وضع داكن
16-04-2024
Logo
الدرس : 13 - سورة يونس - تفسير الآيات 61 – 70 علامات أولياء الله – التمر و النخيل آية من آيات الله الكونية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

شأن الإنسان مكشوفٌ أمام الله عزَّ وجل :


 أيها الإخوة المؤمنون ؛ وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ .

من خلال هذه الآية بدا أن للإنسان حالاً ومقالاً وعملاً ، وقد قالوا عن النبي عليه الصلاة والسلام : " إن الشريعة أقواله ، والتقوى أفعاله ، والحقيقة أحواله " ، وكلٌ منَّا له قالٌ ؛ له لسان ، له علم ، وله حال ، وله عمل ، فإذا تطابق القال مع الحال ومع العمل فهذا هو الكمال بعينه ، قد تجد إنساناً علمه أعلى من حاله ، وقد تجد إنساناً آخر حاله أعلى من علمه ، وقد تجد إنساناً آخر ثالثاً عمله أرقى من علمه ، وهكذا ، فالله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ﴾ الشأن هو الحال ، في حال الرضا ، في حال الشكر ، في حال الخوف ، في حال المراقبة ، في حال التوكُّل ، في حال الخَشْيَة ، في حال الإعراض ، في حال البعد ، في حال السخط ، في حال حب الذات ، في حال المَكْر ، حالة الإنسان مكشوفةٌ أمام الله عزَّ وجل ، والقرآن كما قلنا من قبل : له خاصٌّ وله عام ، فإن توجَّهت هذه الآية للنبي عليه الصلاة والسلام فلا يمنع أن تخصَّ غير النبي ..﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ﴾ أي حالك في علم الله .

سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام حينما أزمع قومه أن يلقوه في النار جاءه جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : منك ؟!  قال :  لا ، من الله عزَّ وجل .

وإذا كنت في كل حالٍ معي               فعن حمل زادي أنا في غنى

***

﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ﴾ الشأن هو الحال ، ولله عزَّ وجل شأن . 

﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)  ﴾

[ سورة الرحمن ]

أي شأنه مع العبد متبدِّلٌ بشأن العبد ، إن كان شأن العبد إقبالٌ فشأن الله مع العبد إكرامٌ ، وإن كان شأن العبد مع الله إعراض فشأن الله مع العبد معالجةٌ ، فلك شأنٌ ولله شأن ، شأن الله متبدِّل بتبدُّل أحوالك .. 

﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)  ﴾

[ سورة الرعد ]

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)  ﴾

[ سورة الصف ]

﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ﴾ والإنسان يستطيع أن يغُشَّ الناس جميعاً إلى أمدٍ قصير ، ويستطيع أن يغشَّ واحداً إلى أمدٍ طويل ، لكنَّه في كل الحالات لا يستطيع أن يغشَّ نفسه لحظةً ، ولا أن يغشَّ ربَّه لحظةً .. 

﴿  بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15) ﴾

[ سورة القيامة ]

والله سبحانه وتعالى يعلم سرَّكم وجهركم .. 

﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)  ﴾

[ سورة طه ]

السر ما تخفيه عن الناس ، ولكنَّ الأخفى هو الذي يخفى عنك أنت بالذَّات .. ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ﴾ فَلِمَ النفاق إذاً ؟ تنافق لمن ؟ خالق السماوات والأرض يعلم شأنك ، تغطّي على من ؟ تُدَجِّل على من ؟ تخادع من ؟ 

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) ﴾

[ سورة النساء  ]

﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) ﴾

[ سورة الأنفال  ]

 هذه الآية : ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ﴾ أي شأنك مكشوفٌ أمام الله عزَّ وجل ، لا تخفى عليه خافية .. 

 

الله تعالى شهيدٌ على كل الخلق وحالتهم مكشوفة عنده :


﴿ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ ﴾ .. وإذا قرأت القرآن فهو في علم الله هل تقرؤه عبادة ؟ أم تقرؤه تفقهاً ؟ أم تقرؤه تدبُّراً ؟ أم تقرؤه تقرُّباً ؟ أم تقرؤه رياءً وسمعةً ؟ أم تقرؤه لتنتزع إعجاب الناس ؟ حالتك في أثناء قراءة القرآن مكشوفةٌ عند الله عزَّ وجل ..﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ ﴾ لذلك القول من العمل .. ربَّ كلمةٍ صالحةٍ أنبتت نباتاً طيّباً ..

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) ﴾

[ سورة إبراهيم ]

﴿ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ ﴾ .. العمل ، دوافعه ، أهدافه ، ملابساته ، وسائله ، نواياه ، حجمه ، حجم التضحيات التي بُذِلَت من أجله كلُّه في علم الله ، حالتك ، وأقوالك ، وتلاوتك ، وأعمالك الباطنة والظاهرة ، الصغيرة والكبيرة ، المعلنة وغير المعلنة ، دوافعها ، وسائلها ، أهدافها ، حجمها ، تضحيَّاتها ، كل هذا في علم الله . 

﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً ﴾ الله سبحانه وتعالى شهيدٌ علينا ، شهيدٌ على كل الخلق ، شهيدٌ على كل ذرَّةٍ في الكون ، يشهدها ، يشهد لها ، ويشهد عليها ، ويشهدها . 

 

لكل إنسان كتاب عند الله فيه أحواله وأقواله وأعماله :


﴿ إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ ..أفاض في العمل انطلق إليه ، أي إذا فتحت باب دارك ، وانطلقت بحالة ماذا ؟ بحالة كسب المال الحلال ، هذه الحالة معروفةٌ عند الله عزَّ وجل ، بحالة خداع الناس لتأخذ أموالهم معلومةٌ عند الله :

(( عن ميمون الكردي عن أبيه : من تزوَّج امرأةً على صداقٍ وهو ينوي ألا يؤدّيه لها ـ من يعلم هذا ؟ لا يعلم هذا إلا الله ـ لقي الله وهو زانٍ ، ومن أخذ مالاً وهو ينوي ألا يؤديَّه لقي الله عزَّ وجل وهو سارق . ))

[  الطبراني بسند صحيح (صحيح الترغيب والترهيب) ]

 هذه الحالة من يكشفها ؟ الله سبحانه وتعالى وحده ، ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ﴾ أي إذا استرق الطبيب النظر وهو يفحص امرأةً إلى مكانٍ لا يؤْلمها هذا من يعلمه ؟ الله سبحانه وتعالى ، وإذا استرق الرجل النظر إلى امرأةٍ في الطريق من يعلم هذا ؟ الله سبحانه وتعالى ..﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ﴾ أي مهما بدا لك العمل طفيفاً ، ومهما بدا لك الحال يسيراً ، ومهما بدت لك الكلمة قليلةً فإنها لا تعزب عن الله سبحانه وتعالى ، ﴿ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ .. هنا شيءٌ دقيقٌ جداً ، أي أحوالك وأقوالك وأعمالك مسطورةٌ في كتابٍ مبين ، كأنَّه لك عند الله إضبارة .. كما يقولون .. فيها صفحةٌ لأحوالك ، وصفحةٌ لأقوالك ، وصفحةٌ لأعمالك ، وفي ضوء هذا الكتاب المبين الذي كُتِبَ فيه كل شيء يعاملك الله سبحانه وتعالى بالإكرام أو بالمعالجة ..

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)﴾

[ سورة الحديد  ]

هذه المصيبة ليست ارتجاليَّة ، في كتاب ، لك عند الله كتاب فيه أحوالك وأقوالك وأعمالك ، في ضوء هذا الكتاب المبين الذي سُطِّرت فيه كل أقوالك وأحوالك وأفعالك قضى لك الله قضاءً ما ، إما تشجيعاً ، وإما تحذيراً ، وإما تأديباً ، وإما قصماً ، وإما تصحيحاً ، وإما دفعاً ، وإنا كشفاً ، في ضوء هذا الكتاب المبين الذي سُطِّرت فيه أقوالك وأحوالك وأعمالك الله سبحانه وتعالى يقضي لك ، لذلك كل شيء بقضاء من الله وقدر .

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ ﴾ الكتاب جاء هنا تفصيله .. ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ هذا الكتاب المبين الذي سَطَّر الله فيه أحوالك وأعمالك وأقوالك هو الكتاب الذي ورد في قوله تعالى : ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ ، (ها)تعود على المصيبة .. ﴿ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22)﴾ إن ذلك على رحمة الله يسير لا على قدرته ، على قدرته شيء بديهي ، لكن على رحمته ، أي ما يتناقل إلى سمعك من فيضانات مثلاً ، ومن زلازل ، ومن عواصف مدمِّرة ، ومن شُحٍّ في السماء ، ومن أمراض ، ومن متاعب ، هذا كلُّه من أجل مصلحة الإنسان ﴿ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ شأن الله سبحانه وتعالى بحسب شأن خلقه .. ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ :

﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) ﴾

[ سورة الرحمن ]

 

من استسلم لله تولى الله هدايته وإرشاده وإسعاده :


﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(61) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ كن وليَّاً لله وخذ كل مَيِّزات هذه المرتبة ، حينما يعطى أحد الطلاب الشهادات العُليا وقد استحقَّ كل امتيازات هذه الرُتبة العلميَّة ، فكلمة وليّ لله هذه أعلى مرتبة .

ما معنى الوليّ لله ؟ أي أنه استسلم لله فتولَّى الله هدايته ، وتولَّى الله إرشاده ، وتولَّى الله إسعاده ، وتولَّى الله حفظه ، وتولَّى الله الأخذ بيده من خيرٍ إلى خير ، ولا ينتهي به المطاف إلا في الجنَّة ، استسلموا لله ، هذه هي حقيقة الإسلام أن تستسلم لله ، أن تُفَوِّضَ له ، أن تتوكَّل عليه ، إذا استسلمت له تولَّى الله شأنك..

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾

[ سورة البقرة ]

لا يزال الشيطان يتولَّى أولياءه ، ويغريهم بالمعاصي ، ويورِّطهم بالجرائم إلى أن يصعدوا سُلَّم المشنقة ، هذا من عمل الشيطان ، ولا يزال الله سبحانه وتعالى يتولَّى أولياءه بالحفظ ، والهداية ، وتنوير القلب ، والإرشاد ، والإسعاد حتى يأخذ بيدهم إلى الجنَّة ، فليس هناك حالٌ ثالثة ، إما أن يكون الرجل وليَّاً لله عزَّ وجل ، وإما أن يكون وليَّاً للشيطان ، إذا استسلمت لله عزَّ وجل تولَّى الله إرشادك ، وحفظك ، وهدايتك ، وإسعادك..﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ .

 

آيات قرآنية  تصف سيِّد الأنبياء :


ولكن أتلو على مسامعكم بعض الآيات القرآنية التي تصف سيِّد الأنبياء ، وهو النبي عليه الصلاة والسلام ، سيد الأولياء قال الله عنه :

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) ﴾

[ سورة الأعراف  ]

إذاً لا يحقُّ لمن يدَّعي أنه وليٌّ على وجه الأرض أن يدَّعي أنه يملك النفع والضُر ، الولي الفلاني نَظَرَ في فلان فاهتدى ، هذه ليست لرسول الله : 

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) ﴾

[ سورة القصص ]

الولي الفلاني تجاوز مرحلة التكليف .

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) ﴾

[  سورة الزمر  ]

سيِّد الأولياء يخاف إن عصى الله عذاب يومٍ عظيم . 

سيد الأولياء لا يعلم الغيب ..

﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) ﴾

[ سورة الأنعام  ]

سيِّد الأولياء لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضُراً ، إذا كان سيد الأولياء لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، وإن كان سيد الأولياء لا يعلم الغيب ، وإن كان سيد الأولياء يخاف إن عصى الله عذاب يومٍ عظيم ، فهل يستطيع وليٌّ على وجه الأرض أن يدَّعي خلاف ذلك ؟ هذا هو الحجم الحقيقي ، سُئل الإمام الجنيد رضي الله عنه : " من ولي الله ؟ أهو الذي يطير في الهواء ؟ قال : لا ، قال : أهو الذي يمشي على وجه الماء ؟ ، قال : لا ، فقالوا : من هو ولي الله إذاً ؟ قال : هو الذي تجده عند الحلال والحرام " ، حتى إن ولي الله لو قال لك : إنني رأيت المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وقال لي : كذا وكذا ، فإن كان في هذه الرؤيا تطابقاً مع الشرع نقبلها منه ، وإلا يثْبتُ الشرع ، وتردُّ الرؤيا ، بعد النبي عليه الصلاة والسلام لا يحقُّ لأحدٍ كائناً من كان أن يبتدع ، إنما أنا متَّبعٌ ولست بمُبْتَدِع .


 

علامات أولياء الله :


أحد العلماء الكبار قال : نحن مُقَيَّدون بكتاب الله ، مقيَّدون ، إذا سمحنا بالشطحات والاجتهادات من دون ضبطٍ من كتاب الله فقد ضاع الدين ، وتلاشت معالمه ، وتخلَّف المسلمون ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ :

عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال:  

﴿ إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ ، وَلا شُهَدَاءَ ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى . ﴾

[ صحيح أبو داود ]

هذا تعريفٌ آخر . 

تعريفٌ ثالث :

عن عمر بن الخطَّاب عن النبي صلى الله عليه وسلم :

(( هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ ، عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ ، وَلا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا ، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ ، لا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ ، وَلا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وقرأ هذه الآية (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [ [يونس: ٦٢] ] ))

[  سنن أبي داود صحيح  ]

مقياسٌ دقيقٌ جداً ، إذا خاف الناس جميعاً لا يخافون .. 

﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلا الْمُصَلِّينَ(22) ﴾

[  سورة المعارج  ]

المصلي لا يخاف ، ولا يحزن ، الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض ، الغني ، القوي ، العزيز ، الرحيم ، السميع ، المجيب ، معك . 

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ﴾

[ سورة الطور ]

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) ﴾

[ سورة الحج ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) ﴾

[ سورة مريم ]

من علامات أولياء الله أنهم لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ، إذاً ولي الله هو الرجل الذي استسلم لله عزَّ وجل ، حينما استسلم لله عزَّ وجل تولَّى الله هدايته ، وإسعاده ، وحفظه ، وما يزال الله سبحانه وتعالى يأخذ بيد وليه حتى يدخله الجنَّة ، وحجم وليّ الله لا ينبغي أن يزيد عن حجم سيد الأولياء ، النبي عليه السلام ، لا يملك للناس نفعاً ولا ضرَّاً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .

أحد الأولياء توفي أحد تلاميذه ، فقال له : قم ، فقام ، ما هذه الخرافة ؟ رجل توفي فدخل في القبر ، فجاءه الملكان ، فإذا بشيخه يدفع الملكين من صدرهما ، ويقول لهما : قوما عنه ، أمثل هذا يُسأل ؟ هذا تلميذي ، لا ، ليس هذا صحيحاً ، سيد الأولياء لا يملك نفعاً ولا ضراً ، سيد الأولياء لا يعلم الغيب ، سيد الأولياء يخاف إن عصى الله ..

فأحبابنا اختاروا المحبَّة مذهباً                وما خالفوا عن مذهب الحُبِّ شرعنا

***

لئلا تضيع معالم الدين ، كي يكون الدين كما بدأ ناصعاً واضحاً ..

(( عن العرباض بن سارية : وعظَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ مَوعظةً ذَرَفَتْ منها العيونُ ووجِلَتْ منها القلوبُ فقلنا يا رسولَ اللهِ إنَّ هذه لموعِظَةَ مُوَدِّعٍ فماذا تعهَدُ إلينا ؟ فقال : تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ ، ومن يَعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ . وعليكم بالطاعةِ وإن كان عبدًا حبشيًّا عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ فإنما المؤمنُ كالجملِ الأَنِفِ كلما قِيدَ انقَادَ . ))

[ ابن ماجه ثابت ورجاله رجال الصحيح ]

هذا الدين ، عودوا إلى ينابيعه الأولى ، عودوا إلى كتاب الله ، إلى سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام ، أما هذه القصص ، وهذه الخرافات التي يذكرها بعض الناس عن أولياء الله هذه ما أنزل الله بها من سلطان .

للولي كرامة هذه لا تُنكر ، أما أن يملك الولي هداية الناس ، نظر إليه فاهتدى ، لِمَ لم ينظر النبي إلى أبي جهل كي يهتدي وهو عمّه ؟ لمَ لم ينظر لأبي لهب كي يهتدي ؟ ما هو الضلال ؟ أن تعطي الإنسان حجماً أكبر من حجمه ، أو أن تُقلِّل من حجمه ، أناسٌ أعطوا الأولياء أكبر من حجمهم هداهم الله ، وأناسٌ أعطوا الأولياء أقلَّ من حجمهم هداهم الله عزَّ وجل ..﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ في الدنيا لا يخافون .

من علامات المؤمن الصادق أن يقول لك : والله الذي لا إله إلا هو إنني أسعد الناس ، على دخله المحدود ، وعلى بيته الصغير ، وعلى متاعبه الكثيرة ، لأنه سعد بالله عزّ وجل . 

مرَّة أخ كريم قال لي : ليس في الأرض من هو أسعد منّي إلا أن يكون أتقى مني ، والله أعجبتني هذه الكلمة ، صادق ، لذلك : ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ .

 

علامات البعد عن الله :


﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) ﴾

[ سورة آل عمران ]

من علامة البعد عن الله الخوف من غير الله ، من علامة الشرك الخوف من غير الله ، أنت تقول : لا إله إلا الله ، تقولها مئات المرَّات ، ما معنى لا إله إلا الله ؟ أي لا مسيّر في الكون إلا الله ، أي إليه يرجع الأمر كلُّه ..

﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) ﴾

[  سورة النحل ]

﴿ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) ﴾

[ سورة غافر  ]

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)﴾

[ سورة الرعد ]

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)  ﴾

[ سورة الكهف ]

هذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .. 

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

إذا ابتعد الإنسان عن الله عزَّ وجل ألقى الله الخوف في قلبه فانقلبت حياته جحيماً ، وانقلب غناه فقراً ، أنت من خوف الفقر في فقر ، أنت من خوف المرض في مرض ، توقُّع المصيبة مصيبةٌ أكبر منها ، ما من مرضٍ يفتك بالناس اليوم في بقاع الأرض كالقلق .

كتابٌ أُلِف في أمريكا عنوانه " دع القلق وابدأ الحياة " ، طُبِع منه خمسة ملايين نسخة ، لأن كل الذين اشتروه قلقون ، خائفون ، وجلون ، وكل بلد فيها مجموعة مُقْلِقَات ، في هذا البلد القلق من السرطان ، ومن الإيدز ، ومن مرض القلب ، ومن الأزمة القلبية ، وفي البلد الفلاني قلق من قائمة مخاوف ، حيثُما توجَّه الإنسان المُعْرِضُ البعيد أكلت قلبه بعض المخاوف.

 

علامات الإيمان الصادق :


أما الولي فلا خوفٌ عليهم ، لا يخاف ..

إذا كنت في كل حالٍ معي                فعن حمل زادي أنا في غنى

***

إذا كان الله معك فمن عليك ؟! .. 

﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)﴾

[ سورة التوبة ]

((  عن أبو بكر الصديق قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ فقال : يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما . ))

[  البخاري ومسلم  ]

 هذا الإيمان .. ﴿ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على تركها ، من ضيق أفق الإنسان يجد بيته مرتَّباً منظَّماً ، معتن به ، أموره منظَّمة ، دخله كبير ، صحَّته طيبة ، لكنه يخاف من الموت ، يخاف أن يذهب إلى القبر ، إن كنت مؤمناً قال : الرجل المؤمن يخرج حينما يموت من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة كما يخرج الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا  .. حجم الرحم صغير ، يولد هذا الجنين ، ويكبر ، يركب الطائرات ، يذهب إلى أمريكا ، يذهب إلى كندا ، يذهب إلى اليابان ، يذهب إلى مصيف ، يأتي ويذهب إلى البحر ، يغوص في أعماق البحار ، يصعد إلى القمر ، كم النسبة بين حجم الرحم وحجم الأرض والسماء ؟ قالوا :  إن المؤمن إذا مات خرج من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة كما يخرج الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا .. لذلك : ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على بيت تركَه مساحته ثلاثمئة متر ، على أحسن صورة ، أتى جنَّةً عرضها السماوات والأرض ، حزين على زوجة .

صحابي جليل ألحَّت عليه زوجته بشيءٍ لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام فغضِبَت فقال لها : اعلمي يا فلانة أن في الجنَّة من الحور العين ما لو أطلَّت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر ، فلأن أُضَحِّي بكِ من أجلهن أهون من أن أضحي بهنَّ من أجلكِ ، يأخذ الزوج موقفاً حازماً.. ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ .

 من علامة الإيمان الصادق أنك لا تخاف في الدنيا ، وإذا لاح شبح الموت ،  شعرت بألم في الصدر ، جاءت جلطة ، وكنت مؤمناً مرحباً بلقاء الله ، تسعد بها :

 واكربتاه يا أبتِ ، قال : " لا كرب على أبيكِ بعد اليوم غداً نلقى الأحبَّة محمَّداً وصحبه " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ :

(( عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ . قالَ أبو هُرَيْرَةَ : اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]. قال أبو مُعاويةَ، عن الأعمَشِ، عن أبي صالِحٍ: قرَأ أبو هُريرةَ: (قُرَّاتِ أعْيُنٍ). ))

[ متفق عليه ]

﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) ﴾

[ سورة آل عمران ]

من الأموال الطائلة ، من البيوت الفاخرة ، من النساء الجميلات ، من البساتين المُزْدانة .

 

من أطاع الله طاعةً تامَّة فهو من أولياء الله :


 ﴿وَرَحْمَةٌ ربك خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ(158)﴾ إلى أين أنت ذاهب ؟ إنسان أمسكوه وجرَّوه إلى أمِّه أينبغي أن يبكي ؟! إلى أين أنت ذاهب ؟ إلى بيت أهلك حيث الدفء ، والطعام ، والشراب ، والعطف ، والإكرام ، وكل شيء ..﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ .

بالمناسبة لا يوجد بالدين نحن رجال دين ، يجب أن يكون كل منكم وليَّاً لله ، يجب أن تكون أنت من أولياء الله ، إذا أطعت الله طاعةً تامَّة فأنت من أولياء الله الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ..

 

من ضيَّع ساعةً من حياته لم يذكر الله فيها فحياته خسارة :


﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ آمنوا فعل ماض ، عرف الله عزَّ وجل ، لكن يتَّقون فعل مضارع ، والمضارع يفيد الاستمرار، أي طوال حياته يتقي الله ، يتقي أن يعصيه ، هذه مرتبة ، يتقي أن ينقطع عنه هذه مرتبة أعلى ، يتقي أن يكون في قلبه سواه ، مرتبة ثالثة ، عندنا صيام عامَّة الناس عن الطعام والشراب ، وصيام المؤمنين صيام الجوارح عن المعاصي ، وصيام الأتقياء صيام القلب عمَّا سوى الله ، فهذه يتقون فعل مضارع مستمر ، يتقي أن يعصي الله ، ويتقي أن ينقطع عن الله ، ويتقي أن يكون في قلبه غير الله ..﴿ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ أي جهود مستمرَّة ، يبذلون جهوداً كبيرةً لا تنقضي .. 

﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)﴾

[ سورة السجدة ]

تتجافى أي لا يرتاح في نومه بحياته ، يخاف أن يفوته الصبح ، لا يرتاح العصر بنومه لأنه يخاف أن تفوته صلاة العصر ، إذا جلس وسهر ولم يتكلم عن الله يشعر أن السهرة بلا طعم فارغة ، إذا لم يكن هناك ذكر لله عزَّ وجل ، أي إن ضيَّع ساعةً من حياته لم يذكر الله فيها فحياته خسارة .. ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ .

 

للمؤمن بشارة من الله في الدنيا وفي الآخرة :


لكن الله رحيم بالمؤمنين ، ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى ﴾ أول شيء بعث إليهم كتاباً ، نبياً رسولاً ، وأنزل عليه قرآناً فيه بشارةٌ للمؤمنين ..

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابيه(19)إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه(20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24) ﴾

[ سورة المعارج ]

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(15)آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ(16)كَانُوا قَلِيلا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ(17)وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(18)وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(19) ﴾

[ سورة الذاريات ]

إلى آخر الآية ، إذاً يوجد بشارة في القرآن الكريم ، والنبي عليه الصلاة والسلام بشَّر المؤمنين بالجنَّة ، عن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :

(( مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ . ))

[ صحيح الترمذي  ]

عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم :

(( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَة . ))

[ صحيح الترمذي  ]

أي أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام كثيرةٌ جداً وكلُّها فيها بِشارة للمؤمن ، والله سبحانه وتعالى أحياناً يتولَّى مباشرةً تبشير المؤمن بالجنَّة عن طريق الرؤيا الصالحة ، المؤمن أحياناً يكون مكسور القلب حزيناً ، يحزن على شيء واحد ؛ ألا يكون عند الله مرضياً ، هذا سبب حزنه الوحيد ، الذي يغلب عليه الحزن بسبب قلقه حول ما إذا كان الله راضياً عنه أو غير راضٍ ، يتولى بشارته برؤيا صالحة ، يرى النبي عليه الصلاة والسلام يناديه باسمه ، يثني عليه ، يصافحه ، وأحياناً يقبِّله ، أحياناً يرى سيدنا الصدِّيق في المنام ، سيدنا عمر ، هؤلاء الأناس الأكارم الأولياء ، أحياناً يرى مرشده في المنام يبتسم له ، يهش له ، هذه البشرى .. ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ﴾ ..

 في الآخرة كيف تكون البشرى ؟ قال : إذا بُعِثَ مَن في القبور بشَّر الله المؤمنين بالجنَّة ، أي بين البعث وبين دخول الجنَّة هناك مسافة ، لئلا يبقى هؤلاء قلقين تأتيهم البشرى من الله عزَّ وجل فور بعثهم من مراقدهم .

 

زوال الكون أهون عند الله من تبديل كلماته :


﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ﴾ .. أي زوال الكون أهون عند الله من تبديل كلماته ، كلمات الله الوعد والوعيد ، والقواعد الثابتة التي جاء بها القرآن ، أي :

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾  

[ سورة طه ]

هذه إحدى كلمات الله الثابتات . 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل  ]

أي في الستة آلاف مليون إنسان إذا كان فيهم شخصٌ عمله طيّبٌ ، وكان مستقيماً ، ولم يكن سعيداً ، لا يكون هذا الكلام قرآناً ، لو أن حالة واحدة من ستة آلاف مليون حالة لم تنطبق على هذا الإنسان فهذا الكلام ليس كلام الله ، لكن : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ ، الآن  إن وجدت واحداً مُعْرِضَاً عن الله عزَّ وجل وهو سعيدٌ بإعراضه فهذه الآية ليست من كتاب الله .. 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا(125) ﴾

[ سورة طه ]

هذه من كلمات الله . 

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)  ﴾

[ سورة الجاثية ]

هذه من كلمات الله .. 

﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)  ﴾

[ سورة محمد ]

هل يُعْقَل أن ترى الكافر حكيماً ؟ رقيقاً ؟ منصفاً ؟ متواضعاً ؟ لا يُعْقَل .. ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(1)﴾ ، هذه من كلمات الله ..

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾

[ سورة السجدة ]

هذه من كلمات الله . 

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) ﴾

[ سورة البقرة ]

هذه من كلمات الله .. 

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)  ﴾

[ سورة الإسراء ]

هذه من كلمات الله ، أي القواعد الثابتة والوعد والوعيد ، كلمات الله تعني تلك القواعد الثابتة التي لا تتبدَّل ، ولا تتغيَّر ، ولا تُعدَّل ، ولا تُعطَّل ، ولا تُغَيَّر ، هذه كلمات الله..  ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ هذا هو الفوز العظيم .. 

﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) ﴾

[ سورة الصافات ]

﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) ﴾

[ سورة المطففين ]

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(58)﴾ ، ﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾ ... وقف ، لو وصلنا لفسد المعنى ، ﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾ أي إذا استخفُّوا بك ، أو ردّوا دعوتك ، أو فنَّدوها ، أو اتهموك بالسحر ، أو اتهموك بأنَّ لك مقاصد دنيويَّة ..﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾ من عرف نفسه ما ضرَّته مقالة الناس فيه .. ﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾ ...

سبحانك إنه لا يذلُّ من واليت ولا يعزُّ من عاديت ، العزَّة لله جميعاً..

اجعل لــربِّك كل  عزِّك يستقر ويثـبت        فإذا اعتززت بمن  يموتُ فإنَّ عزَّك ميِّتُ

***

 

الله سبحانه وتعالى لا شريك له :


﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ﴾ أي هؤلاء الذين يدعون من دون الله لا يتَّبعون شركاء حقيقيين ، الله سبحانه وتعالى لا شريك له . ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ ﴾. .. توهِّم أنه شريك لله ، لكنَّ هذا توهُّمٌ ، وليس حقيقة ﴿ إِلاَّ يَخْرُصُونَ{66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً ﴾ اليل بسكونه ، النهار بضيائه ، النشاط والحركة في النهار ، وكسب الرزق في النهار ، وفي الليل سكون ، وهدوء ، وطاعة ، وصلاة ، ومناجاة ، لذلك إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار ، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل . أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كانوا فرساناً في النهار رُهْباناً في الليل ، سيدنا عمر رضي الله عن عمر رأى رجلاً لا يعمل ، يقرأ القرآن في النهار ، فقال : << إنما أُنْزِلَ هذا القرآن ليُعْمَل به أفتَّخذت قراءته عملاً ؟ >> ، اقرأه في الفجر : 

﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) ﴾

[ سورة الإسراء ]

قيمة الرجل ما يُحْسِنه ، يجب أن يكون لك عمل تنفع به المسلمين ، اختصاص تقضي به حاجة المسلمين .. 

 

الابن استمرار لأبيه :


﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ{67) قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ ... لماذا يتَّخذ أحدنا ولداً ؟ يرجو ولداً ؟ يتزوَّج من أجل الولد ؟ من أجل أن يكون ابنه استمراراً له ، يقول لك : هذا المال من الذي سيأخذه ، ابني يرثه ، تريد ولداً ليحيي ذكرك من بعد موتك ، معقول لأننا نحن ميتون ..

﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30) ﴾

[ سورة الزمر ]

أو تريد ولداً يعينك إذا كبرت سنّك ، وشاب شعرك ، وضعف بصرك ، وانحنى ظهرك ، حينئذ تحتاج إلى ولد يعينك . 

﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ ربنا سبحانه وتعالى باقٍ على الدوام . 

﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) ﴾

[ سورة القصص ]

هو الحي الباقي .. 

﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)  ﴾

[ سورة الجن ]

 

ما من مؤمنٍ صادق إلا ومعه حجَّة يُفْحِمُ بها الخصوم ويُهَدِّم بها الباطل :


﴿ قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ السلطان هو الحجَّة ، أي :

﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) ﴾

[ سورة المؤمنون ]

السلطان هو الحجَّة ، الحجَّة تعطي صاحبها سلطاناً ، قال النمرود لسيدنا إبراهيم : من ربك ؟ قال : 

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) ﴾

[ سورة البقرة ]

أعفو عن شخصٍ فأحييه ، وآمر بقتله فأميته ، سيدنا إبراهيم كان فَطِناً ، متابعة النقاش في هذا الموضوع طريق مسدود ، قال : ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾ ..

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)﴾

[ سورة الأنعام ]

ولكل مؤمنٍ نصيبٌ من هذه الآية .. ما اتخذ الله ولياً جاهلاً لو اتخذه لعلَّمه .. ما من مؤمنٍ صادق إلا ومعه حجَّة يُفْحِمُ بها الخصوم ، يُهَدِّم بها الباطل ..﴿ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا ﴾ أي ما عندكم من سلطانٍ بهذا ، بدون حجَّة ..


  كل حالٍ يزول ولا يبقى إلا الحساب في الآخرة :


﴿ أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾ أحياناً يكون أناس ضالّون مضلّون يفترون على الله الكذب من أجل الدنيا ، كم ديانة وثنيَّة موجودة ؟ إذا إنسان دجَّل ، أو كذب ، أو افترى ، أو سحر ، أو فعل شيئاً خلاف الحق من أجل كسب المال فقط ، قال ربنا عزَّ وجل :﴿ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾ أي إذا أفتى الإنسان بشيء لا يرضي الله إرضاء لجهة من الجهات ، وكسب منها مالاً كثيراً – من هذه الجهة - فهذا المال كم ينفعه ؟ ما دام حيَّاً ، فإذا مات انتهى ، شيء دقيق جداً ..﴿ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ(69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ﴾ أي هذا الذي كسبوه من افترائهم على الله .. ﴿ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾ هؤلاء الذين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً عندما يجر الإنسان الدين لمصالح شخصيَّة ، أو يجر الدين لمنافع دنيويَّة ، أو يَسْكُت عن الحق وينطق بالباطل من أجل دنيا عريضة ، من أجل مال ، من أجل زوجة ، من أجل بيت ، من أجل شيءٍ من حُطام الدنيا ، هذا الذي جناه من افترائه على الله الكذب لا ينفعه إلا في الدنيا ، والدنيا زائلة ، وشيكة التحوُّل ، كل حالٍ يزول ولا يبقى إلا حسابه العسير .. ﴿ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ(69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ﴾ ..

***

 

النخيل آية من آيات الله الكونية :


الآن إلى آية من آيات الله الكونيّة ، تعدّ النخلة من أطول الأشجار عمراً ، وقال بعض العلماء : ثمار النخيل ليس ثماراً إنما هو منجم معادن ، المنغنيز والفوسفور والكالسيوم واليود ، مجموعة كبيرة جداً من المعادن موجودة في التمر.

 وربنا عز وجل حينما أطعم السيدة مريم التمر في أثناء المخاض إشارة طبية إلى أن في التمر مادة تعين على المخاضوفي التمر مادة تمنع النزيف ، فإذا قطعت شرايين الرحم مئة ألف شريان ، التمر مادة تعين على التئام جروح الشرايين ، وعلى منع النزيف .

وفي التمر مادة ملينة للأمعاء تعين على الولادة ، وفي التمر سكريات سهلة الهضم تنتقل إلى الدم في عشرين دقيقة ، وقالوا : في التمر عامل النمو للأطفال ، والتمر مغذ للدماغ ،  والتمر مغذ للعظام ، والتمر مقوّ للقلب ، والتمر ملين للشرايين ، والتمر يجلو البصر ، ويرهف السمع ، سبحان الله ! لكن الشيء الجديد أن في ثمرة النخيل ثمان وأربعين مادة غذائية دوائية ومعدنية وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : عن سلمة بن قيس الأشجعي : 

(( أطعموا نسائكم في نفاسهن التمر ، فانه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج ولدها حليماً . ))

[ السلسلة الضعيفة  ]

 حليماً ، هكذا قال النبي قبل ألف وأربعمئة عام . 

لكن مقالات علمية كتبها أناس لا يعلمون عن الإسلام شيئاً ، قالوا فيها : إن في التمر مواد مهدئة للأعصاب ، كيف عرف النبي هذه الحقيقة ? ربنا عز وجل قال :

﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) ﴾  

[ سورة فصلت ]

وفي التمر مواد مهدئة للأعصاب ، أي الإنسان يتخذ من كل شيء موعظة ، وأحد الشعراء قال :

كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً         بالطوب يرمى فيلقي أطيب الثمر

***

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور