وضع داكن
28-03-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 45 - وسائل تربية الأولاد -15- التربية بالتحذير - 1 التحذير وسيلة فعالة في التربية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة الكرام، لازلنا في تربية الأولاد في الإسلام، لازلنا في الجزء الثاني في الوسائل الفعالة لهذه التربية، من تعويد وتلقين، إلى موعظة، إلى ملاحظة، إلى عقاب، إلى ربط، إلى تحذير.

التحذير وسيلة فعالة من وسائل التربية في الإسلام:

 محور الدرس اليوم التحذير، كوسيلة فعالة من وسائل التربية في الإسلام.
 أيها الأخوة، هناك أب يصمت، لا يحذر، لا يبين، لا يوضح، يأتي يأكل ويشرب وينام، أما هذا الابن لم يسمع من أبيه كلمة واحدة أن هذا الشيء يا بني مؤذٍ، أن هذا الشيء حرام، وأن هذا الشيء مدمر، وأن هذا الشيء يخدش سمعتك، وهذا الشيء يغضب ربك، فالمربي ينبغي أن يحذر، والمعلم ينبغي أن يحذر، والأب ينبغي أن يحذر، والداعية ينبغي أن يحذر، ينبغي أن تنطق، أن تنبه، لأن الإنسان يحتاج لمن يعلمه، ومفتاح العلم السؤال، وأن هذا الابن لم يسألك، لم ينتبه إلى هذا الشيء أنه حرام، هذا ميسر مثلاً، يلعب مع رفاقه بالميسر دون أن يشعر، على شيء بسيط، لكن هذا الشيء ينمو ! وصف

أحدهم داء القمار قال:

هو الداء الذي لا برء منه                وليس لذنب صاحبه اغتفار
تشاد له المنازل شاهقات                 وفي تشييد ساحتها الدمار
نصيب النازلين بها سهاد                 وإفـلاس فيـأس فانتحار

***

 يبدأ القمار من لعب الشدة على مبلغ معين، ويكبر، فإن لم يتلقَ الابن تحذيراً من والده، لم ينبهه، هذه الجلسة لا تليق بك يا بني، المؤمن الكامل لا يجلس هذه الجلسة، هذه النظرة، السير بهذه الطريقة، فالأب المؤمن دائماً وأبداً يحذر ابنه من شيء لا يرضي الله عز وجل، الحقيقة مرة كنت في بلد بعيد باستراليا فالتقى بي إنسان مقيم هناك، والله أيها الأخوة يكاد يذوب قلبه ألماً وكمداً من ابنه، يا بني هذا حرام، فيقول له: why حرام ؟ لأنه غفل عنه لفترة طويلة، فلما بدأ يبين له كان قد تجاوز حد التربية، إلى عادات ألفها وأصبحت جزءاً من حياته، فالأولى من الأب أو الداعية أو المرشد أن يكون عنده تحذير دائم لمن حوله، من أشياء هي محرمة، مؤذية، مؤلمة، لا تليق، لا تجوز، ليست مقبولة.

الدليل والتعليل مهم جداً في شأن التربية:

 

 لكن دائماً إذا قلت له هذا حرام ! أنا أرى أنه لا يكفي أن تقول حرام، حرام لأن الله نهى عنه، هذا دليل نقلي، وقد يحتاج إلى دليل عقلي، أنت لاحظ النبي عليه الصلاة والسلام:

(( إِنَّ فَتًى شَابّاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ ))

[أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ]

  إن كان الله في عليائه يُعَلِّم، يقول مثلاً:

 

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ (103) ﴾

 

(سورة التوبة )

الإله يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾

(سورة البقرة )

 الذي من شأنه أن نعبده فقط، ومن شأنه أن يأمر، ومع ذلك يعلل لنا أحكامه، فأنت حينما تحذر ينبغي أن تأتي بالدليل، والدليل فيه احترام للشخص، فإن لم يكفِ الدليل النقلي بالنسبة لهذا الذي تربيه ادعمه بالدليل العقلي، والدليل الواقعي، والدليل الفطري، فكلما أكثرت من الأدلة تحترم هذا الإنسان، تحترم عقله، تحترم فطرته، تحترم إمكاناته، لذلك الدليل والتعليل مهم جداً في شأن التربية.

 

القرآن الكريم كله يقوم على التحذير:

 

 

 أيها الأخوة، التحذير مع التعليل، التحذير مع الدليل، التحذير مع تنوع الدليل، أحياناً أقول لك هذا السلوك محرم بدليل قول الله عز وجل، بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام، بدليل أن الفطرة تأباه، أضرب لكم مثلاً، بدليل أن العقل يرفضه، بدليل أن الذي يفعل هذا يسقط من عين الناس، فلذلك الأبوة مسؤولية، والتعليم مسؤولية، والمدرس مسؤول، والموجه مسؤول، وكل راعٍ مسؤول عن رعيته، هناك من يتفلسف ويقول: يا أخي منهج التربية الحديث يقوم على التحذير، من قال لك ذلك ؟ القرآن كله يقوم على التحذير قال تعالى:

﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) ﴾

(سورة الإسراء )

 وقال:

 

﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) ﴾

 

(سورة الإسراء )

  وقال:

 

﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾

 

(سورة الإسراء )

التحذير منهج قرآني:

 قال تعالى:

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (34) ﴾

 وقال:

 

﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (36) ﴾

 

(سورة الإسراء )

  هذا تحذير، النهي تحذير، مثلاً بشكل مبسط جداً إذا وجد تيار عالي التوتر من واجب الدولة أن تكتب: ممنوع الاقتراب من التيار، خطر الموت، يرسمون جمجمة وعظمتين، هذا الشيء طبيعي، أحياناً يقول لك منعطف خطر، تقاطع خطر، يوجد مئات التحذيرات في الطرقات العامة، هذه رحمة، والمربي رحيم أيضاً، كما أن الدولة تحذر المواطنين من تقاطع خطر، من منحدر خطر، احذر انزلاق مثلاً راجع المكابح، بالنشرات الجوية احذروا الصقيع، انتبه إلى مسَّاحات الزجاج، هذه كلها تحذيرات، الدنيا كلها تقوم على التحذير، حتى في الآلات، مثلاً آلة 110 فولت يكتب عليها تنبيه: انتبه 110 فولت، لئلا تحرقها مثلاً، لذلك التحذير منهج قرآني:

 

﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً(37) ﴾

 

(سورة الإسراء )

إذا تناقض الإنسان سقط من عين من يربيه:

 سيدنا أَبَا بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْه يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ مُجَانِبٌ لِلْإِيمَانِ ".
 والنبي عليه الصلاة والسلام في سنته المطهرة يقول:

(( إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ ))

[مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ]

(( يَأْثُرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا أخواناً، وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ))

[البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

  وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: " إياكم وزي الأعاجم."
 وقد ورد أيضاً:

 

(( إياك وقرين السوء فإنك به تعرف ))

 

[رواه ابن عساكر عن أنس]

(( اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ))

[أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]

  إذاً منهج الله عز وجل في قرآنه، ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في سنته قائم على التحذير، ولكن أنت حينما لا تأتمر بما تأمر، ولا تنتهي عما تنهى، لا وزن لتحذيرك ولا لتوجيهك، لسان حال من يقول لك احذر يقول لك: يا طبيب طب لنفسك، حالات كثيرة الطفل يراها، الطفل يرى أباه يكذب ثم ينهاه عن الكذب، يرى أباه يدخن ثم ينهاه أن يمسك هذه اللفافة، يرى أباه ينظر ملء عينه لامرأة لا تحل له ثم يأمر زوجته أن تغض بصرها، التناقض يراه الابن، وإذا تناقض الإنسان سقط من عين من يربيه، سقوط الإنسان من عين الناس شيء كبير، لكن سقوط الإنسان من عين الله شيء أكبر، لأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتتحطم أضلاعه خيرٌ له من أن يسقط من عين الله، إذاً القرآن مفعم بألوان وعدد كبير جداً من التحذيرات، إذا كان هذا منهج الله في معاملة عباده فأنت أيها الأب وأنت أيها المعلم وأنت أيها الداعي ينبغي أن تحذر، أي إنسان أتى بموظفة مثلاً والموظفة متفلتة، وهي راغبة في أن تلفت نظر من حولها إلى مفاتنها، وعندك شباب، وجاءك إنسان محب ينبغي أن يحذرك من هذا، هذه مظنة، فتنة كبيرة في المعمل، أو في المكتب، فإذا بقي ساكتاً فهو شيطان أخرس.

 

أول قضية تحذيرية تعد من أول مقومات هذا الدرس هي التحذير من الردة:

 

 يجب أن تأمر بالمعروف لكن بلطف، من دون فضيحة، بينك وبينه، على انفراد بيِّن له مضاعفات هذا العمل، أديت الذي عليك وبقي لك الذي عند الله، أديت الذي عليك سواء استجاب أم لم يستجب، ارعوى أم لم يرعوِ، أنت أديت الذي عليك، لك ابن وجهه، بيِّن له بأدب، بلطف، بترفق، لكن إن لم يستجب هذه مشكلته.
 لنبدأ بأول قضية تحذيرية هي تعد من أول مقومات هذا الدرس، التحذير من الردة والعياذ بالله، كلمة الردة كلمة كبيرة جداً، تقابل الهلاك، لكن يوجد أنواع مخففة لا تعد ولا تحصى كلها ارتداد عن الدين، دون أن تشعر، وأنت صائم مُصلٍّ، وأنت ترتاد المساجد، لأن الله عز وجل قال:

﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) ﴾

(سورة يوسف)

  هذا الشرك الخفي، وأخطر شيء الشرك الخفي، أخطر مرض الذي لا أعراض له، أما أي مرض له أعراض تتنبه بوقت مبكر جداً، أما المرض الذي ليس له أعراض فهذا أخطر الأمراض، فلذلك الردة بالمعنى الضيق توجب عقاباً أليماً عند الله، بل إن الردة بمعناها الواسع تشمل أشياء كثيرة، مثلاً المناداة بأفكار ومبادئ تصرف المسلم عن أن يكون الله سبحانه وتعالى هو مقصوده ومعبوده، يقول لك: التنمية، أصبحت التنمية إلهاً يعبد من دون الله، العمل العَمل، قضية صلى أم لم يصلِّ، ضبط أموره، أكل حراماً، أودع ماله ببنك ربوي، أخذ فائدة، عمل اختلاطاً، عمل إعلانات فاضحة على الشاشة، المهم أن يعمل لأن العمل عبادة، أنت الآن طرحت ديناًَ جديداً، بدل أن تعبد الله تعبد كسب المال، تعبد التنمية، تعبد العصرنة مثلاً، أشياء لم تكن من قبل، فحينما تنادي بقيم جديدة، وشعارات جديدة، ومبادئ جديدة تصرف الإنسان عن أن يكون عبداً لله، وعن أن يكون الله مقصوده ورضاه مطلوبه، فهذا نوع من الارتداد المخفف، أصبح هناك هموماً أخرى غير همّ أن تكون مؤمناً، صار هناك همّ كسب المال، لو أن همّ كسب الله فقط وفق منهج الله لا شيء عليه، المال قوام الحياة، لكن كسب المال دون أن تنتبه إلى منهج الله إطلاقاً، يقول لك: لا تدقق، العبرة أن ننجح، ذكرت منذ يومين فكرة أرجو أن تكون واضحة اليوم، أنا أقول الطرف الآخر كعبارة ملطفة عن الكافر، الطرف الآخر لا منهج له، ولا يوجد عنده حرام، ولا يوجد عنده لا يجوز، فلذلك مناورته واسعة جداً، ومناورته واسعة جداً حتى أنه يبدو أقوى من المؤمن، وهذه القوة ليست وسام شرف له بل وصمة عار عليه، أي أنت ممكن أن تغش الناس جميعاً من أجل أن تربح، الغش عنده ليس بمشكلة، يغشهم، ممكن أن تكذب لتربح، الكذب ممكن أن يكون في سبيل الربح، ولا سيما من يؤمن أن الغاية تبرر الوسيلة، المؤمن لا يطرح فكرة، لا يضع هموماً غير الهموم التي جاءت في القرآن والسنة.

 

طرح الشعارات والمبادئ ينبغي أن يكون من القرآن الكريم والسنة النبوية:

 

 الآن إذا طرحنا أفكاراً ليست إسلامية، مبنية على التعصب، على الإقليمية، مبنية على قيم أخرى لم تكن من قبل، هذه الشعارات، وهذه المبادئ ينبغي أن تكون من جو القرآن الكريم، من جو السنة النبوية، حينما تطرح مثلاً موضوعاً آخر، مرة أحد الشعراء قال:

سلام على كفر يوحد بيننا                وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

***

 

 

هذا قد أصبح فكراً آخر، والدين لا قيمة له، في مطلع عصر النهضة الناس مأخوذون بالغرب، منبهرون به، إلى درجة أنهم نسوا دينهم، ونسوا قيمهم، إذاً من مظاهر الارتداد غير الصارخ المعلن أن يكون لك همّ آخر، ومبدأ آخر، وقيم أخرى بعيدة عن جو الإسلام، أحياناً تكون هناك مبادئ براقة جداً، الإنسانية مبدأ براق جداً، لكن هذا المبدأ قد يصرفك عن شؤون دينك، أنا إنساني، لكن مؤمن إنساني أم فاسق إنساني !! لا يوجد عنده شيء اسمه حلال أو حرام، والآن يوجد فكرة عجيبة، يقول لك: إيمانه بقلبه، والله من أيام حدث أن رأيت امرأة ترتدي أشد أنواع الثياب فضحاً ولا يفوتها فرض صلاة، حتى أن التي ترقص تقول: الله وفقني بهذه الرقصة، يوجد تناقضات عجيبة جداً، أشياء تدعي أنها إنسانية وهي ليست كذلك، والله سمعت خبراً من أغرب الأخبار، أنه بدولة إسلامية قريبة من العراق قواعد تابعة لدولة كبرى، يستعد من فيها ويعملون ليلاً نهاراً استعداداً لضربة قاسمة، النساء نشأ عندهن وقت فراغ كبير فأردن أن يشغلنه بعمل إنساني، أنا كلمة إنساني استوقفتني ما هذا العمل الإنساني الذي أرادت النساء أن تستهدفه ؟ إنه تعلم الرقص الشرقي، هذا هو العمل الإنساني الذي أرادت النساء أن يملأن به أوقات فراغهن لأن أزواجهن مشغولون في الإعداد لضربة قادمة.

العبرة ليست لما يقوله الإنسان بل لما يفعله:

 الشعار سهل جداً، أي لا يوجد إنسان مجرم في الأرض إلا ويرفع كلام مقبول، قال:

﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) ﴾

(سورة غافر)

  الإنسان منطقي ممكن أن يعبر عن أسوأ نواياه، وعن أكبر جرائمه بغطاءٍ ثانٍ، فالعبرة ليست لما يقوله الإنسان بل لما يفعله، لو أن الصياد وهو يذبح العصفور سقطت من عينه دمعة فيقول الإنسان: ما شاء الله ما هذه الرحمة ؟!! عينه على الدمعة، انظر إلى السكين !! لا تنظر إلى دمعة عينه بل انظر إلى السكين التي يقطع بها أضلاع هذا الطائر، هذا أول شيء، أي أن تطرح فكراً آخر، أساساً يوجد آية دقيقة جداً:

 

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) ﴾

 

(سورة الإسراء )

 إذاً كل جهد الطرف الآخر هو لشيء آخر غير ما جاء الله به، هذا التقييد غير معقول، لا بد من إعطاء الوقت قيمة في الربح، كلام منطقي، لا بد من التفريق بين الربا الاستغلالي، والربا الاستثماري، الله عز وجل لم يفرق:

 

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا (276) ﴾

 

(سورة البقرة )

  مادام لم يفرق فيوجد تحريم مطلق، لأنه لو جاء بالتحريم مع علة فالتحريم يدور مع العلة، فإن وجدت وجد، وإن اختفت اختفى، تحريم مطلق، إذاً هذا أول نوع من أنواع الارتداد، هذا يحتاج إلى توجيه، قال لي أحدهم اليوم: أنا لا أؤذي أحداً، هو في جامعة ونجح، قلت له: بربك لو أمضيت أربع سنوات في الجامعة ولم تؤذِ أحداً حولك هل تنجح ؟ القضية ليست سلبية، لا أؤذي أحداً، ولكن لا بد من إيجابيات، أنت معد لمهمة، فإن أنت من دون مهمة وهدف وقلت لا أؤذي أحداً يكفي، ولكن طالما أن لك هدفاً ومهمة وأنا لا أؤذي أحداً هذا غير كافٍ.

 

من مظاهر الارتداد إعطاء الولاء والمحبة والطاعة لغير الله:

 

 

 الآن هنالك شيئان، أنا لا أؤذي أحداً وإيماني بقلبي افعل ما تشاء، طبعاً نحن في عصر الدبلوماسية، عصر اللطف، عصر الاعتذار، ابتسامة صفراء، مصافحة حارة وفي الداخل يوجد كيد، عصر نفاق، عصر ازدواجية، يبتسم لك ويكيد لك، يراوغ كما يراوغ الثعلب، يصافحك بحرارة وقد يعانقك، ويدبر لك خطة مدمرة، فلا يكفي أن تقول: لا أؤذي أحداً، أنت بمهمة، أنت بمدرسة، لا يكفي أن لا تؤذي رفاقك، لا بد من أن تدرس.
 الآن من مظاهر الارتداد إعطاء الولاء والمحبة والطاعة لغير الله، الولاء أي الإتباع، الولاء يعني حباً، الولاء يعني الاسترشاد، الولاء يعني اهتداء، من هو وليك ؟ من تراه كبيراً ؟ من تراه مفلحاً ؟ أهل الدنيا ؟ الغرب ؟ بإباحيتهم، بشذوذهم، بانحرافهم، بأكلهم الربا، بعدوانهم على الشعوب، هؤلاء عندك كبار ؟ لا والله ليسوا كباراً أبداً، هم صغار لأنهم عبء على البشرية وليسوا في خدمتها، فالولاء الحب، الولاء الإتباع، الولاء التقدير:

(( من هوى الكفرة فهو مع الكفرة و لا ينفعه من عمله شيئاً ))

[السيوطي عن جابر]

  إعطاء الولاء والمحبة والطاعة لغير الله، لكن حتى أكون دقيقاً معكم لا بد من استثناء واحد، لو إنسان غير مسلم أحسن إليك، أو كان منصفاً معك، أو خدمك، فأنت بحكم إنسانيتك، وبحكم فطرتك تحبه، أنا أطمئنك أن هذا الحب لا علاقة له بالولاء والبراء، هذا حب فطري، وفي الحديث القدسي الوارد في الأثر:

 

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها.))

 

[ورد في الأثر]

 لو أن لك قضية عند قاضٍ غير مسلم وكان حكمه عادلاً، وكان خصمك قوياً جداً وغنياً جداً، وأغراه بأشياء كثيرة، وحكم بالعدل، أنت تحبه قطعاً وإذا أحببته لست مخطئاً، إنك تحب الكمال الذي فيه، تحب عدله، تحب إنصافه، تحبه لأنه رفض الإغراءات، هو له مواقف معينة، هو يرى ذلك، هو قاضٍ، فإن جاءك خير من إنسان غير مسلم وبغير قصد فتنك، أي بريء.
 أحياناً يكون هناك مطب أو طُعم، إذا كان هذا الخير طعماً أو مطباً هذا موضوع آخر، أما إن كان خيراً عادياً مبنياً على كرم الأخلاق فلا مانع، إن الله يحب معالي الأمور.

 

آيات من القرآن الكريم عن الارتداد:

 

 شيء آخر:

﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) ﴾

(سورة الجاثية)

  وقال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإخوانكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) ﴾

 

(سورة التوبة)

 وقال:

 

﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (22) ﴾

 

 

(سورة المجادلة)

 

مظاهر أخرى للارتداد:

 أخواننا الكرام عندي موضوع أرجو الله أن أوفق إلى توضيحه، أول شيء الولاء والبراء، إن كنت موالياً للمؤمنين ولأهل الحق، وجاءتك شبهة كبيرة لأنك توالي أهل الحق، توالي القرآن، تراجع نفسك لعل هذه التهمة غير صحيحة، لعلها افتراء، لعلها كيدية لا تقبلها فوراً، من كان ولاؤه للطرف الآخر يقبل أية شبهة، يقبل أي تهمة، يقبلها من دون دليل، فالدليل على ولائك للدين أنك لا ترضى أن يكون هناك سلبيات في الدين، تبحث عنها وتحاول أن تزيلها، تحاول أن ترد عليها، تحاول أن تحقق في الأمر، رجل قيل عن والده أنه مخطئ، والابن بار، فيتأكد، يطلب الدليل، يسأل والده، أما قبل عن والده تهمة كبيرة ولم يسأل ولم ينفيها عنه، فرح، فهذا معناه أنه ليس ابنه، معنى هذا أنك لست ابنه، رجل اتهم والدك بالسرقة، ووالدك محترم جداً، وأنت لم تُبال ِ، يجب أن تخرج من جلدك، تدافع عنه، تحقق، تطلب الدليل، تسأل والدك، هذا هو الولاء، لكن لا يوجد ولاء أبداً، أي تهمة ألصقت بالدين تقبلها ببساطة، إذاً لا يوجد ولاء، من مظاهر الارتداد الموسعة أن تعلن أنك لست مسلماً، لكن من مظاهر الارتداد المخفف كراهية شيء في الإسلام، أنا أكره الحجاب، هذا ارتداد، لكن موسع، أنا أكره نظام الزكاة، أنا أكره صلاة الفجر، يا أخي صعبة، رجل ينام في منتصف الليل استيقِظ وتوضأ وصلّ، هناك من يقول ذلك، أنا أكره غض البصر، أنا أكره الحج، كثير من الناس قد حجوا فيقول لك: والله لو مدوا لي السجاد فلن أعيدها، هذا ارتداد لكن مخفف، أن تكره شيئاً في الإسلام:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) ﴾

(سورة محمد)

من مظاهر الارتداد الاستهزاء بشيء من الدين أو بإحدى شعائر المسلمين:

 أخواننا الكرام هذا الدرس تحذيري، تكره شيئاً في الإسلام ؟! يا أخي ما هذه الأسرة ؟ متزمتة، مكان مخصص للرجال وآخر للنساء، هل سنأكل له زوجته لو جلست معنا !؟ يكره أن يكون هناك فصل، يريد أن يجلس مع الكل، يريد أن يمزح مع الكل، يريد أن يملأ عينيه من محاسن كل النساء، إذا كنت تكره شيئاً في الإسلام، تكره الحجاب، تكره غض البصر، تكره صلاة الفجر، تكره الحج مثلاً، مشكلة، هذا نوع من الارتداد:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) ﴾

(سورة محمد)

  أخواننا الكرام أيضاً من مظاهر الارتداد الاستهزاء بشيء من الدين، أو بشعيرة من شعائر المسلمين، هناك من يحاكي عباده محاكاة شكلية، هناك من يستهزئ بإنسان ورع بغض بصره، هنالك الكثير من حالات الاستهزاء، رجل ورع فيفاجئونه مثلاً، فأي استهزاء أو استخفاف بمظهر إسلامي، أو بعبادة إسلامية، أو بشعيرة إسلامية، أو بشيء إسلامي، هذا دليل الارتداد:

 

﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) ﴾

 

(سورة التوبة )

من مظاهر الارتداد تحريم ما أحلّ الله وتحليل ما حرّم الله:

 عدَّ إلى المليار قبل أن تستهزئ بعبادة أو بشعيرة، هذا دين الله عز وجل، هذه شعائر الله:

﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) ﴾

(سورة الحج)

أحياناً أشخاص كثيرون لا يحلو لهم المزاح إلا على أهل الدين، يقلدونهم في صلاتهم، وفي سلامهم، وفي ورعهم، وفي غض بصرهم، وفي ضبطهم لألسنتهم، يقلدونهم ويستهزئون، يقول الله عز وجل:

﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) ﴾

(سورة المطففين)

 من مظاهر الارتداد عن الدين، تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله:

 

﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) ﴾

 

(سورة النحل)

من مظاهر الارتداد عن الدين أن تؤمن ببعض هذا الدين وأن تكفر ببعضه الآخر:

 من مظاهر الارتداد عن الدين أن تؤمن ببعض هذا الدين وأن تكفر ببعضه الآخر هذه غير معقولة، لا تقنعني، من أنت ؟! هل أنت مشرِّع ؟ هل أنت مخير بالقبول أو بالرفض ؟ يأخذ ما يطرب له، قضايا العبادات تعجبه، أما قضايا ترك الربا لا تعجبه، العبادات تعجبه، أما قضايا عدم الاختلاط لا تعجبه، فلذلك هذا الذي يأخذ ما يعجبه، يأخذ ما كان هيناً عليه، يأخذ ما كان سهلاً، ويرفض ما كان صعباً، هذا نوع من الارتداد المخفف عن الدين، قال تعالى:

﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ (85) ﴾

(سورة البقرة)

من يقتصر على القرآن الكريم دون السُّنة يخالف القرآن الكريم دون أن يشعر:

 يوجد عندنا الآن مظهر خطير جداً لا أدري كيف ينتشر الآن، بشكل مخيف، هذا المظهر الاقتصار بالإيمان بالقرآن الكريم وحده، وجحود السنة النبوية، بدعوى أن هناك أحاديث موضوعة، حسناً إن وجدت أحاديث موضوعة، ووجدت أحاديث ضعيفة هل هذا مبرر أن تنكر السنة ؟ ألم يقل الله عز وجل:

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾

(سورة الحشر)

  ألم يقل الله عز وجل:

 

﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80) ﴾

 

(سورة النساء)

  هذا الذي يقتصر على القرآن الكريم يخالف القرآن الكريم دون أن يشعر، هذا الاتجاه بدأ ينتشر، يسمون الآن القرآنيين، القرآن فقط لا يوجد سنة، حسناً، كيف تصلي من دون سنة ؟ كيف تدفع الزكاة، أنصبة الزكاة، أعطيك ألف سؤال لا جواب له إلا في السنة، يوجد حالات بالفقه النبي حرمها، النبي حرمها والنبي مشرِّع عليه الصلاة والسلام، فالله عز وجل قال:

 

﴿ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ (23) ﴾

 

(سورة النساء )

  ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ؟

 

(( قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: لَا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ ))

 

[البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا]

  معنى هذا أن العمة من الرضاعة لا تجوز، والخالة من الرضاعة لا تجوز، وبنت الأخ من الرضاعة لا تجوز، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، هذا تشريع النبي عليه الصلاة والسلام.

 

كلام النبي عليه الصلاة والسلام مصدر تشريعي:

 

 

 يقول الله عز وجل:

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) ﴾

(سورة النساء)

 القرآن قال:

 

﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ (23) ﴾

 

(سورة النساء)

(( لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلا عَلَى خَالَتِهَا ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

  النبي نهاك عن أن تجمع بين البنت وخالتها، والبنت وعمتها، هذا من تشريع النبي عليه الصلاة والسلام، كلام النبي مصدر تشريعي، والله عز وجل يقول:

 

﴿ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) ﴾

 

(سورة الحشر)

  يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

 

(( أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالاً اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَاماً حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ))

 

[الترمذي عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ]

  هذا كلام النبي، وفي كلام آخر قاله النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، لَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَاناً عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوا ))

 

[أحمد عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ]

  مثله معه السنة المطهرة، مثله معه الحديث، لأنه لا ينطق عن الهوى:

 

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾

 

(سورة النجم)

من مظاهر الارتداد والاستهزاء الغمز بفعل من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم:

 من مظاهر الارتداد والاستهزاء الغمز بفعل من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يقول لك: لا يمكن أن يأخذ السيدة عائشة التي عمرها تسع سنوات، هناك من قال لي ذلك !! من قال لك أنه دخل بها في التاسعة ؟ قال هذا أعداء الدين، حينما تفكر أن تنتقص من قيمة النبي عليه الصلاة والسلام، حينما تفكر أن تنتقض بعض أفعاله، فهذا باب فتح على صاحبه من أبواب الارتداد، اسأل يا أخي، يوجد موقف أثار شكوكك، اختل توازنك معه، اسأل يا أخي، لعل الحديث لا أصل له، كثير من قصص باطلة ليس لها أصل إطلاقاً، كقصة أن النبي عليه الصلاة والسلام مر فرأى باباً مفتوحاً، ورأى امرأة تغتسل، وهي عارية، وهي جميلة جداً، وقعت في قلبه وقال: سبحان الله، فجاء الأمر الإلهي بتطليقها ليتزوجها النبي، هذه قصة من وضع الزنادقة، ولا أصل لها إطلاقاً، والله مئات القصص أيها الأخوة، لا أصل لها إطلاقاً، اسأل ما صحة هذه القصة ؟
 إذاً من مظاهر الارتداد الاستهزاء والغمز بفعل من أفعال النبي عليه الصلاة والسلام، كأمثال من يغمز على النبي في تعدد زوجاته، وقال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) ﴾

(سورة الحجرات)

من مظاهر الارتداد أن تدعي أن للقرآن باطناً وظاهراً وأن الباطن يخالف الظاهر:

 من مظاهر الارتداد أيضاً أن تدعي أن للقرآن باطناً وظاهراً، والباطن يخالف الظاهر، الذي أمره واضح وصريح، الله عز وجل لا يريد هذا من هذه الآية بل يريد شيئاً آخر، هل من المعقول أن تقول لإنسان ائتني بكأس ماء، فجاءك بكأس ماء، وهو بريء ومطيع، فتقول له: ليس قصدي أن تأتي بالماء أصلحك الله، ماذا قلت لي أنت يا سيدي ؟ قلت لي كأس ماء، لا أنا أقصد شيئاً آخر، أنت لم تفهم، هذا الشيء فوق طاقة البشر، أن يقول الله كلاماً له معنىً آخر، له معنىً يخالف ظاهره، لا هذا كلام مرفوض، المطلق على إطلاقه، والظاهر على ظاهره، إلا إذا كان هناك قرينة مانعة من المعنى الحقيقي، أقول في بيتنا زهرة، ليس هذا قصده، بل قصده أن في البيت عالماً يزوره مثل الوردة يا أخي، لا قال لك: في بيتنا زهرة، لو قال لك: في بيتنا زهرة تلعب، معنى هذا الطفل، لأن الزهرة لا تلعب، ( تلعب ) قرينة تمنع ورود المعنى الحقيقي، فإذا كان الكلام له ظاهر واضح نأخذه على ظاهره، لا نأخذه على باطنه، أو على باطن تدعيه أنت، وليس للقرآن الكريم باطن، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ ))

[ابن ماجة عَنْ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ]

من أنواع الارتداد أيضاً ابتغاء الفتنة وإشاعتها في الذين آمنوا:

 أخواننا الكرام من يبتغي الفتنة فهو نوع من الارتداد، يرتاح إذا أشاع الفاحشة في الذين آمنوا، روج قصصاً لا أصل لها، هذا استنساخ ! وكأنه منتصر، ماذا حدث ؟ هذا استنساخ، ها قد ولد طفل من دون أب، كأن الدين قد انتقض، الله قد سمح بذلك، وإذا سمح بشيء على خلاف تصميمه ليكون هذا السماح تأكيداً لتمام تصميمه، إذا سمح بشيء على خلاف تصميمه يثبت بعد حين كمال تصميمه، الله عز وجل حفظ كتابه، وليس معنى حفظ كتابه أنه لا تجري محاولة لتغييره، جرت آلاف المحاولات، ولكن لم تنجح، إذاً عدم نجاحها تأكيد لحفظ الله لكتابه، قرأت خبراً عن بعض البلاد العربية أن تسعة ملايين شاب في الخامسة والثلاثين لا يستطيعون الزواج، بلد فقير، وتعداد سكانه كبير جداً، ويوجد ستة ملايين فتاة تجاوزن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجن، أما طفل الاستنساخ، يوجد مقال لأحد الأطباء ـ وأظنه صادقاً فيما يقول ـ أنه يكلف مئتي ألف دولار، يوجد الكثير من البنات والشباب يريدون الزواج ولا إمكانيات لديهم، ونريد أن ندفع مئتي ألف دولار من أجل طفل بالاستنساخ، وأنا مع ذلك أتمنى بالأخوة الدعاة جميعاً أن يتريثوا، لا تتسرعوا بإصدار الأحكام، أي أن هذا الشيء سوف يكشف خلله بذاته، لا تتسرعوا بإصدار الأحكام، لكن أنا أتألم حينما أرى إنساناً مؤمناً تزلزل إيمانه بالاستنساخ:

﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ (255) ﴾

(سورة البقرة)

  وقال:

 

﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) ﴾

 

(سورة الإنسان)

  يوجد تمازج بين الجينات المذكرة والجينات المؤنثة، بين جينات الحوين وجينات البويضة، وحينما تمتزج الجينات المذكرة والمؤنثة يكون الجنين قد جمع أقوى الصفات:

 

(( اغتربوا لا تضووا ))

 

[قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلا معتمدا. قلت: إنما يعرف من قول عمر أنه قال لآل السائب "قد أضويتم فأنكحوا في النوابغ" رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث، وقال معناه تزوجوا الغرائب قال: ويقال: اغربوا لا تضووا]

 أما إذا أخذنا من ثدي المرأة السحاقية من دون مواربة قطعة من ثديها وزرعناه في رحمها هذه التي ولدت ليست ابنتها إنها أختها، وكل الصفات السلبية الموجودة في الأم تزداد في أختها، لأنهم يغيرون خلق الله عز وجل، طبعاً حرمه المسلمون وغير المسلمين والأنظمة العلمانية.

 

آخر مظهر من مظاهر الارتداد عدم معرفة الله المعرفة الصحيحة:

 

 هناك أخطار لا يعلمها إلا الله، لكن قضية تحدٍّ، فابتغاء الفتنة، يا أخي تقول: أنه يعلم ما في الأرحام، ها قد عرفوا الآن على الإيكو ذكر أم أنثى، الله قال:

﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ (34) ﴾

(سورة لقمان)

 لم يقل من في الأرحام، يوجد ألف صفة في الخارطة الجينية لا يعلمها إلا الله، مرة قال لي أحدهم: يعرفون ماذا في الجنين، ذكر أم أنثى ؟ قلت له: أنا أعرف. قال: ما هذا الكلام ؟ قلت له: والله أنا أعرف. قال: كيف ؟ قلت له: إما ذكر أو أنثى.
 من مظاهر هذا الارتداد أيها الأخوة ـ وهذا آخر بند وقد أطلت عليكم ـ عدم معرفة الله المعرفة الصحيحة، أن تعرف أسماءه الحسنى، وصفاته الفضلى، أن تعرف ما يليق به وما لا يليق به، أن تعرف شيئاً عن كمالاته، شيئاً عن كمالات الأنبياء، معك تفاصيل، أحياناً الإنسان يترضى عن عنترة أحياناً، كم هو جاهل حينما يترضى عن عنترة، لو قال: عنترة العبسي رضي الله عنه !! هل هو متعمق بالدين ؟ يوجد أشخاص هكذا، رجل أدى فريضة الحج، وهو راجع في الطائرة وهو ذو مكانة مرموقة في بلده قال: والله شيء ممتاز يوجد خدمات رائعة، ولكن لو فعلوه ـ أي الحج ـ على خمسة دورات لكان أكثر راحة، أي كل شهرين موسم، هل هذا متعمق بالدين ؟ وهل يعرف أحكام الحج، وأحكام فرضية الحج، وأحكام مناسك الحج، مثلاً:

 

﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ﴾

 

(سورة آل عمران )

التحذير يقابل الربط:

 هناك من يقول ذلك، قالها اليهود:

﴿ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ (181) ﴾

(سورة آل عمران )

 فهم ضيق:

 

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً (11) ﴾

 

(سورة البقرة)

  ظن أن الله فقير يطلب منا القرض الحسن، فإن كان الإنسان غير متبحر، أو ضعيف الإدراك، يرى وجود متناقضات كثيرة جداً، فأيها الأخوة هذه أشياء ينبغي أن نُحذِّّر منها طلابنا، وأن نحذر منها من نعلمهم، وأولادنا، فالأب ينبغي أن لا يسكت لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ناقش ابنك، اسأله، أما إن تركته فوعاؤه فارغ يملأ بالباطل، ملئ بالضلال، ثـم تفاجأ أن ابنك ليس على ما ينبغي أن يكون، أو تلميذك ليس على ما ينبغي أن يكون، لا تحذره إطلاقاً، فالتحذير يقابل الربط، كما أنني في الدرس السابق دعوت إلى أن تربطه بالدعوة والدعاة، أن تربطه بشيء يشغله وينفعه، أن تربطه بالدين والقرآن، الآن أن تحذره من أكبر شيء يهدد هذا الدين هو الارتداد.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور