتهى، مثلاً دفع صدقة ليرة يأتيه عشرة، الكل يدفعون صدقات، لا، ممكن تطيعه لأمد طويل، لا يوجد شيء، لأنك تريد الآخرة، ممكن -لا سمح الله- تعصيه بكل أنواع المعاصي لا يوجد شيء، بيت، وسيارة، ودخل، وولائم، وسفر، و ذهاب و إياب، لا يوجد شيء، يقول له أين الله ؟ 

ممكن تطيعه لأمد طويل لا يوجد شيء أبداً، يوجد راحة نفسية فقط، كم مؤمن صادق فقير؟ موظف درجة عاشرة، ضارب آلة كاتبة، لكن من بيته لعمله مستقيم، صادق، أمين، صلواته الخمس يؤديها، يحب الله -عز وجل-، له درس علم يحضره، هذا قلامة ظفره تساوي مليون شخصاً، لكن بالدنيا لا تتبين الأمور، يبين مواطن عادي، لذلك : 

((  رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ  ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة  ]

ممكن أن يكون الشخص من الدرجة العاشرة اجتماعياً، موظف، حاجب، وهناك مدير عام، ومكتبان، وسكرتير، وبالنهاية الله لا يحبه، وهذا الحاجب غالٍ على الله، فأنت بطولتك أن تبتغي الرفعة عند الله: (رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بالأبواب لو أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ) 

كن ابن من شئت، غني، فقير، من أرقى عوائل دمشق، عائلة لا أحد يعرفها مغمورة، أنت عبد لله =عز وجل- ، هذه كلها عنعنات جاهلية.

أنا والله لي كلمة يا إخوان، لا يُضاف على كلمة مسلم ولا كلمة، مسلم، انتهى، تحبه غنياً متواضعاً، تحبه فقيراً، تحبه مثقفاً ثقافة عالية، سخّر ثقافته للدعوة، تحبه غير متعلم، لكن على الفطرة، صادق، أمين، كريم، تحب إنساناً أحياناً على الفطرة، مادام مسلم الإسلام صبغه بالكمال، فأنا أقول لا يضاف على كلمة مسلم ولا كلمة .


بطولة الإنسان أن يكون متواضعاً لا تهمه المراتب الدنيوية :


أيها الإخوة ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ مع الله لا يوجد ذكي، يؤتى الحذر من مأمنه. 

﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ المتانة صفة لمقاومة قوى الشد، يعني عندنا أمتن شيء بالدنيا الفولاذ المضفور، الجسور العملاقة تُعلّق بحبال فولاذية، المصاعد بحبال فولاذية، التل فريك بحبال فولاذية، هذا أمتن شيء، وأقسى شيء مقاومة قِوى الضغط الألماس، المتانة: مقاومة قوى الشد، والقساوة: مقاومة قوى الضغط، فهنا الإنسان مربوط بحبل مهما كان قوياً لا يستطيع أن يتفلت منه، مهما كان ذكياً هو في قبضة الله، بثانية بأعلى درجة من القوة، بثانية أصبح مشلولاً وهذه السنة الرابعة، أو أكثر، كم سنة صار له؟ وأمد الله بعمره . 

﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ بطولتك أن تعرف الله، تصبح متواضعاً، تصبح أديباً، لا يهمك المراتب الدنيوية، ساكن بأقل مستوى، لكن لك عند الله مكانة كبيرة .


من آمن إيماناً حقيقياً تبدلت مقاييسه و له عند الله مكانة كبيرة :


﴿  إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ(54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ(55)﴾

[  سورة القمر  ]

كن إنساناً عادياً، أقل من عادي لكن الله يحبك، وإذا أحبك الله أحبك كل شيء، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ لا تهتم بالدنيا، هذه عرض زائل، يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل، كن من أهل الآخرة، اعمل عملاً صالحاً، اطلب العلم، ادعُ إلى الله، هذا أعظم شيء، أما بيتك خارج دمشق، خير إن شاء الله !.

مرة دخلت لبيت انحرج صاحبه كثيراً، صغير جداً، قلت له هوّن عليك، سيد الخلق وحبيب الحق كانت غرفته لا تتسع لصلاته ونوم زوجته. 

((  لو كانت الدنيا تزن عند الله تبارك وتعالى جناح بعوضة ، ما أعطى كافراً منها شربة ماء  ))

[ أخرجه ابن أبي شيبة عن رجل من بني فهم  ]

إذا آمنت إيماناً حقيقياً تتبدل كل مقاييسك، مقياسك العمل الصالح، مقياسك عبادتك، مقياسك محبتك لله عز وجل، مقياسك حبك للخير، خدمة الخلق.

إذاً آيات اليوم : 

﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾

﴿  أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ(184)﴾

[  سورة الأعراف ]

علم، وحكمة، وأمانة، وصدق، وطلاقة لسان، ودعوة، وبيان ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور