وضع داكن
20-04-2024
Logo
الدرس : 06 - سورة يونس - تفسير الآيات 17 – 23 الدعوة إلى الإيمان بالله عز وجل لأن بيده كل شيء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله العالمين ، وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

أشد الناس ظلماً من افترى على الله كذباً :


أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في الدرس الماضي في سورة يونس إلى قوله تعالى : ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ .

كلمة أظلم اسم تفضيل ، أي الأشد ظُلْمَاً ، أي هناك ظالمٌ وهناك أظلم ، من هو الأظلم ؟ من هو الأشد ظلماً ؟ من هو الأكبر ظلماً ؟ من هو الأكثر ظلماً ؟ قال : الذي يفتري على الله الكذب ، الذي يشرِّع من تلقاء نفسه ، الذي يقول : قال الله ولم يقل الله ، الذي يحرِّف ، الذي يزوِّر ، الذي يؤوِّل تأويلات تغطي انحرافاته ، هذا الذي يفتري على الله الكذب ، هذا الذي يضع حديثاً لا أصل له ، أو هذا الذي يأتي بتأويل لا أصل له ، أو هذا الذي يجر الآيات كي تتوافق مع انحرافاته هذا الذي يفتري على الله الكذب ، إنه الأشد ظلماً ، والأعظم ظلماً ، ظلماً لمن ؟ لنفسه أولاً ، وللناس ثانياً . 

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ أي هل في الأرض إنسان أشد ظلماً من هذا ؟ هذه : ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ﴾ هل في الأرض كلها إنسانٌ أشد ظلماً من هذا الذي يفتري على الله الكذب ؟ من هذا الذي يقول : رأيت في المنام كذا وكذا ؟ رأيت النبي عليه الصلاة والسلام وقال لي : كذا وكذا ، ولم يقل له كذا وكذا ؟

الافتراء على الله عزَّ وجل سواء بتأويل آياته تأويلاً غير صحيح ، أو الافتراء على النبي عليه الصلاة والسلام بأنه قال ولم يقل ، أو بتوجيه الآيات والأحاديث توجيهاً مغايراً للحقيقة ، هذا الذي يفتري على الله الكذب هو الأشد ظلماً . 

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ﴾ هناك مجرمان ، بدليل قوله تعالى : ﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ فهذا الذي يفتري على الله الكذب ظالمٌ مجرم ، وهذا الذي يكذب بالحق ظالمٌ مجرم ، ظالمٌ بحق نفسه ، مجرمٌ بحق الآخرين ، هذا الذي يصد الناس عن سبيل الله ، هذا الذي يستخف بآيات الله ، يكذبها ، يريد أن يطفئ نور الله عزَّ وجل ، هذا أشد ظلماً لنفسه ومجرمٌ في حق الناس .

 

 كمال التوحيد ألا ترى مع الله أحداً :


﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ(17) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ أي أن من العجب العُجاب أن تتجه إلى مخلوقٍ وتدع الخالق ، أن تعلِّق آمالك على إنسان وتيئس من روح الله ، من العجب العجاب أن تخشى فلاناً أو علاناً ولا تخشى الله ، أن ترجو ما عنده ولا ترجو ما عند الله . ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ﴾ :

ومما جاء في الآثار القدسية في الكتب السماوية السابقة : ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي ، أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا .

﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ ﴾ هذا القرآن ليس للسماع بل للتطبيق ، راقب نفسك ، هل تعبد أحداً من دون الله ؟ هذا الذي يطيع زوجته ويعصي ربه تنطبق عليه هذه الآية ، يعبدها من دون الله ، هذا الذي يطيع شريكه ، ويأكل الربا ، ويعصي الله عزَّ وجل ، يعبده من دون الله ، هذا الذي يؤمر بمعصية ويعصي الله إرضاءً لهذا الذي أمره ، هذا يعبده من دون الله  ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ ، سيدنا داود قال :

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

 كمال التوحيد ألا ترى مع الله أحداً .

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)﴾

[ سورة الرعد ]

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)﴾

[ سورة غافر ]

 هذا هو التوحيد ألا ترى مع الله أحداً .. 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾

[ سورة الفتح ]

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾

[ سورة الأنفال ]

﴿  فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾

[ سورة محمد ]

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾

[ سورة فاطر ]

(( عن عبد الله بن عباس :  كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا قال يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ،( رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ ) . ))

[ صحيح ، سنن الترمذي ]

إذا تيقَّنْتَ أن أمورك كلها بيد الله ، أنا أقول : كلها ، أمورك كلها لا بعضٌ منها ، لقوله تعالى : 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123﴾﴾

[ سورة هود ]

ما أسخف هؤلاء ! ما أحمقهم ! ما أشد غباءهم ! ما أضلهم ! ما أبعدهم عن الصواب! ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ ﴾ .

 يروي التاريخ أن أحد التابعين عاصر أحد الولاة من قبل يزيد بن عبد الملك ، فجاء هذا الواليَ أمرٌ لا يرضي الله عزَّ وجل ، فاستشار هذا التابعي فقال له كلمة ، قال له :  إن الله عزَّ وجل يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله .

 أحد الولاة في عهد سيدنا عمر كتب إلى عمر بن الخطاب أن إنّ أُناساً قد اغتصبوا مالاً ليس لهم ، لست أقدر على استخراجه منهم إلا أن أمسَّهم بالعذاب ، فإن أذنت لي فعلت ، فأجابه سيدنا عمر : سبحان الله ! .. متعجباً .. أتستأذنني في تعذيب بشر ؟ وهل أنا لك حصنٌ من عذاب الله ؟! وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله ؟ أقم عليهم البيِّنة ، فإن قامت فخذهم بالبينة ، ثم ادعهم إلى الإقرار ، فإن أقروا فخذهم بإقرارهم ، فإن أنكروا فادعوهم لحلف اليمين ، فإن حلفوا فأطلق سراحهم ، وايم الله لأن يلقوا الله بخياناتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم .

 يروي التاريخ أن في عهد عمرو بن العاص رضي الله عنه في مصر جفَّت مياه النيل ، والمصريون القدامى كان إذا جَفَّ نهر النيل ألقوا فيه فتاةً في ريعان الصبا حتى يرضى ، ويفيض عليهم بمائه ، فلما جف تكلَّم الناس في موضوع إلقاء فتاةٍ فيه بحسب تقاليدهم السابقة ، سيدنا عمرو بن العاص رأى هذا مخالفاً للشرع ، وتحت ضغطٍ شديد قال : سأستشير أمير المؤمنين ، فلما استشاره بعث إليه سيدنا عمر بالرسالة التالية قال : من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر – إلى النيل رأساً - يا نيل ، إن كنت أنت تجري فلا تجرِ ، وإذا كان الله يجريك فسوف تفيض ، وبعد هذه الرقعة فاض النيل – توحيد - وفعلاً بعد أيام هطلت الأمطار الشديدة ، وفاض نهر النيل ، أي الدين كله توحيد .. 

﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)﴾

[ سورة الأعراف ]


الافتراء على الله عز وجل :


﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ﴾ أي كذلك أهل الفسق والفجور ، وأهل النفاق عندهم شيء من المنطق ، نحن معاذ الله لا نعبدهم إيَّاهم ولكننا نتخذهم شُفَعَاء ، فيا سبحان الله ! إن كانوا لا يملكون نفعاً ولا ضراً في الحال فهل يملكون الشفاعة في المآل ؟ إن كان الآن لا يملك نفعاً ولا ضراً فهل يملكها في المستقبل يوم يقوم الناس لرب العالمين ؟ 

شيء آخر ؛ رد عليهم الله سبحانه وتعالى : ﴿ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ﴾ أي إذا كان الله لا يعلمهم فهم غير موجودين ، الإنسان قد لا يعلم وجود هذا الشيء ، والشيء موجود ، قد تُمْسِك كأس ماء فتراه صافياً ، مع أن فيه ملايين الأحياء الدقيقة ، فعدم رؤيتك لهذه الأحياء لا ينفي وجودها ، عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود - هذه قاعدة في الفلسفة - لأن الإنسان محدود ، لكن الله سبحانه وتعالى الذي أحاط بكل شيءٍ علماً ، الذي وسع كرسيه السماوات والأرض أي علمه ، الذي يعلم السر وأخفى ، إذا كان الله لا يعلم هؤلاء الشفعاء فهم بالتأكيد غير موجودين ، ﴿ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ﴾ ، هؤلاء الشفعاء : 

﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)﴾

[ سورة النجم ]

هذا اختلاقٌ من عندكم ، هذا افتراءٌ على الله سبحانه وتعالى .

 

من معاني قوله تعالى : وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً :

 

1 ـ الناس أمة واحدة لا فواصل بينهم :

﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾  هذه آية مهمةٌ ، الناس أمةٌ واحدة ، بمعنى أن فطرتهم واحدة ، إمكانات الناس كلِّهم واحدة ، أي أن كل الناس عندهم استعداد أن يؤمنوا بالله عزَّ وجل ..

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾

[ سورة طه ]

 لولا أن فرعون يملك إمكانية الهدى لما أرسل الله له موسى ، هل أرسل موسى تمثيلاً ؟ حاشا لله ، أرسله لأن فرعون يملك إمكانية الهدى ، الناس جميعاً أمةً واحدة ، بمعنى أن بنيتهم النفسية واحدة ، استعداداتهم واحدة ، إمكاناتهم واحدة ، فطرتهم واحدة ، قوانينهم النفسية واحدة ، جُبِلت النفوس على حبّ من أحسن إليها وبغض من أساء إليها . 

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

[ سورة المعارج ]

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)﴾

[ سورة النساء ]

 وَ .. 

﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)﴾

[ سورة الأنبياء ]

 هذه بنيته ، يخاف ، يقلق ، يحب الخير ، يحب السلامة ، يحب المحسن ، يحب العدالة ، وإن لم يكن عادلاً ، يحب الطهارة ، وإن لم يكن طاهراً ، حتى المنحرفون ، حتى اللصوص إذا اقتسموا الغنائم يقتسمونها فيما بينهم بالعدل ، لأن فطرتهم هكذا ، فربنا عزَّ وجل قال : ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾   هذه من معاني أمة واحدة ، أي لا يوجد خلاف ، أي إنسان لو أحضرت إنساناً من ألاسكا ، من جنوب إفريقيا ، من جنوب أستراليا ، من كندا ، من سيبيريا ، من اليابان ، من القطب الشمالي ، الإنسان هو الإنسان ، يحب السلامة ، يحب المحسن ، يحب الخير لنفسه ، في قلبه محبةٌ لأولاده ، منطقي ، واقعي ، هذا هو الإنسان ، خلق الله عزَّ وجل الناس على فطرةٍ سليمة .. 

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)﴾

[ سورة الروم ]

 لذلك لا يوجد فواصل بين الأمم والشعوب .. 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات ]

 هذا المعنى الأول من معاني : ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾

2 ـ الناس جميعاً مدعوون للإيمان بالله عزَّ وجل :

المعنى الآخر أن الناس جميعاً مدعوُّون للإيمان بالله عزَّ وجل ، قال :

﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

[ سورة هود ]

 خلقهم ليرحمهم ، ورحمة الله مبذولةٌ لكل الناس ، بقي علينا أن نكون أهلاً لها ، اللهم إني أسألك موجبات رحمتك .

﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي يجب أن تكون البشرية أمةً واحدة ، لما بين كل إنسان من تواصل ، لأن كل إنسان فُطِرَ فطرةً سليمة . 


الأهواء فرقت الناس إلى شيع وطوائف :


ما الذي فرَّق الناس شيعاً ؟ وفرَّقهم أحزاباً ؟ وفرقهم قبائل ؟ وفرقهم تجمُّعات ؟ تجمعات عرقية ، وتجمعات إقليمية ، وتجمعات مذهبية ، وتجمعات بحسب العمل والمِهَن والطبقية ، من الذي فرقهم ؟ قال: ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ ﴾ الأهواء فرَّقتهم.. 

﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾

[ سورة الأنفال ]

﴿ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)﴾

[ سورة الحشر ]

ما الذي فرق بينهم ؟ الأهواء ، هؤلاء انغمسوا في الخمور ، هؤلاء انغمسوا في كسب المال الحرام ، هؤلاء انغمسوا في مباهج الدنيا الرخيصة ، الانغماس في الدنيا جعلهم هكذا . 

 

الخطأ في العقيدة خطير جداً :


﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ أي الله سبحانه وتعالى قال كلمةً ؛ أن يوم الدين هو يوم الجزاء ، وأن الحياة الدنيا دار عمل ودار امتحان، وأن يوم الدين هو يوم الجزاء ، لولا أن الله سبحانه وتعالى وعدنا بيوم الجزاء لحاسب المسيء في الدنيا وقضى عليه ﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ .

أحياناً يكون عشرة أشخاص على وشك الموت عطشاً ، واحد توهَّم النبع في هذا المكان ، وآخر توهمه في هذا المكان ، وثالث توهمه في هذا المكان ، ورابع أنكر وجود النبع ، وهناك نبعٌ واحد في مكان محدد ، الذي تطابق اعتقاده مع الحقيقة هو الذي ينجو ، وما سوى ذلك يهلك ، وفي وقتٍ محدود تعرف صدق هؤلاء العشرة ، هذا الذي ادّعى أنْ ليس هناك نبع ، وكان هناك نبع خسر حياته ، وهذا الذي ادّعى أن النبع في هذه الجهة ، ولم يكن في هذه الجهة خسر حياته وخسر آخرته ، وهذا حال الناس اليوم ، كل يزعم أن السعادة في هذه الجهة ، بعضهم يراها في المال ، يكتشف بعد فوات الأوان أن المال شيء ، ولكنه ليس كل شيء ، بعضهم يرى السعادة في العلو في الأرض ، يكتشف بعد فوات الأوان أن العلو في الأرض شيء ولكنه ليس كل شيء .

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك . ))

[ الترمزي ، حديث صحيح حسن من هذا الوجه  ]

إذاً : ﴿ فَاخْتَلَفُواْ ﴾   فإذا اختلفت مع أخ لك في المذهب ، في المشرب ، في الأسلوب ، في الطريق ، في الهدف ، وكنت أنت على حق فهنيئاً لك أولاً ، ونرجو أن يهتدي أخوك ثانياً ، لكن القضية قضية خطيرة ، قال له ابن عمر : 

(( عن عبد الله بن عمر: يا بنَ عمرَ ! دينُك دينُك، إنَّما هو لحمُكَ و دمُكَ، فانظُر عمَّن تأخذُ، خُذ عنِ الَّذينَ استَقاموا ، و لا تأخُذ عن الَّذينَ مالوا . ))

[ السلسلة الضعيفة ، ضعيف ]

وكلٌ يدعي وصلاً بليلى         وليلى لا تقِرُّ لهم بذاكا

***

 فالواحد ينظر إلى قيمه ومعتقداته ، عقيدته صحيحة أم لا ؟ هل يعتقد أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ، خلق شقيهم شقياً من الأزل ، وسعيدهم سعيداً من الأزل ، وانتهى الأمر ، تقول : فيم العمل إذاً ؟ العمل صار تضييع وقت ، هذه عقيدة خطيرة جداً ، هل تعتقد أن الله خلق الكافر كافراً وليس هناك أي تعديل ؟ لماذا أرسل موسى إلى فرعون ؟ أرسله تمثيلاً ؟ فالإنسان يمتحن عقيدته ، الخطأ في العقيدة خطير جداً . 

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام ]

 يمتحن ظنه بالله عزَّ وجل .

 

النفس تطبِّق أمر الله عزَّ وجل في كل زمانٍ ومكان :


ثم إن ربنا عزَّ وجل قال : 

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

هل يقينك بأن أسماء الله حسنى كلها ؟ أين الدليل ؟ ماذا تعرف عن أسماء الله عزَّ وجل ؟ ماذا تعرف عن رحمته ؟ ماذا تعرف عن حكمته ؟ عن لطفه ؟ عن غناه ؟ عن قوته ؟ ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي أن البشر جميعاً أبيضهم وأسودهم ، أحمرهم وأصفرهم مدعوُّون إلى معرفة الله سبحانه وتعالى ، وبُنْيَتُهم واحدة ، وإمكاناتهم واحدة ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، لا يوجد عذر ، أن تقول : لا أستطيع ، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، النفس تستطيع أن تطبِّق أمر الله عزَّ وجل في كل زمانٍ وفي كل مكان .. 

 

الكون كله آيات تدل على عظمة الخالق :


﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ الكون كله آيات ، ربنا عزَّ وجل قال :

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)﴾

[ سورة الذاريات ]

جسمك كله آيات ، شعرك آيات ، مئتان وخمسون ألف شعرة ، لكل شعرة شريان ، ووريد ، وعصب ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة صبغية ، لكل شعرة .

 الدماغ آية ، مئة وأربعون مليار خلية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد ، أربعة عشر مليار خلية قشرية تجري فيها المحاكمة ، والتخيل ، والتذكُّر ، وكل النشاط العقلي في هذه الخلايا .

العين مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط يوجد بالشبكية ، العصب البصري أربعمئة ألف عصب ، الأذن ، اللسان ، المعدة ، في كل سنتيمتر مربع يوجد ثمانمئة عصارة هاضمة ، مجموع هذه العصارات تفرز لتراً ونصفاً من العصارة الهاضمة في كل وجبة طعام ، والمعدة لا تهضم نفسها ، وحتى هذا التاريخ هناك سؤال كبير : كيف لا تهضم المعدة نفسها ؟ فأنت تأكل اللحم وتهضمها وهي من لحم ، الجهاز الهضمي ، البنكرياس ، الكبد .

 بعضهم قال : الكبد خمسة آلاف وظيفة ، لا يستطيع الإنسان أن يعيش من دون كبد أكثر من ثلاث ساعات ، والكبد يستطيع ترميم أي جزءٍ يقتطع منه في أسابيع ، الكبد آية ، مخبر كيماوي ، مخزن ، الكبد عنده إمكانات يحول الدسم إلى سكر والسكر إلى دسم ، الكبد آية .

 الكلية مصفاة عاقلة ، الدم يمر فيها في اليوم الواحد مئة وثمانون لتراً من الدم ، أي برميل بكاملة يمر بالكلية كل يوم ، فيها طريق طوله عشرون كيلو متراً ، يمر فيه الدم بالنهار خمس مرات ، أي أن الدم يمشي في الكلية كل يوم مئة كيلو متر ، تصفي الدم من السموم والسوائل الزائدة ، وتفرز ثلاثة هرمونات ، هرمون مضاد لفقر الدم ، وهرمون ينظم ضغط القلب ، وهرمون ثالث ، فالذين يصابون بالتهاب في الكلاوي يرتفع ضغطهم فجأةً ، والكلية وحدها لو توقفت عن العمل لانقلبت حياة الإنسان جحيماً .

 أثر الأسيد أوريك أو البولة في الدم مخيف ، هذا السم إذا زادت نسبته في الدم يشل النشاط العقلي ، يوتر الأعصاب ، يخرج الإنسان عن طوره ، تتراكم السموم ، فلما يفرِّغ الإنسان المثانة يجب أن يشكر الله عزَّ وجل شكراً كبيراً ، ويقول : الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني :

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾

[ سورة الذاريات ]

الآيات موجودة ، الشمس آية ، القمر آية ، الجبال آية ، المياه العذبة آية ، الأمطار آية ، البحار آية ، أنواع النباتات آية ، أنواع الأطيار آية ، أنواع الأسماك آية .

الآن ابنك آية ، ابنتك آية ، البنت تمسك الوسادة ، وتضعها على صدرها وهي صغيرة ، بنيتها النفسية أُمّ ، والطفل يركب العصا ، كأنها حصان ويمشي ، بنيته النفسية رجل ، عندما يكبرون تجد أن الصفات قد اختلفت ، خشن صوته ، وبقي صوتها ناعماً ، أي صفات الذكورة عندما تظهر عند البلوغ آية من آيات الله عزَّ وجل ، وصفات الأنوثة حينما تظهر آية من آيات الله ، لذلك : 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

[ سورة الروم ]

لم ينظر لخلقه ، لم ينظر لابنه ، لم ينظر لطعامه ، لم ينظر لشرابه ، لم ينظر إلى السماء والأرض ، ويطلب آيةً فيها خرقٌ للقوانين الأرضية ‍! ﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ ﴾ أي أن الله سبحانه وتعالى يعلم وحده ما إذا كانت هذه الآية تفيدكم أو لا ، لو أنها تفيدكم لأنزلها عليكم ، ولكن الذي لا يؤمن بهذا الحشد للآيات لن يؤمن بآية فيها خرقٌ لقوانين الكون..

﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)﴾

[ سورة الأنعام ]

 أي حتى يسلكوا الطريق التي رسمها الله عزَّ وجل ، ما لم يسلكوا الطريق التي رسمها الله عزَّ وجل فلن يستطيعوا أن يؤمنوا بآيات الله ، فهؤلاء على الرغم من الآيات التي بثَّها الله سبحانه وتعالى ..

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)﴾

[ سورة الغاشية ]

الإبل تعيش في الصحراء ، عندها جفن إذا أطبقته ترى طريقها ، ويمنع الجفن رمال الصحراء الدقيقة من أن تؤذي عينيها – الناقة- ، ولها مستودعٌ يكفيها شهراً ، لو أنها لم تأكل شهراً ثلاثين يوماً بأكملها لكان مستودع الغذاء الذي وضعه الله في سنامها يكفيها عن الطعام والشراب شهراً ، وعندها خزَّانات للمياه تكفيها عشرة أيام ، تستطيع الناقة أن تمتنع عن شرب الماء عشرة أيام بكاملها ، وجعل لها خفاً لا يغوص في الرمال ، يتناسب مع الرمال ، وجعل لها جلوساً نظامياً كي يسهل تحميلها ، جعل لها ثفينات ، ثفنة في بطنها ، وثفينات في أرجلها وأيديها ، إذا جلست يستطيع صاحبها أن يحمِّلها ، لو أنها تجلس كما يجلس الحصان على جنبه كيف يحملها ؟ إذاً : 

﴿  أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ(18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19) وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)﴾

[ سورة الغاشية ]

ألم ينظروا إلى النحل ؟ هذا المخلوق الضعيف الذي يصنع لك شراباً لذيذاً ، شافياً ، مفيداً ، من منا يصدق أن كيلو العسل محصلة طيران أربعمئة ألف كيلو متر ؟ لو كلفنا نحلةً واحدة أن تصنع كيلو من العسل لكلفها أن تطير أربعمئة ألف كيلو متر ، أي حول قطر الأرض عشر مرات ، كيف تختار النحلة رحيق الأزهار ؟ قال : 

(( عن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : والذي نفسي بيده إن مثل المؤمن كمثل النحلة ، أكلت طيباً ووضعت طيباً ، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد  . ))

[ رواه أحمد ]

لطيفة ، وإذا رحلت عن هذه الزهرة تركت رسالةً لأختها ، هذه الزهرة قد مصصتُ رحيقها فلا تتعبي نفسكِ بها ، من أعطى هذه المملكة نظامها ؟ عاملات حارسات يقفن على أبواب الخلايا ، فإذا جاءت نحلةٌ من غير هذه الخلية قتلنها ، أو تقول كلمة السر ، فإذا قالت كلمة السر دخلت ، من علَّمها هذا ؟ نحلاتٌ منظِّفات ينظفن الخلية ، فإذا عثرن على جسمٍ أو على حشرةٍ كبيرةٍ لا يستطعن نقلها غلَّفنها بمادةٍ شمعية ، لئلا تفوح منها رائحتها النتنة ، من علم النحل ذلك ؟ الله سبحانه وتعالى ، نحلاتٌ مهمتهن تهوية الخلية ، فإذا كان الوقت شتاءً أغلقن أبواب الخلية بأجنحتها ، وإذا كان الوقت صيفاً فعلن بالأجنحة هكذا فنشأ تيارٌ في جو الخلية رطّب الجو .

 من علَّم النحلة أن ترقص لأخواتها رقصةً تعبِّر بها عن بعد الزهر عن الخلية ؟ هناك رقصة تشعر أن الزهر قريب ، وهناك رقصة كأنها تقول للنحلات : استعدوا لسفرٍ طويل ، إذا كانت المسافة عشرين كيلومتراً فما فوق لها رقصة دائرية ، وإذا كان ربع دورة معنى ذلك أن الزهر قريب من الخلية ، من علَّم هذه النحلات ؟ من علم النحلات صنع البيوت السداسية المنتظمة التي يعجز المهندسون عن رسمها فكيف عن صنعها ؟ هناك نحلات وصيفات مهمتها تأمين طعام الملكة ، هناك ملكة ، فإذا جاءت الخلية ملكةٌ أخرى قتلت لأن القيادة يجب أن تكون بيد واحد ، أي أشياء وأشياء عن النحل ، النحل آية من آيات الله .

النمل .. النمل إذا خرج من وكره ، وسار ورأى في الطريق طعاماً يبث رسائل كيميائية في الطريق ، أي أنه يضع نقطة فيها رائحة بحيث أن النملات الأخريات خلال دقائق يسرن على الخط نفسه ، هناك رائحة تجذب النملات إلى الطعام ، وهناك رائحة تنفِّر النملات من المجيء ، إذا وجدت خطراً أو ماء أو شيئاً مخيفاً تعطي إشارات كيمائية معاكسة ، من علم النملة ذلك ؟ 

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)﴾

[ سورة النور ]

 النمل آية ، النحل آية ، الفراش آية .

دود القز وحده آية ، تصنع خيطاً لا تستطيع الآلات الحديثة حتى الآن صنع خيوط بهذه ٍالنعومة ، وبهذا القطر الرفيع ، حرير .

 كأس الحليب آية ، البيضة آية ، الدجاج ، البقر ، الجمل ، أنت محاط بالآيات  ومع ذلك : ﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ ﴾ كل هذه الآيات لا تكفي ؟  


معاني قوله تعالى : فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ :


﴿ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ ﴾ لا يعلم الغيب إلا الله ، هذا المعنى الأول .

المعنى الثاني : أنه إذا أنزل الله عليكم آية ، الله وحده يعرف ما إذا كنتم تؤمنون أو لا تؤمنون ، علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، لم تنزَّل عليهم آية ، الله وحده يعلم لو أنزلها عليهم ماذا يفعلون .

 

الله عز وجل بيده كل شيء :


﴿ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ(20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ﴾ الإنسان يكون ضعيفاً ، يكون مريضاً ، يكون فقيراً ، يكون مستضعفا ، يقول : يا الله ، يا الله ، فإذا أزال الله عنه كربه ومصيبته عاد يفكر في صد الناس عن سبيل الله ﴿ قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً ﴾ .

حدثني أخ كريم ، رجل عنده محل تجاري له ولإخوته الثلاث ، لكنه أكبرهم ، وقد وضع يده على هذا المحل ، جاءه مرض عضال ، نوبةٌ قلبيةٌ حادة كان على مشارف الموت ، ماذا فعل ؟ طلب آلة تسجيل ، وقال وهو يظن أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة : إن هذا المحل ليس لي ، إنه لأخي فلان وأخي فلان وأخي فلان ، خاف ، فلما زالت عنه هذه النوبة ، طلب هذا الشريط وأخفاه ، وتابع العمل في المحل ، ثم طوَّب المحل لنفسه وحدها ، ووافته المنية بعد ثمانية أشهر ، مات مغتصباً ، أي الإنسان أحياناً إذا شعر بدنو أجله يخاف ، فإذا رفع الله عنه الخوف عاد لمنكر ، عاد ليظلم ، عاد ليأخذ ما ليس له ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً ﴾ لأن الله عزَّ وجل بيده كل شيء ، أنت تريد ، وأنا أريد ، والله يفعل ما يريد ﴿ قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً ﴾ إذا شخص قال : أنا غداً أفعل بفلان كذا وكذا ، قلبك بيد الله عزَّ وجل قد يوقفه ليلاً .

 مرة قاضٍ أراد أن يحكم لفلان ظلماً على فلان ، وصار الشيء بحكم المقرر ، وقف على قوس القضاء ، فإذا ألمٍ في المعدة شديد أخذ على إثره إلى المستشفى ، أين الحكم ؟ الدعوى تأجَّلت ، جاء قاض آخر فحكم بالعدل . 

إذاً : ﴿ قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً ﴾ ، قال : 

(( عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَنْ عَدَّ غَدًا مِنْ أَجَلِهِ فَقَدْ أَسَاءَ صُحْبَةَ الْمَوْت . ))

[ السيوطي ]

 

إحصاء الله عز وجل على كل إنسان أنفاسه وحركاته وسكناته :


﴿ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ﴾ كله مسجل ، إذا شعر الإنسان أن صوته مسجل ينتقي أدق الكلمات ، وإذا شعر أن صورته مسجلة أيضاً ، من حين إلى حين يحسّن وضع قميصه لأنهم يقومون بتصويره ، فإذا كان مسجلاً بصورة وصوت معنى هذا أنه تحت المراقبة ، فإذا تيقَّن الإنسان أن الله سبحانه وتعالى يحصي عليه أنفاسه ، وحركاته ، وسكناته ، وأقواله ، ونظراته ..

﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾

[ سورة غافر ]

ماذا يفعل ؟ هو الفرق فرق علم وجهل فقط ، إما أن تعلم فتنضبط ، وإما ألا تعلم وسوف تعلم بعد فوات الأوان .

 

تحرك الإنسان وفق خواطر عدة :


 ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ الإنسان يتحرك وفق خواطر ، الله عزَّ وجل يلهمه أن يسافر ، يكون قد استحق العقاب ، يحدث له حادث فيفقد أحد أعضائه .

﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)  ﴾

انظر إلى الموقف اللئيم ، وهو على ظهر السفينة ، والسفينة كريشةٍ في مهبِّ الريح ، والأمواج تتلاعب بها ، والحياة أصبحت على وشك النهاية ، يا رب ، يا رب ﴿ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ ﴾ إلى البر ﴿ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ الإنسان في اليابسة يطغى ، أما في الجو ، طائرةٌ دخلت في غيمة مكهربة فاضطربت ، وتعطَّلت بعض أجهزتها ، وكادت تحترق ، فقال ربان الطائرة لبعض المضيفين : بلِّغ الركاب كذا وكذا ، خرج ليبلغهم ، لا أحد من الركاب عنده استعداد أن يسمع شيئاً ، وهو يبتهل إلى الله ، هذا يصرخ ، هذا يولول ، هذا يبكي ، هذا يلطم وجهه ، فتوسَّم في الركاب لعله يرى واحداً يبلِّغهم ، فنظر إلى واحدٍ هادئ ، فتوجه إليه ليبلغه أن يبلغهم ، فإذا هو مغمى عليه ، في الأرض هو قوي ، سأفعل كذا وكذا ، من أنت ؟ الخطر القائم في الجو ، أو الخطر القائم في البحر نفسه في البر ، لو علمت أن الله على كل شيءٍ قدير ، قلبك بيده ، حياتك كلها بيده ، لذلك : ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾ .


بغي الإنسان واقع عليه وليس على من يظلمه : 


ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ(22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ﴾ أي مما يقترب من هذا التشبيه أن الإنسان أحياناً يمرض ابنه ، تجده يصلي ، زوجته على وشك الولادة ، يخاف أن يأتي المخلوق مشوَّهاً ، يخاف أن تكون الولادة عسرة ، تحتاج إلى ولادة قيصرية ، ومستشفى ، تموت الزوجة أيضاً ، يا رب ، صار يصلي ، يريد أن يصلي ، قرأ القرآن الآن فقط ، بعد ما ولدت وجاءت له بالصبي ، أقام حفلة مباركة ، ودعا رجالاً ونساء في اختلاط ، أين كنت ؟ ماذا كنت تفعل ؟ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ﴾ أجمل ما في هذه الآية أن بغيكم ليس على من تظلمونه ، هذا قد عالجه الله على يدكم ، وانتهى ، أما البغي فهو واقعٌ عليكم  ﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أما هنا كلمة متاع منصوبة ، أي أن كل هذه الثمار التي تقطفونها من بغيكم إنما تستمتعون بها في الحياة الدنيا فقط ، فإذا جاء الموت ، فلو أن إنساناً اغتصب بيتاً ، متى يستمتع به ؟ يستمتع في حياته فقط ، بعد الحياة يؤخذ منه .

 الآية الأخيرة : ﴿ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ لو أن أخاً كبيراً اغتصب من أخيه الصغير بيتاً ، إلى متى يستمتع بهذا البيت ؟ في الحياة الدنيا فقط ، لابدَّ من أن يموت ويتركه إذاً : ﴿ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي أن ثمرات البغي لن تستهلكوها إلا في الحياة الدنيا فقط ، وبعد الحياة الدنيا هناك الحساب الدقيق وهناك العذاب .

 

متاع الحياة الدنيا قليل :


﴿ ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ إذاً الإنسان مهما كان الشيء ثميناً ، مهما كان المكسب كبيراً ، ما دام يستهلك في الحياة الدنيا فقط ، وسوف يموت ، قال سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كلما دخل إلى مجلسه - مجلس الخلافة - كان يتلو هذه الآية :

﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)﴾  

[ سورة الشعراء ]

يتلو هذه الآية ويجلس ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ(205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ(206)مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ(207)﴾ إذاً : متاع الحياة الدنيا ، لذلك اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور