وضع داكن
28-03-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 44 - وسائل تربية الأولاد -14- قاعدة الربط -4- الربط الرياضي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في السلسلة الثانية في الوسائل الفعالة في تربية الأولاد في الإسلام.

العقل السليم في الجسم السليم:

 تحدثنا عن أسلوب القدوة، وأسلوب التلقين والتعويد، وأسلوب الموعظة، وأسلوب العقاب، وأسلوب الملاحظة، ثم وصلنا إلى أسلوب الربط، واليوم حديثنا عن الربط الرياضي.
 الشيء المؤلم أشد الألم أن تجد إنساناً منحرفاً، فاسداً، غارقاً في المعاصي والآثام لكنه يعتني بجسمه أشد العناية، يعتني بلياقته، يعتني بأعضائه، يعتني بصحته، وأن تجد إنساناً آخر مسلماً، يحمل رسالة كبيرة، أمامه مهمات جسيمة، حياته ثمينة جداً، مع كل هذه الخصائص التي مكنه الله بها مهمل لجسمه، فهذا الابن الذي ينشأ في أسرة لا تعتني بصحتها، تأكل ما يحلو لها، لا تأكل ما ينبغي أن يؤكل، لا شك بأنه سيصاب بأمراض وبيلة، والشيء المؤلم أشد الألم أن القسم النسائي أشد خطراً، تجد المرأة غير المؤمنة بأعلى لياقة جسمية، بينما المرأة المؤمنة مقصِّرة، مترهلة، لا تعتني بصحتها، لا تقيم للتدريب أي قيمة، فالأمراض تتسارع إليها، والوهن، والعجز، فأنا أرى أن العقل السليم في الجسم السليم، أعلم علم اليقين أن هناك أمراضاً وبيلة، مزمنة، خطيرة، أسبابها من عادات سيئة في الطفولة، هناك أمراض مدمرة أسبابها الإرضاع الصناعي، وجد أن أعلى نسبة ذكاء في العالم في جزر الباسيفيك، هذه الجزر لا تعرف الإرضاع الصناعي إطلاقاً، إذاً أحد أكبر أسباب التفوق الإرضاع الطبيعي، لأن حليب الأم لا يعدله حليب آخر، لأن حليب الأم متناسب كماً ونوعاً وتدريجاً مع حاجة الطفل، بل إن الحليب الذي لا يشربه الأطفال من أمهاتهم فيه خمسة أضعاف حموض أمينية لا تقوى أجهزة الطفل على هضمها، وهذه تسبب له أمراضاً وعائية مستقبلية، تكاد ـ بحسب البحوث العلمية الحديثة ـ تكون أكثر الأمراض الوبيلة أسبابها تعود إلى سوء تربية الطفل، وإلى عادات غذائية ليست نافعة إطلاقاً، فأنت حينما تربي ابناً على طاعة الله، وعلى محبته، وعلى الإقبال عليه، وعلى خدمة الناس، ينبغي أن تربي جسمه أن يكون وعاءً قوياً لهذه النفس السامية، لذلك تجد أنه عليه الصلاة والسلام كان بأعلى لياقة صحية، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "سابقني رسول الله فسبقته "، قال بعض شراح الحديث أنه جبراً لها مكَّنها أن تسبقه، قالت: " فلما ركبني اللحم سبقني ".
 معنى ذلك أن لياقته عالية جداً، وأنه ما ركبه اللحم أبداً، فهذا يعود إلى عادات جيدة جداً في تناول الطعام والشراب.

سوء التغذية من الأسباب الأولى للأمراض الوبيلة:

 أخوتنا الكرام، تكاد الأمراض الوبيلة تعود في أسبابها الأولى إلى سوء التغذية، أو إلى تناول طعام عشوائي وفق المزاج والرغبة والشهوة لا وفق الأسس الصحية، لذلك هذا الشاب الذي تعلمه، إن كان ابناً، أو كان تلميذاً، أو كان أخاً في المسجد، لا بد من أن تعلمه بعض القواعد الصحية، الناس الآن ضحية الإعلام الغذائي، أكثر الطعام معلبات، أكثر الشراب شراب غازي، أكثر ما نُشّدُّ إليه ليس طعاماً صحياً، فلذلك أنا أتمنى أن يكون في كل مسجد ثقافة صحية عالية جداً، وإن شاء الله إذا انتهينا من هذه السلسلة هناك سلسلة محاضرات عن الوسائل الناجحة في التغذية، وفي اللياقة، على كلٍ هذا الذي تربيه إن كان ابناً أو كان طالباً ينبغي أن تعتني بصحته.
 أولاً عند الطفل أو عند الشاب فراغ كبير، هذا الفراغ ينبغي أن يملأ إذا ملئ بتدريبات رياضية، وبألعاب رياضية نظيفة، وبريئة، ومشروعة، هذا سبيل لملء فراغه أولاً وتقوية جسمه ثانياً، والغريب أن الذي يألف الرياضة في وقت مبكر يتابعها لآخر حياته والذي لا يألفها في وقت مبكر يبغضها ويعاديها إلى آخر حياته، على كلٍ الجسم القوي يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))

[ رواه مسلم عن أبي هريرة ]

 رجل في بعض المعارك قال: أين محمد ؟ ـ من أعداء المسلمين ـ لا نجوت إن نجا، فأمسك النبي رمحه ووكزه فيه، فولّى هارباً، قيل له: لماذا فررت ؟ قال: والله لو بصق علي لقتلني، من شدة قوته صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

((كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو، إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين ـ انتقاله من هدف إلى هدف في أثناء الرمي ـ وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة ))

 

[ رواه الطبراني عن عبد الله بن أبي رباح ]

  هذه ليست من اللهو ولا من السهو، أن يتعلم السباحة، أن يؤدب فرسه، أن يؤنس أهله، أن يمشي بين الغرضين أي الهدفين في الرمي.

 

(( ألا إن القوة الرمي ؛ ألا إن القوة الرمي ؛ ألا إن القوة الرمي ))

 

[ رواه مسلم عن أبي هريرة ]

  قوة السلاح في دقة رميه، وهذه قيمة ثابتة حتى الآن، يعني أشد الأسلحة فتكاً هي الأسلحة التي تأتي إصابتها دقيقة جداً، وهذه صفة الأسلحة المتفوقة جداً.

 

(( ألا إن القوة الرمي ؛ ألا إن القوة الرمي ؛ ألا إن القوة الرمي ))

 

النبي الكريم أقرَّ أصحابه على التنافس في الرمي:

 سيدنا عمر كتب إلى الولاة: " أما بعد، فعلموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل "، هذه القيم الرياضية التي كانت في عصر سيدنا عمر، علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل.

(( مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون بالقوس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلان ))

[البخاري عن سلمة بن الأكوع]

  انضم النبي عليه الصلاة والسلام إلى فريق يتنافس مع فريق في الرمي، فأمسك الفريقان عن الرمي، لأن النبي أصبح طرفاً.

 

" فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكم لا ترمون ؟ فقالوا: كيف نرمي وأنت معهم ؟ فقال: ارموا وأنا معكم كلكم ".

 

[البخاري عن سلمة بن الأكوع]

  الطرف الثاني هل يعقل أن يرموا والنبي في الطرف الثاني ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (( ارموا وأنا معكم كلكم )).
 أنا معكم جميعاً، يعني أقرهم على التنافس في الرمي، وتروي كتب السيرة أن ركانا كان مصارعاً من أشد المصارعين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، علَّق إيمانه بالنبي على أن ينتصر النبي عليه في مصارعة، فقد روى أبو داود عن محمد بن علي بن ركانا، أن ركانا صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي، وفي رواية مرة ومرتين وثلاثاً، والله عز وجل وصف أحد الأنبياء فقال:

 

﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ (247) ﴾

 

(سورة البقرة)

التدريب الرياضي أفضل شيء ينشغل به الطفل بعد حفظ القرآن الكريم:

 أفضل شيء ينشغل به الطفل بعد حفظ القرآن الكريم، طبعاً بعد أداء واجباته المدرسية، وبعد أداء خدمات لأهله، حفظ كتاب الله أولاً، والتدريب الرياضي ثانياً.

(( ارموا واركبوا وأن ترموا خير من أن تركبوا ))

[البخاري وأحمد عن عقبة بن عامر]

  يعني الذي يحسن ركوب الخيل شيء، والذي يحسن إصابة الهدف شيء أكبر، وللنبي عليه الصلاة والسلام ناقة تسمى العضباء، وكانت هذه الناقة لا تُسبَق أبداً، يعني من الطراز الأول، فجاء أعرابي على قعود له، قعود يعني ناقة فتية، فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، كيف تسبق هذه الناقة القعود ناقة رسول الله العضباء، فقال عليه الصلاة والسلام دققوا في هذا الحديث:

 

(( إن حقاً على الله تعالى أن لا يرتفع شيء من أمر الدنيا إلا وضعه )).

 

[البخاري عن أنس]

  يعني إذا الناس عظموا شيئاً، واحتفلوا بشيء، وكرَّموا شيئاً، ومجدوا شيئاً حتى بالغوا في ذلك، الله عز وجل يضعه، قال عليه الصلاة والسلام: إن حقاً على الله تعالى أن لا يرتفع شيء من أمر الدنيا، أما من الآخرة معاذ الله، إذا كنت متعلقاً بالآخرة، وسمت نفسك، حق على الله أن يزيدك هدى، وأن يزيدك قوة.

 

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) ﴾

 

( سورة الكهف)

  أما إذا عظَّم الناس شيئاً من الدنيا هذا الشيء ربما، يعني بلد إسلامي أنشؤوا مسجداً فوق البحر كلف مليار دولار، ألف مليون، استوحيت فكرته أنك وأنت في الحرم تصلي ينبغي أن ترى الموج، وكان عرشه على الماء، هكذا قرأت خبراً قبل أيام، أن الأمواج بدأت تَحِتُّ في أساساته، وظهرت بعض التصدعات، لمَ يكون فوق البحر ؟ لمً لا يكون على صخر ؟ الألف مليون ينبغي أن تكون على الصخر، هذا بيت من بيوت الله، فالناس إذا عظموا شيئاً وضعه الله عز وجل، هذه قاعدة، يعني في حدود البيئة التي عاش فيها أصحاب النبي، في حدود معطيات البيئة، في حدود الأجواء التي عاشها النبي وأصحابه هذه نصوص كافية كي تؤكد أن هؤلاء الشباب الذين نعلمهم ونربيهم ينبغي أن نعتني بأجسامهم، والعناية بالجسم لا تتناقض مع التدين، لا أدري من أين جاءتنا هذه المفهومات البالية، يعني أن هذا ولي مهمل لجسمه، مهمل لأناقته، مهمل لنظافته، لا يعتني بصحته، لا يأكل أكلاً جيداً، أكلاً متوازناً، ليس هناك نظام بعاداته إطلاقاً، هل هذا هو المؤمن ؟ أيعقل أن يكون أهل الدنيا أكثر انضباطاً، وأكثر عناية بصحتهم من المؤمن، ومرة ثانية الصحة للمؤمن لها دور خطير لأن جسمه وعاء نفسه، ونفسه طموحة إلى عمل صالح، إلى دعوة، إلى خدمة، ونفسه وجسمه ملك أمته وملك أهله، فالذي لا يعتني بصحته لا يعبأ بقوانين الله عز وجل.

 

من تمام الأدب مع الله عز وجل أن تحترم قوانين الطبيعة وأن تطبقها تطبيقاً دقيقاً:

 

 بالمناسبة أيها الأخوة في قاعدة مهمة جداً أنك إن أنكرت قانوناً، أو سخرت منه، أو استهزأت به، لن تستطيع أن توقف عمله، العمل نافذ فيك ولو لم تؤمن به، يعني راكب طائرة عسكرية لم يعبأ بقانون السقوط، السقوط له قانون يتناسب مع الوزن، مع المسافة، ومع الضغط وغير ذلك، لذلك تصمم المظلات بحسب وزن المظلي، وبحسب مقاومة الهواء ومساحتها مدروسة، والمساحة متناسبة مع جسم المظلي، والحبال مدروسة، وأشياء دقيقة جداً، يعني المظلة متوافقة تماماً مع قوانين السقوط، لو أن إنساناً يركب طائرة عسكرية، بمعنى أنه يمكن أن يلقي بنفسه منها بمظلة، ولم يعبأ بقوانين السقوط، ولم يكترث بها، بل سخر منها، وألقى بنفسه من دون مظلة، هل يستطيع أن يمنع نفوذ هذه القوانين فيه ؟ ينزل ميتاً، إذاً إن لم تهتم بقوانين الصحة لن تستطيع إيقاف عملها، إنها تعمل.
 من تمام الأدب مع الله عز وجل أن تحترم هذه القوانين وأن تطبقها تطبيقاً دقيقاً، بعد أن بينت لكم أن النبي صلى الله عليه وسلم ربط هذا الطفل، أو هذا الشاب، أو هذا الطالب، أو هذا الابن، أو هذا طالب العلم الشرعي، ربطه بالتدريبات الرياضية، بركوب الخيل، بالسباحة، بالرماية، ربطه بالإعداد الجسمي، هناك ملاحظات.
 أول ملاحظة الرياضة ضرورية جداً، لكن لا يمكن أن تكون بديلاً للدين، أما إذا اتخذت ديناً كل مشاعرنا، وكل حماسنا، وكل هياجنا، وكل فرحنا بدخول كرة في مكان، أصبحت ديناً، كنت مرةً بين مكة والمدينة في بعض العمر، فالسائق سمعته يتحمس إلى فريق رياضي حماساً لدرجة تفوق حد الخيال، عجبت وقلت: والله أصبحت هذه ديناً جديداً، لما أحد خطباء مصر افتقد المصلين يوم الجمعة: أين هم ؟ قال: والله في لاعب كبير، في مباراة الآن وقت صلاة الجمعة آخر مباراة له، لأنه اعتزل اللعب، فزحفت القاهرة كلها لحضور هذه المباراة، من هذا اللاعب ؟ قال: اسمه زيزو، فقال: اللهم اجعلنا في بركات زيزو، اللهم احشرنا مع زيزو، ماذا فعل زيزو ؟ حرر فلسطين ؟ قالوا: لا، أعاد القدس ؟ قالوا: لا، هو يتساءل ماذا فعل زيزو الذي ترك الناس الصلاة من أجله ؟!! والله في مشاهد أراها وأستمع إليها ليست معقولة إطلاقاً، أصبحت الرياضة ديناً، دين، وهذا خطأ كبير، لذلك إذا حضضنا على الرياضة لا بد من التوازن، يعني جانب من جوانب حياتنا لتقوية أجسامنا، لا لنعبدها من دون الله، المثل العليا الصحابة الكرام وليسوا لاعبي الكرة، الحماس الشديد لخير أصاب المسلمين لا لكرة دخلت في مكان، يعني دولة متخلفة، متعسرة، أمرها ليس بيدها، تعاني الأمرين، تعاني من ضعف الثروات، تعاني من ضعف التقدم العام، وهي الأولى في كرة القدم، والناس جميعاً يعظمونها، لا بد من مقاييس حقيقية للتقدم.

بعض التحفظات على الرياضة:

 

1ـ أن تضع الرياضة في حجمها الحقيقي لا أن تكبرها حتى تمتص كل وقتك:

 أولاً: لابدّ من التوازن، يعني أن تضع الرياضة في حجمها الحقيقي، وسيلة لتدريب الجسم وتقويته، ليس غير، تحتاج إلى اعتدال، إلى توازن، سمعت عن رئيس دولة قام رقص عندما نجح فريقه أمام الناس، لا يصح هذا، هذا أعلى مقام في الأمة، أن يختل توازنه إذا الفريق فاز، هذا غير معقول.

 

(( إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقا ً، وإن لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه ))

 

[البخاري والترمذي والدار قطني عن أبي جحيفة]

  جسمك يحتاج إلى تدريبات، إلى نوم كافٍ، إلى غذاء متوازن، أعطِ كل ذي حق حقه، أول تحفُّظ أن تضع الرياضة في حجمها الحقيقي لا أن تكبرها حتى تمتص كل وقتك، كم من طالب رسب لأنه توافقت أوقات مشاهدة المباريات الدولية مع الامتحانات ؟ فآثر متابعة هذه المباريات على مذاكرة دروسه، إذاً ما أعطاها حقها، أعطاها فوق حقها، كم من طالب أعجب بلاعب إلى درجة تفوق حد الخيال، وهذا اللاعب منحرف أخلاقياً، هناك لاعبون يتعاطون المخدرات أحياناً، لاعبون شاذون أحياناً، هو لا ينتبه إلى هذا الانحراف الخطير ينتبه إلى أنه لاعب، ودخله فلكي مثلاً، وانتقل من فريق لفريق، ومن دولة إلى دولة، ودخله بملايين الدولارات، معجب به، مثل زيزو يعني.

 

2ـ لا يمكن أن نعتني بالرياضة إلا ونراعي حدود الله:

 التحفظ الثاني أيها الأخوة، لا يمكن أن نعتني بالرياضة إلا ونراعي حدود الله، كشف العورات، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( الفخذ عورة ))

 

[الترمذي عن ابن عباس وجَرْهَد بن خويلد]

 كشف العورات محرم، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( ما فوق الركبتين من العورة، وما أسفل السرة من العورة )).

 

[أخرجه البيهقي عن أبي أيوب ]

  يجب أن يكون اللباس الرياضي فوق السرة إلى تحت الركبة، إذا عندك ابن بالمدرسة يجب أن تجعل لباسه الرياضي هكذا، وأنت معك الحق، ولا أحد يستطيع أن يسائلك، أما إذا قال المعلم: ارتدوا ثياباً قصيرة جداً هذا اجتهاده، أما أنا ابني أرسله بثياب تحت الركبة.

 

التعري سلوك شيطاني والتستر سلوك رحماني:

 

 سمعت قصة أن لاعب كرة متفوق جداً في مصر اعتزل اللعب، والتزم بالشرع تماماً، فاضطروا إليه لمباراة دولية مهمة جداً، فطلب منه أن يشترك فاعتذر، فلما أصروا عليه قال: أنا أرتدي الثياب الشرعية، فسمح له أن يرتدي الثياب الشرعية في أثناء اللعب فأصبح قدوة لغيره، وصار في عدة فرق رياضية ترتدي الثياب الشرعية، الآن بالسباحة أيضاً ارتدِ ثياباً شرعية بالسباحة، السباحة مطلوبة، لكن الفخذ عورة، في حديث آخر:

(( ما بين السرة والركبة عورة ))

[ أخرجه الحاكم عن عبد الله بن جعفر ]

 وفي حديث ثالث:

 

(( لا تبرز فخذيك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ))

 

[ أخرجه أبو داود عن علي ]

  إذاً الرياضة مطلوبة، والإسلام حض عليها بشرط أن يلتزم الطالب أو اللاعب حدود منهج الله عز وجل، والآن والحمد لله معظم اللباس الرياضي لباس شرعي، هكذا أرى أكثر البدلات الرياضية بدلات شرعية سابغة، وإذا كان هذا يجب أن يراعيه الذكور فالإناث في المدارس يجب أن تراعيه أكثر وأبلغ، يعني قضية دقيقة، هذه ابنتك لا تسمح لها بارتداء ثياب إلا سابغة في درس الرياضة، ولا أحد يستطيع أن يكرهها على ذلك، هذا كلام دقيق، موضوع عالجناه من سنتين، التوجه الجيد والحمد لله، كما أن الفتاة حرة في أن تتعرى، حرة في أن تتحجب، هذا التوجه الجديد، وهذه نعمة كبيرة جداً، لا أحد يستطيع أن يلزم ابنتك أن تتعرى بالمدرسة بداعي درس رياضة، يعني إذا قلنا رياضة ضرورية للذكور والإناث معاً، ضرورية وفق منهج الله، وفق هذه الحدود، الفخذ عورة، يعني التعري من الشيطان، والتستر من الرحمن، فالإنسان كلما اقترب من الشيطان يظهر أجزاء من جسمه، وكلما اقترب من الرحمن يتستر، فالتعري سلوك شيطاني، والتستر سلوك رحماني، التعري له أخطار كبيرة جداً، وقد ينتهي بالفاحشة.

 

مهمة الشيطان الأولى أن ينزع عن المؤمن ثيابه:

 

 قال تعالى:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً (26) ﴾

(سورة الأعراف)

 يعني أكمل شيء أن ترتدي ثياباً سابغة، لكن:

 

﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ (26) ﴾

 

(سورة الأعراف)

  في ثياب أخرى ترتديها ثياب العفة، ثوب الأمانة، ثوب الصدق، ثوب الإخلاص، هذه ثياب أخلاقية، هذه أفضل، يجب أن تجمع بين نوعين من الثياب.

 

﴿ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) ﴾

 

(سورة الأعراف)

  الآن دقق:

 

﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) ﴾

 

( سورة الأعراف )

  معنى ذلك مهمة الشيطان الأولى أن ينزع عن المؤمن ثيابه، بحجة حر، بحجة ثياب خفيفة أجمل، بحجة مثل أختي، هي ليست أخته، ففي حجج اجتماعية وصحية وطقسية ومناخية

﴿ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ﴾

 ومع نزع الثياب تبدأ الفتن، وتبدأ المعاصي، وتنتهي بالفواحش، مئة حالة فاحشة أنا متأكد 90 % من هذه الحالات حينما بدأت لم يكن يخطر في بال من فعل الفاحشة أن يفعلها، ولكن التعري هو الذي ساقه إليها، فالتعري سلوك شيطاني، والتستر سلوك رحماني

﴿ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا ﴾

متابعة التحفظات على الرياضة:

 

 أول تحفظ أن توضع الرياضة في مكانها الصحيح، نشاط من أنشطتنا، سلوك من أجل صحتنا وقوتنا، ولياقة أجسامنا، وتدريبنا، والإعداد لعدونا، وليست ديناً يتبع، وليست إلهاً يعبد من دون الله، وليس أبطالها مُثلاً عليا، هكذا.
 التحفظ الثاني أن تراعى بالرياضة حدود الشرع، لا كشف عورات، ولا سماع أغنيات، ولا اختلاط محرم، ولا سباحة مختلطة، رياضة ! رياضة لكن ما في اختلاط بالمسبح، رياضة لكن في تستر، رياضة لكن في أداء صلوات.

3ـ ألا تكون هذه التدريبات في أماكن مشبوهة:

 التحفظ الثالث أن لا تكون هذه التدريبات في أماكن مشبوهة، يعني أحياناً في نوادي فيها اختلاط، مسابح فيها اختلاط، هذه أماكن مشبوهة، أنت إذا ارتديت ثياباً كاملة شرعية لكن في مكان لا يرتدي من حولك ثياباً شرعية فأنت آثم، يقاس على هذا البحر في أيام الصيف، أخي أنا أرتدي لباساً شرعياً، والآخرون ؟! والآخرون يرتدون ثياباً غير شرعية، إذاً المعصية ليست من عندك، بل من الذي أمامك، فأنت آثم إذا كنت معه في هذا المكان، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في المشبهات وقع في الحرام ))

 

[ متفق عليه عن الشعبي عن النعمان بن بشير]

  لا ترتد أماكن مشبوهة، وعن علي رضي الله عنه: "إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره "، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:

 

(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم ))

 

[ رواه أبو داود وصححه الحاكم عن عائشة]

  إذاً التحفظات حول الرياضة أن توضع في مكانها الصحيح من دون مبالغة، من دون أن تكون ديناً يعبد من دون الله، من دون أن يكون أبطالها مثلاً عليا لنا، من دون أن تكون الرياضة إلهاً يعبد من دون الله، هذا كله محرم في مكانها الصحيح.
 الشيء الثاني مراعاة منهج الله، بحرمة كشف العورات، وحرمة ارتياد الأماكن المشبوهة، مسابح مختلطة، مسابح فيها كشف عورات، ساحل بحر بالصيف بداعي الرياضة والسباحة هذا كله محرم.

 

4ـ أن تحرر النية من هذا اللعب:

 شيء آخر أن تحرر النية من هذا اللعب، أنت إذا نويت التقوي على طاعة الله فلك أجر، إذا نويت أن تكون قوي الجسم لك أجر، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يحب الجسم السليم والعقل السليم، لأن الله عز وجل أثنى على بعض أنبيائه أنه زاده بسطة بالعلم والجسم، ولا شك أن تقوية الجسم ينطوي تحت قوله تعالى:

 

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (60) ﴾

 

( سورة الأنفال)

  يعني أنا أعلم أنه بالتدريب العسكري في مصارعة أحياناً، في فرق الكومندس، فرق المغاوير، هذه تتقن المصارعة والملاكمة، يعني الأعمال الرياضية العالية جداً، إذاً هذا من الدين، أنا حينما أقوي جسمي لأكون قوياً أمام أعدائي فهذا من الدين.
 النية أن يكون هذا المؤمن قوياً حتى يستطيع أن يقوم بالمهمة التي أوكلت له، أتمنى والله أن يكون في درس آخر متعلق بالتغذية، دائماً الرياضة تحتاج إلى نظام غذائي معين، والغذاء الجيد ليس هو الغذاء الغالي أطمئنكم، الغذاء الجيد قد يكون أرخص غذاء، لكن يحتاج إلى دراسة وإلى وعي، يعني أحياناً هناك غذاء كله فيتامينات، كله سيليلوز، يملأ الأمعاء، يحركها، ينشطها، يمتص الكولسترول، يعطيه طاقة، تشعر بخفة ونشاط وفي طعام.
 أجنبي جاء كخبير فدعي إلى طعام دمشقي ثمين جداً، أكل كبب حتى شبع، لم يعد قادراً على الوقوف، في اليوم الثاني في فتح طريق يحتاج إلى ديناميت، وضعوا الديناميت فلم ينفجر، قال: ضعوا كبة، يبدو أنه كاد ينفجر بعدما أكل، يوجد الكثير من الطعام الطيب لكنه مؤذي، كذلك يوجد طعام خفيف يبقيك نشيطاً، فإذا أنت علمت أسرتك أن تأكل أكلاً خفيفاً خضار مثلاً، سلطات، طعام غير مرهق، أما الطعام الدسم تجد أن كل الأسرة مترهلة، وكلها كسولة، وكلها تريد النوم، وكلها تريد شرب الماء، يريدون الراحة فقط ولا يستطيعون العمل أبداً.

 

اتقاء الأمراض عند العلم بأسبابها:

 

 

 أنا ألاحظ أشخاصاً يريدون الذهاب لشراء بعض الأشياء على بعد خمسين متراً، يذهب بالسيارة، خمسين متراً ولا يستطيع أن يمشي، تعلم على الراحة، هذه الراحة لها مضاعفات في القلب خطيرة جداً، لها مضاعفات في الرئتين، مضاعفات في الجسم، يعني هذه الأمراض الوبيلة لها أسباب، قضية منظمة حينما تعلم أسباب الأمراض يجب أن تتقيها، أنا أتمنى على كل إنسان أن يعمق ثقافته الرياضية، ثقافته الغذائية، ثقافته الصحية، يعكسها على أولاده وبيته، يجب ألا نبقى على عادات وتقاليد قديمة، والله في أطعمة تسبب المرض يأكل حفاتي وسجق وكبب وكبة مشوية، كلها دهون، طبعاً هذا طعام لذيذ، لكن مشكلته أنه مؤذٍ جداً، فإذا كان نمط الغذاء لطيف، خضار مثلاً، أكل يعطي طاقة، طبيب له نصيحة يراها جامعة مانعة يقول: كُلْ كُلَّ شيء، لا شيء خلقه الله إلا وله دور كبير:
 أولاً: يجب أن تأكل كل شيء.
 ثانياً: أن تأكل باعتدال.
 ثالثاً: أن تبذل جهداً.
 رابعاً: أن تكون مرتاح النفس، فالشدة النفسية أخطر من المرض.
 أحد أخواننا ـ قصة طريفة ـ التقى مع طبيب قلب متفوق جداً، يبدو أنهم اشتهوا طعاماً كله دهن، لحمة شرحات وعليها دهن، فالطبيب أكل الكثير من الدهن، طبيب القلب، دهش صديقه، فقال له الطبيب: هذه الدهون أخف من ضغط نفسي بسيط، ولا هزة بدن تعادلهم.
 إذا وحد الإنسان يرتاح، إذا استقام يرتاح، إذا صدق يرتاح، ليس عنده مواقف حرج أبداً، فأحياناً الضغوط النفسية تأتي من الكذب والنفاق والاحتيال والسرقة، هناك ضغوط نفسية تحطم، فأفضل وضع هو الراحة النفسية مع بذل جهد، الحد الأدنى من الرياضة أن تخدم نفسك في البيت، تخدم نفسك يعني ذهبت إلى المطبخ وعدت، وضعت حاجتك في مكانها الصحيح، رتبت بيتك، كل شيء رتبته هذه حركة، هذا حد أدنى من الرياضة، بعدها المشي، سألني أحد الأشخاص: هل للرياضة علاقة مع العمر ؟ قلت له: أبداً، العمر ثابت، الرياضة تجعلك تعيش عمرك وأنت بخير دون أمراض، العمر لا يتغير، فقط يتغير وضع الإنسان بهذه الحياة، إما أن يعيش عبئاً على الناس، كل من حوله يتمنى موته، أو يكون نشيطاً، يعيش بقوته وكرامته، فالرياضة مهمة جداً.

في حياة الإنسان ثلاثة أشياء هامة دينه وعمله وصحته:

 والله أتمنى أن أستطيع ذكر تفصيلات بالرياضة والتدريبات والمشي لأن الصحة والله كبيرة جداً، نحتاج لدرس أهم وهو كيف تأكل الوجبات ؟

  الآن معظم الناس تأكل عشاء دسماً، ويذهب وينام بسرعة.

  قرأت مقالة أن أفضل طعام أن تأكل نصفه صباحاً، و35% منه ظهراً، و15% مساء، الطعام يجب أن يتناسب مع الجهد بعده، ما دام في 8 ساعات جهد بعد الصباح، تأكل وجبة دسمة في الصباح، وأنواع الغذاء، يوجد غذاء مفيد جداً، وهناك غذاء كله مواد حافظة، مواد مسرطنة، وهناك أشياء مزعجة، هناك أطعمة لذيذة لكنها غير نافعة، هناك أشياء نافعة لكنها ليست ذات طعم عالٍ، لا بد من ثقافة.
 أنا عندي كتاب مؤلفه أمريكي، مكتوب فيه الغذاء يصنع المعجزات، يمكن أن تعالج نفسك بالغذاء.
 سأقول لكم كلمة أخيرة، في حياة الإنسان ثلاثة أشياء، في علاقته بربه، هذه مهمة جداً، إذا هذه العلاقة اضطربت تنعكس على جسمه وعلى عمله، في علاقته بربه وفي عمله وفي صحته، وأي خلل في واحدة من هذه الثلاث ينعكس على الاثنتين، إذا في مشكلة بصحتك تنعكس على دينك وعلى عملك، وإذا في بعلمك مشكلة تنعكس على دينك وعلى صحتك، وإذا في بدينك مشكلة تنعكس على صحتك وعلى عملك، دينك وعملك وصحتك، ثلاثة يجب أن تعتني بها إلى أعلى درجة، إنها إن صحت صَحَّت الجوانب الأخرى، أتمنى مرة ثانية أن يكون للأخ ثقافة صحية، ثقافة غذائية، ثقافة رياضية، وأن ينشأ على عادات جيدة حتى يتمتع بصحته، وحتى تكون صحته في خدمة أهدافه، والصحة تأتي بعد نعمة الإيمان.

 

 

(( من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ))

 

[ أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور