وضع داكن
24-04-2024
Logo
الدرس : 07 - سورة يونس - تفسير الآيات 23 – 27 موازنة بين الحياة الدنيا والآخرة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . 

 

الحياة الدنيا مؤقَّتة وثمار البغي لا يستفيد منها الإنسان إلا في الحياة الدنيا :


أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في الدرس الماضي في سورة يونس إلى قوله تعالى :

﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ - أي في سفينةٍ - وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ(22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ ...

هنا الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ التجاوز ، العدوان ، الاغتصاب ، الإسراف ، هذا البغي عائدٌ عليكم ، حجم البغي منصبٌ عليكم ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ انتهى المعنى .

الآن جاءت فقرة أخرى ﴿ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي هذا البغي تستفيدون منه ، ثمار البغي إن كانت له ثمار ، ثمار البغي لا تستفيدون منه إلا في الحياة الدنيا ، والحياة الدنيا مؤقَّتة ، لو أن إنساناً اغتصب أرضاً ، يزرعها ، ويفلحها ، ويجني ثمارها ، ويبيع الثمار ، ولا يستفيد منها إلا في الحياة الدنيا ، فإذا جاء الموت انقطعت عنه وحُوسِبَ عليها فـــ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أتستأهل هذه الدنيا أن تأخذ ما ليس لك ثم يعَذَّب الإنسان إلى الأبد ؟ سألت مرَّة رجلاً قلت له : أجبني وأنصِف ، لو أعطيناك مبلغاً من المال كبيراً جداً إلى درجة أنه يصعب إحصاؤه ، وقلنا لك : تمتَّع فيه خلال خمسة أعوام في أي مكانٍ تشاء ، وانغمس في كل الملذَّات والشهوات ، ولا تدع مكاناً إلا وترِدُه ، ولا ملهى إلا وتسكنه ، ثم لابدَّ من عذابٍ أليمٍ بئيسٍ لأسبوعٍ فوق طاقة التحمُّل ، هل ترضى ؟ قال : لا والله ولا ساعة ، إذاً كيف ترضى العكس ، أن تكون الحياة الدنيا محدودة ، ومتعتها محدودة ، والعذاب الذي تسبِّبه أبدي ؟ لذلك ربنا عزَّ وجل قال : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾. . البغي كلُّه عليك ، عائدٌ عليك ، شخص في حالة سُكْرْ شديد - قرأت قصَّة في جريدة - وهو سكران ذبح امرأته وخمسة من أولاده ، أنا تصوَّرت أن أحداً لم يدر به ، وأن أحداً لن يحاسبه ، وأن أحداً لن يقبض عليه ، بعد أن ذهب السُكْرُ وصحا ، ورأى هذه الزوجة المخلصة الأمينة الوفيَّة ، الطيّبة الطاهرة ، وهؤلاء الأولاد كالملائكة كلُّهم غارقون في دمائهم ، لو أن أحداً لم يحاسبه ، اعتدى إنسان على قريبته أخذوه إلى السجن ، فذبح نفسه داخل السجن ، قطع الوريد ، ومات منتحراً لشدَّة ألمه النفسي ،﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ الإنسان أحياناً يفعل أفعالاً لا تحتملها نفسه لو صحا ، الآن في غيبوبة ، الآن في سُكْر ، الآن في نوم ، الناس نيامٌ إذا ماتوا انتبهوا .. يفعل ، ويترك ، ويأكل ما ليس له ، ويعتدي ، ويؤذي ، ويسبِّب تعاسة فتاة إلى ما شاء الله من أجل لذَّةٍ طارئة ، حينما يصحو ضميره ، حينما تنقطع عنه الدنيا ، حينما يواجه الحقيقة ، حينما يصبح بصره حديداً وثاقباً عندئذٍ لا تحتمل نفسه تبعات عملها ، نفسه وحدها لذلك : " إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول : يا رب لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى ، وإنه ليعلم ما فيها من شدَّة العذاب .

 هذا فضلاً عن عذاب النار المُحرِق ، وعن العذاب الجسدي الذي أكَّدته الآيات ، هذا الذي قتل زوجته وأولاده الخمس لو لم يُحاسَب ، لو لم يُقبَض عليه ، لو أنه لم يُسَق إلى السجن ماذا تفعل فيه نفسه ؟ تُهلِكه ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ .

يجب على الإنسان ألا يكون مسرفاً ، ومن الممكن أن يتمنى في ساعة الغفلة وغمرة الشهوة أن يأخذ ما ليس له ، فإذا صحا وعرف حجم بغيه وعدوانه عندئذٍ يذوب ألماً قبل أن يعذِّبه الله عزَّ وجل .. 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ هذا البغي متى تستفيد منه ؟ في الدنيا فقط ، كما قلت قبل قليل : لو أخذت أرضاً ليست لك ، فإذا مات الإنسان حوسب عنها ، انقطعت منفعتها ، وجاءت تبعتها ، لو أن إنساناً سرق مبلغاً كبيراً ، وصرف جزءاً منه ، صرف مثلاً  واحد بالمئة منه ، ثم ألقي القبض عليه ، وسيق للمحاكمة ، صدر القرار بإعدامه ، وهو يصعد درجات المشنقة تكون المنفعة قد انقطعت ، وبدأت التبعة - المسؤوليَّة - وهذا هو الجزاء .. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ يجب على الإنسان ألا يطغي على زوجته ، ولا على جيرانه ، ولا على صانع في المحل ، ولا على إنسان أدنى منه ، ولا على إنسان أضعف منه ، ولا على صغير لا يقوى على مناقشته ﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ علامة النضج الخوف من الله ..﴿ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي أن هذا البغي لن تستفيدوا منه إلا في الحياة الدنيا فقط وحدها ، حصراً .

 

تعريف بالحياة الدنيا :


﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ الآيات القرآنيَّة مترابطة يأخذ بعضها برقاب بعض كأنَّها عِقْدٌ نفيس ، ما هي هذه الحياة الدنيا ؟ الله سبحانه وتعالى ساق لنا صورةً عن الحياة الدنيا فقال : ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴾ فالنبات له جذور جاءها الماء ، انتعشت ، نمت ، أزهر النبات فلبست الأرض حلَّةً قشيبة ، انظر إلى بستان في الربيع إنه مثل الجنَّة .. ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴾   بعضهم قال : ﴿ كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ ﴾ أي اختلط الماء في الأرض ثم - الاستئناف – فيه نبات الأرض أي نبات الأرض بسببه ، أو اختلط الماء بالنبات اختلاطاً ، أي المواد الموجودة في التربة ذابت في الماء ودخلت إلى الجذر عن طريقه..﴿ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ﴾ أي التفَّاحة أزهرت ، والمشمشة أزهرت ، والقمح نما ، والشعير نما ، والحمُّص نما ، والعدس نما ، والفول ظهر ، والبندورة والكوسا والباذنجان جميع أنواع الخضراوات ، وأنواع الفواكه ، والثمار ، والبرسيم طعام الأنعام أيضاً نما ، والحشائش الخضراء ، وأنواع الأزهار والأعشاب ﴿ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ﴾  ففرح صاحب البستان ، بستان كالجَّنة ، أرضه خضراء ، أشجاره مورقة ، مياهه عذبة ، أزهاره فوَّاحة ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ﴾ أي البستان أصبح مزَّيَّناً بالأزهار ، ومزخرف بالحشائش والثمار ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾ أي قادرون على جنيها ، وعلى قطافها ، وعلى توضيبها  كما يقولون ، وعلى تسويقها ، وعلى بيعها، وعلى قبض ثمنها .. ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ هذه الآية من الآيات البليغة ، أي الحياة الدنيا أرضٌ يأتيها ماءٌ ، تنبت الحشائش والأزهار والثمار ، يصبح البستان مزداناً مزخرفاً يأخذ بالألباب ، يفرح صاحبه ، تغمره النشوة ، يتخيَّل كيف سيبيع بأغلى الأسعار ، ويقبض ثمنه ، ويشتري بثمنه مثلاً قطعة أرضٍ ثانية ، أو بيتاً في الحي الفلاني ، أو سيارةً فارهة ، وهو في أحلامه ، وهو في خواطره المسعدة ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ .

الآن أيضاً قد يشتري إنسان محلاً يزيِّنه ، يجعله على آخر طراز ، يعتني فيه ، يفتح المحل فترسل إليه باقات الورد تعبيراً عن التهنئة ، يداوم فيه شهراً أو شهرين ، تلصق النعوة على المحل ، ومازالت أول ميزانيَّة لم تظهر عنده بعد ، ما عرف أرباحه عن هذه السنة ، ما عرف حجم أرباحه ، ما قبض مسحوبات ، جاءته المنيَّة فعاجلته ، فالحياة الدنيا هذه الآية متعلِّقة بمتاع الحياة الدنيا ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي محصِّلة هذا البغي لن تستطيعوا أن تستفيدوا منه إلا في الحياة الدنيا ، وهذه هي الحياة الدنيا ، أمطارٌ ، أعشابٌ ، أزهارٌ ، رياحين ، أشجار مثمرة ، فرح ثم يأتي أمر الله عزَّ وجل فيجعل عاليها سافلها ، ويقبض صاحبها فلا يستطيع الاستفادة منها ، يدفع ثمن اغتصابه لها غالياً .

 

في قوله تعالى : حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا معنيان :


 هذه الآية نفسها كأن الله سبحانه وتعالى أنبأنا عن آخر الزمان قال : ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ ﴾ أي المدن مزيَّنة ، مزخرفة ، شوارع ، حدائق ، ناطحات سحاب ، جسور معلَّقة ، أنفاق تحت الأرض ، أبنية فخمة ، مطاعم من الدرجة الأولى ، فنادق من الدرجة الأولى ، متنزَّهات ، حدائق حيوان ، حدائق للإنسان ، أي الأرض فيها أشياء جميلة جداً ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا ﴾ كل شيء جميل ، كل شيء مزيَّن ، كل شيء مزخرف ، لم يعد أحد يرضى أن يسكن في بيت من دون جبصين ، لا يُسْكَن فيه ، لماذا لم تعمل له ديكور ؟ تنقبض قسمات وجهه أيضاً ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا ﴾ هؤلاء كبراء العالَم الذين يملكون الأسلحة الذرِّيَّة ، النَّوويَّة ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾ أي بيدهم مصير العالَم ، إن قامت حربٌ نوويَّةٌ انتهى العالَم ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾ عندئذٍ جاءتهم الساعة ، ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ﴾ ليلاً أو نهاراً هذه متعلِّقة بكرويًّة الأرض ، إذا كان أمر الله عامَّاً على مستوى الكرة الأرضيَّة فلابدَّ من أن يأتي قوماً ليلاً وقوماً نهاراً ، الآن في ساعة واحدة نكون نحن في الليل وفي أوروبا وأمريكا في النهار.. ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ إنّ ربنا عزَّ وجل يُطلعنا على نماذج مصغَّرة ، هذه الزلازل ، مدينة فخمة ، ناطحات سحاب ، أبنية من أجمل الأبنية ، قال : الزلزال ثلاث ثوان ، ثلاثون ثانية طويل جداً ، تصور وأنت تتابع بناية تُعَمَّر عندك ، تصوَّر عندما حفروا الأساسات ، عندما وضعوا الأعمدة ، عندما صبَّوا ، تصوَّر كم سنة لكي ترتفع البناية على العظم ؟ وكم سنة كسوتها ؟ وكم سنة زخرفتها ؟ وكم سنة فرشها ؟ والله تحتاج إلى عشرات السنين ، أطول زلزال عبارة عن ثلاثين ثانية ، وبعض الزلازل ثلاث ثوان كالذي جاء في أغادير.. 

﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) ﴾

[ سورة هود ]

فهذه الآية لها تفسير آخر .. ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا ﴾ أي كل شيء صار جميلاً جداً ، كل شيء معه تزيينات ، كل شيء مريح للعين ، ألوان جميلة ، حاجات متقنة ، وسائل رفاه منقطعة النظير ، حياتنا سوف تصبح كلِّها أزرار ، فإذا لم يكن لدى أحدهم في سيَّارته زر ليرفع البلور ينزعج ، هكذا سيبذل جهداً كبيراً ، لا يستطيع أن يرفع زجاج أبواب السيارة بيده ..﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا ﴾ لأن هذا الرفاه على حساب الآخرين ، لأن هذا الرفاه مبنيٌّ على جوع الإنسان وعلى ظلمه ، ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ﴾ هذه الأبنية الشاهقة ، وهذه العمارات الفخمة ، وهذه الفنادق الرائعة ، وهذه المتنزَّهات ، ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ لأنه ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ أي الفساد في العالَم منقطع النظير ، أي كل شيء صار مسخَّراً لشهوة الإنسان ولانحرافه ، على كل الآية وحدها إذا نزعتها من بين أخواتها صورة من صور نهاية العالم ، مشهد أخَّاذ من مشاهد قيام السَّاعة ، إن نزعتها وحدها ، وإذا قرأتها مع أخواتها فلها معنى آخر ، أي هذا البغي الذي يبغيه الإنسان من أجل قطعة أرضٍ ، من أجل بيتٍ ، من أجل متجرٍ ، من أجل شيءٍ تافهٍ لا يستفيد منه إلا في الحياة الدنيا فقط ، وهذا مصيره في الحياة الدنيا : 

﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) ﴾

[ سورة البقرة ]

 انظر الآن إلى الناس ، أحدهم يعمل في عمل مضنٍ لكي يجمِّع دريهمات فيشتري هذا البيت ، ويزيِّنه ، يجعل نوافذه كلُّها من الألمنيوم وزجاجه من البلور العاكس ، وكله تركيبات ، ثم تجده لم يتمتَّع فيه ، لي قريب جاره يسكن في منزل فوقه له محل تجاري ، راجت بضاعته كثيراً ، فزيَّن بيته إلى درجة متناهية في الترتيب ، بعد أن انتهت زينة البيت بشهرين وافته المنيَّة .. وآخر قال لجيرانه في البناية : مدخل البناء غير لائق ، وقد يكون عند أحد سكان البناء عزاء مثلاً ، أو فرح ، فدعا إلى اجتماعين أو ثلاثة وجمعوا مبلغاً معيناً من كل بيت ، دهَّنوه ووضعوا باب حديدٍ فخمٍ ، ووضعوا أنترفون ، بعدما انتهت العمليَّة بأسبوعين صاحب المشروع توفي .. صار عنده لازمة طبعاً ، عرف ماذا أمامه ، جاء الناس فوجدوا المدخل فخماً ودهانات وأنترفون ورخام ، هكذا الحياة الدنيا ، هكذا نهايتها ، لذلك : ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ إن قرأناها مع أخواتها ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾ أي قادرون على جني الثمار ، وعلى بيعها ، وعلى استثمار مالها في مجالات أخرى ، وإن أخذناها وحدها ﴿ وَظَنَّ ﴾   أكابر الأرض وقتها أنهم قادرون عليها ، عندئذٍ  ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا ﴾ لا أمرهم ، أمرنا نحن ﴿ فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾ .

 

من يطلب دار السلام يهديه الله إلى الصراط المستقيم :


﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ يدعو مَنْ ؟ سؤال ، الله يدعو ؛ يدعو : فعل مضارع ، والله سبحانه وتعالى هو الفاعل ، ولكن المفعول به مَنْ ؟ يدعو مَن ؟ قال : لأن الله عزَّ وجل أغفل المفعول به فالدعوة عامَّة ، يدعو كل خلقه إلى دار السلام ، أي خلقهم لدار السلام ، أي خلقهم للجنَّة ، أي خلقهم ليرحمهم فقط ..﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو ﴾ الإنس ، والجنَّ ، جميع بني البشر ، أسودهم ، وأبيضهم ، وأحمرهم ، وأصفرهم ، غنيُّهم وفقيرهم ، قويهم وضعيفهم ، مدنيُّهم وقرويُّهم ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ لكن الذي يطلب دار السلام وحده يهديه إلى صراطٍ مستقيم ، قال المفسِّرون : الصراط المستقيم هو القرآن الكريم . وقال بعضهم : الصراط المستقيم هو دين الإسلام ، ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ وهذا واقع ، قل له : يا رب اهدني إلى طريق الحق ، قلها بصدق تر أن الله سبحانه وتعالى جمعك مع أهل الحق ، وانشرح صدرك لكلامهم ، ويسَّر لك تطبيق الحق ، وتجلَّى على قلبك من تجليَّاته ، فسعدت بهذا التجلي وكنت من قبل شقيَّاً ، كل هذا جمعك مع أهل الحق ، وأسمعك كلامهم ، وانشرح صدرك لهم ، وطبَّقت دلالتهم ، وسعدت بتطبيقك ، كل هذا بفضل سؤالك لربِّك : يا رب دلني عليك ، ودلني على من يدلَّني عليك ، اللهمَّ ارزقنا حبَّك ، وحبَّ من يحبُّك ، وحبَّ عملٍ صالحٍ يقرِّبنا إلى حبِّك ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ تقول : أنا مكتوب عليَّ في الأزل أنني شقي ، هذا كلام فارغ ، هذا كلام الشيطان .. 

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) ﴾

[ سورة الأنعام ]

أنت مخيَّر .

 

خُلِق الإنسان ليسعد في الدنيا والآخرة :


﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ﴾ أي أنه خلقهم وفق فطرةٍ واحدة ، ووفق بنيةٍ واحدة ، وفق استعداداتٍ واحدة ، ووفق حقيقةٍ واحدة ، ولهدفٍ واحد ، أي الإنسان خُلِق ليسعد ، أي إنسان ، فربنا عزَّ وجل قال : ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ أي  شتَّان بين الدنيا ودار السلام ، أحد الناس معه مبلغ اشترى به سيَّارة ، وآخر مثلاً اشترى أرضاً ، الذي اشترى السيَّارة بهذا المبلغ الضخم بحادث واحد أصبحت لا شيء ، لكن الأرض تضاعفت خمسين ضعفاً ، باع جزءاً منها بسيطاً عمَّر فيها فيلا فخمة ، ثم باع جزءاً ثانياً اشترى فيها سيَّارة مثلاً .. فهذا الإنسان الأول لم يوفَّق في اختياره ، لكن الثاني وفِّق في اختياره ، فعندما يختار الإنسان الدنيا هذه الدنيا كلها تنتهي إذا توقَّف القلب ، أخي هذه البناية كلها لي ، مؤلفة من ثلاثين طابقاً ، ما دام القلب يدق ضع السمَّاعة عليه مادام يخفق إذاً هي لك ، توقَّف القلب لم تعُد لك ، هذه لي ، متى لك ؟ ما دام هذا القلب ينبض ، فإذا توقَّف عن النبض ليست لك ،  فإذا اختار الإنسان الدنيا هناك احتمال أن تتركها بثانية واحدة ، وهناك احتمالٌ آخر أن تتركك هي ، عنده مال صُودِرَ ، عنده محل احترق ، له زوجة توفِّيت ، له شأن اجتماعي أزيح من مكانه ، فإما أن تتركك ، وإما أن تتركها ، على كل يوجد مغامرة ، عملية بثوانٍ تنتهي الحياة كلّها ، ولا سيما في هذه الأيَّام حيث إن ضغط الحياة لا يحتمله القلب ، تجد الأب في السابعة والأربعين جاءته جلطة ، وذاك سكتة قلبيَّة ، وثالث انفجار بالدماغ ، هذا تضخُّم في القلب ، هذا عدم تروية بالعضلة القلبيَّة ، أسماء كثيرة وكله بالأربعينيات ، فهذه الحياة الدنيا سريعة الزوال ، قال عليه الصلاة والسلام :

(( يا أيها الناسُ ! توبوا إلى اللهِ قبل أن تموتوا ، وبادِروا بالأعمال الصالحةِ قبل أن تُشغَلوا ، وصِلوا الذي بينكم وبين ربِّكم بكثرةِ ذكرِكم له ، وكثرةِ الصدقةِ في السرِّ والعلانيةِ ؛ تُرزَقوا وتُنصَروا وتُجبَروا ، واعلموا أنَّ اللهَ افترض عليكم الجمعةَ في مقامي هذا ، وفي يومي هذا ، في شهري هذا ، ومن عامي هذا إلى يوم القيامةِ ، فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمامٌ عادلٌ أو جائرٌ ، استخفافًا بها ، وجحودًا بها ؛ فلا جمع اللهُ له شملَه ، ولا بارَكَ له في أمرِه ألا ولا صلاةَ له ، ألا ولا زكاةَ له ألا ولا حجَّ له ، ألا ولا صومَ له ، ألا ولا بِرَّ له حتى يتوبَ ، فمن تاب تاب اللهُ عليه ))

[  ابن ماجه وفيه ضعف ]

الإنسان يفكر ، إذا فكَّر في اليوم خمس دقائق في الموت كل يوم خمس دقائق بعد صلاة الفجر ، والسُّنة بين السنَّة والفرض ، فكَّر ، أي هل نبقى في هذا البيت ؟ الله أعلم ، الإنسان يفكِّر في النهاية حتى تهون عليه طاعة الله عزَّ وجل ، ويهون عليه ترك البغي والعدوان .

 

الله تعالى لا يهدي إلى صراطه المستقيم إلا المستقيمَ الصادق :


﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ الصراط هو القرآن الكريم ، ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾ لماذا لم يشأ الله ؟ لأن الله سبحانه وتعالى لا يهدي الإنسان إلى الصراط المستقيم إلا إذا كان صادقاً في طلبه ، وإلا إذا دفع الثمن ، لابدَّ من أن تكون صادقاً في هذا الطلب العالي ، ولابدَّ من دفع الثمن ، ودفع الثمن الاستقامة على أمر الله ، فمن كان صادقاً وعلامة الصدق الاستقامة يأخذ الله بيده ، ويهديه إلى الصراط المستقيم ، أي أنه يفتِّح قلبه لمعاني كتابه ، يفهمها ، يتفاعل معها ، يطبِّقها ، يسعد بها ، يقول لك : أنا أسعد الناس .. ﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ ..

 

لا مقارنة بين دار الدنيا ودار السلام :


إذا أجريت موازنةً بين دار السلام ، لماذا سمَّاها الله دار السلام ؟ لأن في الجنَّة سلاماً في سلام ، لا يوجد نغص ، ولا همَّ ، لا يمكن أن تخلو حياة الإنسان من نغص ، فإذا مرض ابنه تجد أنه شعر بضيق ، وإذا كان له تعويض ، وصدر قرار بإلغائه ، كان يدخل عليه ألف ليرة فوق راتبه وتوقف صرف الألف له ، صعب أن يدبِّر معيشته بالراتب فقط ، شعر بضيق ، كان بمنصب شعر بأن عليه منافساً كبيراً ، ولن يتركوه في المنصب أيضاً يحس بضيق ، عَمِلَ تخطيطاً لقلبه فوجد فيه تسرُّعاً شعر بضيق ، عمل فحص دم فوجد أن هناك مادَّة مرتفعة زيادة أيضاً شعر بضيق ، ساكن في بيت فوجد أن هذا البيت سيذهب للدولة أيضاً مشكلة أين نذهب ؟ أي الحياة كلها متاعب ، إما من طرف البيت ، وإما من طرف الصحَّة ، وإما من طرف الزوجة ، وإما من طرف الأولاد ، وإذا كان له قريب يمدّه ببعض الحاجات فتوفي هذا القريب ، له مصلحة رائجة حصروها فيهم ،  مشكلة ، الحياة كلها ضيق .

رجل أركبه في أفخم سيَّارة لينقلوه إلى المشنقة فهل يفرح بمقاعدها ؟ يقول : انظروا إلى المقعد ما أجمله ! أي مقعد هذا ؟! يكون أحمق إذا فرح فيها .

 إذاً : معنى دار السلام أي أنه ليس في هذه الدار نغص ، ولا قلق ، ولا حزنٌ ، ولا غمَّ ، ولا همَّ ، ولا خوف ، ولا اضطراب ، ولا حسرة ، ولا ندم ، جميع المشاعر التي تنتاب الإنسان في الدنيا معافى منها في الجنَّة ، جميع المُقْلِقات ، جميع المنغِّصات ، جميع المخاوف ، جميع الأحزان التي تنتاب الإنسان في الدنيا الله سبحانه وتعالى عافى أهل الجنَّة منها .. 

﴿ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) ﴾

[  سورة الحجر ]

جاء البرد يحتاج إلى وقود ، والوقود ارتفع سعره ، يشعر بضيق ، جاء الحر ، موجة حر شديدة ولا يوجد عنده أجهزة تكييف في البيت ، بيته آخر طابق ، يشعر بانقباض ، لا يوجد حر ، ولا قر ، ولا خوف ، ولا مرض ، ولا أثر لأي بلاء فيه ، ولكن ظهر الشيب بكثرة في راسه ، وضعف بصره ، وانحنى ظهره ، معنى هذا أن المنية اقتربت ، هناك لا يوجد شيء ، شبابٌ دائم ، صحَّةٌ دائمة ، حيويةٌ دائمة ، الفواكه لا مقطوعةٌ ولا ممنوعة ، نهر من لبن ، ما الذي يزعجك من اللبن في الدنيا ؟ يصبح طعمه حامضاً ، قال : 

﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) ﴾

[ سورة محمد ]

ما الذي يحبِّبك في العسل ؟ أن يكون مصفَّى ، رائقاً ، شفَّافاً ، له سيولة معيَّنة ، قال : ﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ﴾ ، ﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾ في الخمر لذَّة لا يوجد حرقة ، لا تغتال العقول ، الفاكهة ما الذي يزعجك في الدنيا منها ؟ أنها غير متوافرة أحياناً ، فلو أن شخصاً يملك أموالاً طائلة ، انتهى موسمها ، العنب انتهى : 

﴿ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) ﴾  

[ سورة الواقعة ]

﴿ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42)  ﴾

[ سورة الصافات ]

فهذه الجنَّة التي قال الله عزَّ وجل عنها في الحديث القدسي الذي رواه أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ :

(( أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ .  ))

[  صحيح البخاري ]

هذه الجنَّة يزهد فيها ؟ تضعها وراء ظهرك ؟ لا تلتفت إليها ؟ تلتفت للدنيا ؟! من تعاسة الإنسان أن يرضى بالدنيا ، ويُعْرِض عن الدار الآخرة .


الله تعالى مصدر السلام : 

 

﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ الآن السلام اسمٌ من أسماء الله عزَّ وجل ، أي أن هذه الجنَّة داره ، ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ الله عزَّ وجل مصدر السلام في الكون ، إذا كنت معه ، وهذا المعنى لا يعرفه إلا من ذاقه ، إذا كنت مُقْبِلاً عليه ، ولائذاً بحماه ، ومعتزاً به ، تشعر بسلام في نفسك عجيب ، لا يخيفك إنسان في الأرض ، ولا تخيفك كلمة تسمعها ، ولا تهديد يُلقى عليك أبداً ، في سلام ، أنت عبد السلام ، الله هو السلام ، مصدر السلام .. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ :

(( اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْكَ السَّلَامُ ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ . ))

[ مسلم  ]

 أول معنى أنها دارٌ لا قلق فيها ، دار السلام ، أي دار السلامة .

والمعنى الثاني : أنها دارٌ الله سبحانه وتعالى السلام يتجلَّى فيها على عباده المؤمنين فيسعدون به .

 والمعنى الثالث : السلام هو التحيَّة ، أي الإكرام في الجنة منقطع النظير ، أحياناً الإنسان يأتيه ضيف فيقول له كل دقيقتين : أهلاً وسهلاً ، يا أهلاً وسهلاً ، مبالغة بالإكرام ، قلتها له أول مرَّة ، والثانية ، والثالثة ، بعد ربع ساعة أهلاً وسهلاً ، نوّر البيت ، يرحِّب فيه بألوان الترحيب ، إذاً هذا من الإكرام . 

والمعنى الثالث أن هؤلاء المؤمنين في الآخرة ، وهم في الجنَّة يتلقَّون تحيَّاتٍ من ربِّهم بشكلٍ مستمر ، هنيئاً لكم ..

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِي (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِي(20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24) ﴾

[ سورة الحاقة ]

 هنيئاً لكم .. 

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ(16) كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(19) ﴾

[ سورة الذاريات ]

 إلى آخر الآيات .

 

آداب الضيافة :


المؤمن يوم القيامة إذا شخص وضع لك طعاماً شهياً نفيساً ، ولم يرحِّب بك تنزعج ، ولعل الترحيب عندك أغلى من الطعام ، قال لك : تفضل كُلْ ، أأنت جئت لتأكل ؟ جئت لتزوره ، لكن إنسان رحَّب بك ، آنستنا ، نوّر البيت بك ، هذه الكلمات يمكن أن تدغدغ لك عواطفك ، تشعر بنشوة عجيبة جداً ، سيدنا إبراهيم عندما قرَّب الطعام للضيف : 

﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)  ﴾

[ سورة الذاريات ]

 تفضَّلوا ، هذه من آداب الضيافة ، أولاً : الاستعداد .. 

﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) ﴾

[  سورة هود  ]

هيَّأ نفسه ، الكرماء يهيِّؤون أنفسهم ، عنده كمية من الخبز احتياطاً ، عنده حاجات ، إذا جاء ضيف طارئ يقدم له وجبة عشاء ﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ(69)﴾ ، ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ كذلك تقريب الطعام للضيف من السنَّة ، إذا كان الصحن بعيداً فإنه يستحي أن يقول لك : أريد أن آكل من الصحن الفلاني ، إنه جالس ينظر إليه ، وهو مستحٍ ، أحضره إليه ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ بعد هذا تفضَّل وكُلْ .. ﴿ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ(27) ﴾ ، الاستعداد ، وتقريب الطعام للضيف ، ودعوته للطعام هذا من آداب الضيافة . 

 

الصدق والاستقامة شرطان لدخول دار السلام :


إذاً :﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ ، الآن عرفنا أن دار السلام هي الجنَّة ، والعباد كلُّهم مدعوَّون ، أحياناً يقولون لك : الدعوة عامَّة ، كل من يحب يشرِّفنا ، أحياناً توجد بطاقة بيضاء ، البيضاء أي أول صف ، الحمراء ثاني صف ، الخضراء ثالث صف ، توجد درجات ، لكن أحياناً يقول لك : الدعوة عامَّة ، أي كلكم مدعوّون لدار السلام ، لكن لا بد من دفع الثمن ، الثمن أن تكون صادقاً في طلب دار السلام ، وأن تدفع الثمن وهو الاستقامة على أمر الله ، فإذا فعلت هذين الشرطين عندها يأخذ الله بيدك ، ويهديك إلى صراطٍ مستقيم ، يجمعك مع أهل الحق ، يشرح صدرك لكلامهم ، يهدونك لتطبيق كلام الله ، يمسِّكونك بالكتاب ، تطبِّقه ، تسعدُ به ، أي إذا صار للإنسان مع الله عزَّ وجل مودَّة ، يجب أن يذوب محبَّة في الله عزَّ وجل ، لكن يوجد بقلب المؤمن سعادة لا يعرفها إلا من ذاقها ، " لو يعلم المُلُوك ما نحن فيه لقاتلونا عليه بالسيوف " ، هو مع الله ، وكل شيءٍ بيد الله ، هو الجميل ، هو الغني ، هو الحميد ، هو القوي ، هو العزيز :

(( عن الحسنِ بنِ عليٍّ رضيَ الله عنْهما ، قال : علَّمني رسولُ صلَّى عليْهِ وسلَّمَ كلماتٍ أقولُهنَّ في الوترِ، - قالَ ابنُ جوَّاسٍ : في قنوتِ الوترِ اللَّهمَّ اهدِني فيمن هديت ، وعافِني فيمن عافيتَ ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ ، وبارِك لي فيما أعطيتَ ، وقني شرَّ ما قضيتَ ، إنَّكَ تقضي ولا يقضى عليْكَ ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ ، ولا يعزُّ من عاديتَ ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ . ))

[  صحيح أبي داود ]

 

ارتباط مشيئة الله بصدق العبد واستقامته :


﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ يوجد معنى آخر : يهدي من يشاء هو ، ومشيئته مرتبطة بصدق العبد وباستقامته . 

والمعنى الآخر : هو يهدي من يشاء منكم أيها العباد جميعاً ﴿ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ والدعوة أيضاً عامَّة .

لك أن تفهم هذه الآية ، لك أن تعزو المشيئة إلى الله عزَّ وجل بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لا يهدي هذا الإنسان إلى صراطٍ مستقيمٍ إلا إذا دفع الثمن ، والثمن استقامته على أمره . 

والمعنى الآخر : ويهدي من يشاء من العباد كلِّهم بمعنى أن العباد مخيَّرون .. 

﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)﴾

[ سورة فصلت ]

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾

[ سورة البقرة ]

 هذا المعنى الآخر .


  من أحسن النظر في العاقبة وفي أمر الآخرة فمصيره إلى الجنة :

 

﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ أحسنوا بماذا ؟ قال : هذا من إعجاز القرآن الكريم ، قال : الذين أحسنوا النظر ، فكَّر فرأى أن الدنيا مؤقَّتة والآخرة أبديَّة ، فكَّر فرأى أنه إذا أطاع فلاناً ، فلان عبد مثله ضعيف لا ينفعه ، لكنَّه إذا أطاع الله عزَّ وجل فإن الله حيٌّ لا يموت ، قال : ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾ أي أنهم أحسنوا النظر في العاقبة ، أو أحسنوا النظر في أمر الآخرة ، أي أحسنوا التفكير ، والذين أحسنوا في القول ، والذين أحسنوا في العمل ، والذين أحسنوا في الدعوة إلى الله ، الآية مطلقة ، فعل مطلق ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾ في تفكيرهم ، وفي تعبيرهم ، وفي محاكمتهم ، وفي نظرهم ، وفي قولهم ، وفي عملهم ، وفي دعوتهم ، ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾ هي الجنَّة .. ﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾ ما هي الزيادة ؟ النظر إلى وجه الله عزَّ وجل ، الزيادة والدليل على ذلك قوله تعالى : ﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ ﴾ أي هذا الوجه الذي نظر إلى الله عزَّ وجل فسعِد بهذه النظرة لا يرهقه قترٌ ، القتر هو الغم ، أحياناً يقول لك أحدهم : ما بك ؟ وجهك غير طبيعي ؟ هادئ كامد ، كأنك في همٍّ ، طبعاً الإنسان حينما يتألَّم يظهر ألمه القلبي على صفحة وجهه .

 

عزّ الطاعة وذلّ المعصية :


﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾ في الحياة الدنيا كل آلامه النفسيَّة تنعكس على صفحة وجهه ، تنعكس قلقاً ، يقول لك : علائم وجهه حزينة ، يوحي وجهه بانقباض ، وجهه فيه خوف ، هذا هو القتر ، أحياناً الإنسان يخون شريكه ، وحينما يكتشف شريكه خيانته يُحِسُ بالذلِّ والعار ، ترجموا هذا علائم ذلَّة مسحت وجهه ، أما أهل الجنَّة في الجنَّة فلا يوجد قتر ولا ذلّة ، ﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾ لماذا لا توجد الذلَّة ؟ أطاعوا الله في الدنيا واعتزُّوا به ، وها هو قد كافأهم على طاعتهم بجنِّةٍ عرضها السماوات والأرض ، لماذا القلق والحزن ؟ هم آمنون من كل شيء ، يوجد طمأنينة ما بعدها من طمأنينة ﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ ﴾ بالمُقَابِل لا عقاب فوق طاقتهم ، مئة ضعف ، لا ، ﴿ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ ذلة المعصية ، أحد التابعين كان يمشي مشيةً فيها اعتزاز ، فظنَّها بعضهم أنها كِبْر ، فقالوا : يا فلان الفلاني أَكِبْرٌ ؟ قال : لا ، هذا عزُّ الطاعة ، الشاب المطيع لله عزَّ وجل يشعر بعزَّة وبمكانة لا يعلمها إلا الله ، يحس أنه في رعاية الله :

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ﴾

[ سورة الطور ]

 يحس أن الله معه ، أن الله آخذٌ بيده كلَّما عثر ، أن الله يدافع عنه ، أن الله يسدد خُطاه ، يسدِّد أقواله وأفعاله ، هذا عزُّ الطاعة .

﴿ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ ذلَّة المعصيَّة ، سيدنا يوسف خرج في موكبه بعد أن صار عزيز مصر ، وكان رآه عبد يعرفه حينما كان عبداً بقصر العزيز فقال هذه الكلمة الشهيرة : " سبحان من جعل العبيد ملوكاً بطاعته ، ومن جعل الملوك عبيداً بمعصيته "  ، إذا شخص أراد عزاً لا يفنى فليطع الله عزَّ وجل ، إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله ، وإذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله ، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يديِ الله أوثق منك بما في يديك .

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ أي لا يوجد مجال هؤلاء الذين عبدوهم من دون الله عبادٌ أمثالكم ، ضعاف ، خائفون ، شبهت مثلاً : عصابة سرقةٍ لها زعيم له سلطة على أفراد العصابة وهيمنة وشأن ، فلمَّا أُلقي القبض عليهم جميعاً صار واحداً مثلهم ، اقعد يقعد ، ازحف يزحف ، قف يقف ، قبل مدة كان ذا هيمنة عليهم ، هكذا الشركاء في الدنيا ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ﴾ لهم وجوه أسود من الليل لشدَّة بعدهم ومعصيتهم وطغيانهم وما اقترفوه في حقِّ العباد ، ﴿ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ .

 

تلخيص لما سبق :


درسنا عبارة عن آيتين ، موازنة بين الحياة الدنيا التي في لمحة البصر تذهب ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ﴾ والآيتان معلَّقتان بـــــ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي هذا ثمار البغي لن يفيدكم إلا في الحياة الدنيا ، والحياة الدنيا مؤقَّتة ، وسريعة الزوال ، وشيكة التحوُّل ، أما دار السلام ، من اسمها دار السلام .. 

﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)  ﴾

[  سورة الزمر ]

إلى أبد الآبدين ، نعمل موازنة بين الحياة الدنيا ودار السلام ، ودار السلام الدعوة عامَّة ، وإذا كان أحد يريد تفصيلات ، أحياناً يريد دفتر شروط ، هذه المناقصة لكل المواطنين ، ودفتر الشروط يؤخذ من المكان الفلاني من الساعة كذا وكذا بدون مقابل ، فدار السلام دعوة عامَّة ، وبعد هذا ﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ القرآن الكريم ، أو الإسلام .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور