وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 10 - سورة هود - تفسير الآيات 69 ـ 83 قصة سيدنا إبراهيم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا عِلم لنا إلا ما علَّمْتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا، وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .

 أيها الإخوة المؤمنون، وصلنا في سورة هود إلى قصّة سيّدنا إبراهيم وقصّة سيّدنا لوط، بسم الله الرحمن الرحيم 

﴿  وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ  ﴾

[ سورة هود  ]


قصّة سيّدنا إبراهيم عليه السلام :وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى


1 ـ إبراهيم عليه السلام كان في فلسطين :

قوم لوط يسكنون في أطراف الشام، وسيّدنا إبراهيم يسكن في فلسطين، الملائكة الكرام الذين أوكلهم الله سبحانه وتعالى بإهلاك قوم لوط مَرُّوا في طريقهم إلى بلاد الشام، مروا على سيّدنا إبراهيم عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ﴾

2 ـ ما هي البشرى التي جاءت بها الملائكة ؟

ما هي البشرى؟ العلماء فسَّروا هذه البُشْرى بأحد معْنييْن: 

المعنى الأول : 

أنَّ سيّدنا إبراهيم له مِن هاجر إسماعيل الذبيح عليه السلام، أما امرأته سارة فقد كانت عقيماً لا تلِد، وأراد إبراهيم عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام أن يكون له ولد من امرأته الأولى، فجاءت الملائكة وبشَّرتْهُ بالولد الطيِّب إسحاق الذي أصبح نبيّاً، والذي جاء مِن نَسْله سيّدنا يعقوب عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام، فهذه هي البشرى . 

المعنى الثاني : 

المعنى الآخر للبشرى أنّ الملائكة أخبروه بأنَّهم مُهْلِكوا قوم لوط الفاسدين.

3 ـ أفضل كسْب الرجل ولدُه :

إذاً: يُعدُّ الغلام بُشرى لِما قد يفتح الله على يديه

((  إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ  ))

[ صحيح مسلم ]

((   أفضل كسْب الرجل ولدُه ... ))

[  الطبراني عن أبي بردة بن نيار، وإسناده ضعيف كما في الجامع الصغير  ]

فحينما تبذلُ مجهودات كُبْرى في رِعايَة أولادك بِقَصْد أن يُعينوك في كِبَرِك فهذا موضوع، أما إذا بذلْت عِنايةً كُبرى في تعليمهم القرآن، وتفْقيههم بأحكام الدِّين ليكونوا دُعاةً إلى الله تعالى من بعدك، فهذا موضوع آخر، فهذا هو الكسب الذي لا ينقطع، وهذه هي الصدقة الجارية، أفضل كسب الرجل ولده، فالبشرى إذاً إما بالولد أو إهلاك القوم الفاسقين، وكلاهما بشرى ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا ﴾

4 ـ السلام تحية الإسلام في الدنيا وفي دار السلام :

طرحُ السلام سنَّة لكنَّ ردَّ السلام فرضٌ


﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)﴾

[ سورة النساء ]

عُلماء النحو قالوا: إنَّ كلمة سلاماً شيء وسلامٌ شيءٌ آخر! الضمّ أقوى من الفتح، وكلّكم يعلم أنَّ أقوى الحركات الكسر فالضمّ فالفتح فالسكون، فحينما قال: سلامٌ، قالوا سلاماً، قال: سلامٌ، فحيَّاهم بِتَحِيَّة أحسنَ منها، والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بإفشاء السلام، فأحياناً يكون الإنسان يمشي بِطَريق مُسْتوحَش، فإذا مرَّ به رجل يكاد قلبه ينخلعُ خوفاً، فالراكب يُلقي على الماشي سلاماً، والقويّ على الضعيف، وكلمة السلام عليكم تبْعث الطمأنينة في النَّفس، والنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بإفشاء السلام، وأن نُسلِّم بِسَلام الإسلام: السَّلامُ عليكم! والسَّلامُ اسمٌ من أسماء الله سبحانه وتعالى.

﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) ﴾

[  سورة الحشر  ]

والآخرةُ دار السلام، لا نَغصَ ولا تعب، ولا هم ولا حزن، ولا قلق ولا خوف، ولا وجل، ولا كِبَر ولا مرض

﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25) ﴾

[  سورة يونس  ]

اللهمّ أبلِغْنا دار السلام بِسَلام، فإفشاء السلام سُنَّةٌ نبويّةٌ مطهّرة، ولكنّ ردَّ السلام فرض، والأولى أن يُردَّ بأحسن منها ﴿قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾


قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ(69) 


1 ـ من آداب الضيافة تعجيل الطعام والقِرَى : 

الله سبحانه وتعالى في هذه القصة يُعلِّمنا آداب الضِّيافة، أوَّلاً الاستِعداد للضيف، وقتٌ قصيرٌ جدّاً بين دُخولهم عليه وبين تقديم العِجل الحنيذ، لا بدّ أنَّه مستعدّ للضِّيافة، والشيء الثاني أنَّه من آداب الضِّيافة السرعة في تقديم الطعام، قد يأتي المسافر من مكانٍ بعيد، وقد يكون جائعاً، وأنت تُدْخِلُهُ غرفة الضيوف، وينتظر وينتظر إلى أن يكاد أن ينفجِر، أما السُنَّة المطهّرة فما لبِثَ! أيْ سريعاً ما جاء بالطعام ﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾

2 ـ معنى : بِعِجْلٍ حَنِيذٍ 

الحنيذ هو العِجْل المشويّ على الحجَر ، وقالوا: العِجل السَّمين، على كُلٍّ قدَّم سيّدنا إبراهيم لِضيوفه أطْيَب الطعام " المؤمن كالنَّحلة لا تأكل إلا طيِّباً ولا تُطْعمُ إلا طيِّباً ".

هذا الذي يُقدِّم طعاماً لا يأكله، مُحاسَبٌ عند الله سبحانه وتعالى ﴿ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾

 يعني أن العجل سمينٌ مشوي 

﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ(70) ﴾

[ سورة هود  ]


فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ



1 ـ ضيوف إبراهيم من الملائكة :

لا تنظر إلى الضيف وهو يأكل :

يُكرهُ أن يتأمَّل صاحبُ الدعوة ضيوفهُ كيف يأكلون؟ يُرْوى أنَّ أعرابيّاً جلس عند رجلٍ وأكل عنده، فقال هذا الرجل المُضيف: في لقمتك شَعرة! فقال: تنظرُ إليّ حتّى ترى الشَّعْرة في لُقْمتي، أنا لا آكُل طعامك أبداً، فتأمُّل الضيف وهو يأكل ليس من آداب الإسلام، ولكنّه أحياناً يجب أن تخْتلسَ النَّظر إليه فلعلَّه لا يأكل! ولعلَّهُ في خجَل، ويبْدو أنَّ سيّدنا إبراهيم عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام اخْتلسَ النَّظر إليهم، فرآهم لا يأكلون ﴿ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾

2 ـ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً

لأنَّ من عادة أبناء الرِّيف الكرام أنَّهم كُرماء، وأنَّ أحداً إذا لم يأكل من عندهم يظنُّون به الظُّنون، لأنَّك إذا أطْعمْتَ إنساناً، أو أكلتَ عند إنسانٍ صار بينك وبينه كما يقال خبزٌ وملح، وهذا الخبز والملح يمْنَعُ الخِيانة والغَدْر والقنْص وما شاكل ذلك، ما دام أكل عندك وأكلتَ عنده فبينكما عهْدٌ، فسيّدنا إبراهيم رأى أيْدِيَهم لا تصل إليه، لا يأكلون، هذا الذي لا يأكل عند مُضيفِهِ يَنْوي شراً، أو يُزْمِعُ أمراً خطيراً ﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ ﴾ .

العلماء قالوا: من آداب الضِّيافة أن تُسْرعَ في تقديم الطعام، ومن آداب الضَّيْف أن يُسْرع في الإجابة ﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ حينما رأَوْهُ خائفاً منهم، وظنَّ بهم الظنون، أوْجسَ في نفسِهِ خيفة و صار وجِلاً ﴿ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾


قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ


تطمين الملائكة لإبراهيم :

نحن لسْنا من بني البشر، نحن لا نأكل هذا الطعام، هذا طعام البشر ونحن ملائكة ﴿ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ لا تخف إنّا أُرسلنا إلى قوم لوط، وقال بعض العلماء: لماذا لم يُخْبروه منذ أن دخلوا أنَّهم ملائكة، كيف يبْدو كرمهُ عليه الصلاة والسلام؟ لو أنَّه علِمَ أنَّهم ملائكة لا يظهر هذا الكرم الذي ينْطوي عليه، لكنَّهم أخَّروا تعريفهم بأنفسهم إلى أنْ بدَا كرمُهُ الشَّديد وحِرْصهُ على إطعام الضَّيف.

﴿  إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ(71) ﴾

[  سورة هود  ]


وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ


1 ـ المرأة قائمة في خدمة الزوج :

لو تعلم المرأة حقّ الزَّوج ما قعَدَتْ ما حضر طعامه أو غذاؤه، بل ظلّت قائمةٌ لِخِدمتهِ وخدمة ضُّيوفه، ولكنّ في بعض التفاسير، وهو تفسير القرطبي قال: قائمةٌ خلْفَ السِّتار، أنْ تدخل المرأة لِتُقدِّم الطعام للضيوف فهذا يتناقض مع سنَّة النبي عليه الصلاة والسلام، ومع حقائق الإسلام، هذه امرأةٌ وهي زوجة، في هذا التفسير هكذا ورَدَ، و امرأتهُ قائمةٌ خلْف السِّتار لخدمة الضيوف.

لي صديق تُوُفِّيَت أُمّه فذَهَبْتُ لأُعزِّيَه، وقد مكثْتُ طويلاً عنده إلى أن انْتَهَتْ التَّعزِيَة وانْفضَّ المُعَزُّون، فكان أبوه يبْكي بُكاءً مُرّاً، أُمُّه مُتقدِّمةٌ بالسنّ، وأبوه كذلك، وقد أمْضَيا معاً أكثر من خمسين عاماً، ما هذا البكاء المرّ؟! حينما حاول بعض الأهل أن يهونوا عليه المصاب قال: والله أمْضَيْتُ معها خمسين عاماً، ما نِمْتُ ليلةً واحدة وأنا غاضبٌ عليها! وهكذا كان السلف الصالح.

 ثمَّ يقول تعالى :﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ ﴾

2 ـ فَضَحِكَتْ 

مِمَّ ضَحِكَتْ؟! هُنا معنى آخر، وهي أنَّ المرأة الصالحة تتعاطف مع زوْجها تعاطفاً كبيراً، مأساتُهُ مأساتها، ومسرَّاتُه مسرَّاتُها .

أوْصَتْ امرأةٌ ابْنَتها قبل أن تُزفَّ إلى زوجها فقالتْ لها: " اتَّقِي الفرَح بين يديه إن كان ترحاً، والترح بين يديه إن كان فرحاً، فإنَّ الخصْلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير " .

يبْدو أنَّها لمّا علِمَت أنَّه قلقٌ من هؤلاء الضيوف، حينما علمتْ قلقهُ وخوفهُ قلقَتْ لِقَلقِه، وحزنَت لِحُزْنِهِ .

خطب إنسانٌ امرأةً من أُسرةٍ صالحة، فلمَّا دخل بها وجدَ كمالاً وصلاحاً، فصلّى ركْعتين شُكراً لله على نِعمة الزَّوجة الصالحة، قال: فلمَّا سلَّمْتُ من صلاتي وجدتها تُصلِّي بِصَلاتي وتُسلِّم بِسَلامي وتشْكُر بشُكري! وكان الإمام الشعراني رحمه الله يقول: "أنا أعرف مقامي عند الله من أخلاق زوجتي" 

﴿  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21) ﴾  

[ سورة الروم  ]

هذا هو الأصل وهذا هو التصميم الإلهي وهذه هي هندسة الله سبحانه وتعالى ﴿ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ فما بال معظمُ بيوت المسلمين فيها المُشاحنة والبغضاء، والمُشاكسة والخِصام والشِّقاق؟ السَّبب بسيط جدّاً، إذا أطاع الزوجان ربّهُما توَّلى الله سبحانه وتعالى التوفيق بينهما، فكان هذا البيت جنَّةً صغرى، وإذا عصيَا الله سبحانه وتعالى تولَّى الشيطان التفريق بينهما ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ ﴾   قائمةٌ من وراء السِّتار، حينما عَلِمَت قلقه قلِقَتْ لِقَلَقِهِ، وحينما عَلِمَتْ حُزْنَهُ حزَنَتْ لِحُزْنِهِ، فلمّا بُشِّر من قِبَل هؤلاء الملائكة أنَّهم ملائكةٌ قد أُرسلوا إلى قوم لوط زال حزنه وقلقهُ ووجلهُ، فَعَلِمتْ بِذلك فَضحِكَت، هذا هو التعاطف والمشاركة الوجدانيّة، أنت هي، وهي أنتَ.

3 ـ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوب

﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ ﴾   العلماء استنبطوا أنَّ الذبيح هو إسماعيل، وهو أسنّ من إسحاق، وإسماعيل الذبيح مِن هاجر، وهذه سارّة﴿ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ .


الله لا يعجزه شيء، وهو خالق الأسباب :


الآن هناك موضوع جديد، هذه امرأةٌ مُتَقَدِّمةٌ في السنّ، فأنَّى لها أن تلِد؟! الله سبحانه وتعالى جعلَ لِكُلّ شيءٍ سبباً، وهو مُسبِّبُ الأسباب، ومن أجل أن تعرفَ أنّه مُسبِّب الأسباب يُعطِّل أحياناً بعض الأسباب، ولو أنَّها لم تُعطَّل لَظُنّ أنّ الأسباب هي التي تخلق المُسبَّبات، هذا سَبّب والله هو مُسَبِّبُ هذا السَّبَب، فمادام السّبب من خلْق الله يُعطِّلُهُ متى يشاء.

﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) ﴾

[ سورة هود  ]


قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا


استغراب امرأة إبراهيم من بشرى الملائكة بالولد :

يا ويْلتا!! هذه من ألفاظ التعجّب، الله عز وجل جعل مِن نِظام التَّوالد أنْ يكون هناك أبٌ وأُمٌّ وزواجٌ، هناك مولوداً من دون أب، هو سيّدنا عيسى عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام، وهناك مولودٌ من دون أمّ، وهي أمّنا حواء، وهناك من يتزوّج بامرأة ولا ينجبُ أولاداً، وسيّدنا آدم من دون أب ومن دون أمّ، هذه هي الحالات الأربع للخلق والتوالد، وحينما يُعطِّل الله الأسباب فهذا إشارة منه سبحانه إلى أنَّه مُسَبِّب الأسباب ﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ ﴾ جُملة (وأنا عَجوزٌ) جملة حالِيَّة يعني أنا في هذه السنّ المتقدمة  

﴿ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73) ﴾

[ سورة هود  ]

كُنْ فيكون، زُلْ فيَزُول، فالبحر صار طريقاً يبَساً على يدي سيدنا موسى، والنار كانت برْداً وسلاماً على إبراهيم فلم تُحْرِق، والناقة خرجت من الجبل، وهذه الأشياء لها معنى كبير، وهي أنَّ الله سبحانه وتعالى يجعلُ لكلّ شيءٍ سبباً، وقد يُلْغي هذا السَّبب، إذاً هذا السَّبب بيَدِهِ فهو مُسَبّبُ الأسباب، لو أنَّ الله سبحانه وتعالى لم يخرق هذه الأسباب ماذا يُظَنّ؟! أنَّ هذه الأسباب هي التي تخلق المُسَبَّبات، أطِبَّاء مثلاً يقولون لك: هناك حالة نادرة تُسمَّى الشِّفاء الذاتي، لماذا؟ لأنَّ الشِّفاء يحتاج إلى سبب، والله خالق السَّبب، من أجل أن تعرف أنَّ تأثير هذا السَّبب بالشِّفاء عن طريق الله سبحانه وتعالى قد يخلق الشِّفاء بلا سبب، والأطباء سمَّوهُ الشِّفاء الذاتي، أي من عند الله مباشرةً ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾


قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْت


نساء الرجل من أهله، فأزواج النبي عليه الصلاة والسلام من أهل البيت، وهنَّ أُمَّهات المؤمنين ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ﴾

1 ـ الرحمة هي التَّجلي :

الرحمة هي التَّجلي، والقُرْب من الله يُسبِّب الشعور بالرحمة، لذلك عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

((  رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى  ))

[ رواه البخاري  ]

فهذا الذي يُعامل الناس باللِّين يرْحمهُ الله سبحانه وتعالى

﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56) ﴾

[ سورة الأعراف   ]

 هذا هو التَّجلي 

(( رحِم اللهُ امرءًا صلَّى قبل العَصرِ أربعًا ))

[ أبو داود والترمذي وأحمد ]

وكلّ حديث فيه رحِمَ الله، أيْ أنَّ الله سبحانه وتعالى يتجلَّى على هذا الإنسان بِتَجَلٍّ يُسبِّبُ شعوراً بالرّحمة، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، البركات النُمُوّ والزِّيادة 

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) ﴾

[  سورة الرحمن  ]

﴿  تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1) ﴾

[ سورة الملك ]

إنسان مُبارك يعني خيرهُ عميم.

2 ـ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

﴿ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ(73)﴾ أفعاله سبحانه وتعالى يُحمدُ عليها في النِّهاية، ما من حدثٍ يقعُ على وجه الأرض، منذ أن خلق الله الأرض وحتى قيام الساعة، إذا كشف الله للبشر عن أسبابه، وعن حِكمته لا يمْلِكُ البشَرُ إلا أنْ يقولوا: الحمد لله رب العالمين

﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)﴾

[ سورة يونس  ]


عدل الله مطلق لا يشوبه ظلمٌ :



الله سبحانه وتعالى مُطلق، معنى مُطلق أنَّ عدالته مُطلقة وحكمته مُطلقة ورحمته مُطلقة، هذا الذي أنت عليه اليوم هو أكْمَلُ شيءٍ لك، وأنسبُ شيءٍ لك وأحكمُ شيءٍ لك، أعونُ شيءٍ لك على إسْعادك في الآخرة، ليس في إمكاني أبدعُ مِمَّا أعطاني.

قد تحمدُ إنساناً لا ينْتَزِعُ إعجابك، وقد تُعجَبُ بإنسانٍ لا تُحِبّه، في حياتنا اليوميّة قد تلتقي بإنسانٍ ذكيّ جدّاً إلا أنَّه لئيم، ينتزعُ إعجابك بِذَكائه إلا أنّ قلبك يمقُته لِلُؤْمِهِ، وقد تلتقي بإنسانٍ ينْتزعُ محبَّتك بلُطْفِهِ، ولكنّك لا تُعْجبُ به لِضَعف تفكيرهِ ولمحدوديَّته، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى حميدٌ مجيد، عُلُوّهُ لا حدود له، ومع ذلك يُعاملُكَ معاملةً تحمدُهُ عليها، هذا يفسِّر قوله تعالى: 

﴿  تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ(78) ﴾

[ سورة الرحمن ]

قد يأخذ الإنسان شهادات عليا، وقلبهُ معلَّق بِوالدَتِه، ولكنَّ والدته غير متعلِّمة، يُحبّها ولكنَّه إذا طرح معها موضوعاً فكرياً لا تنال إعجابه في أسلوب حديثها، وأسلوب مناقشتها، وقد يلتقي بأُستاذٍ قدير، وقاسي القلب يُعْجبُ به ولا يحبُّه ، يحترمه ولا يحبُّه، وقد تحبّ إنساناً ولا تحترمهُ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى الذات الكاملة، ذو الجلال والإكرام، عظيمٌ لا حدود لعظمته، وكريمٌ لا حدود لكرمه، تُحبّه وتعظّمه.

﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) ﴾

[  سورة هود  ]


فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ


1 ـ معنى : يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ

سيّدنا إبراهيم يُجادل الله سبحانه وتعالى في قوم لوط الذين أراد الله إهلاكهم، هنا المُجادلة تعني أشياء كثيرة، أحياناً الطبيب يقرِّرُ قطْع هذه اليد، لأنَّ مرض المُوات بدأ يتغلْغلُ فيها، فإن لم تُقْطع اليوم من هنا قُطِعت بعد يومين من مكان آخر أدنى إلى جسمه! فقرار الطبيب لا رَجْعة فيه، لأنَّه مَبْنيٌّ على عِلمٍ وحكمةٍ ودِقَّة تقدير، من الذي يُجادل الطبيب؟ الأب، ينطلق الأب من رحمةٍ، لكنَّ عِلْم الأب لا يرْقى إلى عِلْم الطبيب، لذلك يُجادله، فربّنا عز وجل أراد إهلاكهم، ولكنّ سيّدنا إبراهيم لِما انطوى في قلبه من رحمةٍ ومحبّةٍ للبشر يُجادلنا في قوم لوط

﴿  إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ  ﴾

[  سورة هود  ]

2 ـ هذه بعض صفات إبراهيم عليه السلام : حَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيب

هذه صفات الأنبياء، "الحِلم"، كاد الحليم أن يكون نبيّاً، والحلْمُ سيِّد الأخلاق، أواهٌ أي كثير التأوه على عباد الله، "لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيْتُم كثيرًا" .

الأم التي لها ابن مريض لا تضحك، الأخ يضحك ولكنّ الأم لا تضحك، الأم التي لها ابنٌ مسافر تبْدو قلقةً بِشَكلٍ مُسْتمرّ والأم التي لها ابنٌ مريضٌ تبْدو قلقة، لأنَّ قلب الأم لا يعرف القسْوة، وقلب الأم يسعُ كلّ الأولاد، ولكنّ الابن إذا كان مُعافًى يضحك ويقول: أخي مريض، الله يشفيه، وماذا أستطيع أن أفعل له؟ ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ معنى مُنيب راجعٌ إلى الله سبحانه وتعالى 

﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) ﴾

[  سورة هود  ]


يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا


1 ـ أمرُ اللهِ إبراهيمَ بترك جدال الملائكة :

أيْ لا تُجادلني، لأنَّ الله تعالى قال: 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

وردت كلمة الرحمة نكرة 

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا (58)﴾

[ سورة الكهف  ]

لأن الله سبحانه وتعالى صاحب الرحمة الكبرى، ومع ذلك قال تعالى: ﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾

2 ـ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود

أحياناً يُقرَّر إعدام إنسان ارتكبَ جريمة كبيرة، وحينما يصْعد مِنصّة المِشْنقة، فإن بكى أو لم يبْكِ، ورجا أو لم يرْجُ، تأوَّه أو ضحك، كلّ هذا سيَّان، هذا أمْرٌ لا مردَّ له، البطل هو من يحتاط للأمور قبل وُقوعها، قبل أن يقعَ أمْرٌ لا مردَّ له، لأنَّه إذا وقع الأمر الذي لا مردَّ له، إن شئت فاضْحك، وإن شئتَ فابْكِ، وإن شئتَ فتوسَّل، وإن شئْت اُسْكُت، كُلُّه سيَّان، أمرٌ غير مردود، فالبطولة أن تنْجُوَ من هذا العقاب الذي لا مردَّ له، البطولة وأنت مُعافى، وأنت في بحبوحة، و أنت في شبابك، وأنت في قوَّتك، وأنت في غِناك، وأنت في صحّتك، تعَرَّف إلى الله في الرخاء من قبل أن يأتي يوم لا مردَّ له، هذه ساعة عصيبة

﴿  فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ(8)فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ(9)عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ(10) ﴾

[  سورة المدثر  ]

﴿ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ هؤلاء الرسل انتقلوا من فلسطين إلى أطراف الشام إلى بلاد قوم لوط، قوم لوط كانوا يحْتلون مجموعة أماكن في أطراف بلاد الشام

﴿  وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) ﴾

[  سورة هود  ]


وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ


1 ـ الملائكة في ضيافة لوط عليه السلام :

تروي بعض القصص أن الله سبحانه وتعالى صوّر هؤلاء الملائكة على شكل شبابٍ صبوحي الوجوه، دخل هؤلاء الملائكة على صورة شبّانٍ جميلي الصورة، دخلوا إحدى قرى قوم لوط، ابنتانِ لسيدنا لوط كانتا تجلبان الماء، فسألوهما عن هذه القرية فقالتا: إنها قريةٌ تعمل الخبائث، وإنهم فُسّاق، فقالوا لها: أليس في هذه القرية بيتٌ نضيف عنده؟ فدلّت إحداهُما هؤلاء الملائكة على بيت أبيها لوط، فلمّا دخلوا على سيدنا لوط ﴿ سِيءَ بِهِمْ﴾ أي هؤلاء أصبحوا على ذمتهِ، ويعلم من قومهِ أنهم فاسقون فاجرون، إن رأوهم تهافتوا إليهم، تهافتوا إليه ليفعلوا معهم الفاحشة ﴿ سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ .

تروي القصص أنَّ امرأة لوط ذهبت إلى قومها وأخبرتهم خِفْيَةً أنَّ عند زوجها شباناً جميلي الصورة، فإن شئتُم فأتوا لوطاً

﴿ وَجَآءَهُۥ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)﴾

[  سورة هود  ]

2 ـ إسراع قوم لوط إلى مكان الملائكة :

معنى يُهْرعُ أي يُسْرِعُ، مع اقترابٍ من غضبٍ أو رغبةٍ أو خوف ﴿ جَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ جاءوه ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾


موقف لوط : قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ


1 ـ معنى : هَؤُلَاءِ بَنَاتِي

عند هذه الآية وقْفة لا بُدّ منها، فلا يُعْقل أنَّ سيّدنا لوط عليه السلام ذلك النبي الكريم يريد أن يُزوِّج بناته من هؤلاء الفجرة، ولكنَّ العلماء قالوا في كلمة ﴿ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ﴾ يقْصِد بهنّ مطلق النِّساء! فليس المقصود بناته هو، ولكنّ المقصود جِنْس النِّساء، هذا طريق شاذّ، هذا طريق قذر، أن تضع البِذْرة في بيئة نجسة، ليس هذا وِفْق الأصول، أعدّ الله سبحانه وتعالى مكاناً طاهراً تضعُ فيه ماء الحياة، وهؤلاء القوم منحرفون ومرضى السريرة، وشاذُّون ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ ، فكلمة بناتي في هذه الآية تعني مطلق النساء، وبعضهم قال: هؤلاء بناتي، أي النبي الكريم يُمَثِّل الأبُوّة العامّة، فإذا كانت للإنسان مكانة اجتماعيّة أو مكانة دينيّة، يُحِسّ أنَّ بنات إخوانه جميعاً هنّ بناته، هذا شُعور ثابت، فإما أن نفهم كلمة بناتي يعني هؤلاء النساء في هذه البلدة هنّ أطهر لكم، أو أنَّه دافع من دون أن يقصْد التَّزْويج، لأنه متأكِّد أنّهم لن يرْضَوا، وهذا من باب المدافعة، فهذه هي المعاني الثلاثة التي تحتملها كلمة بناتي في الآية الكريمة.

2 ـ معنى : أطْهَرُ

أما كلمة أطْهَرُ، فليس معناها أنَّ اللِّواط شيءٌ طاهر، والزواج أطْهر منه، هذه حُملت على قوله تعالى: الله أكبر، فلا مجال للتفضيل هنا إطلاقاً، وكذا هنا الهمزة في أطهر ليْسَتْ للتفضيل ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾

3 ـ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي

الوضع صعب، هؤلاء الشباب ضيوفه، وعلى ذِمَّته، ودخلوا بيته آمنين، كيف يطْمعُ قومه المنحرفون أن يصلوا إلى هؤلاء الشباب؟ ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾

4 ـ تهييج العقول والفطر السليمة :

إذاً: هذا حُمْق، الآن خمسة عشر مليون إصابة إيْدز في أمريكا!! انحلال المناعة، سَرَتْ إلى أوروبا، وصلَت إلى تركيا، فهذا عقاب عاجل من الله عز وجل، أن قوم لوط أهلكهم الله عز وجل، ويبْدو أنَّ كُلّ من سار على شاكِلتهم سيُهلكهُ الله عز وجل تحت سمعنا وبصرنا اليوم، ما مِن مجلةٍ إلا وفيها مقالةٌ عن مرض الإيدز! انحلال المناعة، و هذا إهلاكٌ آخر نعيشه نحن اليوم، تحت سمعنا وبصرنا، حتى إنَّ طبيباً حدَّثني أنَّ مريضاً تُوُفِّيَ قبل أيام، وكان سيئ السمعة، بعد تحليل دمه وجدوا انعدام الكريات البيضاء كليّاً! عقابٌ عاجل، مرض الهربز، ومرض الإيدز، الأمراض الجنسيّة كالزُهري والسلس، هذه عقوبات عاجلة في الدنيا قبل أن يأتي عقاب الآخرة ﴿أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾ يحول بينكم وبين هذا العمل؟ أين أنتم؟ وكيف أنتم؟ وسبحان الله ما قرأتُ مقالةً عن مرض الإيدز إلا ووجدتُ أنَّ شُغْل الغربيِّين الشاغل هو البحث عن مصل لإبادة هذا الفيروس، وهم يذكرون في مقدّمة المقال أنَّ أسباب هذا المرض الشذوذ واللِّواط وما شاكل ذلك!! أليس من عُلمائهم في الغرب رجل رشيد؟ فإذا اختلَطَ في مدينة مياه المجاري مع مياه الشُّرْب وأُصيب الناس بأمراضٍ فتّاكة، وهذه الأمراض معْدِية وانْتشَرَت، لم يكن من مسؤوليّ هذه القرية والبلدة إلا أن أوْفدوا إلى أوروبا الأطباء واستخدموا التجهيزات والآلات، هذا عمل مضحك!! فما عليهم إلا أن يمْنعوا اختلاط المياه الآسنة بِمِياه الشرب وانتهى الأمر، هذا هو العِلاج، ولكنّهم لا يفكِّرون فيه إطلاقاً، وإنَّما يُفَكِّرون عن مصْلٍ لإبادة هذا الفيروس، وكان الأولى منْع العلّة من أساسها! 

إذا أحدنا ارتفعَت حرارة ابنه كثيراً، ماذا يفعل؟! إن وضع على رأسه كمادات باردة أو وضعه في غرفة باردة! الحرارة أصلها من الداخل، هناك أسباب داخليّة، هناك التهابات، هناك انتانات، فلا بدّ من معالجتها داخلياً، أن تضع يدك على جبين ابنك هذه أعراض الحرارة، والحرارة أعراض لأمراض كثيرة، فالبحث عن عِلَّة الحرارة هو التشخيص الصحيح، ولكنّ تسّكينها لا يُسمَّى علاجاً، فالقضيّة أعقد من ذلك.

﴿ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) ﴾

[  سورة هود  ]


جواب السفهاء : وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ


هنا قال بعض المفسِّرين أنَّهم طلبوا بعض بناته فرفض، ومن عادات بعض الشعوب قديماً، أنَّ الأب إذا رفض تزويج ابنته لا يحقّ للخاطب أن يعيد خِطبتها مرَّةً ثانية ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾ نريد الفاحشة، نريد الاعتداء على هؤلاء

﴿  قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ(80)  ﴾

[ سورة هود  ]


لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ


1 ـ أمنية لوط في تلك الساعة الحرجة :

تمنَّى هذا النبي الكريم أن يكون من بين هؤلاء من يعينه عليهم ليثنيَهم عن مُرادهم، ويحول بينهم وبين فعْلتهم الشنيعة ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾

2 ـ يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ :

النبي عليه الصلاة والسلام لما تلا هذه الآية: ﴿ أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ قال :

(( يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لقَدْ كانَ يَأْوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، ولو لَبِثْتُ في السِّجْنِ ما لَبِثَ يُوسُفُ، ثُمَّ أتانِي الدَّاعِي لَأَجَبْتُهُ.))

[ متفق عليه  ]

3 ـ الله عز وجل هو الركن الشديد :

الله عز وجل هو الركن الشديد، فالقصد أنَّ الإنسان قويّ بأخيه، وهو كان ضعيفاً في قومه، استضعفوه، ولم يجدْ واحداً منهم ينْهاهم للكف عن فعْلتهم، فتألَّم أشدَّ الألَم، وقال: لو أنَّ لي بكم قوّة!! لو كُنت ذا عشيرةٍ، أو قوّة أستخدمها لتحول بيني وبينكم، ولكنّ هو في الحقيقة آوى إلى ركن شديد، لقد أوى إلى الله سبحانه وتعالى، والدليل ما سيأتي بعد ذلك.

الحكمة من عدم إخبار الملائكة لوطا عن أنفسهم :

والآن هناك سؤال يطرح نفسه: لو أنَّ هؤلاء الضيوف حينما دخلوا عليه قالوا له: نحن ملائكة، ولا تخْشَ أحداً، ما الذي يحدث؟! لا تبدو غيرتهُ ولا يبدو حرصُه لا يبدو وفاؤُه، لا يبدو صبرُهُ، لا يبدو ورَعُهُ، لا تبدو رحمته، كلّ هذه الصفات الراقية لا تبدو، لكنّهم أخَّروا هذا الخبر إلى الوقت العصيب، ففي بعض التفاسير أنَّ قومه أرادوا أن يدخلوا عليهم عُنْوةً، خرجَ إلى قومه يجادلهم ويناقشهم، ويدعوهم إلى ترْك هذا العمل القبيح، لكنهم استمروا في ضلالهم إلى أن تكاتفوا وهمُّوا أن يدخلوا عليه عنوَّةً بالقوّة، هنا الوقت العصيب وهنا العُقدة، يبدو أنَّهم أزاحوه جانباً وحطَّموا الباب، ودخلوا على هؤلاء الملائكة، وهم يبْغون أن يفْعلوا معهم الفعل القبيح، عندئذٍ قال هؤلاء الضيوف: 

﴿ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) ﴾

[ سورة هود  ]


قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْك


1 ـ حقيقة الضيوف :

نحن لسنا أشخاصاً عاديِّين، نحن ملائكة، لن يصلوا إليك ﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ ﴾

2 ـ ساعة الهلاك :

فأوحى الله تعالى له أن خُذْ أهلكَ ومن آمنَ معك بِقِطْعٍ من الليل، أيْ في منتصف الليل الثاني ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ﴾ إياكم أن تلتفتوا إلى متاعكم إلى بيوتكم، أو إلى قومكم الهلكى ﴿ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ﴾

3 ـ معنى الاستثناء : إِلَّا امْرَأَتَكَ 

هنا تفسير دقيق جدّاً، المعنى الأول: فأسْرِ بِأهلك إلا امرأتك، والمعنى الثاني: ولا يلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتك، ولإيضاح المعنى الثاني يقول: إنَّ هذا النبي الكريم أمر أهله إذا ساروا بقِطع من الليل أن يتَّجهوا نحو القرية الثانية دون أن يلتفتوا، لكنَّ امرأته سارت معهم، فلما سمعَتْ وقْع الحجارة على قومها الْتفَتَتْ فأصابها حجرٌ فقتلها ﴿ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ﴾

4 ـ إيّاك أن تحب عير المؤمنين :

التفاتها إلى قومها تعبيرٌ عن اتِّجاهها إليهم سابقاً وتعاطفها معهم وحبّها لهم، فهذه امرأة لوط لا تحبّ الانحراف، ليس في مصلحتها أن يكون الرجل منحرفاً، ولكنّ تعلّقها بقومها و حُبها لهم جعلها تهلكُ معهم ﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾

الليل مـهما طال  فلا بدّ من طلوع الفجر

والعمر مهما طال  فلا بدّ من نزول القبر

﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) ﴾

[ سورة هود  ]


جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا


1 ـ احذروا سخط الله وغضبه :

نسمع الآن قرية في سفح جبل والثلج على الجبل بارتفاع خمسة أمتار ثار بركاناً فجاءت الحمم مع السيول الجارفة فأهلكتْ أربعين ألف في يومين!! كولومبيا، وقبلها المكسيك، قال تعالى: 

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)  ﴾

[ سورة الأنعام  ]

كما قال تعالى : 

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(112) ﴾

[ سورة النحل ]

﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾   عُلماء الفقه استنبطوا من هذه الآية أن الذي يثبُت عليه عمل قوم لوط يقتل بطرائق عدة، أحدها أن يُلقى من رأس جبل، لأن هذا انحرافٌ خطير جداً  

2 ـالله عذب قوم لوط :

إلا أنّ بعض الدوَل ومنها المتقدمة حضارياً أباحت اللّواط، وجعلته عملاً لا يعاقب عليه القانون!! ﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ(81)فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ .

3 ـ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ

(سجّيل) إنه الحجر القاسي الصَّلْب، و ( منضود) أي متتابع كأنهما المطر، قال تعالى :

﴿ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) ﴾

[ سورة هود  ]


معنى : مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّك


1 ـ المعنى الأول :

لها معنيان، المعنى الأول أنَّ لها شكل خاص، فليست هذه الحجارة من حجارة هذه البلاد، بل حجارةٌ خاصة من السماء.

2 ـ المعنى الثاني :

وبعضهم قال أن كلّ حجر عليه اسم من سيصيبه ويقتله! هذا لفلان وذاك لفلان، وهذا هو معنى مسوَّمة، وعند الله تعالى لا تجد الغلط، فهذه الشظيّة لفلان، وتلك لفلان

((  لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ  ))

[  أحمد  ]

﴿ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ﴾  فلا ظلم ولا خطأ ﴿ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾


قاصمة الظهور : وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ


أما هذه الآية فإنها تقصم الظهور، فهذا الذي حدث لِقَوم لوط، لكنّ هذه الحجارة ما هي من الظالمين بِبَعيد، أيْ كلّ من سار على نهْجهم، وانْحرفَ انْحِرافهم، سيأتيهم نوع من الحجارة كذلك، فقد تكون شظايا وقد تكون حجارة وقد يكون مرضاً داخلياً، وهذا ما نراه ويقع تحت سمعنا وبصرنا، إما حجارة من السماء كما فعل الله بقوم لوط، أو دمار ببراكين أو زلازل، أو أمراض داخليّة فتاكة، وما هي من الظالمين ببعيد.

حدّثني أخ أنَّه كان في قرية من القُرى رجل شاذّ أخلاقياً، كلّما سافر رجل من أهل هذه القرية تسوَّر جدار منزله ونزل على أهل بيته واغْتصَبَهم، كان شرِّيراً، وكان مجرماً، إلى أن أُصيبَ بِمَرضٍ خبيث في العضو الذي يستخدمه للزنا، إنه مرض السرطان ﴿ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ فالإنسان عندما ينحرف يجب أن يتحمل، فهو مخيّر في الانحراف أو عدمه، أما إذا انحرف فهو ليس مخيّر في ردّ العقاب أو عدم ردّه!! وهذا تحت سمعكم وبصركم، الأمراض الفتاكة والعقوبات العاجلة، هناك أفعى يُقال لها أفعى الزنا، رأيتها مكبّرة بثلاثمائة وستِّين ألف مرة في صورة المجهر الإلكتروني، هذه تدخل من دون إحداث أيّ شيءٍ، وهي تتوضَّع بالجسم، فإذا استقرَّت بالدِّماغ يحدث خلل فيه، وخُمس النُزلاء في مصح الأمراض العقليّة مُصابون بالزهري في الدماغ من جرَّاء الزنا، وإن توضَّعت بالعين تُسبِّب العمى، وهذه عقوبات عاجلة للإنحراف 

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا(32) ﴾

[ سورة الإسراء  ]

والشيء الغريب الذي يأخُذ بالألباب أنَّه لم يثبُت في العالم كلّه أنَّ إنساناً أُصيب بمرض جنسيٍ من جراء الزواج، الزواج علاقة طاهرة وعلاقة مشروعة وعلاقة قدّسها الله سبحانه وتعالى.

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور