وضع داكن
25-04-2024
Logo
ومضات إيمانية لرمضان 1425 - الدرس : 28 - سورة مريم من الآية 2 إلى الآية 6
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أيها الإخوة الكرام، من منطلق أن لكل ظرف ولكل وقت ولكل عصر عبادة تتميز عن بقية العبادات، فلو أن عدواً اقتحم البلاد تأتي عبادة الجهاد في الدرجة الأولى، لو أن الجهل شاع بين الناس تأتي عبادة تعليم العلم في الدرجة الأولى، لو أن هناك فقراً مدقعاً سرى بين أفراد الأمة فكسب المال الحلال، وتوفير فرص عمل للمسلمين وحل مشكلاتهم تكون أول عبادة، من منطلق الآية الثانية من سورة مريم حيث، يقول الله عز وجل:

﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) ﴾

(سورة مريم)

 سيدنا زكريا مع أنه نبي كريم، ومع أنه عند الله في مكان علي، لكن فكر فيما بعد حياته، من الذي يتابع هذه الدعوة بعد حياته ؟
من هذا المنطلق أرى أن كل إنسان وفق إلى عمل، إما في دعوة، أو في عمل من أعمال الدنيا المشروعة، جمع خبرات عالية جداً ينبغي أن يهيئ من يتابع هذا العمل من بعده من قبيل حمل هموم الأمة، فهذا النبي الكريم قال:

 

﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي﴾

 حينما يفكر الإنسان في الذي سيأتي بعده لا بد من أن يهيئ، ويخطط، طبعاً الكلام عام، قد يكون داعية يجب أن يهيئ عدداً معقولاً من الدعاة من بعده، على نسقه ومنهجه وعلى الأسلوب الذي كان يتبعه.
أيضاً هذا الموضوع أثير مرة، أحد الإخوة الكرام يدير مؤسسة ضخمة، وهناك خير كثير يعود على المسلمين من هذه المؤسسة، وله ابن، أقنعت الابن أن ألف إنسان يحلون محلك في الطب، أما هذه المؤسسة إذا توفي والدك تنتهي، فأن تكون مع الوالد في إدارة هذه المؤسسة أفضل بكثير، فدائماً الإنسان ينبغي أن يفكر في مستقبل الأمة، المشكلة أن الدول القوية الآن في المقياس العصري تخطط لمئة سنة قادمة، وأنا أقول لكم: إن كل الذي يجري على الساحة مخطط له من عشرين أو ثلاثين سنة، قد تأتي بعض الأحداث لتسرع، لكن هذا الذي ترونه الآن مخطط له قبل أحداث الحادي عشر من أيلول، دائماً الإنسان الغبي يعيش الماضي، والأقل غباء يعيش الحاضر، والأقل غباء يعيش المستقبل.
مثلاً: الإنسان حينما يفلح في إلقاء الدروس فرضاً، إذا أعجبته نفسه فهو من شهوة العلم، أما إذا أعجبه الذين رباهم على شاكلته فهذا من إخلاص العالم، كل واحد منكم إذا تفوق في ناحية، ولا أحدد لو تفوق في عمل دنيوي مشروع، لكن يعود بالخير على المسلمين.
الإسلام ليس صلاة وصومًا، النبي عليه الصلاة والسلام من أدعيته:

 

(( اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مدنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ))

 معنى ذلك لا بد من صلاح الدنيا وصلاح الآخرة، لأن الحياة الدنيا قوام حياتنا، والإنسان حينما يسعى لتقوية أمته ربما رأى في المستقبل ما يسره.
 الإنسان لا ينبغي أن يعيش مشكلته فقط، ولا أن يعيش نجاحه فقط، ينبغي أن يجعل هذا النجاح ينسحب على من حوله من أجل أن تستمر الحياة هكذا، هذا الكلام يلخص بكلمة في العالم الغربي اسمها العمل المؤسساتي، النظام أقوى من الأشخاص، فالأشخاص يأتون، ويذهبون، والعمل قائم بدقة بالغة، والأهداف محققة، والوسائل واضحة.
أنا أدعو كل أخ أن يخطط لأبنائه إذا كان يملك حرفة تفوق فيها، أو عمل تجاري، أو عمل صناعي، أو عمل زراعي.....
مرة أحد الطلاب جمع علامات تزيد على مئتين وثلاثين علامة في الشهادة الثانوية، وأهل الدنيا كلها يريدون الطب على أنه أعلى حرفة، فالتقيت بهذا الطالب سألته: في أي فرع سجلت في الجامعة ؟ قال الزراعة، أنا الحقيقة فوجئت، مع أن الزراعة تحتاج لمئة وخمسين علامة، قال: لأن والدي عنده أراض كثيرة جداً، من يديرها من بعدي ؟ أنا أولى، فالمسلم ينبغي أن يخطط لأولاده، وللمسلمين، وللمستقبل.
دائماً الإنسان الغبي ـ مرة ثانية، يعيش الماضي قال الشاعر:
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمر بن كلثوم
دائماً نتغنى بالآباء والأجداد والعرب في مطلع نهضتهم.
ومرة وجدت إنسانًا يتحدث كثيراً عن أبطال عظام عاشوا في حقبة سابقة، قلت له: والله هذا هروب من الواقع، يجب أن يكون في حياتنا المعاصرة أبطال متفوقون، هذه الكلمة تركت في نفسي أثراً كبيراً، قال تعالى:

 

﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي﴾

 كل إنسان ينبغي أن يدعو الله عز وجل إذا وفقه الله في عمل أن يستمر هذا العمل، والحقيقة أن الإنسان مفطور على حب وجوده، وسلامة وجوده، وعلى حب كمال وجوده، واستمرار وجوده، فالإنسان يحب أن يستمر، ولا يوجد طريق للاستمرار إلا الأولاد، فنحن حينما نعتني بأولادنا، ونخطط لهم حرفة إن كنا تفوقنا في الحياة الدنيا ينبغي أن يتابعوا بهذه الحرفة، حتى يكون المسلمون في خير.
 من اللطائف في موضوع العبادة أن هناك عبادة الهوية، أنت من ؟ أنت قوي، العبادة الأولى إحقاق الحق، أنت غني، العبادة الأولى إنفاق المال، أنت عالم، العبادة الأولى تعليم العلم، أنت امرأة، العبادة الأولى رعاية الزوج والأولاد، هذه معروفة ذكرتها كثيراً، ولكن هناك عبادة الظرف، ظرف المسلمين الآن ليس بيدهم، التقنية العالية جداً، فإذا حصل إنسان علماً ينفع به المسلمين ينبغي أن يعمم هذا العلم.
 طالب من طلابنا أحد الإخوة الكرام، ذهب لبلاد الغرب لينال شهادة البورد في الطب، قال لي كلاماً والله لا أنساه، أقسم بالله أمامي أنه إذا عاد لهذا البلد سالماً غانماً سيعلم كل من حوله من الأطباء الذي تعلمه هناك ‍! ليعم النفع على المسلمين، الآن: الوضع يحتاج إلى صحوة وتعاون.
كلمة مؤلمة جداً، في العالم الغربي بأميركا اليهود ستة ملايين، لكن بتعاونهم الذي يفوق حد الخيال، أمسكوا بزمام الأمور في هذا البلد العملاق، والمسلمون عشرة ملايين لعدم تعاونهم ليس لهم وزن في تلك البلاد.
النقطة الدقيقة أن الطبيب هناك أمامه خياران، إما أن يفتح عيادة خاصة، وإما أن يعلم في الجامعة، العيادة الخاصة دخلها تقريباً عشرة أضعاف العمل في الجامعة، إلا أن العمل في الجامعة بيده قبول الطلاب الجدد، البورد بيد من يعمل في الجامعة.
الأطباء المسلمون اختاروا العيادات الخاصة، وعزلوا عن الجامعة، والطائفة القوية هناك اختارت العمل في الجامعة والدخل عشر، لكن الآن لا يستطيع طالب مسلم أن يصل إلى هذه الشهادة، الأبواب كلها أغلقت، أرأيتم كيف أن الطوائف الأخرى تعمل بتخطيط كبير جداً ؟
فالذي أتمناه عليكم أن هذه بلادنا، وهذه أمتنا، وهؤلاء المسلمون أحياناً أنا أنظر إلى الصغار، والله أتألم، لا أدري ما مستقبلهم، هل يتاح لهم أن يعملوا، هل يكونون أجراء عند الأقوياء ؟ هل يتاح لهم أن يعيشوا، ويتزوجوا ؟ الأب العاقل لا ينظر إلى واقعه هو إلى واقع أولاده.
فلذلك هذه الآية ينبغي أن تكون باعثاً لنا على أن نعتني بأولادنا، وننقل خبراتنا إلى من بعدنا على مستوى الدعوة إلى الله، على مستوى العلم الشرعي، أو العلم المادي، أو على مستوى الحرف، أو الصناعات، لأن اليوم عبادة العصر نحن متخلفون عن ركب الحضارة.
وأشد الألم أننا متخلفون عن روح العصر ومتخلفون عن ديننا، يوجد تخلف مزدوج.
ما الحل ؟ كل واحد يخطط لأولاده، ولم يبق في أيدينا ورقة رابحة إلا أولادنا، ويكاد يكون الآن العمل الفردي مستحيلا، ولا يوجد حل إلا بالتعاون.
قال طبيب لي: عمل عيادة فيها عشرة أطباء، شيء يلفت النظر !! متعاونون متفاهمون، يدخل المريض في هذا البناء فيجد كل الاختصاصات، هذا شيء يبعث على الفرح والتفاؤل، فكل إنسان يجب أن يتعاون.
بقيت نقطة دقيقة أتمنى أن تكون واضحة عندكم: أحياناً أتكلم كلام، وألقي توجيهات، لكن لا أسمع رد فعل لهذه التوجيهات إطلاقاً، فوجئت أن بعض التوجيهات التي وجهتها في بعض الدروس انقلبت إلى سلوك، وأعمال طيبة جداً، فحبذا إذا سمع إنسان توجيهًا، وترجمه لعمل لو أخبرني يعطيني حماسًا لي وتشجيعًا، يجعلني أشعر أن هذا الكلام لا يلقى بلا فائدة، الدليل: فيما ورد في الأثر أن أحداً كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر رجل قال:

 

(( والله يا رسول الله إني أحبه قال: اذهب فأخبره أنك تحبه ))

(البخاري)

 إذا سمعت نصيحة في درس، وتأثرت بها تأثرًا بالغًا، وبلغتها لمن ألقى هذه النصيحة أنني استفدت من هذه النصيحة، وفعلت كذا هذا يعطي المتكلم حماسًا كبيرًا، وشحنة ليتابع الاهتمام بمن حوله.
لكن أحياناً الإنسان يضن على من ألقى عليه بعض التوجيهات أن ينبئه بعض الإنجازات، المتكلم ماذا يرى ؟ استماعًا، استماعًا، استماعًا، لا يوجد حركة !!!!!
حدثني أخ كان في أميركا قال: إذا طبق أحدنا بعض المناهج الدينية، وتألق تألقًا شديدًا يدعى فيلقي كلمة لإخوانه عن أنه طبق هذا المبدأ، وحقق نتائج كبيرة.
أنا والله بنفسي أن أي أخ من إخواننا الكرام إذا كان طبق آية أو حديثًا، ووجد نتائج باهرة من خلالها أن أدعوه ليلقي عليكم هذه التجربة المتواضعة التي مر بها.
أحياناً تكون التجارب رائعة جداً، وأنا أقول لكم هذه الكلمة: الذي يشد الناس إلى الدين ليس الفكر الديني فقط، مع أنه فكر متألق جداً، الذي يشد الناس على الدين النجاح العملي الذي يحققه الإنسان في سره إلى الله عز وجل.
فأرجو أن تكون هذه الآية في سورة مريم باعثًا لنا جميعاً، على أن نخطط للمستقبل، لا أن ندمن السماع والتلقي، بل ينبغي أن نلقي، ونفعل شيئاً، ولا أحد في الأرض يمنعك أن تكون متفوقاً، وأن تعتني بأولادك، وأن يكونوا خلفاء لك من بعدك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور