وضع داكن
19-04-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 36 - وسائل تربية الأولاد -6- التربية بالموعظة - 2 تأثير القصة في التربية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في سلسلة تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في القسم الثاني وهو الوسائل الفعالة في تربية الأولاد.

القصة سلاح فعال وخطير ولها تأثير متعاكس:

 بدأنا هذه الوسائل بالقدوة، ثم بالتلقين والتعويد، ثم بالموعظة، وكان الدرس الأول في الموعظة النداء الإقناعي، والنداء التحذيري، ونداء الأفراد، ونداء الجماعات، ونداء الرجال، ونداء النساء، ونداء الناس عامة، ثم تحدثنا عن أسلوب القصة، وكيف أن القصة من أفعل وسائل التربية، ذلك أنها تعرض قضية الإنسان في ارتفاعه، وانحطاطه، وتماسك المجتمع في تألقه، وتخلفه، وتبين حقيقة النفس البشرية من خلال تفاعلها مع الأحداث، وكيف أن القصة من أنجع الأساليب التربوية في إقناع الإنسان بشيء ما، كما أنها من أخطر الوسائل التي يستخدمها أهل الكفر والإعراض، ببث الرزيلة والانحراف والعقيدة السيئة بين الناس، ذلك أن الإنسان أمام القصة تسقط خطوط دفاعه، فأفكار القصة تتسلل إلى الإنسان من دون أن يشعر، وقيم القصة تتسلل إلى القارئ من دون أن يشعر، فإذا أردت أن تهدم مبدأ فدع مهاجمته مباشرةً واسلك سبيل قصة تعرض نماذج سيئةً جداً في أصحاب هذا المبدأ، إذاً هي سلاح فعال، وسلاح خطير، وللقصة تأثير متعاكس، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى (111) ﴾

( سورة يوسف )

 يكفي أن الله سبحانه وتعالى بين أن سيد الخلق وحبيب الحق يزداد قلبه ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه، حيث يقول:

 

﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ (120) ﴾

 

( سورة هود)

التوجيه القرآني المصحوب بأدوات التوكيد:

 أيها الأخوة الكرام لا زلنا في الأساليب التي بيَّنها الله سبحانه وتعالى في الموعظة الآن ننطلق إلى موضوع الدرس الجديد، التوجيه القرآني المصحوب بأدوات التوكيد، أنت حينما تؤكد إنك حريص شديداً على أن تقنع المستمع.

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) ﴾

( سورة النحل)

  وقال:

 

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) ﴾

 

( سورة النحل)

 ماذا تفيد (إن) ؟ تفيد التوكيد.

 

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾

 

( سورة العنكبوت)

 وقال:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (36) ﴾

 

( سورة الأنفال)

  (إن) تفيد التوكيد، الله عز وجل غني عن أن يؤكد لنا، القوي لا يحتاج إلى توكيد يبطش، يسحق، يدمر، لكن الرحيم يقنع ويؤكد، أنت حينما تحرص على ابنك حرصاً لا حدود له تقنعه بالفضيلة، تقنعه بالحق وتؤكد له ذلك.

 

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ (52) ﴾

 

( سورة الزمر)

قضية التوكيد أحد أساليب القرآن الكريم:

 أيها الأخوة الكرام قضية التوكيد أحد أساليب القرآن الكريم، الآن الاستفهام الإنكاري.

﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) ﴾

( سورة الطور)

من أساليب القرآن الكريم في الموعظة النداء:

 أحد أساليب التأثير الاستفهام الإنكاري، لو قلت لواحد محترم جداً هل سرقت هذه الساعة، ماذا ينبغي أن يقول ؟ لا، أيعقل أن أسرقها ! أتعتقد أني سرقتها ! أيليق بي أن آخذها ! من شدة التأثر لا تقبل أن تقول لا، لا بد من أن تستخدم أسلوب الاستفهام الإنكاري، لو قرأتم آيات القرآن الكريم لوجدتم كيف أن الله وهو خالق الإنسان يخاطب هذا الإنسان، مرةً بنداء.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (8) ﴾

( سورة التحريم)

  وقال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ (21) ﴾

 

( سورة البقرة)

  وقال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) ﴾

 

( سورة الانفطار)

أساليب أخرى للقرآن الكريم في الموعظة:

 مرةً عن طريق القصة، ومرة عن طريق الوصية والموعظة، ومرة عن طريق النداء، وعن طريق التوكيد، وعن طريق الاستفهام الإنكاري، أنت قد لا تنتبه، الذي يلقي المواعظ بشكل رهيب من دون تنوع، من دون تطوير، من دون أساليب بلاغية لا يؤثر.

﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) ﴾

( سورة الطور)

  هذه أساليب القرآن الكريم في الموعظة، أسلوب الاستفهام الإنكاري هناك أسلوب آخر أسلوب الإقناع، بالدليل العقلي، يقول الله عز وجل:

 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

 

( سورة آل عمران)

عدم نجاح الدعوة إلا إذا خاطبت الإنسان بكل جوانبه:

 أنت ينبغي أن تخاطب القلب تارةً، وينبغي أن تخاطب العقل تارةً أخرى، والأعظم من ذلك أن تخاطب القلب والعقل معاً، فالله تعالى يخاطب القلب بقوله:

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) ﴾

( سورة الانفطار)

 ويخاطب العقل بقوله:

 

﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) ﴾

 

( سورة الانفطار)

  أية دعوة أيها الأخوة تخاطب القلب وحده فهي دعوة عرجاء، وأية دعوة تخاطب العقل وحدة فهي دعوة عرجاء، لأن الإنسان عقل يدرك وقلب يحب، ولن تستطيع أن تحدث فيه تأثيراً إلا إذا اتجهت إلى عقله تارةً وإلى قلبه تارةً أخرى، والدعوة لا تنجح إلا أن تخاطب الإنسان بكل جوانبه، الإنسان مادة، الإنسان جسم، ينبغي أن يأكل، حينما تتجاهل حاجاته المادية لا يمشي معك إلى الله، ينبغي ألا تتجاهل حاجاته المادية إلى الطعام، إلى الشراب، إلى الزواج، إلى الكساء، إلى المأوى، لذلك حينما تبني الإنسان ينبغي أن تبنيه بناء متوازناً، أن يسعى لإصلاح دنياه وأن يعمل لآخرته، لماذا النبي عليه الصلاة والسلام لم يقبل إلا من واحد أن يأخذ ماله كله، من الصديق رضي الله عنه، لم يقبل من عمر، لأن المال قوام الحياة، فحينما لا تهتم بالمال إطلاقاً تصاب بأزمة قد لا تنجو منها، فالنبي قال: "لكن عافيتك أوسع لي ".

 

﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا (22) ﴾

 

( سورة الأنبياء)

آيات الله في خلقه:

 الآن يخاطب عقلنا بالدليل.

﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) ﴾

( سورة الأنبياء)

  وقال:

 

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾

 

( سورة الذاريات)

  هل فكرتم مرةً أن المحاصيل تنضج في يوم واحد، لو أن المحاصيل تنضج كالفواكه على ثلاثة أشهر ماذا يحدث ؟ عندك خمسين دونم قمح، يجب أن تتجه إلى سنبلةٍ سنبلة تجثها إن نضجت تقطعها، إن لم تنضج تتركها هذا شيء مستحيل، رأيت إلى رحمة الله، المحاصيل القمح الشعير الحمص العدس ينضج في وقت واحد، ويحصد مرة واحدة، أما البطيخ، حقل البطيخ يستمر إنتاجه تسعين يوماً طول الصيف، هذا البطيخ لو دخلت إلى حقل بطيخ لوجدت كل الثمار في لون واحد، أين التي تقطعها ؟ يعني حسب الطريقة التقليدية يجب أن تنبطح إلى جانبها وأن تحملها، هذا مستحيل، جعل الله لك علامة للبطيخ، حلزون بعد مأخذها بخمسة سنتيمتر يمسكه الفلاح ويضغطه فإذا انكسر البطيخة ناضجة إذا لم ينكسر فالبطيخة لم تنضج بعد، الله قال:

 

﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) ﴾

 

( سورة النحل)

  الفواكه كالتفاح الدراق الإجاص الكرز التوت ينضج تباعاً خلال شهر أو شهرين، شيء آخر هذه الفواكه مبرمجة تبدأ بالكرز، بعده اللوز، بعده الإجاص، بعده الدراق، بعده التفاح، بعده العنب، على مدار الصيف الفواكه مبرمجة ونضجها مبرمج، تدخل إلى حقل بندورة، أو ليس حقلاً، تدخل إلى بيت محمي تجد آلاف الثمرات الخضراء، أما الحمراء كأنها تقول لك أنا نضجت تعال خذني، فكل صاحب بيت محمي يملأ تقريباً صندوقين باليوم من هذا الحقل بسهولة، هي لونها حمراء تناديك أنني جاهزة للقطاف، والباقي أخضر.

 

تعلق معظم ما نعيش به بالوهم:

 

 الله تعالى قال:

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) ﴾

( سورة الذاريات)

  تذهب إلى فنلندا الحرارة سبعين تحت الصفر، ترتدي قفازات، ترتدي جوارب صوف، ترتدي أجهزة داخلية صوفية، ترتدي معطفاً ثقيلاً، ترتدي قطعة قماش صوفية، ترتدي قبعة صوفية، ماذا تفعل بعينيك ؟ إنهم على تماس مع سبعين تحت الصفر، وفي العين ماء لا بد من أن يتجمد هذا الماء فيفقد الإنسان البصر، من وضع في ماء العين مادة مضادة للتجمد ؟ من ؟ الله جل جلاله، لكن الشيء بالشيء يذكر سمعت قصة لها دلالة كبيرة جداً، قال: رياضي من أبطال كرة القدم يجول بلاد العالم ويشترك في مباريات دولية، لكن هذا الرياضي لا يمكن أن ينام صيفاً أو شتاءً أو ربيعاً أو خريفاً إلا في غرفة مفتوحة النوافذ، لا يستطيع، لا يمكن أن تغمض له عين في غرفة مغلقة نوافذها، في مباراة في فنلندا ودرجة الحرارة 69 تحت الصفر، والفنادق هناك نوافذها لا تفتح يسمونها نوافذ بلور، فجاء هذا اللاعب لا يمكن أن ينام، الفندق ليس عنده حل، برد شديد، ففكر أنه لا بد من أن أكسر هذا الزجاج حتى أنام، وفي الصباح أدفع ثمن البلور، ليس عنده حل ثاني، فجاء بحذائه وضرب به النافذة فانكسر البلور، ونام نوماً عميقاً كعادته، فلما استيقظ وجد أن النافذة فيها لوحان من البلور، فكسر واحداً منهما، معنى ذلك أن الوهم أحياناً يفعل فعله بالإنسان، هو لما كسر البلور توهم أن النافذة مفتوحة فنام، أما عملياً كسر القسم الأول، القسم الثاني لم يكسر، إذاً الجو ما تغير، ومعظم ما نعيش به متعلق بالوهم.

 

الإنسان يؤمن بالله عن طريق خلقه ويعبده عن طريق قرآنه:

 

 إذاً التوجيه القرآني المصحوب بالإقناع بالأدلة:

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) ﴾

( سورة الذاريات)

  الإنسان عاقل، والإنسان كائن مفكر، تتجاهل العقل ؟ لا، هناك توجيه قرآني في الموعظة أساسه شمولية الإسلام.

 

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) ﴾

 

( سورة البقرة)

 يعني الإسلام شامل، التقى بي إنسان قبل يومين أو ثلاثة، قال لي: أنا من الجهة الفلانية هل أنا مخطئ في أنني ولدت في هذا المكان ؟ قلت له: لا، الانتماء التاريخي لا قيمة له عند الله إطلاقاً، القضية وما فيها أن الله خلقنا وهذا الكون يدل عليه، ويشير إليه، هذا الكون يؤكد أن له خالقاً مربياً مسيراً، إلهاً موجوداً وواحداً وكاملاً، هذا الكون يدعوك أن تؤمن أن لهذا الكون إلهاً، أما كتاب الله يدعوك إلى أن تعرف إرادة الله، ماذا يريد منك ؟ المنهج في القرآن، والدليل في الكون، تؤمن بالله عن طريق خلقه وتعبده عن طريق قرآنه، فأي إنسان تعرف على الله واستقام على أمره يبلغ أعلى مرتبة عنده، بصرف النظر عن انتمائه التاريخي أو عن مكان ولادته، هذه كلها جاهلية، عنعنات جاهلية.

 

التنوع في التوجيهات القرآنية:

 

 

 الآن هناك توجيه قرآني تصاحبه قواعد التشريع، في توجيه قرآني تصاحبه أدلة عقلية، في توجيه قرآني تصاحبه عموميات الإسلام، عالمية الإسلام، في توجيه قرآني تصاحبه أحكام شرعية، يقول الله عز وجل:

﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) ﴾

( سورة النساء)

  وقال:

 

﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾

 

( سورة آل عمران)

  في خطاب قرآني يشعرنا بالمساواة:

 

﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾

 

( سورة الحجرات )

أساليب القرآن متعددة والذي يُوفق في توجيه الناس ينبغي أن يستخدم هذه الأساليب:

 أيها الأخوة الكرام إذاً القرآن فيه تنويع، فيه نداء والنداء فيه مودة

﴿ يا بني ﴾

﴿ يا أيها الذين أمنوا ﴾

﴿ يا أيها الناس اعبدوا ربكم ﴾

 في نداء، القرآن فيه وصايا:

 

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) ﴾

 

( سورة لقمان)

  القرآن فيه توجيه معين، القرآن فيه استفهام إنكاري، فيه توكيد، فيه بيان تشريعي، فيه بيان شمولية، أساليب القرآن متعددة، والذي يوفق في توجيه الناس ينبغي أن يستخدم هذه الأساليب، أما توجيه النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ))

 

[ مسلم عن تميم الداري ]

  ورد في صحيح مسلم عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

 

((الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ))

 

[ مسلم عن تميم الداري ]

  أيعقل أن يعرف الدين بكلمة واحدة، الدين النصيحة، إن لم تنصح فلست ديناً، الشاردون عن الله ينصح لمصلحتهم، يعني قصة أرويها دائماً للطرفة أردت أن أشتري ستارة لغرفة في البيت، دخلت إلى أحد المحلات وقد دُللت عليه، قلت له: أريد ستارة من أجل غرفة الضيوف، قال لي: لا تكون الستارة رائعة إلا أن يكون عرضها ضعف عرض الغرفة مع زيادة متر، كلام مقنع، حتى تأتي جميلة متداخلة، حتى تشعر بالجمال يجب أن يكون عرض الستارة ضعف عرض الغرفة زائد متر، أعجبني ثوب على الرف قلت: أريد من هذا الثوب، فقاسه فإذا هو أقل من الضعف بمتر، الغرفة ثلاثة أمتار، والثوب الذي اخترته خمسة أمتار، قال لي هذا المطرز على الفرد يأتي أجمل، رأساً فبرك قاعدة جديدة، الإنسان ينطق عن الهوى دائماً مصلحته، ينبغي أن يبيع هذا الثوب، بعد ما عمل محاضرة ماذا ينبغي أن تكون عليه الستارة، ضعف عرض الغرفة زائد متر فالثوب الذي اخترته أقل من الضعف بمتر، ففي قاعدة جديدة فبركها فوراً، قال لي هذا المطرز على الفرد يأتي أجمل.

 

الدين النصيحة:

 

 

 إذاً: الدين النصيحة، اسأل إنساناً يبيع أقمشة أو ألبسة، قل له: أنت اختر لي اللون المناسب، يختار لك اللون الكاسد عنده، إذاً ليس النصيحة، على هذا المستوى ليس النصيحة، الدين النصيحة، إن لم تنصح المسلمين فلست مؤمناً، الدين النصيحة لله، يعني انصح الناس أن يتبعوا منهج الله، ولكتابه، وانصح الناس أن يطبقوا القرآن، ولرسوله، وانصح الناس أن يتبعوا سنة النبي العدنان، ولأئمة المسلمين، انصح أئمة المسلمين، ليس الشرط أن تنصحهم بغلظة، قال أحدهم لأحد الأمراء: سأعظك بغلظة، قال له: ولمَ الغلظة يا أخي ؟ لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون، لا أنت موسى ولا أنا فرعون، فقال له:

﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44) ﴾

( سورة طه )

  ولمَ الغلظة ؟ من قال لك أن النصيحة ينبغي أن تكون قاسية، من قال لك أن النصيحة ينبغي أن تكون فيها غلظة، سيد الخلق وحبيب الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق قاطبة، وأرحمهم، وأكرمهم، وأحلمهم، وأعدلهم، وأنصفهم، وأجملهم، وأفصحهم، خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء، ويوحى إليه وهو سيد الخلق، وسيد ولد آدم، وأوتي القرآن، وبلغ سدرة المنتهى، وأقسم الله بعمره، ولم يخاطبه باسمه إطلاقاً، لا يوجد يا محمد بالقرآن، يوجد يا موسى، يا عيسى، يا زكريا، لا يوجد يا محمد، تجد يا أيها النبي، يا أيها الرسول، ومع كل هذه الميزات قال له:

 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159) ﴾

 

( سورة آل عمران)

معالجة القضية من أسبابها لا من نتائجها و هذا من توجيه النبي الكريم:

 إن كان شخص لا هو نبي ولا رسول، ولا يوحى إليه، ولم يؤت قرآناً، ولم يؤت معجزة، ولم يؤت فصاحةً، ولا كمالاً، ولا جمالاً، وغليظ، ما هذه ؟

(( من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف.))

[الديلمي عن ابن عمرو]

((عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شي إلا زانه ولا يُنْزَع من شي إلا شانه.))

[رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها]

  إنسان دخل بستان أنصاري ليأكل، هذا الأنصاري ألقى عليه القبض وقيده وساقه إلى النبي وقد أحرز إنجازاً كبيراً، ألقى القبض عليه وساقه إلى النبي، هذا دخل بستاني من دون إذن، وأكل من فاكهة بستاني فهو سارق، قال له النبي:

 

(( ما علمته إذ كان جاهلاً ولا أطعمته إذا كان ساغباً ـ أي جائعاً.))

 

[أبو داود والنسائي وابن ماجة عن عباد بن شرحبيل]

  والله هذه القصة تفعل فعل السحر في نفسي، علمنا النبي أن نعالج القضية من أسبابها لا من نتائجها، وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه يودع أحد نوابه على بعض أقاليم الدولة فقال له: "ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال: أقطع يده ـ هذا هو الشرع ـ قال إذاً: إن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، اشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية ".
 ما أروع هذا الكلام، النبي يعالج المشكلة من أسبابها لا من نتائجها، يقول لك أبٌ ابني يسرق مني، طبعاً هذا عمل سيئ جداً، لكن يجب أن يفكر الأب لماذا ! لعلي مقصر في تأمين حاجاته، أنا لا أقول لك يُسمح للابن أن يأخذ من أبيه من دون علمه، مستحيل، لكن دائماً فكر بأسباب المشكلة ولا تفكر بمعالجتها من نتائجها، قال عليه الصلاة والسلام:

 

((الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ.))

 

[ مسلم عن تميم الداري ]

اتباع النبي عليه الصلاة والسلام أسلوب الحوار في الموعظة:

 روى الشيخان قال:

(( بايعت رسول صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ))

[ متفق عليه عن الجليل بن عبد الله رضي الله عنه ]

  ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ))

 

[مسلم عن أبي مسعود الأنصاري]

  والله شيء جميل، الذي فعله ينال أجراً، والذي دله على الخير ينال مثل أجره، يعني إن لم تملك مالاً لكن دللت غنياً على مساعدة فقير فلك مثل أجر الغني، إن لم تملك علماً فدللت طالب علم على عالم مخلص ورع فلك أجر مثل هذا الطالب، إن لم تكن طبيباً ودللت مريضاً على طبيبٍ مؤمن لك مثل أجر الطبيب، حديث آخر:

 

(( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً )).

 

[ مسلم عن أبي هريرة]

  أيها الأخوة، هذا كله من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام.
 الآن نأتي على بعض الأمثلة لهذه القواعد في الموعظة، القصص في القرآن كثيرة جداً، وأطول قصة في القرآن هي قصة يوسف عليه السلام، ومن براعة القصة أو من إحكامها أن الله ذكر مغزاها صراحة ذكر فقال:

 

﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(21) ﴾

 

( سورة يوسف )

  الآن في أسلوب اتبعه النبي عليه الصلاة والسلام في الموعظة أسلوب الحوار، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

 

(( أتدرون من المسلم قالوا: الله ورسوله أعلم، قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ثم قال: أتدرون من المؤمن، قالوا الله ورسوله أعلم قال: المؤمن من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، أتدرون من المهاجر ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال المهاجر من هجر السوء فاجتنبه ))

 

[أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

  سؤال وجواب، ببعض الجلسات الخاصة الحوار ممتع، الحوار يجذب القلوب، إياك أن تكون المتكلم الوحيد، الكلام مناوبة لا مناهبة فإذا كنت في مجلس، في سهرة، في ندوة، في لقاء، في وليمة، في مناسبة، اجعل الكلام حوراً بين الحاضرين، الحوار يجمع القلوب، أما التفرد بإلقاء الكلمة يدفع إلى السقم.

 

القسم فيه تعظيم للموضوع:

 يقول عليه الصلاة والسلام من أساليب الحوار:

(( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا: لا. قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 حوار آخر:

 

(( أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار ))

 

[ مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

  الآن في موعظة بالقسم أحياناً يكون في مشكلة كبيرة يقول: والذي نفس محمد بيده، والله الذي لا إله إلا هو، القسم فيه تعظيم للموضوع.

 

(( والذي نفسي بيده، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حتَّى تحابُّوا، أوْلا أدُلُّكُمْ على شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ ))

 

[مسلم عن أبي هريرة ]

(( والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن ! ـ قسم وتكرار ـ قيل: من يا رَسُول اللَّهِ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه ؛ أي شروره ))

[متفق عليه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

استخدام النبي عليه الصلاة والسلام الدعابة في موعظته:

 أحياناً كان عليه الصلاة والسلام يستخدم الدعابة في موعظته يعني:

(( روِّحوا القلوبَ ساعة، فإنّها إذا أُكرِهت عمِيت ))

[الخطيب والسمعاني عن علي]

  المؤمن ظله خفيف، عنده روح دعابة، حديثه لبق ومحبب، يحبه الناس ويحبون استماع حديثه، لا تكن ثقيلاً، إن وعظت فاقتصد في الموعظة، يقال اجلس إلى الطعام وأنت تشتهيه، وقم عنه وأنت تشتهيه، وأنا أقول للدعاة ابدؤوا بالموعظة والناس يشتهون موعظتكم وقفوا والناس يشتهون أن تتابعوا، إذاً كان عليه الصلاة والسلام يستخدم الدعابة أحياناً.

 

(( إن رجلاً جاء إلى رسول الله صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحمله بعيراً من الصدقة ليحمل عليه متاع بيته، فقال عليه الصلاة والسلام: إني حاملك على ولد الناقة، فقال الرجل: يا رسول الله ماذا أصنع بولد الناقة، فقال عليه الصلاة والسلام: وهل تلد الإبل إلا النوق ؟))

 

[ أبو داود والترمذي عن أنس رضي الله ]

  مهما كان الجمل كبيراً هو ولد الناقة، يعني أفهمه النبي الكريم عن طريق هذه المداعبة أن الجمل مهما كان كبيراً هو في الأصل ولد الناقة، يعني في حديث والله أنا ما قرأته على أخوتي في أحد الخطب مخافة ألا يصدقوه مع أنه في الصحاح، سيدنا ابن مسعود دخل على رسول الله في المسجد فرآه يصلي فاقتدى به، طبعاً يصلي النبي وحده، افتتح بالبقرة، يقول أنه مئة آية ويركع بعدها، وكمل إلى أن انتهت البقرة، قال الآن يركع بدأ بآل عمران، إلى أن انتهت آل عمران، الآن يركع، بدأ بالنساء إلى أن انتهت النساء ثم ركع، فبقي بالركوع بقدر ما قرأ في القيام، ثم في السجود حتى انسحب قبل أن يسلم ما تحمل، هذا إذا صلى وحده كان هكذا، أما إذا صلى بأصحابه:

 

(( كان أخف الناس صلاةً في تمام.))

 

[مسلم عن أنس رضي الله عنه]

تحدث النبي الكريم عن هموم الناس:

 كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصداً، وحده صل ما شئت، في أعلى درجات السعادة، في قمة السرور، أما مع الناس فيهم الضعيف، فيهم المريض، فيهم الصغير، فيهم المرأة، فيهم الشيخ الكبير كان إذا صلى بالناس كان أخف الناس صلاةً في تمام، أما إذا صلى وحده البقرة وآل عمران والنساء ويركع ويسجد بمقدار ما وقف وركع.

(( كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بالموعظة مخافةَ السآمة علينا.))

[الترمذي والبخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]

  كان إذا جلس مع أصحابه تحدث بحديثهم، تجد أحياناً شخص يُظهر هيمنة وهيبة لا يتكلم إلا بالدين، قالوا: والله في موجة فيضانات، قال: هذا شيء لا يعنيني، في ارتفاع حرارة مفاجئ، في أسعار مرتفعة، كان عليه الصلاة والسلام يتحدث عن هموم الناس، إذا أنت كنت داعية موفقاً وهناك مشكلة تقض مضاجع الناس ينبغي أن تستمع إليهم، وأن تدلي بدلوك في هذا الموضوع، كان عليه الصلاة والسلام يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة، وكان إذا وعظ عليه الصلاة والسلام مهيمناً في موعظته، طبعاً لصدقه وإخلاصه وغزارة أفكاره وتركيز أفكاره.
 قال وعظنا النبي عليه الصلاة والسلام موعظة احترقت منها الجلود، وذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا هذه موعظة مودع يا رسول الله فماذا تعهد إلينا، قال:

 

((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة))

 

[أحمد والترمذي وأبو داود من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه]

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) ﴾

( سورة الزمر )

(( ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدبر، يمجد الرب نفسه، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز،أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا إنه ساقط به وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ))

[أحمد ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما]

الموعظة بضرب المثل :

 من صدقه وانفعاله وحرصه وإخلاصه كان إذا تكلم ملك زمام الحاضرين.
 قال عمر بن ذر لأبيه: يا أبتِ مالك إذا تكلمت أبكيت الناس، وإذا تكلم غيرك لم يبكهم، فقال: يا بني ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة.
 كلام دقيق، أحياناً تكون نائحة مستأجَرة، الآن امرأة فقدت زوجها، وتحبه حباً جماً، تَبكي بكاءً يُبكي كل من حضر، أما إذا امرأة ليس لها علاقة بالموضوع إطلاقاً لكن يجب أن تتباكى أمامها ذوقاً، أو مستأجرة، فبكاء هذه غير بكاء هذه.
 قال له: يا بني ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة.

(( مَنْ تَعَلّمَ صَرْفَ الْكَلاَمِ لِيَسِبِيَ بِهِ قُلَوبَ الرّجَالِ أو النّاسِ لَمْ يَقْبَلِ الله مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً وَلا عَدْلاً ))

[أبو داود عن أي هريرة ]

  إذا الهدف أن تنتزع إعجاب الحاضرين أنت لست بمؤمن ولا داعية إذا كان هذا هو الهدف، الموعظة بضرب المثل:

 

(( مَثَلُ المُؤْمِنِ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأتْرَجّةِ رِيحُهَا طَيّبٌ وَطَعْمُهَا طَيّبٌ، وَمَثَلُ المُؤْمِنِ الّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيّبٌ وَلا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرّيْحَانَةِ رِبْحُهَا طَيّبٌ وَطَعْمُهَا مُرّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الّذِي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلةِ طعْمُهَا مُرّ وَلا رِيحَ لَها، وَمَثَلُ جَلِيسِ الصّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ أَنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْء أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ جَلِيسِ السّوءِ كَمَثَلِ صَاحِب الكِبرِ إِنْ لَمْ يُصِبُكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ ))

 

[أبو داود عن أنس رضي الله عنه ]

  الموعظة بالمثل، الموعظة بتحريك اليد، أحياناً الحديث الناجح في معه حركات يد، وحركات رائعة فيها تمثيل رائع.

 

(( كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة ))

 

[مسلم عن أبي هريرة ]

الموعظة أنواع:

 هناك أحاديث كثيرة فيها إشارة:

(( يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به، قال: قل ربي الله ثم استقم، قال: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ ؟ فأخذ عليه الصلاة والسلام بلسان نفسه وقال هذا ))

[الترمذي عن سفيان بن عبد الله البجلي رضي الله عنه]

(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسا فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفاً ))

[(الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبى هريرة]

  هناك موعظة بالرسم، رسم النبي مستطيلاً وقال: هذا أجل الإنسان ورسم خطاً خارجاً عنه وقال: هذا أمله، ورسم خطوطاً عرضية قال: هذه حوادث الدهر، حوادث الدنيا، في موعظة بالفعل التطبيقي.

 

(( جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله كيف الطهور ؟ ـ الوضوء ـ فدعا النبي بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثاً حتى استوفى ثم قال: فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم.))

 

[أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده]

 ومرة توضأ أمام أصحابه، قال:

 

((من توضأ مثل وضوئي هذا ثم قام فصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه.))

 

[عبد الرزاق، والنسائي عن عثمان]

  الآن الموعظة بانتهاز المناسبة: مرّ النبي بشاة ميتة فقال لأصحابه:

 

(( أترون هذه هينة على صاحبها ؟ فو الذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها.))

 

[ابن ماجة عن سهل بن سعد]

  ما لها قيمة إطلاقاً، مرةً رأى امرأةً تقبل ابنها وهي تخبز على التنور، قال:

 

(( أترون هذه طارحةً ولدها في النار لَلَّهُ أرحمُ من عباده من هذه بولدها.))

 

[البخاري ومسلم عن عمر]

  هذه موعظة مع المناسبة، في موعظة مع الالتفات للأهم.

 

(( رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله ؟ ـ هذا اسمه أن ترد الإحراج بإحراج مثله ـ قال: وماذا أعددت لها ؟.))

 

[البخاري عن أنس

أساليب أخرى للنبي عليه الصلاة والسلام في الموعظة:

 يروى أن أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى دخل على المنصور وكان عنده قاضٍ من أعدائه، فالقاضي انتهزها مناسبةً كي يوقع بين المنصور وبين أبي حنيفة، قال: يا إمام جئتنا، إذا أمرني الخليفة بقتل امرئ أأقتله أم أتريث ـ الخليفة جالس، إن قال له: لا ترد على الخليفة، يقطع رأسه، وإن قال له: اقتله، سقط من عين الله ـ قال له: الخليفة على الحق أم على الباطل ؟ قال له: على الحق، قال له: كن مع الحق، فلما خرج قال: أراد أن يقيدني فربطته، هذا أسلوب، قال له: متى الساعة، أثناء الخطبة، قال له: وماذا أعددت لها ؟ هذا أسلوب.
هناك موعظة بأن تظهر الشيء المحرم:

(( أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبًا بِيَمِينِهِ وَحَرِيرًا بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌ لإِنَاثِهَا.))

[مسند البزار عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه]

 هذه بعض أساليب النبي عليه الصلاة والسلام في الموعظة، منوعة جداً، إن أردت أن تعظ، وأن تؤثر، وأن تشكل موقفاً، وأن تحمل على فعل، وأن تبعد عن فعل، فاستخدم الأساليب التي اتبعها النبي عليه الصلاة والسلام، أنا أسميها أيها الأخوة سنة النبي الدعوية، النبي له سنة افعل ولا تفعل، له سنة في الدعوة إلى الله هكذا كان يفعل، وما من داعية، وما من أب، وما من معلم يقلد النبي في سنته الدعوية إلا ينجح ويتألق، وما من داعية، أو معلم، أو أب يخالف منهج النبي بالدعوة إلى الله إلا ويثير حوله جدلاً كبيراً.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور