وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 10 - سورة يوسف - تفسير الآيات 102 - 108 قصة يوسف دليل على نبوة محمد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

المكر أبرز حدث من أحداث قصة يوسف عليه السلام :


 أيها الإخوة المؤمنون ؛ في الدرس الماضي انتهت قصة يوسف عليه السلام ، وقد ذكرت لكم في أول درس في هذه السورة أنّ هذه السورة فيها مقدمة وقصة وتعقيب ، والآن الآيات المتبقية من هذه السورة تعقيبات أساسية على هذه القصة .

ربنا سبحانه وتعالى يقول : ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ هذه القصة لا تعلمها أنت ، لم تكن في زمنها ، لم تكن في مكان وقوعها ولا في زمان وقوعها ، بينك وبينها مئات السنين ، بل آلاف السنين ، ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ .

أولاً : ربنا سبحانه وتعالى في مطلع هذه السورة يقول : ﴿ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ ﴾   ومعنى الغافلين أي لا تعلم أحداث هذه القصة ، فإذا جاء نبي في آخر الزمان يحدث بحديث ذي تفصيلات وحوادث وأشخاص وأمكنة وأزمنة لا يمكن أن يحصِّلها بخبرته ، ولا بثقافته ، ولا بعلمه ، إذاً هي من عند الله عز وجل ، فكأن هذه القصة تثبت نبوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ والحقيقة المكر لا يتم إلا في اجتماعات مغلقة ، الإنسان إذا أراد أن يمكر ، أو أن يدبر ، أو أن يخطط ، أو أن يبحث ، لا بد من اجتماع مغلق ، فإخوة يوسف اجتمعوا فيما بينهم ، ومكروا بيوسف ، ثم اجتمعوا فيما بينهم ، ومكروا بأبيهم ، ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ﴾ وإخوة يوسف اجتمعوا بعد أن حُجِز أخوهم الصغير ، واتفقوا فيما بينهم ، وامرأة العزيز مكرت بيوسف ، والنسوة في المدينة تحدثن عن امرأة العزيز ، امرأة العزيز جمعت النسوة ، كأن في هذه القصة حلقات كثيرة من التدبيرات أو من المكر ، سيدنا يوسف دبر تدبيراً كي يحجز أخاه عنده ، فجعل صواع الملك في رحله ، فربنا عز وجل كأنه حينما قال : ﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ أبرز ما في هذه القصة حلقات عديدة من المكر والتدبير ، إن كانت لصالح بعضهم أو كانت لغير صالح بعضهم ، على كل حلقات عديدة من المكر ، لذلك جاءت هذه الكلمة لتعبر عن أبرز أحداث القصة وهو المكر . 

 

قصة يوسف دليل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رسالته :


﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ ﴾ ، لا في زمانك ولا في مكانك ، الأرض ليست أرضك ، والوقت ليس وقتك ، ومع ذلك تأتيهم بقصة دقيقة متطابقة مع ما في كتبهم من التوراة والإنجيل ، إذاً أنت نبي ، إذاً هذه القصة دليل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رسالته ، فكل رسول نبي ، والعكس غير صحيح .

شيء آخر ، العلماء قالوا : ليس القصد نفي حضوره بل إثبات نبوته ، كلمة : ﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ ﴾ هذه متكررة ، هذا المعنى جاء في القرآن خمس مرات ، قال تعالى : 

﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)﴾

[  سورة القصص ]

قال تعالى : 

﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) ﴾  

[ سورة القصص ]

قال تعالى : 

﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)﴾

[  سورة آل عمران  ]

﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)﴾

[ سورة يوسف ]

﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ﴾ أي هذه القصة بأحداثها وشخصياتها ، وعقدتها وملابساتها ، وبدايتها ونهايتها كانت غائبة عنك ، وهذه القصة لا تعلمها ، ولا يمكن أن تعلمها إلا أن توحى إليك ، إذاً أنت نبي ، وهذه القصة كما ذكرتها وردت عندهم في التوراة والإنجيل ، إذاً المصدر الذي جاء منه القرآن الكريم والتوراة والإنجيل هو مصدر واحد ، وهو الله سبحانه وتعالى .

 

لا تكن مع الأكثرية كن مع الأقلية :


﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ(102)وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ بعضهم يقول : إنّ اليهود تحدوا النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا له : إن كنت نبياً كما تزعم فاتل علينا قصة يوسف ، فلما تلاها عليهم كفروا ، كان من الممكن أن يؤمنوا ، كانت تلاوة هذه القصة حجة عليهم ، لذلك جاءت هذه الآية وعلاقتها بالتي قبلها أنه : ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾   أي الأكثرية ليست مؤمنة ، والأقلية مؤمنة ، فيا أيها الأخ الكريم لا تكن مع الأكثرية ، لا تكن مع التيار العام ، لا تكن مع الخط العريض ، لا تكن مع صرعات الناس ، لا ينبغي أن يشغلك ما يشغلهم ، ولا أن يؤلمك ما يؤلمهم ، ولا أن يسعدك ما يسعدهم ، يجب أن تكون منفصلاً عنهم لأن هذا الخط العريض في المجتمع ، أو هذه الأكثرية الساحقة هذه تتبع شهواتها ، وتعنيها الدنيا ، غافلة عن الآخرة ، راغبة في الدنيا ، متعلقة بحطامها ، متنافسة من أجلها ، غائصة إلى قمة رأسها في متعها ، لذلك لا تكن مع الأكثرية ، كن مع الأقلية ، قال تعالى :

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)﴾

[  سورة الأنعام  ]

انظر إلى الأحجار في بعض المحافظات ؛ إنها تغطي الأرض ما أكثرها ! أما قطع الألماس فما أقلها ، الشيء الثمين قليل ، والشيء الكثير لا قيمة له ، لا تكن مع الدهماء ، لا تكن مع السوقة ، لا تكن مع الرعاع ، الإمام علي كرم الله وجهه يقول : << يا بني ، الناس ثلاثة ، عالِم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، فاحذر يا كميل أن تكون منهم>> ، لا تكن مع الرعاع ، لا تكن مع أتباع كل ناعق ، لا تكن مع الدهماء ، لا تكن مع السوقة ، كن مع الأقلية الواعية ، كن مع الأقلية صاحبة المبدأ ، كن مع الذين يعنيهم أمر آخرتهم ، كن مع الذين يضعون مصلحتهم تحت أقدامهم إذا تعارضت مع مبادئهم ، لا تكن مع الذين يغوصون في الدنيا إلى أعماقهم ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ ، ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾ :

﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) ﴾

[ سورة النجم  ]

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) ﴾

[ سورة الشعراء  ]


 الإنسان مخير أُعطي المشيئة فإذا شاء الهدى آمن من تلقاء ذاته :


لذلك إذا اختار الإنسان الهدى تكفيه أبسط الآيات ، وإذا اختار طريق الدنيا وطريق الشهوات لو رأى بأم عينه كتاباً نزل من السماء ، لو كلمهم الموتى ، لو حشر الله عليهم كل شيء قُبُلاً ما كانوا ليؤمنوا :

﴿ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)﴾

[ سورة النمل  ]

هؤلاء موتى ، مقبورون في شهواتهم ، مقبورون في مصالحهم ، مقبورون في أهدافهم الرخيصة . إذاً : ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ ﴾ يا محمد أي ولو جهدت ، ولو بذلت كل ما في وسعك لتوضح وتبين وتستقصي وتضرب المثل ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ ، بمعنى أنك :

﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)﴾

[ سورة البقرة ]

الآية الثانية قوله تعالى :

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)  ﴾

[  سورة القصص  ]

الإنسان مخير ، أُعطي المشيئة ، فإذا شاء الهدى آمن من تلقاء ذاته ، آمن من كأس الماء رآه آية على عظمة الله ، البحر ملح أجاج ، وهذا عذب فرات ، من جعل هذا الملح الأجاج عذباً فراتاً ؟ الله سبحانه وتعالى ، الذي يختار الإيمان يؤمن من خلال الآيات التي بثها الله عز وجل في الأرض :

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)﴾

[  سورة الواقعة  ]

الماء آية ، خلق الإنسان آية ، الشمس آية ، القمر آية ، ابنك آية ، الثمرة آية ، الفواكه آية ، المحاصيل آية ، الخضراوات آية ، البساتين والأشجار المثمرة آية ، الحيوانات آية ، الأنعام آية ، هذه الغنمة التي سخرها الله سبحانه وتعالى لنا نستفيد من لحمها ، ومن صوفها ، ومن لبنها ، ومن جلدها ، ومن أحشائها ، ومن كل شيء فيها ، وقد ذللها الله لنا ، جعلها مذللة : 

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)﴾

[  سورة يس  ]

إذاً : ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ ، لذلك الرأي العام قد لا ينطبق على الإيمان ، الناس يتجهون إلى الدنيا ، إلى بيوتها ، إلى أراضيها ، إلى متعها ، إلى شهواتها ، إلى زخرفها ، إلى بهرجها ، ويضربون بالقيم عُرض الحائط ، يقول لك : من الآن وحتى الموت يخلق الله ما لا تعلمون ، غداً أتوب . 

 

علامة الداعية الصادق أنه لا يسألك أجراً  :


﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ أي النبي عليه الصلاة والسلام غني عن إيمانهم ، لو أنهم آمنوا لما حقق فائدة مادية منهم ، لأنهم لا يعطونه شيئاً ، ولا يأخذون منه شيئاً إذا كفروا ، ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ هل هناك أحد منا يستطيع أن يدخل غلى محام من دون مبلغ يدفعه استشارة ؟ من منا يدخل إلى طبيب من دون أن يملك أجرة المعالجة ؟ من منا يدخل إلى صيدلي من دون أن يملك ثمن الدواء ؟ ما من خدمة تقدم لك في الدنيا إلا ولها مقابل ، لا تستطيع أن تدخل إلى محل إلا وتملك الثمن ، إلا أنك تستطيع أن تدخل إلى مجلس العلم لتستمع إلى الحق الذي يمكن أن ينقذك من الظلمات إلى النور ، ومن الشقاء إلى السعادة من دون أن تدفع شيئاً ، الحق مبذول للناس كلهم .

الآن جامعة لو أن قسط الجامعة يزيد عن عشرة آلاف ليرة من يستطيع دخول هذه الجامعة إلا الأغنياء ؟ إن كان للجامعة قسط مرتفع معنى ذلك أنّ التعليم الجامعي صار حكراً على الأغنياء ، لو أن الله سبحانه وتعالى كلف طلاب العلم أقساطاً باهظة أو نفقات كبيرة لكان طلب العلم قاصراً على الأغنياء ، ولكن الله سبحانه وتعالى لحكمة أرادها جعل الحق بلا مقابل ، جعل الحق مبذولاً للخلق كلهم ، لذلك ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ ، لو سألتهم أجراً لشكُّوا في نواياك ، لو سألتهم أجراً لشكوا في مبادئك ، ولكنك لا تسألهم أجراً ، إذاً : هو منزه عن الأجر .

عندما كان سيدنا جعفر بن أبي طالب في الحبشة ، وسأله النجاشي عن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة  : لمَّا نزلنا أرضَ الحبشةِ جاورَنا بِها حينَ جاءَ النَّجاشيُّ، فذَكَرَ الحديثَ بطولِهِ ، وقالَ في الحديثِ قالت : وَكانَ الَّذي كلَّمَهُ جعفرُ بنُ أبي طالبٍ قالَ لَهُ : أيُّها الملِكُ كنَّا قومًا أَهْلَ جاهليَّةٍ نعبدُ الأصنامَ ، وَنَأْكلُ الميتةَ ، وَنَأْتي الفواحِشَ ، ونقطَعُ الأرحامَ ، ونُسيءُ الجوارَ ، ويأكلُ القويُّ منَّا الضَّعيفَ - هذه الجاهلية ، هذه الجاهلية الأولى ، وهذه الجاهلية الآخرة ، وهذه هي طبيعة الجاهلية ، وأي مجتمع أعرض عن الله عز وجل هذه صفاته ، هذه الجاهلية ، وهناك جاهليات على مرّ العصور والدهور - فَكُنَّا على ذلِكَ حتَّى بَعثَ اللَّهُ إلينا رسولًا منَّا نعرفُ نسبَهُ ، وصِدقَهُ ، وأمانتَهُ ، وعفافَهُ ، فدعانا إلى اللَّهِ لتوحيدِهِ، ولنَعبدَهُ ونخلعَ ما كنَّا نعبدُ نحنُ وآباؤُنا من دونِهِ منَ الحجارةِ والأوثانِ ، وأمرَنا بصِدقِ الحديثِ ، وأداءِ الأمانةِ ، وصلةِ الرَّحمِ ، وحسنِ الجوارِ ، والكفِّ عنِ المحارمِ والدِّماءِ، ونَهانا عنِ الفواحشِ، وقولِ الزُّورِ، وأَكْلِ مالِ اليتيمِ، وقذفِ المُحصنةِ، وأن نعبُدَ اللَّهَ لا نشرِكُ بِهِ شيئًا، وأمرَنا بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ قالَت: فعدَّدَ عليهِ أمورَ الإسلامِ، فصدَّقناهُ وآمنَّا بِهِ، واتَّبعناهُ على ما جاءَ بِهِ مِن عندِ اللَّهِ، فعَبدنا اللَّهَ وحدَهُ، ولم نشرِكْ بِهِ وحرَّمنا ما حرَّمَ علينا، وأحلَلنا ما أحلَّ لَنا، ثمَّ ذَكَرَ باقيَ الحديثِ ))

[ ابن خزيمة : صحيح ابن خزيمة : خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه  ]

هذا هو الدين ، الدين خلق ، بني الإسلام على خمس ، هذه الخمس ليست هي الإسلام ، وإنما هي دعائم الإسلام ، الإسلام بناء آخر ، الصلاة دعامة ، والصيام دعامة ، والزكاة دعامة ، والحج دعامة ، والشهادتان دعامة ، والإسلام بناء أخلاقي بني على هذه الدعائم ، فإذا أزيح البناء فهل هذه الدعائم هي الإسلام ؟ لا والله ، من صلى ، وصام ، وزكّى ، وحج ، وزعم أنه مسلم ، وكان في عمله سوء ، وكانت أمانته مخدوشة ، وعدالته مجروحة ، واستقامته مشكوك فيها ، أهذا هو الإسلام ؟ ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ حتى إن الله سبحانه وتعالى جعل علامة الداعية الصادق أنه لا يسألك أجراً ، لا قليلاً ولا كثيراً ، لا معنوياً ولا مادياً ، لا آجلاً ولا عاجلاً :

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)﴾

[ سورة الإنسان ]

لو أن الداعية إلى الله عرف الله لما طمع بأحد ، لأن الله سبحانه وتعالى إذا أعطى أدهش ، أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني :

﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)﴾  

[  سورة يس  ]

علامة صدقهم ، وعلامة أنهم على حق أنهم لا يسألونكم أجراً أبداً : عن أبي هريرة رضي الله عنه : 

(( إنَّما أنا رَحمةٌ مُهداةٌ ))

[  غاية المرام : خلاصة حكم المحدث : صحيح ]

علامة النبي أنه يعطي ولا يأخذ ، وعلامة الكافر أنه يأخذ ولا يعطي ، كالأخطبوط يأخذ ولا يعطي ، أما النبي الكريم فيعطي ولا يأخذ ، لذته في العطاء لا في الأخذ ، والمنحرف الخطير يأخذ ولا يعطي ، وعامة الناس بينَ بين ، يأخذون ويعطون ، " فيا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع ، فعشت واحداً بين الجميع " ، هذا إهداء قرأته في كتاب يتحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام .

يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ راقب نفسك أتحب الأخذ أم العطاء ؟ هناك من يحبون الأخذ ، من يحبون أن يغنوا ولو على حساب الناس ، أن يشبعوا ولو على جوع الناس ، أن يكبروا ولو على أشلاء الناس ، أتحب أن تسعد الآخرين ؟ أتحب أن تخدم الناس ؟ أتحب أن تكون مفتاح الخير لا مفتاح الشر ؟ أتحب أن تُقضى حوائجهم على يدك ؟ إذا أحب الله عبداً جعل حوائج الناس إليه : 

(( عن عبد الله بن عباس : إنَّ اللهَ قال : أنَاْ خلقتُ الخيرَ والشَّرَّ ، فطوبَى لِمَنْ قَدَّرْتُ على يدِه الخيرَ ، ويلٌ لِمَنْ قَدَّرْتُ على يدِه الشَّرَّ . ))

[ السلسلة الضعيفة : حكم المحدث: ضعيف جداً ]

إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ، راقب عملك هل عملك فيه عطاء أم فيه أخذ ؟  هل عملك يبنى على إيذاء الناس أم على إكرام الناس ؟ شتان بين العملين ، لذلك :

(( عن حذيفة بن اليمان  : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هَلُمُّوا إِليَّ . فأَقبَلُوا إليه فجَلَسُوا ، فقال : هذا رسولُ ربِّ العالمِينَ ؛ جِبريلُ نَفَثَ في رُوعِي : إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا ، فاتَّقُوا اللهَ ؛ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه . ))

[ صحيح الترغيب : خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح ]

واستجملوا مهنكم ، لا ترض بمهنة سيئة ، اختر مهنة صالحة فيها نفع عميم ، لا تجعل مهنتك فتنة :

(( عن أنس بن مالك :  الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها . ))

[ ضعيف الجامع : خلاصة حكم المحدث : ضعيف ]

 هناك أعمال مبنية على إثارة الفتن ، أو على فتنة النفوس في الدنيا ، أو على بيع بضاعة محرّمة ، أو على التعامل بمواد محرّمة : (( وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوْعِي  ، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ )) .

 

الحق مبذول لكل الناس :


شيء آخر ، مما يدل على عدالة الله عز وجل أنه جعل الحق مبذولاً ، الخلق كلهم عيال الله ، << يا سعد ، لا يغرنك أنه قد قيل : خال رسول الله ، فالخلق كلهم عند الله سواسية ، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له >> .

كلكم مدعوون إلى الحق ، أبيضكم وأسودكم ، عربيكم وأعجمكم ، كبيركم وصغيركم ، مدنيكم ، أيّ إنسان :

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)  ﴾

[  سورة طه  ]

فرعون الذي قال :

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) ﴾  

[ سورة النازعات  ]

والذي قال :

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾

[  سورة القصص  ]

 والذي قال :

﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)﴾

[  سورة الزخرف  ]

 هذا هو نفسه دعاه الله إليه : ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ ، لذلك من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران  ]

 

الدعوة إلى الله أفضل عمل على الإطلاق :


قال بعض العلماء : من تصدر للإرشاد فإن عليه اجتناب ما يمنع من قبول كلامه ، فالورع حسن ، لكن في العلماء أحسن ، هذا الذي تدعوه إلى الله يجب أن تكون قدوة له ، يجب أن تكون سباقاً إلى الخير ، يجب ألا يأخذ الناس عليك مأخذاً :

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾

[ سورة البقرة  ]

بعد أن أتمهم :

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) ﴾

[ سورة السجدة ]

يجب أن تصبر ، ويجب أن تضحي ، ويجب أن تبذل ، ويجب أن تتواضع ، ويجب أن ترحم من أجل أن يشرفك الله بأن تكون جندياً من جنود الحق ، ما من حرفة أرقى في الأرض من أن تكون داعياً إلى الله عز وجل : 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

[  سورة فصلت  ]

وسيأتي بعد قليل آية خطيرة جداً ، بمعنى أن الذي لا يدعو إلى الله ليس مؤمناً ، من سمات المؤمن أنه يدعو إلى الله ، فلو تخلى عن الدعوة فقد إيمانه .

الآن هناك قاعدة ؛ نفي الشيء إثبات لضده ، فإذا كان للإنسان غرض دنيوي من دعوته إلى الله ، إذا أثبتنا هذا الغرض نفينا الإخلاص عنه ، فإذا نفينا هذا الغرض أثبتنا الإخلاص ، فإذا نفيت عن إنسانٍ أن تكون له مآرب من دعوته الدنيوية فهذا النفي هو في حدّ ذاته إثبات لإخلاصه .

 

آيات الله الدالة على عظمته لا تعد ولا تحصى :


﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(104)وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ أي من منا لا يأكل ؟ هذه المائدة التي توضع أمامك في اليوم ثلاث مرات ، هل فكرت فيها ؟ هل فكرت في كأس الماء ؟ 

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30) ﴾

[  سورة الملك  ]

لو أن سنوات القحط والجفاف استمرت ، ما قيمة هذه الطوابق العليا ؟ ما قيمة هذه البيوت الفخمة لو لم يكن فيها ماء ؟ ما قيمة الشام ؟ لا قيمة لها لولا الماء ، إذا جلست إلى الطعام هذا الخبز الذي تأكله هل تعلم أن هذا القمح غذاء كامل للإنسان ؟ ما هذا التوافق بين بنية القمح وبين بنية الجسم ؟ هذا الحليب الذي تشربه غذاء كامل ، من جعل هذا التوافق بين حليب الغنم وحليب البقر وبين حاجة الجسم ؟ هذا اللحم الذي تأكله من سخره لك ؟ هذه الخضراوات التي تأكلها من زرعها لك ؟ 

﴿ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)﴾

[  سورة الواقعة  ]

تلقي الحبة وتذهب إلى البيت ، هذه الحبة والرشيم والسويق والجذير من يشق الحبة عن الرشيم ؟ كيف ينمو هذا الرشيم ؟ كيف تنبت الأوراق ؟ كيف تظهر الأزهار ؟ كيف تنعقد الثمار ؟ كيف تصبح هذه الثمار ناضجة ؟ هذه الفواكه التي تأكلها تصميم من ؟ بستان فيه التفاح وفيه العنب وفيه الإجاص وفيه المشمش وفيه التوت وفيه الدراق وفيه الكرز يسقى بماء واحد :

﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) ﴾

[  سورة الرعد ]

آيات ، آيات دالات على عظمة الله ، ما الفرق بين الكرز وبين الدراق ؟ فرق كبير ، اكتب الفرق كتابة ، لن تستطيع ، هذا حلو وهذا حلو ، ولكن حلاوة الكرز غير حلاوة الدراق ، غير حلاوة الإجاص ، غير حلاوة التفاح ، غير حلاوة العنب ، غير حلاوة التمر .

التمر ، هذه الشجرة التي تعيش أكثر من ستة آلاف عام ، هناك أشجار نخيل قبل سيدنا عيسى بكثير ، قبل الميلاد ، هذا التمر الذي فيه مادة سكرية ، تتمثل في أقل من عشرين دقيقة ، من الفم إلى الدم في عشرين دقيقة ، فيه مادة تمنع النزيف ، فيه مادة تمنع الكتم ، ملينة  ، فيه مادة تغذي الدماغ ، أي آيات بليغات عن التمر .

هذا العنب لو أمسكت بعنقود العنب بكلتي يديك ، وشددته ، وتعلقت به لما انقطع ، فإذا فعلت هكذا انقطع ، تصميم من هذا ؟ مهما هبت الرياح فلا يقع العنب ، لكنك إذا حركت العنقود حركةً معاكسةً لزاوية ذنبه ينقطع فوراً ، هناك تصميم .

من جعل هذه الفواكه تنمو تباعاً ؟ الكرز أولاً ، ثم المشمش ، ثم الدراق ، ثم الإجاص ، ثم التفاح ، ثم العنب ، ثم التين ، لو أنّ هذه الفواكه تنضج جميعاً في يوم واحد ، أو في أسبوع واحد لأتلفت ، لم نستفد منها ، نستفيد منها إذا نضجت تباعاً ، والفاكهة الواحدة تنضج أيضاً على مدى شهر ، على مدى أربعة أسابيع ، التفاح على مدى شهرين ، من جعل هذه الخضراوات تنضج تباعاً ؟ كل يومين يوجد قطف كوسا ، الكوسا والباذنجان والبندورة كل يومين يوجد قطف ، لو أنها كالقمح تنضج في يوم واحد ماذا نفعل بها ؟ لكنّ القمح لو أنه نضج تباعاً كيف نحصده ؟ مستحيل ، الحمص والقمح والعدس والشعير هذه المحاصيل من آيات الله الدالة على عظمته أنها تنضج في يوم واحد رحمة بنا ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ القمر آية  ، قلب العقرب آية ، يسع الأرض والشمس مع المسافة بينهما ، الشمس آية يزيد حجمها عن حجم الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي الشمس تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض ، ويزيد لسان اللهب طولاً عن مليون كيلو متر ، الشمس آية ، درب التبانة آية إذ يبلغ طوله مئة وخمسين ألف سنة ضوئية ، بينما القمر يبعد عن الأرض ثانية ضوئية واحدة ، هؤلاء الذين قالوا : غزونا الفضاء ، ما تجاوزوا من الفضاء إلا ثانية ضوئية واحدة ، بينما درب التبانة طوله مئة وخمسون ألف سنة ضوئية ، أقرب نجم إلينا نجم القطب ، أربعة آلاف سنة ضوئية ، لو ركبنا إليه سيارة لاحتجنا كي نصله إلى سبعة وعشرين مليون مليون سنة ، أقرب نجم في الكون إلينا هو نجم القطب ، وهناك مجرات تبعد عنا ثمانية عشر ألف مليون سنة ضوئية : ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ في العين مادة مضادة للتجمد لو ذهبت إلى فنلندا ، إلى سيبيريا ، وكانت الحرارة دون الخمسين تحت الصفر ، لولا أنّ في العين هذه المادة لعمي الناس كلهم هناك ، هذا الماء الذي في العين يتجمد ، لكنّ في ماء العين مادة مضادة للتجمد ، هذه آية من آيات الله ، هذا الماء الذي نشربه عنصر ، ليس في الأرض من عنصر إذا تجمد إلا انكمش إلا الماء إذا تجمد توسع ، لولا هذه الخاصة – من منكم يصدق ذلك - لما كنا جميعاً في هذا المسجد ، لما بقي على وجه الأرض إنسان ولا حيوان ولا نبات ، لأن هذا الماء لو أنه تجمد فانكمش أي زادت كثافته لغاص في أعماق البحار ، إذا تجمد البحر على السطح يهبط إلى الأسفل ، على مدى مئة عام تصبح البحار كلها متجمدة ، فإذا أصبحت البحار متجمدة انعدم التبخر ، ومع انعدام التبخر تنعدم الأمطار ، فيموت النبات ، ويموت الحيوان ، ويموت الإنسان ، هذه الخاصة توسع الماء إذا تجمد ، ترى البحار الشمالية المتجمدة الطبقة السطحية متجمدة ، أما البحار فماؤها دافئة تسبح فيها الأسماك ، لو أنّ الماء إذا تجمد غاص في أعماق البحار مشكلة كبيرة جداً ، ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ هذه الأغنام إذا قلنا : إنّ كل خمسة آلاف إنسان يصيبهم في اليوم رأس غنم واحد يجب أن يذبح كل يوم مليون رأس غنم ، على مدار سنة كان ثلاثمئة وخمسة وستون مليون رأس ، لو مثلنا هذا الرقم بنهر لكان نهراً يفوق أضخم أنهار العالَم غنم للطعام ، لو مثلنا الحليب الذي يحلب من الأبقار كلها في أنحاء العالَم لكان نهراً يزيد عن نهر الأمازون ، ثلاثمئة ألف متر مكعب بالثانية ، هذا عطاؤنا ، نهر من الحليب ، ونهر من الغنم ، ونهر من المحاصيل .

 دمشق ، هذه البيوت ، اصعد إلى جبل قاسيون ، وألقِ نظرة على دمشق من علٍ ، ما من بيت إلا وفيه سكر وشاي وبن ورز ومؤونة ، من وزع هذه الأقوات ؟ الله سبحانه وتعالى .

 

الشرك شرك في الطاعة وشرك في النية :


﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ(105)وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ هذه الآية مركز الثقل : ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ ﴾ مؤمن يشهد أن لا إله إلا الله وهو مشرك ، يصلي وهو مشرك ، يزكي وهو مشرك ، يحج البيت وهو مشرك ، يقول : أنا مسلم وهو مشرك ، أؤمن بالله وهو مشرك ، أؤمن بالجنة وهو مشرك ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ .

العلماء لهم في هذه الآية أقوال عديدة ، بعضهم قال : يؤمن أكثرهم باللسان ، وهم مشركون بالقلب ، يؤمن أكثرهم باللسان وهم مشركون بالعمل ، يؤمنون في الشدة ويشركون في الرخاء ، باللسان والعمل ، باللسان والقلب ، بالشدة والرخاء ، والعلماء قالوا : هناك شرك بالطاعة ، فالذي يطيع غير الله هو عند الله مشرك ، وهناك شرك في النية ، الذي ينوي في قلبه التقرب إلى فلان من دون الله عز وجل فهو مشرك ، وهناك شرك في الوجهة ، الذي يتوجه بكليته إلى غير الله فهو مشرك ، وهناك شرك في العمل ، الذي يعمل لغير الله فهو مشرك ، والحقيقة أنه ليس في الكون إلا حقيقة واحدة وهي الله ، فإذا عرفتها فأنت مؤمن ، وإذا جهلتها فأنت مشرك ، إذا تقربت إليها فأنت مؤمن ، وإذا تقربت إلى غيرها فأنت مشرك ، إذا خفتها فأنت مؤمن ، وإذا خفت من غيرها فأنت مشرك ، إذا عملت لها فأنت مؤمن ، وإذا عملت لغيرها فأنت مشرك .

 

أنواع الشرك :


لكنّ العلماء قالوا : الشرك نوعان ؛ شرك كبير لا يُغفر :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)﴾

[ سورة النساء ]

أن تعبد مع الله إلهاً آخر ، أن تطيع إنساناً في معصية الخالق ، هذا شرك أكبر لا يُغفر ، أن تتخذ إلهاً غير الله ، ولو كان من بني البشر ، أن تعبد غير الله ، أن تطيع غير الله ، أن ترضى بقربة غير القربة من الله عز وجل .

وقال بعضهم : هذا الشرك هو النفاق ، ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس وهو مشرك بعمله ، وهناك حديث قدسي يقول : عن أبي هريرة رضي الله عنه : 

(( قال اللهُ تعالَى : أنا أغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ ، مَنْ عمِلَ عملًا أشركَ فيه معِيَ تركتُهُ وشِركَهُ . ))

[ صحيح الجامع : خلاصة حكم المحدث : صحيح : أخرجه مسلم (2985) باختلاف يسير  ]

لا أقبله ، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ، ومن كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثواب هذا العمل من عند غير الله ، فإن الله أغنى الأغنياء عن الشرك ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( عن عبد الرحمن بن غنم : إنَّ أخوفَ ما أخافُ على أُمَّتِي الإِشراكُ بِاللهِ أمَا إنِّي لَستُ أقولُ يَعبدُونَ شَمسًا ولا قمرًا ولا وثَنًا ولَكِنَّ أعمالًا لِغيرِ اللهِ وشَهوةً خَفِيَّةً.))

[ ضعيف الترغيب : حكم المحدث:ضعيف ]

هذا هو الشرك ،  الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء :

(( عن عائشة أم المؤمنين : الشِّركُ أخفى من دَبيبِ الذَّرِّ على الصَّفا في اللَّيلةِ المُظلمةِ وأدناهُ أن تحبَّ  على شيءٍ منَ الجَورِ وتبغضَ على شيءٍ منَ العَدلِ وَهلِ الدِّينُ إلَّا الحبُّ والبغضُ فإنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ اتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ . ))

[ ابن الجوزي المصدر :العلل المتناهية : حكم المحدث:لا يصح ]

أي إذا أحببت صديقاً لك ليس مستقيماً ، جائراً قليلاً ، منحرفاً قليلاً ، إذا أحببته فأنت مشرك ، وإذا نصحك ناصح ، وكان في نصيحته منصفاً فكرهته فأنت مشرك ، (( وأدناهُ أن تحبَّ  على شيءٍ منَ الجَورِ ، وتبغضَ على شيءٍ منَ العَدلِ ))

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)﴾

[  سورة البقرة ]

هذا من الشرك :

﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) ﴾

[ سورة الشعراء  ]

هذا هو الشرك ، قال : كيف يسوى من خُلِق من تراب برب الأرباب ؟ كيف يسوى العبيد بمالك الرقاب ؟ أي أنت إذا أطعت فلاناً وعصيت الله هل تعلم أنك جعلت من هذا الإنسان خالقاً ؟ رفعته إلى مستوى الخالق ، أي هذا شيء كبير ، خالق السماوات والأرض من بيده كل شيء ، يُطعِم ولا يطعَم ، بيده مقاليد السماوات والأرض :

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[ سورة هود ]

هو القديم الأزلي السرمدي الأبدي ، لا شيء قبله ، ولا شيء بعده ، بيده الأمر تعصيه وتطيع مخلوقاً يفنى ؟! يموت ؟! كل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، أيعقل هذا ؟! أيعقل أن تسوي رب العالمين ببعض البشر؟ أو أن تسوي بعض البشر برب العالمين ؟! سبحان الله ؟!

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) ﴾

[ سورة لقمان ]

ظلم لهذه النفس ، أي أنت في هذا العمر الثمين تتجه بكليتك ، بإمكاناتك ، بعقلك ، بتفكيرك ، بعلمك ، بخبرتك ، بقيمك ، بمبادئك ، تتجه للإنسان وتدع الله عز وجل يغضب عليك ؟ أهذا هو العقل ؟ ما قولكم :

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :  

 من حَلَف بغَيرِ اللهِ فقد أشرَكَ

 ابن الملقن : البدر المنير:  خلاصة حكم المحدث : صحيح :  أحمد ، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) 

بأولادي ، أأولادك أغلى عليك من الله ؟ 

(( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ )) 

(( عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أنَّهُ جاءَ في رَكْبِ عشرةٍ إلى رسولِ اللهِ فبايعَ تسعةً وأمسَكَ عن رجلٍ منهُم فقالوا ما شأنُهُ ؟ فقالَ : إنَّ في عضدِهِ تميمةً فقطعَ الرَّجلُ التَّميمَةَ فبايعَهُ رسولُ اللَّهِ ثمَّ قالَ : مَن علَّقَ فقَد أشرَكَ . ))

[ غاية المرام  : حكم المحدث: صحيح ]

وضع حدوة ، وكتب : " عين الحاسد تبلى بالعمى "  ، هذا شرك ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَن ردَّتْه الطِّيَرةُ من حاجةٍ فقد أشرَكَ، قالوا يا رسولَ اللهِ ما كفَّارةُ ذلك؟ قال: أنْ يقولَ أحَدُهمُ: اللَّهُمَّ لا خَيرَ إلَّا خَيرُكَ، ولا طَيْرَ إلَّا طَيْرُكَ، ولا إلهَ غَيرُكَ . ))

[ زاد المعاد : شعيب الأرناؤوط : حكم المحدث: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف   ]

أراد أحدهم أن يسافر ، ولم يجد غير يوم الأربعاء ليسافر ، فقال : أنا لا أسافر يوم الأربعاء ، أتشاءم من هذا اليوم ، هذا شرك : (( من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك )) ، ((لا تشاؤم ولا طيرة ، ولا حدوة ولا هامة)) .

عن عبد اللَّه بنَ مسعودٍ قال : 

(( من أتى عرَّافًا أو ساحرًا أو كاهنًا فسألَهُ فصدَّقَهُ بما يقولُ فقد كفرَ بما أنزلَ على محمَّد .  ))

[ هبيرة بن يريم : صحيح الترغيب : حكم المحدث : صحيح موقوف ]

وعَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

عن أنس بن مالك  : 

(( أتى كاهنًا فصدَّقَه بما يقولُ فقد برئَ مما أُنزلَ على محمدٍ ، ومن أتاه غيرَ مصدِّقٍ له لم تُقبل صلاتُه أربعين يومًا . ))

[ ابن حجر العسقلاني المصدر:فتح الباري لابن حجر : حكم المحدث:إسناده لين  ]

هذا كله شرك ، إذا قرأت في المجلات حظك هذا الأسبوع ، أنت ولدت في كانون الأول ، وكان برجك الدلو مثلاً ، تنظر إليه ، هذا شرك ، إذا جلست إلى ساحر ولم تصدقه لم تقبل لك صلاة أربعين صباحاً ، رقم ثلاثة عشر لم يعجبني ، هذا شرك ، دخل صديقك إلى المحل فلم تتم البيعة فقلت : إن هذا الشخص قدمه نحس ، هذا شرك ، ليس له علاقة ، هذا كله كلام لا معنى له ، فلذلك باب الشرك واسع :

عن  أبو بكر الصديق : 

(( ذَكَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الشِّركَ، فقال: هو فيكُم أَخفَى مِن دَبِيبِ النَّملِ، فسأَدُلُّكَ على شَيءٍ إذا فَعَلْتَهُ ذهَبَ عنك صِغارُ الشِّركِ وكِبارُه، أو: صغيرُ الشِّركِ وكبيرُه. قال: قُلْ:  اللَّهمَّ إنِّي أَعوذُ بكَ أنْ أُشرِكَ بكَ وأنا أَعلَمُ، وأَستغفِرُكَ لِمَا لا أَعلَمُ"، يَقولُها ثلاثَ مرَّاتٍ. ))

[  شعيب الأرناؤوط : تخريج مسند أبي بكر خلاصة حكم المحدث : إسناده ضعيف ]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : الكبرياءُ ردائي ، والعظمةُ إزاري ، فمَن نازعَني واحدًا منهُما ، قذفتُهُ في النَّار . ))

[ صحيح أبي داود ]

أن تقول : أنا ، فهذا شرك ، أن تقول : فلان ، فهذا شرك ، أن تقول : هذا الطبيب أنقذ ابني من موت محقق ، فهذا شرك ، التقيت بإنسان عجبت له ، حينما تكلم وضع يده هنا وضغط زراً فتكلم ، قال: أنا استؤصلت حنجرتي ، وذكر دولة أجنبية ، هؤلاء الذين أنقذوا حياتي ، أنقذوني من السرطان ، ركبوا لي هذه الحنجرة ، هم إنسانيون وأصحاب مبادئ ، أي عزا كل الفضل إليهم ، ونسي الله عز وجل ، هذا شرك .

ويقول الله عز وجل : ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ أي قلّ من ينجو من الشرك ، طبعاً الشرك الكبير هذا لا يغفر ، لكن الشرك الصغير أن تحب إنساناً  وفيه بعض الانحراف ، تحبه محبة بالغة ، ولكن لم يصل العصر أمامك ، لابأس ، ولا زلت على محبته ، هذا شرك ، نصحك أحدهم نصيحة انزعجت ، تجرأ عليّ ، هذا شرك ، أحببت إنساناً ونسيت الله عز وجل ، هذا شرك .

 

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :


﴿ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ هذا الذي أشرك فلاناً ، أحبه وعصى الله ، أطاعه وعصى الله ، أرضاه وأغضب الله ، تقرب إليه وابتعد عن الله ، تعلق به ونفر من الله ، هذا الذي أحبّ مخلوقاً ، ونسي الخالق ، هل يأمن من عذاب الله ؟ أحد الولاة جاءته رسالة من الخليفة ، وفيها توجيه بظلمٍ ، وعنده أحد التابعين ، فقال : ماذا أفعل يا فلان ؟ هذا أمر من يزيد ، ماذا أفعل ؟ فقال هذا التابعي كلمة تكتب بماء الذهب ، قال : إنّ الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله  ، أي إذا أطعت فلاناً وعصيت الله ، والله سبحانه وتعالى قدّر عليك مرضاً عضالاً ، ماذا تفعل ؟ فلان ينجيك ؟ لا يزيد على أن يبعث لك باقة ورد متمنياً لك الشفاء العاجل ، وقد لا يكون هذا الشفاء ، الكليتان بيد من لو توقفتا عن العمل ؟ وحتى هذه الساعة لا يعرف العلم سبب التوقف ، هذا مرض خطير اسمه : توقف مفاجئ ، هبوط مفاجئ في عمل الكليتين ، يحتاج في كل أسبوع مرتين غسيل دم بكامله ، يخرج الدم بكامله إلى كلية صناعية يبقى ثماني ساعات وست ساعات انتظار ، ويدفع ألفي ليرة تقريباً أو سبعمئة ليرة ، أو تريد إعفاء ، تأخذ عشرة أسابيع بهذه اليد حتى تنثقب ، وعشرة باليد الأخرى ، وعشرة بالرجل الأولى ، وعشرة بالثانية ، فلم يبق أماكن ، فتح شريان وأخذ الدم بكامله وغسيله ، لو توقفت هاتان الكليتان عن العمل فجأة ماذا تعمل ؟ لو توقف نقي العظام عن صنع الكريات الحمراء ماذا تعمل ؟ لو نمت بعض الخلايا نمواً عشوائياً ، وأخذت خزعة إلى التحليل ، وقيل : هذا ورم خبيث ، هذا الذي أطعته من دون الله ماذا يفعل معك ؟ هل يقول لهذه الخلايا : قفي عن النمو ؟ هل يقدر أن يفعل ذلك ؟ طبعاً لا يقدر ، لو تعب هذا القلب هذا الذي أطعته من دون الله ماذا يفعل ؟ ماذا يقدم لك؟ إنّ الله يمنعك من يزيد ، ولكنّ يزيد لا يمنعك من الله ، لذلك من البديهيات أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

جاء بعض الخلفاء إلى الحج ، وكان في الحرم المكي ، فالتقى بعالِمٍ جليل ، فقال لهذا العالِم : سلني كل حاجتك ؟ ملك ، فقال : والله أستحيي وأنا في بيت الله أن أسأل غير الله ، فلما التقى به خارج الحرم قال له : سلني كل حاجتك ؟ قال : والله ما سألتها من يملكها أفأسألها من لا يملكها ؟ قال له : سلني كل حاجتك ؟ فقال له : أنقذني من النار ؟ قال : هذه لا أملكها ، قال : إذاً ليس لي عندك حاجة ، وقد قيل : استغنِ عن الرجل تكن نظيره ، واحتج إليه تكن أسيره ، قال له : يا أبا حنيفة ، لو تغشيتنا نأنس بك ، نسعد بقربك ، نفتخر بك ، قال : ولِمَ أتغشاكم وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه ؟ وهل يتغشاكم إلا من خافكم على شيء ؟ لا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسه ، ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس ، فإن الأمور تجري بالمقادير ، شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس :

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾

[  سورة الشعراء ]

لا تنام الليل ، والله لم أقل هذه الكلمة ، هكذا قال أنا قلتها ، كيف سأرضيه ؟ لا تنام ليلتك ، الإنسان لئيم ومعلوماته قاصرة ، فقد يسمع فيك قولاً ما قلته ، ويحكم عليك وأنت بريء ، لذلك : ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ ، إرضاء الناس غاية لا تدرك ، قال تعالى : ﴿ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ أي تحت سمعنا وبصرنا ، كولومبيا في قمة جبل الثلج خمسة أمتار ، ثار بركان ذابت الثلوج ، وشكّلت سيولاً أغرقت المدينة ، وبعدها جاءت الحمم فأحرقتها ، خمسة وثلاثون ألف إنسان ماتوا في دقائق ، والمكسيك قبلها ، وأغادير قبلها ، والأصنام قبلها ، وميلانو قبلها ، وبكين قبلها : ﴿ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ :

﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98﴾ ﴾  

[ سورة الأعراف  ]

﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) ﴾

[ سورة النحل ]

أي لا يأمن بأس الله إلا القوم الضالون ، لا يأمن بأس الله إلا الغبي .

كان أحدهم يركب سيارة وهو ظالم لنفسه ، كسبه حرام ، بنى ثروة من أموال الناس غصباً ، استعلى عليهم ، ضايقهم ، كان يمشي في سيارته عندما نزل المطر بشكل بطيء ، وضع قدمه على المكبح ، دار قليلاً ، اصطدم بسيارة شحن ، نزعوا رأسه من المقعد الخلفي ، في ثوان ، من أنت ؟ حركة ، أحياناً يتوقف ينفجر شريان في الدماغ ويكون الرجل جالساً ، وفي غضون ثانية واحدة يكون قد انتهى ، هذه سكتة دماغية أسرع شيء ، ينفجر شريان في الدماغ ، يرتفع الضغط قليلاً للاثنتين والعشرين ، ينفجر الشريان ، فيمشي الدم في الدماغ وينتهي ، هناك مليون طريق ، إذا عصى أحدنا الله عز وجل ولم يبالي بالدين ، ولم ينضبط بالشرع ، ولم يهتم بالآخرة ، ما هو الإنسان ؟ من أي سبب يأتيه ملك الموت .

 

الدعوة إلى الله بالدليل والبرهان :


﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ هذه سبيلي ، ليس في الأرض إلا سبيل واحدة ، وما سواها باطل :

﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾

[ سورة الأنعام  ]

بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد ، أما المنحنيات والمنكسرات فيمر ألف خط ، الباطل متعدد ، والحق واحد ، الباطل متعدد هناك باطل غربي ، باطل شرقي ، باطل شهواني ، باطل عقائدي ، باطل سلوكي ، باطل لهو ، أي الباطل أنواع منوعة ، أما الحق فواحد لا يتبدل ، ولا يتغير : 

﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) ﴾

[  سورة يونس  ]

تمشي على الطريق لو خرجت منه فهذا هو الضلال : ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ ، ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي ﴾ الحق واحد  ، قال النبي الكريم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( ليأتينَّ على أمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حَذوَ النَّعلِ بالنَّعلِ ، حتَّى إن كانَ مِنهم من أتى أُمَّهُ علانيَةً لَكانَ في أمَّتي من يصنعُ ذلِكَ ، وإنَّ بَني إسرائيل تفرَّقت على ثِنتينِ وسبعينَ ملَّةً ، وتفترقُ أمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ ملَّةً ، كلُّهم في النَّارِ إلَّا ملَّةً واحِدةً ، قالوا : مَن هيَ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ : ما أَنا علَيهِ وأَصحابي . ))

[ صحيح الترمذي  ]

<< إنما أنا متبِعٌ ولست بمبتدع ، إن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني >> هذا كلام سيدنا الصديق . 

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ﴾ ومن اتبعني ، من اتبعني يدعو إلى الله ، ومن لا يدعو إلى الله لا يتبعني ، لا يتّبِعُني ولا يتْبَعُني ، لا يتّبِعُني أي لا يقتفي أثري ، ولا يتْبَعُني أي لا ينتمي إليّ ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ﴾ علامة أنك متّبِعٌ للنبي عليه الصلاة والسلام أنك تدعو إلى الله ، لكن على بصيرة ، معك الدليل ، معك البرهان ، لا كما يقول بعض رجال الأديان الأخرى : الإيمان فوق العقل ، أي الإيمان غير معقول ، بالإيمان لا تفكر ، سلِّم فقط ، هذه فرية من الشيطان ، من لا دين له لا عقل له ، من لا عقل له لا دين له ، تبارك الذي قسم العقل بين عباده أشتاتاً ، إنّ الرجلين ليستوي عملهما وبرهما وصومهما وصلاتهما ويختلفان في العقل كالذرة جنب أحد ، عندما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ منك ، بك أعطي وبك آخذ ، قوام الرجل عقله ، العقل أصله الدين ، لذلك : ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ﴾ ، العلماء قالوا : كل من ذكر الحجة وأجاب على الشبهة فقد دعا إلى الله ، وضحت آية ، فسرتها تفسيراً صحيحاً ، وضحت حديثاً شريفاً ، وجهته توجيهاً صحيحاً ، ذكرت حكماً فقهياً ، أمرت بمعروف ، نهيت عن منكر ، دعوت إلى ذكر الله ، بينت معنى الإخلاص ، معنى التوكل ، معنى الصبر ، ذكرت شيئاً من أسماء الله الحسنى ، معنى اسم الله الرحيم ، العليم ، اللطيف ، الجامع ، المانع ، القوي ، الغني ، هذا كله دعوة إلى الله ، أي إذا ساهمت في تقريب العبد من ربه فقد دعوته إلى الله ، ومن لوازم الإيمان الدعوة إلى الله ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ ، لست مشركاً ، وعلامة الإيمان عدم الشرك .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور