وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 57 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 191 - 196، التوحيد هو أساس العقيدة السليمة - والتوحيد هو من فحوى القرآن
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع والخمسين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الواحدة والتسعين بعد المئة، وهي قوله تعالى: 

﴿  أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ(191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ(192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ(193)﴾

[ سورة الأعراف ]

 أيها الإخوة، لا شك أن فحوى هذه الآيات متعلقة بالتوحيد، ولابدّ من أن أردد لآلاف المرات أن ديننا دين توحيد، وأن التوحيد هو الدين كله، بل إن التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً، والدليل قوله تعالى : 

﴿  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25)﴾

[  سورة الأنبياء  ]


التوحيد ألا ترى مع الله أحداً :


 أيها الإخوة، التوحيد كفكرة سهل، إدراك فكرة التوحيد سهل جداً، أما أن تعيش التوحيد هذا يحتاج إلى جهد كبير، أن تعيشه لا أن تفهمه، الفرق بين أن تفهم الفكرة، وبين أن تعيشها سأوضحه بالمثل التالي:

 طالبان على مقعد الدراسة، الأول مؤمن، مستقيم، طاهر، عفيف، دخله حلال، كبر وتزوج، وعنده بيت متواضع، وصديقه الثاني غير منضبط، إيمانه ضعيف جداً، متفلت، معظم دخله من المال الحرام، لكن له دخل فلكي، بيت فخم، ومركبات، وسفر، وإقامة، وثياب غالية، وطعام نفيس، الأول إذا قرأ قوله تعالى: 

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

 الآية واضحة تمام، لكن لمجرد أن يقول: صديقي الغني هنيئاً له، هو ما عاش هذه الآية، فهم معناها لكن ما عاشها.

 فمرة ثانية: ديننا دين التوحيد، التوحيد: ألا ترى مع الله أحداً، أن ترى يد الله تعمل وحدها، أن ترى أن كل شيء وقع أراده الله، وأن كل شيء أراده الله وقع، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .


التوحيد أن ترى أن الله عز وجل بيده كل شيء :


 التوحيد أن ترى أن : 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) ﴾

[ سورة الفتح ]

 التوحيد أن ترى أنه : 

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾

[  سورة الأنفال ]

 التوحيد أن ترى أنه: 

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾

[  سورة الزخرف  ]

 التوحيد أن ترى أنه: 

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾

[  سورة الكهف  ]

 التوحيد أن ترى أنه: 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

 التوحيد أن ترى أن الله سبحانه وتعالى : 

﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)﴾

[ سورة غافر ]


عدم استطاعة الكافر فعل شيء إلا بإرادة الله عز وجل :


 هو الرافع وحده، هو الخافض وحده، هو المعز وحده، هو المذل وحده، التوحيد أن ترى أنه لا إله إلا الله، ولا معبود بحق إلا الله، التوحيد أن ترى أن : 

﴿  اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾

[  سورة الزمر ]

 لا يوجد شيء متفلت، التوحيد أن تؤمن أن الكافر مهما يكن قوياً لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا إذا سمح الله به لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها.

 التوحيد أن ترى أنه بيده : 

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 أحياناً دولة عظمى تصنع طائرة وتبيعها، الدولة المالكة للطائرة قد تقصف بها مدينة، نقول: صُنعت في هذا البلد لكن أمرها لمن اشتراها، أما عند الله: ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ .

التوحيد كفكرة سهل جداً، أما التوحيد أن تعيشه، ترى بعينك قوى الطغيان تقصف، وتضرب، وتهدم، وتتبجح، وتتغطرس، وتستعلي، وتكذب، وأن ترى أن الله -عز وجل- سمح بهذا كله لحكمة سوف نراها إن شاء الله فيما بعد .


إيجابيات الأحداث التي مرت بالمسلمين تحتاج إلى أناس متعمقين في الفهم :


 والله أيها الإخوة، إن سلبيات الأحداث يعرفها جميع الناس، ولا تحتاج إلى بطولة في إدراكها، صار قصف، هدموا المنازل، قتلوا الأبرياء، قتلوا الأطفال، سلبيات الأحداث معروفة عند الجميع، يكفي أن ترى الصورة، وانتهى الأمر، لكن إيجابيات الأحداث تحتاج إلى أناس متعمقين في الفهم.

 مثلاً: قبل عشر سنوات غير مسموح بالعالم الإسلامي أن تقول كلمة جهاد، غير مسموح بالعالم الإسلامي بأكمله، حتى مرة ملك في خطابه قال: جهاد، يأتي شخص من أطراف الدنيا ليسأله ماذا أردت من هذه الكلمة؟ فاضطر أن يقيم حفلاً مُفتعلاً ويقول: الجهاد جهاد النفس والهوى، أما الآن تستمع إلى القادة يتحدثون عن الجهاد، هذا إنجاز كبير، الجهاد دخل في حياتنا اليومية، الجهاد رأينا آثاره، قلب موازين القوى كلها.

 فئة مؤمنة طاهرة مستقيمة، هذه الفئة تستحق أن نقبل رأسها، ويديها، وأن نقبل الأرض التي تطؤها قدماها، هذه الفئة أربكت أقوى جيش في المنطقة، بل أربكت رابع جيش في العالم، واحد وعشرون يوماً لم يتحقق أي هدف، هم فقراء، جائعون، محاصرون لسنتين.

 إذا دخل الإيمان تتغير جميع المعادلات كلها، هذا التوحيد، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، أن ترى أن ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ هناك حكمة كبيرة، والله أيها الإخوة، أنا مؤمن -هكذا أقول دائماً- بكل ذرة من دمي، بكل قطرة من دمي، وبكل خلية في جسمي، أن الله لا يسمح للطغاة في الأرض أن يكونوا طغاة إلا ويوظف طغيانهم لخدمة دينه والمؤمنين، من دون أن يشعروا، ومن دون أن يريدوا، وبلا أجر، وبلا ثواب . 

أنا أتمنى عليكم أن تدعوا السلبيات، أن تفكروا في الإيجابيات، ما الذي حدث بالعالم الإسلامي؟ ما هذه الوحدة التي جمعتنا؟! ما هذا الذوبان في بوتقة واحدة؟! ما هذا الإيمان الذي تحرك؟! ما هذا البذل الذي كان؟! شيء لا يصدق ! .


الأحداث تكشف المحسن من المسيء :


 أيها الإخوة : 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)﴾

[  سورة النور ]

 الإفك: أن تُتَّهم السيدة عائشة زوجة رسول الله بأثمن شيء تملكه امرأة؛ عفتها، جاء القرآن : 

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾ لأنه حديث الإفك فرز المؤمنين، ظهر المؤمنون الصادقون الذين ظنوا بأنفسهم خيراً، وظهر المنافقون الذي روجوا هذه الأخبار. 

﴿ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)﴾

[  سورة آل عمرن  ]

 وما كان الله -قياساً على ذلك- ليذر الدول على ما هي عليه: ﴿حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾


الفتن تفرز الناس إلى قسمين ؛ مؤمن و مجرم :


 نعوذ بالله من الفتن، لكن إذا جاءت الفتنة يجب ألا نذمها، لأنها تكشف المنافقين، وتكشف الكاذبين، ويفرز الناس إلى قسمين، والآن أقولها صراحة: اللون الرمادي في الأرض اختفى، بقي الأبيض والأسود، وليّ أو مجرم، مجرم، مؤمن، مستقيم، طاهر، عفيف، ورع، يضبط حواسه، وجوارحه، ودخله، وبيته، وزوجته، وبناته، وإنسان مجرم متفلت، هذا الذي حصل، يعني كيف جمعتنا هذه الآلام؟ وكيف وصلت إلى أعماقنا؟ وكيف وحدتنا؟ وكيف كُشف أعداؤنا؟ كيف أصبحوا في مزبلة التاريخ؟ والله لمئة عام قادم، بل لمئتي عام قادمة لا يستطيعون أن يقولوا كلمة عن حضارتهم، حتى الغرب الذي سكت عنهم.


الساكت عن الحق شيطان أخرس :


 الله -عز وجل- ذكر أن قوم صالح عقروا الناقة : 

﴿ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)﴾

[  سورة الشمس  ]

 بالجمع. 

﴿  فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا(14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)﴾  

[ سورة الشمس ]

 قال ﴿فَعَقَرُوهَا ﴾ والذي عقرها واحد، لأنهم سكتوا جميعاً عدّ الله سكوتهم مشاركة في الجريمة.

 مرة سيدنا عمر، قال أحدهم يمدحه: والله ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله، يا لطيف! فأحدّ فيهم النظر، فخافوا، فقال أحدهم: لا والله، لقد رأينا من هو خير منك، قال: من هو؟ قال: الصدّيق، أمامه عشرون، واحد منهم قال: الصدّيق خير منك، فقال: كذبتم جميعاً، ما تكلموا، كذبوا بسكوتهم، والساكت عن الحق شيطان أخرس.

 هل سمعتم تنديداً من الدول العظمى؟ دعك من أمريكا، بريطانيا، أستراليا، فرنسا، سويسرا، هل سمعتم استنكاراً؟ تنديداً؟ من أجل أسير واحد يأتي رئيس أمريكي سابق إلى بلادنا ويزور أسرة هذا الأسير، وأحد عشر ألفاً وثمانمئة أسير لنا عندهم ما خطر في باله أن يطيب قلبهم بكلمة، ما لم نكفر بالطاغوت لن نؤمن بالله، والدليل: 

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾

[  سورة البقرة  ]


الله عز وجل يعلم و يقدر و يعنيه ما يجري في العالم من أحداث :


 التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، التوحيد أن تؤمن أن الذي وقع وراءه حكمة بالغة عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، بمنطق البشر الذي شرد عن الله هذا مات، أما عند الله: 

﴿  وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 لذلك أيها الإخوة، نحن في آيات التوحيد، ينبغي أن تكون موحداً، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والتوحيد كفكرة إدراكها سهل جداً، أما أن تعيشه، أن تكون موقناً أن الله بيده كل شيء، وأنه لا يستقيم إيمانك إن توهمت أن الله لا يعلم ما يجري، ولا يستقيم إيمانك إن توهمت أن الله لا يقدر، ولا يستقيم إيمانك إذا توهمت أن الله لا يعنيه ما يجري، يعلم، ويقدر ويعنيه، وسمح بالذي وقع . 

﴿ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)﴾

[ سورة الأنفال  ]


من اعتمد على غير الله فقد احتقر نفسه :


 لذلك أنت حينما تعتمد على قوي من أجل أن يحميك فقد أشركت، حينما تتنازل لقوي من أجل أن تكف شره عنك فقد أشركت، هذا الذي حصل، هؤلاء الذين قعدوا عن نصرة دينهم، ماذا فعلوا؟ خافوا من الأقوياء فآثروا السلامة .

 فلذلك الآية الكريمة: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ يعني أقوى إنسان بالأرض لو تجمدت في أحد أوعية دماغه قطرة دم لا تزيد عن رأس دبوس يُصاب بالشلل، هذا القوي يعبد من دون الله ؟ 

﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ هذا مخلوق، وحياته بيد الله، واستمرار حياته بيد الله، وإمداد مقومات حياته بيد الله، هذا لا يُعبَد من دون الله، وأنت أيها المؤمن لمجرد أن تُجيَّر لمخلوق تُحسب عليه، تنتمي إليه، وتنسى ربك، فقد احتقرت نفسك أنت لله، لا تكن خطيئة إنسان قوي ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ .

﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)﴾  

[ سورة النحل ]

﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُونَ (18)﴾  

[ سورة السجدة  ]

 مخلوق .


من تنازل لقوي و اعتمد عليه فقد أشرك بالله عز وجل :


 الإنسان مهما كان عظيماً، عظمته، وهيبته، وكيانه منوط بسيولة دمه، فإذا تجمد الدم في عروقه مات فوراً، يقول لك: مات بجلطة مفاجئة، احتشاء بعضلة القلب، سكتة قلبية، وإذا نمت خلاياه نمواً عشوائياً يقول لك: ورم خبيث، ليس له دواء، وإذا توقف قلبه مات فوراً، فالإنسان ضعيف، بثانية يكون شخصاً فيصبح خبراً، الآن النعوات بالطريق أصحابها أشخاص، أحدهم طبيب، والآخر مهندس، والثالث عميد أسرتهم، والرابع له رتبة عسكرية عالية، لما أصبح اسمه على النعوة صار خبراً، مساء يكون مدفوناً وانتهى الأمر، طويت صفحته.

 فهذا الذي يموت يُعبد من دون الله ؟ هذا الذي يُخلق ولا يَخلق، يعبد من دون الله ؟. 

﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ أي إذا كان سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم يقول لنا: 

﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 وفي آية ثانية : 

﴿  قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً(21)﴾

[  سورة الجن  ]

 لا لنفسه ولا لغيره، وهو سيد الخلق وحبيب الحق، وفي آية ثالثة : 

﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (31)﴾

[ سورة هود ]

 هذا الإنسان، لذلك لما توفي رسول الله -عليه الصلاة والسلام- سيدنا الصديق أحب أصحابه إليه، قال:

(( فَقالَ: أَمَّا بَعْدُ، فمَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ مَاتَ، ومَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ. ))

[ صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس ]

﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ إذا إنسان له أتباع كُثر، وكان قوياً بيده كل شيء، وتوفاه الله، أتباعه ماذا يستطيعون أن يقدموا له؟ برقية تعزية، باقة ورد، هذا كل شيء، بيد من حياتك؟ بيد من موتك؟ بيد من رفعتك؟ بيد من سلامتك؟ بيد من سعادتك؟ بيد من شقاؤك؟ بيد من رزقك؟ 


الاعتماد على غير الله مذلة :


 أيها الإخوة، لا زلنا في آيات التوحيد . 

﴿وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ طبعاً هؤلاء الشركاء يحتمل أن يكونوا أحد نوعين: إما أن يكونوا من بني البشر، شخص قوي علقت الآمال عليه، أو من الحجر "صنم"، المعنى واحد . 

﴿  قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ(95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ(96)﴾

[  سورة الصافات  ]

 إذاً: ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ لما سيدنا إبراهيم كسر الأصنام وضع الفأس في عنق أحدها، أو أكبرهم: 

﴿  قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ(63) فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64)﴾

[  سورة الأنبياء  ]

 إخواننا الكرام، بأي عصر هناك مجموعة أوهام يجب أن تتحرر منها، الآن أحد أكبر هذه الأوهام: الإعلام، أحياناً يوحي لك المعركة منتهية، والعكس هو الصحيح، فبطولتك أيها المؤمن ألا تكون ضحية الإعلام، الإعلام خبيث جداً، تعتيم على خسائر العدو، تعتيم غير معقول.

 لذلك : ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾

﴿  إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(194)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 شخص يخاف كما تخاف، ويجوع كما تجوع، ويعرى كما تعرى، ويعطش كما تعطش، ويتمنى أن تدوم حياته طويلاً كما تتمنى، إنسان مثلك، لا يليق بك أن تكون لإنسان، أنت للواحد الديان، أنت لله، لمجرد أن تكون لإنسان فقد احتقرت نفسك، أنت لله . 

ومما جاء في الآثار القدسية في الكتب السماوية السابقة : خلقت لك ما في الكون من أجلك فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك . 


الشرك الخفي أخطر شيء يقع به الإنسان :


﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ قد تُحمَل على أنهم من بني البشر، أحياناً إنسان يعتمد على قريب له قوي، أو على قريب له غني، أو على إنسان بيده الحول والطَّول، يعبده من دون الله وينسى ربه، وأخطر شيء أن تقع في الشرك الخفي، الشرك الخفي كما قال الله -عز وجل-: 

﴿  وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ(106)﴾

[  سورة يوسف  ]

 هذا هو الشرك الخفي، الصحابة الكرام على علو قدرهم، وعلى رفعة شأنهم وعلى أنهم نخبة البشر، في حنين نظروا إلى العدد عشرة آلاف صحابي، فقالوا : لن نغلب من قلة، اعتمدوا على عددهم فلم ينتصروا، فقال الله عز وجل : 

﴿  وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾

[  سورة التوبة  ]


التولي و التخلي :


 أنت أيها المؤمن في حاجة ماسة إلى هذا الدرس درس بدر، ودرس حنين، في درس بدر قال الصحابة: الله، فتولاهم الله، وفي حنين قالوا: نحن، فتخلى الله عنهم.

 فأنت أيها المؤمن بين التولي والتخلي، تقول: أنا ومع التفصيل: أنا معي شهادة عليا، مرة طبيب أخ كريم ببلد عربي شقيق، حدثني بهذه القصة، زوجته حامل، ويحتاج إلى عمل معقد قليلاً للولادة، فاستشار صديقاً له متخصص بالأمراض النسائية، فأعطاه توجيهات، فقال له: هل من الأفضل أن أرى طبيباً آخر كي أستأنس؟ قال له: أنا أقوى وأعلم إنسان في هذه المنطقة، والباقون جهلة، بغطرسة واستعلاء ما بعده استعلاء، القصة طويلة لكن ملخصها أن هذا الطبيب الذي أشرك مع الله -عز وجل- وصف نفسه بأنه أعلم العلماء، ارتكب خطأ في الولادة أدى إلى وفاة المرأة، يترفع عنه طالب الطب، ولأول مرة في تاريخ هذا البلد العربي سُحبت شهادة هذا الطبيب وأصبح بلا شهادة عقاباً له.

 تقول: أنا، الله يؤدبك، قل الله، ادرس، تفوق، لكن قل بفضل الله، الله أكرمني، سمح لي، مكنني، وفقني، انسب الفضل إلى الله، هذه الحقيقة، فإذا أُعجبت بنفسك، بعلمك، بمالك، قال: الدرهم مراهم، هذه آية أم حديث؟ حديث باطل .

 والله صديق لي، قال: الدراهم مراهم تُحل بها كل المشكلات، وجد نفسه فجأة في المنفردة، ثلاثة وستون يوماً، تفضل حلها بالدراهم، معك دراهم، الله يؤدب، انتبهوا، إياك أن تشرك نفسك مع الله، لا تقول أنا أحمل شهادة عليا، أنا من أعرق أسرة، كلما قلت أنا تخلى الله عنك، وكلما قلت الله تولاك بالرعاية والحفظ .


على الإنسان ألا يعلق آماله على إنسان مثله بل يتوكل على الواحد الديان :


﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ كن مع الله 

﴿فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ أحياناً تعلق آمالاً كبيرة على صديق لك قوي بمنصب رفيع، تدخل عليه، لا يقول لك تفضل اجلس، ويعتذر عن خدمتك، لأنك وضعت ثقتك بغير الله، هذا هو الشرك الخفي، لا تعتمد على مالك، ولا على جاهك، ولا على نسبك، ولا على حسبك، ولا على أسرتك، ولا على أولادك.

أعرف شخصاً عنده شاب بذل من أجله الغالي والرخيص، حتى جعله يحمل أعلى شهادة، وسافر إلى بلاد بعيدة، تزوج امرأة ونسي أباه، ولا يتصل به بالسنوات مرة، اعتمد عليه فتخلى عنه. 

((  لو كنت مُتّخِذًا مِنْ الْعِبَادِ خَلِيلًا لَاِتّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، وَلَكِنْ صُحْبَةٌ وَإِخَاءٌ إيمَانٌ حَتّى يَجْمَعَ اللّهُ بَيْنَنَا عِنْدَهُ))

[  الطبري عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى ]

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فإذا كان هؤلاء الشركاء أشخاصاً اعتمدت عليهم، أو على وعدهم، ومشكلة المسلمين الأولى أنهم اعتمدوا على القوى الكبيرة في الأرض ليحموهم، لينصروهم، فأمروا عصاهم الغليظة أن تدمرهم، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تشرك بالله وتفوز، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن توحده وتخسر. 

﴿  فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

[  سورة الشعراء  ]

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ أحد الولاة وصل إلى بيت الله الحرام قال: أريد عالماً جليلاً ألتقي به، فالتقى مع عالم، قال له: سلني حاجتك، قال له: والله إني أستحي وأنا في بيت الله أن أسال غير الله، فالتقى به خارج بيت الله الحرام، قال له: سلني حاجتك؟ قال له: والله ما سألتها من يملكها، أأسألها من لا يملكها؟ قال له: ما حاجتك؟ قال له: أنقذني من النار وأدخلني الجنة، قال له: هذه ليست لي، قال له: إذاً ليست لي عندك حاجة.


بين سيدنا عمر و جبلة بن الأيهم :


 أنت حينما توحد يعزك الله، حينما توحد لا تتضعضع أمام قوي أو غني، أنت حينما توحد لا تنبطح، لا تركع، لا تسجد له، أنت حينما توحد لا تساوم على مبادئك، كلمة لا.

 سيدنا عمر جاءه ملك اسمه جَبَلة، أعلن إسلامه، ورحب به عمر، أثناء طوافه حول الكعبة بدوي داس طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فضربه ضربة هشمت أنفه، شكاه إلى عمر، استدعاه عمر، وجرى حوار بينهما، قال له: 

أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ 

دقق ملك وإنسان بالمصطلح المعاصر من الدهماء، من سوقة الناس، من الطبقة الدنيا، من هؤلاء الضعاف الفقراء. 

قال له: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ 

قال: لست ممن ينكر شياً أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديا. 

قال له: أرضِ الفتى -سيدنا عمر- لابدّ من إرضائه، ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يُهشمَنَّ الآن أنفك، -يخاطب ملك، حق-، وتنال ما فعلته كفك. 

طبعاً تعجب أشد العجب هذا الملك! 

قال له: كيف ذاك يا أمير؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ 

قال له: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً. 

قال: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني. 

قال عنق المرتد بالسيف تُحَز، عالم نبنيه كل صدع فيه يُداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى .


من وحّد الله عز وجل أكد مكانته الإنسانية :


 أنت حينما توحد لا تخاف في الله لومة لائم، أنت حينما توحد تقول: لا بملء فمك، بقاموسك يوجد كلمة لا، تقولها بملء فمك، أما إن لم تكن موحداً يقذف الله الخوف في قلبك، تقول: نعم لكل شيء، للباطل، أنت حينما توحد تؤكد مكانتك الإنسانية، أنت لست لغير الله، أنت لله. 

﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾

أما إذا فهمنا هذه الشركيات ، ليست بشراً بل حجراً ، تأتي هذه الآية : 

﴿  أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ(195)﴾  

[  سورة الأعراف  ]

 الصنم يتحرك؟ لك أن تعتقد أن هذا الشيء الذي أُشرك مع الله إنسان قوي، دولة طاغية قوية، تلتمس رضاها مع تنازلات لا تُحتمل، أو أنه صنم كما كان العرب قبل الإسلام.


الإيمان اعتماد على الله وتوكل عليه واتصال به :


 أيها الإخوة الكرام : 

﴿  إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ(196)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 الإيمان: اعتماد على الله، الإيمان: توكل على الله، الإيمان: اتصال بالله، الإيمان: طاعة لله، الإيمان: أن تعتز بالله .

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت  فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

* * * 

 لا أنسى أن الحسن البصري كان عند والي البصرة -هذا التوحيد- فجاءه توجيه من الخليفة، لو نفذه لأغضب الله -عز وجل-، ولو لم ينفذه لأغضب الخليفة، هذا الوالي وقع بما يُسمى بحيص بيص، ماذا يفعل؟ فاستنجد بالحسن  البصري، قال له: ماذا أفعل؟ قال له كلمة والله أيها الإخوة تعد منهجاً، قال له: إن الله يمنعك من يزيد، لكن يزيد لا يمنعك من الله .

 الله يمنعك من أقوى الأقوياء، لكن أقوى الأقوياء لا يستطيع أن يمنعك من ورم خبيث، إن الله يمنعك من يزيد، لكن يزيد لا يمنعك من الله.

 وفي درس قادم إن شاء الله نتابع هذا الدرس .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور