وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 09 - سورة يوسف - تفسير الآية 101 أدب الأنبياء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه  ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

كمال سيدنا يوسف وأدبه الرفيع :


سيدنا يوسف لكماله ولأدبه الرفيع لم يقل : وقد أحسن بي إذ أخرجني من البئر ، لا ، ترك هذه ، بل قال : ﴿ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ ﴾ ، وقال بعضهم : كان البئر أهون عليه من السجن لأنه كان في البئر مع الله ، وكان في السجن مع الوحوش ، وفي السجن مصيبتان أنك تفقد حريتك ، هذه مصيبة أولى ، والثانية تجلس مع أناس دونك بكثير ؛ مع سارقين ، مع محتالين ، مع شاربي خمر ، مع لوطيين ، شيء صعب جداً .

بعضهم قال : كان في البئر مع الله ، وفي السجن مع اللصوص ، وكان أسعد في البئر منه في السجن ، هذا توجيه آخر ، ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ ﴾ من نعمة  الله عز وجل أن يكون الإنسان في مكان فيه مجلس علم ، لأن مَن بدا جفا ، البادية أجمل ، الريف أجمل ، لكن ليس هناك مجالس علم ، لو أن أحدهم أخذ بيتاً بمكان جميل ، وسكن فيه ، وانقطع عن الحق فهو الخاسر الأكبر ، من بدا جفا ، أي في أية قرية أو مدينة فيها مجلس علمٍ فالسكنى فيها أولى ، ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ أي الله عز وجل على المدى البعيد ، سيدنا يوسف كان في البئر فصار عزيز مصر ، ليس بين عشية وضحاها ، لا ، وإنما خلال أربعين عاماً ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ :

﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) ﴾

[ سورة العنكبوت ]

لا تستعجل ، لأن من تعجل الأمر قبل أوانه عوقب بالحرمان .

 

الجنة مطمح كل مؤمن :


 ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ عندئذ التفت هذا النبي الكريم إلى الله عز وجل وقال : ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ قال بعضهم : لقد تمنى لقاء الله عز وجل وهو في أوج ملكه .

سيدنا عمر بن عبد العزيز قال مرة : تاقت نفسي إلى الإمارة ، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الخلافة ، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الجنة ، أي مطمح المؤمن دخول الجنة ، فإذا أمضى حياته في طاعة الله ، أمضى حياته في الدعوة إلى الله ، بذل من ماله ، ومن وقته ، ومن جهده في سبيل الله فلا شيء أحبّ إليه من الانتقال إلى الدار الآخرة .

لذلك سيدنا أبو سفيان بن الحارثة حينما كان على فراش الموت بكى أهله فقال : << لا تبكوا عليّ ، فو الله ما عصيت الله منذ أسلمت ، لا تبكوا عليّ ، أنا في جنة >> ، أي ساعة اللقاء عند أهل القرب لا تعدلها ساعة ، ساعة اللقاء هي عرس المؤمن ، لا تبكِي على أبيكِ بعد اليوم ، غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه . لكن النبي عليه الصلاة والسلام نصحنا فقال : فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله :

(( لا يتمنينّ أحدكم الموت لضُر أصابه ، فإن كان لابدّ فاعلاً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي . ))

[  متفق عليه. ]

قال مرة :

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ ؟ قَالَ : مَن طالَ عمرُهُ ، وحَسنَ عملُهُ ، قالَ : فأيُّ النَّاسِ شرٌّ ؟ قالَ : مَن طالَ عمرُهُ وساءَ عملُهُ .. ))

[ صحيح الترمذي ]

(( من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي.))

[  متفق عليه. ]

أي إن كانت حياتنا فيها زيادة من الخير فأحيِنا ، وإن كان فيها زيادة من غير الخير فأمتنا وتوفنا . 

 

الله ولي المؤمن والشيطان ولي الكافر :


﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ .. وقال أيضاً :

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)  ﴾

[  سورة البقرة ]

شتان بين المؤمن وغير المؤمن ، الله ولي المؤمن ، والشيطان ولي الكافر ، المؤمن من خير إلى خير ، من رؤية إلى رؤية ، من قربٍ إلى قرب ، من طاعةٍ إلى طاعة ، من سعادة إلى سعادة ، من شأنٍ إلى أعلى ، من مكانة إلى أكبر ، وغير المؤمن من ورطة إلى ورطة ، من سيئة إلى أكبر ، من شقاءٍ إلى شقاء ، من أزمة إلى أزمة ، إلى أن يأتي الموت فيلقى في جهنم .

 

من أحبه الله رزقه عملاً صالحاً وألحقه بالصالحين :


﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ . لذلك :

(( عن عمرو بن الحمق:  إذا أحَبَّ اللهُ عَبدًا عَسَلَه . قالَ : يا رَسولَ اللهِ ، وما عَسَلَه ؟ قالَ: يُوَفِّقُ له عَمَلًا صالِحًا بيْنَ يَدَي أجَلِه حتَّى يَرضى عنه جيرانُه - أو قالَ : مَن حَولَه . ))

[  المستدرك على الصحيحين ]

حدثني أخ في الجامع عندنا هنا ، له والد يعمل مؤذناً ، وبعضهم قال : 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

[ سورة فصلت ]

هم المؤذنون ، أذن لصلاة الظهر ، وأقام الصلاة ، واقتدى بالإمام ، وصلى الركعة الأولى والثانية والثالثة ، وفي سجود الرابعة توفاه الله عز وجل ، وهناك أناس يموتون وراء أجهزة اللهو في أبشع ميتة ، (( إذا أحبّ الله عبده عسله  ، قيل : وما عسله يا رسول الله  ، قال : يرزقه عملاً صالحاً ثم يتوفاه عليه)) .

لكن من شبّ على شيء شاب عليه ، لا تتوقع المستحيل ، أخي أنا إن شاء الله الله عز وجل رغم المعاصي كلها يبعث لي عند الموت عملاً صالحاً ، لا ، موضوع آخر ، من شبّ على شيء شاب عليه ، ومن شاب على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء حشر عليه ، كلام دقيق جداً ، من شبّ على شيء شاب عليه ، إذا الإنسان في شبابه ألف المعاصي ، أَلِف إهدار الوقت في أشياء لا ترضي الله عز وجل تصبح هذه المعاصي جزءاً من حياته ، تصبح عادات ثابتة :

من شبّ على شيء شاب عليه ، من شاب على شيء مات عليه ، من مات على شيء حُشِر عليه .

إلى متى أنت باللذات مشغول          وأنت عن كل ما قدرت مسؤول

***

إلى متى أنت بالمعاصــــــــــــي            تسير مرخى لك العنــــــــان

عندي لك الصلـح و هو بِرِّي            وعندك السيف والسنـــــــان 

ترضى بأن تنقضـي الليالـــي            وما انقضت حــربك العوان

فاستحي من شيبة تـــراهــــــــا            في النار مسجونة تهـــــــان

***

هناك مناجاة :

يا رب هــــــــذي ذنوبــــــــــي               وأنت بالخــــطب مستعـــــان

***

فـلو شاهدت عيناك من حسننـــــا             الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا             خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبــــــة ذرة             عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة             لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــــا

فما حبنا سهل وكل من ادعــــــى             سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا

فأيسر ما في الحب للصب قتـلـه             وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا

***

 

ليس في الكون إلا الله :


آخر كلمة : ليس في الكون إلا الله ، وأي شيء يقربك إليه فهو حق ، وأي شيء يبعدك عنه فهو باطل ، أي فكرة أو عادة أو سلوك ، أي شيء يقربك إليه فهو حق ، وأي شيء يبعدك عنه فهو باطل ، وليس إلا الله ، وما توفيقي إلا بالله ، أي لا تتحقق الأهداف إلا بالله ، والآية الأخيرة :

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) ﴾

[  سورة النجم  ]

 وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور