وضع داكن
19-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 33 - وسائل تربية الأولاد -3- التربية بالعادة - 1 توافق فطرة الإنسان مع منهج الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة تحدثنا عن أهداف التربية الإسلامية، تربية الأولاد في الإسلام، وبينت أن مضامين التربية الإسلامية التربية الأخلاقية والإيمانية والجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية والجنسية، وبدأنا قبل درسين في سلسلة جديدة حول وسائل التربية فتحدثت في درس سابق عن توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في شأن القدوة وكنت قبلها قد ذكرت أنماطاً من قدوة النبي عليه الصلاة والسلام.

توافق فطرة الإنسان مع منهج الله:

 اليوم ننتقل إلى وسيلة فعالة من وسائل تربية الأولاد في الإسلام إنها التربية بالعادة، العادات مهمة جداً، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ (30) ﴾

( سورة الروم )

 أكبر معين لأي أب ولأي معلم أن فطرة الإنسان متوافقة تماماً مع منهج الله، أي أنت لا ترتاح إلا إذا أطعت الله، ولا ترتاح إلا إذا كنت صادقاً، لا ترتاح إلا إذا كنت أميناً، لا ترتاح إلا إذا كنت محسناً، لا ترتاح إلا إذا كنت منصفاً، فطرة الإنسان، جبلته، برمجته، توليفه، خصائصه متوافقة تماماً مع منهج الله، الإنسان حينما يتوب إلى الله يجد نفسه، ينسجم مع نفسه، ينسجم مع الكون، ينسجم مع كل المخلوقات:

 

﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30) ﴾

 

( سورة الروم )

 طبعاً قبل هذه الكلمات:

 

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً (30) ﴾

 

( سورة الروم )

 أي أن تقيم وجهك للدين حنيفاً: أن تشد بكل طاقاتك إلى الله، هذا العمل يتوافق مع فطرتك ومع جبلتك ومع خصائصك ومع فطرتك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ))

 

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 هكذا مصمم تحب العدل، الصبغة أن تكون عادلاً أما الفطرة أن تحب العدل، أن تحب العدل شيء وأن تكون عادلاً شيء آخر، أن تحب الرحيم شيء وأن تكون رحيماً شيء آخر، حينما تتصل بالله تكون رحيماً أما حينما تولد تُولد على حب الرحمة، لذلك اجمع ألف إنسان من شتى المشارب والمذاهب والاتجاهات والالتزام أسمعهم قصة فيها رحمة كلهم يتأثرون، كلهم يحبون هذا الكلام، لذلك كل مولود يولد على الفطرة صفحة بيضاء لا خير فيها ولا شر، إلا أنها مبرمجة على حب الخير، على حب العدل، على حب الرحمة، على حب الإنصاف.

 

الإنسان حينما يعود إلى دينه يعود إلى فطرته:

 

 

 لذلك الإنسان حينما لا ينصف يشعر بكآبة، حينما لا يرحم يشعر بصغر، وأكبر مرض في العالم الآن مرض الكآبة لأن الناس خرجوا عن فطرتهم، خرجوا عن مبادئ فطرتهم، عذبتهم أنفسهم، ائت بأرقى سيارة مصنوعة في أرقى بلد في العالم، أحدث موديل وأعلى مواصفات، الآن يوجد مركبات سعرها تقريباً يصل إلى أكثر من عشرين مليوناً، امش بها في طريق وعر لا تحتمل تفقد كل ميزاتها لأنها مصممة للطريق المعبد، ارتفاع هيكل السيارة عن الأرض، طبيعة الضواغط، طبيعة المكابح، طبيعة المحرك، كلها مصممة لطريق معبد، فإن سرت بها في طريق معبد قطفت كل ثمارها وميزاتها، أما إذا سرت فيها في طريق وعر كسرتها ولم تفلح لا في سرعة ولا في راحة ولا في هدوء بال، أما الوعر يحتاج إلى مدرعة، أي يحتاج إلى مجنزرة، فأنت مصمم أن تؤمن بالله، مصمم أن تكون صادقاً، أميناً، عفيفاً، نافعاً، منصفاً، هذا تمهيد أيها الأب أو أيها المعلم، أنت حينما تلفت نظر ابنك إلى قواعد الدين تلفته إلى طبيعته، تلفته إلى خصائصه، تلفته إلى برمجته، تلفته إلى توليفه، لذلك الراحة النفسية التي يجدها المؤمن بعد أن يصطلح مع الله لا توصف، لماذا لا توصف ؟ لأنه انسجم مع نفسه، تصور أنك تريد أن تفتح باباً بالمطرقة، تحتاج إلى جهد كبير ومضن وأصوات وإقلاق وإزعاج، أما هذا الباب مصمم أن يفتح بمفتاح صغير، إن كان معك هذا المفتاح بنعومة، بيسر، بلا صوت، بلا ضجيج، بلا شكوى الجيران تفتح الباب وتدخل، فأنت حينما تعود إلى دينك تعود إلى فطرتك، حينما تعود إلى دينك تعود إلى طبيعتك، إلى ما فطرك الله عليه، إذاً أكبر عامل يعين المعلم والأب على تربية ابنه أن الإنسان في أصل فطرته حينما يولد يُولد على الفطرة.

الحياء والإنصاف والخلق الكبير أكبر تقدمة تعطيها لابنك:

 يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

(( لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ))

[الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ]

 كل يوم لو تصدق بصاع من بر:

 

(( لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ))

 

[الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ]

 لأن تأديب الابن يقطف ثماره المجتمع كله.
 قبل فترة جاء طفل من طرف إنسان يحمل ألبسة أعطيته الحساب، بعد دقيقة طرق الباب ثانية وقال لي: يوجد خطأ المبلغ يزيد أربعمئة ليرة، يوجد خمسمئة ظننتها مئة، أكبرته إكباراً، أكرمته إكراماً، هذا شيء جميل أنه طفل، يوجد خطأ بأربعمئة ليرة عاد وطرق الباب ودفع الباقي، فأنت عندما تربي ابنك على الأمانة والصدق تكون قدمت خدمة للمجتمع بأكمله، هؤلاء الذين يسرقون يسببون متاعبَ في المجتمع، هؤلاء الذين ينحرفون، هؤلاء الذين يعتدون يسببون متاعبَ لمجموع الناس، أما حينما تربي ابناً صالحاً لعل أي إنسان عامله يقول جزى الله أباه على هذه التربية، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام أيضاً:

 

(( مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَداً أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ ))

 

[ الترمذي عَنْ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ]

 أكبر شيء تقدمه لابنك أن خلقه كبير، عنده حياء، عنده رحمة، عنده إنصاف، وفي حديث ثالث يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم )).

 

[ابن المنذر والحاكم عن علي كرم الله وجهه]

 هذا يحتاج إلى جهد، يحتاج إلى وقت، يحتاج إلى علم، ينبغي أن يكون الأب متعلماً، ينبغي أن يكون الأب مؤمناً، ينبغي أن يكون الأب مستقيماً، ينبغي أن يكون الأب متفرغاً، ينبغي أن يقتطع من وقته الثمين وقتاً لتربية أولاده، والله كنت البارحة في عقد قران العريس سافر إلى أمريكا ليتابع تعليمه في الطب أثنى عليه أكثر الخطباء، هو من أخواننا الكرام، فقلت لهم في كلمة ألقيتها: حينما كنت في أمريكا قلت لإخوتنا المغتربين لو جمعت أكبر ثروة في الأرض، وبلغت أعلى منصب، ونلت أعلى درجة علمية، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
 المشكلة الأولى للأخوة المغتربين أولادهم، نقلت لهم كلمة قالها بعض العلماء في مؤتمر عقد هناك في ديتروي قال: إن لم تضمن أن يكون ابن ابْن ابنك مسلماً لا يجوز أن تبقى في هذه البلاد، فقال لي أحدهم بعد أن انتهى الحفل: أولادنا ليسوا مسلمين الآن، أنت تقول إن لم تضمن أن يكون ابن ابْن ابنك، الابن الحالي ليس ملتزماً ولا قانعاً ولا معتزاً بأمته ولا بدينه ولا بوطنه:

 

(( أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب آل بيته وقراءة القرآن.))

 

[أبو نصر عبد الكريم الشيرازي وابن النجار عن علي]

الصديق هو العامل المؤثر الأول في حياة ابنك:

 

 إذاً التربية بالعادة أنت معك يسمونها بالعادة سرعة ابتدائية، يوجد معك دعم من الله عز وجل، أن هذا الطفل الذي بين يديك فطرته سليمة وفطرته تتوافق مع الدين، فطرته تتوافق مع خوفه من الله، أنت ليس عليك إلا أن تصقل هذه الفطرة، أن تشحذ هذه الموهبة، أن تفجر هذه الطاقة، النقطة الدقيقة جداً أخواننا وقد لا تصدق، العامل المؤثر الأول في حياة ابنك لست أنت وليست الأم وليس الأخ إنه الصديق، فقبل أن تشرع في تربية أولادك يجب أن تعلم من هو صديق ابنك، في بعض التجارب أو الإحصاءات تبين أن الذي يتعلمه الابن من صديقه يزيد عن ستين بالمئة من مجموع ما يتعلمه، الأب والأم والأخوة الأربعين بالمئة أما الصديق ستين بالمئة، لذلك كيف عرف النبي هذه الحقيقة ؟ يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام الترمذي:

(( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِل ))

[ الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 يجب أن تبحث عن أصدقاء ابنك كما تبحث عن ابنك، لأن أكبر مغذٍ في العادات والقيم والسلوك هو صديق ابنك، وحينما توفق إلى صديق لابنك في مستوى رفيع فقد ضمنت لابنك الاستقامة والسداد.

 

البيئة أخطر شيء على الابن:

 

 

 قضية البيئة مهمة جداً وللبيئة يوجد حديث:

((كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ـ أي عابد ـ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مئة، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مئة نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاساً يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ))

[البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

 معنى هذا وهذا كلام دقيق والحديث صحيح ومن أصح الصحيح في الصحاح، معنى ذلك أنك لن تستطيع أن تعبد الله إلا إذا كنت مع المتقين:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

 

( سورة التوبة )

 أخطر شيء على الابن البيئة، أحياناً تجد ابناً أخلاقه عالية جداً لأن أهله وبيته وبيت عمه وبيت خالته أسرة منضبطة حتى بفروعها، فأينما ذهب لا يوجد كلمة سيئة، لا يوجد عمل فاحش، لا يوجد تعليقات جنسية منحرفة، كل الكلام منضبط ويوجد أدب وحياء ولا يوجد اختلاط، وقد تجد طفلاً آخرَ عجيباً أي يفعل المنكرات القبيحة وكأنه لا يفعل شيئاً لأنه هكذا نشأ في بيئته، لذلك قال له:

 

(( انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاساً يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ ))

 

[البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

 للحديث الطويل تتمة مغزاه هكذا ؛ أي ما لم تكن مع المؤمنين، ما لم تكن من رواد بيوت الله الحرام، ما لم يكن أصدقاؤك مؤمنين، ما لم يكن الذين تسهر معهم من أهل الصلاح، ما لم تكن نزهاتك مع المؤمنين، ما لم تكن مجالسك مع المؤمنين، الإنسان الفاسق الفاجر تماماً كالفاكهة الفاسدة، دع تفاحة فاسدة في كم كبير من التفاح هذه التفاحة الواحدة الفاسدة يمكن أن تفسد كل من حولها.

من الأفضل ألا تعنف ولدك أمام أخواته البنات و أمام أصدقائه:

 الجاحظ من كبار الأدباء، له كتاب يذكر في هذا الكتاب نصيحة عقبة بن أبي سفيان لما دفع ولده إلى المؤدب ـ إلى المعلم ـ قال: ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بنيّ إصلاح نفسك، ليكن إصلاح نفسك أولاً أو ليكن أول ما تبدأ به إصلاح نفسك، قال: فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت، وعلمهم سير الحكماء وأخلاق الأدباء وتهددهم بي، الأم و الأب الموفقان في تربية أولادهما الأم دائماً تخوف أولادها بالأب، تجعل له هيبة، الأم الحمقاء تتطاول على زوجها أمام أولادها، لم يبق في البيت من يهاب، أما الأم العاقلة و لو يوجد خطأ من قبل زوجها تتهيب زوجها كثيراً أمام أولادها كي تحتمي و كي تتوعدهم به، أما إذا تطاولت عليه في حضرة أبنائه فقد وقعت مشكلة كبيرة، أتمنى والله أيها الأخوة أن لا يكون هناك مشاحنة بين الزوجين أمام الأولاد، ولا يكون هناك مهاترات، ولا يكون هناك نوع من التطاول، لأن هذا يفقد دور الأب والأم معاً، فكلما كان الانسجام بين الأبوين أمام الأولاد رائعاً كانت سلطة الأم والأب على أولادهما رائعة، بالمناسبة أيضاً يوجد آباء لا ينتبهون، قد يعنف ابنه أمام أخواته البنات فيهزؤون به طوال الأسبوع، والأشد من هذا أن يعنف ابنه أمام أصدقائه، إنك تسحقه دون أن تدري، فالأولى ألا تعنفه لا أمام أخواته البنات ولا أمام أصدقائه، مهما يكن تعنيفك شديداً إن كان فيما بينك وبينه يقبله منك، أحد العلماء سأل إنساناً قضى في السجن سنوات طويلة فقال له: ما أشد ما مر بكم في هذا السجن ؟ فقال: ما فقدناه من تربية أبنائنا، والله أعلم قصصاً كثيرة أيها الأخوة عن أناس دخلوا السجون، أي أخطؤوا فدخلوا السجون فخرجوا من السجون وأولادهم في أشد أنواع الانحراف، الأم وحدها لا تستطيع أن تضبط أولادها لأنها في البيت لذلك لما سئلوا: ما أشد ما مر بكم في هذا السجن ؟ فقالوا: ما فقدناه من تربية أبنائنا.
 من وصية ابن سيناء في تربية الولد أن يكون مع الصبي في مكتبه صبية حسنة آدابهم، مرضية عاداتهم، لأن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ وبه آنس، أخطر جهة في حياة ابنك صديقه، أخطر منك، أخطر جهة في حياة ابنتك صديقتها، أخطر من أمها، أخطر جهة يمكن أن تفعل فعلاً لا يوصف في حياة الطفل صديقه لذلك إذا كان هناك صديق صالح وزار ابنك يجب أن يُستقبل وأن يُرحب به وأن يفسح له المجال ليجلس معه، لا تتبرم بأصدقاء ابنك، الصداقة لا بد منها، يوجد أمهات والعياذ بالله اطرده، مباشرةً تطرد صديق ابنها وبقسوة، إذا جئت مرة ثانية سأكسر قدمك، أم حمقاء تحطم ابنها وتفضحه أمام صديقه، والآن حر أن يختار أي صديق آخر لكن طبعاً أصبح بالتهريب، صديق تهريب وليس صديقاً نظامياً، أنت ابحث عن صديق صحيح أخلاقه عالية له أب، له أم، له بيت علم واسمح لابنك أن يجلس معه، واسمح لابنك أن يختلط معه، لأنه لا بد من صديق شئت أم أبيت.

 

التناقض مع نصوص القرآن والسنة عند اليأس من إصلاح الصغار:

 

 أيها الأخوة النقطة الدقيقة أن الإنسان يمكن أن يلقن كل خير، هذا كلام العوام "أن الإتاية عوجاء"، هذه آية أم حديث ؟ لا آية ولا حديث هذا كلام الشيطان، هذا كلام التيئيس، هذا كلام إبليس، هذا كلام الجاهل، هذا كلام الكسول، لا يوجد أمل، يوجد أمل كبير، و الله أناس في أشد حالات الانحراف الآن أولياء لله، لو لم يكن هناك من أمل في إصلاح الابن لا يوجد هناك داع للتربية، لا يوجد داع للتعليم، لا داع، أكبر ميزانية بمعظم البلدان ميزانية وزارة التربية، أكبر عدد موظفين في أي دولة إما الجيش أو التربية، لأن تربية الجيل من أجل إصلاحه، لماذا أنزل الله الكتب ؟ لإصلاح الناس، لماذا بعث الله الأنبياء ؟ لإصلاح الناس، فأنت حينما تقول لا يوجد أمل، عندما تيئس الناس من إصلاح الصغار معنى ذلك أنت تتناقض مع نصوص القرآن والسنة.
 يقول أحد العلماء: الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عُوِّدَ الشر، وأُهمِل إهمال البهائم شقي وهلك، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، أحياناً يتعثر طالب بدراسته وخلال شهر والده بغير حكمة يخرجه من المدرسة، دعه يعمل عملاً بمحل تجاري، أعرف إنسانة توفيت لها ابن رسب في الشهادة الثانوية أول سنة، هي مصرة أن يكون طبيباً، رسب مرة ثانية، مصرة أن يكون طبيباً، رسب مرة ثالثة، ومصرة أن يكون طبيباً، رسب مرة رابعة، وهي مصرة أن يكون طبيباً، نجح في المرة الخامسة وهو الآن طبيب أسنان، أربع سنوات ولم تيئس، نحن إذا أخذ عدداً من الأصفار وشكوى من المدرسة يخرجونه، يوجد ظاهرة اسمها التسريب نصف الطلاب يخرجون من المدارس إلى أعمال حرة، طبعاً كدخل لا يوجد دخل من العلم، ولكن العلم له فائدة كبيرة جداً غير الدخل، نحن الآن أمام أداة فعالة من أدوات تربية الأولاد في الإسلام هي أداة العادة، لكن الحقيقة العادة لها خصائص عند الكبار ولها خصائص عند الصغار، ابنك بالحادي عشر، بكالوريا، سنة أولى جامعة له ترتيب ثان، ابنك بالحضانة والابتدائي له ترتيب آخر، سوف نقتصر في هذا الدرس عن منهج العادة عند الكبار.

تربية الأولاد عن طريق العادة له شروط:

1ـ يجب ربط العادات والتقاليد بالعقيدة وبالأمر والنهي:

 أولاً: الربط بالعقيدة، يجب أن تربط العادات والتقاليد بالعقيدة، مثلاً لماذا لم يوافق الأب على عرس مختلط ؟ يجب أن تجيبه، هذه عادات تتناقض مع منهج الله، هذه الآية، هذا الحديث، لماذا فرضاً لا يخطب الإنسان فتاة سنة أو سنتان يألفها وتألفه، يخرج معها وتخرج معه ثم بعد ذلك يكون العقد ؟ هناك عادات الآن سيئة جداً فيجب أن تبين له علاقة هذه العادة بمنهج الله عز وجل، فالشاب لا يقنع أن هذا حرام، هذا الحرام من دون تعليل عقلي، من دون تعليل علمي، من دون تعليل واقعي، من دون تعليل فطري، من دون تعليل نقلي لا تعمل، كلما كان الأب أقدر على إقناع ابنه بالعادات الإسلامية، مثلاً يوجد وليمة مكانين أحدهما للنساء والآخر للرجال، لِمَ لا يكونون معاً هم أقرباء ؟ يجب أن تبين له الحمو الموت، يوجد تعليلات رائعة جداً، الشاب أن تقول له حرام وكفى، وهذه لا أفعلها وكفى هذا لا يكفي، فلا بد من ربط العادات التي تعوده عليها بالعقيدة، بالأمر، بالنهي، بالقرآن، بالسنة، فكلما تمكنت أن هذه حرام، أذكر مرة قال لي أخ أنه اشترى سمكاً من مسمكة مباشرة، الذي باعه إياها شرع في تنظيف السمك، والسمك لا يزال يتحرك، فالأب نهاه بقسوة، قال له البائع: لا يتوقفون عن الحركة قبل ساعة ونصف، قال له: أنتظر ساعة ونصفاً، لأنه يوجد توجيه إلهي:

 

﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا (36) ﴾

 

( سورة الحج )

 نهى عن تعذيب الحيوان، هذه السمكة لا يزال فيها حياة تفتح لها بطنها، تنزع أحشاءها، كل موقف يكون له تعليل، دليل، توجيه قرآني، توجيه نبوي، فالأب الذي آتاه الله إيماناً وعلماً فكلما فعل شيئاً أنكره أولاده ينبغي أن يبين لهم، فلا بد من ربط هذه العادات التي تفعلها، أو التي تلزمه أن يفعلها، أو التي ينكرها الابن، ينبغي أن تربطها بالعقيدة وبالأمر وبالنهي، يقول الله عز وجل:

 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) ﴾

 

( سورة المائدة)

 من أحسن حكماً لقوم يوقنون ؟

 

آيات من الذكر الحكيم تبين أن تلقين العادات يحتاج إلى ربطها بالعقيدة وبالأمر والنهي:

 

 أيها الأخوة، إذاً استخدام تلقين العادات مع الكبار يحتاج إلى ربطها بالعقائد وبالأمر والنهي، وأكبر دليل:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) ﴾

( سورة المائدة)

 وقال:

 

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾

 

( سورة الحشر )

 وقال:

 

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) ﴾

 

( سورة النساء)

2ـ لابدّ من تعرية الباطل:

 الشيء الثاني: لا بد من تعرية الباطل، الباطل بيده وسائل نشر كبيرة جداً، الباطل بيده صحف، بيده مجلات، بيده إعلان، بيده أحياناً محطات فضائية، فالطفل أحياناً يؤخذ بما يقال، هناك دعوة إلى التفلت، دعوة إلى التحلل، دعوة إلى اعتبار الدين شيئاً من التراث، ولا يعد منهجاً صالحاً لكل زمان، فأنت ما لم تعر الباطل أمام ابنك، ما لم تظهر الأخطاء الجسيمة في الاعتقاد، الأخطاء الجسيمة في السلوك، لن تستطيع أن تصرفه عن أهل الباطل، في عصر الباطل قوى قوية جداً، قوى البغي كلها مع الباطل أو تأتمر بأمر الباطل، والذين عندهم الحق ضعفاء في هذا العصر، الباطل معه وسائل كبيرة جداً، معه وسائل فعالة، الآن أخطر شيء في العالم هو الإعلام، انتبهت الدول العظمى للإعلام، ممكن أن تغسل عقول شعوب بأكملها عن طريق الإعلام، وتلاحظون كيف تزور الحقائق وكيف تتكلم بالباطل، فأنت تكون سلبياً، هو يسمع كما تسمع، ويرى كما ترى، ويلتقي مع أصدقائه، فلا بد من توعيته بخطورة الباطل وأكبر دليل على ذلك:

 

﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى (256) ﴾

 

( سورة البقرة )

 أي مستحيل أن تؤمن بالله قبل أن تكفر بالطاغوت، الأب الواعي يا بابا يوجد اختلاط، يوجد سهرات مختلطة، يوجد نوادٍ، يوجد رحلات فيها سباحة مع كشف العورات، يوجد سباحة مختلطة يعدها الشاب مظهر حضاري، شيء طبيعي جداً، فالأب ما لم يبين له أن هذا له أخطار قد تدمر أسَراً بأكملها، قد تشتت أسَراً، قد تُطلَّق نساء من خلال الاختلاط، لا بد من تعرية الباطل، بالمناسبة الأجانب لهم الفضل في شيء واحد أنهم أعانونا على أن نكفر بهم، قبل الأحداث الأخيرة الباطل خطف أبصار العالم كله، بكلمات براقة جميلة، حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحرية، الرفق بالحيوان، فالناس مأخوذون، فلما استُفِزوا انقلبوا إلى وحوش، إذاً هم أعانونا على أن نكفر بهم، لأنه قبل أن نكفر بهم لا يمكن أن نؤمن بالله، فالأب الواعي مع ابنه الشاب يجب أن يعري الباطل أمامه، ليس هناك سعادة هناك حياة مادية محضة، والإنسان يلهث أمام هدف متحرك لا يستقر على حال، وأن الإنسان الذي بني وربي في بيوت الانحراف إنسان بلا هدف، إنسان ليس فيه خير لا لوطنه ولا لأمته ولا لدينه، طبعاً فهمكم كفاية ولكن لا بد من تعرية الباطل.

 

3ـ لابدّ من أن تحمله على تغيير بيئته:

 الشيء الثالث و الأخير في تربية الأولاد عن طريق العادة: أولاً أن تربطها بالعقيدة والأمر والنهي، وثانياً: أن تعري الباطل، وثالثاً: أن تحمله على تغيير بيئته.
 الابن مادام في بيئة سيئة مع رفقاء سوء لا يوجد أمل بالهداية أبداً، فينبغي أن تغير له البيئة، وأن تهيئ له أصدقاء مؤمنين موثوقاً بدينهم، موثوقاً بأمانتهم، موثوقاً بصلاحهم، هؤلاء يحرصون على أن يكون ابنك معهم في أعلى مستوى.

 

 

التلقين والتعويد مع الصغار وسيلة فعالة جداً لترسيخ الحق:

 

 

 أيها الأخوة الكرام، إن شاء الله في درس قادم سأتحدث عن العادة مع الصغار، العادة مع الصغار تحتاج إلى تلقين وإلى تعويد فقط، الكبير يحتاج إلى ربط بالعقيدة والمنهج والكتاب والسنة، وإلى تعرية الباطل، وإلى تغيير البيئة، أما الصغير يحتاج إلى تلقين وتعويد، والتلقين والتعويد مع الصغار وسيلة فعالة جداً لترسيخ الحق، وهذا كله تجني ثماره حينما ترى ابنك يصلي قيام الليل، وحينما ترى ابنك يغض بصره عن محارم الله، وحينما تأتي الأخبار من كل حدب وصوب تثني على ابنك، وعلى شهامته، وعلى ورعه، وعلى دعوته إلى الله، حينما ترى ابنك عالماً جليلاً يدخل على قلبك من السعادة ما تنسى به كل جهد بذلته، والله البارحة كنت بعقد قران، يوجد عالِمان جليلان هما ابنان لعالم جليل توفي في هذه البلدة الطيبة، والله ما رأيت عملاً أعظم، لأن هذا العالم الذي توفي ترك هذين العالمين، شيء عظيم جداً أن يكون اسمك مستمراً من بعد موتك، فأنت حينما ترى ابنك صالحاً، ورعاً، مستقيماً، منصفاً، محباً، متفوقاً في عمله، يدخل على قلبك من السعادة والله ما لا يوصف.
 والله مرة قلت لأحد الآباء يشكو أن ابنه يكثر المجيء إلى المسجد قلت له: والله لو تعلم كم هو الخير الذي سيأتيك من ابنك هذا لفعلت الشيء الذي لا يوصف، ابنك صالح، ابنك من رواد المسجد، ابنك ورع، ابنك أمين، صادق، فيا أيها الأب إن أردت أن تسعد حقيقة اهتم بابنك صغيراً، يحتاج إلى وقت وإلى جهد وإلى إنفاق مال وإلى حلم وإلى صبر لكن بعد أن ترى ابنك صالحاً يصلي، يصوم، يحسن لله، هو استمرار لك تنسى كل تعبك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور