- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله عز وجل كامل كمالاً مطلقاً و من لوازم كماله المطلق أنه كامل التصرف:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن والخمسين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية السادسة والتسعين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ(196)﴾
معنى الولي: في الأصل الذي يليك، ومعنى الولي: هو أقرب الناس إليك ، ومعنى الولي: هو الذي يتولى أمرك، فلن تقبل ولياً إلا إذا كان أقوى منك، وأعلم منك، لأنه عندئذٍ قادر على أن ينفعك بعلمه، وأن ينفعك بقدرته.
والحقيقة أن الولي الحقيقي هو الله -جلّ جلاله-﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ﴾
بشكل مبسط: الدولة حينما تشق طريقاً، بعد أن يُشق الطريق، توضع الشاخصات؛ هنا منحدر خطر، هنا تقاطع خطر، هنا طريق ضيق، هنا جسر يتسع لمركبة واحدة، هنا منطقة انزلاق، هذه الشاخصات هي توجيهات، وتحذيرات، وإرشادات.
فهذا الكون ينم عن إله عظيم، كماله مطلق، وكمال الخلق يدل على كمال التصرف، فكما أن في الكون إعجازاً، وعظمة، وقوة، وعلماً، وحكمة، وغنىً، هذا الإله العظيم الكامل الكمال المطلق، من لوازم كماله المطلق أن يكون التصرف كامل.
إذاً يخلق الخلق، ولا يعلمون لماذا خلقوا؟ لا يعلمون ماذا أُعدّ لهم بعد الموت؟ لا يعلمون ما الحلال وما الحرام؟ وما الخير وما الشر؟ وما الحسن وما القبح؟
الولي الحقيقي هو الله جلّ جلاله :
لذلك من هو وليك؟ هو الخالق الذي خلقك، من هو وليك؟ هو الخبير، بما يسعدك وما يشقيك، من هو وليك؟ هو الذي أمرك بيده، رزقك بيده، حياتك بيده، موتك بيده، سعادتك بيده، تفوقك بيده، من حولك بيده، من هو أقوى منك بيده، من هو أضعف منك بيده، من هو الولي؟ القوي، من هو الولي؟ الغني، من هو الولي؟ الحكيم، القدير، العليم.
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ﴾
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
الكون .
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ
وكأن الكون كله في كفة، والكتاب في كفة ثانية، خلق الكون ونوره بهذا الكتاب، الكتاب نور، أُنشئت الجامعة ومعها كتاب يتحدث عن كلياتها، وعن اختصاصاتها، وعن شروط القبول فيها، وعن وسائل النجاح فيها، وعن كل شيء، يوجد بناء، يوجد كتاب، يوجد كون، ويوجد منهج.
لذلك من هو الذي ينبغي أن يكون وليك؟ هو الله، لأنه الخالق.
﴿ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
من هو الولي؟هو الخبير.
﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ
من هو الولي؟ هو العليم، هو الحكيم، من هو الولي؟ هو القدير على كل شيء.
التوحيد نهاية العلم والعبادة نهاية العمل :
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ﴾
القوة: أقوى الأقوياء في قبضة الله، من هو القوي حقيقة؟ هو الله، من هو الغني حقيقة؟ هو الله، من هو الحكيم حقيقة؟ هو الله، من هو المعز؟ هو الله، من هو المذل؟ هو الله، من هو المعطي؟ هو الله، من هو المانع؟ هو الله، من هو الرافع؟ هو الله، من هو الخافض؟ هو الله، أيعقل أن تتخذ إنساناً ولياً؟ لمجرد أن تُجيَّر لإنسان احتقرت نفسك، أنت لله، لمجرد أن تكون محسوباً على إنسان أنت بهذا تحتقر نفسك .
الجماد للنبات، والنبات للحيوان، والحيوان للإنسان، والإنسان لمن؟ لله الواحد الديان، لمجرد أن تكون تابعاً لجهة أرضية، وتنسى أن الله وحده هو الولي فهذا منتهى الجهل.
لذلك قالوا: التوحيد نهاية العلم، والعبادة نهاية العمل، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، والعبادة ألا تطيع مع الله أحداً، فالتوحيد نهاية العلم، والعبادة نهاية العمل .
من عرف الله زهد فيما سواه :
أيها الإخوة، أنت ضعيف لكنك تتقوى بالله ، ومما جاء في الآثار القدسية في الكتب السماوية السابقة : ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أبواب السماء والأرض دونه فإن دعاني لم أجبه وإن سألني لم أعطه وما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضمنت السموات رزقه فإن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته وإن استغفرني غفرت له .
إذا أردت أن تكون أقوى الناس، أقوى الناس قاطبة، فتوكل على الله، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك، إن أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله.
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾
بالمناسبة: متى يتولاك؟ إذا آمنت به، آمنت به خالقاً، ورباً، ومسيراً، إذا آمنت به موجوداً، وواحداً، وكاملاً، إذا آمنت بأسمائه الحسنى بأنه القوي، والغني، والحكيم، والعليم، والقدير، والمغني، والرزاق، حينما تؤمن به تزهد عما سواه، من عرف الله زهد فيما سواه، ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه.
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ﴾
أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون :
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)﴾
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا فإنـا منحنا بالرضا من أحبنا
ولــذ بحمانا واحتمِ بجانبنا لنحميك مما فيه أشرار خلقنا
هل تصدقون أنه ما من عصر كثر فيه الأشرار كهذا العصر؟ البشر وحوش، لا يوجد رحمة، ولا يوجد خُلُق، ولا يوجد أي شعور، وحش كاسر، دابة متفلتة، تبحث عن مصالحها، عن الأموال الطائلة، يصنعون من غذاء الفقراء وقوداً للطائرات، فارتفعت الأسعار عشرة أضعاف، فول الصويا، الذرة، الشعير، غذاء الفقراء يُصنَّع في بعض البلاد في أمريكا الجنوبية وقوداً للطائرات، زعماء أوربا يرون خلال عشرين يوماً جرائم بربرية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، يتفقون على أن يمنعوا الأسلحة فقط، أما أن ينددوا بكلمة؟ بكلمة لا تقدم ولا تؤخر، أن يتحدثوا عن هذه الجرائم، أبداً.
(( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَمْتَلِئَ الْأَرْضُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا قَالَ ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا ))
التولي و التخلي :
أيها الإخوة، الإنسان ضعيف، يحتاج إلى ولي قوي، يحتمي به، يلوذ به، يعتمد عليه، يلجأ إليه، والإنسان فقير يحتاج إلى غني، والإنسان جاهل يحتاج إلى العليم، كمالك في ضعفك، كمالك في الافتقار إلى الله، وقوتك في التوكل عليه، مثلان من السيرة النبوية:
أصحاب النبي وهم نخبة البشر، في بدر افتقروا إلى الله :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ
فتولاهم الله، ببدر افتقروا إلى الله ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
ما اجتمع في الجزيرة عشرة آلاف مقاتل إلا في حنين، عشرة آلاف صحابياً، وقتها عدد فلكي، فقالوا في أنفسهم: لن نغلب من قلة، فقال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾
الملخص أنت بحاجة إلى هذين الدرسين، درس بدر، ودرس حنين، في بدر قال الصحابة الله، فتولاهم، وحفظهم، ونصرهم، ووفقهم، وأذلّ عدوهم، هم هم، وعلى رأسهم سيد الخلق وحبيب الحق، في حنين قالوا في أنفسهم : لن نغلب من قلة
من اعتمد على غير الله فقد أشرك :
وأنا: أحد أنواع الشرك الشرك الخفي، ليس في العالم الإسلامي اليوم شرك جلي، ولكن ما أكثر الشرك الخفي، من اعتمد على ماله فقد أشرك، من اعتمد على ابنه فقد أشرك، من اعتمد على صحته فقد أشرك، من اعتمد على وظيفته فقد أشرك، الذي يقول أُمطرنا بنوء كذا وكذا، يسمع بالأخبار منخفض جوي متمركز فوق قبرص، باتجاه الشرق الأوسط، تأتي الأمطار الوفيرة، يقول لك: المنخفض .
(( من قال : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كذا وكذا : فذلك كافر بي ، مؤمن بالكواكب ، مُطِرْنا بفضل الله ورحمته : فذلك مؤمن بي ، كافر بالكوكب ))
أنت حينما ترى يد الله تعمل وحدها، أنت حينما ترى أن كل ما يجري بعلمه، أن كل ما يجري بحكمته، برحمته، بعدله، ترتاح نفسك.
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ(213)﴾
﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾
(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، و الظمآن الوارد ، والعقيم الوالد ))
﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ
أولاً:
دولة صغيرة جداً حينما تستنجد بدولة أصغر منها، ما بيدها شيء، أما حينما تستنجد بأقوى دولة في العالم يمكن أن يكون هناك أمل .
فهذا الإنسان الذي تشركه مع الله، قد يكون ضعيفاً، هو في قبضة الله، هو خائف، هو فقير، هو في حيرة، وقد يكون قوياً لكن لا يريد أن يعاونك، مودته ظاهرة ليست حقيقية، وقد لا يسخو أن يعاونك، إذاً:
من كان مع الله كان الله معه :
الأنبياء :
﴿ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ
إلى الله، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك، يعني مثلان أضعهما بين أيديكم، أول مثل: سيدنا موسى ومعه أتباعه، مستضعفون، ملاحقون، مضطهدون، تبعهم فرعون بقوته، بأسلحته، وقياساً على اليوم بطائراته، وبقنابله العنقودية، والفسفورية، ببوارجه، بمدرعاته، بأسلحته، بمناظيره، بأقماره الصناعية، بحقده الدفين، بقلبه القاسي، بعنجهيته، بوحشيته، أمامهم البحر، وراءهم فرعون، وفي كل عصر فرعون، وراءهم فرعون بكل صفات التوحش، من حقد، من قوة، من قسوة، بكل أنواع الأسلحة، من أجل أن يبيدهم، والبحر أمامه، بكل حسابات الأرض الأمل بالنجاة معدوم.
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ
هذا الواقع، هذا الطرح الموضوعي، هذه الحسابات الأرضية، قال:
﴿ قَالَ كَلَّا
ما قال لا، لا يعني نفي، أما كلا ردع، إياكم أن تقولوا هذا ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك .
النصر الذي أكرمنا الله به جرعة منعشة لنا :
أيها الإخوة، أتمنى عليكم ألا تقرؤوا هذا الكلام على أنه قصة، إنها حقيقة يجب أن نعيشها، قل الله يتولاك، ليس بعيداً عنا، عشرة آلاف مقاتل، بأسلحة بدائية من صنعهم، يواجهون جيشاً يعد رابع جيش في العالم، يملك كل أنواع الأسلحة التي جُرّبت، والتي لم تُجرب، كل أنواع الطائرات، مئات ألوف الأطنان أُلقيت عليهم، قصف من الجو، ومن البحر، ومن البر، وبعد مضي 22 يوماً لم يستطع العدو أن يحقق شيئاً من أهدافه، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا عليك فمن معك، أليس هذا النصر الذي أكرمنا الله به يعد جرعة منعشة لنا؟ لا تنسوا ربكم بيده كل شيء، بيده وحده قلب كل المعادلات .
﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
فلما نزلت هذه الآية صرف حراسه، هذه المرأة قالت: يمكن أن يكذب المرء على كل الناس، أما أن يكذب على نفسه، مستحيل، فلما صرف حراسه، وعرّض نفسه للموت لأنه صدق ربه.
وأنا أقول لكم أيها الإخوة: إذا كنت معه فهو معك، لا تخف، لك مستقبل كبير، إذا كنت مطيعاً له فلا تخف، إن كنت معتمداً عليه فلا تخف، إن كنت محباً له فلا تخف، إن كنت مطبقاً لمنهجه فلا تخف.
أيها الإخوة، أحد أسباب إسلام هذه المرأة أن النبي حينما أُنزلت عليه هذه الآية صرف حراسه.
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
أقول لكم: زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، إلهنا هو هو، إله الصحابة إلهنا، إله المسلمين الذي نصرهم سابقاً إلهنا، وعوده قائمة، والكرة في ملعبنا، أعطانا جرعة منعشة.
هذا البلد المعتدي، المستعمر استعمار استيطاني، هذا البلد كان عنده مشكلة واحدة من خمسين عاماً، قضية الأمن فقط، الآن هناك مشكلة أكبر، قضية البقاء، كانوا في الأمن فأصبحوا في البقاء، وهم لا يزالون أقوى قوة في المنطقة.
كل إنسان مكلف و محاسب على عمله :
أيها الإخوة، الشيء الثاني:
﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا
أحياناً إنسان في حبه الشيء يعمي، هو في قبر شهواته .
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ
أحياناً المريض يلتبس على الطبيب موته، يضع يده على شريانه، لا يوجد نبض، يأتي بمرآة يضعها أمام أنفه، لا يوجد بخار، يأتي بمصباح يضعه في عينيه الحدقة لا تتحرك، عظم الله أجركم انتهى، لا يوجد نبض، ولا بخار ماء على المرآة ، ولا تحرك حدقة، إذاً ميت .
فالكافر ميت ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٌ﴾
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلً
لماذا؟ الأنعام غير مكلفة، أما الإنسان مكلف .
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا
النبي الكريم بشر مثلنا فمن عرفه قدم نفسه فداء له :
أيها الإخوة ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾
مرة كنت في مسجد وهناك إنسان قصير القامة، منحني الظهر، بالثمانين من عمره، أنا هرعت إليه وسلمت عليه سلاماً في أعلى درجات الأدب، كان معي صديقي، قال لي: من هذا؟ قلت له: أنت لا تعرفه، هذا كان عميد كليتنا، وهو من أعلم علماء المنطقة بالنحو، فأنا متأثر بتدريسه لأربع سنوات، لكن منظره بالمسجد إنسان كبير بالسن، قد يكون إنساناً عادياً جداً، في سن متأخرة، فأحياناً ترى مؤمناً ماذا ترى به؟ إنسان مثلك، يأكل ويشرب، هل رأيت علمه؟ هل رأيت محبته لله؟ هل رأيت عقيدته؟ هل رأيت مبادئه؟ قيمه؟ ماذا رأيت منه؟ الأنبياء أنفسهم بشر مثلنا.
(( إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر ))
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ
(( وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
فالنبي بشر، رأوا بشريته، ولم يروا نبوته، رأوا بشريته ولم يروا علمه.
سراقة لماذا أراد قتل النبي؟ من أجل مئة ناقة، فلما عرف النبي أقسم لكم بالله، ماذا أقول؟ مستعد أن يقدم نفسه فداء للنبي، لكن ما كان يعرفه .
وأنت لو عرفت الله، لكنت إنساناً آخر، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تحبه ثم لا تطيعه.
الندم الذي يصيب الإنسان الغافل عن الله عز وجل عندما يأتيه ملك الموت :
لذلك حالة الندم التي تصيب الإنسان حينما يأتيه ملك الموت، وقد أمضى حياته في المعاصي والآثام، هذه الحالة تكاد تميته .
(( إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى ، وأنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ))
حينما تكتشف في لمح البصر أنك خسرت الآخرة، أن الله خلق الإنسان لجنة عرضها السماوات والأرض فيها:
(( أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
أعد له جنة مهما تصورت عظمتها فهي أعظم، هذه الجنة إلى أبد الآبدين خسرها في حياته الدنيا لبضع سنين، أمضاها في المعاصي والآثام .
لذلك: ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾
الإنسان لله فعليه ألا يكون لسواه :
أيها الإخوة
ومما جاء في الآثار القدسية في الكتب السماوية السابقة : خلقت لك ما في السماوات وما في الأرض ولم أعيَ بخلقهن ، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، لي عليك فريضة ، ولك علي رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك ، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي ، وكنت مذموماً ، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد .
الموائمة بين العقل وبين النص أساس الدين :
﴿ خُذِ الْعَفْوَ
العفو: شيء عظيم، العفو: الشيء البسيط،
إنسان غربي أسلم على يد شيخ، أبقاه ستة أشهر في أحكام المياه، حتى خرج من جلده وحتى ترك هذا الدين، التقى بعالم آخر، قال له: الماء الذي تشربه توضأ منه، وانتهى الأمر .
كأن الله سبحانه وتعالى يريد من نبيه أن يكون الإسلام سهلاً، أنا أقول هذه الكلمة: الإسلام بحاجة الآن إلى تبسيط لا إلى تعقيد، يحتاج إلى تطبيق لا إلى متاجرة، يحتاج إلى عقل، العقل أصل في الدين، لا تأتي بقضية العقل يرفضها، بل يرفضها أشد الرفض، لا يمكن أن يتناقض العقل مع الدين، لأن الدين من عند الله، والعقل جهاز أودعه الله فينا، فإذا وجدت تناقضاً بين العلم وبين الدين فاعلم علم اليقين أن في العلم خطأ، أو النص ضعيف، أو موضوع، إما خطأ بالنص، يكون ضعيفاً أو موضوع أو لا أصل له، أو خطأ بالعلم، أما توافق العقل مع النقل قطعي، فهذا الدين يحتاج إلى مواءمة بين العقل والنص، ويحتاج إلى تبسيط .
إنفاق ما زاد عن حاجتك يقرب الآخر إليك :
﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ
فإذا أنفقت العفو أخذت الخير من الآخر، بمعنى: إنفاق ما زاد عن حاجتك، بمعنى: قدِّم منهجاً ميسراً، بسيطاً، واضحاً، لا تعقيد فيه، بمعنى: أنك حينما تعفو عن الآخر تقربه إليه.
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾
لذلك ما تعارف الناس على أنه خير هو الخير، لماذا سمّى الله المعروف معروفاً؟ لأن كل النفوس تعرفه، ولماذا سمّي المنكر منكراً ؟ لأن كل النفوس تنكره .
من معاني " خُذِ الْعَفْوَ " :
1 ـ أن يكون منهجك سهلاً و بسيطاً :
إذاً: ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾
2 ـ أنك حينما تعفو عن الآخر تقربه إليه :
﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾
(( وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، ))
﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾
﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾
إذا قال لك شخص: كلما زدت الملح في الطعام انخفض الضغط، ما قولك؟ لكن معه دكتوراه، هذا جاهل، ما دام تكلم كلاماً بخلاف الواقع فهو جاهل، الجهل ليس معناه أن يكون وعاؤك فارغاً من المعلومات، ذاك الأمي، أما الجاهل هو الذي يملك آلاف المعلومات لكن كلها غلط، كلها بخلاف منهج الله -عز وجل- .
على الإنسان أن يدع من يهتدي بغير هدى الله عز وجل :
﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾
(( اعفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ ))
تقربه إليك، ثم اجعل هذا المنهج مطبقاً في حياتك ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾
من يتصور حلّ المشكلات بشيء أرضي ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾
وفي درس قادم إن شاء الله نتابع هذه الآيات .
والحمد لله رب العالمين